رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٦

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-108-7
الصفحات: ٥١٢

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

وبه ثقتي وعليه توكّلي

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين‌

٥
٦

كتاب الحج

وتتبعه العمرة ، أو تدخل فيه ؛ لما ورد أنّها الحجّ الأصغر (١).

وأُدخلت فيه الزيارة حثّا عليها ، وتنبيهاً على نقصه بدونها ، كما ورد في الأثر (٢).

( والنظر ) في الكتاب يقع تارةً ( في المقدمات ) وأُخرى في ( المقاصد. )

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٩٥ أبواب العمرة ب ١.

(٢) علل الشرائع : ٤٥٩ / ١ ، عيون الأخبار ٢ : ٢٦٥ / ٢٨ ، الوسائل ١٤ : ٣٢٤ أبواب المزار وما يناسبه ب ٢ ح ٧.

٧
٨

( المقدمة الاُولى )

في بيان حقيقته وحكمه

اعلم أنّ ( الحجّ ) بالفتح في لغة ، وبالكسر في أُخرى. وقيل : بالأول مصدر ، وبالثاني اسم (١). يأتي في اللغة لمعان كما في القاموس (٢) ، أشهرها : القصد ، أو المكرّر منه خاصّة ، حتى أن جماعة لم يذكروا غيرهما (٣).

وفي الشرع ( اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة ) عند الماتن وجماعة ؛ للتبادر ، وكذلك عند المتشرعة.

وعند الشيخ وجملة ممن تبعه (٤) : القصد إلى مكّة شرّفها الله تعالى لأدائها عندها ، متعلقة بزمان مخصوص. وربما قيل : مطلقاً (٥).

وقد أُورد على كلٍّ من الفريقين إيرادات لا فائدة مهمة للتعرض لها ، بل ينبغي صرف الهمّة بعون الله سبحانه إلى ما هو أهمّ منها وأولى.

فنقول ( وهو فرض على المستطيع ) للسبيل إليه ( من الرجال والخناثي ) مطلقاً ( والنساء ) ؛ بالكتاب (٦) ، والسنّة (٧) ، والإجماع.

__________________

(١) قال به الفيومي في المصباح المنير : ١٢١.

(٢) القاموس المحيط ١ : ١٨٨.

(٣) لسان العرب ٢ : ٢٢٦ ، النهاية لابن الأثير ١ : ٣٤٠.

(٤) الشيخ في المبسوط ١ : ١٩٦ ، وتبعه الحلبي في الكافي : ١٩٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٥٥.

(٥) انظر الدروس ١ : ٣٠٦ ، والمسالك ١ : ٨٦.

(٦) آل عمران : ٩٧.

(٧) الوسائل ١١ : ١٦ أبواب وجوب الحج ب ٢.

٩

( و ) إنّما ( يجب بأصل الشرع ) أي من غير جهة المكلّف ( مرة ) واحدة في مدة العمر ؛ للأصل ، والنصوص المستفيضة من طرق العامة والخاصة (١).

ولا خلاف فيه أجده ، إلاّ من الصدوق في العلل (٢) ، فأوجبه على المستطيع في كلّ عام ، كما في المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيرها (٣).

لكنها كقوله شاذة ، مخالفة لإجماع المسلمين كافّة ، كما صرّح به الشيخ في التهذيبين والفاضلان في المعتبر والمنتهى (٤) ، فلتكن مطرحة ، أو محمولة على الاستحباب ، أو على أن المراد بكلّ عام يعني على البدل ، كما ذكرهما الشيخ والفاضل في التذكرة (٥).

وزاد جماعة ، فاحتملوا حملها على إرادة الوجوب كفايةً (٦) ، بمعنى لزوم أن لا يخلو بيت الله تعالى عن طائف أبداً ، كما يستفاد من النصوص المستفيضة ، المتضمنة للصحيحة وغيرها (٧).

وخير المحامل أوسطها ؛ لمنافاة ما عداه لما في بعض تلك الأخبار من التنصيص بأن الله تعالى فرض الحج على أهل الجِدَة في كلّ عام ، وأن‌

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٩ أبواب وجوب الحج ب ٣ ؛ وانظر مسند أحمد ١ : ٣٥٢ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٩٦٣ / ٢٨٨٦ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٣٩ / ١٧٢١.

(٢) علل الشرائع : ٤٠٥.

(٣) الوسائل ١١ : ١٦ أبواب وجوب الحج ب ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ١٦ ، الاستبصار ٢ : ١٤٨ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٧٤٧ ، العلامة في المنتهى ٢ : ٦٤٣.

(٥) التذكرة ١ : ٢٩٦.

(٦) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٥٤٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٧٥.

(٧) الوسائل ١١ : ٢٠ أبواب وجوب الحج ب ٤.

١٠

ذلك قول الله عز وجل : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) الآية (١) فإنّ مفاد الآية الوجوب عيناً إجماعاً.

والثاني بالخصوص لما في بعض النصوص الشاهدة عليه من تعميم ذلك للغني والفقير ، وذكر مثل ذلك في زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، مع أنّ ظاهر تلك النصوص الاختصاص بأهل الجِدَة ، ولم أر قائلاً بالوجوب مطلقاً فيهما ، ويمكن جعله دليلاً على إرادة الاستحباب فيما عداه.

ويجب ( وجوباً مضيّقاً ) بأخبارنا وإجماعنا ، كما صرّح به جماعة منّا مستفيضاً ، كالناصريات والخلاف والمنتهى والروضة (٣) ، وغيرها (٤).

والمراد بالفورية : وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة مع الإمكان ، وإلاّ ففيما يليه ، وهكذا.

ولو توقف على مقدّماتٍ من سفرٍ وغيره وجب الفور بها على وجهٍ يدركه كذلك.

ولو تعدّدت الرفقة في العام الواحد قيل : وجب السير مع أولها ، فإن أخّر عنها وأدركه مع التالية ، وإلاّ كان كمؤخّره عمداً في استقراره ، واختاره في الروضة (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٥ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٦ / ٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١٤٩ / ٤٨٨ ، الوسائل ١١ : ١٦ أبواب وجوب الحج ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٢ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٥٩ / ١٢٥٩ ، التهذيب ٥ : ٤١١ / ١٥٣٢ ، الوسائل ١١ : ٢٤ أبواب وجوب الحج ب ٥ ح ٢.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨ ، الخلاف ٢ : ٢٥٧ ، المنتهى ٢ : ٦٤٢ ، الروضة ٢ : ١٦١.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٩ ، مجمع الفائدة ٦ : ٥.

(٥) الروضة ٢ : ١٦١.

١١

وفي إطلاقه نظر ، ولذا خصّه الشهيد في الدروس بما إذا لم يثق بسفر الثانية (١) ، وفيه أيضاً إشكال.

والأوفق بالأصل جواز التأخير بمجرّد احتمال سفرها ، كما احتمله بعض ، قال : لانتفاء الدليل على فورية السير بهذا المعنى (٢). انتهى.

وهو حسن ، إلاّ أنّ الأول ثم الثاني أحوط.

ثم إنّ هذا بالإضافة إلى أصل وجوب المبادرة إلى الخروج ، بحيث يكون بالترك آثماً.

وأمّا بالإضافة إلى ثبوت الاستقرار الموجب للقضاء فما ذكره في الروضة متعيّن جدّاً ؛ لعموم ما دلّ على وجوبه السليم عن المعارض أصلاً.

( وقد يجب بالنذر وشبهه ) من العهد واليمين ( وبالاستيجار ) للنيابة ، وجب على المنوب عنه أم لا ( والإفساد ) ولو للمندوب ؛ بناءً على وجوبه ولو بالشروع.

( ويستحب لفاقد الشرائط ) للوجوب مطلقاً ( كالفقير ) أي الذي لم يستطع ولو كان غنياً ( والمملوك مع إذن مولاه ) لعموم الترغيب فيه عموماً وخصوصاً ، كما ستقف عليه. إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الدروس ١ : ٣١٤.

(٢) المدارك ٧ : ١٨.

١٢

( المقدمة الثانية )

( في ) بيان ( شرائط حجة الإسلام ) ووجوبها.

( وهي ستة : البلوغ ، والعقل ، والحرّية ) والاستطاعة ، بلا خلاف في هذه الأربعة ، بل عليها إجماع علماء الإسلام ، كما في عبائر جماعة (١) ، والنصوص بها مضافة إلى الكتاب العزيز في الأخير ـ (٢) عموماً وخصوصاً مستفيضة (٣).

( و ) المراد بالاستطاعة عندنا : ( الزاد والراحلة ) إن لم يكن من أهل مكة ، ولا بها ، بالإجماع كما في الناصريات والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة والسرائر (٤) ، بل فيه إجماع المسلمين عدا مالك ، ثم فيه : ولو لا إجماع المسلمين على إبطال قوله لكان .. إلى آخره.

وهو الحجة ؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة :

منها الموثق (٥) والصحيح (٦) المروي عن توحيد الصدوق في تفسير‌

__________________

(١) منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٦٤٨ ، ٦٥٠ ، ٦٥٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ٥١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٩٦ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٥٩ ، ٨٠.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) الوسائل ١١ : أبواب وجوب الحج الأبواب ١٢ ، ١٥ ، ١٩.

(٤) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٧ ، الخلاف ٢ : ٢٤٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، المنتهى ٢ : ٦٥٢ ، التذكرة ١ : ٣٠١ ، السرائر ١ : ٥٠٨.

(٥) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ / ٢ ، الإستبصار ٢ : ١٣٩ / ٤٥٤ ، الوسائل ١١ : ٣٤ أبواب وجوب الحج ب ٨ ح ٤.

(٦) التوحيد : ٣٥٠ / ١٤ ، الوسائل ١١ : ٣٥ أبواب وجوب الحج ب ٨ ح ٧.

١٣

الآية : ( مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ما يعني بذلك؟ قال : « من كان صحيحاً في بدنه ، مخلّى سَرْبه ، له زاد وراحلة ، فهو ممن يستطيع الحَج ». ونحوهما المروي عن تفسير العيّاشي (١).

وعن خبران آخران ، في أحدهما أنها : « الصحة في بدنه والقدرة في ماله » (٢).

والثاني : « القوة في البدن واليسار في المال » (٣).

ومنها : « إنما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة ، ليس استطاعة البدن » (٤).

ومنها : المروي عن العلل : « إنّ السبيل الزاد والراحلة ، مع الصحة » (٥).

وقصور السند أو ضعفه حيث كان مجبور بعمل الأصحاب وظاهر الكتاب ، بناءً على عدم انصراف إطلاق الأمر إلاّ إلى المستطيع ببدنه ، فاعتبار الاستطاعة بعده ليس إلاّ لاعتبار شي‌ء آخر وراءه وليس إلاّ الزاد والراحلة بإجماع الأُمة ، وحمله على التأكيد خلاف الظاهر ، بل الظاهر التأسيس.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ١٩٢ / ١١١ ، الوسائل ١١ : ٣٦ أبواب وجوب الحج ب ٨ ح ١٠.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٩٣ / ١١٧ ، الوسائل ١١ : ٣٦ أبواب وجوب الحج ب ٨ ح ١٢.

(٣) تفسير العياشي ١ : ١٩٣ / ١١٨ ، الوسائل ١١ : ٣٦ أبواب وجوب الحج ب ٨ ح ١٣.

(٤) الكافي ٤ : ٢٦٨ / ٥ ، الوسائل ١١ : ٣٤ أبواب وجوب الحج ب ٨ ح ٥.

(٥) عيون الأخبار ٢ : ١٢٢ / ضمن الحديث ١ ، الوسائل ١١ : ٣٥ أبواب وجوب الحج ب ٨ ح ٦.

١٤

وما ورد في الصحاح وغيرها من الوجوب على من أطاق المشي من المسلمين (١) فلشذوذها وندرتها محمولة على من استقرّ عليه فأخّره ، أو التقية عن رأي مالك القائل به (٢) كما مرّت إليه الإشارة أو الاستحباب ، كما ذكره شيخ الطائفة (٣) ، ولا يخلو عن مناقشة.

والجمع بين هذه النصوص والسابقة ، بحملها على الغالب من توقف الاستطاعة على الزاد والراحلة ، دون هذه ، فتحمل على المتمكن ولو من دونهما كما اتّفق لبعض المتأخّرين ـ (٤) وإن كان في حدّ ذاته حسناً ، إلاّ أنّه فرع التكافؤ المفقود بما عرفت من شذوذ الأخبار الأخيرة ، ومخالفتها الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة ، المعتضدة بالأصل ، والشهرة العظيمة بين الخاصة والعامة ، وظاهر الآية الكريمة على ما عرفته.

نعم ، يجب الاقتصار فيما خالف الأخبار الأخيرة على قدر ما اجتمعت فيه المرجحات المزبورة ، وهو البعيد المحتاج في قطع المسافة إلى راحلة خاصة ، وأما غيره من القريب والمكّي الغير المحتاجين إليها ، فينبغي العمل فيهما بما تضمنته الأخبار الأخيرة ، وبه أفتى أيضاً جماعة ومنهم الشيخ في المبسوط والفاضل في المنتهى والتذكرة (٥) كما قيل (٦).

ويمكن تنزيلها كإطلاق الأكثر عليه أيضاً ، زيادةً على ما عرفته ، جمعاً.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٤٣ أبواب وجوب الحج ب ١١.

(٢) بداية المجتهد ١ : ٢٣١.

(٣) انظر التهذيب ٥ : ١١.

(٤) المدارك ٧ : ٣٧.

(٥) المبسوط ١ : ٢٩٨ ، المنتهى ٢ : ٦٥٢ ، التذكرة ١ : ٣٠١.

(٦) المدارك ٧ : ٣٦.

١٥

ويستفاد من الأخبار المتقدمة اعتبار الشرط السادس : ( و ) هو ( التمكن من المسير. ويدخل فيه الصحة ) من المرض المانع من الركوب والسفر ( وإمكان الركوب ، وتخلية السرب ) بفتح السين المهملة وإسكان الراء أي : الطريق ، وسعة الوقت.

مع أن في المنتهى إجماعنا عليه (١) ، بل عن المعتبر : إنّ عليه إجماع العلماء (٢).

ويدلُّ عليه وعلى أكثر الشروط المتقدمة بل كلّها عدم صدق الاستطاعة في العرف بدونها غالباً.

ونحو الصحيح : « من مات ولم يحجّ حجة الإسلام لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهودياً أو نصرانياً » (٣).

وهل يعتبر الاستطاعة من البلد ، كما عن شيخنا الشهيد الثاني (٤) ، أو يكفي حصولها في أيّ موضع اتّفق ولو قبل التلبس بالإحرام ، كما هو خيرة جماعة (٥)؟ قولان :

ظاهر إطلاق الأدلة ، بل عمومها : الثاني.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٥٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٥٤.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٨ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٣ / ١٣٣٣ ، التهذيب ٥ : ١٧ / ٤٩ ، المقنعة : ٣٨٦ ، المحاسن : ٨٨ / ٣١ ، عقاب الأعمال : ٢٨١ / ٢ ، الوسائل ١١ : ٢٩ أبواب وجوب الحج ب ٧ ح ١.

(٤) كما في المسالك ١ : ١٠٢.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٤١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٥٩ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٨٧.

١٦

ونحوها الصحيح : في الرجل يمرّ مجتازاً يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة ، فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج ، فيخرج معهم إلى المشاهد ، أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال : « نعم » (١).

وحيث قد ثبت هذه الشروط ( و ) أعلم أنّها ( لا يجب على الصبي ) مطلقاً ( ولا على المجنون. )

( ويصح الإحرام من الصبي المميّز ) بإذن الولي بإجماعنا ، كما عن ظاهر الخلاف (٢) ، بل قيل (٣) : بالإجماع والصحاح (٤) ، وفي ظاهر المنتهى والتذكرة ، كما في المدارك والذخيرة (٥) أنه لا خلاف فيه بين العلماء. مع أنه قد حكي عن أبي حنيفة أنّه قد أبطله (٦).

وفي اشتراط إذن الولي وجهان ، أوجههما نعم ، كما عليه الأكثر كالفاضلين والشهيدين ومن تأخّر عنهما (٧) ، تبعاً للمحكي عن ظاهر المبسوط والخلاف (٨).

لا لما ذكروه من تضمّنه غرامة مال ، ولا يجوز له التصرف في ماله بدون إذن الولي ؛ فإنّه لا يخلو عن نظر ، بل ورود المنع عليه ظاهر ، كما‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٧٥ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٦٤ / ١٢٨٣ ، الوسائل ١١ : ٥٨ أبواب وجوب الحج ب ٢٢ ح ٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٧٨.

(٣) المفاتيح ١ : ٢٩٦.

(٤) انظر الوسائل ١١ : ٢٨٦ أبواب أقسام الحج ب ١٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٤٨ ، التذكرة ١ : ٢٩٧ ، المدارك ٧ : ٢٣ ، الذخيرة : ٥٥٨.

(٦) حكاه عنه في بداية المجتهد ١ : ٣١٩.

(٧) المحقق في المعتبر ٢ : ٧٤٧ ، العلامة في التحرير ١ : ٩٠ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ٣٠٦ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٦٣ ؛ وانظر الذخيرة : ٥٥٨ ، وكشف اللثام ١ : ٢٧٦.

(٨) المبسوط ١ : ٣٢٨ ، الخلاف ٢ : ٤٣٢.

١٧

صرّح به بعض من تأخّر (١).

بل للاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن من مورد الفتوى والنص ، وهو الصبي المأذون ؛ وذلك لأنّ الإحرام عبادة متلقّاة من الشرع ، يجب الاقتصار فيها على النص ، وليس إلاّ من مرّ.

مضافاً إلى أنّ الصحة هنا بمعنى ترتب الكفارات عليه أو على الولي ، والهدي أو بدله ، ولم يجز له التصرف بشي‌ء من ذلك في المال ، إلاّ بإذن الولي ، أو لورود نصّ من الشرع بذلك جليّ ، وليس ، كما مرّ.

ولعلّ هذا مراد القوم مما مرّ من الدليل ، وإن قصرت عبارتهم عن التعبير ، وإلاّ فلو ورد النص الجليّ بلزوم الكفارات عليه في ماله بإحرامه ولو من غير إذن الولي كيف يمكنهم المنع عنه بمثل ذلك الدليل؟! وبالجملة : فالظاهر أنّ مقصودهم وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد الدليل ، وليس فيه كما عرفت تعميم.

( و ) كذا يصح الإحرام ( بالصبي غير المميز ) بأن يجعله الولي مُحرماً ويأتي بالمناسك عنه ، قيل : بلا خلاف (٢) ؛ للصحاح (٣).

قالوا : ( وكذا يصح ) الإحرام ( بالمجنون ) قيل : لأنّه ليس أخفض منه (٤). وهو قياس مع الفارق.

( ولو حُجّ بهما لم يجزئهما عن الفرض ) بل يجب عليهما مع الكمال وتحقق باقي الشروط الاستئناف ، بلا خلاف ، بل في ظاهر المنتهى‌

__________________

(١) المدارك ٧ : ٢٣.

(٢) أشار إليه في الحدائق ١٤ : ٦٤ ، وانظر المفاتيح ١ : ٢٩٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٨٦ أبواب أقسام الحج ب ١٧.

(٤) قال به العلامة في المنتهى ٢ : ٦٤٩ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٩٦.

١٨

وصريح غيره (١) الإجماع ؛ للأصل ، والنصوص :

منها ، الموثق كالصحيح : عن ابن عشر سنين يحجّ ، قال : « عليه حجة الإسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية إذا طمثت » (٢) ونحوه الخبر (٣).

ويستفاد منهما استحباب الحجّ بالصبية أو حجها كالصبي ، وبه قطع بعض الأصحاب ، فقال : ولا ريب أنّ الصبية في معناه ، مع أنّه اعترف بأنّ ما وقفت عليه في هذه المسألة وأشار بها إلى المسألة السابقة مختص بالصبي (٤).

ولعلّه غفل عن هذه الروايات ، مع أنّه قُبَيل ذلك رواها في هذه المسألة ، أو أراد اختصاص الروايات بالحجّ بالصبي لا حجّه ، وليس في هذه الروايات إشعار بأحد الأمرين ، بل ظاهرها الثاني.

( ويصح الحجّ من العبد ) بل المملوك مطلقاً ( مع إذن المولى ) وإن لم يجب عليه لما مضى ( لكن لا يجزئه عن الفرض ) يعني حجّة الإسلام بعد انعتاقه واستكماله الشرائط ، بل يجب عليه إعادتها.

( إلاّ أن يدرك أحد الموقفين معتقاً ) فيجزئه عنها.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك بيننا أجده ، بل على جميعه الإجماع في عبائر جماعة ، كالخلاف والمنتهى وغيرهما (٥) ، بل على الصحّة وعدم‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٤٩ ؛ المفاتيح ١ : ٢٩٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٦٦ / ١٢٩٦ ، الوسائل ١١ : ٤٤ أبواب وجوب الحج ب ١٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٧٦ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦ / ١٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤٦ / ٤٧٦ ، الوسائل ١١ : ٤٥ أبواب وجوب الحج ب ١٢ ح ٢.

(٤) المدارك ٧ : ٢٦.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٧٩ ، المنتهى ٢ : ٦٥٠ ؛ وانظر مجمع الفائدة ٦ : ٥١ ، والمدارك ٧ : ٣٠ ، وكشف اللثام ١ : ٢٨٧ ٢٨٨.

١٩

الاجزاء قبل إدراك الموقفين معتقاً إجماع العلماء في المنتهى.

كلّ ذلك للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح : « المملوك إن حجّ وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل [ أن يعتق ] فإن أعتق فعليه الحجّ » (١).

وفيه : مملوك أُعتق يوم عرفة ، قال : « إذا أدرك أحد الوقوفين فقد أدرك الحجّ » (٢).

وأمّا الموثق أو الصحيح : « أيّما عبد حجّ به مواليه فقد قضى حجّة الإسلام » (٣) فمحمول على ما إذا أدرك الموقف ، أو على أنّ المراد إدراك ثواب حجّة الإسلام ما دام مملوكاً ، كما ربّما يستأنس له بملاحظة الصحيح السابق وغيره ، وفيه : « الصبي إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يكبر ، والعبد إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق » (٤).

وهل يشترط في الإجزاء حيث ثبت تقّدم الاستطاعة وبقاؤها؟

قال الشهيدان نعم (٥) ، ولكن استشكله ثانيهما إن أحلنا ملكه.

ولذا اعترض الأول جماعة بناءً على إحالة ملكه (٦). وهو حسن لو انحصرت الاستطاعة في ملكية المال من الزاد والراحلة ، حيث إنّه‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٦٤ / ١٢٨٧ ، الوسائل ١١ : ٤٩ أبواب وجوب الحجّ ب ١٦ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدرين.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٦٥ / ١٢٩٠ ، التهذيب ٥ : ٥ / ١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٨ / ٤٨٥ ، الوسائل ١١ : ٥٢ أبواب وجوب الحج ب ١٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٥ / ١١ ، الإستبصار ٢ : ١٤٧ / ٤٨٣ ، الوسائل ١١ : ٥٠ أبواب وجوب الحج ب ١٦ ح ٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٦٧ / ١٢٩٨ ، الوسائل ١١ : ٤٩ أبواب وجوب الحج ب ١٦ ح ٢.

(٥) الشهيد الأول في الدروس ١ : ٣٠٩ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٦٥.

(٦) منهم : صاحب المدارك ٧ : ٣١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٥٨.

٢٠