إنه إما أن تهيج حفيظته (١) ، وتثور إحنته (٢) ، فيكشف وجه المطالبة مستكثرا بالأمة التي داس بها أهل قشتالة ، فراجع أمره غلابا ، وحقه ابتزازا واستلابا ، أو يصرفها ويهادن المسلمين بخلال ما لا يدع جهة من جهات دينه الغريب إلا عقد معها صلحا ، وأخذ عليها بإعانتها إياه عهدا ، ثم تفرغ إلى شفاء غليله ، وبلوغ جهده ، ولا شك أنها تجيبه صرفا لبأسه عن نحورها ، ومقارضة كما وقع باطريرة من مضيق صدورها ، ومؤسف جمهورها ، وكل من له دين ما فهو يحرص على التقرب إلى من دانه به وكلفه وظائف تكليف ، رجاء لو عده وخوفا من وعيده ، وبالله ندفع ما لا نطيق من جموع تداعت من الجزر ووراء البحور والبر المتصل الذي لا تقطعه الرفاق ، ولا تحصي ذرعه الحذاق (٣) ، وقد أصبحنا بدار غربة ، ومحل روعة ، ومفترس نبوة ، ومظنة فتنة ، والإسلام عدده قليل ، ومنتجعه في هذه البقعة جديب ، وعهده بالإرفاد والإمداد من المسلمين بعيد ، (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) [البقرة : ٢٨٦] إلى آخر السورة.
وإذا تداعت أمم الكفر نصرة لدينها المكذوب ، وحمية لصليبها المنصوب ، فمن يستدعي لنصر دين الله وحفظ أمانة نبيه إلا أهل ذلك الوطن؟ حيث المآذن بذكر الله تعالى تملأ الآفاق ، وكلمة الإسلام قد عمت الربا والوهاد ، إنما الإسلام غريق قد تشبّث بأهدابكم ، يناشدكم الله في بقية الرمق ، وقبل الرمي تراش السهام (٤) ، وهذا أوان الاعتناء ، واختيار الحماة ، وإعداد الأقوات ، قبل أن يضيق المجال ، وتمنع الموانع ، وقد وجهنا هذا الوفد المبارك للحضور بين يديكم مقرّرا الضرورة ، منهيا الرغبة ، مذكرا بما يقرب عند الله ، مذكّرا لذمام الإسلام ، جالبا على من وراءهم بحول الله تعالى من المسلمين البشرى التي تشرح الصدور ، وتسني الآمال ، وتستدعي الدعاء والثناء ، فالمؤمن كثير بأخيه ، ويد الله مع الجماعة ، والمسلمون يد على من سواهم ، والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، والتعاون على البر والتقوى مشروع ، وفي الذكر الحكيم مذكور ، وحق الجار مشهور ، وما كان جبريل يوصي به في الصحيح مكتوب (٥) ، وكما راع المسلمين اجتماع كلمة الكفر ، فنرجو أن يروّع الكفر من العز بالله ، وشدّ الحيازيم في سبيل الله ، ونفير النفرة لدين الله ، والشعور لحماية (٦) الثغور وعمرانها ، وإزاحة عللها ، وجلب الأقوات إليها ، وإنشاء الأساطيل ، وجبر ما تلف من عدة البحر أمور
__________________
(١) الحفيظة : الغضب.
(٢) الإحنة : الحقد.
(٣) الحذاق : جمع حاذق ، وهو الماهر المدرب.
(٤) مثل معناه : يجب الاستعداد للأمر والتهيؤ له.
(٥) اعتمادا على الحديث الشريف «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
(٦) في ب ، ه «والشعور في حماية الثغور».