بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٦

* ( باب ) *

* « ( مناظراته عليه‌السلام مع خلفاء الجور ، وما جرى ) » *

* ( بينه وبينهم ، وفيه بعض أحوال علي بن يقطين ) *

١ ـ ختص : ابن الوليد ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد ابن إسماعيل العلوي قال : حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني قال : قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : لما أمر هارون الرشيد بحملي ، دخلت عليه فسلمت فلم يرد السلام ورأيته مغضبا ، فرمى إلي بطومار فقال : اقرأه فاذا فيه كلام ، قد علم الله عزوجل براءتي منه ، وفيه إن موسى بن جعفر يجبى إليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممن يقول بامامته ، يدينون الله بذلك ، ويزعمون أنه فرض عليهم إلى أن يرث الله الارض ومن عليها ، ويزعمون أنه من لم يذهب إليه بالعشر ولم يصل بامامتهم ، ولم يحج باذنهم ، ويجاهد بأمرهم ، ويحمل الغنيمة إليهم ، ويفضل الائمة على جميع الخلق ، ويفرض طاعتهم مثل طاعة الله وطاعة رسوله ، فهو كافر حلال ماله ، ودمه.

وفيه كلام شناعة ، مثل المتعة بلا شهود ، واستحلال الفروج بأمره ، ولو بدرهم ، والبراءة من السلف ، ويلعنون عليهم في صلاتهم ، ويزعمون أن من لم يتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه ، ومن أخر الوقت فلا صلاة له لقول الله تبارك وتعالى « أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا » (١) يزعمون أنه واد في جهنم والكتاب طويل وأنا قائم أقرأ وهو ساكت ، فرفع رأسه وقال : اكتفيت بما قرأت فكلم بحجتك بما قرأته.

____________________

(١) سورة مريم الاية : ٥٩.

١٢١

قلت : يا أمير المؤمنين والذي بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة ماحمل إلي أحد درهما ولا دينارا من طريق الخراج لكنا معاشر آل أبي طالب نقبل الهدية التي أحلها الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : لو اهدي لي كراع لقبلت ، ولو دعيت إلى ذراع لاجبت ، وقد علم أمير المؤمنين ضيق مانحن فيه ، وكثرة عدونا ، ومامنعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب ، فضاق بنا الامر ، وحرمت علينا الصدقة وعوضنا الله عزوجل عنها الخمس واضطررنا إلى قبول الهدية وكل ذلك مما علمه أمير المؤمنين فلما تم كلامي سكت.

ثم قلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكأنه اغتنمها ، فقال : مأذون لك ، هاته! فقلت : حدثني أبي ، عن جدي يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن الرحم إذا مست رحما تحركت واضطربت فان رأيت أن تناولني يدك ، فأشار بيده إلي.

ثم قال : ادن ، فدنوت فصافحني وجذبني إلى نفسه مليا ثم فارقني وقد دمعت عيناه فقال لي : اجلس ياموسى ، فليس عليك بأس ، صدقت وصدق جدك وصدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقد تحرك دمي ، واضطربت عروقي وأعلم أنك لحمي ودمي وأن الذي حدثتني به صحيح ، وإني اريد أن أسألك عن مسألة فان أجبتني ، أعلم أنك صدقتني خليت عنك ، ووصلتك ، ولم اصدق ماقيل فيك ، فقلت : ما كان علمه عندي أجبتك فيه.

فقال : لم لاتنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله وأنتم ولد علي وفاطمة إنما هي وعاء ، والولد ينسب إلى الاب لا إلى الام؟ فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة فعل؟ فقال : لست أفعل أوأجبت فقلت : فأنا في أمانك أن لايصيبني من آفة السلطان شئ؟ فقال : لك الامان قلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم « ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون

١٢٢

وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى ، وعيسى » (١) فمن أبوعيسى؟ فقال : ليس له أب إنما خلق من كلام الله عزوجل وروح القدس فقلت : إنما الحق عيسى بذراري الانبيآء من قبل مريم ، والحقنا بذراري الانبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي عليه‌السلام فقال : أحسنت أحسنت ياموسى زدني من مثله.

فقلت : اجتمعت الامة برها وفاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فقال الله تبارك وتعالى « فمن حاجك فيه من بعد ماجآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونسآءنا ونسآءكم وأنفسا وأنفسكم » (٢) فكان تأويل أبناءنا الحسن والحسين ، ونسآءنا فاطمة ، وأنفسنا علي بن أبي طالب فقال : أحسنت.

ثم قال : أخبرني عن قولكم : ليس للعم مع ولد الصلب ميراث ، فقلت : أسألك يا أمير المؤمنين بحق الله وبحق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تعفيني من تأويل هذه الآية وكشفها ، وهي عند العلماء مستورة فقال : إنك قد ضمنت لي أن تجيب فيما أسألك ولست أعفيك فقلت : فجدد لي الامان فقال : قد أمنتك فقلت : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر ، وإن عمي العباس قدر على الهجرة فلم يهاجر ، وإنما كان في عدد الاسارى عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجحد أن يكون له الفداء فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وآلبه يخبره بدفين له من ذهب ، فبعث عليا عليه‌السلام فأخرجه من عند ام الفضل ، وأخبر العباس بما أخبره جبرئيل عن الله تبارك وتعالى فأذن لعلي وأعطاه علامة الذي دفن فيه ، فقال العباس عند ذلك : يا ابن أخي مافاتني منك أكثر ، وأشهد أنك رسول رب العالمين.

فلما أحضر علي الذهب فقال العباس : أفقرتني يا ابن أخي فأنز الله تبارك

____________________

(١) سورة الانعام الاية : ٨٤ ٨٥.

(٢) سورة آل عمران الاية : ٦١.

١٢٣

وتعالى : « إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم » (١) وقوله : « والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا » (٢) ثم قال : « وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر » (٣) فرأيته قد اغتم.

ثم قال : أخبرني من أين قتلم إن الانسان يدخله الفساد من قبل النساء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله ، فقلت : اخبرك يا أمير المؤمنين بشرط أن لاتكشف هذا الباب لاحد مادمت حيا ، وعن قريب يفرق الله بينا وبين من ظلمنا ، وهذه مسألة لم يسألها أحدا من السلاطين غير أمير المؤمنين قال : ولا يتم ولا عدي ولا بنو امية ولا أحد من آبائنا؟ قلت : ماسئلت ولا سئل أبوعبدالله جعفر ابن محمد عنها قال : فإن بلغني عنك أو عن أحد من أهل بيتك كشف ما أخبرتني به رجعت عما آمنتك فقلت : لك على ذلك.

فقال : أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا له اصول وفروع ، يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك من أبي عبدالله عليه‌السلام فقلت : نعم وعلى عيني يا أمير المؤمنين قال : فاذا فرغت فارفع حوائجك ، وقام ، ووكل بي من يحفظني ، وبعث إلي في كل يوم بمائة سرية فكتبت :

بسم الله الرحمن الرحيم امور الدنيا أمران : أمر لا اختلاف فيه ، وهو إجماع الامة على الضرورة التي يضطرون إليها والاخبار المجتمع عليها المعروض عليها شبهة ، والمستنبط منها كل حادثة ، وأمر يحتمل الشك والانكار ، وسبيل استنصاح أهله الحجة عليه ، فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله ، أو سنة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ، ضاق على من استوضح تلك الحجة ردها ، ووجب عليه قبولها ، والاقرار والديانة بها ، ومالم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع على تأويله ، أو سنة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا اختلاف

____________________

(١) سورة الانفال الاية : ٧٠.

(٢) سورة الانفال الاية : ٧٢.

(٣) سورة الانفال الاية : ٧٢.

١٢٤

فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ، وسع خاص الامة وعامها الشك فيه ، والانكار له ، كذلك ، هذا الامران من أمر التوحيد فما دونه ، إلى أرض الخدش فما دونه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته ، وما غمض عنك ضوؤه نفيته ، ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ، ونعم الوكيل.

فأخبرت الموكل بي أني قد فرغت من حاجته ، فأخبره فخرج ، وعرضت عليه فقال : أحسنت هو كلام موجز جامع ، فارفع حوائج ياموسى فقلت : يا أمير المؤمنين أول حاجتي إليك أن تأذن لي في الانصراف إلى أهلي ، فاني تركتهم باكين آيسين من أن يروني أبدا فقال : مأذون لك ، ازدد؟ فقلت : يبقي الله أمير المؤمنين لنا معاشر بني عمه فقال : ازدد؟ فقلت : علي عيال كثير ، وأعيننا بعد الله ممدودة إلى فضل أمير المؤمنين وعادته ، فأمر لي بمائة ألف درهم ، وكسوة ، وحملني وردني إلى أهلي مكرما (١).

بيان : قد أثبتنا شرح أجزاء الخبر في المحال المناسبة لها ، وقد مر بتغيير في كتاب الاحتجاج (٢) ورواه في كتاب الاستدراك أيضا عن هارون بن موسى التلعكبري باسناده إلى علي بن أبي حمزة عنه عليه‌السلام باختصار وأدنى تغيير ، وأما عدم ذكر الجواب عن الفساد من قبل النساء للعهد الذي جرى بينه عليه‌السلام وبين الرشيد وسيأتي مايظهر منه الجواب في كتاب الخمس إنشاء الله تعالى في الاستدراك أنه أجاب عليه‌السلام أنه من جهة الخمس.

٢ ـ ن : أبوأحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي رضي‌الله‌عنه عن أبيه باسناده رفعه إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : لما ادخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم قال : يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج؟! فقلت : يا أمير المؤمنين اعيذك بالله أن تبوء باثمي وإثمك ، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد

____________________

(١) الاختصاص ص ٥٤ وقد روى الحديث الحسن بن شعبة في كتابه تحف العقول ص ٤٢٦ بتفاوت.

(٢) الاحتجاج ص ٢١١ بتفاوت.

١٢٥

علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما علم ذلك عندك ، فان رأيت بقرابتك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تأذن لي احدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : قد أذنت لك.

فقلت : أخبرني أبي عن آبائه عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الرحم إذا مسست الرحم تحركت واضطربت ، فناولني يدك جعلني الله فداك فقال : ادن فدنوت منه ، فأخذ بيدي ، ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا ، ثم تركني وقال : اجلس ياموسى فليس عليك بأس ، فنظرت إليه فاذا أنه قد دمعت عيناه ، فرجعت إلى نفسي فقال : صدقت وصدق جدك صلى‌الله‌عليه‌وآله لقد تحرك دمي ، واضطربت عروقي حتى غلبت علي الرقة وفاضت عيناي ، وأنا اريد أن أسألك عن أشيآء تتلجلج في صدري منذ حين ، لم أسأل عنها أحدا فان أنت أجبتني عنها خليت عنك ، ولم أقبل قول أحد فيك ، وقد بلغني أنك لم تكذب قط فاصدقني عما أسألك مما في قلبي فقلت : ماكان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت آمنتني؟ قال : لك الامان إن صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة ، فقلت ليسأل أمير المؤمنين عما شاء؟. قال : أخبرني لم فضلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة وبنو عبدالمطلب ونحن وأنتم واحد ، إنا بنو العباس وأنتم ولد أبي طالب ، وهما عما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرابتهما منه سواء؟.

فقلت : نحن أقرب قال : وكيف ذلك؟ قلت : لان عبد الله وأبا طالب لاب وام ، وأبوكم العباس ليس هو من ام عبدالله ، ولا من ام أبي طالب قال : فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ والعم يحجب ابن العم،وقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد توفي أبوطالب قبله ، والعباس عمه حي؟.

فقلت له : إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألنتي عن كل باب سواه يريده فقال : لا أو تجيب فقلت : فآمني؟ قال : قد آمنتك قبل الكلام فقلت : إن في قول علي بن أبي طالب عليه‌السلام إذ ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو انثى لاحد سهم إلا للابوين والزوج والزجة ، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب

١٢٦

ميراث ، ولم ينطق به الكتاب ، إلا أن تيما وعديا وبني امية قالوا : العم والد رأيا منهم بلا حقيقة ، ولا أثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن قال بقول علي عليه‌السلام من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء ، هذا نوح بن دراج يقول : في هذه المسألة بقول علي عليه‌السلام وقد حكم به ، وقد ولاه أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة ، وقد مضى به فانهي إلى أمير المؤمنين فأمر باحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري ، وإبراهيم المدني والفضيل بن عياض فهشدوا أنه قول علي عليه‌السلام في هذه المسألة فقال لهم فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز : فلم لاتفتون به وقد قضى به نوح بن دراج؟ فقالوا جسر نوح وجبنا وقد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدمآء العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : علي أقضاكم ، وكذلك قال عمر بن الخطاب علي أقضانا ، وهو اسم جامع لان جميع مامدح به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء.

قال : زدني ياموسى ، قلت : المجالس بالامانات وخاصة مجلسك؟ فقال : لابأس عليك فقلت : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورث من لم يهاجر ، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر فقال : ماحجتك فيه؟ قلت : قول الله تبارك وتعالى : « والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا » (١) وإن عمي العباس لم يهاجر ، فقال لي : أسألك ياموسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا؟ أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشئ؟ فقلت : اللهم لا ، وما سألني عنها إلا أمير المؤمنين.

ثم قال : لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و يقولون لكم : يابني رسول الله ، وأنتم بنو علي وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جدكم من قبل امكم؟ فقلت : يا أمير المؤمنين لو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال : سبحان الله

____________________

(١) سورة الانفال الاية : ٧٢.

١٢٧

ولم لا اجيبه؟! بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك ، فقلت : لكنه عليه‌السلام لايخطب إلي ولا ازوجه فقال : ولم؟ فقلت : لانه ولدني ولم يلدك فقال : أحسنت ياموسى.

ثم قال : كيف قلتم إنا ذرية النبي ، والنبي عليه‌السلام لم يعقب؟ وإنما العقب للذكر لا للانثى ، وأنتم ولد الابنة ، ولا يكون لها عقب؟ فقلت : أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة فقال : لا أو تخبرني بحجتكم فيه ياولد علي ، وأنت ياموسى يعسوبهم ، وإمام زمانهم ، كذا انهي إلي ، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه ، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله ، فأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لايسقط عنكم منه شئ ألف ولا واو ، إلا وتأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عزوجل ، « مافرطنا في الكتاب من شئ » (١) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم فقلت : تأذن لي في الجواب؟ قال : هات فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم « ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف و موسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى » (٢) من أبوعيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال : ليس لعيسى أب فقلت : إنما ألحقناه بذراري الانبياء عليهم‌السلام من طريق مريم عليها‌السلام ، وكذلك الحقنا بذراري النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل امنا فاطمة عليها‌السلام.

أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال : هات ، قلت : قول الله عزوجل « فمن حاجك فيه من بعد ماجآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنآءكم ونساءنا و نسآءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين » (٣) ولم يدع أحد أنه أدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم‌السلام فكان تأويل قوله عزوجل أبناءنا الحسن والحسين

____________________

(١) سورة الانعام الاية : ٣٨.

(٢) سورة الانعام الاية : ٨٤.

(٣) سورة آل عمران الاية : ٦١.

١٢٨

ونساءنا فاطمة ، وأنفسنا علي بن أبي طالب ، إن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم احد : يامحمد إن هذه لهي المواساة من علي قال : لانه مني وأنا منه فقال جبرئيل : وأنا منكما يارسول الله ثم قال : لاسيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، فكان كما مدح الله عزوجل به خليله عليه‌السلام إذ يقول : « فتى يذكرهم يقال له إبراهيم » (١) إنا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل إنه منا.

فقال : أحسنت ياموسى ، ارفع إلينا حوائج فقلت له : أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده عليه‌السلام وإلى عياله فقال : ننظر إن شاء الله.

فروي أنه أنزله عند السندي بن شاهك فزعم أنه توفي عنده والله أعلم (٢).

٣ ـ ج : مرسلا مثله إلى قوله ننظر إن شاء الله (٣).

٤ ـ ن : الوراق والمكتب ، والهمداني ، وابن تاتانة ، وأحمد بن علي ابن إبراهيم ، وماجيلويه ، وابن المتوكل رضي‌الله‌عنهم جميعا ، عن علي ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سفيان بن نزار قال : كنت يوما على رأس المأمون فقال : أتدرون من علمني التشيع؟ فقال القوم جميعا : لا والله مانعلم قال : علمنيه الرشيد قيل له : وكيف ذلك؟ والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟ قال : كان يقتلهم على الملك ، لان الملك عقيم ، ولقد حججت معه سنة ، فلما صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه وقال : لايدخلن علي رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والانصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه ، فكان الرجل إذا دخل عليه قال : أنا فلان بن فلان حتى ينتهي إلى جده من هاشمي أو قريشي أو مهاجري أو أنصاري ، فيصله من المائة بخمسة آلاف درهم ومادونها إلى مائتي دينار ، على قدر شرفه ، وهجرة آبائه.

____________________

(١) سورة الانبياء الاية : ٦٠.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ١ ص ٨١.

(٣) الاحتجاج ص ٢١١.

١٢٩

فأنك ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال : يا أمير المؤمنين على الباب رجل زعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه ، والامين والمؤتمن وسائر القواد فقال : احفظوا على أنفسكم ، ثم قال لآذنه ائذن له ، ولاينزل إلا على بساطي.

فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخد قد أنهكته العبادة ، كأنه شن بال ، قد كلم (١) السجود وجهه وأنفه ، فلما رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه فصاح الرشيد : لا والله إلا على بساطي فمنعه الحجاب من الترجل ونظرنا إليه بأجمعنا بالاجلال والاعظام ، فما زال يسير على حماره حتى سار إلى البساط ، و الحجاب والقواد محدقون به ، فنزل فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبل وجهه ، وعينيه ، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس ، وأجلسه معه فيه ، و جعل يحدثه ويقبل بوجهه عليه ، ويسأله عن أحواله.

ثم قال : يا أبا الحسن ماعليك من العيال؟ فقال : يزيدون على الخمسمائة قال : أولاد كلهم؟ قال : لا ، أكثرهم موالي وحشم ، فأما الولد فلي نيف وثلاثون الذكران منهم كذا ، والنسوان منهم كذا ، قال : فلم لاتزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟ قال : اليد تقصر عن ذلك قال : فما حال الضيعة؟ قال : تعطي في وقت وتمنع في آخر ، قال : فهل عليك دين؟ قال : نعم قال : كم؟ قال : نحو من عشرة آلاف دينار.

فقال الرشيد : يا ابن عم أنا اعطيك من الما ماتزوج به الذكران والنسوان وتعمر الضياع فقال له : وصلتك رحم يا ابن عم ، وشكر الله لك هذه النية الجميلة والرحم ماسة ، والقرابة واشجة ، والنسب واحد ، والعباس عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و صنو أبيه ، وعم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وصنو أبيه ، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك وقد بسط يدك ، وأكرم عنصرك ، وأعلى محتدك فقال : أفعل ذلك يا أبا الحسن وكرامة.

____________________

(١) الكلم : مصدر الجرح ، جمع كلوم وكلام.

١٣٠

فقال : يا أمير المؤمنين إن الله عزوجل قد فرض على ولاة عهده ، أن ينعشوا فقراء الامة ، ويقضوا عن الغارمين ، ويؤدوا عن المثقل ، ويكسو العاري ويحسنوا إلى العاني ، وأنت أولى من يفعل ذلك فقال : أفعل يا أبا الحسن ، ثم قام ، فقام الرشيد لقيامه ، وقبل عينيه ووجهه ، ثم أقبل علي وعلى الامين و المؤتمن فقال : يا عبدالله ويا محمد ويا إبراهيم بين يدي عمكم وسيدكم ، خذوا بركابه ، وسووا عليه ثيابه ، وشيعوه إلى منزله ، فأقبل أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة وقال لي : إذا ملكت هذا الامر فأحسن إلى ولدي ، ثم انصرفنا ، وكنت أجرأ ولد أبي عليه.

فلما خلا المجلس قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد عظمته وأجللته ، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته ، وأقعدته في صدر المجلس ، وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟ قال : هذا إمام الناس ، وحجة الله على خلقه ، وخليفته على عباده فقلت : يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟! فقال : أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حق ، والله يابني إنه لاحق بمقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مني ، ومن الخلق جميعا ، ووالله لو نازعتني هذا الامر لاخذت الذي فيه عيناك ، فان الملك عقيم.

فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء ، فيها مائتا دينار ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال له : اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر وقل له : يقول لك أمير المؤمنين : نحن في ضيقة وسيأتيك برنا بعد هذا الوقت.

فقمت في صدره فقلت : يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والانصار و سائر قريش ، وبني هاشم ، ومن لايعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى مادونها وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار؟! أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس؟ فقال : اسكت لا ام لك ، فإني لو أعطيت هذا ماضمنته له ، ماكنت آمنه وكتب الموت على جميع خلقه ، وجعلهم اسوة فيه ، عدلا منه عليهم عزيزا ، وقدرة منه عليهم ، لا مدفع لاحد منهم ، ولا محيص له عنه ، حتى يجمع الله تبارك و

١٣١

تعالى بذلك إلى دار البقاء خلقه ، ويرث به أرضه ومن عليها ، وإليه يرجعون.

بلغنا أطال الله بقاك ماكان من قضاء الله الغالب في وفاة أمير المؤمنين موسى صلوات الله عليه ، ورحمته ، ومغفرته ، ورضوانه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون إعظاما لمصيبته ، وإجلالا لرزئه وفقده. ثم إنا لله وإنا إليه راجعون ، صبرا لامر الله عزوجل ، وتسليما لقضائه ، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون لشدة مصيبتك علينا خاصة ، وبلوغها من حر قلوبنا ، ونشوز أنفسنا ، نسأل الله أن يصلي على أمير المؤمنين وأن يرحمه ، ويلحقه بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويصالح سلفه ، وأن يجعل مانقله إليه خيرا مما أخرجه منه.

ونسأل الله أن يعظم أجرك أمتع الله بك ، وأن يحسن عقباك ، وأن يعوضك من المصيبة بأمير المؤمنين أفضل ماوعد الصابرين ، من صلواته ورحمته وهداه ، و نسأل الله أن يربط على قلبك ، ويحسن عزاك وسلوتك ، والخلف عليك ، ولا يريك بعده مكروها في نفسك ، ولا في شئ من نعمته.

وأسأل الله أن يهنيك خلافة أمير المؤمنين أمتع الله به ، وأطال بقاه ، ومد في عمره ، وأنسأ في أجله ، وأن يسوغكما بأتم النعمة ، وأفضل الكرامة ، وأطول العمر وأحسن الكفاية ، وأن يمتعك وإيانا خاصة ، والمسلمين عامة بأمير المؤمنين حتى نبلغ به أفضل الامل فيه لنفسه ومنك أطال الله بقاه ومنا له.

أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيت أسلم لي ولكم ، من بسط أيديهم وأعينهم (١).

فلما نظر إلى ذلك مخارق المغني دخله في ذلك غيظ ، فقام إلى الرشيد فقال : يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا ، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبين لهم تفضل أمير المؤمنين علي ، ومنزلتي عنده ، فأمر له بعشرة آلاف دينار فقال له : يا أمير المؤمنين هذا لاهل المدينة ، وعلي دين أحتاج أن

____________________

(١) الظاهر ان الصحيح « وغناهم » بدل و « اعينهم » كما يدل الخبر الاخر قبل البيان الا ان الموجود في النسخ الموجودة « واعينهم » عن هامش مطبوعة الكمباني.

١٣٢

أقضيه فأمر له بعشرة آلاف دينار اخرى.

فقال له : يا أمير المؤمنين بناتي اريد أن أزوجهن وأنا محتاج إلى جهازهن فأمر له بعشرة آلاف دينار اخرى فقال له : يا أمير المؤمنين لابد من غلة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت ، فأمر له بأقطاع مايبلغ غلته في السنة عشرة آلاف دينار ، وأمر أن يعجل ذلك له من ساعته.

ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر عليه‌السلام وقال له : قد وقفت على ماعاملك به هذا الملعون ، وما أمر لك به ، وقد احتلت عليه لك ، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار ، وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار ، ولا والله ياسيدي ما أحتاج إلى شئ من ذلك ، وما أخذته إلا لك ، وأنا أشهد لك بهذه الاقطاع ، وقد حملت المال إليك.

فقال : بارك الله لك في مالك ، وأحسن جزاك ماكنت لآخذ منه درهما واحدا ولا من هذه الاقطاع شيئا ، وقد قبلت صلتك وبرك ، فانصر راشدا ، ولا تراجعني في ذلك ، فقبل يده وانصرف (١).

٥ ـ ج : روي أن المأمون قال لقومه : أتدرون من علمني التشيع إلى قوله أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وإغنائهم (٢).

بيان : قال الفيروزآبادي (٣) الملك عقيم أي لاينفع فيه نسب لانه يقتل في طلبه الاب والاخ والعم والولد وقال الجوهري (٤) أصبح فلان مسخدا إذا أصبح مصفرا ثقيلا مورما قوله عليه‌السلام وصلتك رحم أي صارت الرحم سببا لصلتك لنا ، أو دعآء له بأن تصله الرحم وتعينه وتجزيه بما رعى لها والاخير أظهر ، والواشجة المشتبكة ، والمحتد الاصل ، ونعشه أي رفعه ، والعاني الاسير.

____________________

(١) عيون اخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٨٨.

(٢) الاحتجاج ص ٢١٣.

(٣) القاموس ج ٤ ص ١٥٢.

(٤) الصحاح ج ١ ص ٤٨٢.

١٣٣

٦ ـ لى (١) ن : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن الريان بن شبيب قال : سمعت المأمون يقول : مازلت احب أهل البيت عليهم‌السلام واظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه فلما حج الرشيد وكنت أنا ومحمد (٢) والقاسم (٣) معه ، فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليه‌السلام فدخل فلما نظر إليه الرشيد تحرك ، ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه.

فلما قرب منه جثا (٤) الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثم أقبل عليه فقال له : كيف أنت يا أبا الحسن؟ كيف عيالك وعيال أبيك؟ كيف أنتم؟ ماحالكم؟ فما زال يسأله عن هذا ، وأبوالحسن عليه‌السلام يقول : خير خير ، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبوالحسن عليه‌السلام فقعد ، وعانقه ، وسلم عليه وودعه ، قال المأمون : وكنت أجرا ولد أبي عليه.

فلما خرج أبوالحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قلت لابي : يا أمير المؤمنين لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا مارأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين و الانصار ، ولا ببني هاشم ، فمن هذا الرجل؟ فقال : يابني هذا وارث علم النبيين هذا موسى بن جعفر بن محمد ، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا ، قال المأمون : فحينئذ انغرس في قلبي حبهم (٥).

٧ ـ ب : محمد بن عيسى ، عن بعض من ذكره أنه كتب أبوالحسن موسى عليه‌السلام إلى الخيزران ام أمير المؤمنين يعزيها بموسى ابنه ، ويهنيها بهارون ابنها : بسم الله الرحمن الرحيم للخيزران ام أمير المؤمنين من موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أما بعد أصلحك الله ، وأمتع بك ، وأكرمك ، وحفظك ، وأتم النعمة والعافية في الدنيا والآخرة لك برحمته.

____________________

(١) امالى الصدوق ص ٣٧٥.

(٢) هو المعروف بالامين وامه زبيدة.

(٣) هو المعروف بالمؤتمن ثالث اولاد الرشيد.

(٤) جثا : جلس على ركبتيه ، وأقام على أطراف أصابعه فهو جاث.

(٥) عيون أخبار الرضا «ع» ج ١ ص ٩٣ وفيه « محبتهم » مكان « حبهم ».

١٣٤

ثم إن الامور أطال الله بقاءك كلها بيد الله عزوجل يمضيها ، ويقدرها بقدرته فيها ، والسلطان عليها توكل بحفظ ماضيها ، وتمام باقيها ، فلا مقدم لما أخر منها ، ولا مؤخر لما قدم ، استأثر بالبقآء ، وخلق خلقه للفناء ، أسكنهم دنيا سريعا زوالها ، قليلا بقاؤها ، وجعل لهم مرجعا إلى دار لا زوال لها ولا فنآء

لم يكن أطال الله بقاك أحد من أهلي ، وقومك وخاصتك وحرمتك كان أشد لمصيبتك إعظاما ، وبها حزنا ولك بالاجر عليها دعاءا وبالنعمة التي أحدث الله لامير المؤمنين أطال الله بقاه دعاءا بتمامها ، ودوامها ، وبقائها ، ودفع المكروه فيها مني ، والحمد لله لما جعلني الله عليه بمعرفتي بفضلك ، والنعمة عليك ، وبشكري بلاءك ، وعظيم رجائي لك أمتع الله بك ، وأحسن جزاك ، إن رأيت أطال الله بقاك أن تكتبي إلي بخبرك في خاصة نفسك ، وحال جزيل هذه المصيبة ، وسلوتك عنها فعلت ، فإني بذلك مهتم وإلى ماجاءني من خبرك وحالك فيه متطلع ، أتم الله لك أفضل ماعودك من نعمته ، واصطنع عندك من كرامته ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، وكتب يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبعين ومائة (١).

توضيح : المحيص المهرب ، والرزء المصيبة ، وقوله ونشوز أنفسا معطوف على بلوغها من حر قلوبنا ، يقال : نشزت المرأة نشوزا أي استصعبت على بعلها و أنغصته قوله عليه‌السلام : أن يسوغكما بأتم النعمة الباء للتعدية ، يقال ساغ الشراب يسوغ سوغا أي سهل مدخله في الحلق وسغته أنا أسوغه وأسيغه يتعدى ولا يتعدى.

أقول : انظر إلى شدة التقية في زمانه عليه‌السلام حتى أحوجته إلى أن يكتب مثل هذا الكتاب لموت كافر لايؤمن بيون الحساب ، فهذا يفتح لك من التقية كل باب.

٨ ـ ج : قيل : لما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الناس فتقدم إلى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك يا ابن عم ، مفتخرا بذلك على غيره فتقدم أبوالحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام إلى القبر فقال : السلام عليك

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١٧١.

١٣٥

يارسول الله ، السلام عليك يا أبة ، فتغير وجه الرشيد ، وتبين الغيظ فيه (١).

٩ ـ مل : الكليني العدة من أصحابه ، عن سهل ، عن علي بن حسان ، عن بعض أصحابنا ، قال : حضرت أبا الحسن الاول وهارون الخليفة ، وعيسى بن جعفر ، وجعفر بن يحيى ، بالمدينة ، وقد جآؤا إلى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال هارون لابي الحسن عليه‌السلام : تقدم فأبى ، فتقدم هارون فسلم وقام ناحية ، فقال عيسى ابن جعفر لابي الحسن عليه‌السلام : تقدم فأبى ، فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون فقال جعفر لابي الحسن عليه‌السلام : تقدم فأبى ، فتقدم جعفر فسلم ووقف مع هارون وتقدم أبوالحسن عليه‌السلام فقال : السلام عليك يا أبه أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك و هداك وهدى بك أن يصلي عليك ، فقال هارون لعيسى : سمعت ما قال؟ قال : نعم قال هارون : أشهد أنه أبوه حقا (٢).

١٠ ـ من كتاب حقوق المؤمنين : لابي علي بن طاهر قال : استأذن علي ابن يقطين مولاي الكاظم عليه‌السلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له وقال : لاتفعل فإن لنا بك انسا ، ولاخوانك بك عزا ، وعسى أن يجبر الله بك كسرا ، ويكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه ، يا علي كفارة أعمالكم الاحسان إلى إخوانكم اضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثا ، اضمن لي أن لاتلقى أحدا من أوليائنا إلا قضيت حاجته وأكرمته ، وأضمن لك أن لايظلك سقف سجن أبدا ولا ينالك حد سيف أبدا ، ولا يدخل الفقر بيتك أبدا ، يا علي من سر مؤمنا فبالله بدأ وبالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثنى وبنا ثلث.

١١ ـ يج : روي أن علي بن يقطين كتب إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام اختلف في المسح على الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب مايكون عملي عليه فعلت ، فكتب أبوالحسن : الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا ، وتستنشق ثلاثا ، وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك ثلاثا. وتغسل يديك ثلاثا ، وتمسح ظاهر اذنيك وباطنهما

____________________

(١) الاحتجاج ص ٢١٤.

(٢) كامل الزيارات باب ٣ ص ١٨.

١٣٦

وتغسل رجليك ثلاثا ، ولا تخالف ذلك إلى غيره. فامتثل أمره وعمل عليه.

فقال الرشيد : احب أن أستبرئ أمر علي بن يقطين فانهم يقولون إنه رافضي والرافضة يخففون في الوضوء ، فناطه بشئ من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة ، ووقف الرشيد وراء حائط الحجرة ، بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، وقد بعث إليه بالمآء للوضوء فتوضأ كما أمره موسى ، فقام الرشيد وقال : كذب من زعم أنك رافضي ، فورد على علي بن يقطين كتاب موسى بن جعفر : توضأ من الآن كما أمر الله ، اغسل وجهك مرة فريضة ، والاخرى إسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك ، وظاهر قدميك ، من فضل نداوة وضوئك فقد زال مايخاف عليك (١).

١٢ ـ عم (٢) شا : روى عبدالله بن إدريس ، عن ابن سنان قال : حمل الرشيد في بعض الايام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك ، مثقلة بالذهب ، فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام وأنفذ في جملتها تلك الدراعة ، وأضاف إليها مالا كان أعده له على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله ، فلما وصل ذلك إلى أبي الحسن قبل المال والثياب ، ورد الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه أن احتفظ بها ، ولا تخرجها عن يدك ، فسيكون لك بها شأن ، تحتاج إليها معه ، فارتاب علي بن يقطين بردها عليه ، ولم يدر ما سبب ذلك ، فاحتفظ بالدراعة.

فلما كان بعد أيام تغير علي بن يقطين على غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته ، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن عليه‌السلام ويقف على مايحمله إليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك ، فسعى به إلى الرشيد فقال : إنه يقول بامامة موسى بن جعفر ، ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة

____________________

(١) الخرائج والجرائح ص ٢٠٣ بتفاوت يسير.

(٢) اعلام الورى ص ٢٩٣.

١٣٧

وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا.

فاستشاط الرشيد لذلك ، وغضب غضبا ، وقال لاكشفن عن هذه الحال فان كان الامر كما يقول أزهقت نفسه ، وأنفذ في الوقت باحضار علي بن يقطين فلما مثل بين يديه ، قال له : مافعلت بالدراعة التي كسوتك بها؟ قال : هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم ، فيه طيب ، وقد احتفظت بها ، وقلما أصبحت إلا وفتحت السفط ، فنظرت إليها تبركا بها ، وقبلتها ، ورددتها إلى موضعها ، و كلما أمسيت صنعت مثل ذلك.

فقال : أحضرها الساعة! قال : نعم يا أمير المؤمنين ، واستدعى بعض خدمه وقال له : امض إلى البيت الفلاني من الدار ، فخذ مفتاحه من خازنتي ، فافتحه وافتح الصندوق الفلاني ، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه ، فلم يلبث الغلام أن جآءه بالسفط مختوما فوضع بين يدى الرشيد ، فأمر بكسر ختمه وفتحه.

فلما فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها ، مطوية مدفونة في الطيب ، فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين : ارددها إلى مكانها ، وانصرف راشدا فلن اصدق عليك بعدها ساعيا ، وامر أن يتبع بجائزة سنية ، وتقدم بضرب الساعي ألف سوط ، فضرب نحوا من خمسمائة سوط فمات في ذلك (١).

١٣ ـ شى : عن محمد بن سابق بن طلحة الانصاري قال : كان مما قال هارون لابي الحسن موسى عليه‌السلام حين ادخل عليه : ماهذه الدار؟ قال : هذه دار الفاسقين قال : وقرأ « سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وإن يروا كل آية لايؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لايتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا » (٢) فقال لها هارون : فدار من هي؟ قال : هي لشيعتنا فترة ، ولغيرهم فتنة قال : فما بال صاحب الدار لايأخذها؟ قال : اخذت منه عامرة ، ولا يأخذها

____________________

(١) الارشاد ص ٣١٣.

(٢) سورة الاعراف الاية : ١٤٦.

١٣٨

إلا معمورة (١).

بيان : لعل المعنى أنه لايأخذها إلا في وقت يمكنه عمارتها ، وهذا ليس أوانه.

١٤ ـ قب : ابن عبد ربه في العقد (٢) أن المهدي رأى في منامه شريكا القاضي مصروفا وجهه عنه ، فلما انتبه قص رؤياه على الربيع فقال : إن شريكا مخالف لك ، فانه فاطمي محض ، قال المهدي : علي بشريك ، فاتي به ، فلما دخل عليه قال : بلغني أنك فاطمي قال : اعيذك بالله أن تكون غير فاطمي إلا أن تعني فاطمة بنت كسرى قال : لا ولكن أعني فاطمة بنت محمد قال : فتلعنها؟ قال : لا معاذ الله قال : فما تقول فيمن يلعنها قال : عليه لعنة الله قال : فالعن هذا يعني الربيع قال : لا والله ما ألعنها يا أمير المؤمنين.

قال له شريك : يا ماجن فما ذكرك لسيدة نسآء العالمين ، وابنة سيد المرسلين في مجالس الرجال ، قال المهدي : فما وجه المنام؟ قال : إن رؤياك ليست برؤيا يوسف عليه‌السلام وإن الدماء لاتستحل بالاحلام (٣).

واتي برجل شتم فاطمة إلى الفضل بن الربيع فقال لابن غانم : انظر في أمره ماتقول؟ قال : يجب عليه الحد قال له الفضل : هي ذا امك إن حددته فأمر بأن يضرب ألف سوط ، ويصلب في الطريق (٤).

١٥ ـ قب : لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال : إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس ، وحالك عندي موقوف فقال : أفديك بالمال والنفس فقال : هذا لسائر الناس قال : أفديك بالروح والمال والاهل والولد ، فلم يجبه المهدي فقال : أفديك بالمال والنفس والاهل والولد والدين فقال : لله درك ، فعاهده على ذلك ، وأمره أن يقتل الكاظم عليه‌السلام في السحرة بغتة

____________________

(١) تفسير العياشى ج ٢ ص ٢٩.

(٢) العقد الفريد ج ٢ ص ١٧٨ طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة ١٣٥٩.

(٣) المناقب ج ٣ ص ١١٤.

(٤) نفس المصدر ج ٣ ص ١١٥.

١٣٩

فنام فرأى في منامه عليا عليه‌السلام يشير إليه ويقرأ « فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكمم » (١) فانتبه مذعورا ، ونهى حميدا عما أمره ، وأكرم الكاظم ووصله (٢).

بيان : السحرة بالضم السحر.

١٦ ـ قب : علي بن أبي حمزة قال : كان يتقدم الرشيد إلى خدمه إذا خرج موسى بن جعفر من عنده أن يقتلوه ، فكانوا يهمون به فيتداخلهم من الهيبة والزمع فلما طال ذلك أمر بتمثال من خشب وجعل له وجها مثل وجه موسى بن جعفر وكانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوها بالسكاكين ، وكانوا يفعلون ذلك أبدا ، فلما كان في بعض الايام جمعهم في الموضع ، وهم سكارى ، وأخرج سيدي إليهم فلما بصروا به هموا به على رسم الصورة.

فلما علم منهم مايريدون كلمهم بالخزرية والتركية ، فرموا من أيديهم السكاكين ، ووثبوا إلى قدميه فقبلوهما ، وتضرعوا إليه ، وتبعوه إلى أن شيعوه إلى المنزل الذي كان ينزل فيه فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا : إن هذا الرجل يصير إلينا في كل عام ، فيقضي أحكامنا ، ويرضي بعضنا من بعض ، ونستسقي به إذا قحط بلدنا ، وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه ، فعاهدهم أنه لايأمرهم بذلك فرجعوا (٣).

بيان : الزمع بالتحريك الدهش.

١٧ ـ قب : حكي أنه مغص بعض الخلفاء فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه وأخذ جليدا فأذابه بدواء ، ثم أخذ ماءا وعقده بدواء وقال : هذا الطب إلا أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند الله يدعو لك فقال الخليفة : علي بموسى بن جعفر فاتي به فسمع في الطريق أنينه ، فدعا الله سبحانه ، وزال مغص الخليفة فقال له :

____________________

(١) سورة محمد الاية : ٢٢.

(٢) المناقب ج ٣ ص ٤١٧.

(٣) نفس المصدر ج ٣ ص ٤١٨.

١٤٠