رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

في القدّ نصفين من عدم بقاء استقرار الحياة ، مع أنّهم صرّحوا بكون مثله من جملة أسباب عدم استقرار الحياة ، حيث فسّروا عدمه بأن يقطع مريئه أو حلقومه أو يفتق قلبه أو يشقّ بطنه.

فلا خلاف في الحقيقة ، وهو الحجّة ، مضافاً إلى عموم أدلّة إباحة ما قتلته الآلة ، وخصوص الخبرين.

في أحدهما : الرجل يضرب الصيد فيقدّه نصفين ، قال : « يأكلهما جميعاً ، فإن ضربه وبان منه عضو ، لم يأكل منه ما أبانه وأكل سائره » (١).

وفي الثاني : عن الظبي وحمار الوحش يعترضان بالسيف ، فيقدّان ، قال : « لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين ، فإن تحرّك أحدهما فلا تأكل الآخر ، لأنّه ميّت » (٢).

ويظهر من التعليل كون المراد من الحياة المنفيّة والمثبتة ، الحياة المستقرّة لا مطلقاً. وبه يقيّد الخبر الأوّل حيث أطلق فيه الحلّ مع القدّ نصفين من دون اشتراط عدم استقرار الحياة ، مضافاً إلى وروده مورد الغالب المتحقّق فيه الشرط كما مرّ.

وليس في إطلاقهما كباقي الأدلّة اعتبار خروج الدم بالكلّية. خلافا للنهاية والقاضي وابن حمزة (٣) ، فاعتبروه في الحلّية ، بل صرّح الأخيران مع عدمه بالحرمة. وحجّتهم عليه غير واضحة وإن نفى عنه البأس في التنقيح (٤). لكن ثمرة النزاع سهلة ؛ لندرة عدم خروج الدم مع القدّ نصفين بالضرورة ، بل لعلّه من المحالات العادية.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٥ / ٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٦ أبواب الصيد ب ٣٥ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٥ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٧ / ٣٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٧ أبواب الصيد ب ٣٥ ح ٣.

(٣) النهاية : ٥٨١ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٣٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٧.

(٤) التنقيح الرائع ٤ : ١٢.

٢٨١

( ولو تحرّك أحدهما فهو الحلال إن كانت حياته مستقرّة لكن بعد التذكية ) وحرّم الآخر ؛ لأنّه قطعة من الحيّ مبانة ، شهد بتحريمه الأُصول والرواية الثانية المتقدمة ، والرواية النبوية : « ما أُبين من حيّ فهو ميّت » (١).

ويعضده ما ورد في الصيد بالحبالة من المعتبرة (٢).

واعتبار التذكية هو المشهور ، بل عليه المتأخرون كافّة. خلافاً للكتب الثلاثة المتقدّمة ، حيث أطلقوا فيها حلّ المتحرّك من دون اعتبارها ، بل إنّما اعتبر في الأخيرين خروج الدم خاصّة ، بل وصرّح ثانيهما بالتحريم من دونه ، ويأتي عليهما ما مرّ من عدم موافقة الإطلاق للقواعد إلاّ أن يحمل عليها بإرادتهم القيد وإحالتهم اعتباره إلى الظهور من الخارج ، أو إرادتهم من الحركة حركة المذبوح خاصّةً ، ولذا أُطلق الحركة فيها ولم يقيّد باستقرار الحياة كما في العبارة. ويعضده الورود مورد الغلبة وتفسيرهم المتقدّم إليهما الإشارة (٣). فلا خلاف أيضاً في المسألة

( ولو لم يكن ) حياة المتحرّك ( مسستقرّةً حلاّ ) أي النصفان معاً مطلقاً ، كان ما فيه الرأس أكبر أم لا ، وفاقاً للحلّي (٤) والمتأخّرين كافّة ؛ أخذاً بالأدلّة المتقدّمة التي منها إطلاق الصحيحة ، بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال كما برهن في محلّه ـ : عن الصيد يضربه الرجل بالسيف ، أو يطعنه برمح ، أو يرميه بسهم فيقتله ، وقد سمّى حين فعل ذلك ، قال : « كُلْ ، لا بأس » (٥).

__________________

(١) المغني لابن قدامة ١١ : ٢٤ ، ٢٥.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ أبواب الصيد ب ٢٤.

(٣) في « ح » و « ر » زيادة : مع تفسيرهم عدمه بمثله.

(٤) السرائر ٣ : ٩٥.

(٥) الكافي ٦ : ٢١٠ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٢٠٣ / ٩٢٠ ، التهذيب ٩ : ٣٣ / ١٣٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٢ أبواب الصيد ب ١٦ ح ٣.

٢٨٢

خلافاً للكتب الثلاثة حيث حكموا في غير المتحرّك بالحرمة مطلقاً ولو لم يكن حياة المتحرّك مستقرّة ، بل كلماتهم في هذه الصورة دون غيرها ظاهرة بمعونة ما قدّمناه من التفسير والورود مورد الغلبة.

ولعلّ حجّتهم الرواية الثانية من الروايتين المتقّدم إلى ذكرهما الإشارة. وهي بحسب السند قاصرة من وجوه عديدة ، غير مكافئة لما مرّ من الأدلة ، سيّما مع اعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون الآن إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، فلتكن مطرحة أو محمولة على ما إذا كانت حياة المتحرّك مستقرةً وإن كان بعيداً بمقتضى ما مرّ من التغير والغلبة.

نعم ، لما ذكروه وجه إن لم نعتبر استقرار الحياة في وجوب تذكية الصيد مطلقاً ، بل قلنا بوجوبها ما دام فيه حركة ما ، كطرف العين وركض الرجل ونحوهما. أو اعتبرناه ولكن فسّرناه بأحد الأُمور المذكورة ، كما قدّمناه عن ابن حمزة (١) ؛ وسيأتي إليه وإلى تمام التحقيق الإشارة. وذلك أنّ المتحرّك على هذا في حكم الحي الواجب تذكيته المحكوم بكون المُبان منه ميتة.

لكن اعتبار استقرار الحياة وتفسيره بغير تلك الأُمور مشهور ، ومنهم الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول ، مع أنّ القدّ نصفين من جملة ما فسّروا به عدم استقرار الحياة ، فلا وجه لقولهم حينئذٍ إلاّ دعوى كون القطعة المُبانة من مثل هذه المتحرّك قطعة مبانة من حيّ أيضاً فتكون ميتة ، لدخولها في إطلاق الرواية المتقدّمة.

والمناقشة فيه واضحة ، فإنّ المتبادر من إطلاق الحي في الرواية ما يحتاج إلى التذكية ، وليس إلاّ ما حياته مستقرّة ، لا ما حركته حركة‌

__________________

(١) راجع ص ٢٥٧.

٢٨٣

المذبوح الذي لا يحتاج إلى تذكية ، وليس منه مفروض المسألة.

وللخلاف والمبسوط وابن حمزة ، فحكما بحلّ ما فيه الرأس خاصّة إذا كان أكبر ، وصرّحا في غيره بالحرمة (١).

وحجّتهما عليه غير واضحة عدا ما ذكره في الأوّل من أنّ أكل ما مع الرأس مجمع على إباحته ، وما قالوه ليس عليه دليل. وهو كما ترى ، لقيام الدليل عليه كما مضى.

وفي الثاني من أنّه مذهبنا. وهو إن كان ظاهراً في أنّ عليه إجماعنا إلاّ أنّه غير صريح ، ومع ذلك موهون بعدم ظهور مفتٍ به سواه وابن حمزة ، فكيف يمكن قبول الإجماع بدعواه. ومع التنزّل فغايته أنّه خبر صحيح صريح لكنّه ليس لما قدّمناه من الدليل عديل. فهو ضعيف وأيّ ضعيف.

وبالأخير يجاب عمّا في الموثق : « يأكل ممّا يلي الرأس ثم يدع الذنب » (٢) مضافاً إلى إطلاق ما يلي الرأس فيها الشامل للأكبر والدون والمساوي. ولم يقل به ، لاشتراطه الأوّل. وتنزيله عليه فرع الشاهد ، وليس إلاّ الجمع بينها وبين رواية أُخرى أشار الماتن إليها بقوله : ( وفي رواية ) ضعيفة مرسلة ( يؤكل الأكبر دون الأصغر ) (٣) بحمل الاولى على ما إذا كان ما يلي الرأس أكبر كما في هذه ، وحمل هذه على ما إذا كان الأكبر ممّا يلي الرأس كما في الأُولى. فهو فرع التكافؤ المفقود هنا ؛ لضعف الأخيرة عن المقاومة للموثّقة. مع أنّ الجمع بينهما بذلك فرع قيام دلالة هي في المقام‌

__________________

(١) الخلاف ٦ : ١٨ ، المبسوط ٦ : ٢٦١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٧.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٥ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٧٧ / ٣٢٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٧ أبواب الصيد ب ٣٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٥ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٧٧ / ٣٢٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٧ أبواب الصيد ب ٣٥ ح ٤.

٢٨٤

مفقودة.

( و ) كيف كان ( هي ) بإطلاقها ( شاذّة ) كإطلاق الموثّقة مع احتمالهما الحمل على التقية ، فقد حكي القول بمضمونهما لكن بعد الجمع بما عرفته في الخلاف عن أبي حنيفة (١).

( ولو أخذت الحبالة منه ) أي ممّا صيد بها ( قطعة فهي ميتة ) مطلقاً ، كان في إحدى القطعتين حياة مستقرّة أم لا ، إجماعاً ، والمعتبرة بذلك مستفيضة جدّاً مضت في بحث الصيد بها (٢). ولا اختصاص للحكم بالحبالة ، بل يشملها وغيرها من نحو الشبكة وغيرها من الآلات الغير المعتبرة وإن كانت المعتبرة بها مختصّة ، التفاتاً إلى القاعدة المتقدّمة ثمّة العامّة لها ولغيرها.

الرابعة : ( لو أدرك ) ذو السهم أو الكلب ( الصيد ) مع إسراعه إليه حالة الإصابة ( وفيه حياة مستقرة ) توقّف حلّه على التذكية إن اتّسع الزمان لها ، بلا خلاف فيه في الجملة ؛ للنصوص المستفيضة :

منها الصحيحان ، في أحدهما : « إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه ، وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكُل ما بقي » (٣).

وفي الثاني : « فإذا أدركه قبل أن يقتله ذكّاه » (٤).

وبها يخصّ عموم الكتاب والسنّة ، مع أنّ أكثرها معلّقة للحلّ على القتل ، والمتبادر منه إمّا خروج روحه ، أو كان حياته غير مستقرّة لا يقبل‌

__________________

(١) الخلاف ٦ : ١٨.

(٢) راجع ص ٢٧١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٠٢ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٢٢ / ٨٩ ، الإستبصار ٤ : ٦٧ / ٢٤١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٣٤ أبواب الصيد ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٢٠٣ / ٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٠ أبواب الصيد ب ٤ ح ١.

٢٨٥

التذكية.

وإن لم يتّسع الزمان لها حلّ بدونها على الأقوى ، وفاقاً للمبسوط وكثير (١) ، بل الأكثر كما في المسالك (٢) ، بل المشهور كما في الروضة (٣) ؛ لدلالة النصوص المزبورة من حيث تضمّنها الأمر المشترط بالقدرة على أنّ التذكية إنّما تعتبر إذا كانت مقدورةً لا كليّةً ، وهي هنا مفقودة.

خلافاً للخلاف والحلّي والمختلف (٤) ، فحرّموه ، التفاتاً إلى استقرار حياته ، فنيط إباحته بتذكيته.

ويظهر مما مرّ : الوجه في ضعف هذا القول ومستنده ، وفي صحّة ما ذكره جماعة من الحلّ مع ترك التذكية واتّساع الزمان لها إن لم يكن بتقصير الصائد ، كاشتغاله بأخذ الآلة وسلّ السكين ، أو امتناع الصيد بما فيه من بقيّة قوّة ، أو نحو ذلك ، فمات قبل أن يمكنه الذبح.

وأمّا إذا كان بتقصيره حرّم بلا خلاف ؛ للأصل ، وفقد ما يدلّ على الحلّ عدا إطلاق الكتاب والسنّة المتقدّم ، وهو مخصّص بما مرّ من النصوص الدالّة على اعتبار الذبح بعد إدراكه ، وهو في المقام متحقّق ، فترك الذبح فيه موجب لتحريمه كغير الصيد.

وحيث اتّسع الزمان لتذكيته ( ولا آلة فيذكّيه لم يحلّ حتى يذكّى ) مطلقاً على المشهور ولما مرّ ، وفاقاً للحلّي وابن حمزة (٥).

( وفي رواية جميل ) الصحيحة : ( يدع الكلب حتى يقتله ) فإنّ‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢٦٠ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٦ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٥٥.

(٢) المسالك ٢ : ٢٢٣.

(٣) الروضة ٧ : ٢٠٧.

(٤) الخلاف ٦ : ١٤ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٨٥ ، المختلف : ٦٧٦.

(٥) الحلّي في السرائر ٣ : ٨٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٦.

٢٨٦

فيها : عن الرجل يرسل الكلب على الصيد ، فيأخذه ، ولا يكون معه سكّين فيذكّيه بها ، أفيدعه حتّى يقتله ويأكل منه؟ قال : « لا بأس » (١).

ونحوها رواية أُخرى له (٢) ، إلاّ أنّها بحسب السند قاصرة ، وعمل بها العلاّمة في المختلف (٣) ، تبعاً لجماعة من القدماء كالصدوق والإسكافي والشيخ في النهاية (٤). واستوجهه من متأخّري المتأخّرين جماعة كصاحبي المفاتيح والكفاية (٥).

واستدل عليه زيادة على الصحيحة بما مرّ من إطلاق الكتاب والسنّة.

وأُجيب عنها : بعدم الدلالة على العموم ، وإلاّ لجاز مع وجود آلة الذبح. وعن الرواية : بأنّ ليس فيها على المطلوب دلالة ؛ لأنّ الضمير المستكن في قوله فيأخذه راجع إلى الكلب لا إلى الصائد ، والبارز راجع إلى الصيد. والتقدير : فيأخذ الكلب الصيد ، وهو لا يدلّ على إبطال امتناعه ، بل جاز بقاؤه ممتنعاً والكلب ممسك له ، فاذا قتله حينئذٍ فقد قتل ما هو ممتنع ، فيحلّ بالقتل (٦).

وضعّفهما في المسالك (٧) :

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٤ / ٨ ، التهذيب ٩ : ٢٣ / ٩٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٧ أبواب الصيد ب ٨ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٠٦ / ١٧ ، التهذيب ٩ : ٢٥ / ١٠١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٨ أبواب الصيد ب ٨ ح ٢.

(٣) المختلف : ٦٧٤.

(٤) الصدوق في المقنع : ١٣٨ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٧٤ ، النهاية : ٥٨١.

(٥) مفاتيح الشرائع ٢ : ٢١٥ ، الكفاية : ٢٤٦.

(٦) إيضاح الفوائد ٤ : ١٢٢.

(٧) المسالك ٢ : ٢٢٢.

٢٨٧

فالأوّل : بأنّ تخصيصه بعدم الجواز مع وجود الآلة إنّما هو بالإجماع والأدلّة ، وهما لا تدلاّن على التخصيص في محلّ المشاجرة ، والعام المخصّص في الباقي حجّة.

وفيه مناقشة ؛ لمنع عدم دلالة الأدلّة على التخصيص في المسألة ، لأنّ من جملتها النصوص المتقدّمة الدالّة على اعتبار التذكية بعد إدراكه وفيه حياة مستقرة ، ومنه مفروض المسألة ، وفقد الآلة ليس بعذر يوجب الحلّية ، وإن هو حينئذٍ إلاّ كما لو فقدها في الحيوان الغير الممتنع الممكن فيه التذكية.

ولا يرد مثله فيما لو أدرك الصيد مستقرّ الحياة ولم يتّسع الزمان لتذكيته ؛ لاقتضائه الحرمة فيه ايضاً ، مع أنّ الأشهر الأقوى فيه الحلّ كما مضى.

لضعفه وإن احتجّ به في المختلف لمختاره ثمة (١) ، وذلك لوضوح الفرق بينهما بصدق إدراك الذكاة الوارد في النصوص الموجب للحرمة بدونها فيما نحن فيه عرفاً ، بخلاف ما مضى ، لعدم صدقه فيه جدّاً.

والثاني : بظهوره في صيرورة الصيد غير ممتنع لجهات :

إحداها : قوله : ولا يكون معه سكّين ، فإنّ مقتضاه أنّ المانع من تذكيته عدم السكين ، لا عدم القدرة عليه لكونه ممتنعاً. ولو كان حينئذٍ ممتنعاً لما كان لقوله : ولا يكون معه سكين ، فائدة أصلاً.

والثانية : قوله : فيذكّيه بها ، ظاهر أيضاً في أنّه لو كان معه سكين لذكّاه بها ، فدلّ على بطلان امتناعه.

والثالثة : قوله : أفيدعه حتى يقتله ، ظاهر أيضاً في قدرته على أن‌

__________________

(١) المختلف : ٦٧٦.

٢٨٨

لا يدعه حتى يقتله ، وإنّه إنّما يترك تذكيته ويدع الكلب يقتله لعدم وجود السكين.

وهو حسن إلاّ أنّ ما ذكره من القرائن لا توجب الصراحة ، بل غايتها إفادة الظهور ، وهو لا ينافي الحمل على ما ذكره المجيب جمعاً بين الأدلّة.

ثم على تقدير الصراحة المصير إلى القول بالحرمة لا يخلو عن قوّة ؛ لاعتضاد ما قدّمناه من أدلّتها بالشهرة العظيمة التي هي من أقوى المرجّحات الشرعية ، ولأجلها لم تكن الرواية لها بمكافئة وإن كانت صحيحةً وعمل بها جماعة.

ثمّ إنّ المستفاد من ظاهر إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة والنصوص المتقدّمة : اعتبار التذكية خاصّة بعد إدراكه وفيه حياة مستقرّة ، من دون إيجاب المسارعة إليه بعد إرساله الإله والإصابة. وهو الأوفق في الظاهر بإطلاق الكتاب والسنّة ، إلاّ أنّ المشهور إيجابها شرطاً على الظاهر أو شرعاً كما قيل (١).

ولم أجد لهم عليه دليلاً صريحاً ، وإن احتمل توجيهه بأصالة الحرمة وعدم انصراف الإطلاقات إلى صيد لم يتحقّق إليه مسارعة معتادة ، لأنّ المتبادر منها ما تحقّقت فيه ، وإلاّ لحلّ الصيد مع عدمها ولو بقي غير ممتنع سنةً ثم مات بجرح الآلة ، ولعلّه مخالف للإجماع بل الضرورة.

هذا مع إمكان دعوى الاستقراء والتتبّع للنصوص والفتاوى على دوران الحلّ بالاصطياد وحرمته مدار حصول موته حال الامتناع به وعدمه مع القدرة عليه ، فيحلّ في الأوّل دون الثاني إلاّ بعد تذكيته. وفي التنقيح‌

__________________

(١) انظر مفاتيح الشرائع ٢ : ٢١٤.

٢٨٩

الإجماع عليه حيث قال : ولا يحلّ مقتول الكلب إلاّ مع الامتناع إجماعاً (١).

وعلى هذا فلو أخذته الآلة وصيّرته غير ممتنع توقّف حلّها على التذكية ، فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة.

وهذه الحجّة وإن اقتضت الحرمة بعد المسارعة أيضاً مع إدراك التذكية وتركها بقصور الزمان ونحوه ممّا مرّ إليه الإشارة ، إلاّ أنّ هذه الصور خرجت بالإجماع ونحوه من الأدلّة.

فما ذكروه لا يخلو عن قوّة سيّما مع اعتضاده بأنّ المستفاد من النصوص والفتاوى عدم حلّ الحيوان مطلقاً إلاّ بالذبح ونحوه ، وأنّ الاكتفاء بغيرهما في الحلّية إنّما هو حيث حصلت ضرورة كالاستعصاء ونحوه.

ويمكن أن ينزّل عليه إطلاق العبارة ونحوها من العبائر والنصوص بحملها على صورة تحقّق المسارعة ، لوروده لبيان حكم آخر غير المسارعة. بل لعلّ التنزيل متعيّن ، نظراً إلى ما مرّ إليه الإشارة من تلك القواعد المستفادة من تتبّع النصوص وكلماتهم وكلمات غيرهم من الجماعة.

وأعلم : أنّ المستفاد من النصوص المتقدّمة إنّما هو اعتبار إدراك الذكاة خاصّة ، وهو يحصل بإدراكه وتطرف عينه أو تركض رجله كما في النصوص ، بل قيل : الصحاح (٢).

منها : ما ورد في الصيد : « آخر الذكاة إذا كانت العين تطرف ، والرجل تركض ، والذنب يتحرّك » (٣).

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ١٤.

(٢) مفاتيح الشرائع ٢ : ٢١٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢٠٨ / ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣٣ / ١٣١ ، الإستبصار ٤ : ٧٣ / ٢٦٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٠ أبواب الصيد ب ٩ ح ٤.

٢٩٠

ومنها : ما ورد في الذبيحة ، وهو كثير فيها الصحيح وغيره (١).

ومال إلى العمل بها الشهيدان ، وتبعهما من متأخّري المتأخّرين جماعة (٢) ، وفاقاً للمحكي في المختلف والتنقيح (٣) عن ابن حمزة.

خلافاً للمشهور بين المتأخّرين كما صرّح به جماعة (٤) ، وفاقاً منهم للمحكي في الكتابين عن المبسوط (٥) ، فاعتبروا في إدراك ذكاته استقرار حياته بمعنى إمكان بقائه يوماً أو بعض يوم. ومقتضاه أنّ غير مستقرّ الحياة هنا بمنزلة المذبوح ، فلو ترك عمداً حتى مات حلّ ، مع أنّهم فسّروا استقرار الحياة كما عرفت بما يمكن أن يعيش صاحبها اليوم واليومين. وهو بعيد ، لعدم الدليل المعتمد عليه. وغاية توجيهه ما قد يقال من قِبلَهم : إنّ ما لا يستقرّ حياته قد صار بمنزلة المقتول. وهو اجتهاد في مقابلة النص غير مسموع.

هذا ، مع أنّ المحكي عن نجيب الدين يحيى بن سعيد (٦) : أنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب. وهو الظاهر من عمدة القائلين باعتباره كالشيخ في الخلاف والمبسوط (٧) ، فإنّه قد نسب في الأوّل مفاد النصوص‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٤ : ٢٢ أبواب الذبائح ب ١١.

(٢) الشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ٤١٤ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٢ والروضة ٧ : ٢٢٧ ، وتبعهما العلاّمة المجلسي في ملاذ الأخيار ١٤ : ١٨٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢١٤.

(٣) المختلف : ٦٧٦ ، التنقيح الرائع ٤ : ٧.

(٤) قال في المسالك ٢ : ٢٢٢ : هو المشهور بين الأصحاب ، وقال في المفاتيح ٢ : ٢١٤ : هو المشهور.

(٥) المبسوط ٦ : ٢٦٠.

(٦) حكاه عنه في الدروس ٢ : ٤١٥.

(٧) الخلاف ٦ : ١٤ ، المبسوط ٦ : ٢٦٠.

٢٩١

المزبورة إلى روايات الأصحاب ، كالحلّي (١) ، وفي الثاني إليهم أنفسهم. وهو ظاهر في دعواه الإجماع. وليت شعري ما الداعي له مع ذلك إلى اختياره خلافه.

وعليك بإمعان النظر في هذا المبحث فإنّه فيه إشكالاً ، وهو أنّ جماعة ممّن اختاروا القول الأوّل ومنهم ابن حمزة (٢) فصّلوا أيضاً بين مستقرّ الحياة وغيره في مواضع كثيرة تقدّمت إلى جملة منها الإشارة ، فحكموا في الأوّل بلزوم التذكية في الحلّية وفي الثاني بعدمه.

وهذا التفصيل لا يتصوّر إلاّ على تقدير تفسير استقرار الحياة بما ذكره في المبسوط وتبعه الجماعة (٣) : من إمكان بقاء الحياة المدّة المتقدّمة ، فإنّه هو الذي يتصوّر فيه التفصيل بين مستقرّ الحياة وهو ما أمكن أن يعيش المدّة ، وغيره وهو ما قابلة. وأمّا تفسيره بإدراكه وتطرف عينه ، أو تركض رجله فغير متصوّر فيه التفصيل الذي مرّ ، إذ لا حركة دون الحركات المزبورة تعدّ قسماً آخر مقابل مستقرّ الحياة أيضاً.

ويمكن الذبّ عن الإشكال بما هو حقيق أن يسطر ويرجع إليه في هذا المجال ، وهو : أنّ المستفاد من تتبّع جملة من العبارات في تفسير غير مستقرّ الحياة بأنّه هو الذي قطع حلقومه أو فتق قلبه أو شقّ بطنه ، أنّ مستقرّ الحياة ما قابلة ، وهو الذي لم يحصل فيه واحد من الأُمور المزبورة ، سواء كان ممّا يعيش تلك المدّة المتقدّمة أم لا. واستقرار الحياة بهذا المعنى يجامع ما ذكره ابن حمزة ومن تبعه في أدناه من طرفة العين وركض الرجل.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٩٢.

(٢) الوسيلة : ٣٥٦.

(٣) المبسوط ٦ : ٢٦٠ ، وتبعه العلاّمة في المختلف : ٦٧٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٧.

٢٩٢

ويمكن تنزيل تفسير الشيخ له بما ذكره من إمكان البقاء تلك المدّة عليه ، بإرادته من الإمكان ما يقابل إمكان البقاء مع شقّ البطن ونحوه.

ويعضده ما نقله عن الأصحاب من إدراك الذكاة بطرف العين ، مع موافقته لابن حمزة في تفسير غير مستقرّ الحياة بما ذكره. لكن في الخلاف ما يأبى عن هذا التنزيل.

وبما ذكرناه ظهر عدم الخلاف في اعتبار استقرار الحياة كما يستفاد من التنقيح (١) ، وأنّه على تقديره إنّما هو في تفسيره. ولا ينافيه ما مرّ عن يحيى بن سعيد من أنَّ اعتباره ليس من المذهب ؛ لاحتمال إرادته من الاستقرار الذي نفاه ، الاستقرار بمعنى البقاء إلى المدّة المذكورة لا مطلقة.

وبهذا التحقيق يظهر الجواب عمّا يرد من الإشكال المشهور على فرض استقرار الحياة مع عدم سعة الزمان لإدراك الذكاة. ولعلّ هذا الفرض أيضاً من شواهد هذا التحقيق كما قد نبّه عليه المقدّس الأردبيلي (٢) ، فإنّ ما أُجيب عنه على طريقة المشهور في تفسير استقرار الحياة لا يخلو عن تعسّف.

الخامسة : ( لو أرسل ) المسلم ( كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيداً ، أو ) أرسل بدل الكافر ( مسلم لم يسمّ أو ) من ( لم يقصد ) جنس ( الصيد ) فقتلاه ( لم يحلّ ) بلا خلاف فيه ، وفي انسحاب الحكم في مطلق الآلة ؛ لما مرّ إليه الإشارة (٣) في بحث من أرسل كلبه وسمّى غيره من اشتراط العلم أو الظنّ باستناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة ، لا السبب‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٥٠.

(٣) في ص ٢٦٨.

٢٩٣

المحرّم ، ولا المشترك بينهما كما هو الفرض.

ولا فرق فيه بين تجانس الآلتين ككلبين أو سهمين ، أو تخالفهما كسهم وكلب ، ولا بين اتّفاقهما في وقت الإصابة أو تخالفهما إذا كان كل منهما قاتلاً. ولو أثخنه السبب المحلّل ثم ذفّف وأسرع عليه السبب المحرّم حلّ ؛ لأنّ القاتل هو الأوّل. ولو انعكس الأمر لم يحلّ ، وكذا لو اشتبه الحالان ؛ لأصالة عدم التذكية المشترطة في الحلّ ، والجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط.

( السادسة : لو رمى ) بالآلة المعتبرة مطلقاً قاصداً ( صيداً فأصاب غيره حلّ. ولو رمى لا للصيد ) بل للهو أو غيره ( فقتل صيداً لم يحلّ ) بلا خلاف فيهما أيضاً ؛ لما مضى من اعتبار قصد المرسل الصيد في الحلّ ، والمعتبر منه القصد إلى الجنس المحلّل لا الشخص. ولقد كان في اعتبار القصد فيما مضى غنى عن ذكر هذا الحكم جدّاً (١).

( السابعة : إذا كان الطير مالكاً جناحه ) ولا يكون فيه أثر اليد ( فهو لصائده إلاّ أن يعرف مالكه فيردّه إليه ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة :

منها الصحيح : عن رجل يصيد الطير يساوي دراهم كثيرة ، وهو مستوي الجناحين ، ويعرف صاحبه ، أو يجيئه ، فيطلبه من لا يتّهمه ، قال : « لا يحلّ له إمساكه ، يردّه عليه » فقلت له : فإن هو صاد ما هو مالك لجناحيه ، لا يعرف له طالباً ، قال : « هو له » (٢).

__________________

(١) راجع ص ٢٦٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٢ / ١ ، التهذيب ٩ : ٦١ / ٢٥٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٨ أبواب الصيد ب ٣٦ ح ١.

٢٩٤

ونحوه الخبر : عن صيد الحمامة تساوي نصف درهم أو درهماً ، فقال : « إذا عرفت صاحبه فردّه عليه ، وإن لم تعرف صاحبه وكان مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك » (١).

وقريب منهما آخر : الطير يقع على الدار فيؤخذ ، إحلال هو أم حرام لمن أخذه؟ فقال : « هو عافٍ أم غير عافٍ؟ » قلت : وما العافي؟ قال : « المستوي جناحاه ، المالك جناحيه يذهب حيث شاء » قال : « هو لمن أخذه » (٢).

ومنها الخبران ، أحدهما المرسل كالموثق بابن بكير : « إذا ملك الطائر جناحيه ، فهو لمن أخذه » (٣).

وفي الثاني القوي بالسكوني وصاحبه : « الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيد ، وهو حلال لمن أخذه » (٤).

( ولو كان ) الطير ( مقصوصاً ) أو موجوداً فيه أثر يدل على الملك ( لم ) يحلّ أنّ ( يؤخذ ) ولا يجوز أن يملك ( لأنّ له ) بمقتضى الأثر الدال على ترتّب اليد ( مالكاً ) محكوماً بملك الطير له بترتّب يده عليه ، الموجب للملكيّة له بمجرّده ، كما عليه جماعة (٥). ودلّ عليه بعض‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٢ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٦١ / ٢٦٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٨ أبواب الصيد ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٣ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٦١ / ٢٦١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٩ أبواب الصيد ب ٣٧ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢٢ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٦١ / ٢٥٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٩ أبواب الصيد ب ٣٧ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٢٣ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٦١ / ٢٥٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٠ أبواب الصيد ب ٣٧ ح ٣.

(٥) منهم : العلاّمة في الإرشاد ٢ : ١٠٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٥.

٢٩٥

النصوص المتقدّمة ، ونحوه مضاهية في السند : « للعين ما رأت ولليد ما أخذت » (١).

وأمّا على القول بعدم إفادته ذلك بمجرّده ، بل لا بُدّ معه من النّية كما عليه آخرون ؛ لاستصحاب بقاء عدم الملكية واختصاص ما مرّ من النصوص بحكم التبادر بصورة مقارنة النيّة لترتّب اليد فكذلك ؛ لما عرفت من الظهور المستفاد من وجه اختصاص النصوص بتلك الصورة ، فلا يلتفت إلى احتمالات منافية للملكيّة ، كأن فعل ذلك به عبثاً من غير قصد التملّك. وحاصله يرجع إلى ترجيح الظاهر في هذه المسألة على أصالة الإباحة ، وعدم الحكم بمالك له بالكليّة.

وهو وإن كان خلاف التحقيق إلاّ في موارد مخصوصة ، إلاّ أنّه يمكن استفادته من الصحيح السابق ، حيث اكتفى فيه بالملك لمن يدّعيه بمجرّد دعواه الغير المعلوم أنّها صادقة أم كاذبة ، بعد أن ذكر أنه ليس المدّعى محلّ التهمة. ولا ريب أنّ تلك الدعوى بمجردها ولو قرنت بعدم اتّهام مدّعيها لا تفيد سوى الظهور والمظنّة ، ولعلّ المظنّة الحاصلة من ترتّب اليد بكونه مع النيّة أقوى من المظنّة الحاصلة بالملكيّة بمجرّد الدعوى المقرونة بعدم تهمة.

هذا مع أنّ أصالة الإباحة على تقدير تسليم جواز الاستناد إليها هنا مطلقاً معارضة بأصالة بقاء عدم ملكيّة الصائد لما صاده ، وبعد التعارض والتساقط يبقى إثبات ملكيّته محتاجاً إلى حجّة أُخرى عن المعارض سليمة ، ولا وجود لها هنا بالكليّة سوى إطلاق النصوص بأنّه لمن أخذه ، وقد مرّ‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٣ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٦١ / ٢٥٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩١ أبواب الصيد ب ٣٨ ح ١.

٢٩٦

إلى جوابه الإشارة.

( ويكره أن يرمى الصيد بما هو أكبر منه. ولو اتّفق ) الرمي به ( قيل ) كما عن النهاية وابن حمزة (١) ـ : ( حرم ) الفعل مع الصيد ؛ للمرفوع : « لا يرمى الصيد بشي‌ء أكبر منه » (٢).

( والأشبه ) الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ( الكراهية ) فيهما ؛ للأصل والإطلاقات ، مع ضعف الخبر بالإرسال والرفع ، مع اختصاصه بالنهي عن الفعل دون الصيد ، فلا وجه لتحريمه وإن قلنا بتحريم سابقه.

( وكذا يكره أخذ الفراخ من أعشاشها ) وفاقاً للأكثر (٣) ؛ للأصل.

خلافاً للصدوقين فيحرم (٤) ؛ للخبر : « لا تأتوا الفراخ في أعشاشها حتى تريش وتطير ، فإذا طار فأوتر له قوسك ، وانصب له فخّك » (٥).

ولقصور سنده مع عدم مكافأته لأدلّة الإباحة من الأصل وإطلاقات الكتاب والسنّة حمل على الكراهة.

( و ) كذا يكره ( الصيد بكلب علّمه مجوسي ) للنهي عنه في الخبر : عن كلب المجوسيّ أستعيره فأصيد به ، قال : « لا تأكل من صيده » (٦).

__________________

(١) النهاية : ٥٨٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٧.

(٢) الكافي ٦ : ٢١١ / ١٢ ، التهذيب ٩ : ٣٥ / ١٤٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٠ أبواب الصيد ب ٢١ ح ١.

(٣) كالشيخ في النهاية : ٥٧٩ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١٥٨ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٣٩٩.

(٤) الصدوق في المقنع : ١٤٢ ، ونقله عن والده في المختلف : ٦٨٩.

(٥) الكافي ٦ : ٢١٦ / ٢ ، التهذيب ٩ : ١٤ / ٥٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٠ أبواب الصيد ب ٢٨ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٢٠٩ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٠ / ١١٩ ، الإستبصار ٤ : ٧٠ / ٢٥٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦١ أبواب الصيد ب ١٥ ح ٢.

٢٩٧

والوجه في حمله عليها ما مرّ في الخبر السابق مع زيادة عليه هي : معارضته بخصوص الصحيح الصريح : عن كلب المجوسيّ يأخذه الرجل المسلم ، فيسمّي حين يرسله ، أيأكل ممّا أمسك عليه؟ فقال : « نعم ، لأنّه مكلّب ذكر اسم الله عزّ وجلّ عليه » (١).

مضافاً إلى إجماعنا المحكيّ عليها في الخلاف (٢) ، المعتضد بعدم الخلاف فيه بيننا إلاّ من الإسكافي والمبسوط (٣).

واستدلّ لهما بقوله تعالى ( تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ ) (٤) فإنّ الخطاب للمسلمين ، وبالخبر الذي مضى (٥).

وهما كما ترى ؛ لضعف الأوّل بعدم دلالته على اشتراط الإسلام في المعلِّم ، وإنّما غايته الاختصاص بالمسلم ، وهو لا ينافي الثبوت في غيره بما مرّ ، سيّما مع وروده مورد الغالب.

هذا مع أنّ دلالته على الاشتراط لو سلّمت تقتضي حرمة مقتول ما علّمه الكافر مطلقاً. وهو خلاف الإجماع حتى منهما قطعاً ؛ لتخصيصهما المنع بكلب المجوسيّ ، كما حكاه عنهما جماعة من أصحابنا ، وإن كان يظهر من المقدس الأردبيلي رحمه‌الله حكاية الإطلاق عنهما (٦) ، ولكنّها كما ترى.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠٢ / ٩١٣ ، التهذيب ٩ : ٣٠ / ١١٨ ، الإستبصار ٤ : ٧٠ / ٢٥٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٠ أبواب الصيد ب ١٥ ح ١.

(٢) الخلاف ٦ : ١٩.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٧٦ ، المبسوط ٦ : ٢٦٢.

(٤) المائدة : ٤.

(٥) حكاه في المختلف : ٦٧٦.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٣٩.

٢٩٨

هذا مع ورود التصريح بحلّ مقتول ما علّمه أهل الذمّة في الخبر : « وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين بأن يأكلوا من صيدها » (١) وليس ذلك إلاّ لما ذكرناه من عدم دلالة الآية على الاشتراط بالكلية.

والثاني بما مرّ من ضعف السند ، والمعارضة بالصحيح ، والإجماع المحكيّ بل المحقّق المعتضد بالإطلاقات ، فليكن مطرحاً ، أو على الكراهة محمولاً.

قيل (٢) : ويمكن حمله على تعليمه في ساعته ، كما في الخبر : « لا تأكل صيده إلاّ أن يأخذه المسلم ، فيعلّمه ويرسله » (٣).

وفي آخر : « وإن كان غير معلّم فعلّمه في ساعته حين يرسله وليأكل منه ، فإنّه معلّم » (٤).

وهو محلّ نظر إن أُريد به ثبوت الحرمة إلاّ مع تعليم المسلم له ولو من ساعته ؛ لقصور الخبرين عن إثباتها ، لما مضى في الرواية الأُولى ، هذا مع قصور الاولى منهما عن الدلالة على الحلّية في صورة الاستثناء ؛ لاحتمال أن يكون المراد بالتعليم التعليم الحقيقي ، ويكون مرجع الضمير في « يأخذه » مطلق كلب المجوسيّ لا معلَّمه ، ومرجعه حينئذٍ إلى الخبر الأوّل الناهي عن صيد كلبه المعلّم مطلقاً. ويعضد هذا الاحتمال أنّه لا معنى‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٩ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٠ / ١٢٠ ، الإستبصار ٤ : ٧١ / ٢٥٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦١ أبواب الصيد ب ١٥ ح ٣.

(٢) كما قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢١١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٠٩ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٠ / ١٢٠ ، الإستبصار ٤ : ٧١ / ٢٥٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦١ أبواب الصيد ب ١٥ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٠٥ / ١٤ ، الفقيه ٣ : ٢٠١ / ٩١١ ، التهذيب ٩ : ٢٤ / ٩٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٦ أبواب الصيد ب ٧ ح ٢.

٢٩٩

للتعليم على غيره ؛ لحصوله قبل تعليمه. وهو حسن إن أُريد انتفاء الكراهة بالتعليم في الساعة. فتأمّل جدّاً.

( و ) كذا يكره ( صيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة ) للخبر : « نهى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتصيّد الرجل يوم الجمعة قبل الصلاة ، وكان عليه‌السلام يمرّ بالسمّاكين يوم الجمعة ، فينهاهم عن أن يتصيّدوا من السمك يوم الجمعة قبل الصلاة » (١).

( وصيد الوحش والطير بالليل ) للخبرين :

في أحدهما : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن إتيان الطير بالليل ، وقال عليه‌السلام. إنّ الليل أمان لها » (٢) ونحوه الثاني (٣).

والوجه في حملهما وحمل ما تقدّمهما على الكراهة مع تضمّنها النهي المفيد للحرمة هو ما تقدّم إليه الإشارة من ضعف السند وعدم المكافأة لأدلّة الإباحة من الأصل وإطلاقات الكتاب والسنّة ، والمعارضة بالصحيحين المجوزين (٤) وغيرهما (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٩ / ١٧ ، التهذيب ٩ : ١٣ / ٤٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٣ أبواب الصيد ب ٣٠ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٦ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١٤ / ٥١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨١ أبواب الصيد ب ٢٨ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢١٦ / ٢ ، التهذيب ٩ : ١٤ / ٥٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٠ أبواب الصيد ب ٢٨ ح ٢.

(٤) الأوّل في : الكافي ٦ : ٢١٥ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٤ / ٥٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٢ أبواب الصيد ب ٢٩ ح ١. الثاني في : الكافي ٦ : ٢١٦ / ذيل الحديث ١ ، التهذيب ٩ : ١٤ / ٥٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٢ أبواب الصيد ب ٢٩ ذيل حديث ١.

(٥) التهذيب ٩ : ١٤ / ٥٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٢ أبواب الصيد ب ٢٩ ح ٢.

٣٠٠