رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

مما تقدّم إليه الإشارة ، فلا تخصِّص الأصل المقطوع به الدالّ على براءة الذمة.

وحيث إنّ العرف المرجوع إليه خاصّة على المختار ليس بمنضبط ، بل يختلف باختلاف المواضع والأحوال ، وجب أن يجعل النظر إلى القرائن والخصوصيّات الواقعة في كلّ مقام هو الضابط والمعيار.

فلو كان اللفظ صريحاً في التصديق ، لكن انضمّ إليه قرائن تصرفه إلى الاستهزاء بالتكذيب ، كطريقة أداء اللفظ ، وتحريك الرأس الدالّ على الإنكار ، كما إذا ادّعى عليه أحد أنّه أقرضه مالاً ، فقال : صدقت ، على سبيل الاستهزاء ، أو قال : لي عليك ألف ، فقال : بل أُلوف ، لم يكن إقراراً.

وحكي التصريح بذلك عن التذكرة (١) ، وتبعه جماعة (٢).

ولو قال : لك عليّ كذا إن شهد به فلان ، أو إن شئتُ ، أو إن شئتَ ، أو إن قدم زيد ، أو إن رضي فلان ، أو نحو ذلك مما يدلّ على التعليق وعدم التنجيز لا يكون إقراراً ، بلا خلاف بل عليه في الأول الاتّفاق في المسالك (٣) ؛ وهو الحجة فيه.

مضافاً إلى الأصل ، وأنّ وقوع المعلّق مشروط بوجود المعلّق عليه ، وهو مناف لمقتضى الخبر اللازم في الإقرار في الجميع.

ثم الألفاظ التي يقع بها الإقرار صريحاً على أنواع :

منها : ما يفيد الإقرار بالدين كذلك ، ك‍ « في ذمّتي ».

ومنها : ما يفيده ظاهراً ، ك‍ « عليّ ».

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٤.

(٢) انظر جامع المقاصد ٩ : ١٩٦ ، ١٩٧ ، والكفاية : ٢٣٠.

(٣) المسالك ٢ : ١٦٢ ، ١٦٣.

١٢١

ومنها : ما يفيد الإقرار بالعين صريحاً ، ك‍ « في يدي كذا ». ومنها : ما يفيده ظاهراً ، ك‍ « عندي ».

ومنها : ما هو صالح لهما.

وتظهر الفائدة فيما لو ادّعى خلاف مدلول اللفظ ، فإنّه لا يقبل ، صريحاً كان أو ظاهراً ، ويقبل في الإقرار المجمل ما يحتمله حقيقة.

( وتقوم الإشارة ) المفهمة ( مقامه ) فيكتفي بها عنه مطلقاً. قيل : لأنّ المقصود التعبير عمّا في الضمير ويحصل بها (١).

وعن بعض المتأخرين اشتراط التعذر في الاكتفاء (٢) ؛ ولعلّه للشك في تسمية مثلها إقراراً وإن عبّرت عما في الضمير ، ومناط الحكم في الأدلة هو دون التعبير ، ولا تلازم بينهما ، فلا يخصّص بها الأصل.

وهذا التوجيه إن أفاد المنع عنها مطلقاً ، إلاّ أنّ الاكتفاء بها حالة الضرورة ، مستنداً إلى الإجماع ، والأولوية الناشئة من ثبوت الاكتفاء بها حالتها في العقود سيّما التزويج القابلة للتوكيل ، فلو لم يوجب التوكيل فيها مع الضرورة واكتفى فيها بالإشارة معها ، لزم الاكتفاء بها في المقام الغير القابل للتوكيل على المختار بطريق أولى ، لاندفاع الحاجة بالتوكيل وإن لم يجب ثمة ، دون الإقرار ، لانحصار وجه اندفاعها فيه في الإشارة.

( ولو قال : لي عليك كذا ، فقال : نعم أو أجل ، فهو إقرار ) بلا خلاف فيهما ولا إشكال إذا كان المقرّ عارفاً بترادف اللفظين ؛ لكونهما كلمة تصديق إذا كان قول عليك خبراً ، أو إثبات إذا كان استفهاماً.

ويشكل في الأخير على المختار من تقديم العرف على اللغة ، إذا‌

__________________

(١ و ٢) راجع مفتاح الكرامة ٩ : ٢١٣.

١٢٢

لم يكن عارفاً بالترادف وكون أجل بمعنى نعم ، كما يتفق لكثير من أهل هذه الأزمنة.

ونحو اللفظتين : صدقت ، أو بررت ، أو قلت حقاً أو صدقاً ، أو بلى في جواب من قال : لي عليك كذا ، مخبراً ، بلا إشكال حتى في الأخير ، بناءً فيه على المختار من جعل العرف هو المعيار ؛ لفهمه منه التصديق ، وإن وضع في اللغة لإبطال النفي فلا يجب بها الإثبات.

( وكذا لو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى ) كان إقراراً ؛ لأنها بمقتضى الوضع المتقدم يتضمن نفي النفي الذي هو إقرار ، وهو وإن اختصّ باللغة كما مرّ إليه الإشارة ، إلاّ أنّ العرف وافقها في هذه الصورة. وعلى التنزّل فمخالفته لها فيها غير معلومة ، فيؤخذ بها عملاً بالاستصحاب السالم فيها عن المعارض بالكلية.

( ولو قال ) بعد القول المذكور : ( نعم ، قال الشيخ (١) ـ رحمه‌الله ـ : لا يكون إقراراً ) لوضعها في اللغة لتقرير ما سبق من السؤال ، فإذا كان نفياً اقتضت تقرير النفي ، فيكون في المثال إنكاراً.

( وفيه ) عند الماتن ( تردّد ) ينشأ من ذلك ، ومن استعمالها بعد النفي بمعنى بلى عرفاً استعمالاً شائعاً ، فليتقدّم على مفادها لغة كما مضى ، مضافاً إلى ما حكي عن جماعة (٢) من التصريح بورودها لغةً كذلك.

واختار هذا الشهيد في الدروس (٣) ، والسيد في شرح الكتاب.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢.

(٢) مغني اللبيب ١ : ٤٥٣ وانظر الدروس ٣ : ١٢٢ ، وجامع المقاصد ٩ : ١٩٤ ، ١٩٥.

(٣) الدروس ٣ : ١٢٢.

١٢٣

ولا ريب فيه إن ثبت كون استعمال العرف بعنوان الحقيقة. ولكنه محل مناقشة ؛ إذ مجرد الاستعمال ولو كان شائعاً لا يقتضيها بلا شبهة ، فإنّه أعم من الحقيقة ، سيّما إذا وجد للفظه معنى حقيقي آخر لغة.

ومنه يظهر الجواب عما ذكره الجماعة من ورودها بنهج الاستعمال الشائع العرفي في اللغة.

ثم على تقدير تسليم ثبوت الحقيقة بذلك لم يثبت الإقرار بها أيضاً ؛ لاحتمال الاشتراك. ودفعه غير ممكن إلاّ على تقدير ثبوت كون هذه الحقيقة غالبة على الحقيقة الأُخرى اللغوية تكون في جنبها مهجورة. وهو محلّ مناقشة ، كيف لا؟ ونحن في عويل في ثبوت أصل الحقيقة ، فكيف يتأتّى لنا دعوى ثبوت الغلبة التي هي المناط في ثبوت الإقرار بها ؛ إذ لولاها لكان اللفظة من قبيل الألفاظ المشتركة التي لا تحمل على أحد معانيها إلاّ بقرينة صارفة.

وبالجملة ، فهذا القول ضعيف غايته ، كما في التنقيح (١) من التفصيل بين كون المقرّ عارفاً باللغة فالأوّل ، وإلاّ فالثاني ، لعدم وضوح وجه له ولا حجّة. فإذاً المصير إلى قول الشيخ لا يخلو عن قوّة ؛ عملاً بأصالتي براءة الذمة ، وبقاء الحقيقة اللغوية.

( ولو قال ) بعد قول لي عليك كذا : ( أنا مقِرّ ، لم يلزمه ) الإقرار به ؛ لعدم مذكورية المقرّ به ، فيجوز تقديره بما يطابق الدعوى وغيره ، ولا دلالة للعام على الخاص ، فيرجع حينئذ إلى الأصل ( إلاّ أن يقول به ) [ أي (٢) ] بدعواك فيلزمه ، لأصالة عود الضمير إلى الكلام.

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٤٨٧.

(٢) في « الأصل » و « ر » : أو.

١٢٤

خلافاً للدروس (١) ، فلم يجعله إقراراً أيضاً ؛ إذ غايته الإقرار بالدعوى ، وهو أعمّ من الإقرار بها للمدّعي ولغيره.

ويضعف بتبادر الأوّل فيؤخذ به. بل لا يبعد حصول الإقرار بالأول أيضاً ، وفاقاً لمحتمل الفاضل المقداد (٢) والسيّد في شرحهما على الكتاب ؛ لأنّ وقوعه عقيب الدعوى يقتضي صرفه إليها ، عملاً بالقرينة ، والتفاتاً إلى قوله سبحانه ( أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا ) (٣). وأنّه لو جاز تعلّقه بغير الدعوى لزم حمله على الهذر ، فإنّ من ادّعي عليه بدين ، فقال : أنا مقرّ بكون السماء فوقنا والأرض تحتنا ، عدّ هذراً ، ودفعه عن كلام العاقل مقصود شرعاً.

وبالجملة ، فالمرجع في حصول الإقرار إلى فهم المعنى من اللفظ عرفاً ، وربما اختلف باختلاف حال المتكلم وكونه من أهل التورية وعدمه.

( ولو قال ) بعد القول المتقدم : ( بعنيه أو هبنيه فهو إقرار ) بعدم ملك المقرّ ، لأنه طلب شراءه أو اتّهابه.

وهل يكون إقراراً للمخاطب بالملكية؟ فيه وجهان : أجودهما نعم ؛ عملاً بالظاهر المتبادر الناشئ من أنّ الأغلب في البائع والواهب كونه هو المالك دون الوكيل ، فإنّه نادر. وبه يظهر ضعف وجه احتمال العدم.

وكيف كان ، فهو إقرار له باليد قولاً واحداً. فإن ادّعاه ولم يوجد له منازع حكم له به.

ولو قال : اشترِ مني أو اتّهب ، فقال : نعم ، كان إقراراً ، ويجري فيه‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٢٢.

(٢) التنقيح الرائع ٣ : ٤٨٨.

(٣) آل عمران : ٨١.

١٢٥

الوجهان في كونه إقراراً بالملك أم مطلق اليد.

( ولو قال : لي عليك كذا ، فقال : اتّزن أو انتقد ) أو شدّ هميانك ، لم يكن شيئاً ولا يعدّ إقراراً.

( وكذا لو قال : اتّزنها أو انتقدها ) ونحوهما من الألفاظ المستعملة في التهكم والاستهزاء. والوجه فيه واضح ، كما مضى.

( أمّا لو قال : أجّلتني بها أو قضيتكها ، فقد أقرّ وانقلب مدّعياً ) على ما قطع به الأصحاب كما في شرح السيد والكفاية (١) ، بل فيهما عن ظاهر التذكرة (٢) أنّ عليه إجماع العلماء كافّة ؛ لدلالته التزاماً على ثبوتها في ذمّته ، وادّعاء التأجيل أو القبض يحتاج إلى بيّنة.

( الثاني : المقر )

( ولا بدّ من كونه حرّا مختاراً جائز التصرف ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع عن التذكرة (٣) ؛ وهو الحجّة في الجميع مضافاً إلى الأصل ، وحديث رفع القلم في الأوّل ، وما دلّ على عدم مالكية العبد ومحجوريته في الثاني في الجملة ، والاعتبار والاستقراء في الباقي ، بل في الجميع.

( فلا يقبل إقرار الصبي ) بمال ولا عقوبة وإن بلغ عشراً إن لم نجز وصيته ووقفه وصدقته ، وإلاّ قبل إقراره بها ، لأنّ من ملك تصرّفاً في شي‌ء ملكه ملك الإقرار به أيضاً ، بلا خلاف فيه ظاهراً.

( ولا ) إقرار ( المجنون ) إلاّ من ذوي الدور وقت الوثوق بعقله.

( ولا ) إقرار ( العبد بمال ولا حدّ ولا جناية ولو أوجبت قصاصاً )

__________________

(١) الكفاية : ٢٣٠.

(٢) انظر التذكرة ٢ : ١٤٤.

(٣) التذكرة ٢ : ١٤٥ ، ١٤٦.

١٢٦

إلاّ مع تصديق المولى له في المال ، فيقبل وتدفع العين المقرّ بها إلى المقرّ له إذا كانت موجودة.

وإذا كانت تالفة ، أو لم يصدّقه المولى ، أو كانت مستندة إلى جناية أو إتلاف مال فالظاهر تعلّقها بذمته يتبع به بعد عتقه ؛ لعموم نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم ، خرج منه نفوذه حال عبوديّته ، لأنّ إقراره فيها إقرار في حق غيره ، وبقي مندرجاً فيه نفوذه حال حرّيته ، لخلوّه عن المانع المذكور في حال عبوديّته.

والفرق بينه وبين المحجور عليه لسفه ، حيث نفذ إقراره بعد العتق ولم يقع لاغياً بخلاف السفيه : أنّ المملوك كامل في نفسه معتبر القول ؛ لبلوغه ورشده ، فيدخل تحت العموم ، وإنّما منع من نفوذ إقراره حق السيد ، فإذا زال المانع عمل السبب عمله ، بخلاف السفيه فإنّ عبارته في المال مسلوبة في الشرع بالأصل ، لقصوره كالصبي والمجنون ، فلا ينفذ في ثاني الحال كما لا ينفذ إقرارهما بعد الكمال.

ولو كان مأذوناً في التجارة ، فأقرّ بما يتعلّق بها ، فالمشهور نفوذه مطلقاً مما في يده ، والزائد يتبع به بعد عتقه.

خلافاً للتذكرة والمسالك (١) ، فاستشكلا النفوذ بما يرجع حاصله إلى منع استلزام الإذن في التجارة الإذن فيما يتعلق بها من نحو الاستدانة.

وفصّل في الكفاية (٢) بين ما كان من لوازمها عرفاً فالأول ، لثبوت التلازم بينهما فيه ، وما ليس من لوازمها وإن تعلّق بها فلا يقبل ، لفقد التلازم هنا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٧ ، المسالك ٢ : ١٧٤.

(٢) الكفاية : ٢٣١.

١٢٧

ولا إقرار السكران مطلقاً ولو اختار السبب المحرم على الأشهر.

خلافاً للإسكافي (١) ، حيث ألزمه بإقراره إن شرب المسكر باختياره.

ولا المكره فيما اكره على الإقرار به إلاّ مع ظهور أمارات اختياره ، كأن يكره على أمر فيقرّ بأزيد منه.

ولا السفيه إلاّ إذا أقرّ بغير المال ، كجناية توجب القصاص ، ونكاح وطلاق ، فيقبل ؛ للعموم.

ولو اجتمعا قُبِل في غير المال ، كالسرقة بالنسبة إلى القطع ، ولا يلزم بعد زوال حجره ما بطل قبله كما مرّ.

وكذا يقبل إقرار المفلس في غير المال مطلقاً ، بل فيه أيضاً إذا كان ديناً على قول ، فيؤخذ من ماله إذا فضل عن حقّ غرمائه ، وإلاّ انتظر يساره.

وفي اقتصار الماتن على الشرائط المزبورة دلالة على عدم اشتراط العدالة ، كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة. خلافاً للمحكي عن الشيخ رحمه‌الله ، فاعتبرها (٢). ولا وجه له.

( الثالث : في المقرّ له )

( ويشترط فيه أهلية التملك ) بلا خلاف ؛ إذ مع عدمه يلغو الإقرار فلا عبرة به ، فلو أقرّ لدار أو جدار ونحوهما بطل.

( ويقبل ) إقراره ( لو أقرّ لحمل ) بلا خلاف ولا إشكال إذا بيّن سبباً يفيد الحمل الملك ، كوصيّة أو إرث يمكن في حقه ؛ لجواز الوصية له وإرثه ، وإن كان استقرار ملكه مشروطاً بسقوطه حال حياته ؛ لأنّ ذلك لا يمنع من صحّته في الحال في الجملة.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٤٤١.

(٢) المبسوط ٣ : ٣.

١٢٨

وكذا إذا بيّن سبباً لا يفيده الملك ، كالجناية عليه والمعاملة معه ، على الأظهر الأشهر كما في المسالك (١) ، وفاقاً للمبسوط (٢) ؛ للعموم ، مع ضعف ما سيذكر من المخصّص.

خلافاً للإسكافي والقاضي (٣) ، فلا يقبل ؛ لأن الكلام كالجملة الواحدة ولا يتم إلاّ بآخره وقد نافى أوّله ، فلا عبرة به ، كالإقرار المعلّق على الشرط.

وفيه نظر ؛ لمنع كون الكلام هنا كالجملة الواحدة لا يتمّ إلاّ بآخره ، إذ هو حيث يكون الآخر من متمماته كالشرط والصفة ، لا مما لا يتعلّق به بل ينافيه ، كما نحن فيه.

ومن ثمّ أجمعوا على بطلان المعلّق على الشرط دون المعقب بالمنافي. والفرق بينهما أنّ الشرط المعلق عليه مناف للإخبار بالاستحقاق في الزمن الماضي ، فلم يتحقق ماهية الإقرار ، بخلافه مع المنافي المتعقب ؛ فإنّه إخبار تامّ وإنما تعقّبه ما يبطله فلا يسمع ، فتأمل.

وكذا لو لم يبيّن سبباً ، بل بطريق أولى على المختار. وأما على غيره فكذلك ؛ أخذاً بالعموم و ( تنزيلاً ) للإقرار ( على الاحتمال ) المصحّح له ( وإن بعد ) ولا خلاف فيه هنا ، بل في ظاهر التنقيح الإجماع عليه (٤).

نعم ، فيه عن المبسوط (٥) أنّه نقل عن بعض الحكم بالبطلان. وهو مع جهالة قائله ضعيف.

واعلم أن ملك الحمل المقرّ به مشروط بسقوطه حياً ولو مات بعده ؛

__________________

(١) المسالك ٢ : ١٧٦.

(٢) المبسوط ٣ : ١٤.

(٣) نقله عن الإسكافي في التنقيح ٣ : ٤٨٩ ، القاضي في المهذّب ١ : ٤٠٩.

(٤) التنقيح ٣ : ٤٨٩.

(٥) المبسوط ٣ : ١٤.

١٢٩

إذ ينتقل حينئذٍ إلى وارثه. فلو سقط ميتاً لم يملكه ورجع إلى بقية ورثة مورث الحمل إن كان السبب المبين هو الإرث ، وإلى ورثة الموصي إن كان الوصية.

ويبطل الإقرار مع عدم إمكان البيان بموت المقرّ على قول ، ويصح على آخر أظهر وأشهر (١). وعليه فيكون المقرّ به مالاً مجهول المالك.

( وكذا ) يقبل ( لو أقرّ لعبد ) بلا خلاف كما في شرح الكتاب للسيد ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى عموم نفوذ إقرار العقلاء السليم هنا عن المخصّص. أمّا على مالكيته فظاهر ، وأمّا على غيره المختار فكذلك ، لجواز نسبة المال إليه مجازاً ، فإنه شائع. ( ويكون ) المقرّ ( للمولى ) كسائر ما في يده.

وهنا شرط آخر وهو : أن لا يكذب المقرّ له المقرّ ، فلو كذّبه لم يسلم إليه ، بل يحفظه الحاكم أو يبقيه في يد المقرّ أمانة بشرط عدالته أو مطلقاً. وإنّما لم يذكره الماتن نظراً منه إلى أنّه ليس شرطاً في نفوذ أصل الإقرار ، بل شرط لتملّك المقرّ له المقرّ به.

( الرابع : في المُقَرّ به )

وهو إمّا مال ، أو نسب ، أو حق كالقصاص وخيار الشفعة. وينعقد الإقرار بكل واحد بلا خلاف ؛ للعموم وعدم مانع.

ولا يعتبر في المال أن يكون معلوماً ؛ إذ ربما كان على ذمّة المقرّ ما لم يعلم قدره ، فدعت الحاجة إلى إقراره ليتوصّل إلى براءة ذمته بالصلح أو الإبراء.

__________________

(١) في « ح » : أظهر بل وأشهر.

١٣٠

( فلو قال : له عليّ مال ، قبل ) وإن امتنع عن البيان حبس وضيق عليه حتى يبيّن إلاّ أن يدّعي النسيان.

ويقبل ( تفسيره ) المال ( بما يملك ) ويتموّل ( وإن قلّ ) بلا خلاف ، بل عليه وعلى أصل قبول الإقرار الإجماع في التذكرة (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى أصالة براءة الذمة عن الزائد السليمة عن المعارض ، لصدق المال على القليل كصدقه على الكثير.

وهل يندرج فيه غير المتموّل ، كحبّة من حنطة فيقبل تفسيره به أم لا؟ قولان :

من أنّه مملوك شرعاً ، وإن لم يكن له قيمة عادة ، والحقيقة الشرعية مقدّمة على العرفية ، وأنه يحرم أخذه بغير إذن مالكه ويجب ردّه.

ومن أنّ الملك لا يستلزم إطلاق اسم المال شرعاً ، وعلى تقدير الاستلزام فالعرف يأباه ، وهو مقدّم كما تقدّم ، مع أن طريقة الإقرار تقتضي ثبوته في الذّمة ، ولا يثبت فيها ما لا يتموّل ولا قيمة له ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح جماعة (٢).

وهذا أجود وعليه الأكثر. وحكي في الدروس (٣) الأوّل عن الفاضل ، ولعلّه قال به في التذكرة ، كما يظهر من المسالك والكفاية (٤).

( ولو قال : له عليّ شي‌ء ، وجب تفسيره بما يثبت في الذّمة ) دون ما لا يتموّل كحبّ من حنطة ، على الأشهر هنا أيضاً.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٤.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٦٥ ، والروضة ٦ : ٣٨٨ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٣١.

(٣) الدروس ٣ : ١٣٧.

(٤) المسالك ٢ : ١٦٥ ، الكفاية : ٢٣١.

١٣١

خلافاً للتذكرة والروضة (١) ، فجوّزا له التفسير به ، لكن الثاني خصّه بالشي‌ء دون المال ، ولم يفرّق الأول بينهما في هذا ، وإن افترقا في غيره ، وهو أعميّة الشي‌ء من المال ، لاختصاصه بما يعدّ مالاً دون غيره كحق الشفعة ونحوه ، وشمول الشي‌ء لهما ، ومقتضاه جواز تفسيره بردّ السلام والعيادة وتسمية العاطس ، لتسميتها شيئاً.

ولكن الأشهر كما في الروضة (٢) خلافه. وهو الأصح ؛ لأنّه خلاف المتعارف ، وبُعدها عن الفهم في معرض الإقرار ، ومرجعه إلى أنّه خلاف المتفاهم عرفاً ، فلا يشملها الشي‌ء وإن عمّ لغة ، لوجوب تقديمه عليها كما تقدّم ، مع أنّها تسقط بالفوات فلا تثبت في الذمة ، وطريقة الإقرار بعليّ تقتضي الثبوت فيها ، هذا. ولم أر قائلاً بالأوّل صريحاً بل ولا ظاهراً وإن احتمل في الكتابين المتقدمين (٣).

( ولو قال :) عليّ ( ألفٌ ودرهم ) الزم بالدرهم و ( رجع في تفسير الألف ) لإجماله ( إليه ) ولا خلاف فيه وفي قبول تفسيره بما شاء ، حتى لَو فسّرها بحبّات من حنطة قبل ، وصرّح به جماعة أوّلهم الفاضل في التذكرة (٤).

( ولو قال : مائة وعشرون درهما ) أو ألف وثلاثة دراهم ، أو ما شاكلها من الأعداد المتعاطفة ، المتخالفة في التميز المتعقّب لها بحسب الإفراد والجمع والجر والنصب ( فالكل دراهم ) في المشهور بين‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥١ ، الروضة ٦ : ٣٨٩.

(٢) الروضة البهية ٦ : ٣٨٩.

(٣) التذكرة ٢ : ١٥٢ ، الروضة ٦ : ٣٨٩.

(٤) التذكرة ٢ : ١٥٤ ؛ وانظر الدروس ٣ : ١٣٧ ، والكفاية : ٢٣١.

١٣٢

الأصحاب سيّما المتأخرين (١) ، وفاقاً للشيخ والحلّي (٢) ؛ لتطابق اللغة والعرف على أن المفسّر إذا وقع بين المبهمين أو المبهمات عاد إلى الجميع ، حتى لو قال المتكلم : له مائة درهم وعشرون درهماً عدّ مستهجناً. قال الله تعالى ( إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ) (٣) وفي الخبر : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي وهو ابن ثلاث وستين سنة » (٤). ونحوهما ورد في الشعر.

خلافاً للفاضل في المختلف (٥) ، فجعل المائة والألف في المثالين مبهمين ، يرجع في تفسيرهما إليه. قال : لأنّ المميّزين ليسا مميّزين لعددين ، وكما يحتمل أن يكون مميّزاً للجميع يحتمل أن يكون مميّزاً للأخير ، فلا يثبت في الذمّة بمجرد الاحتمال.

ويظهر من التعليل عدم اختصاص ما ذكره بالمثالين ، بل جارٍ فيما يجري فيه التعليل. وقد حكى التصريح بهذا التعميم في المسالك عن بعض الأصحاب (٦) ، ويظهر من المقدس الأردبيلي الميل إليه في شرح الإرشاد (٧) ؛ لما مرّ من التعليل.

وهو عليل بعد ما مرّ من تطابق العرف واللغة على فهم رجوع التميز‌

__________________

(١) منهم العلاّمة في التذكرة ٢ : ١٥٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٩٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٦٨.

(٢) المبسوط ٣ : ٧ ، السرائر ٢ : ٥٠١.

(٣) سورة ص : ٢٣.

(٤) كشف الغمة ١ : ١٦ ، البحار ٢٢ : ٥٠٣ / ١.

(٥) المختلف : ٤٤٠.

(٦) المسالك ٢ : ١٦٧.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٤٤٤.

١٣٣

إلى الجميع ، بحيث لو عقّب كلّ عدد بمميّز لحكما فيه بالاستهجان.

( و ) اعلم أنّ لفظة ( كذا كناية عن الشي‌ء ) على الأشهر الأقوى بناءً على استعماله مكانه عرفاً ، فيقبل تفسيره بما يقبل به تفسير الشي‌ء. وعليه الحلي (١).

خلافاً للخلاف ، فجعله كناية عن العدد (٢) ، وحكى في التنقيح على إجماع الأدباء (٣).

ويتفرّع على الخلاف في الجملة ما أشار إليه بقوله : ( فلو قال : عليّ كذا درهم ) بالحركات الثلاث أو الوقف ( فالإقرار بواحد ) مطلقاً على المختار ؛ لاشتراكه بين الواحد فما زاد وضعاً فتحمل على الأقلّ ، لأنّه المتقين إذا لم يفسّره بأزيد.

فمع الرفع يكون الدرهم بدلاً ، والتقدير : شي‌ء درهم. ومع النصب يكون مميّزاً له.

ومع الجر تقدّر الإضافة بيانية كحبّ الحصيد ، والتقدير : شي‌ء هو درهم.

قيل : ويشكل بأنّ ذلك وإن صحّ إلاّ أنّه يمكن تقدير ما هو أقلّ منه بجعل الشي‌ء جزءاً من الدرهم أُضيف إليه ، فيلزم جزء يرجع في تفسيره إليه ؛ لأنّه المتيقن ، ولأصالة البراءة من الزائد ، ومن ثمّ حُمل الرفع والنصب على الدراهم مع احتمالهما أزيد منه (٤). واستوجهه السيد في الشرح. وهو‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٠٣.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٦٥.

(٣) التنقيح الرائع ٣ : ٤٩٠.

(٤) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٣٩٣.

١٣٤

كذلك ، اختاره الفاضل في التذكرة (١).

وأمّا مع التوقيف فيحتمل الرفع والجر لو أُعرب لا النصب ؛ لوجوب إثبات الألف فيه وقفاً ، فيُحمل على مدلول ما احتمله من الرفع والجر.

فعلى ما اختاره الماتن والأكثر من لزوم الدرهم مطلقاً ولو حالة الجر ، يشترك الإعرابان في احتمال الدرهم فيحمل عليه.

وعلى قول التذكرة يلزمه جزء درهم خاصّة ؛ لأنّه باحتماله حصل الشك فيما زاد على الجزء ، فيحمل على المتيقّن ، وهو ما دلّت عليه الإضافة.

( وقال الشيخ ) في المبسوط والخلاف (٢) : إنّه يلزمه عشرون درهماً ، لأنه أقلّ عدد مفرد ينصب مميّزه ، ومع الجرّ مائة درهم ، لأنّه أقل عدد يكون مميّزه مجروراً. ووافقه هنا وفيما يأتي الفاضل في المختلف والإرشاد (٣) في الجملة ، وحكاه في التذكرة (٤) عن أبي حنيفة ، وهو بناءً على الأصل المتقدم.

وقال أيضاً : ( لو قال : كذا كذا درهماً ) بالنصب ( لم يقبل تفسيره بأقلّ من أحد عشر ) لأنه أقل عدد مركّب مع غيره ينتصب بعده مميزه ؛ إذ فوقه اثنا عشر إلى تسعة عشر ، فيحمل على المتيقن.

( ولو قال كذا وكذا ) درهماً ( لم يقبل ) في تفسيره بـ ( أقلّ من أحد وعشرين ) درهماً ؛ لأنه أقلّ عددين عطف أحدهما على الآخر‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٣.

(٢) المبسوط ٣ : ١٣ ، الخلاف ٣ : ٣٦٥.

(٣) المختلف : ٤٤٠ ، الإرشاد ١ : ٤١٠.

(٤) التذكرة ٢ : ١٥٣.

١٣٥

وانتصب المميز بعدهما ، إذ فوقه اثنان وعشرون إلى تسعة وتسعين ، فيحمل على الأقل.

ويستفاد من تخصيص الماتن في الذكر خلاف الشيخ بالمثالين اختصاص خلافه بهما. وليس كذلك ؛ لما عرفت من خلافه السابق ، مضافاً إلى تعليله المثبت لما ذكره من الحكم فيما عداهما مما يشابههما.

( و ) كيف كان فـ ( الأقرب الرجوع في تفسيره ) أي كذا مطلقاً ( إلى المقرّ ) لأنّ هذه الألفاظ لم توضع لهذه المعاني لغةً ولا اصطلاحاً ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا (١).

ومناسباتها على الوجه المذكور لا توجب اشتغال الذمة بمقتضاها ، مع أصالة البراءة واحتمالها لغيرها على الوجه الذي بيّن.

ولا فرق في ذلك بين كون المقرّ من أهل العربية وغيرهم ؛ لاستعمالها على الوجه المناسب للعربية في غير ما ادّعوه استعمالاً شهيراً.

خلافاً للفاضل في المختلف والإرشاد والتذكرة والمقداد (٢) في شرح الكتاب ، ففرّقا بين كون المقرّ من أهل اللسان فما اختاره الشيخ ، وغيره فمذهب الأكثر. وهو ضعيف.

[ ( ولا يقبل ) تفسيره مطلقاً في غير حالة الجر ( بأقلّ من درهم ) بناءً على أنّه المتيقن (٣) ].

( ولو أقرّ بشي‌ء مؤجلاً ) كأن قال : له عليّ ألف مؤجلةً إلى سنة‌

__________________

(١) منهم : ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٠٣ ، والعلاّمة في التذكرة ٢ : ١٥٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٦٧.

(٢) المختلف : ٤٤٠ ، الإرشاد ١ : ٤١٠ ، التذكرة ٢ : ١٥٣ ، التنقيح الرائع ٣ : ٤٩٢.

(٣) ما بين المعقوفين ليست في نسخة الأصل و « ر ».

١٣٦

( فأنكر الغريم الأجل لزمه ) الشي‌ء قطعاً وكان ( حالاّ ) إجماعاً إن فصل وصف التأجيل عن الكلام المتقدم ولو بسكوت طويل. وكذا لو وصله به على إطلاق العبارة وصريح المحكي عن الشيخ و [ الإسكافي والحلّي (١) ] ؛ لزيادة دعوى الأجل على أصل الإقرار فلا تسمع ، كما لو أقرّ بالمال ثم ادّعى قضاءه.

خلافاً للأول في قوله الآخر المحكي في كلام جمع من الأصحاب (٢) ، و [ للقاضي (٣) ] ، وتبعه كثير من المتأخرين (٤) ؛ لأنّ الكلام الصادر منه جملة واحدة لا يتم إلاّ بآخره ، وإنّما يحكم عليه بعد كماله ، كما لو عقّبه باستثناء أو وصف أو شرط ، وأنّه لولا قبول ذلك منه لأدّى إلى انسداد باب الإقرار بالحق المؤجل ، وإذا كان على الإنسان دين مؤجل وأراد التخلص فإن لم يسمع منه لزم الإضرار به ، وربما كان الأجل طويلاً بحيث إذا علم عدم قبوله منه لا يقرّ بأصل الحق خوفاً من إلزامه حالاّ والإضرار ، فيؤدّي تركه إلى الإضرار بصاحب الحق ، وهذا غير موافق للحكمة الإلهية.

وللصحيح : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يأخذ بأول الكلام دون آخره » (٥).

__________________

(١) قد نسب هذا القول في جميع النسخ إلى القاضي ، والقول الآخر إلى الإسكافي والحلبي ، والظاهر هو سهو كما يظهر من مراجعة الكتب الفقهية. راجع الخلاف ٣ : ٣٧٧ والمختلف : ٤٤١ والسرائر ٢ : ٥١٣ والمهذب ١ : ٤١٤.

(٢) منهم : العلاّمة في المختلف : ٤٤١ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٩٢ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٣١ ؛ وانظر المبسوط ٣ : ٣٥.

(٣) راجع الهامش (١).

(٤) منهم : العلاّمة في التذكرة ٢ : ١٦٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٧٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٣١.

(٥) التهذيب ٦ : ٣١٠ / ٨٥٣ ، الوسائل ١٨ : ١٥٨ أبواب آداب القاضي ب ٤ ح ٣.

١٣٧

هذا مضافاً إلى التأيّد بأصالة عدم إلزام المقرّ بالمال حالاّ.

( وعلى ) الأول يلزم ( الغريم اليمين ) لكونه منكراً ، فيتوجه عليه كما يتوجه البينة على المقرّ عليه أيضاً ، لكونه مدعياً وإنّما يلزمه حالاّ بعد عجزه عن إقامتها جدّاً.

( واللواحق ثلاثة ) ‌

( الأوّل : في ) بيان أحكام ( الاستثناء ) المقبول المتعقّب للإقرار.

( ومن شرطه ) مطلقاً عدم استيعابه المستثنى منه و ( الاتصال العادي ) بينهما. والمراد به ما جرت به العادة ، فيغتفر التنفس بينهما والسعال ونحوهما مما لا يعدّ معه الاستثناء منفصلاً عرفاً.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك بين العلماء إلاّ من الحلّي في الأخير ، حيث يحكى عنه تجويزه الاستثناء إلى شهر (١).

قيل : ولم يثبت ذلك عنه. وربّما حمل كلامه على أنّ المراد أنّه لو أخير به في تلك المدة قبل منه. وهو بعيد ولكنّه أقرب من حمل كلامه على ظاهره.

( ولا يشترط ) فيهما الاتّحاد ( في الجنس ) بأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ، بل يصحّ أن يكون من غير جنسه ، ويعبّر عنه بالمنقطع.

والحكم ثابت بإجماع النحاة وأهل اللغة كما في التنقيح (٢) ، وهو‌

__________________

(١) لم نعثر عليه عن الحلّي ، نعم حكاه القاضي عضد في شرح المختصر : ٢٥٨ عن ابن عباس.

(٢) التنقيح الرائع ٣ : ٤٩٤.

١٣٨

الأشهر بين الأُصوليين والفقهاء ، واختاره الماتن هنا وتردّد فيه في الشرائع (١) ؛ ووجهه غير واضح مع ندرة القائل بالاشتراط حتّى إنّ بعض الأصحاب (٢) أنكره وقال : إنّه غير موجود في كتب الأُصول ، بل صرّح القاضي (٣) في شرح المختصر بأنّه لا يعرف خلافاً في صحّته لغةً ووروده في كلام العرب والقرآن.

أقول : ومنه قوله سبحانه ( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً ) (٤) و ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٥) و ( فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ) (٦).

واختلفوا في كونه حقيقةً أو مجازاً. والمحققون على الثاني ؛ لعدم التبادر. وهو الأصحّ. فلو قال : له ألف إلاّ درهماً فالجميع دراهم على المختار ، ومبهم على غيره يرجع في تفسيره إليه ؛ لأنّ الاستثناء المتّصل حقيقة أيضاً ، فيكون الاستثناء مشتركاً بينه وبين المنقطع اشتراكاً لفظياً كما عن بعض ، أو معنوياً كما عن آخر. نقلهما في المسالك (٧).

قال : وفي المسألة قول ثالث نادر : إنّه غير جائز لا حقيقةً ولا مجازاً. وهو الذي تردّد فيه المصنف. وهو كما ترى ظاهر في وجود القول‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ١٤٩.

(٢) الظاهر هو صاحب المدارك في نهاية المرام على ما نقله في مفتاح الكرامة ٩ : ٣٠٠ ، وكتاب الإقرار من نهاية المرام غير موجود.

(٣) القاضي عضد في شرحه على مختصر ابن الحاجب ١ : ٢٥١.

(٤) الواقعة : ٢٥ ٢٦.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) الكهف : ٥٠.

(٧) المسالك ٢ : ١٧١.

١٣٩

بالاشتراط ، وأنه ليس الأمر كما ذكره البعض المتقدم من عدم وجوده.

وأظهر من ذلك كلام الفاضل المقداد في شرح الكتاب حيث قال بعد دعواه الإجماع المتقدم ـ : واختلف فيه الأُصوليون والفقهاء فشرطه أي الاتحاد في الجنس بعض ، ومنع اشتراطه آخرون ، واختاره المصنف (١). انتهى.

مع أنّه حكاه في التذكرة (٢) عن جماعة من العامة ، كزفر وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة ، لكنه خصّ المنع بما عدا المكيل والموزون. ونقل التفتازاني في شرح الشرح المصير إليه في الجملة عن الآمدي. وبالجملة لا ريب في وجود هذا القول وإن شذّ وضعف.

( ولا يشترط ) أيضاً ( نقصان المستثنى ) [ عن الباقي (٣) ] ( من المستثنى منه ) بل يكفي في صحة الاستثناء أن يبقى بعده بقية قلّت أو كثرت ، وفاقاً للمحققين من الأُصوليين والأكثر ، كما في المسالك (٤) وشرح الكتاب للسيد ، قال فيه : وذهب شاذّ منهم إلى أنه يجب أن يكون الباقي من المستثنى منه أكثر من النصف.

ويدفعه قوله تعالى ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) (٥) ومن هنا بيانية ، لأن الغاوين كلهم متبعون ، فاستثنى الغاوين وهم أكثر من غيرهم ، بدليل قوله عزّ وجلّ ( وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٤٩٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١٦٤.

(٣) ما بين المعقوفين ليست في نسخة الأصل.

(٤) المسالك ٢ : ١٧١.

(٥) الحجر : ٤٢.

١٤٠