فتولى عم أبيه عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن ، فلم يحسن التدبير ، وكان إذ ذاك بالأندلس العادل بن المنصور ، فرأى أنه أحق بالأمر ، فاستولى على ما بقي في أيدي المسلمين من الأندلس بغير كلفة ، ولما خلع عبد الواحد وخنق بمراكش ثارت الإفرنج على العادل بالأندلس ، وتصافّ معهم ، فانهزم ومن معه من المسلمين هزيمة شنعاء ، فكانت الأندلس قرحا على قرح ، فهرب العادل ، وركب البحر يروم مراكش ، وترك بإشبيلية أخاه أبا العلاء إدريس ، ودخل العادل مراكش بعد خطوب (١) ، ثم قبض عليه الموحّدون ، وقدموا يحيى بن الناصر صغير السن غير مجرب للأمور ، فادعى حينئذ الخلافة أبو العلاء إدريس بإشبيلية ، وبايعه أهل الأندلس ، ثم بايعة أهل مراكش وهو مقيم بالأندلس ، فثار على أبي العلاء بالأندلس الأمير المتوكل محمد بن يوسف الجذامي ، ودعا إلى بني العباس ، فمال الناس إليه ، ورجعوا عن أبي العلاء ، فخرج عن الأندلس ـ أعني أبا العلاء ـ وترك ما وراء البحر لابن هود ، ولم يزل أبو العلاء يتحارب مع يحيى بن الناصر إلى أن قتل يحيى ، وصفا الأمر لأبي العلاء بالمغرب ، دون الأندلس ، ثم مات سنة ٦٣٠.
وبويع ابنه الرشيد ، وبايعه بعض أهل الأندلس ، ثم توفي سنة ٦٤٠.
وولي بعده أخوه السعيد ، وقتل على حصن بينه وبين تلمسان سنة ٦٤٦.
وولى بعده المرتضى عمر بن إبراهيم بن يوسف بن عبد المؤمن ، وفي سنة ٦٦٥ دخل عليه الواثق المعروف بأبي دبوس (٢) ، ففر ، ثم قبض ، وسيق إلى الواثق ، فقلته ، ثم قتل الواثق بنو مرين سنة ٦٦٨ ، وبه انقرضت دولة بني عبد المؤمن ، وكانت من أعظم الدولة الإسلامية ، فاستولى بنو مرين على المغرب ، وأما المتوكل بن هود فملك معظم الأندلس ، ثم كثرت عليه الخوارج قريب موته ، وقتله غدرا وزيره ابن الرميمي بالمرية ، واغتنم الإفرنج الفرصة بافتراق الكلمة ، فاستولوا على كثير مما بقي بأيدي المسلمين من البلاد والحصون.
ثم آل الأمر إلى أن ملك بنو الأحمر ، وخطب ببعض (٣) الأندلس لأبي زكريا الحفصي صاحب إفريقية ، وقد سبق الكلام على أكثر المذكور هنا ، وأعدناه لتناسق الحديث ، ولما في بعضه من زيادة الفائدة على البعض الآخر ، وذلك لا يخفى على المتأمل ، وقد بسطنا في الباب الثالث أحوال ابن هود وابن الأحمر وغيرهما ، رحم الله تعالى الجميع!.
__________________
(١) بعد خطوب : بعد مصائب.
(٢) في بعض النسخ «بأبي دبوش».
(٣) في ب «وخطب بعض أهل الأندلس لأبي زكريا الحفصي».