رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

الموجب لإخراجه من أصل التركة ، إمّا مطلقاً كما في ظاهر إطلاق العبارة ، والمحكيّ في شرح الكتاب للسيد عن أكثر الجماعة ، أو بشرط تمكّن الناذر من فعل المنذور في حياته كما صرّح به جدّه في المسالك (١) ، والحال أنّ ما في الرواية عدم حصول الشرط الذي هو الإدراك إلاّ بعد الوفاة ، ومعه لم يشتغل ذمّة الناذر بالمنذور جدّاً ، فلا وجه لإخراجه من تركته أصلاً ، لأنّه فرع تعلّقه بذمّته حال حياته ليصير ديناً عليه يجب إخراجه منها أوّلاً.

اللهم إلاّ أن يكون تعبّداً محضاً ، لكنّه فرع وجود القائل به ، وليس ، لاتّفاق الفتاوي بتصوير المسألة بنحو ما قدّمناه ، ولذا استدلّ عليها بما أسلفناه أوّلاً. ومع ذلك فيه إشكالات أُخر ، ولكن يسهل الذبّ عنها بنوع من التوجيهات.

فإذاً الدليل على الحكم إنّما هو ما قدّمناه ، مضافاً إلى عدم الخلاف فيه الظاهر والمصرّح به ، لكن مقتضاه بمعونة القاعدة الأُصوليّة اختصاص الحكم بصورة تمكّن الناذر من المنذور في حال الحياة كما في المسالك ، لا مطلقاً كما عن أكثر الأصحاب (٢).

ولو مات الولد قبل أن يفعل الوالد أحد الأمرين بقي الحجّ عنه ، سواء كان قبل تمكّنه من الحج بنفسه أم لا ؛ لأنّ النذر لم ينحصر في حجّه حتى يعتبر تمكنه في وجوبه.

نعم ، لو كان موته قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط ، كما عن الدروس (٣) ؛ لفوات متعلّق النذر قبل التمكّن منه ، لأنّه أحد الأمرين‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٠٨.

(٢) نهاية المرام ٢ : ٣٦٣.

(٣) الدروس ١ : ٣١٨.

٢٤١

والباقي منهما غير أحدهما الكلّي.

والعدم ؛ لأنّ الحجّ عنه متعلّق النذر أيضاً ، وهو ممكن. واشتراط القدرة على جميع الأفراد المخيّر بينها في وجوب أحدها ممنوع ، وإن هو حينئذٍ إلاّ كما لو نذر الصدقة بدرهم من دراهمه ، فإنّ متعلّقه أمر كلّي ، وهو مخيّر في الصدقة بأيّها شاء ، ولو فرض ذهابها إلاّ درهماً واحداً وجب الصدقة به. ولعلّه أحوط بل وأجود وفاقاً للمسالك (١).

( السادسة : من جعل دابّته ) أو عبده ( أو جاريته هدياً لبيت الله تعالى ) فإن قصد مصرفاً معيّناً تعيّن ، وإن أطلق ( بيع ذلك وصرف ثمنه في معونة الحاجّ والزائرين ) للمعتبرة.

منها : الصحيح المرويّ كذلك في التهذيب في باب الزيادات من كتاب الحج : عن رجل جعل ثمن جاريته هدياً للكعبة ، كيف يصنع؟ قال : « إنّ أبى أتاه رجل قد جعل جاريته هدياً للكعبة ، فقال له : مر منادياً يقوم على الحجر فينادي : ألا من قصرت به نفقته ، أو قطع به ، أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان. فأمره أن يعطي أوّلاً فأوّلاً حتى يتصدّق بثمن الجارية » (٢).

والخبران في أحدهما : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام فقال : إنّي أهديت جارية [ إلى الكعبة ] فأعطيت بها خمسمائة دينار ، فما ترى؟ قال : « بعها ثمّ خذ ثمنها ، ثمّ قم على حائط الحجر ثمّ ناد وأعط كلّ منقطع به ، وكلّ محتاج من الحاجّ » (٣).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٠٨.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٢ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٨٣ / ١٧١٩ ، الوسائل ١٣ : ٢٥٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٢٢ ح ٧ باختلاف يسير.

(٣) الكافي ٤ : ٢٤٢ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ٢٥٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٢٢ ح ٨.

٢٤٢

وفي الثاني : إنّ قوماً قد أقبلوا من مصر ، فمات رجل منهم ، فأوصى بألف درهم للكعبة ، فسأل أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام عن ذلك ، فقال له : « إنّ الكعبة غنيّة عن هذا ، انظر إلى من أمّ هذا البيت فقطع به ، أو ذهبت نفقته ، أو ضلّت راحلته ، أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سمّيت لك » (١).

وقصورهما بالجهالة مجبور بأنّ في سنديهما من أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة ، وهو أبان في الأوّل ، وحمّاد بن عيسى في الثاني.

مع أنّهما معتضدان كالصحيحة بالشهرة العظيمة التي لا يوجد لها مخالف ، بل الظاهر من الماتن في الشرائع وغيره الإجماع عليه (٢) لكن في الثلاثة المذكورة دون غيرها من نحو الأمتعة والأقمشة ، حيث جعله خاصّة مورداً للخلاف في صحّة نذر إهداء غير النعم وفساده.

إلاّ أنّ الظاهر من بعض المتأخّرين عدم الفرق بينه وبين الثلاثة في تحقّق الخلاف المزبور فيهما حيث قال : ولو نذر إهداء غير النعم قيل : صرف ثمنه في معونة الحاجّ أو الزائرين كما في الصحيح الوارد في إهداء الجارية. وفيه قول بالبطلان ؛ لما ورد فيمن قال أنا اهدي هذا الطعام : « أنّه ليس بشي‌ء إنّما تُهدى البدن » (٣) وفي الصحيح : « ليس بشي‌ء إنّ الطعام‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤١ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢١٢ / ٨٤١ ، الوسائل ١٣ : ٢٤٩ أبواب مقدمات الطواف ب ٢٢ ح ٦.

(٢) الشرائع ٣ : ١٩١ ؛ وانظر القواعد ٢ : ١٤٣.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥٥ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٣٠٣ / ١١٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٩٤ أبواب النذر والعهد ب ١ ح ٣.

٢٤٣

لا يُهدى » (١) انتهى (٢).

وهو كما ترى ظاهر في عدم الفرق الذي ذكرنا.

فكيف كان ، فالقول بالبطلان في الثلاثة على تقدير وجوده فيها ضعيف غايته ؛ لصراحة النصوص المتقدّمة في صحّتها مع سلامتها عن المعارض ، عدا مفهوم الحصر في اولى الروايتين الأخيرتين. وهو مع مخالفته الإجماع كما صرّح به في المسالك (٣) مردود بضعف الرواية الدالّة عليه سنداً ومكافاةً لما مضى من النصوص من وجوه شتّى.

واختصاص الخبرين الأوّلين منها بالجارية غير ضائر بعد ثبوت التعدّي إلى أخويها من الإجماع في المسالك ، والرواية الثالثة المتضمّنة للعلّة العامّة ، الموجبة لتلك التعدية وتعدية أُخرى هي : إلحاق المشاهد المشرّفة والضرائح المقدّسة ببيت الله سبحانه في حكم المسألة.

ونسب التعديتين في التنقيح إلى الأصحاب (٤) ، مشعراً بدعوى الإجماع عليهما ، ومع ذلك لم يخصّ التعدية الاولى بإلحاق الجارية خاصّة بها ، بل عمّم التعدية إلى غيرها بحيث يشمل ما عداهما ممّا جعله الماتن في الشرائع محلّ الخلاف (٥). وتعميمها كذلك غير بعيد لولا الصحيحة الأخيرة ؛ لما مرّ من الرواية المعتبرة المعلّلة ، مع تصريحها بصحّة النذر بإهداء الدراهم التي ليست من الثلاثة. مع أنّه أحوط في الجملة.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٤١ / ١٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣١ / ١٠٩٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٠١ أبواب النذر والعهد ب ٤ ح ١.

(٢) انظر إيضاح الفوائد ٤ : ٧٣ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٣٨.

(٣) المسالك ٢ : ٢١٣.

(٤) التنقيح الرائع ٣ : ٥٢٧.

(٥) الشرائع ٣ : ١٩١.

٢٤٤

( السابعة : روى إسحاق بن عمّار ) في الموثّق به عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ( في رجل كانت عليه حجّة الإسلام ، فأراد أن يحجّ ، فقيل له : تزوّج ثم حجّ ، فقال : إن تزوّجت قبل أن أحجّ فغلامي حرّ ، فبدأ بالنكاح ) قبل أن يحجّ ، ( فقال عليه‌السلام : « تحرّر الغلام » ) فقلت له : لم يرد بعتقه وجه الله تعالى ، فقال : « إنّه نذر في طاعة الله تعالى ، والحجّ أحقّ من التزويج وأوجب عليه منه » قلت : إنّ الحجّ تطوّع ، قال : « إن كان تطوّعاً فهو طاعة لله عز وجل ، قد أعتق غلامه » (١).

وأفتى بمضمونها في النهاية كما في التنقيح (٢).

( وفيه إشكال ) لا من حيث السند كما قيل (٣) ؛ لكونه من الموثّق ، مع تضمّنه صفوان المجمع على تصحيح رواياته. بل من حيث المتن ؛ لتضمّنه أوّلاً : الحكم بلزوم العتق ، مع أنّ اللفظ لا يقتضي الالتزام به ، لخلوّه عن صيغة النذر والعهد واليمين.

وثانياً : أنّ المملوك إنّما يتحرّر بصيغة العتق ، فإذا نذر صيرورته حرّا فقد نذر أمراً ممتنعاً ، فحقّه أن يقع باطلاً.

اللهم ( إلاّ ) أن يذبّ عن الأوّل بأنّ المراد بذلك اللفظ الإخبار عن الصيغة المقتضية للالتزام ، يشهد له قوله عليه‌السلام : إنّه نذر في طاعة الله تعالى ، لا أنّ هذا اللفظ هو الملزم.

وعن الثاني بـ ( أن يكون ) المراد أنّه جعل العتق فيما بعد ( نذراً )

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥٥ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٣٠٤ / ١١٣٢ ، الإستبصار ٤ : ٤٨ / ١٦٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٠٥ أبواب النذر والعهد ب ٧ ح ١.

(٢) النهاية : ٥٦٤ ، التنقيح الرائع ٣ : ٥٢٨.

(٣) نهاية المرام ٢ : ٣٦٦.

٢٤٥

يعني نذر أنه يعتقه إن تزوّج. فإنّه حينئذٍ يصحّ النذر ويجب العتق وحصل التحرير به. ولعلّ المراد بقوله : فغلامي حرّ ، أنّه حيث صار منذور العتق فكأنه قد صار حرّا ؛ لأنّ مآله الحريّة. كذا بيّن وجه الإشكال مع الجواب.

وظنّي دلالة الرواية على لزوم العتق المعلّق على الشرط ، وقد مرّ في بحثه أنّه مذهب العامّة (١) ، فيمكن حملها على التقيّة ، سيّما مع كون الرواية عن مولانا الكاظم عليه‌السلام ، وقد كانت التقيّة في زمانه في غاية الشدّة ، وربما يعضده سياق الرواية ، فتدبّره تجده.

الثامنة : ( روى رفاعة ) في الصحيح ( عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل نذر الحجّ ولم يكن له مال ، فحجّ عن غيره ، أيجزي عن نذره؟ فقال : « نعم » ) (٢).

وقد أفتى بها أيضاً في النهاية (٣).

( وفيه ) أيضاً ( إشكال ) من حيث إنّ نذر الحجّ مطلقاً يوجب استقراره في ذمّة الناذر ، فيفتقر إيقاعه إلى نيّة وقصد ، لما تقرّر في افتقار كلّ عبادة إلى ذلك ، وحجّه عن غيره ليس فيه قصد الحجّ عن نفسه بذلك الوجه الذي في ذمّته ، فلا يقع مجزياً ، كما ذهب إليه القاضي (٤) والأكثر.

وهو الأظهر ؛ عملاً بالقاعدة المعتمد عليها المعتضدة بعملهم ، فلا تعارضها الرواية وإن كانت صحيحةً ، فلتطرح أو تؤوّل بما يؤول إليها ، بأن تحمل إمّا على صورة العجز عن المنذور واستمراره كما في‌

__________________

(١) راجع ص ١٤.

(٢) التهذيب ٨ : ٣١٥ / ١١٧٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٢٣ أبواب النذر والعهد ب ٢١ ح ١.

(٣) النهاية : ٥٦٧.

(٤) المهذب ٢ : ٤١٢.

٢٤٦

المختلف (١) ، أو على ما أشار إليه الماتن بقوله : ( إلاّ أن يقصد ذلك بالنذر ) أي يقصد في نذره الحجّ المطلق الشامل لحجّه عن نفسه وغيره ، فإنّ ذلك لا يوجب تعيّن الحجّ في ذمّته عن نفسه بل أعمّ من الأمرين. وحينئذٍ فلو حجّ عن غيره فقد أتى بالمنذور على وجهه ؛ لأنّه أحد الأمرين الواجبين على التخيير بمقتضى نذره.

التاسعة : ( قيل ) والقائل الشيخ في النهاية (٢) وتبعه القاضي (٣) : إنّه ( من نذر ألاّ يبيع خادماً ) له ( أبداً لزمه الوفاء به وإن احتاج إلى ثمنه ) حاجةً ضروريةً ( وهو استناد إلى رواية ) بل روايتين ، مضى الكلام عليهما في بحث اشتراط كون المنذور طاعةً مستقصًى (٤).

ووصف الماتن لها بكونها ( مرسلةً ) غير واضح كما صرّح به جماعة (٥) ؛ لأنّها مسندة ضعيفة لا مرسلة. اللهم إلاّ أن يريد بالإرسال الإضمار فيصحّ ما قاله ؛ لأنّ إحداهما وإن كانت عن أبي الحسن عليه‌السلام مرويّة ، إلاّ أنّ الأُخرى في باب أقسام الأيام من الإستبصار مضمرة مروية ، وإطلاق الإرسال على الإضمار شائع ، فلا اعتراض على الماتن.

( العاشرة :) اختلف الأصحاب في أنّ ( العهد ) هل هو ( كاليمين يلزم حيث تلزم ) فينعقد على المباح المتساوي الطرفين وما لم يعلّق على شرط ، أم كالنذر فلا يلزم إلاّ على الطاعة والمعلّق على شرط؟ الأصحّ‌

__________________

(١) المختلف : ٦٦٣.

(٢) النهاية : ٥٦٧.

(٣) انظر المهذب ٢ : ٤١٢.

(٤) راجع ص ٢٠٣.

(٥) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٥٣٠ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٣٣٨ ، وابن فهد في المهذب البارع ٤ : ١٤٦.

٢٤٧

الأوّل ، وفاقاً للماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في الإرشاد ، وشيخنا في المسالك (١) ؛ عملاً بالعمومات الدالّة على لزوم الوفاء به من الآيات. وتقييدها بما إذا كان متعلّقه طاعةً ومشروطاً يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة ، كما سيأتي إليه الإشارة.

خلافاً للشيخ في النهاية ، والشهيد في الدروس واللمعة وتبعه في الروضة (٢) ، فالثاني.

وحجّتهم عليه غير واضحة ، عدا أصالة براءة الذمّة فيما عدا المتّفق عليه ، ومفهوم الرواية : « من جعل عليه عهد الله سبحانه وميثاقه في أمر [ لله ] طاعة ، فحنث ، فعليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً » (٣).

والأولى مخصّصة بما مرّ من عموم الأدلّة. والرواية ضعيفة لتخصيصها غير صالحة ، ومع ذلك بمثلها معارضة وفيه : عن رجل عاهد الله تعالى في غير معصية ، ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال : « يعتق رقبة ، أو يتصدّق بصدقة ، أو يصوم شهرين متتابعين » (٤).

فعلّق الكفارة على العهد في غير معصية الشامل للمباح والمكروه وما هو خلاف الأولى من المباح ، إلاّ أنّ الأخيرين خارجان بالإجماع كما في المسالك (٥) ، فيبقى الأوّل.

__________________

(١) الشرائع ٣ : ١٩٣ ، الإرشاد ٢ : ٩٦ ، المسالك ٢ : ٢١٦.

(٢) النهاية : ٥٦٣ ، الدروس ٢ : ١٥٧ ، اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٤٨.

(٣) التهذيب ٨ : ٣١٥ / ١١٧٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٤ / ١٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٥ أبواب الكفارات ب ٢٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٨ : ٣٠٩ / ١١٤٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٥ / ١٨٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٥ أبواب الكفارات ب ٢٤ ح ١.

(٥) المسالك ٢ : ٢١٦.

٢٤٨

نعم ، ربما أيّد ما ذكروه بعض النصوص الواردة في العهد على ترك المتعة (١) ، الظاهرة في ترادفه مع النذر ، وكون كفّارته كفّارة النذر على الأشهر الأظهر. لكنّهما غير صالحين لتخصيص العموم ، سيّما مع قصور سند الأوّل.

وتظهر ثمرة الخلاف فيما مرّ ، وفي توقّفه على إذن من يعتبر إذنه على القول الأوّل دون الثاني إن قلنا بعدم توقّف النذر على إذنهم ، وإلاّ فلا ثمرة هنا ، كما لا ثمرة فيما مرّ من المقامين أيضاً إن قلنا بانعقاد النذر في المباح المتساوي الطرفين ، والمتبرّع به الغير المعلّق على شرط كما هو الأظهر. ولكن الأوّلان خلافه ، فيتحقّق فيهما الثمرة.

( ولو تعلّق ) العهد ( بما الأعود ) الأنفع ( له مخالفته ديناً أو دنيا خالف ) ذلك ( إن شاء ) ولا كفّارة عليه ، بلا خلاف ظاهر ؛ ووجهه واضح ، لثبوت الحكم في اليمين والنذر إجماعاً فتوًى ونصّاً ، وهو لا يخلو عن أحدهما إجماعاً ، فليكن الحكم فيه أيضاً ثابتاً. والحمد لله تعالى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٥٠ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٥١ / ١٠٨٣ ، الإستبصار ٣ : ١٤٢ / ٥١٠ ، الوسائل ٢١ : ١٦ أبواب المتعة ب ٣ ح ١.

٢٤٩
٢٥٠

( كتاب الصيد والذبائح )

والكلام فيه يقع في مقامين :

الأول : في الصيد.

اعلم أنّ له في الشرع معنيين : أحدهما : إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة. والثاني : إزهاق روحه بالآلة المعتبرة فيه من غير تذكية ، وكلاهما مباح بالكتاب والسنّة وإجماع الأُمّة ، كما حكاه جماعة (١).

قال الله سبحانه ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (٢) وقال الله تعالى ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) (٣) وقال عزّ من قائل ( وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ ) (٤).

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥٢.

(٢) المائدة : ٩٦.

(٣) المائدة : ٢‌

(٤) المائدة : ٤.

٢٥١

وأمّا السنّة فمتواترة يأتي إليه الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

وآلة الإزهاق إمّا جماد أو حيوان.

أمّا الأوّل : فلا‌ ( يؤكل من الصيد ) المقتول به إلاّ ( ما قتله السيف والرمح والسهم ) ونحوهما مما اشتمل على نصل ، بلا خلاف في المستثنى منه ؛ هو الحجّة ، مضافاً إلى أصالة الحرمة المستفادة من الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، الدالّة عليها في الصيد الذي لا يعلم زهاق روحه بالآلة المعتبرة وإن كانت له جارحة.

منها : الصحيحان : عن الرميّة يجدها صاحبها ، أيأكلها؟ قال : « إن كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل » (١).

ونحوهما الموثّق بزيادة : « وإلاّ فلا يأكل منه » (٢).

وفي الصحيح : صيد وجد فيه سهم ، وهو ميّت لا يدري من قتله ، قال : « لا تطعمه » (٣).

وخصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الناهية عن أكل ما قتله الحجر والبندق (٤).

وعلى الأظهر الأشهر في المستثنى ، بل عليه عامّة أصحابنا إلاّ ما‌

__________________

(١) الأوّل في : الكافي ٦ : ٢١٠ / ٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٥ أبواب الصيد ب ١٨ ح ١. الثاني في : الكافي ٦ : ٢١٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٠٢ / ٩١٧ ، التهذيب ٩ : ٣٤ / ١٣٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٥ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٠ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٤ / ١٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٦ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢١١ / ٨ ، الفقيه ٣ : ٢٠ / ٩٢٩ ، التهذيب ٩ : ٣٥ / ١٤١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٨ أبواب الصيد ب ١٩ ح ١.

(٤) انظر الوسائل ٢٣ : ٣٧٣ أبواب الصيد ب ٢٣.

٢٥٢

يحكى في المختلف والتنقيح والدروس عن الديلمي (١) من جعله في حكم ما قتلته الثلاثة وما في حكمها ، حكم ما قتله الفهد والصقر في الاحتياج إلى التذكية ، ونسبه المشهور إلى الرواية.

وفي صحّة الحكاية مناقشة : فإنّ عبارته المحكية في المختلف (٢) وإن أوهمتها إلاّ أنّها كالصريحة في الموافقة للأصحاب من الإباحة بدون التذكية لكن مع الكراهة ، ولذا إنّ جملة من الأصحاب نفوا الخلاف في المسألة (٣) ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه (٤) ؛ وهو الحجة المخصّصة لأصالة الحرمة ، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

منها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة الصحاح ، في أحدها : « كُلْ من الصيد ما قتله السيف والسهم والرمح » (٥).

وفي الثاني : عن الصيد يرميه الرجل بسهم ، فيصيبه معترضاً ، فيقتله وقد كان سمّى حين رمى ولم تصبه الحديدة؟ فقال : « إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله ، فإن أراد فليأكله » (٦).

وفي الثالث : عن الصيد يصيبه السهم معترضاً ، ولم يصبه بحديدة ، وقد سمّى حين رمى ، قال : « يأكله إذا أصابه وهو يراه » (٧).

__________________

(١) المختلف : ٦٧٥ ، التنقيح الرائع ٤ : ٤ ، الدروس ٢ : ٣٩٧.

(٢) المختلف : ٦٧٦.

(٣) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٥.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١٨ والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥٢.

(٥) الكافي ٦ : ٢٠٩ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٤ / ١٣٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٢ أبواب الصيد ب ١٦ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٢١٢ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٠٣ / ٩٢١ ، التهذيب ٩ : ٣٣ / ١٣٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧١ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٢.

(٧) الكافي ٦ : ٢١٣ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٦ / ١٤٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧١ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ٣.

٢٥٣

ويستفاد منهما حلّ المقتول بالآلة مطلقاً سواء جرحته أم لا ، وبه صرّح جماعة من أصحابنا (١) ، بل عليه في ظاهر المسالك إجماعنا (٢) ؛ وهو حجّة أُخرى مؤيّدة كالسابقة بإطلاقات الفتاوى وكثير من النصوص المتقدّمة. وإنّما لم تكن حجّة ثالثةً مع كون الإطلاق حجّة لعدم انصرافه إلى مفروض المسألة.

( و ) يحلّ عند الأصحاب ما قتله ( المعراض إذا خرق ) ولو يسيراً فمات به ، دون ما إذا لم يخرق ؛ للنصوص.

منها الصحيح : « إذا رميت بالمعراض فخرق فكل ، وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل » (٣).

وفي النبوي في المعراض : « إن قتل بحدّه فكل ، وإن قتل بثقله فلا تأكل » (٤).

وفي عدّة من المعتبرة وفيها الصحيح وغيره : « إنّ المعراض إذا كان مرماة ، أو لم يكن له نبل غيره فلا بأس بأكل ما صيد به » (٥).

لكنها شاذّة ، كالمرسل المرويّ في الفقيه : في رجل كان له نبال ليس فيها حديد ، وهي عيدان كلّها ، فيرمي بالعود ، فيصيب وسط الطير معترضاً ، فيقتله ويذكر اسم الله تعالى ، وإن لم يخرج دم ، وهي نبالة معلومة ، فيأكل‌

__________________

(١) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ١٥٠ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥٢.

(٢) المسالك ٢ : ٢١٨.

(٣) الكافي ٦ : ٢١٢ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٥ / ١٤٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٠ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ١.

(٤) سنن أبي داود ٣ : ١١٠ / ٢٨٥٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٧٢ / ٣٢١٤ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) انظر الوسائل ٢٣ : ٣٧٠ أبواب الصيد ب ٢٢.

٢٥٤

منه إذا ذكر اسم الله عزّ وجلّ (١).

مضافاً إلى إرساله وقصور متنه.

والمعراض كمحراب : سهم بلا ريش ، دقيق الطرفين ، غليظ الوسط ، يصيب بعرضه دون حدّه.

( ولو أصاب السهم معترضاً ) وقتل الصيد ( حلّ إن كان فيه حديدة ) وإن لم يكن القتل بها ؛ لما مضى.

( ولو خلا منها لم يؤكل إلاّ أن يكون حادّاً فخرق ) وقتل ، فيؤكل حينئذٍ كالمقتول بالمعراض ، بلا خلاف.

وأمّا الثاني : فلا يحلّ بكلّ ما صيد به ، بل على التفصيل المشار إليه بقوله :

( وكذا ) يؤكل من الصيد ( ما يقتله الكلب المعلّم ) خاصّة ( دون غيره من ) الكلاب ( الجوارح ) الغير المعلّمة ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وبالإجماع عليه صرّح جماعة (٢) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الكتاب والسنّة المستفيضة بل المتواترة.

ففي الصحيح « ما قتلت من الجوارح مكلّبين ، وذكر اسم الله عليه فكلوا من صيدهنّ ، وما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه » (٣).

وسيأتي إلى جملة منها زيادة على ذلك الإشارة.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٠٤ / ٩٢٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٣ أبواب الصيد ب ٢٢ ح ١٠.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٠٣ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٢٣ / ٩٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٦ أبواب الصيد ب ٧ ح ١.

٢٥٥

وإطلاقهما بل عمومهما كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة (١) ، يقتضي عدم الفرق في الكلب بين السلوقي منه وغيره حتّى الأسود ، وبه صرّح جماعة (٢). خلافاً للإسكافي فخصّه بما عدا الأسود (٣) تبعاً لبعض الشافعية وأحمد (٤) ؛ للخبر : « الكلب الأسود البهيم لا يؤكل صيده ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقتله » (٥).

وهو شاذّ ، ومستنده ضعيف سنداً ومقاومةً لما مضى من وجوه شتّى ، مع احتماله التقية ، سيّما مع كون الراوي السكوني الذي هو من قضاة العامّة. والعجب عن المختلف في جوابه عن الخبر بأنّه لم يثبت عندنا (٦) ، مع أنّه مروي عن طرقنا أيضاً.

( ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم ، ولا ما قتله العقاب وغيره من جوارح الطير ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي الانتصار والغنية والسرائر الإجماع عليه من الإمامية (٧) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أصالة الحرمة المؤسّسة بما قدّمناه من الأدلّة مع اختصاص أدلّة الإباحة من الكتاب والسنّة بالكلاب خاصّة ، مع دلالة الأوّل بمفهوم القيد المعتبر على نفيها عمّا عدا محلّ القيد ، فيكون من أدلّة الحرمة كالأصل.

__________________

(١) انظر الجامع للشرائع : ٣٨١ ، والدروس ٢ : ٣٩٣ ، والمفاتيح ٢ : ٢٠٦.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١٨ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٥ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٠٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥٢.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٦٧٥.

(٤) كما في شرح النووي ( هامش إرشاد الساري ٨ ) : ١٣٤.

(٥) الكافي ٦ : ٢٠٦ / ٢٠ ، التهذيب ٩ : ٨٠ / ٣٤٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٦ أبواب الصيد ب ١٠ ح ٢.

(٦) المختلف : ٦٧٥.

(٧) الانتصار : ١٨٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧ ، السرائر ٣ : ٨٢.

٢٥٦

ونحوهما الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح : قلت : فالفهد؟ قال : « إن أدركت ذكاته فكل » قلت : أليس الفهد بمنزلة الكلب؟ فقال : « ليس شي‌ء مكلّب إلاّ الكلب » (١).

وفيه : ما تقول في البازي والصقر والعقاب؟ فقال : « إن أدركت ذكاته فكل منه ، وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل » (٢).

وفيه : « أمّا ما قتله الطير فلا تأكله إلاّ أن تذكّيه ، وأمّا ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم الله تعالى عليه فكل وإن أكل منه » (٣).

وفي الحسن : عن صيد البزاة والصقور والكلب والفهد ، فقال : « لا تأكل صيد شي‌ء من هذه إلاّ ما ذكيتموه ، إلاّ الكلب المكلّب » الخبر (٤).

خلافاً للعماني (٥) ، حيث أحلّ صيد ما أشبه الكلب من الفهد والنمر وغيرهما ؛ لعموم الآية ، وللصحاح : « الكلب والفهد سواء » (٦).

وخصّها الشيخ بموردها تارةً أعني الفهد محتجّاً بأنّه يسمّى كلباً لغةً ، وحملها على التقيّة أُخرى ، وعلى الضرورة ثالثة (٧).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٣ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٦ / ١٠٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٣ أبواب الصيد ب ٦ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٠٨ / ٧ ، التهذيب ٩ : ٣٢ / ١٢٨ ، الإستبصار ٤ : ٧٢ / ٢٦٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٢ أبواب الصيد ب ٩ ح ١١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٠٥ / ١٥ ، التهذيب ٩ : ٢٥ / ٩٩ ، الإستبصار ٤ : ٦٨ / ٢٤٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٩ أبواب الصيد ب ٩ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٢٠٤ / ٩ ، التهذيب ٩ : ٢٤ / ٩٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٨ أبواب الصيد ب ٩ ح ١.

(٥) حكاه عنه في التنقيح الرائع ٤ : ٥.

(٦) انظر الوسائل ٢٣ : ٣٤٣ أبواب الصيد ب ٦.

(٧) التهذيب ٩ : ٢٨ ، ٢٩.

٢٥٧

وخيرها أوسطها ؛ لما مضى من الصحيح المتضمّن بعد السؤال عن الفهد : أليس بمنزلة الكلب لقوله عليه‌السلام : « ليس شي‌ء مكلّب الاّ الكلب ».

وبه يظهر الجواب عن عموم الآية ، مضافاً إلى ما مرّ إليه الإشارة ، وخصوص الصحيح في تفسيرها : هي الكلاب خاصّة (١). وعن حجّة الشيخ المتقدّمة بكون الفهد داخلاً في الآية ، لكونه كلباً لغةً.

هذا مع أنّ كونه كلباً لغةً محل مناقشة ، فقد ذكر في صحاح اللغة : أنّ الكلب معروف ، وهو النابح (٢). ولا يعارضه ما في القاموس : أنّه كل سبع عقور (٣) ؛ لمرجوحية كلامه عند التعارض مع الجوهري ، مع أنّه قال بعد ذلك : وغلب على هذا النابح. ولعلّه يدل على كونه منقولاً لغوياً ، فتأمّل.

هذا ، ولو سلّم كونه حقيقةً فيه لغةً نقول : إنّها معارض بالعرف جدّاً ؛ لكون الكلب فيه حقيقةً في النابح خاصةً ، لوجود أماراتها فيه ، وأمارة المجاز في غيره جدّاً ، وهو مقدّم عليها كما مضى مراراً.

وأمّا ما دلّ على حلّ البزاة والصقور من الصحاح وغيرها (٤) ، فحمله على التقية متعيّن ، لمنافاته الصحاح السابقة ، وللصحيح : « كان أبي يفتي ، وكان يتّقي ، وكنّا نحن نفتي ونخاف في صيد البزاة والصقور ، فأمّا الآن فإنّا لا نخاف ، ولا يحلّ صيدها إلاّ أن يدرك ذكاته ، فإنّه لفي كتاب علي عليه‌السلام إنّ الله تعالى قال ( ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) فسمّى الكلاب » (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٢ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٢ / ٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٣١ أبواب الصيد ب ١ ح ١.

(٢) الصحاح ١ : ٢١٣.

(٣) القاموس ١ : ١٣٠.

(٤) انظر الوسائل ٢٣ : ٣٥٣ أبواب الصيد ب ٩ الأحاديث ١٦ ، ١٧ ، ١٨.

(٥) الكافي ٦ : ٢٠٧ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٢ / ١٣٠ ، الإستبصار ٤ : ٧٢ / ٢٦٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٩ أبواب الصيد ب ٩ ح ٣.

٢٥٨

وفي خبر آخر : « كان أبي يفتي في زمن بني أُميّة : أنّ ما قتل الباز والصقر فهو حلال وكان يتّقيهم ، وأنا لا أتّقيهم ، فهو حرام ما قتل » (١).

هذا ، وبالجملة لا ريب في حرمة صيد ما عدا الكلب المعلّم مطلقاً ( إلاّ أن ) يدرك حيّاً و ( يذكّى و ) غاية ما يحصل به ( إدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف. وضابطه حركة الحياة ) وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في المقام في المسألة الرابعة من مسائل الأحكام (٢).

وما ذكره الماتن هنا مناف لما اختاره ثمة من اعتبار استقرار الحياة ، إلاّ أن يفسّر بما هنا كما عن ابن حمزة (٣) ، لكنّه خلاف ظاهر الأكثر كما سيظهر. بل في المختلف والتنقيح عن المبسوط (٤) تفسيره ببقاء الحياة يوماً أو بعض يوم.

( ويشترط في الكلب أن يكون معلّماً ) بحيث ( يسترسل ) وينطلق ( إذا أُغري ) وأُرسل ( وينزجر ) ويقف عن الاسترسال ( إذا زجر ) عنه ، ( وألاّ يعتاد أكل صيده ).

بلا خلاف في الشرطين الأوّلين وإن اختلفوا في إطلاق الثاني ، كما في ظاهر العبارة وعن الأكثر (٥) ، أو اختصاصه بما إذا لم يكن بعد إرساله‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٨ / ٨ ، التهذيب ٩ : ٣٢ / ١٢٩ ، الإستبصار ٤ : ٧٢ / ٢٦٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٢ أبواب الصيد ب ٩ ح ١٢.

(٢) في ص ٢٨٨.

(٣) الوسيلة : ٣٥٦.

(٤) المختلف : ٦٧٦ ، التنقيح ٤ : ٧.

(٥) المسالك ٢ : ٢١٨ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٥٢.

٢٥٩

على الصيد ، كما اختاره الشهيدان وغيرهما (١) تبعاً للفاضل في التحرير (٢). وليس ببعيد ؛ لدلالة العرف عليه وهو الأصل في إثبات هذه الشروط ، لعدم دليل عليه سواه بعد الإجماع.

وعلى الأظهر في الثالث ، وهو الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ، وفي الانتصار والخلاف وظاهر المختلف وكنز العرفان الإجماع عليه (٣) ، ( و ) على أنّه ( لا عبرة ب ) الأكل على سبيل ( الندرة ) كما صرّح به أرباب هذا القول كافّة ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى ما استدل به ناقله الأوّل حيث قال بعده : لأنّ أكل الكلب من الصيد إذا تردّد وتكّرر دلّ على أنّه غير معلّم ، والتعليم شرط في إباحة صيد الكلب بلا خلاف ، وبدلالة قوله تعالى ( وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) (٤) وإذا تتابع أكل الكلب من الصيد دلّ على أنّه غير معلّم ، فلا يحلّ أكل صيده ، ولأنّه إذا توالى أكله منه لا يكون ممسكاً على صاحبه بل يكون ممسكاً على نفسه.

وقول المخالف لنا إنّ الكلب متى أكل يخرج عن أن يكون معلّماً ، ليس بشي‌ء ؛ لأنّ الأكل إذا شذّ به وندر لم يخرج به عن أن يكون معلّماً ، ألا ترى أنّ العاقل منّا قد يقع منه الغلط فيما هو عالم به ومحسن له على سبيل الندرة من صياغة وكتابة وغيرهما ، ولا يخرج عن كونه عالماً؟! فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحقّ. انتهى (٥).

__________________

(١) الشهيدان في الدروس ٢ : ٣٩٣ ، والمسالك ٢ : ٢١٨ ؛ وانظر المفاتيح ٢ : ٢١٠.

(٢) التحرير ٢ : ١٥٤.

(٣) الانتصار : ١٨٢ ، الخلاف ٢ : ٥١٥ ، المختلف : ٦٧٥ ، كنز العرفان ٢ : ٣٠٩.

(٤) المائدة : ٤.

(٥) الانتصار : ١٨٥.

٢٦٠