رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

ببلوغه وعقله ورشده ومالكيّته ( والاختيار والقصد ) إلى إيقاعه ، بلا خلاف فتوًى ونصاً. ولقد كان فيما ذكره سابقاً من قوله : ولا بدّ فيه من النيّة ، إلى قوله : وفي اشتراط القربة (١) ، غنى عن ذكر هذه الشروط جملة ، فلا وجه للإعادة مرّة ثانية.

نعم ، يمكن تخيّله لذكر الشرط الأوّل وهو إخراج العبد والسفيه ؛ لعدم خروجهما بما ذكر سابقاً. ولكن يبقى ذكر الأخيرين خالياً عن الوجه أصلاً ، بعد معلوميتهما ممّا ذكر سابقاً. فتأمّل جدّاً.

( وفي صحّته ) أي التدبير ( من الكافر تردّد ) واختلاف ، فبين مصحّح مطلقاً ، كالشيخ وجماعة (٢) ، ومانع كذلك ، كالحلّي وغيره (٣) ، ومفصّل بين الكافر المقرّ بالله ، المعتقد حصول التقرّب به فالأوّل ، وغيره فالثاني ، كالفاضل المقداد في التنقيح ، وغيره (٤). ولعلّه أقرب إن كان عموم أو إطلاق يتّبع ، على صحّة التدبير بقول مطلق ، كما مرّ في العتق (٥).

ويظهر ممّا ذكر ثمّة وجه التردّد في المسألة ، لكون التدبير ضرباً من العتق ، يشترط فيه القربة على الأصح ، كما مرّ إليه الإشارة ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة التي يبنى عليها التردّد هنا وثمّة.

نعم ، يتحقّق الفرق بينهما بزيادة وجه احتمال الصحّة هنا قوّةً ، باحتمال كونه وصيّة لا عتقاً ، فلا يشترط فيه القربة كما عليه جماعة ، ويأتي‌

__________________

(١) راجع ص ٥١.

(٢) الشيخ في المبسوط ٦ : ١٨٢ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ١١٩ ، والعلاّمة في المختلف : ٦٣٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٣٩.

(٣) الحلّي في السرائر ٣ : ٣٠ ؛ وانظر الانتصار : ١٧٢.

(٤) التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٠ ؛ وانظر الروضة ٢ : ٢٤٣.

(٥) راجع ص ٢٠.

٦١

على مختارهم عدم التردّد هنا ، ولزوم اختيارهم الصحّة مطلقاً.

( والتدبير ) المتبرّع به ( وصيّة يرجع فيه المولى متى شاء ) إجماعاً مستفيض النقل في كلام جماعة كالمرتضى ، والحلّي ، والفاضلين : المقداد والعلاّمة (١) ، وغيرهم من الجماعة (٢) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح : « هو بمنزلة الوصيّة يرجع فيما شاء منها » (٣).

وفي الموثّق : عن المدبّر ، أهو من الثلث؟ قال : « نعم ، وللموصي أن يرجع فيه وصيّته أوصى في صحّة أو مرض » (٤).

وظاهره كصريح العبارة أنّه وصيّة حقيقة.

والتحقيق : أنّه بمنزلتها لا عينها ، كما في صريح الخبر الأوّل ، وفي الشرائع ، وكلمة الأكثر (٥) ، لرجحان الصحيح على الموثّق. سيّما مع صراحة الدلالة واعتضاده بغيره من النصوص ، وفتوى الأكثر ، وأنّه لو كان وصيّة محضة لافتقر في عتقه بعد الموت إلى صيغة ، والحال أنّه صرّح من الأصحاب جماعة من دون ذكر خلاف بعدم الافتقار إليها (٦). وهو الظاهر‌

__________________

(١) المرتضى في الانتصار : ١٧٢ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٢ ، المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٠ ، العلاّمة في المختلف : ٦٣٥.

(٢) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٣٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٣.

(٣) الكافي ٦ : ١٨٣ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٥٨ / ٩٣٩ ، الإستبصار ٤ : ٣٠ / ١٠٣ ، الوسائل ٢٣ : ١١٨ أبواب التدبير ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ١٨٤ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٥٨ / ٩٤٠ ، الإستبصار ٤ : ٣٠ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ١١٨ أبواب التدبير ب ٢ ح ٢.

(٥) الشرائع ٣ : ١٢٠ ؛ وانظر الخلاف ٢ : ٦٦٨ ، والقواعد ٢ : ١١١ ، والمسالك ٢ : ١٤٠.

(٦) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٤٠ ، وانظر كشف اللثام ٢ : ٢٠١.

٦٢

من تتبّع الأخبار جملة.

ولكن أرى ثمرة الخلاف هينة ؛ لعدم ظهورها إلاّ في النذر وما شاكله ، فيتحقّق الامتثال بالتدبير لو التزم وصيّة على ما في العبارة والموثّقة ، ولا على المختار ، بل لا بدّ من وصيّة أُخرى حقيقة.

وهنا قول آخر هو أنّه عتق معلّق كما عن الحلّي (١) ؛ وتشهد له النصوص ، ومرّ إلى تقويته الإشارة. ولا ينافيه كونه بمنزلة الوصيّة يجوز الرجوع فيه ؛ لاحتمال أن يكون ذلك من خصائص العتق المعلّق.

وبالجملة : الأقوال في المسألة ثلاثة : أحدها : أنّه وصية كما في العبارة. وثانيها : عتق معلّق. وثالثها : إيقاع مستقلّ ، لكنّه بمنزلة الوصيّة في الأحكام من نفوذه من الثلث ، وجواز الرجوع فيه ، وعليه كما عرفت أكثر الطائفة.

وكيف كان ( فلو رجع قولاً ) كأن قال : رجعت ، أو أبطلت أو نقضت أو نحو ذلك ( صحّ قطعاً ) وكذا لو رجع بالفعل كالبيع والهبة والوقف والوصيّة وإن لم يقبض ولم يقبل في الجميع صحّ أيضاً ، إن صرّح بقصد الرجوع به ، أو يكون متعلّقه الرقيّة.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ، وفي بقاء التدبير مع الفعل لو صرّح بكون متعلقه المنفعة ، صرّح بذلك الفاضل المقداد في شرح الكتاب (٢).

( أما لو باعه أو وهبه ) من دون تصريح بأحد الأمرين ( فـ ) في بطلان (٣) التدبير بهما ( قولان أحدهما ) (٤) أنّه ( يبطل به التدبير ، وهو

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٠.

(٢) التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٠.

(٣) في « ح » و « ر » : ففي صحّتهما وبطلان التدبير بهما.

(٤) في « ح » و « ر » : إنّه يصحّ ويبطل التدبير.

٦٣

الأشبه ) وفاقاً للمرتضى في الناصريّة والانتصار مدّعياً فيه إجماع الإماميّة (١). وهو الظاهر من عبارة الإسكافي المحكيّة في المختلف (٢) ، وتبعهما الحلّي وكثير من المتأخرين ، بل أكثرهم كالفاضلين والشهيدين وغيرهما (٣) ، وحكي عن المبسوط ، وموضع من الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (٤) ؛ لأنّه وصيّة أو بمنزلتها يجوز الرجوع فيه كما مضى ، والبيع وما في معناه يتضمّن الرجوع جدّاً ، ولذا أبطلوا بهما الوصيّة ، هذا.

مضافاً إلى الإجماع المتقدّم ، المعتضد بما في المختلف عن الحلّي من جعل ذلك من مقتضيات أُصول مذهبنا (٥).

ومع ذلك المعتبرة مستفيضة بجواز بيعه : إمّا مطلقاً كما في بعضها (٦) ، أو بشرط الحاجة كما في كثير منها (٧) ، وفيها الصحيح وغيره. وقد مرّ ذكرها في بيان كون المدبّر رقّاً. ونحوها غيرها.

ومبنى الاستدلال بها على حمل البيع فيها على الصحيح المنصرف إلى الرقيّة ، دون الخدمة ، وكونه أعمّ من تقدّم الرجوع وعدمه.

__________________

(١) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٦ ، الانتصار : ١٧٢.

(٢) المختلف : ٦٣٧.

(٣) الحلّي في السرائر ٣ : ٣١ ، المحقق في الشرائع ٣ : ١٢٠ ، العلاّمة في المختلف : ٦٣٧ ، الشهيد الأول في اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٣٣٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٤٠ ؛ وانظر الكفاية : ٢٢٣ ، والمفاتيح ٣ : ٢٣٧.

(٤) المبسوط ٦ : ١٧١ ، الخلاف ٢ : ٦٦٨.

(٥) المختلف : ٦٣٥.

(٦) الكافي ٦ : ١٨٥ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٢٥٩ / ٩٤٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٧ / ٩٠ ، الوسائل ٢٣ : ١١٥ أبواب التدبير ب ١ ح ١.

(٧) انظر الوسائل ٢٣ : ١١٥ أبواب التدبير ب ١.

٦٤

( و ) القول ( الآخر ) للمفيد والنهاية والقاضي والحلبي (١) ، ونسبه في التنقيح إلى الأكثر (٢). وهو أنّه ( لا يبطل ويمضي البيع ) ويجوز ( في خدمته ) دون رقبته. ويتخيّر المشتري مع عدم المعرفة ( وكذا الهبة ) للخبرين.

في أحدهما : « إن أراد بيعها باع خدمتها حياته » (٣).

وفي الثاني : « باع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خدمة المدبّر ولم يبع رقبته » (٤).

وللجمع بن ما دلّ على جواز البيع كالأخبار المتقدمة ، وما دلّ على المنع عنه كالصحيح : « ليس له أن يبيعه إلاّ أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته » (٥) الخبر.

بحمل الأوّل على الجواز بعد النقض ، أو كون المراد به بيع الخدمة ، لا الرقبة. والثاني على المنع قبل النقض.

وفي الجميع نظر ؛ لقصور الخبرين سنداً بقاسم بن محمد وصاحبه في الأوّل ، والسكوني ورفيقه في الثاني. ودلالةً : فالأوّل بعدم النهي عن بيع الرقبة وإنّما غايته تجويز بيع المنفعة. وكذلك الثاني ؛ فإنّ بيعه الخدمة غايته الجواز ، وعدم بيعه الرقبة أعمّ من المنع عنه وعدمه ، فلا دلالة فيه على‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٥١ ، النهاية : ٥٥٢ ، القاضي في المهذب ٢ : ٣٦٦ ، الحلبي في الكافي : ٣١٩.

(٢) التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٠.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٦٤ / ٩٦٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٩ / ٩٩ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٠ أبواب التدبير ب ٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٦٠ / ٩٤٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٩ / ١٠٠ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٠ أبواب التدبير ب ٣ ح ٤.

(٥) الفقيه ٣ : ٧٢ / ٢٥٠ ، التهذيب ٨ : ٢٦٣ / ٩٦٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٩ / ٩٨ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٠ أبواب التدبير ب ٣ ح ٢.

٦٥

ممنوعيّته.

ونحوهما في القصور سنداً والضعف دلالة الموثّق : عن الرجل يعتق جاريته عن دبر ، أيطؤها إن شاء ، أو ينكحها ، أو يبيع خدمتها حياته؟ قال : « أيّ ذلك شاء فعل » (١).

هذا مضافاً إلى قصورهما مقاومة لما مرّ من وجوه شتّى ؛ لاعتضاده بالكثرة والصحة والإجماعات المحكيّة. وبهذا يجاب عن الجميع.

مضافاً إلى شذوذ المعارض وإن صحّ بحسب السند ؛ للدلالة على توقّف بيع الخدمة على مشيّة العبد ، ولم يقل به أحد من الطائفة ، فكيف يمكن أن يعترض به إطلاق الأخبار السابقة فتقيّد به ، أو تصرف عن ظاهرها ، ولا ريب في فساده ولا شبهة.

سيما مع احتمال وروده كالخبرين المتقدّمين على تقدير تسليم دلالتهما على المنع والتمامية على التقية عن جماعة من العامّة منهم أبو حنيفة ومن تبعه ، فإنّهم قالوا بالمنع عن بيع الرقبة كما في الانتصار (٢). ويشهد له كون راوي أحدهما السكوني الذي هو من قضاة العامّة.

هذا مع ما في بيع المنفعة من الإشكال ؛ فإنّ متعلق البيع الأعيان لا المنافع ، مع جهالتها فلا يمكن بيعها من هذه الجهة أيضاً.

فلا بدّ من طرح ما دلّ على جواز بيعها ، أو حمله على الصلح كما عن الحلّي (٣) ، أو الإجارة مدّة معيّنة ، فإذا انقضت آجره اخرى ، وهكذا ، كما‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٦٣ / ٩٦١ ، الإستبصار ٤ : ٢٩ / ٩٧ ، الوسائل ٢٣ : ١١٩ أبواب التدبير ب ٣ ح ١.

(٢) الانتصار : ١٧٢ ؛ وانظر بداية المجتهد ٢ : ٣٩٠.

(٣) السرائر ٣ : ٣٢.

٦٦

ذكره الفاضل في المختلف ، وجمع فيه بين الأخبار المجوّزة للبيع والمانعة عنه بحمل الأوّلة على التدبير المتطوّع به كما هو الفرض ، والثانية على الواجب (١).

وفيه بُعد عن سياق الأخبار ، وإن كان حقاً محكياً عليه الإجماع في الانتصار (٢).

وللصدوق والعماني قول آخر (٣) في المسألة هو : جواز بيع خدمته دون رقبته ، إلاّ بشرط العتق على المشتري. وزاد الأوّل عند موته أي المدبّر.

وله الصحيح : في الرجل يعتق غلامه وجاريته عن دبر منه ، ثم يحتاج إلى ثمنه قال : « لا ، إلاّ أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته » (٤).

والجواب عنه كالجواب عما سبق ، من القصور عن المقاومة لأدلّة المختار ، فليطرح أو يحمل على الاستحباب.

وأمّا الخبر : « لا يباع المدبّر إلاّ من نفسه » (٥) فمع ضعفه بوهب شاذّ غير معلوم القائل لا منّا ، ولا من المخالف ، إلاّ ما يحكى في الانتصار من نسبته إلى الأوزاعي (٦) ، إلاّ أنه زاد بعد قوله : من نفسه : « أو من رجل يجعل‌

__________________

(١) المختلف : ٦٣٥.

(٢) الانتصار : ١٧٢.

(٣) الصدوق في المقنع : ١٥٧ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٦٣٤.

(٤) الفقيه ٣ : ٧١ / ٢٤٥ ، التهذيب ٨ : ٢٦٣ / ٩٥٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٨ / ٩٥ ، الوسائل ٢٣ : ١١٧ أبواب التدبير ب ١ ح ٦.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٦٢ / ٩٥٥ ، الإستبصار ٤ : ٣٠ / ١٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ١٢١ أبواب التدبير ب ٤ ح ٢.

(٦) الانتصار : ١٧٢.

٦٧

عتقه وولاه لمن اشتراه ما دام الأوّل حيّاً ، فإذا مات الأوّل » إلى آخر ما ذكر.

( والمدبّر رقّ ) بلا خلاف فيه فتوًى ورواية تقدّم إلى ذكرهما الإشارة ( ويتحرّر بموت المولى من ثلثه ) لأنّه وصيّة متبرّع بها أو بمنزلتها كما مضى ، فيكون بحكمها. مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة المتقدّم إليها الإشارة في تضاعيف المباحث السالفة. وبها يصحّ الحكم على القول بكونه عتقاً معلّقاً لا وصيّة.

فإن لم يف بها الثلث عتق منه بقدره. فإن كانوا جماعة عتق منهم من يحتمله ، وبدئ بالأوّل فالأوّل ، ولو جهل الترتيب استخرج بالقرعة.

هذا إذا كان معلّقاً بموت المولى متبرعاً به. فلو علّقه بموت غيره وقلنا بصحته ، ومات في حياة المولى وصحته ، أو مطلقاً على القول بكون المنجّزات من الأصل مطلقاً ، لم يعتبر من الثلث ؛ إذ لا وجه له ، فإنّه كتعجيل العتق في حال الحياة.

والأخبار المطلقة كالعبارة وعبائر أكثر الجماعة (١) في كونه من الثلث محمولة على الغالب من كونه معلقاً بموت المولى. مع أنه قد وقع التصريح به في بعضها.

ولو مات المعلّق على وفاته بعد موت المولى خاصّة ، أو في مرضه أيضاً إن قلنا بخروج منجّزات المريض من ثلثه ، فهو من الثلث كالمعلّق على وفاة المولى.

ولو كان واجباً بنذر وشبهه حال الصحة أو مطلقاً فهو من الأصل مطلقاً ، كان النذر بصيغة : لله عليّ عتق عبدي بعد وفاتي ، ونحوه ، أو‌

__________________

(١) كابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٥ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ١١١ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٣٢٦.

٦٨

بصيغة : لله عليّ أن أُدبّر عبدي. كما عن التحرير (١). ونسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب (٢) مشعراً بدعوى الإجماع عليه ، وبانعقاده صرّح في الانتصار (٣) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى أن الغرض من مثل هذا النذر التزام الحرّية بعد الوفاة ، لا مجرّد الصيغة كما ذكره شيخنا في المسالك والروضة (٤) تبعاً لبعض العامة (٥). وعلى التقديرين لا يخرج بالنذر عن ملكه ، فيجوز له استخدامه ووطؤه إن كان جارية.

نعم ، لا يجوز نقله عن ملكه إجماعاً كما في الانتصار (٦) وغيره ؛ لاستلزامه الحنث في نذره. فلو فعل صحّ ؛ للعموم مع عدم المخرج عنه سوى النهي الغير المستلزم للفساد في المعاملات. نعم يأثم وتلزم الكفّارة مع العلم ، لا مع النسيان على الظاهر ، لعدم الحنث. وفي الجاهل وجهان.

( والدين ) وما في معناه من الوصايا الواجبة أو المتقدمة عليه لفظاً والعطايا المنجزة مطلقاً ( مقدّم على التدبير ) المتبرّع به ، في الخروج من أصل التركة مطلقاً ( سواء كان سابقاً على التدبير أو متأخراً عنه ).

فإن استوعب الدين التركة بطل التدبير على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخر. وربّما أشعر العبارة بالإجماع عليه ؛ ولعلّه الحجة.

مضافاً إلى كونه وصيّة متبرعاً بها ، ومقتضاها ذلك إجماعاً ، وعموم‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٨٣.

(٢) الدروس ٢ : ٢٣٢.

(٣) الانتصار : ١٧٣.

(٤) المسالك ٢ : ١٤١ ، الروضة ٦ : ٣٣١.

(٥) انظر بداية المجتهد ٢ : ٣٩٠.

(٦) الانتصار : ١٧٣.

٦٩

خصوص الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر ، وتضمّن سنده قبل الضعيف ابن أبي نصر المجمع على تصحيح رواياته ، وفيه : إنّ أبي هلك وترك جاريتين قد دبّرهما وأنا ممن أشهد لهما وعليه دين كثير ، فما رأيك؟ فقال : « قضاء دينه خير له إن شاء الله » (١).

( و ) لكن ( فيه رواية ) بل روايتان صحيحتان (٢) ( بالتفصيل ) بين سبق الدين على التدبير فالأوّل ، وتأخره عنه فلا سبيل للديّان عليه. وقد عمل بها الشيخ في النهاية ، وتبعه القاضي (٣).

ولكنها ( متروكة ) غير مكافئة لما قدّمناه من الأدلة من وجوه عديدة [ مضافاً إلى ظهورهما في اشتراط قصد الفرار في الحكم في الشقّ الأوّل ، وهو دالّ بمفهومه على صحّة التدبير مع عدم هذا القصد ، ولم يقل به أحد. فتأمّل (٤) ].

مضافاً إلى ضعف الدلالة على أنّ منشأ الحكم بتقدم التدبير إنّما هو تقدّمه على الدين ، بل هي مجملة محتملة له ، ولكون السبب عدم قصد الفرار. بل لعلّ هذا أظهر منها ؛ نظراً إلى سياقها ، فإنّ متنها هكذا : « إن كان على مولى العبد دين فدبّره فراراً من الدين فلا تدبير له ، وإن كان دبّره في‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٦٢ / ٩٥٣ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٨ أبواب التدبير ب ٩ ح ٣.

(٢) الأُولى في : التهذيب ٨ : ٢٦١ / ٩٥٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٨ / ٩١ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٧ أبواب التدبير ب ٩ ح ١.

الثانية في : الفقيه ٣ : ٧٢ / ٢٥٣ ، التهذيب ٨ : ٢٦١ / ٩٤٩ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٨ أبواب التدبير ب ٩ ح ٢.

(٣) النهاية : ٥٥٣ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٦٣٦ ، ولكن التفصيل المذكور لا يستفاد من المهذب ٢ : ٣٦٨.

(٤) ما بين المعقوفين ليس في نسخة الأصل.

٧٠

صحة وسلامة فلا سبيل للديّان عليه ، ويمضي تدبيره ».

وهو كما ترى ظاهر في كون متعلّق الصحة والسلامة هو نيّة الفرار ، لا الدين كما فهمه الجماعة. وعلى هذا فهي أعم من المدّعى ؛ لشمول الحكم بنفي السبيل في صورته صورتي تقدّم الدين وتأخره.

فلا حجة على التفصيل المزبور في مثل هذه الرواية المجملة المحتملة لما ذكر ولوجه آخر ، وهو كون متعلّق الصحّة والسلامة المرض ، لما مرّ.

وبتعيّنه صرّح بعض الأصحاب (١) ؛ ولعلّه لتبادره من اللفظين حيث يطلقان ، وهو غير بعيد ، لكنه مخالف السياق. وعلى ما ذكره لعلّ الوجه فيه أنّه في الصحة يأمل قضاء دينه بغيره مما يحصل بعد ، بخلافه في المرض.

( ويبطل التدبير بإباق المدبّر ) مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى من مولاه.

( ولو ولد له في حال إباقه ) أولاد من أمة لسيّده أو غيره حيث يلحق به الولد ، أو حرّة عالمة بتحريم نكاحه ( كان أولاده أرقّاء ) مثله بلا خلاف ظاهر ، كما في التنقيح والمسالك ، وغيرهما من كتب الأصحاب (٢) ، بل عن صريح الشيخ ، وظاهر الحلّي الإجماع عليه (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الخبرين المنجبر قصور سندهما بعمل الطائفة ، في أحدهما : رجل دبّر غلاماً له ، فأبق الغلام ، فمضى إلى قوم فتزوّج منهم ولم يعلمهم أنّه عبد ، فولد له وكسب مالاً ومات مولاه الذي دبّره ، فجاء ورثة الميّت الذي دبّر العبد ، فطالبوا العبد ، فما ترى؟ فقال : « العبد رقّ ، وولده‌

__________________

(١) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٣٩.

(٢) التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٣ ، المسالك ٢ : ١٤١ ؛ وانظر الكفاية : ٢٢٤.

(٣) الشيخ في الخلاف ٦ : ٤١٣ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٣.

٧١

رقّ لورثة الميت » قلت : أليس قد دبّر العبد؟ فذكر : « أنّه لمّا أبق هدم تدبيره ورجع رقّاً » (١).

ونحوه الثاني لكن في الجارية (٢).

وفي قوله : حال إباقه احتراز عمّا ولدته قبله ، فإنّه يحكم ببقاء تدبيرهم ؛ للأصل واختصاص الفتوى والنصّ بالأولاد حال الإباق ، وبه صرّح جماعة (٣) من دون ذكر خلاف.

وهل يبطل تدبيرهم بإباقهم أنفسهم؟ وجهان أجودهما العدم ؛ تمسكاً بالأصل المعتضد بكون تدبيرهم بالسراية وحكم الشرع ، وليس حكمها حكم المباشرة. ولذا يجوز الرجوع في تدبير آبائهم دونهم ، كما تقدّم إليه الإشارة.

ولا يلحق بالإباق الارتداد ؛ للأصل ، وعدم حجية القياس. نعم ، إن التحق بدار الحرب بطل ؛ لأنّه إباق. وإبطال الإسكافي إيّاه بأحد الأمرين (٤) شاذّ.

( ولو جعل خدمة عبده لغيره ثم قال : هو حرّ بعد وفاة المخدوم ، صحّ على ) الأصح الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخر ، وفاقاً للإسكافي والنهاية والقاضي وابن حمزة (٥).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٦٥ / ٩٦٦ ، الإستبصار ٤ : ٣٣ / ١١٢ ، الوسائل ٢٣ : ١٣٠ أبواب التدبير ب ١٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٠٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٨٧ / ٣٢٤ ، التهذيب ٨ : ٢٦٤ / ٩٦٤ ، الاستبصار ٤ : ٣٢ / ١١٠ ، المقنع : ١٦٢ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٩ أبواب التدبير ب ١٠ ح ١.

(٣) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٠٠.

(٤) كما حكاه عنه في المختلف : ٦٣٧.

(٥) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٣٦ ، النهاية : ٥٥٣ ، القاضي في المهذب ٢ : ٣٧٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٥.

٧٢

والمستند ( الرواية ) الصحيحة : عن الرجل يكون له الخادم فيقول : هو أو هي لفلان يخدمه ما عاش ، فإذا مات فهي حرّة. فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ، ثم تجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها بعد ما أبقت؟ فقال : « لا ، إذا مات الرجل فقد عتقت » (١).

خلافاً للحلّي خاصّة (٢) ، فخصّه بوفاة المولى. قال : عملاً بالمتيقن ، وادّعى أنّه شرعاً كذلك ، ولبطلانه بالإباق.

وفي الجميع نظر ؛ لاندفاع الاقتصار بالنصّ الصحيح المعتضد بعمل الأصحاب. والثاني مصادرة. والملازمة بين إباقه من المالك ومن المخدوم ممنوعة ، مع إمكان الفرق ، بمقابلته نعمة السيّد بالكفران فقوبل بنقيضه ، كقاتل العمد في الإرث ، بخلاف الأجنبي.

نعم ، ربّما يمكن التأمّل في دلالة الرواية ؛ لعدم صراحتها في تعليق التدبير على موت المخدوم إلاّ على تقدير تعيّن رجوع الضمير في عاش ، والعهد في الرجل ، إلى المولى المخدوم ، وليس بمتعيّن ، لاحتمال العكس.

ويمكن الذبّ عنه بمخالفته الظاهر ؛ بناءً على أقربية المخدوم إلى الضمير والعهد بحسب الذكر. ولعلّه لذا فهم الأصحاب ذلك كافّة حتى الحلّي ، حيث اعترف بالدلالة ، وإنّما أجاب عن الرواية بأنّها من الآحاد.

مضافاً إلى صراحته في عدم بطلان التدبير بإباقه ، وهو لا ينطبق إلاّ على الاحتمال الأوّل ، لمخالفته على الثاني الإجماع.

واحتمال الذبّ عن هذه المخالفة بتخصيص التدبير بما إذا أوجب‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٦٤ / ٩٦٥ ، الاستبصار ٤ : ٣٢ / ١١١ ، المقنع : ١٥٨ ، الوسائل ٢٣ : ١٣٠ أبواب التدبير ب ١١ ح ١.

(٢) السرائر ٣ : ٣٣.

٧٣

بنذر وشبهه ، مخالف للظاهر بلا شبهة ، مع استلزامه حمل الرواية على الفرد النادر بلا شبهة.

وبالجملة : الظاهر تماميّة الدلالة وإن كان يظهر من التنقيح فيها المناقشة بما مرّ إليه الإشارة (١).

( و ) يظهر من الرواية أنّه ( لو أبق ) المدبّر في المسألة ( لم يبطل تدبيره وصار حرّا بالوفاة ، ولا سبيل ) لأحد ( عليه ، مع أنّه لا خلاف فيه ) أيضاً.

والمشهور كما في اللمعة (٢) إلحاق الزوج بالمخدوم ، فلو علّق التدبير بوفاته صحّ. وبه صرّح الفاضلان (٣).

ويظهر من الشهيدين وغيرهما (٤) عدم وجود رواية به ، وأنّه هو لأجل المناسبة للمخدوم الذي هو مورد الرواية. ويظهر من الماتن في الشرائع (٥) وجود رواية به ، وصرّح بها في الكفاية فقال : ويدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم (٦).

ونحوه في المفاتيح (٧) ، قال بعد الحكم باللحوق ـ : ففي الخبر : في رجل زوّج أمته من رجل حرّ ، ثم قال : إذا مات زوجك فأنت حرّ ، فمات الزوج فقال : « إذا مات فهي حرّة ، تعتدّ منه عدّة الحرة » (٨).

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٥.

(٢) اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٣١١.

(٣) المحقق في الشرائع ٣ : ١١٧ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ١٠٩.

(٤) الشهيدان في اللمعة والروضة البهية ٦ : ٣١٤ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٦.

(٥) الشرائع ٣ : ١١٧.

(٦) الكفاية : ٢٢٢.

(٧) مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٣٧.

(٨) التهذيب ٧ : ٣٤٤ / ١٤٠٧ ، الوسائل ٢٣ : ١٣١ أبواب التدبير ب ١١ ح ٢.

٧٤

أقول : وروى هذا الخبر في التهذيب في باب السراري وملك الأيمان ، في بحث أنه لا يجوز للمملوك أن يعقد على أكثر من حرّتين أو أربع إماء (١). وليس في سنده سوى محمد بن حكيم المشترك بين الحسن والضعيف ، المجبور بالشهرة المحكية ، ورواية الحسن بن محبوب عنه مع كونه ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

والصحيحة المحكية في الكفاية لو وجدناها لكانت حجة أُخرى مستقلة أقوى من هذه الرواية ، وإن كانت لنا الآن كالرواية المرسلة التي هي حجّة أيضاً بعد الانجبار بالشهرة. فلا شبهة في المسألة بحمد الله سبحانه.

( وأما المكاتبة ) واشتقاقها من الكتب وهو الجمع ، لانضمام بعض النجوم إلى بعض ، ومنه : كتبت الحروف. وهو مبني على الغالب أو الأصل من وضعها بآجال متعدّدة ، وإلاّ فهو ليس بمعتبر عندنا وإن اشترطنا الأجل كما في الروضة (٢).

( فهي تستدعي بيان أركانها وأحكامها).

( والأركان أربعة : العقد ، والمالك ، والمكاتب ، والعوض )

أمّا الأوّل فصيغته أن يقول السيد : كاتبتك على أن تؤدّي إليّ كذا في وقت كذا ؛ فإذا أديت فأنت حرّ ، فيقبل العبد. كما عن الخلاف والحلّي (٣).

وعن المبسوط (٤) إنّه لا حاجة إلى قوله : فإذا أدّيت ، لأنه غاية الكتابة‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢١٣ / ٧٦٠ ، الوسائل ٢١ : ١٨٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٥ ح ١.

(٢) الروضة ٦ : ٣٣٨.

(٣) الخلاف ٦ : ٣٩١ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٢٦.

(٤) المبسوط ٦ : ٧٤ ، حكاه عنه في التنقيح ٣ : ٤٦٧.

٧٥

فهي دالّة عليه ، كما لا يجب ذكر غاية البيع والإجارة. نعم لا بدّ من قصد ذلك.

ويضعّف : بأنّ الكتابة لا يعرفها إلاّ العلماء ، فلا يحكم عليه بمجرد لفظها من دون العتق بالأداء. ولا شك أن الأوّل أحوط وأولى.

وهل هي عتق معلّق على مال ، كما عن بعض الفقهاء (١)؟ أو بيع العبد من نفسه ، كما عن التقي والحلّي (٢)؟ أو عقد مستقلّ ، كما في المختلف وغيره (٣)؟ أقوال.

أجودها الأخير. ولعلّه الأشهر ؛ لضعف الأوّل بمفارقتها العتق في التنجيز والقربة ، لاعتبارهما فيه دونها.

والثاني بمفارقتها البيع في أُمور : احتياجها إلى الأجل عند الأكثر (٤) دونه. وامتداد خيار العقد بخلافه ؛ لعدم امتداد خيار الشرط فيه. وجواز اشتراط البائع الخيار لنفسه في العقد دون المكاتب. وأنّ البيع انتقال عين مملوكة من مالك إلى آخر ، فلا بدّ فيه من تحقق إضافة الملك بين المبيع والمشتري ، وهي فرع التغاير المفقود في الكتابة.

ثمّ هل هو لازم من الطرفين مطلقاً ، كما عليه الفاضلان وغيرهما (٥)؟ أم في المطلق خاصّة ، وجائز في المشروط من جهة العبد دون السيّد ، كما‌

__________________

(١) انظر المغني لابن قدامة ١٢ : ٣٣٨ ، والتنقيح الرائع ٣ : ٤٦٦.

(٢) التقي في الكافي : ٣١٨ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٢٦.

(٣) المختلف : ٦٤١ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ٣ : ٥٧٤.

(٤) كالشيخ في المبسوط ٦ : ٧٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٣٤٣.

(٥) المحقق في الشرائع ٣ : ١٢٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ١١٤ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ٣ : ٥٧٥ ، والروضة البهيّة ٦ : ٣٥١.

٧٦

عن الخلاف والمبسوط والحلّي (١)؟ أم جائز من الطرفين في المشروط ، لازم من جهة السيّد جائز من جهة المكاتب في المطلق ، كما عن ابن حمزة (٢)؟ أقوال.

أجودها الأوّل ؛ لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود ، بناءً على كون الكتابة عقداً إجماعاً.

ولا معارض له سوى ما يحكى عن الشيخ (٣) من الدليل على الجواز من جهة العبد في المشروط ، من الإجماع على أنّ المكاتب المشروط متى عجز كان لمولاه ردّه في الرق ، وله تعجيز نفسه. وهو المراد من الجواز من جهته ، لا أنّ له الفسخ كالعامل في القراض.

وهو كما ترى ؛ فإنّا نمنع أنّ له التعجيز ، بل يجب عليه السعي والأداء ، ولو امتنع اجبر ؛ لاقتضاء عقد الكتابة وجوب الأداء والفرض إمكانه ، فيجبر عليه كباقي الواجبات.

نعم ، لو عصى وعجز نفسه بحيث لا يقدر على الأداء كان لمولاه ردّه في الرقّ. ولعلّه مراد الشيخ من الجواز ؛ إذ هذا المعنى لا ريب فيه ، إلاّ أنّه لا يستلزم الجواز المطلق المستلزم لجواز تعجيز نفسه ، كما هو المتنازع.

( و ) اعلم أن ( الكتابة مستحبة مع الديانة وإمكان التكسب ، وتتأكد بسؤال المملوك ) بلا خلاف أعرفه ؛ للأمر بها في الآية الكريمة والسنّة المطهّرة.

قال الله سبحانه ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ

__________________

(١) الخلاف ٦ : ٣٩٣ ، المبسوط ٦ : ٩١ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٢٩.

(٢) الوسيلة : ٣٤٥.

(٣) الخلاف ٦ : ٣٩٤.

٧٧

فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (١).

وفي الموثّق : عن العبد يكاتبه مولاه ، وهو يعلم أنه لا يملك قليلاً ولا كثيراً ، قال : « يكاتبه ولو كان يسأل الناس ، ولا يمنعه المكاتبة من أجل أن ليس له مال ، فإنّ الله تعالى يرزق العباد بعضهم من بعض ، والمؤمن معان » (٢).

وأقلّ مراتب الأمر الاستحباب حيث لا يمكن حمله على الوجوب ، كما هنا ، للإجماع منّا عليه ومن أكثر العامة (٣) ، المحكيّ في كلام جماعة (٤).

وتفسير الخير في الآية بالأمرين في العبارة مرويّ في الرواية الصحيحة ، قال : « إن علمتم لهم ديناً ومالاً » (٥).

ونحوها اخرى (٦) إلاّ أنه أُبدل الدين فيها بالشهادتين خاصّة ، ولعلّه للتقية أو إحالة إلى الظهور ، كما ورد نظيره في التشهد في الصلاة وغيره.

ولكن فسّر في أُخريين بالمال خاصّة (٧). ومقتضاهما استحباب الكتابة معه مطلقاً ولو لم يكن مؤمناً أو مسلماً ، ومرجعه إلى جواز مكاتبة العبد الكافر.

__________________

(١) النور : ٣٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٨٧ / ١١ ، الفقيه ٣ : ٧٦ / ٢٦٨ ، التهذيب ٨ : ٢٧٢ / ٩٩٥ ، الوسائل ٢٣ : ١٣٩ أبواب المكاتبة ب ٢ ح ١.

(٣) انظر المغني لابن قدامة ١٢ : ٣٣٩.

(٤) منهم : الشيخ في الخلاف ٦ : ٣٧٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٠٥.

(٥) الكافي ٦ : ١٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٢٧٠ / ٩٨٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٣٧ أبواب المكاتبة ب ١ ح ١.

(٦) الفقيه ٣ : ٧٨ / ٢٧٨ ، الوسائل ٢٣ : ١٣٨ أبواب المكاتبة ب ١ ح ٥.

(٧) الكافي ٦ : ١٨٦ / ٧ ، ١٨٧ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٢٦٨ / ٩٧٥ ، الوسائل ٢٣ : ١٣٧ ، ١٣٨ أبواب المكاتبة ب ١ ح ٢ ، ٣.

٧٨

وهو خلاف التحقيق كما سيظهر ، بل استحبابه خلاف مذهب الأكثر كما في المسالك (١) ، بل الأصحاب كافّة كما في الروضة حيث قال : أمّا مع عدمهما أي الديانة وإمكان التكسب أو أحدهما فلا يستحب في ظاهر الأصحاب (٢).

هذا مضافاً إلى أن الصحيحين الأولين مثبتان للوصف الآخر ، والمثبت مقدّم. على قوّة احتمال ورود الأخيرتين للتقية كما يظهر من الانتصار (٣) ؛ حيث جعل مضمونهما مذهب فقهاء العامّة ، ويظهر منه أنّ الخير في الآية هو الدين خاصّة.

( و ) مقتضاه أنّه ( يستحب ) الكتابة ( مع ) تديّنه و ( التماسه ) مطلقاً ( ولو كان ) عن المال وكسبه ( عاجزاً ) ويشهد له الموثّق المتقدم. ولا يعارضه الصحيح السابق ؛ إذ ليس فيه إلاّ تفسير الخير في الآية بالأمرين ، وغايته أنّ الأمر بالكتابة في الآية إنّما هو مع الأمرين خاصّة ، وهو لا ينافي ثبوت الأمر بها مع الديانة خاصّة أيضاً في الموثّقة.

نعم ، يمكن المناقشة في دلالة الأمر فيها على الاستحباب باحتمال وروده مورد توهّم الحظر ، فلا تفيد سوى الإباحة على الأصح ، كما قرّر في محلّه. مع أنّه ليس فيها قيد الالتماس كما في العبارة.

وكيف كان ، فيستفاد منها الإباحة في هذه الصورة وعليها أكثر الطائفة (٤). وعن المبسوط القول بالكراهة (٥) ، ولا وجه له.

__________________

(١) المسالك ٢ : ١٤٤ ، ١٤٨.

(٢) الروضة البهية ٦ : ٣٤١.

(٣) الانتصار : ١٧٤.

(٤) كالمحقق في الشرائع ٣ : ١٢٤ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ١١٥ ، والشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٣٤٢.

(٥) المبسوط ٦ : ٧٣.

٧٩

ثمّ إنّه لا يتوهّم التنافي في العبارة ، حيث جعل الأمرين شرطاً في استحباب الكتابة أوّلاً ، واكتفى فيه بالديانة أخيراً ؛ لإمكان فرقه بينهما بجعله اشتراطهما مع عدم السؤال ، والاكتفاء بأحدهما معه. ولعلّ الفرق ظاهر من العبارة.

( وهي قسمان فـ ) إنه ( إن اقتصر على العقد ) من دون اشتراط العود في الرقّ مع العجز عن أداء تمام مال الكتابة ( فهي مطلقة ، وإن اشترط عوده رقّاً مع العجز فهي مشروطة ).

ولا خلاف فيهما بين الأصحاب كافّة ، بل عليه الإجماع في ظاهر كلمة جملة منهم (١) وصريح الانتصار (٢) ، والنصوص به مع ذلك بالغة حدّ الاستفاضة ، منها الصحاح :

في أحدهما : « إن المكاتب إذا أدّى شيئاً أُعتق بقدر ما أدّى ، إلاّ أن يشترط مواليه إن هو عجز فهو مردود في الرقّ » (٣).

خلافاً للعامّة في الأوّل (٤).

ويشتركان في أكثر الأحكام ( و ) يفترقان ( في ) أنّ المكاتب مع ( الإطلاق يتحرّر منه بقدر ما أدّى ) من مال الكتابة ( وفي المشروطة ) لا ينعتق منه شي‌ء حتّى يؤدّي جميع المال.

وللمولى الخيار في فسخ الكتابة فله أن ( يردّ ) ه ( رقّاً مع العجز )

__________________

(١) كالشيخ في الخلاف ٦ : ٣٩١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٤١.

(٢) الانتصار : ١٧٤.

(٣) الكافي ٦ : ١٨٦ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٦٦ / ٩٧٠ ، الوسائل ٢٣ : ١٤١ أبواب المكاتبة ب ٤ ح ٢.

(٤) انظر بداية المجتهد ٢ : ٣٧٩.

٨٠