وإذن فنقول : تعليل الأمر بالتوقّف المعلّق على موضوع الشبهة بالوقوع في الهلاك ظاهر في ثبوت هذه العلّة في جميع أفراد الشبهة ، غاية ما في الباب أنّ المانع عن ذلك بالنسبة إلى بعض الأفراد هي القاعدة العقليّة المذكورة ، فلو كان الجمع بينها وبين الظهور المذكور ممكنا تعيّن ، والجمع بينهما ممكن.
بيانه : أن يكون مخاطبة الإمام في تلك الروايات للسائلين ونهيهم عن ارتكاب الشبهات لأنّ فيها الاقتحام في الهلكة مبنيّة على ثبوت البيان من الشارع بغير هذه الروايات بالنسبة إلى هؤلاء السائلين وأنّه كان الشارع قد بيّن لهم قانونا ظاهريّا بإيجاب الاحتياط في جميع الشبهات.
والحاصل أنّ هذه الروايات ـ بعد عدم إمكان كون نفسها بيانا ، لأنّ الظاهر منها التهلكة الخارجية الثابتة مع قطع النظر عن هذه الروايات دون الجائية من قبل نفسها ، مضافا إلى لزوم الدور من جعل نفسها بيانا ، كما مرّ بيانه في ما تقدّم ـ تكون كاشفة بطريق الإنّ عن ثبوت حكم مولوي كان هو البيان بالنسبة إلى المشافهين.
وهذا نظير ما لو أخبر المتكلّم الذي نعلم بأنّه لا يتكلّم هزوا ولغوا بأنّ ارتكاب الشبهات باعث للهلاكة ، فإنّ سماع هذا الإخبار من هذا المتكلّم مع الالتفات إلى الحكم العقل القطعي بقبح العقاب بلا بيان يكون كاشفا بطريق الإنّ عن وجود بيان وحجّة في حقّ المخاطب وراء هذا الكلام يصحّ بملاحظته مؤاخذته ، كما يكشف عن جامعيّته لسائر الشرائط العقليّة للتكليف من العقل والقدرة.
وبالجملة ، فالأخبار المذكورة حكم إرشادي نستكشف منها الحكم المولوي بطريق الإنّ بالنسبة إلى المشافهين ، فإذا ثبت هذا الحكم الظاهري لهم بهذا الطريق يثبت لنا بدليل الشركة في التكليف ، ويكفي هذا المقدار في البيانية في حقّنا أيضا.
ولا يخفى أنّه لا يمكن دعوى أنّه لعلّ الإطلاق كان من جهة إحراز القيد ؛ فإنّ ذلك العصر كان عصر التمكّن من المعصوم عليهالسلام ، فالشبهات كانت شبهة قبل الفحص ، وجه عدم الإمكان أنّ جميع أفراد الشبهة في حقّ السائل لم يكن محصورة في ما يمكن السؤال عن حكمها عن المعصوم ؛ إذ لعلّ شبهة وقعت له و