ولما استقر السلطان أبو عبد الله بن السلطان أبي الحسن بغرناطة وطاعت له البلاد غير مالقة والغربية تحرك السلطان أبو الحسن على المنكب ونواحيها ، وأتى ابنه السلطان أبو عبد الله في جند غرناطة والجهة الشرقية ، والتقوا في موضع يعرف بالدب ، فكسر السلطان أبو عبد الله.
ولما سمع السلطان أبو عبد الله صاحب غرناطة بأن عمه بمالقة غنم من النصارى أعمل السفر للغزو بأهل بلاده من غرناطة والشرقية ، وذلك في ربيع الأول من السنة ، إلى أن بلغ نواحي لشانة ، وقتل وأسر وغنم ، فتجمعت عليه النصارى من جميع تلك النواحي ومعه كبير قبرة (١) ، وحالوا بين المسلمين وبلادهم في جبال وأوعار ، فانكسر الجند ، وأسر من الناس كثير وقتل آخرون ، وكان في جملة من أسر السلطان أبو عبد الله ، ولم يعرف ، ثم علم به صاحب لشانة ، وأراد صاحب قبرة أن يأخذه منه ، فهرب به ليلا ، وبلغه إلى صاحب قشتالة ، ونال بذلك عنده رفعة على جميع القواد ، وتفاءل به ، فقلما توجه لجهة أو بعث سريّة إلا وبعثه فيها.
ولما أسر السلطان أبو عبد الله اجتمع كبراء غرناطة وأعيان الأندلس ، وذهبوا لمالقة للسلطان أبي الحسن ، وذهبوا به لغرناطة ، وبايعوه ، مع أنه كان أصابه مثل الصّرع إلى أن ذهب بصره ، وأصابه ضرر ، ولما تعذر أمره قدم أخاه أبا عبد الله ، وخلع له نفسه ، ونزل بالمنكب ، فأقام بها إلى أن مات ، واستقل أخوه أبو عبد الله المعروف بالزّغل بالملك بعده.
وأما أبو عبد الله ابن السلطان أبي الحسن فهو في أسر العدو.
وفي شهر ربيع الآخر من سنة تسعين وثمانمائة خرج العدو في قوة إلى نواحي مالقة ، بعد أن كان في السنة قبلها استولى على حصون ، فاستولى هذه السنة على بعض الحصون ، وقصد (٢) ذكوان ، فهد أسوارها ، وكان بها جملة من أهل الغربية ، ورندة ، ودخل ألف مدرع ذكوان عنوة (٣) ، فأظفر الله تعالى بهم أهل ذكوان ، فقتلوهم جميعا ، ثم طلبوا الأمان وخرجوا.
ثم انتقل في جمادى الأولى إلى رندة وحاصرها ، وكان أهلها خرجوا إلى نصرة ذكوان وسواها ، فحاصر رندة وهدّ أسوارها ، وخرج أهلها على الأمان ، وطاعت له جميع تلك البلاد ، ولم يبق بغربي مالقة إلا من دخل في طاعة الكافر وتحت ذمته ، وضيق بمالقة ، وفرق
__________________
(١) في نسخة «كبير قرة» تحريف. وفي ياقوت «قبرة ـ تأنيث القبر. أظنها أعجمية رومية ـ وهي كورة من أعمال الأندلس تتصل بأعمال قرطبة من قبليها» ا ه.
(٢) في نسخة عند ه «ذكران».
(٣) عنوة : رغما ، بالقوة.