يرسلون إلاّ عَمَّن يوثق به ، وبين ما يسنده غيرهم ؛ ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد (١) عن رواية غيرهم (٢) ، انتهى.
وليس فيه ذكر للإجماع المذكور ، إلاّ أنّ المنصف المتأمل في هذا الكلام لا يرتاب أنّ المراد من قوله : من الثقات الذين. إلى آخره : أصحاب الإجماع المعهودين ، إذ ليس في جميع ثقات الرواة جماعة معروفون بصفة خاصّة ، مشتركون فيها ، ممتازون بها عن غيرهم غير هؤلاء. فإن صريح كلامه : أنّ فيهم جماعة معروفين عند الأصحاب بهذه الفضيلة ، ولا تجد في كتب هذا الفن من طبقة الثقات عصابة مشتركين في فضيلة غير هؤلاء.
ومنه يظهر أيضاً سبب هذا الإجماع ، ومستند الإجماع الذي طال التشاجر فيه ، وسننبه عليه (ان شاء الله تعالى) ويظهر أيضاً أنّ ما اشتهر أنّ الشيخ ادّعى الإجماع على أنّ ابن أبي عمير ، وصفوان ، والبزنطي خاصّة لا يروون ولا يرسلون إلاّ عن ثقة ، وشاع في الكتب حتى صار من مناقب الثلاثة ، وعدّ من فضائلهم خطأً محض ، منشأه عدم المراجعة إلى العدة الصريحة في أنّ هذا من فضائل جماعة ، وذكر الثلاثة من باب المثال.
فمن الغريب ما في رسالة السيّد الجليل ، البحر الزاخر ، السيّد محمّد
__________________
(١) إذا انفرد) كذا في الأصل والمصدر ، والصحيح : (إذا انفردت) لمكان الجميع ، ويصح الأول فيما لو قال : « عملوا بمرسلهم. » كما مرّ في نقل النص بعينه في الفائدة الرابعة انظر الجزء الثالث ، صحيفة : ٤٧٥.
(٢) عدة الأصول ١ : ٥٨ ، في آخر مبحث الخبر الواحد.
على أن هذه الدعوى من الشيخ قدسسره لم يعمل بها الشيخ نفسه فقد أورد في التهذيب ٨ : ٢٥٧ / ٩٣٢ ، والاستبصار ٤ : ٢٧ / ٨٧ ، رواية محمد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، وردّها في هذين الكتابين لكونهما مرسلة ، والمرسل على حدّ تعبيره قدسسره لا يعارض به الاخبار المسندة.