بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

رسول الله ، فتصل دعوته إلى كل بر وفاجر ، وعالم وجاهل ، ومقر ومنكر ، في شرق الارض وغربها ، ولو جاز أن يكون الحجة من الله على هذا الخلق في غير هذا الجنس لاتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لايجده ، ولو جاز أن يطلبه في أجناس هذا الخلق من العجم وغيرهم لكان من حيث أراد الله أن يكون صلاحا يكون فسادا ، ولا يجوز هذا في حكم الله تبارك وتعالى وعدله ، أن يفرض على الناس فريضة لا توجد.

فلما لم يجز ذلك لم يجز إلا أن يكون إلا في هذا الجنس لاتصاله بصاحب الملة والدعوة ، ولم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهي قريش ، ولما لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة والدعوة ، ولما كثر أهل هذا البيت ، وتشاجروا في الامامة لعلوها وشرفها ادعاها كل واحد منهم ، فلم يجز إلا أن يكون من صاحب الملة والدعوة إليه إشارة بعينه واسمه ونسبه لئلا يطمع فيها غيره.

وأما الاربع التي في نعت نفسه : أن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله وسننه ، وأحكامه ، حتى لايخفى عليه منها دقيق ولا جليل ، وأن يكون معصوما من الذنوب كلها ، وأن يكون أشجع الناس ، وأن يكون أسخى الناس ، قال : من أين قلت : إنه أعلم الناس؟ قال : لانه إن لم يكن عالما بجميع حدود الله وأحكامه وشرائعه وسننه ، لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود ، فمن وجب عليه القطع حده ، و من وجب عليه الحد قطعه ، فلا يقيم لله حدا على ما أمر به ، فيكون من حيث أراد الله صلاحا يقع فسادا.

قال : فمن أين قلت : إنه معصوم من الذنوب؟ قال : لانه إن لم يكن معصوما من الذنوب ، دخل في الخطاء فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ، ويكتم على حميمه وقريبه ، ولا يحتج الله عزوجل بمثل هذا على خلقه.

قال : فمن أين قلت : إنه أشجع الناس؟ قال : لانه فئة للمسلمين الذين

٢٠١

يرجعون إليه في الحروب وقال الله عزوجل « ومن لولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآء بغضب من الله » (١) فان لم يكن شجاعا فر فيبوء بغضب من الله ، فلا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله حجة لله على خلقه.

قال : فمن أين قلت : إنه أسخى الناس؟ قال : لانه خازن المسلمين ، فان لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها ، فكان خائنا ، ولا يجوز أن يحتج الله على خلقه بخائن ، فقال عند ذلك ضرار : فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟ فقال : صاحب العصر أمير المؤمنين وكان هارون الرشيد : قد سمع الكلام كله فقال عند ذلك : أعطانا والله من جراب النورة ، ويحك ياجعفر وكان جعفر بن يحيى جالسا معه في الستر من يعني بهذا؟ قال : يا أمير المؤمنين يعني موسى بن جعفر قال : ماعنى بها غير أهلها ، ثم عض على شفته ، وقال : مثل هذا حي ويبقى لي ملكي ساعة واحدة؟! فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف.

وعلم يحيى أن هشاما قد اتي فدخل الستر فقال : ويحك ياعباسي من هذا الرجل؟ فقال : يا أمير المؤمنين تكفى تكفى ، ثم خرج إلى هشام فغمزه ، فعلم هشام أنه قد اتى فقام يريهم أنه يبول أو يقضي حاجة ، فلبس نعليه وانسل ، ومر ببنيه وأمرهم بالتواري ، وهرب ، ومر من فوره نحو الكوفة ، ونزل على بشير النبال وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبدالله عليه‌السلام فأخبره الخبر ، ثم اعتل علة شديدة فقال له بشير : آتيك بطبيب؟ قال لا : أنا ميت.

فلما حضره الموت قال لبشير : إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة ، واكتب رقعة وقل هذا هشام بن الحكم الذي طلبه أمير المؤمنين مات حتف أنفه ، وكان هارون قد بعث إلى إخوانه وأصحابه ، فأخذ الخلق به فلما أصبح أهل الكوفة رأوه ، وحضر القاضي ، وصاحب المعونة ، والعامل والمعدلون بالكوفة ، وكتب إلى الرشيد بذلك فقال : الحمد لله الذي كفانا أمره

____________________

(١) سورة الانفال الاية : ١٦.

٢٠٢

فخلى عمن كان اخذ به (١).

بيان : قد اتي على المجهول أي هلك من قولهم : أتى عليه أي أهلكه ، وقوله تكفى على المجهول أي تكفى شره ونقتله.

٧ ـ عم (٢) شا : ابن قولويه ، عن الكليني ، عن علي ، عن أبيه ، عن جماعة من رجاله ، عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال له : إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض ، وقد جئت لمناظرة أصحابك فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : كلامك هذا من كلام رسول الله؟ أو من عندك؟ فقال : من كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعضه ،ومن عندي بعضه ، فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : فأنت إذا شريك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله!؟ قال : لا قال : فسمعت الوحي عن الله تعالى؟ قال : لا قال : فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : لا.

قال : فالتفت أبوعبدالله عليه‌السلام إلي وقال لي : يايونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم ، قال : يايونس لو كنت تحسن الكلام لكلمته ، قال يونس : فيالها من حسرة فقلت : جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام ، وتقول ويل لاصحاب الكلام ، يقولون هذا ينقاد ، وهذا لاينقاد ، وهذا ينساق ، وهذا لاينساق وهذا نعقله ، وهذا لانعقله ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : إنما قلت ويل لقوم تركوا قولي ، وذهبوا إلى مايريدون.

ثم قال : اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله! قال : فخرجت فوجدت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام ومحمد بن النعمان الاحول وكان متكلما وهشام بن سالم وقيس الماصر وكانا متكلمين فأدخلتهم عليه.

فلما استقر بنا المجلس ، وكنا في خيمة لابي عبدالله عليه‌السلام على طرف جبل في طرف الحرم ، وذلك قبل الحج بأيام أخرج أبوعبدالله عليه‌السلام رأسه من الخيمة

____________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة ج ٢ ص ٣١ بتفاوت.

(٢) اعلام الورى ص ٢٧٣ بتفاوت.

٢٠٣

فاذا هو ببعير يخب فقال : هشام ورب الكعبة ، فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة لابي عبدالله عليه‌السلام فاذا هشام بن الحكم قد ورد وهو أول ما اختطت لحيته ، وليس فينا إلا من هو أكبر منه سنا.

قال : فوصع إليه أبو عبدالله عليه‌السلام وقال : ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ، ثم قال لحمران : كلم الرجل يعني الشامي فتكلم حمران ، فظهر عليه ثم قال : ياطاقي كلمه فكلمه فظهر عليه محمد بن النعمان ، ثم قال : ياهشام بن سالم كلمه فتعارفا ثم قال لقيس الماصر : كلمه فكلمه وأقبل أبوعبدالله عليه‌السلام فتبسم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ثم قال للشامي : كلم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم فقال : نعم.

ثم قال الشامي لهشام : ياغلام سلني في إمامة هذا يعني أبا عبدالله عليه‌السلام فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال : أخبرني ياهذا أربك أنظر لخلقه؟ أم هم لانفسهم؟ فقال الشامي : بل ربي أنظر لخلقه قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟ قال : كلفهم وأقام لهم حجة ودليلا على ماكلفهم ، وأزاح في ذلك عللهم ، فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟ قال الشامي : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال هشام : فبعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من؟ قال : الكتاب والسنة.

قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه ، حتى رفع عنا الاختلاف ، ومكننا من الاتفاق؟ قال الشامي : نعم فقال له هشام : فلم اختلفنا نحن وأنت ، وجئت لنا من الشام تخالفنا ، وتزعم أن الرأي طريق الدين وأنت مقر بأن الرأي لايجمع على القول الواحد المختلفين؟ فسكت الشامي كالمفكر.

فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : مالك لاتتكلم؟ قال : إن قلت : إنا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت : إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف ، أبطلت ، لانهما يحتملان الوجوه ، لكن لي عليه مثل ذلك فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : سله تجده مليا.

فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم؟ فقال هشام : بل ربهم

٢٠٤

أنظر لهم فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ، ويرفع اختلافهم ، ويبين لهم حقهم من باطلهم؟ قال هشام : نعم قال الشامي : من هو؟ قال هشام : أما في ابتداء الشريعة فرسول الله ، وأما بعد النبي فغيره فقال الشامي : ومن هو غير النبي القائم مقامه في حجته؟ قال هشام : في وقتنا هذا؟ أم قبله؟ قال الشامي : بل في وقتنا هذا قال هشام : هذا الجالس يعني أبا عبدالله عليه‌السلام الذي تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء ، وراثة عن أب عن جد فقال الشامي : وكيف لي بعلم ذلك؟ قال هشام : سله عما بدا لك قال الشامي : قطعت عذري فعلي السؤال.

فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : أنا أكفيك المسألة ياشامي ، اخبرك عن مسيرك و سفرك ، خرجت في يوم كذا وكذا ، وكان طريقك من كذا ، ومررت على كذا ، و مر بك كذا ، فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من أمره يقول : صدقت والله.

ثم قال له الشامي : أسلمت لله الساعة ، فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : بل آمنت بالله الساعة ، إن الاسلام قبل الايمان ، وعليه يتوارثون ، ويتناكحون ، والايمان عليه يثابون ، قال الشامي : صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنك وصي الانبياء.

قال : فأقبل أبوعبدالله عليه‌السلام على حمران بن أعين فقال : ياحمران تجري الكلام على الاثر فتصيب ، والتفت إلى هشام بن سالم فقال : تريد الاثر ولا تعرف ثم التفت إلى الاحوال فقال : قياس رواغ ، تكسر باطلا بباطل ، لكن باطلك أظهر ، ثم التفت إلى قيس الماصر فقال : يتكلم وأقرب مايكون من الخبر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أبعد ما يكون منه ، يمزج الحق بالباطل ، وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل ، أنت والاحول قفازان ، حاذقان ، قال يونس بن يعقوب : وظننت والله أنه يقول لهشام قريبا مما قال لهما فقال : ياهشام لاتكاد تقع ، تلوي رجليك إذا هممت بالارض طرت ، مثلك فليكلم الناس ، اتق الزلة ، والشفاعة من ورائك (١).

أقول : إنما أوردنا أحوال هشام في أبواب أحواله عليه‌السلام لاشتمالها على بعض أحواله عليه‌السلام ، وقد مضى كثير من احتجاجات هشام في كتاب الاحتجاجات.

____________________

(١) الارشاد للشيخ المفيد ص ٢٩٦.

٢٠٥

٩

* ( باب ) *

* « ( احواله عليه‌السلام في الحبس إلى شهادته ) » *

* « ( وتاريخ وفاته ، ومدفنه صلوات الله عليه ) » *

* ( ولعنة الله على من ظلمه ) *

١ ـ مصبا : في الخامس والعشرين من رجب كانت وفاة أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام (١).

٢ ـ كا : قبض عليه‌السلام لست خلون من رجب من سنة ثلاث وثمانين ومائة ، و هو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة ، وقبض عليه‌السلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك ، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومائة ، وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان ، ثم شخص هارون إلى الحج وحمله معه ثم انصرف على طريق البصرة ، فحبسه عند عيسى بن جعفر ثم أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك ، فتوفي عليه‌السلام في حبسه ، ودفن ببغداد في مقبرة قريش (٢).

٣ ـ كا : سعد والحميري معا ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : قبض موسى ابن جعفر عليه‌السلام وهو ابن أربع وخمسين سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة ، وعاش بعد جعفر عليه‌السلام خمسا وثلاثين سنة (٣).

____________________

(١) مصباح المتهجد ص ٥٦٦.

(٢) الكافى ج ١ ص ٤٧٦ بزيادة في آخره.

(٣) نفس المصدر ج ١ ص ٤٨٦.

٢٠٦

٤ ـ ضه : وفاته عليه‌السلام كانت ببغداد يوم الجمعة لست بقين من رجب ، وقيل لخمس خلون منه سنة ثلاث وثمانين ومائة (١).

٥ ـ قل : محمد بن علي الطرازي باسناده إلى أبي علي بن إسماعيل بن يسار قال : لما حمل موسى عليه‌السلام إلى بغداد ، وكان ذلك في رجب سنة تسع وسبعين و مائة دعا بهذا الدعاء ، كان ذلك يوم السابع والعشرين منه يوم المبعث (٢).

٦ ـ الدروس : قبض عليه‌السلام مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب ، سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وقيل : يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدى وثمانين ومائة (٣).

٧ ـ ن : الطالقاني ، عن محمد بن يحيى الصولي ، عن أبي العباس أحمد بن عبدالله عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن صالح بن علي بن عطية قال : كان السبب في وقوع موسى بن جعفر عليه‌السلام إلى بغداد أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الامر لابنه محمد بن زبيدة ، وكان له من البنين أربعة عشر ابنا فاختار منهم ثلاثة : محمد بن زبيدة ، وجعله ولي عهده ، وعبدالله المأمون ، وجعل الامر له بعد ابن زبيدة ، و القاسم المؤتمن ، وجعل الامر له بعد المأمون ، فأراد أن يحكم الامر في ذلك ، و يشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام.

فحج في سنة تسع وسبعين ومائة وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهآء والعلمآء والقراء والامراء أن يحضروا مكة أيام الموسم ، فأخذ هو طريق المدينة قال علي ابن محمد النوفلي : فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر عليه‌السلام وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الاشعث ، فساء ذلك يحيى ، وقال : إذا مات الرشيد وأفضى الامر إلى محمد انقضت دولتي ودولة

____________________

(١) روضة الواعظين ص ٢٦٤ بأدنى تفاوت.

(٢) الاقبال ص ١٦٩.

(٣) الدورس للشهيد ص ١٥٥ طبع ايران سنة ١٢٦٩.

٢٠٧

ولدي وتحول الامر إلى جعفر بن محمد بن الاشعث وولده ، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع ، فأظهر له أنه على مذهبه فسر به جعفر وأفضى إليه بجميع اموره وذكر له ماهو عليه في موسى بن جعفر عليه‌السلام.

فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد ، فكان الرشيد يدعى له موضعه و موضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره ويؤخر ، ويحيى لايألوأن يخطب عليه ، إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له إكراما ، وجرى بينهما كلام مت به جعفر بحرمته وحرمة أبيه ، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار ، فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى ، ثم قال للرشيد : يا أمير المؤمنين قد كنت اخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه ، وههنا أمر فيه الفيصل قال : وماهو؟ قال : إنه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات إلا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر ، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين الالف الدينار التي أمرت بها له فقال هارون : إن في هذا لفيصلا.

فأرسل إلى جعفر ليلا ، وقد كان عرف سعاية يحيى به ، فتباينا وأظهر كل واحد فيهما لصاحبه العداوة ، فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى ، وأنه إنما دعاه ليقتله ، فأفاض عليه مآءا ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما ، ولبس بردة فوق ثيابه ، وأقبل إلى الرشيد ، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور ، ورأى البردة عليه ، قال : ياجعفر ماهذا!؟

فقال : يا أمير المؤمنين قد علمت أنه قد سعي بي عندك ، فلما جآءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك مايقال علي فأرسلت إلي لتقتلني.

فقال : كلا ، ولكن قد خبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل مايصير إليك بخمسه : وأنك قد فعلت ذلك في العشرين الالف الدينار ، فأحببت أن أعلم ذلك ، فقال جعفر : الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها.

٢٠٨

فقال الرشيد لخادم له : خذ خاتم جعفر وانطلق به حتى تأتيني بهذا المال وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد فقال له جعفر : هذا أول ماتعرف به كذب من سعى بي إليك قال : صدقت ياجعفر انصرف آمنا فإني لا أقبل فيك قول أحد ، قال : وجعل يحيى يحتال في إسقاط جعفر.

قال النوفلي : فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه ، وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة ، قال : لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال لي : مالك قد أخملت نفسك مالك لاتدبر أمر الوزير؟ فقد أرسل إلي فعادلته وطلبت الحوائج إليه.

وكان سبب ذلك أن يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم : ألا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا ، فاوسع له منها؟ قال : بلى ، أدلك على رجل بهذه الصفة وهو علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ، فأرسل إليه يحيى فقال : أخبرني عن عمك ، وعن شيعته ، والمال الذي يحمل إليه فقال له : عندي الخبر فسعى بعمه ، فكان في سعايته أن قال : إن من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعة تسمى البشرية بثلاثين ألف دينار ، فلما أحضر المال قال البايع : لا اريد هذا النقد اريد نقد كذا وكذا ، فأمر بها فصبت في بيت ماله ، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه في ثمن الضيعة.

قال النوفلي : قال أبي : وكان موسى بن جعفر عليهما‌السلام يأم لعلي بن إسماعيل بالمال ويثق به حتى ربما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل ثم استوحش منه ، فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر عليه‌السلام أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق ، فأرسل إليه : مالك والخروج مع السلطان؟ قال : لان علي دينا فقال : دينك علي قال : وتدبير عيالي قال : أنا أكفيهم فأبى إلا الخروج فأرسل إليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثمائة

٢٠٩

دينار ، وأربعة آلاف درهم فقال : اجعل هذا في جهازك ، ولا توتم ولدي (١).

توضيح : قوله أن يخطب عليه في أكثر النسخ بالخاء المعجمة أي ينشئ الخطب مغريا عليه أي يحسن الكلام ويحبره في ذمه ، وفي بعضها بالمهملة قال الفيروزآبادي (٢) حطب به سعى وقال الجزري (٣) : المت التوسل والتوصل بحرمة أو قرابة أو غير ذلك ، قوله قد قدح في قلبك أي أثر من قولهم قدحت النار ، قوله فعادلته أي ركبت معه في المحمل.

أقول : قد مضى سبب تشيع جعفر بن محمد بن الاشعث في باب معجزات الصادق عليه‌السلام.

٨ ـ ن : المكتب عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن موسى بن القاسم البجلي ، عن علي بن جعفر قال : جائني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد و ذكر لي أن محمد بن جعفر دخل على هارون الرشيد فسلم عليه بالخلافة ثم قال له : ماظننت أن في الارض خليفتين حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة ، وكان ممن سعى بموسى بن جعفر عليه‌السلام يعقوب بن داود وكان يرى رأي الزيدية (٤).

٩ ـ ن (٥) لى : أبي ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن أحمد بن عبدالله القروي ، عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي : ادن مني فدنوت حتى حاذيته ثم قال لي : أشرف إلى البيت في الدار ، فأشرفت فقال : ماترى في البيت؟ قلت : ثوبا مطروحا فقال : انظر حسنا فتأملت ونظرت فتيقنت فقلت : رجل ساجد فقال لي : تعرفه؟ قلت : لا قال : هذا مولاك قلت :

____________________

(١) عيون أخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٦٩.

(٢) القاموس ج ١ ص ٥٦٠.

(٣) النهاية ج ٤ ص ٧٥.

(٤) عيون أخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٧٢.

(٥) نفس المصدر ج ١ ص ١٠٦ بتفاوت.

٢١٠

ومن مولاي!؟ فقال : تتجاهل علي!؟ فقلت : ما أتجاهل ولكني لا أعرف لي مولى.

فقال : هذا أبوالحسن موسى بن جعفر إني أتفقده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت من الاوقات إلا على الحال التي اخبرك بها إنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته ، إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة ، فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصد له الزوال ، فلست أدري متى يقول الغلام قد زالت الشمس إذ يثب فيبتدئ بالصلاة ، من غير أن يجدد وضوءآ فأعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى.

فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس ، فاذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثا ، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة فإذا صلى العتمة أفطر على شوي يؤتى به ، ثم يجدد الوضوء ، ثم يسجد ثم يرفع رأسه ، فينام نومة خفيفة ، ثم يقوم فيجدد الوضوء ، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل ، حتى يطلع الفجر ، فلست أدري متى يقول الغلام إن الفجر قد طلع إذ قد وثب هو لصلاة الفجر ، فهذا دأبه منذ حول إلي.

فقلت : اتق الله ، ولا تحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة ، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوء إلا كانت نعمته زائلة ، فقال : قد أرسلوا إلي في غير مرة يأمرونني بقتله ، فلم اجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ماسألوني.

فلما كان بعد ذلك حول إلى الفضل بن يحيى البرمكي ، فحبس عنده أياما فكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة ، ومنع أن يدخل إليه من عند غيره ، فكان لايأكل ولايفطر إلا على المائدة التي يؤتى بها ، حتى مضى على تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها ، فلما كانت الليلة الرابعة ، قدمت إليه مائدة للفضل

٢١١

ابن يحيى قال : ورفع عليه‌السلام يده إلى السماء فقال : يارب إنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي قال : فأكل فمرض ، فلما كان من غد بعث إليه بالطبيب ليسأله عن العلة فقال له الطبيب : ماحالك؟ فتغافل عنه ، فلما أكثر عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب ثم قال : هذه علتي وكانت خضرة وسط راحته تدل على أنه سم ، فاجتمع في ذلك الموضع قال : فانصرف الطبيب إليهم وقال : والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم ، ثم توفي عليه‌السلام (١).

١٠ـ ن (٢) لى : أبي ، عن سعد ، عن اليقطيني ، عن الحسن بن محمد بن بشار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله قال : قال لي : قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله قال : قلت : من؟ وكيف رأيته؟ قال : جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن جعفر فقال لنا السندي : ياهؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به ، ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا ، وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره أمير المؤمنين ، وها هوذا صحيح ، موسع عليه في جميع أمره فاسألوه.

قال : ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل ، وإلى فضله وسمته فقال : أما ماذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ماذكر غير أني اخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات وإني أخضر غدا وبعد غد أموت.

قال : فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة ، قال الحسن : وكان هذا الشيخ من خيار العامة شيخ صديق ، مقبول القول ، ثقة ثقة جدا عند الناس (٣).

____________________

(١) أمالى الصدوق ص ١٤٦.

(٢) عيون أخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٩٦.

(٣) أمالى الصدوق ص ١٤٩.

٢١٢

١١ ـ ب : اليقطيني ، عن الحسن بن محمد بن بشار مثله (١).

١٢ ـ غط : الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني مثله (٢).

١٣ ـ ن : الطالقاني ، عن محمد بن يحيى الصولي ، عن أحمد بن عبدالله عن علي بن محمد بن سليمان ، عن إبراهيم بن أبي البلاد قال : كان يعقوب بن داود يخبرني أنه قد قال بالامامة ، فدخلت إليه بالمدينة في الليلة التي اخذ فيها موسى بن جعفر عليه‌السلام في صبيحتها فقال لي : كنت عند الوزير الساعة يعني يحيى بن خالد فحدثنى أنه سمع الرشيد يقول عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كالمخاطب له : « بأبي أنت وامي يارسول الله إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه ، وإني اريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه ، لاني قد خشيت أن يلقي بين امتك حربا تسفك فيها دماؤهم » وأنا أحسب أنه سيأخذه غدا فلما كان من الغد أرسل إليه الفضل بن الربيع وهو قائم يصلي في مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر بالقبض عليه وحبسه (٣).

١٤ ـ ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن صالح قال : حدثني حاجب الفضل بن الربيع عن الفضل بن الربيع قال : كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك فقالت الجارية : لعل هذا من الريح ، فلم يمض إلا يسير حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح وإذا مسرور الكبير قد دخل علي فقال لي : أجب الامير ، ولم يسلم علي.

فيئست من نفسي وقلت : هذا مسرور ودخل إلي بلا إذا ولم يسلم ، ماهو إلا القتل ، وكنت جنبا فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتى أغتسل فقالت لي الجارية : لما رأت تحيري وتبلدي : ثق بالله عزوجل وانهض ، فنهضت ، ولبست ثيابي ، و

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١٩٢.

(٢) غيبة الشيخ الطوسي ص ٢٦ بتفاوت.

(٣) عيون أخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٧٣.

٢١٣

خرجت معه حتى أتيت الدار فسلمت على أمير المؤمنين وهو في مرقده فرد علي السلام فسقطت فقال : تداخلك رعب؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين فتركني ساعة حتى سكنت ثم قال لي : صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر محمد وادفع إليه ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاثة مراكب ، وخيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا إلى أي بلد أراد وأحب.

فقلت : يا أمير المؤمنين تأمر باطلاق موسى بن جعفر؟ قال : نعم فكررت ذلك عليه ثلاث مرات فقال لي : نعم ويلك أتريد أن أنكث العهد؟ فقلت : يا أمير المؤمنين وما العهد؟ قال : بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود مارأيت من السودان أعظم منه ، فقعد على صدري وقبض على حلقي وقال لي : حبست موسى ابن جعفر ظالما له؟ فقلت : فأنا اطلقه وأهب له ، وأخلع عليه ، فأخذ علي عهد الله عزوجل وميثاقه ، وقام عن صدري ، وقد كادت نفسي تخرج.

فخرجت من عنده ووافيت موسى بن جعفر عليه‌السلام وهو في حبسه فرأيته قائما يصلي فجلست حتى سلم ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين وأعلمته بالذي أمرني به في أمره ، وأني قد أحضرت ماوصله به ، فقال : إن كنت امرت بشئ غير هذا فافعله؟ فقلت : لا وحق جدك رسول الله ما امرت إلا بهذا فقال : لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال إذ كانت فيه حقوق الامة فقلت : ناشدتك بالله أن لا ترده فيغتاظ فقال : اعمل به ما أحببت ، وأخذت بيده عليه‌السلام وأخرجته من السجن.

ثم قلت له : يا ابن رسول الله أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل ، فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك ، ولما أجراه الله عزوجل على يدي من هذا الامر فقال عليه‌السلام : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الاربعآء في النوم فقال لي : ياموسى أنت محبوس مظلوم؟ فقلت : نعم يارسول الله محبوس مظلوم ، فكرر علي ذلك ثلاثا ثم قال : « وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين » (١) أصبح غدا صائما وأتبعه بصيام الخميس والجمعة ، فاذا كان وقت الافطار فصل اثنتي عشرة

____________________

(١) سورة الانبياء الاية : ١١١.

٢١٤

ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد واثنتي عشرة مرة قل هو الله أحد ، فاذا صليت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل : ياسابق الفوت ياسامع كل صوت يامحيي العظام وهي رميم بعد الموت أسألك باسمك العظيم الاعظم أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأن تعجل لي الفرج مما أنا فيه ، ففعلت فكان الذي رأيت (١).

بيان : ساوره واثبه.

١٥ ـ ختص : حمدان بن الحسين النهاوندي ، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي عن أحمد بن إسماعيل ، عن عبيد الله بن صالح مثله ، وفيه فسرت إليه مرعوبا فقال لي : يافضل أطلق موسى بن جعفر الساعة وهب له ثمانين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على خمسة من الظهر (٢).

١٦ ـ ن : الهمداني عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن الحسين المدني ، عن عبدالله بن الفضل ، عن أبيه الفضل قال : كنت أحجب للرشيد فأقبل علي يوما غضبانا وبيده سيف يقلبه فقال لي : يافضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك ، فقلت : بمن أجيئك؟ فقال : بهذا الحجازي قلت : وأي الحجازيين؟ قال موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب.

قال الفضل : فخفت من الله عزوجل إن جئت به إليه ثم فكرت في النقمة فقلت له : أفعل فقال : ائتني بسواطين وهبنازين (٣) وجلادين قال : فأتيته بذلك ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر.

فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل فاذا أنا بغلام أسود فقلت له : استأذن لي على مولاك يرحمك الله فقال لي : لج ليس له حاجب ولا بواب ، فولجت

____________________

(١) عيون أخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٧٣.

(٢) الاختصاص ص ٥٩.

(٣) نسخة في هامش مطبوعة الكمبانى « هسارين » « هصارين ».

٢١٥

إليه ، فاذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده فقلت له : السلام عليك يا ابن رسول الله أجب الرشيد فقال : ماللرشيد و مالي؟ أما تشغله نعمته عني؟ ثم قام مسرعا ، وهو يقول : لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن طاعة السلطان للتقية واجبة إذا ماجئت.

فقلت له : استعد للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك الله فقال عليه‌السلام : أليس معي من يملك الدنيا والآخرة ، ولن يقدر اليوم على سوء بي إنشآء الله قال الفضل بن الربيع : فرأيته وقد أدار يده يلوح على رأسه ثلاث مرات فدخلت إلى الرشيد فاذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران فلما رآني قال لي : يافضل فقلت : لبيك فقال : جئتني بابن عمي؟ قلت : نعم قال : لا تكون أزعجته؟ فقلت : لا قال : لا تكون أعلمته أني عليه غضبان؟ فاني قد هيجت على نفسي مالم ارده ائذن له بالدخول فأذنت له.

فلما رآه وثب إليه قائما وعانقه وقال له : مرحبا بابن عمي وأخي ، ووارث نعمتي ، ثم أجلسه على فخذه وقال له : ما الذي قطعتك عن زيارتنا؟ فقال : سعة ملكك وحبك للدنيا فقال : ايتوني بحقة الغالية ، فاتي بها فغلفه بيده ثم أمره أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير فقال موسى بن جعفر عليه‌السلام : والله لو لا أني أرى من ازوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ثم تولى عليه‌السلام وهو يقول : الحمد لله رب العالمين.

فقال الفضل : يا أمير المؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته؟ فقال لي : يافضل إنك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحوقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون : إن آذى ابن رسول الله خسفنا به وإن أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه.

فتبعته عليه‌السلام فقلت له : ما الذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد؟ فقال : دعآء جدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان إذا دعا به مابرز إلى عسكر إلا هزمه ، ولا إلى فارس إلا قهره ، وهو دعآء كفاية البلاء قلت : وماهو؟ قال : قلت : اللهم بك

٢١٦

اساور ، وبك احاول ، وبك احاور ، وبك أصول ، وبك أنتصر ، وبك أموت ، وبك أحيا أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم اللهم إنك خلقتني ورزقتني وسترتني ، وعن العباد بلطف ماخولتني أغنيتني ، وإذا هويت رددتني ، وإذا عرثت قومتني ، وإذا مرضت شفيتني ، وإذا دعوت أجبتني ياسيدي ارض عني فقد أرضيتني (١).

بيان : الكوخ بالضم بيت من قصب بلا كوة ، ولوح الرجل بثوبه وبسيفه لمع به وحركه.

١٧ ـ ن : يحيى بن المكتب عن الوراق ، عن علي بن هارون الحميري ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبيه ، عن علي بن يقطين قال : انهي الخبر إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وعنده جماعة من أهل بيته ، بما عزم عليه موسى ابن المهدي في أمره فقال لاهل بيته : ما تشيرون؟ قالوا : نرى أن تتباعد عنه ، وأن تغيب شخصك منه ، فانه لايؤمن شره ، فتبسم أبوالحسن عليه‌السلام ثم قال :

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

وليغلبن مغلب الغلاب

ثم رفع عليه‌السلام يده إلى السمآء فقال : اللهم كم من عدو شحذلي ظبة مديته ، وأرهف لي شبا حده وداف لي قواتل سمومه ، ولم تنم عني عين حراسته فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن ملمات الجوايح صرفت عني ذلك بحولك وقوتك ، لا بحولي وقوتي ، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي خائبا مما أمله في دنياه متباعدا مما رجاه في آخرته فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك سيدي اللهم فخذه بعزتك وافلل حده عني بقدرتك ، واجعل له شغلا فيما يليه وعجزا عمن يناويه ، اللهم وأعدني عليه عدوى حاضرة تكون من غيظي شفآءا ومن حقي عليه وفآءا وصل اللهم دعائي بالاجابة ، وانظم شكايتي بالتغيير ، وعرفه عما قليل ماوعدت الظالمين ، وعرفني ماوعدت في إجابة المضطرين ، إنك ذو الفضل

____________________

(١) عيون أخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٧٦.

٢١٧

العظيم ، والمن الكريم (١).

قال : ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسى بن المهدي ، ففي ذلك يقول بعض من حضر موسى عليه‌السلام من أهل بيته :

وسارية لم تسر في الارض تبتغي

محلا ولم يقطع بها البعد قاطع

سرت حيث لم تحد الركاب ولم تنخ

لورد ولم يقصر لها البعد مانع

تمر وراء الليل والليل ضارب

بجثمانه فيه سمير وهاجع

تفتح أبواب السمآء ودونها

إذا قرع الابواب منهن قارع

إذا وردت لم يردد الله وفدها

على أهلها والله راء وسامع

وإني لارجو الله حتى كأنما

أرى بجميل الظن ما الله صانع (٢)

١٨ ـ ما : الغضائري ، عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه عن الحسين بن علي بن يقطين قال : وقع الخبر إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام وعنده جماعة من أهل بيته إلى قوله : فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتب الواردة بموت موسى بن المهدي (٣).

١٩ ـ لى : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه مثله (٤).

بيان : وسارية أي ورب سارية من السرى ، وهو السير بالليل أي رب دعوة لم تجر في الارض تطلب محلا ، بل صعدت إلى السمآء ، ولم يقطعها قاطع لبعد المسافة جرت حيث لم تحد الركاب ، من حدى الابل ، ولم تنخذ من إناخة الابل لورد أي ورود على المآء ، قوله : تمر وراء الليل أي تمر هذه الدعوة وراء ستر الليل بحيث لايطلع عليها أحد.

قوله : والليل ضاب بجثمانه أي ضرب بجسده الارض ، وسكن واستقر

____________________

(١) هو الدعاء المعروف بالجوشن الصغير.

(٢) عيون أخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٧٩.

(٣) أمالي الطوسي ص ٢٦٨.

(٤) أمالي الصدوق ص ٣٧٦.

٢١٨

فيها وقال الجوهري (١) الضارب : الليل الذي ذهبت ظلمته يمينا وشمالا وملات الدنيا قوله : لم يردد الله وفدها أي لم يرددها وافدة.

٢٠ ـ ن : ما جيلويه ، عن علي ، عن أبيه قال : سمعت رجلا من أصحابنا يقول : لما حبس الرشيد موسى بن جعفر عليه‌السلام جن عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله ، فجدد موسى عليه‌السلام طهوره واستقبل بوجهه القبلة وصلى لله عزوجل أربع ركعات ثم دعا بهذه الدعوات فقال : ياسيدي نجني من حبس هارون ، وخلصني من يده ، يامخلص الشجر من بين رمل وطين ومآء ، ويامخلص اللبن من بين فرث ودم ، ويامخلص الولد من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر ، ويا مخلص الروح من بين الاحشآء والامعاء ، خلصني من يدي هارون.

قال : فلما دعا موسى عليه‌السلام بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في منامه وبيده سيف قد سله ، فوقف على رأس هارون وهو يقول : ياهارون أطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا ، فخاف هارون من هيبته ثم دعا الحاجب فجآء الحاجب فقال له : اذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر قال : فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن فقال : من ذا؟ قال : إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك ، وأطلق عنه ، فصاح السجان ياموسى : إن الخليفة يدعوك.

فقام موسى عليه‌السلام مذعورا فزعا وهو يقول : لايدعوني في جوف هذا الليل إلا لشر يريد بي ، فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من حياته فجآء إلى هارون وهو ترتعد فرائصه فقال : سلام على هارون فرد عليه‌السلام ثم قال له هارون : ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات؟ فقال : نعم ، قال : وماهن؟ قال : جددت طهورا وصليت لله عزوجل أربع ركعات ، ورفعت طرفي إلى السمآء و قلت : ياسيدي خلصني من يد هارون وذكره وشره ، وذكر له ما كان من دعائه فقال

____________________

(١) الصحاح ج ١ ص ١٦٩.

٢١٩

هارون قد استجاب الله دعوتك ياحاجب أطلق عن هذا ، ثم دعا بخلع فخلع عليه ثلاثا وحمله على فرسه وأكرمه وصيره نديما لنفسه ، ثم قال : هات الكلمات فعلمه فأطلق عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه إلى الدار ويكون معه ، فصار موسى بن جعفر عليه‌السلام كريما شريفا عند هارون ، وكان يدخل عليه في كل خميس إلى أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي بن شاهك وقتله بالسم (١).

٢١ ـ لى : مثله إلى قوله في كل يوم خميس (٢).

٢٢ ـ ما : الغضائري عن الصدوق مثله (٣).

٢٣ ـ قب : مرسلا مثله مع اختصار ثم قال : وفي رواية الفضل بن الربيع أنه قال : صر إلى حبسنا وأخرج موسى بن جعفر وادفع إليه ثلاثين ألف درهم و اخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاث مراكب ، وخيره إما المقام معنا ، أو الرحيل إلى أي البلاد أحب ، فلما عرض الخلع عليه أبى أن يقبلها (٤).

بيان : العلاوة بالكسر أعلا الرأس.

٢٤ ـ ن : محمد بن علي بن محمد بن حاتم ، عن عبدالله بن بحر الشيباني قال : حدثني الخرزي أبوالعباس بالكوفة قال : حدثني الثوباني قال : كنت لابي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال قال : فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه أبا الحسن عليه‌السلام فكان يرى أبا الحسن عليه‌السلام ساجدا فقال للربيع : ماذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ قال : يا أمير المؤمنين ماذاك بثوب و إنما هو موسى بن جعفر ، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال قال الربيع : فقال لي هارون : أما إن هذا من رهبان بني هاشم ، قلت : فما لك فقد

____________________

(١) عيون أخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٩٣.

(٢) أمالى الصدوق ص ٣٧٧.

(٣) أمالى الطوسي ص ٢٦٩.

(٤) المناقب ج ٣ ص ٤٢٢.

٢٢٠