بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بحق جدك المصطفى أن تقول بم دعوت لي؟ فقال عليه‌السلام قلت : اللهم كما رأيته ذل معصيته ، فأره عز طاعتي ، فشفاه الله من ساعته (١).

توضيح : المغص تقطيع في المعا ، ووجع ، والجليد مايسقط على الارض من الندى فيجمد.

١٨ ـ قب : الفضل بن الربيع ورجل آخر قالا : حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف ، ومنعت العامة من ذلك ، لينفرد وحده ، فبينما هو في ذلك إذا ابتدر أعرابي البيت ، وجعل يطوف معه.

فقال الحاجب : تنح ياهذا عن وجه الخليفة ، فانتهرهم الاعرابي وقال : إن الله ساوى بين الناس في هذا الموضع فقال « سواءا العاكف فيه والباد » (٢) فأمر الحاجب بالكف عنه ، فكلما طاف الرشيد طاف الاعرابي أمامه ، فنهض إلى الحجر الاسود ليقبله فسبقه الاعرابي إليه والتثمه ، ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الاعرابي أمامه.

فلما فرغ هارون من صلاته ، استدعى الاعرابي فقال الحجاب : أجب أمير المؤمنين فقال : مالي إليه حاجة فأقوم إليه بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى قال : صدق فمشى إليه وسلم عليه فرد عليه‌السلام فقال هارون : أجلس يا أعرابي؟ فقال : ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنما هو بيت الله نصبه لعباده ، فان أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف.

فجلس هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك؟ قال : نعم وفي مستمع قال : فاني سائلك فان عجزت آذيتك قال : سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت؟ قال : بل سؤال متعلم قال : اجلس مكان السائل من المسؤول وسل وأنت مسؤول.

____________________

(١) المصدر السابق ج ٣ ص ٤٢٢.

(٢) سورة الحج الاية : ٢٥.

١٤١

فقال هارون : أخبرني مافرضك؟ قال : إن الفرض رحمك الله واحد وخمسة وسبعة عشر ، وأربع وثلاثون ، وأربع وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون ، على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومن أربعين واحد ، ومن مأتين خمس ، ومن الدهر كله واحد ، وواحد بواحد.

قال : فضحك الرشيد وقال : ويحك أسألك عن فرضك ، وأنت تعد علي الحساب!؟ قال : أما علمت أن الدين كله حساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا ، ثم قرأ « وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفى بنا حاسبين » (١) قال : فبين لي ماقلت؟ وإلا أمرت بقتلك بين الصفا والمروة.

فقال الحاجب : تهبه الله ولهذا المقام قال : فضحك الاعرابي من قوله ، فقال الرشيد : مما ضحكت يا أعرابي؟ قال : تعجبا منكما ، إذ لا أدري من الاجهل منكما ، الذي يستوهب أجلا قد حضر ، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر.

فقال الرشيد : فسر ما قلت؟ قال : أما قولي الفرض واحد : فدين الاسلام كله واحد ، وعليه خمس صلوات ، وهي سبع عشر ركعة وأربع وثلاثون سجدة وأربع وتسعون تكبيرة ، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة ، وأما قولي من اثني عشر واحد : فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا ، وأما قولي : من الاربعين واحد فمن ملك أربعين دينار أوجب الله عليه دينارا ، وأما قولي : من مائتين خمسة فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم.

وأما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام ، وأما قولي واحد من واحد فمن أهرق دما من غير حق وجب إهراق دمه قال الله تعالى : « النفس بالنفس » (٢) فقال الرشيد : لله درك ، وأعطاه بدرة فقال : فبم استوجبت منك هذه البدرة ياهارون بالكلام؟ أو بالمسألة؟ قال : بالكلام قال : فإني سائلك عن مسألة فان أتيت بها

____________________

(١) سورة الانبياء الاية : ٤٧.

(٢) سورة المائدة الاية : ٤٥.

١٤٢

كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف ، وإن لم تجبني عنها أضفعت إلى البدرة بدرة اخرى لاتصدق بها على فقراء الحي من قومي ، فأمر بإيراد اخرى وقال : سل عما بدا لك.

فقال : أخبرني عن الخنفسآء تزق؟ أم ترضع ولدها؟ فحرد (١) هارون و قال : ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة؟! فقال : سمعت ممن سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم ، وأنت إمام هذه الامة يجب أن لاتسأل عن شئ من أمر دينك ، ومن الفرايض ، إلا أجبت عنها ، فهل عندك له الجواب؟.

قال هارون : رحمك الله لا فبين لي ما قلته ، وخذ البدرتين فقال : إن الله تعالى لما خلق الارض خلق دبابات الارض الذي من غير فرث ، ولا دم ، خلقها من التراب ، وجعل رزقها وعيشها منه ، فاذا فارق الجنين امه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب.

فقال هارون : والله ما ابتلى أحد بمثل هذه المسألة ، وأخذ الاعرابي البدرتين وخرج ، فتبعه بعض الناس ، وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد عليهما‌السلام فاخبر هارون بذلك فقال : والله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة (٢).

قوله عليه‌السلام : وفي مستمع أي علم يجب أن يستمع إليه.

١٩ ـ الشريف المرتضى في الغرر (٣) والديلمي في أعلام الدين عن أبي عبدالله باسناده عن أيوب الهاشمي أنه حضر باب الرشيد رجل يقال له : نفيع الانصاري وحضر موسى بن جعفر عليه‌السلام على حمار له ، فتلقاه الحاجب بالاكرام ، وعجل له

____________________

(١) فحرد هارون : أى فغضب.

(٢) المناقب ج ٣ ص ٤٢٧.

(٣) الغرر والدرر أمالى المرتضى ج ١ ص ٢٧٥ وأخرجه ابن شهر آشوب في المناقب ج ٣ ص ٤٣١ ، والطبرسى في اعلام الورى ص ٢٩٧.

١٤٣

بالاذن فسأل نفيع عبدالعزيز بن عمر من هذا الشيخ؟ قال : شيخ آل أبي طالب شيخ آل محمد ، هذا موسى بن جعفر قال : مارأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير أما إن خرج لاسوءنه.

فقال له عبدالعزيز : لاتفعل ، فإن هؤلاء أهل بيت قل ماتعرض لهم أحد في الخطاب إلا وسموه في الجواب سمة يبقي عارها عليه مدى الدهر قال : وخرج موسى وأخذ نفيع بلجام حماره وقال : من أنت ياهذا؟.

قال : ياهذا إن كنت تريد النسب أنا ابن محمد حبيب الله ابن إسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله ، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين ، و عليك إن كنت منهم الحج إليه ، وإن كنت تريد المفاخرة فوالله مارضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتى قالوا : يامحمد أخرج إلينا أكفآءنا من قريش ، و إن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول : اللهم صل على محمد وآل محمد ، فنحن آل محمد ، خل عن الحمار فخلى عنه ويده ترعد ، وانصرف مخزيا فقال له عبد العزيز : ألم أقل لك؟! (١).

٢٠ ـ قب : في كتاب أخبار الخلفاء أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر : خذ فدكا حتى أردها إليك ، فيأبى حتى ألح عليه فقال عليه‌السلام لا آخذه إلا بحدودها قال : وماحدودها؟ قال : إن حدددتها لم تردها قال : بحق جدك إلا فعلت؟ قال : أما الحد الاول فعدن ، فتغير وجه الرشيد وقال : ايها ، قال : والحد الثاني سمرقند ، فاربد وجهه قال : والحد الثالث افريقية فاسود وجهه وقال : هيه قال : والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وارمينة قال الرشيد : فلم يبق لنا شئ ، فتحول إلى مجلسي ، قال موسى : قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها فعند ذلك عزم على قتله.

وفي رواية ابن أسباط أنه قال : أما الحد الاول : فعريش مصر ، والثاني دومة الجندل ، والثالث : احد والرابع : سيف البحر ، فقال هذا كله ، هذه الدنيا

____________________

(١) المناقب ج ٣ ص ٤٣١.

١٤٤

فقال عليه‌السلام هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله على رسوله ، بلا خيل ولا ركاب ، فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة عليها‌السلام (١).

بيان : قال الفيروزآبادي (٢) إيه بكسر الهمزة والهاء وفتحها ، وتنون المكسورة ، كلمة استزادة واستنطاق ، وقال : (٣) هيه بالكسر كلمة استزادة وقال : (٤) الربدة بالضم لون إلى الغبرة وقد اربد وارباد.

٢١ ـ نجم : من كتاب نزهة الكرام وبستان العوام تأليف ممد بن الحسين ابن الحسن الرازي وهذا الكتاب خطه بالعجمية تكلفنا من نقله إلى العربية فذكر في أواخر المجلد الثاني منه ماهذا لفظ من أعربه.

وروي أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام فأحضره ، فلما حضر عنده قال : إن الناس ينسبونكم يابني فاطمة إلى علم النجوم ، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة ، وفقهآء العامة يقولون : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا ذكرني أصحابي فاسكنوا ، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا ، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا وأمير المؤمنين عليه‌السلام كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولاده وذريته الذين يقول الشيعة بامامتهم كانوا عارفين بها.

فقال له الكاظم صلوات الله عليه : هذا حديث ضعيف ، وأسناده مطعون فيه والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم ، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عزوجل والانبياء عليهم‌السلام كانوا عالمين بها ، وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه « وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين (٥) ».

____________________

(١) نفس المصدر ج ٣ ص ٤٣٥.

(٢) القاموس ج ٤ ص ٢٨٠.

(٣) نفس المصدر ج ٤ ص ٢٩٦.

(٤) المصدر السابق ج ١ ص ٢٩٣.

(٥) سورة الانعام الاية : ٧٥.

١٤٥

وقال في موضع آخر « فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم » (١) فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها ، وما قال إني سقيم ، وإدريس عليه‌السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم ، والله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم « وإنه لقسم لو تعلمون عظيم » (٢) وقال في موضع « والنازغات غرقا » إلى قوله « فالمدبرات أمرا » (٣) يعني بذلك انثي عشر برجا ، وسبعة سيارات ، والذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله عزوجل ، و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم ، وهو علم الانبياء والاوصياء ، و ورثة الانبياء الذين قال الله عزوجل « وعلامات وبالنجم هم يهتدون » (٤) ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره.

فقال له هارون : بالله عليك ياموسى هذا العلم لاتظهره عند الجهال وعوام الناس ، حتى لايشنعوا عليك وانفس عن العوام به ، وغط هذا العلم ، وارجع إلى حرم جدك.

ثم قال له هارون وقد بقي مسألة اخرى بالله عليك أخبرني بها قال له : سل فقال : بحق القبر والمنبر ، وبحق قرابتك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني أنت تموت قبلي؟ أو أنا أموت قبلك؟ لانك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسى عليه‌السلام : آمني حتى اخبرك فقال : لك الامان فقال : أنا أموت قبلك ، وما كذبت ولا أكذب ، ووفاتي قريب ، فقال لها هارون : قد بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر فقال له : سل فقال : خبروني أنكم تقولون إن جميع المسلمين عبيدنا ، و جوارينا ، وأنكم تقولون من يكون لنا عليه حق ولا يوصله إلينا فليس بمسلم؟

فقال له موسى عليه‌السلام؟ كذب الذين زعموا أننا نقول ذلك ، وإذا كان الامر كذلك ، فكيف يصح البيع والشراء عليهم ، ونحن نشتري عبيدا وجواري ونعتقهم

____________________

(١) سورة الصافات الاية : ٨٩.

(٢) سورة الواقعة الاية : ٧٦.

(٣) سورة النازعات الاية : ١ ٥.

(٤) سورة النحل الاية : ١٦.

١٤٦

ونقعد معهم ، ونأكل معهم ، ونشتري المملوك ، ونقول له : يابني وللجارية يا بنتي ، ونقعدهم يأكلون معنا تقربا إلى الله سبحانه فلو أنهم عبيدنا وجوارينا ، ما صح البيع والشراء وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما حضرته الوفاة : الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم ، يعني : صلوا وأكرموا مماليككم ، وجواريكم ، ونحن نعتقهم وهذا الذي سمعته غلط من قائله ، ودعوى باطلة ، ولكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا ، يعني ولاء الدين ، وهؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك ، حملوا دعواهم على ذلك ، ونحن ندعي ذلك لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وما كان يطلب بذلك إلا ولاء الدين ، والذي يوصلونه إلينا من الزكاة والصدقة ، فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير.

وأما الغنائم والخمس من بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد منعونا ذلك ونحن محتاجون إلى ما في يد بني آدم ، الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين ليس بولاء الملك فإن نفذ إلينا أحد هدية ولا يقول إنها صدقة نقبلها لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لو دعيت إلى كراع لاجبت ، ولو اهدي لي كراع لقبلت والكراع اسم القرية ، والكراع يد الشاة وذلك سنة إلى يوم القيامة ، ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا أنها زكاة رددناها ، وإن كانت هدية قبلناها ، ثم إن هارون أذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة ثم تقولوا عليه أشيآء فاستعاده هارون وأطعمه السم فتوفي صلى الله عليه (١).

بيان : إذا ذكرني أصحابي فاسكنوا بالنون أي فاسكنوا إلى قولهم وفي الآخرين فاسكتوا بالتاء إما على بنآء المجرد أو على بنآء الافعال ، قوله : وانفس العوام به أي لاتعلمهم ، من قولهم نفست عليه الشئ نفاسة إذا لم تره له أهلا ، قوله فكيف يصح البيع والشراء عليهم أي كيف يصح بيع الناس العبيد لنا ، وشراؤنا منهم.

____________________

(١) فرج المهموم ص ١٠٧.

١٤٧

٢٢ ـ كشف : قال محمد بن طلحة : (١) نقل عن الفضل بن الربيع أنه أخبر عن أبيه أن المهدي لما حبس موسى بن جعفر ففي بعض الليالي رأى المهدي في منامه علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو يقول له : يا محمد « فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم » (٢) قال الربيع : فأرسل إلي ليلا فراعني وخفت من ذلك وجئت إليه ، وإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا فقال : علي الآن بموسى بن جعفر! فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال : يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في النوم فقرأ علي كذا فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي ، فقال : والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني ، قال : صدقت ياربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار وزوده إلى أهله إلى المدينة.

قال الربيع : فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوايق ، ورواه الجنابذي وذكر أنه وصله بعشرة آلاف دينار.

وقال الحافظ عبدالعزيز : حدث أحمد بن إسماعيل قال : بعث موسى بن جعفر عليهما‌السلام إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت : إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء ، حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون (٣).

٢٣ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن محمد بن يحيى عن حماد بن عثمان قال : بينا موسى بن عيسى في داره التي في المسعى تشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى عليه‌السلام مقبلا من المروة على بغلة ، فأمر ابن هياج رجلا من همدان منقطعا إليه أن يتعلق بلجامه ويدعي البغلة ، فأتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة ، فثنى أبوالحسن عليه‌السلام رجله فنزل عنها وقال لغلمانه : خذوا

____________________

(١) مطالب السؤول ص ٨٣ طبع ايران ملحقا بتذكرة الخواص وأخرج الحديث سبط ابن الجوزى في تذكرته ص ١٩٧.

(٢) سورة محمد الاية : ٢٢.

(٣) كشف الغمة ج ٣ ص ٣.

١٤٨

سرجها وادفعوها إليه ، فقال : والسرج أيضا لي ، فقال له أبوالحسن عليه‌السلام : كذبت عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي ، وأما البغلة فأنا اشتريتها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت (١).

٢٤ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن بعض أصحابنا ، وعلي ، عن أبيه جميعا ، عن ابن البطائني ، عن أبيه ، عن علي بن يقطين قال : سأل المهدي أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عزوجل؟ فان الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها ، فقال له أبوالحسن عليه‌السلام : بل هي محرمة في كتاب الله عزوجل يا أمير المؤمنين ، فقال له : في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عزوجل يا أبا الحسن؟ فقال : قول الله عزوجل « إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق » (٢).

فأما قوله ماظهر منها يعني الزنا المعلن ، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية ، وأما قوله عزوجل « ومابطن » يعني مانكح الآباء لان الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن امه ، فحرم الله عزوجل ذلك.

وأما الاثم فانها الخمرة بعينها ، وقد قال الله تبارك وتعالى في موضع آخر « يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس » (٣) فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما كبير كما قال الله عزوجل قال : فقال المهدي ياعلي بن يقطين هذه والله فتوى هاشمية قال : فقلت له : صدقت والله يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت ، قال : فوالله ماصبر المهدي أن قال لي : صدقت يارافضي (٤).

____________________

(١) الكافى ج ٨ ص ٨٦.

(٢) سورة الاعراف الاية ٣٣.

(٣) سورة البقرة الاية : ٢١٩.

(٤) الكافى ج ٦ ص ٤٠٦.

١٤٩

٢٥ ـ مهج : أبوعلي الحسن بن محمد بن على الطوسي ، وعبدالجبار بن عبدالله ابن علي الرازي ، وأبوالفضل منتهى بن أبي زيد الحسيني ، ومحمد بن أحمد بن شهريار الخازن جميعا ، عن محمد بن الحسن الطوسي ، عن ابن الغضايري وأحمد بن عبدون وأبي طالب بن العزور وأبي الحسن الصفار ، والحسن بن إسماعيل بن أشناس جميعا عن أبي المفضل الشيباني ، عن محمد بن يزيد بن أبي الازهر ، عن أبي الوضاح محمد ابن عبدالله النهشلي ، عن أبيه قال : سمعت الامام أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام يقول : التحدث بنعم الله شكر ، وترك ذلك كفر ، فارتبطوا نعم ربكم تعالى بالشكر وحصنوا أموالكم بالزكاة ، وادفعوا البلاء بالدعاء ، فإن الدعاء جنة منجية ترد البلاء وقد ابرام إبراما.

قال أبوالوضاح : وأخبرني أبي قال : لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن ( بن الحسن ) بفخ وتفرق الناس عنه حمل رأسه والاسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي فلما بصر بهم أنشأ يقول متمثلا :

بني عمنا لاتنطقوا الشعر بعد ما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا

فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله

فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا

ولكن حكم السيف فينا مسلط

فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا

وقد ساءني ماجرت الحرب بيننا

بني عمنا لو كان أمرا مدانيا

فان قلتم إنا ظلمنا فلم نكن

ظلمنا ولكن قد أسأنا التقاضيا (١)

____________________

(١) نسب أبوتمام في حماسته هذا الشعر إلى الشميذر الحارثى ، وذكر الخطيب التبريزي في شرح الحماسة ج ١ ص ١١٩ عن البرقى أنه لسويد بن صميع المرثدى من بنى الحرث ، وكان قتل أخوه غيلة ، فقتل قاتل أخيه نهارا في بعض الاسواق من الحضر وذكر الجاحظ في البيان والتبيين ج ٢ ص ١٨٦ الابيات وتردد في نسبتها إلى سويد المراثد الحارثى أو غيره ، كما ان ابن قتيبة ذكرها واكتفى بنسبتها إلى بعض الشعراء وفي كل هذه المصادر تفاوت في ألفاظ الشعر وعدد الابيات فليلاحظ.

١٥٠

ثم أمر برجل من الاسرى فوبخه ثم قتله ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وأخذ من الطالبيين ، وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر صلوات الله عليه فنال منه قال : والله ماخرج حسين إلا عن أمره ولا اتبع إلا محبته لانه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني الله إن أبقيت عليه.

فقال له أبويوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي وكان جريئا عليه : يا أمير المؤمنين أقول أم أسكت؟ فقال : قتلني الله إن عفوت عن موسى بن جعفر ، ولولا ماسمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعلمه وفضله ، وما بلغني عن السفاح فيه من تقريظه وتفضيله لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقا ، فقال أبويوسف : نساؤه طوالق ، وعتق جميع مايملك من الرقيق ، وتصدق بجميع مايملك من المال ، وحبس دوابه ، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج لا يذهب إليه ولا مذهب أحد من ولده ، ولا ينبغي أن يكون هذا منهم ، ثم ذكر الزيدية وما ينتحلون. فقال : وما كان بقي من الزيدية إلا هذه العصابة الذين كانوا قد خرجوا مع حسين وقد ظفر أمير المؤمنين بهم ، ولم يزل يرفق به حتى سكن غضبه.

قال : وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام بصورة الامر فورد الكتاب ، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فأطلعهم أبوالحسن عليه‌السلام على ماورد عليه من الخبر وقال لهم : ماتشيرون في هذا؟ فقالوا : نشير عليك أصلحك الله وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار ، وتغيب شخصك دونه فإنه لايؤمن شره وعاديته وغشمه ، سيما وقد توعدك وإيانا معك ، فتبسم موسى عليه‌السلام ثم تمثل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو :

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

فليغلبن مغالب الغلاب (١)

____________________

(١) البيت من قصيدة لكعب بن مالك الانصارى قالها في جواب عبدالله بن الزبعرى السهمس حين قال قصيدته في يوم الخندق والتى أولها :

١٥١

ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال : ليفرح روعكم إنه لايرد أول كتاب من العراق إلا بموت مسى بن المهدي وهلاكه فقال : وما ذلك أصلحك الله؟ قال : قد وحرمة هذا القبر مات في يومه هذا ، والله « إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون » (١) ساخبركم بذلك.

بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي وقد تنومت عيناي إذا سنح جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي فشكوت إليه موسى بن المهدي ، وذكرت ماجرى منه في أهل بيته وأنا مشفق من غوائله ، فقال لي : لتطب نفسك ياموسى ، فما جعل الله لموسى عليك سبيلا ، فبينما هو يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي : قد أهلك الله آنفا عدوك فليحسن لله شكرك.

قال : ثم استقبل أبوالحسن عليه‌السلام القبلة ورفع يديه إلى السماء يدعو ، فقال

____________________

حى الديار محا معارف رسمها

طويل البلا وتراوح الاحقاب

فأجابه كعب بقصيدة أولها :

أبقى لنا حدث الحروف بقية

من خير نحلة ربنا الوهاب

وآخرها البيت الشاهد ، وقد ورد برواية ابن هشام في سيرته :

جاءت سخينة كى تغالب ربها

فليغلبن مغالب الغلاب

وروى ان انبي « ص » قال له : لقد شكرك الله ياكعب على قولك هذا ، والقصيدة تبلغ ٢٢ بيتا مثبتة في سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٠٤ ٢٠٥ بهامش الروض الانف ، وسخينة نبز كانت قريش تعير به ، وهى حساء من دقيق كانوا يتخذونه عند غلاء السعر وعجف المال وقد أطنب السهيلى في الروض ج ٢ ص ٢٠٥ حيث ذكر ان قريشا لم تكن تكره هذا اللقب وأورد البيت كما في الاصل البكرى في سمط اللئالى ص ٨٦٤ والبغدادي في الخزانة ج ٣ ص ١٤٣ وغيرهما ، وقد وهم ابن السيد في الاقتضاب ص ٤٦ حيث نسب البيت إلى حسان بن ثابت ، وأكبر الظن أنه راجع السيرة لابن هشام فرأى قصيدة لحسان قالها بنفس الموضوع وعلى الروى والقافية ، واثبتها ابن هشام قبل قصيدة كعب بلا فصل ، فظن ابن السيد ان البيت من تابع شعر حسان ، وهو وهم ظاهر.

(١) سورة الذاريات الاية : ٢٣.

١٥٢

أبوالوضاح : فحدثني أبي قال : كان جماعة من خاصة أبي الحسن عليه‌السلام من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس (١) لطاف وأميال فإذا نطق أبوالحسن عليه‌السلام بكلمة وأفتى في نازلة أثبت القوم ماسمعوا منه في ذلك ، قال : فسمعناه وهو يقول في دعائه شكرا لله جلت عظمته ، ثم ذكر الدعاء.

وقال : ثم أقبل علينا مولانا أبوالحسن عليه‌السلام ثم قال : سمعت من أبي جعفر ابن محمد يحدث عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قد سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : اعترفوا بنعمة الله ربكم عزوجل وتوبوا إليه من جميع ذنوبكم ، فإن الله يحب الشاكرين من عباده ، قال : ثم قمنا إلى الصلاة وتفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي والبيعة لهارون الرشيد (٢).

بيان : لاتنطقوا الشعر فيه حذف وإيصال إي بالشعر ، ودفن القوافي كناية عن الموت أي متم وتركتم القوا في ، وصحراء الغميم لعل المراد به كراع الغميم وهو واد على مرحلتين من مكة ، وفي المناقب بصحراء الغوير ، والغوير كزبير ماء لبني كلاب ، قوله كمن كنتم تصيبون نيله أي عطاءه ، وفي المناقب سلمه ، أي مسالمته ومصالحته ، والضيم الظلم ، وفي المناقب فيقبل قيلا ، ورضى السيف كناية عن المبالغة في القتل.

وقوله : لو كان أمرا مدانيا لو للتمني أي ليت محل النزاع بيننا وبينكم كان أمرا قريبا فلا نرضى بقتلكم ، ولكن بين مطلوبنا ومطلوبكم بون بعيد ، قوله : ولكن قد أسأنا التقاضيا أي لم نظلمكم أولا بل بدأتم بالظلم وطلبنا منكم الثأر بأقبح وجه ، والتقريظ مدح الانسان وهو حي ، والغشم الظلم ، وأفرخ الروع ذهب ، وهوم الرجل إذا هز رأسه من النعاس ، أقول : رواه في الكتاب العتيق ، عن أبي المفضل

____________________

(١) الابنوس : شجر عظيم صلب العود أسوده.

(٢) مهج الدعوات ص ٢١٧.

١٥٣

الشيباني إلى آخر السند.

٢٦ ـ كا : علي بن إبراهيم أو غيره رفعه قال : خرج عبدالصمد بن علي و معه جماعة فبصر بأبي الحسن عليه‌السلام مقبلا راكبا بغلا فقال لمن معه : مكانكم حتى أضحككم من موسى بن جعفر ، فلما دنا منه قال له : ماهذه الدابة التي لاتدرك عليها الثأر ، ولا تصلح عند النزال؟ فقال له أبوالحسن عليه‌السلام : تطأتطأت عن سمو الخيل وتجاوزت قموء العير ، وخير الامور أوسطها ، فافحم عبدالصمد فما أحار جوابا (١).

بيان : القمء الذل والصغار ، والعير الحمار ، وكان عبدالصمد هو ابن علي ابن عبدالله بن العباس ، وقد عد من أصحاب الصادق عليه‌السلام.

٢٧ ـ مهج : قال الفضل بن الربيع : لما اصطبح الرشيد يوما استدعا حاجبه فقال له : امض إلى علي بن موسى العلوي وأخرجه من الحبس ، وألقه في بركة السباع ، فما زلت ألطف به وأرفق ، ولا يزداد إلا غضبا وقال : والله لئن لم تلقه إلى السباع لالقينك عوضه.

قال : فمضيت إلى علي بن موسى الرضا ، فقلت له : إن أمير المؤمنين أمرني بكذا وبكذا ، قال : افعل ما امرت به فإني مستعين بالله تعالى عليه ، وأقبل بهذه العوذة وهو يمشي معي إلى أن انتهيت إلى البركة ففتحت بابها وأدخلته فيها ، و فيها أربعون سبعا وعندي من الغم والقلق أن يكون قتل مثله على يدي ، وعدت إلى موضعي.

فلما انتصف الليل أتاني خادم فقال لي : إن امير المؤمنين يدعوك فصرت إليه فقال : لعلي أخطأت البارحة بخطيئة أو أتيت منكرا فاني رأيت البارحة مناما هالني ، وذلك أني رأيت جماعة من الرجال دخلوا علي وبأيديهم ساير السلاح وفي وسطهم رجل كأنه القمر ودخل إلى قلبي هيبته فقال لي قائل : هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى أبنائه فتقدمت إليه لاقبل قدميه

____________________

(١) الكافى ج ٦ ص ٥٤٠.

١٥٤

فصرفني عنه ، فقال : « هل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم » (١) ثم حول وجهه فدخل بابا.

فانتبهت مذعورا لذلك! فقلت : يا أمير المؤمنين أمرتني أن القي علي بن موسى للسباع قال : ويلك ألقيته؟ فقلت : إي والله ، فقال : امض وانظر ماحاله فأخذت الشمع بين يدي وطالعته فإذا هو قائم يصلي ، والسباع حوله ، فعدت إليه فأخبرته فلم يصدقني ، ونهض واطلع إليه فشاهده في تلك الحال : فقال : السلام عليك يا ابن عم ، فلم يجبه حتى فرغ من صلاته ، ثم قال : وعليك السلام يا ابن عم قد كنت أرجو أن لاتسلم علي في مثل هذا الموضع فقال : أقلني فاني معتذر إليك فقال له : قد نجانا الله تعالى بلطفه فله الحمد ، ثم أمر باخراجه فاخرج فقال : فلا والله ماتبعه سبع.

فلما حضر بين يدي الرشيد عانقه ، ثم حمله إلى مجلسه ورفعه فوق سريره وقال : يا ابن عم إن أردت المقام عندنا ففي الرحب والسعة ، وقد أمرنا لك ولاهلك بمال وثياب ، فقال له : لا حاجة لي في المال ولا الثياب ، ولكن في قريش نفر يفرق ذلك عليهم ، وذكر له قوما فأمر له بصلة وكسوة.

ثم سأله أن يركبه على بغال البريد إلى الموضع الذي يحب فأجابه إلى ذلك ، وقال لي : شيعه فشيعته إلى بعض الطريق ، وقلت له ياسيدي إن رأيت أن تطول علي بالعوذة فقال : منعنا أن ندفع عوذنا وتسبيحنا إلى كل أحد ، ولكن لك علي حق الصحبة والخدمة فاحتفظ بها فكتبتها في دفتر وشددتها في منديل في كمي فما دخلت إلى أمير المؤمنين إلا ضحك إلي وقضى حوائجي ، ولا سافرت إلا كانت حرزا وأمانا من كل مخوف ، ولا وقعت في الشدة إلا دعوت بها ، ففرج عني ثم ذكرها (٢).

____________________

(١) سورة محمد الاية : ٢٢.

(٢) مهج الدعوات ص ٢٤٨.

١٥٥

أقول : قال السيد ره : لربما كان هذا الحديث عن الكاظم موسى بن جعفر عليه‌السلام لانه كان محبوسا عند الرشيد لكنني ذكرت هذا كما وجدته.

٢٨ ـ ختص : عبدالله بن محمد السائي ، عن الحسن بن موسى ، عن عبدالله بن محمد النهيكي ، عن محمد بن سابق بن طلحة الانصاري قال : كان مما قال هارون لابي الحسن عليه‌السلام حين ادخل عليه : ماهذه الدار؟ فقال : هذه دار الفاسقين قال الله تعالى « سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وإن يروا كل آية لايؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لايتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا » الآية (١).

فقال لها هارون : فدار من هي؟ قال : هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة ، قال فما بال صاحب الدار لايأخذها؟ فقال : اخذت منه عامرة ولا يأخذها إلا معمورة قال : فأين شيعتك فقرأ أبوالحسن عليه‌السلام « لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة » (٢) قال : فقال له فنحن كفار؟ قال : لا ولكن كما قال الله « الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار » (٣) فغضب عند ذلك وغلظ عليه ، فقد لقيه أبوالحسن عليه‌السلام بمثل هذه المقالة وما رهبه وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف (٤).

٢٩ ـ كا : علي بن محمد بن عبدالله ، عن بعض أصحابنا ، أظنه السياري ، عن علي بن أسباط قال : لما ورد أبوالحسن موسى عليه‌السلام على المهدي رآه يرد المظالم فقال : يا أمير المؤمنين مابال مظلمتنا لاترد؟ فقال له : وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال : إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فدك وما والاها لم يوجف عليه

____________________

(١) سورة الاعراف الاية : ١٤٦.

(٢) سورة البينة الاية : ١.

(٣) سورة ابراهيم الاية : ٢٨.

(٤) الاختصاص ص ٢٦٢.

١٥٦

بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « وآت ذا القربى حقه » (١) فلم يدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هم ، فراجع في ذلك جبرئيل ، وراجع جبرئيل عليه‌السلام ربه ، فأوحى الله إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة عليها‌السلام.

فدعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لها : يافاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك فقالت : قد قبلت يارسول الله من الله ومنك ، فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما ولى أبوبكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها : ايتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك ، فجآءت بأمير المؤمنين عليه‌السلام وام أيمن فشهدا لها ، فكتب لها بترك التعرض ، فخرجت والكتاب معها.

فلقيها عمر فقال : ماهذا معك يابنت محمد؟ قالت : كتاب كتب لي ابن أبي قحافة قال : أرينيه فأبت ، فانتزعه من يدها ونظر فيه ، ثم تفل فيه ومحاه وخرقه فقال لها : هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب فضعي الجبال في رقابنا.

فقال له المهدي : يا أبا الحسن حدها إلي فقال : حد منها جبل احد وحد منها عريش مصر ، وحد منها سيف البحر ، وحد منها دومة الجندل ، فقال له : كل هذا؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين هذا كله إن هذا كله مما لم يوجف أهله على رسول الله بخيل ولا ركاب فقال : كثير وأنظر فيه (٢).

بيان : قوله : فضعي الجبال في بعض النسخ بالحاء المهملة ويحتمل أن يكون حينئذ كناية عن الترافع إلى الحكام بأن يكون لعنه الله قال ذلك تعجيزا لها وتحقيرا لشأنها أو المعنى أنك إذا اعطيت ذلك وضعت الحبال على رقابنا بالعبودية ، أو أنك إذا حكمت على مالم يوجف عليها بخيل بأنها ملكك فاحكمي على رقابنا أيضا بالملكية وفي بعض النسخ بالجيم أي إن قدرت على وضع الجبال على رقابنا جزاءا بما صنعنا فافعلي ، ويحتمل أن يكون على هذا كناية عن ثقل الآثام والاوزار.

____________________

(١) سورة الاسراء الاية : ٢٦.

(٢) الكافى ج ١ ص ٥٤٣.

١٥٧

٣٠ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : قلت له : إني قد أشفقت من دعوة أبي عبدالله عليه‌السلام على ابن يقطين وما ولد فقال : يا أبا الحسن ليس حيث تذهب إنما المؤمن في صلب الكافر بمنزلة الحصاة في اللبنة ، يجئ المطر فيغسل اللبنة فلا يضر الحصاة شيئا (١).

٣١ ـ كا : محمد بن يحيى عمن ذكره ، عن علي بن أسباط ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، عن علي بن يقطين قال : قلت لابي الحسن عليه‌السلام ماتقول في أعمال هؤلاء؟ قال : إن كنت لابد فاعلا فاتق أموال الشيعة ، قال : فأخبرني علي أنه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردها عليهم في السر (٢).

٣٢ ـ ب : محمد بن عيسى ، عن علي بن يقطين ، أو عن زيد ، عن علي بن يقطين أنه كتب إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام : إن قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان وكان وزيرا لهارون فإن أذنت لي جعلني الله فداك هربت منه؟ فرجع الجواب : لا آذن لك بالخروج من عملهم واتق الله أو كما قال (٣).

٣٣ ـ كتاب الاستدراك : عن التلعكبري باسناده عن الكاظم عليه‌السلام قال : قال لي هارون : أتقولون أن الخمس لكم؟ قلت : نعم قال : إنه لكثير ، قال : قلت : إن الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير.

____________________

(١) نفس المصدر ج ٢ ص ١٣.

(٢) المصدر السابق ج ٥ ص ١١٠.

(٣) قرب الاسناد ص ١٧٠.

١٥٨

٧

* ( باب ) *

« ( احوال عشائره واصحابه واهل زمانه وما جرى بينه ) »

« ( وبينهما وما جرى من الظلم على عشائره صلوات الله عليه ) »

١ ـ ب : محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن إبراهيم بن المفضل بن قيس ، قال : سمعت أبا الحسن الاول عليه‌السلام وهو يحلف أن لايكلم محمد بن عبدالله الارقط (١) أبدا ، فقلت في نفسي : هذا يأمر بالبر والصلة ويحلف أن لايكلم ابن عمه أبدا ، قال : فقال : هذا من برئ به ، هو لا يصبر أن يذكرني ويعينني فاذا علم الناس ألا اكلمه لم يقبلوا منه وأمسك عن ذكري فكان خيرا له (١).

٢ ـ شى : عن صفوان قال : سألني أبوالحسن عليه‌السلام ومحمد بن خلف جالس فقال لي : مات يحيى بن القاسم الحذاء؟ فقلت له : نعم ، ومات زرعة فقال : كان جعفر عليه‌السلام يقول : فمستقر ومستودع ، فالمستقر قوم يعطون الايمان ومستقر في قلوبهم والمستودع قوم يعطون الايمان ثم يسلبونه (٢).

٣ ـ شى : عن أحمد بن محمد قال : وقف علي أبوالحسن الثاني عليه‌السلام في بني زريق فقال لي وهو رافع صوته : يا أحمد ، قلت : لبيك قال : إنه لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جهد الناس على إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين عليه‌السلام فلما مات أبوالحسن عليه‌السلام جهد ابن أبي حمزة وأصحابه على إطفاء نور الله فأبى الله

____________________

(١) محمد بن عبدالله الارقط : سبقت ترجمته في ج ٤٦ ص ١٥٦ فراجع.

(٢) قرب الاسناد ص ١٦٨ والموجود فيه إلى قوله « واتق الله » والظاهر زيادة جملة « أو كما قال » فلاحظ.

(٣) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٧٢.

١٥٩

إلا أن يتم نوره ، الخبر (١).

٤ ـ ب : الحسن بن ظريف ، عن أبيه ظريف بن ناصح قال : كنت مع الحسين ابن زيد (٢) ومعه ابنه علي (٣) إذ مر بنا أبوالحسن موسى بن جعفر صلى الله عليه فسلم عليه ، ثم جاز ، فقلت : جعلت فداك يعرف موسى قائم آل محمد؟ قال : فقال لي : إن يكن أحد يعرفه فهو ثم قال : وكيف لايعرفه وعنده خط علي بن أبي طالب عليه‌السلام وإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال علي ابنه : يا أبه كيف لم يكن ذاك عند أبي زيد بن علي؟ فقال : يابني إن علي بن الحسين ومحمد بن علي سيد الناس وإمامهم فلزم يابني أبوك زيد أخاه فتأدب بأدبه وتفقه بفقهه ، قال : فقلت : فانه يا أبة إن حدث بموسى حدث يوصي إلى أحد من إخوته؟ قال : لا والله مايوصي إلا إلى ابنه ، أما ترى أي بني هؤلاء الخلفاء لايجعلون الخلافة إلا في أولادهم!؟ (٤).

٥ ـ ير : أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن يزيد قال : كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام فذكر محمد فقال : إني جعلت على أن لايظلني وإياه سقف بيت ، فقلت في نفسى : هذا يأمر بالبر والصلة ويقول هذا لعمه قال : فنظر إلي فقال : هذا من البر والصلة إنه متى يأتيني ويدخل علي ، فيقول ويصدقه الناس وإذا لم يدخل على ، لم يقبل قوله إذا قال (٥).

٦ ـ كا : بعض أصحابنا ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن رنجويه ، عن عبدالله ابن الحكم الارمني ، عن عبدالله بن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، عن عبدالله بن المفضل مولى عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قال : قال : لما خرج الحسين بن علي

____________________

(١) نفس المصدر ج ١ ص ٣٧٢ وفيه تمام الخبر.

(٢) الحسين بن زيد سبقت ترجمته في ج ٤٦ ص ١٥٧.

(٣) سبقت ترجمته في ج ٤٦ ص ١٥٩.

(٤) قرب الاسناد ص ١٧٨.

(٥) بصائر الدرجات ج ٥ باب ١٠ ص ٦٤.

١٦٠