لا يفعل ، فهذه حالة الشك (١) ، وأما حالة اليقين فإني إن استندت إلى ابن تاشفين فإني أرضي الله (٢) ، وإن استندت إلى الأذفونش أسخطت الله تعالى ، فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة ، فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآتي ما يسخطه؟ فحينئذ قصّر أصحابه عن لومه.
ولما عزم أمر صاحب بطليوس المتوكل عمر بن محمد وعبد الله بن حبّوس الصنهاجي صاحب غرناطة أن يبعث إليه كل منهما قاضي حضرته ، ففعلا ، واستحضر قاضي الجماعة بقرطبة أبا بكر عبيد الله بن أدهم ، وكان أعقل أهل زمانه ، فلما اجتمع عنده القضاة بإشبيلية أضاف إليهم وزيره أبا بكر بن زيدون ، وعرفهم أربعتهم أنهم رسله إلى يوسف بن تاشفين ، وأسنه إلى القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف بن تاشفين وترغيبه في الجهاد ، وأسند إلى وزيره ما لابد منه في تلك السّفارة من إبرام العقود السلطانية ، وكان يوسف بن تاشفين لا تزال تفد عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين ، مجهشين بالبكاء (٣) ، ناشدين بالله والإسلام ، مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته ، فيسمع إليهم ، ويصغي لقولهم ، وترقّ نفسه لهم.
فما عبرت رسل ابن عباد البحر إلا ورسل يوسف بالمرصاد ، ولما انتهت الرسل إلى ابن تاشفين أقبل عليهم ، وأكرم مثواهم (٤) ، واتصل ذلك بابن عباد ، فوجه من إشبيلية أسطولا نحو صاحب سبتة ، فانتظمت في سلك يوسف ، ثم جرت بينه وبين الرسل مراوضات ، ثم انصرفت إلى مرسلها ، ثم عبر يوسف البحر عبورا سهلا ، حتى أتى الجزيرة الخضراء ، ففتحوا له ، وخرج إليه أهلها بما عندهم من الأقوات والضيافات ، وأقاموا له سوقا جلبوا إليه ما عندهم من سائر المرافق ، وأذنوا للغزاة في دخول البلد والتصرف فيها ، فامتلأت المساجد والرحبات بالمطّوّعين (٥) ، وتواصوا بهم خيرا ، هذا مساق صاحب «الروض المعطار».
وأما ابن الأثير فإنه لما ذكر وقعة الزلّاقة ذكر ما تقدم من فعل المعتمد بالأرسال وقتلهم (٦) ، وتخوف أكابر الأندلس من الأذفونش ، وأنه اجتمع منهم رؤساء ، وساروا إلى القاضي عبد الله بن محمد (٧) ، وقالوا : ألا تنظر [إلى] ما فيه المسلمون من الصّغار والذلة وإعطائهم الجزية ، بعد أن كانوا يأخذونها ، وقالوا : قد غلب على البلاد الفرنج ، ولم يبق إلا القليل ، وإن دام (٨) هذا الأمر عادت نصرانية كما كانت أولا ، وقد رأينا رأيا نعرضه عليك ،
__________________
(١) في ب ، ج «فهذه حالة شك».
(٢) في ب ، ه «فأنا أرضي الله».
(٣) أجهش بالبكاء : بكى بصوت مرتفع ونحيب.
(٤) مثواهم : إقامتهم.
(٥) المطّوعين ، بتشديد الطاء ، أصله : «المتطوعين» قلبت التاء طاء وأدغمت في الطاء.
(٦) انظر الكافي في التاريخ.
(٧) في ب «عبد الله بن محمد بن أدهم».
(٨) في ب ، ه «وإن طال هذا الأمر».