الأقطار ، ورجموا البيازين بالحجارة من القلعة ، وعظم الخطب (١) ، وكانت الثورة ثالث شهر ربيع الأول عام أحد وتسعين وثمانمائة ، ودامت الفتنة إلى منتصف جمادى الأولى من العام ، وبلغ الخبر أن السلطان الذي قاموا بدعوته قدم على لوشة ودخلها على وجه رجاء الصلح بينه وبين عمه الزّغل صاحب قلعة غرناطة ، بأن العم يكون له الملك ، وابن أخيه تحت إيالته بلوشة أو بأي المواضع أحب ، ويكونون يدا واحدة على عدوّ الدين ، وبينما هم كذلك (٢) إذا بصاحب قشتالة قد خرج بجند عظيم ومحلة قوية وعدد وعدد ، ونازل لوشة حيث السلطان أبو عبد الله الذي كان أسيرا ، وضيق عليها (٣) الحصار ، وقد كان دخلها جماعة من أهل البيازين بنية الجهاد والمعاضدة وليهم (٤) ، وخاف أهل غرناطة وسواها من أن يكون ذلك حيلة ، فلم يأت لنصرتهم غير البيازين ، واشتد عليهم الحصار ، وكثرت الأقاويل ، وصرحت الألسن بأن ذلك باتفاق بين السلطان المأسور وصاحب قشتالة ، ودخل على أهل لوشة في ربضهم ، وخافوا من الاستئصال ، فطلبوا الأمان في أموالهم وأنفسهم وأهليهم ، فوفى لهم صاحب قشتالة بذلك ، وأخذ البلد في السادس والعشرين لجمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وثمانمائة ، وهي ـ أعني لوشة ـ كانت بلد سلف الوزير لسان الدين بن الخطيب ، كما ذكرناه مستوفى في غير هذا الموضع ، وهاجر أهل لوشة إلى غرناطة ، وبقي السلطان أبو عبد الله الذي كان مأسورا مع النصراني بلوشة ، فصرح عند ذلك أهل غرناطة بأنه ما جاء للوشة إلا ليدخل إليها العدو الكافر ، ويجعلها فداء له ، وقيل : إنه سرّح (٥) له حينئذ ابنه إذ كان مرهونا في الفداء ، وكثر القيل والقال بينهم وبين أهل البيازين في ذلك ، وظهر بذلك ما كان كامنا في القلوب ، ثم رجع صاحب قشتالة إلى بلاده ومعه السلطان المذكور.
وفي نصف جمادى الثانية خرج إلى إلبيرة فهد بعض الأسوار ، وتوعد الناس ، فأعطاه أهله الحصن على الأمان ، فخرجوا وقدموا على غرناطة ، ثم فعل بحصن التلين (٦) مثل ذلك ، وقاتلوا قتالا شديدا ، ولما ضاقوا ذرعا أعطوه بالمقادة على الأمان ، فخرجوا إلى غرناطة وأطاع أهل قلنبيرة من غير قتال ، فخرجوا إلى غرناطة ثم وصل العدو إلى منت فريد (٧) ، فرمى عليهم بالمحرقات وغيرها ، وأحرق دار العدة ، فطلبوا الأمان وخرجوا إلى غرناطة ، وانتقل للصخرة فأخذها ، وحصّن هذه الحصون كلها ، وشحنها بالرجال والعدة ، ورتب فيها الخيل لمحاصرة
__________________
(١) الخطب : المصيبة.
(٢) في ب ، ه «وبينما هم في هذا».
(٣) في ب ، ه «وضيق بها الحصار».
(٤) لمعاضدة وليهم : لمساعدة وليهم.
(٥) سرحه له : أطلقه.
(٦) كذا في أ، ج. وفي ب «بحصن المتلين».
(٧) في ج «متن فريد».