رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

( كتاب الأطعمة والأشربة )

( والنظر فيه يستدعي ) أن نبيّن فيه ( أقساماً ).

الأوّل : في حيوان البحر.

وأعلم : أنّه‌ ( لا ) يجوز أن ( يؤكل منه إلاّ ) ال ( سمك ) والطير بغير خلاف بيننا ، وبه صرّح في المسالك (١). بل عليه الإجماع في الخلاف والغنية والسرائر (٢) (٣).

وهو الحجّة المؤيّدة بعمومات ما دلّ على حرمة الميتة ، السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا عمومات ما دلّ على حلّ صيد البحر الشامل لما عدا السمك ، وما دلّ على حلّ الأزواج الثمانية ، وغيرها من الكتاب والسنة.

ويضعّف الأوّل بتبادر السمك منه خاصّة ، مع استلزام العموم حلّ كثير من حيواناته المحرّمة بالإجماع والكتاب والسنة ، لاشتمالها إمّا على ضرر أو خباثة أو نحوهما من موجبات الحرمة ، فلا يمكن أن يبقى على‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٣٧.

(٢) الخلاف ٦ : ٢٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، السرائر ٣ : ٩٩.

(٣) في الحجري زيادة : وبه صرح الماتن في المعتبر ( ٢ : ٨٤ ) والشهيد في الذكرى (١٤٤) والمحقق الثاني ( جامع المقاصد ٢ : ٧٨ ) وغيره ( كفاية الأحكام : ٢٤٨ ) في كتاب الصلاة في بحث جواز الصلاة في الخز الخالص.

٣٦١

عمومه الظاهر من اللفظة على تقدير تسليمه ، لخروج أكثر أفراده الموجب على الأصحّ لخروجه عن حجيّته ، فليحمل على المعهود المتعارف من صيده ، وليس إلاّ السمك بخصوصه.

والثاني بانصرافه بحكم التبادر وغيره إلى حيوان البرّ دون غيره.

وأمّا أصالة البراءة والإباحة فيكفي في تخصيصهما ما قدّمناه من الإجماعات المنقولة ، المعتضدة بفتاوى الأصحاب كافّةً التي كادت أن تكون بالإجماع ملحقة ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة المخالِفة لطريقة العامة كما ذكره جماعة (١). وعليها حملوا ما روي في الفقيه من المرسلة : « كلّ ما كان في البحر ممّا يؤكل في البرّ مثله فجائز أكله ، وكلّ ما كان في البحر ممّا لا يجوز أكله في البرّ لم يجز أكله » (٢).

فتأمّل بعض متأخّري متأخّري الطائفة (٣) في المسألة غير جيّد.

ويحلّ ما ( له فلس ) من السمك ، بلا خلاف بين المسلمين على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة (٤). والنصوص به بعد الكتاب مستفيضة بل متواترة ، سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

( و ) لا فرق فيه بين ما ( لو زال عنه ) فلسه ( كالكنعت ) ويقال له : الكنعد بالدال المهملة ، أو لم يزل كالشبوط. وبالأوّل ورد النص الصحيح‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٩٠ ، ملاذ الأخيار ١٤ : ١٢٣ ، كشف اللثام ٢ : ٣٦١ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ١٨٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٢١٤ / ٩٩٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٩ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٢ ح ٢.

(٣) السبزواري في كفاية الأحكام : ٢٤٨.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٤٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٨٤.

٣٦٢

وغيره : ما تقول في الكنعت؟ قال : « لا بأس بأكله » قلت : فإنّه ليس له قشر ، قال : « بلى ولكنّها حوت سيّئة الخُلق تحتكّ بكلّ شي‌ء ، فإن نظرت في أصل [ أُذنها (١) ] وجدت لها قشراً » (٢).

( ويؤكل الربيثا ) بكسر الراء والباء ( والإربيان ) بكسر الهمزة والباء ( والطمر ) بكسر الطاء المهملة ثم الميم ( والطبراني ) بفتح الطاء المهملة والباء المفردة ( والإبلامي ) بكسر الهمزة وسكون الباء المنقّطة من تحت نقطة واحدة.

بلا خلاف في شي‌ء منها أجده ؛ لكون كلّ من هذه الخمسة ذات أفلس. وإنّما ذكرها مع معلوميّة حكمها ممّا مضى من الحكم بحلّ ما له فلس مطلقا ؛ لورود النصّ في كلّ منها بالخصوص.

كالصحيحين (٣) وغيرهما (٤) الملحق بهما بابن أبي عمير الذي أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه أصحابنا في الأوّل معلّلاً في الأخير بأنّ له فلساً.

والصحيح في الثاني.

والخبر في الباقي ، وفيه بعد سؤال الراوي عن حلّها قال‌

__________________

(١) في النسخ : « ذنبها » وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٩ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢١٥ / ١٠٠١ ، التهذيب ٩ : ٣ / ٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٧ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٠ ح ١.

(٣) الأول في : الكافي ٦ : ٢٢٠ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٦ / ١٧ ، الاستبصار ٤ : ٩١ / ٣٤٥ ، المحاسن : ٤٧٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٩ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٢ ح ١.

الثاني في : الكافي ٦ : ٢٢٠ / ٨ ، الفقيه ٣ : ٢١٥ / ٩٩٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٩ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ٩ : ٨٢ / ٨٣ ، الإستبصار ٤ : ٩١ / ٣٤٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٤١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٢ ح ٦.

٣٦٣

وأصحابي ينهوني عن أكله ، فكتب : « كله ، لا بأس به » (١).

ويستفاد منه وجود القائل بالمنع منّا قديماً ، بل وكونه مشهوراً. ويمكن أن يكون التنبيه على ردّه منشأً لتخصيصها في المتن بالذكر أيضاً.

( ولا يؤكل السلحفاة ) بضمّ السين المهملة وفتح اللام ، فالحاء المهملة الساكنة ، فالفاء المفتوحة والهاء بعد الألف.

( ولا الضفادع ) جمع ضفدع بكسر الضاد والدال ، مثال خنصر. ( ولا السرطان ) بفتح أوّله وثانيه ويسمّى عقرب الماء ، وغيرها من حيوان البحر.

لما مرّ حرمته على الإطلاق وإن كان جنسه حلالاً في البر سوى السمك المخصوص ذي الفلس. وإنّما خصّ الثلاثة بالذكر لورود النهي عنها بالخصوص في الصحيح (٢).

( وفي ) حرمة ( الجرّيّ ) بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشددة المكسورة ، ويقال : الجرّيث بالضبط الأوّل مختوماً بالثاء المثلثة نوع من السمك طويل أملس ليس له فلوس ( روايتان ، أشهرهما ) بين المتقدّمين والمتأخّرين ( التحريم ) بل عليه في ظاهر التنقيح (٣) ، وصريح الانتصار والخلاف والسرائر (٤) إجماع الإمامية. وجعلوا متعلّقه في الكتب الأخيرة مطلق السمك الذي لا فلس له ، وهي مع ذلك صحاح مستفيضة.

منها : أقرأني أبو جعفر عليه‌السلام شيئاً في كتاب عليّ عليه‌السلام ، فإذا فيه :

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٣ / ٤٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٩ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٨ ح ٩.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢١ / ١١ ، التهذيب ٩ : ١٢ / ٤٦ ، قرب الإسناد : ٢٧٩ / ١١٠٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٤٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٦ ح ١.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ٣١.

(٤) الانتصار : ١٨٦ ، الخلاف ٦ : ٢٩ ، السرائر ٣ : ٩٨.

٣٦٤

« أنهاكم عن الجريث (١) والمارماهي والطافي والطحال » قال : قلت : يرحمك الله تعالى إنّا نؤتى بالسمك ليس له قشر ، فقال : « كُلّ ما له قشر من السمك ، وما ليس له قشر فلا تأكله » (٢).

ومنها : « في كتاب عليّ عليه‌السلام إنّه نهى عن الجرّيث » (٣).

ومنها : « لا تأكلوا الجرّيّ ولا الطحال ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرهه » وقال : « إنّ في كتاب عليّ عليه‌السلام ينهى عن الجرّيّ وعن جمّاع (٤) من السمك » (٥) الخبر.

ويستفاد منه إطلاق الكراهة على التحريم ، فلا يبعد حملها عليه في المعتبرين.

أحدهما الصحيح : « لا يكره شي‌ء من الحيتان إلاّ الجرّيّ » (٦).

ونحو هذه الصحاح معتبرة أُخر مستفيضة.

منها : « لا تأكلوا الجرّيث ، ولا المارماهي ، ولا طافياً ، ولا طحالاً ، إنّه بيت الدم ومضغة الشيطان » (٧).

__________________

(١) في المصادر زيادة : الزمير.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٩ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢ / ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ٤ / ١٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٩ / ٢٠٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٣.

(٤) جمّاع الناس : الأخلاط من قبائل شتّى الصحاح ٣ : ١١٩٨.

(٥) التهذيب ٩ : ٦ / ١٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٦.

(٦) الصحيح في : التهذيب ٩ : ٥ / ١٣ ، الإستبصار ٤ : ٥٩ / ٢٠٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٧.

المعتبر الآخر في : التهذيب ٩ : ٥ / ١٤ ، الإستبصار ٤ : ٥٩ / ٢٠٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٨.

(٧) الكافي ٦ : ٢٢٠ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٤ / ٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٨ / ٢٠٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ٢.

٣٦٥

ومنها : « لا تشتروا الجرّيث ، ولا المارماهي ، ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه » (١).

ومنها : « الجرّيّ والمارماهي والطافي حرام في كتاب عليّ عليه‌السلام » (٢).

ومنها : عن الجرّيث ، فقال : « والله ما رأيته قطّ ، ولكن وجدته في كتاب عليّ عليه‌السلام حراماً » (٣).

والرواية الثانية : الصحيحان.

في أحدهما : عن الجرّيث ، فقال : « وما الجرّيث؟ » فنعتّه له ؛ فقال : « ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) » إلى آخر الآية ، ثمّ قال : « لم يحرّم الله تعالى شيئاً من الحيوان في القرآن إلاّ الخنزير بعينه » (٤).

وفي الثاني : عن الجرّي والمارماهي والزمير ، وما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ فقال : « اقرأ هذه الآية التي في الأنعام ( قُلْ لا أَجِدُ ) » الآية ، قال : فقرأتها حتّى فرغت منها ، فقال : « إنّما الحرام ما حرّم الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّهم قد كانوا يَعافون أشياء فنحن نَعافها » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٥ / ١١ ، الاستبصار ٤ : ٥٩ / ٢٠٣ ، المحاسن : ٤٧٧ / ٤٩١ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٤.

(٢) التهذيب ٩ : ٥ / ١٢ ، الإستبصار ٤ : ٥٩ / ٢٠٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٤ / ٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٢.

(٤) التهذيب ٩ : ٥ / ١٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٩ / ٢٠٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ١٩. والآية في سورة الانعام : ١٤٥.

(٥) التهذيب ٩ : ٦ / ١٦ ، الإستبصار ٤ : ٦٠ / ٢٠٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩ ح ٢٠. عافَ الرجل الطعامَ أو الشراب يَعافُه عِيافاً ، أي : كرهه فلم يشربه ، فهو عائف. الصحاح ٤ : ١٤٠٨.

٣٦٦

وهذان الخبران وإن صحّ سندهما إلاّ أنّهما مع مخالفتها لما عليه أصحابنا من تحريم أشياء ليست في القرآن أصلاً موافقان لمذهب العامّة العمياء (١).

ومع ذلك قاصران عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى ؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ملحق بالضرورة من مذهب الإمامية ، وبالإجماعات المحكيّة المستفيضة والاستفاضة القريبة من البلوغ حدّ التواتر وبعمومات المعتبرة المستفيضة الناهية عن كلّ سمك لا فلس له ، بناءً على أنّ الجرّي منه ، كما مرّ إليه الإشارة واعترف به الجماعة.

ففي الصحيح وغيره : « كان عليّ عليه‌السلام بالكوفة يركب بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ يمرّ بسوق الحيتان فيقول : لا تأكلوا ، ولا تبيعوا ما لم يكن له من السمك قشر » (٢).

وفيه : الحيتان ما يؤكل منها : فقال : « ما كان له قشر » (٣).

وفي المرسل كالصحيح : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يكره الجرّيث ، ويقول : لا تأكل من السمك إلاّ شيئاً عليه فلوس ، وكره المارماهي » (٤).

والكراهة فيه للتحريم ؛ لدلالة النهي الظاهر فيه في الذيل عليه ، بناءً‌

__________________

(١) انظر المغني لابن قدامة ١١ : ٨٦.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٠ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٣ / ٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٨ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٨ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢١٩ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣ / ٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٧ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٢١٩ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٢ / ٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٨ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٨ ح ٣.

٣٦٧

على دخول الجرّي في متعلّقه.

مضافاً إلى ما ورد في بعض الأخبار من أنّه عليه‌السلام ما كان يكره إلاّ الحرام (١).

ومنها : الخبر الوارد في الزهو المتضمّن بعد إعراضه عليه‌السلام عن أكله بقوله : « اركبوا ، لا حاجة لنا فيه » ما هو كالتعليل له ، وهو قوله : « والزهر سمك ليس له قشر » (٢).

هذا مع أنّ القائل بهما شاذّ نادر ؛ إذا ليس إلاّ القاضي (٣). وأمّا الشيخ فإنّه وإن حكي عنه المصير إليهما في موضع من النهاية (٤) ، إلاّ أنّه رجع في موضعين منها (٥) وباقي كتبه (٦) ، حتّى إنّه حكم بكفر مستحلّه (٧). فما هذا شأنه كيف يمكن المصير إليه.

أمّا حمل الأخبار المانعة على الكراهة كما احتمله من متأخّري المتأخّرين جماعة (٨) فالمناقشة فيه واضحة من وجوه عديدة ، سيّما مع إمكان الجمع بينها وبين الأخبار المبيحة بحملها على التقية ؛ لوضوح المأخذ في هذا الحمل من الاعتبار والسنة المستفيضة بخلاف الحمل على‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٨ : ١٥١ أبواب الربا ب ١٥ ح ١. ولفظه : « لم يكن علي عليه‌السلام يكره الحلال ».

(٢) الكافي ٦ : ٢٢١ / ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣ / ٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٣٨ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١١ ح ١.

(٣) المهذب ٢ : ٥٣٦.

(٤) النهاية : ٣٦٤.

(٥) النهاية : ٥٧٦ ، ٧١٣.

(٦) انظر المبسوط ٦ : ٢٧٦ ، التهذيب ٩ : ٤ ، الاستبصار ٤ : ٥٩.

(٧) انظر النهاية : ٧١٣.

(٨) منهم : المحقق السبزواري في الكفاية : ٢٤٨ ، وانظر مفاتيح الشرائع ٢ : ١٨٥.

٣٦٨

الكراهة ؛ إذ لا شاهد عليه من كتاب ولا سنّة ، ولا يرتكب إلاّ حيثما يكون المتضمّن للنهي المحمول عليها مرجوحاً بالإضافة إلى ما قابلة وعارضه بحيث يتعيّن طرحه ، ولا بأس بارتكاب ذلك في هذه الصورة من دون شاهد ولا قرينة ؛ لكون العمل فيها بالراجح حقيقةً ، وارتكاب الحمل في مقابله طرحاً له جدّاً.

وأمّا ارتكابه في صورتي تكافؤ المتعارضين أو رجحان ما تضمّن النهي من دون شاهد أو قرينة كما في مفروض المسألة فهو ممّا لا وجه له.

ووجود لفظ الكراهة في بعض الأخبار المتقدّمة لم يمكن جعله على الحمل المزبور قرينةً بعد وضوح عدم ثبوت المعنى المصطلح عليه له الآن في الأزمنة القديمة ، مع كونه أعمّ منه ومن الحرمة لغةً ، فإرادة الأوّل منه دون هذه من دون قرينة فاسدة.

مع أنّ القرينة على إرادة الحرمة قائمة ، منها زيادةً على ما مرّ إليه الإشارة ـ : ورود النهي والتصريح بالحرمة في بعض الأخبار المتقدّمة ، فإنّهما ظاهران في التحريم غايته ، سيّما مع كون متعلّق النهي في أكثرها الطافي ونحوه أيضاً ، وقد أجمع على كونه بالإضافة إليهما للحرمة ، فليكن بالإضافة إليه لها أيضاً وإلاّ يلزم استعماله في معنييه الحقيقي والمجازي الغير الجائز قطعاً ، فتأمّل جدّاً.

ومقتضى القاعدة إرجاع المشكوك وهو هنا لفظ الكراهة إلى النهي الظاهر في الحرمة ، كما أنّ مقتضاها إرجاع الظاهر إلى النصّ. هذا مع أنّ ركوب علي عليه‌السلام وسيره في الأسواق للنهي عن الجرّي ونحوه يناسب الحرمة لا الكراهة ، كما لا يخفى على من له أدنى فطنة.

٣٦٩

وبالجملة لا شبهة في المسألة ، ولو قلت : إنّه من بديهيّات مذهب الإمامية ، لما كذبت.

( و ) نحو الكلام في الجرّي منعاً وجوازاً الكلام ( في الزمار ) بكسر الزاء المعجمة والميم المشددة والراء المهملة أخيراً ، ويقال له : الزمير كما وقع في الرواية (١) ، ( المارماهي ) بفتح الراء فارسيّ معرّب وأصلها حيّة السمك ، ( والزهو ) بالزاء المعجمة فالهاء الساكنة.

والـ ( روايتان ) المتقدّمتان ثمة جاريتان في المسألة ، ولم يفصّل فيهما ولا في كلام الجماعة بين المسألتين.

وظاهر الماتن التفصيل بينهما ، حيث نسب الحرمة في الأُولى إلى الشهرة من دون فتوًى فيها بالكراهة متردّداً في التحريم أو مختاره ، واختار عدمه في المسألة فقال : ( والوجه الكراهة ).

ولا وجه له بالمرّة ؛ لاتّحاد الأدلّة فتوًى وروايةً على المنع أو الكراهة.

ويمكن إرجاع هذه العبارة إلى المسألتين وإن بعد غايته ؛ دفعاً لمحذور التفصيل من عدم وضوح دليل عليه ولا حجّة.

وقصارى ما يتخيّل في توجيهه استفاضة الصحاح كغيرها في الجرّي وغيره دون الزمار ونحوه ، فإنّه لم يستفض فيها الصحاح وإنّما الموجود منها فيها بعضها.

وهو غير صالح للتوجيه سيّما مع استفاضة غير الصحاح فيها خصوصاً وعموماً ، وعدم قائل بالتفصيل أصلاً كما مضى.

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ١٣٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٩.

٣٧٠

( ولو وجد في جوف سمكة سمكة أُخرى ، حلّت إن كانت ممّا يؤكل ) مطلقاً ، وفاقاً لوالد الصدوق ، والمفيد والنهاية ، والفاضل في القواعد (١) ، ومال إليه الماتن في الشرائع (٢) ، واستحسنه في المسالك (٣) ؛ للمعتبرين.

أحدهما المرسل كالقويّ أو الموثّق أو الصحيح على الاختلاف في أبان المرسِل المجمع على تصحيح رواياته ـ : رجل اصطاد سمكة ، فوجد في جوفها سمكة ، فقال : « يؤكلان جميعاً » (٤).

وثانيهما القويّ بالسكوني والنوفلي : عن سمكة شقّ بطنها ، فوجد فيها سمكة فقال : « كلهما جميعاً » (٥).

خلافاً للحلّي والفاضل في التحرير ، وولده فخر الدين ، والمقداد في التنقيح (٦) ، فاشترطوا في حلّه أخذه حيّاً ؛ عملاً بما مرّ من الأدلّة على أنّ صيد السمك أخذه ، وتضعيفاً للخبرين ، مع احتمالهما التقييد بذلك.

والمسألة محلّ تردّد وإن كان القول الأوّل لا يخلو عن قرب ؛ لاعتبار سند الخبرين ، مع عمل جماعة بهما ، واحتمال تطبيقهما مع القاعدة بما‌

__________________

(١) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٦٧٨ ، المفيد في المقنعة : ٥٧٦ ، النهاية : ٥٧٦ ، القواعد ٢ : ١٥٦.

(٢) الشرائع ٣ : ٢١٧.

(٣) المسالك ٢ : ٢٣٨.

(٤) الكافي ٦ : ٢١٨ / ١٤ ، التهذيب ٩ : ٨ / ٢٦ ، الوسائل ٢٤ : ٨٦ أبواب الذبائح ب ٣٦ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٢١٨ / ١٢ ، التهذيب ٩ : ٨ / ٢٥ ، الوسائل ٢٤ : ٨٦ أبواب الذبائح ب ٣٦ ح ٢.

(٦) الحلّي في السرائر ٣ : ١٠٠ ، التحرير ٢ : ١٦٠ ، فخر الدين في إيضاح الفوائد ٤ : ١٤٤ ، التنقيح الرائع ٤ : ٣٣.

٣٧١

ذكره جماعة من تحقّق الأخذ في الجملة. وحصوله في حال الحياة وإن كان مشكوكاً فيه إلاّ أنّ أصالة بقائها إلى حين إخراجها بناءً على عدم الشك في حلولها في السمكة وقتاً ما كافية في الحكم بحصوله حال حياتها ، كذا ذكره جماعة (١). ولا يخلو عن مناقشةٍ ؛ لأنّ مرجع وجه التطبيق إلى استصحاب حال الحياة ، وهو معارض باستصحاب الحرمة ، فتأمّل.

( ولو قذفت الحية سمكةً تضطرب فهي حلال إن لم تنسلخ ) وكان لها فلس مطلقاً أُخذت أم لا ، وفاقاً للنهاية (٢) ؛ لرواية (٣) قاصرة السند بالجهالة من وجوه عديدة ، مخالفة لقاعدة صيد السمك المتقدّم إليه الإشارة ، فلتكن مطرحة أو مؤوّلة بما يؤول إليها بحملها على صورة أخذها حيّة.

والعجب من الفاضل في المختلف حيث اعتبر في صيد السمك أخذها ومع ذلك قال بعد نقل الرواية ـ : نحن نقول بموجبها (٤).

( ولا يؤكل الطافي وهو ) السمك ( الذي يموت في الماء ) بإجماعنا المحكيّ في كلام جماعة (٥) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة وقد تقدّم إلى جملة منها الإشارة ، مضافاً إلى المعتبرة الأُخر ، وعمومات الكتاب والسنة‌

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٦٢.

(٢) النهاية : ٥٧٦.

(٣) الكافي ٦ : ٢١٨ / ١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٠٧ / ٩٥٣ ، التهذيب ٩ : ٨ / ٢٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٤٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٥ ح ١.

(٤) المختلف : ٦٧٨.

(٥) منهم : الشيخ في الخلاف ٦ : ٣١ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٦٣.

٣٧٢

بتحريم الميتة ، وقد مرّ عموم الحكم بالتحريم لما مات في الشبكة والحظيرة ونحوهما من الآلات المعدّة لصيد السمكة. واختاره الماتن ثمّة (١) وأشار إليه هنا أيضاً فقال : ( وإن كان في شبكة أو حظيرة ).

( و ) قد مرّ ثمة أنّه ( لو اختلط الحيّ فيهما بالميّت حلّ ) مع الاشتباه خاصّةً عند الشيخ في النهاية والقاضي (٢) ، ومع التميز أيضاً عند العماني (٣). وقد ظهر ضعفهما ( و ) أنّ ( الاجتناب ) مطلقاً أولى ومع ذلك ( أحوط ) جدّاً.

( ولا يؤكل جلاّل السمك ) وهو المغتذي بالعذرة محضاً حتى نما بها كغيره ( حتى ) يُستبرأ بأن ( يُطْعَم علفاً طاهراً ) بالفعل أو بالأصالة في الماء الطاهر ( يوماً وليلةً ) على الأظهر الأشهر في كلّ من الحكم بالحرمة ، وتقدير المدّة.

خلافاً لمن يأتي ذكره في الأوّل (٤) ، وللمقنع في الثاني (٥) ، فجعله يوماً إلى الليل ؛ لرواية ضعيفة السند (٦) ، معارضة بمثلها المقدّر لها بالأوّل : عن السمك الجلال ، فقال : « ينتظر به يوماً وليلةً » (٧).

والترجيح في جانبه ؛ للشهرة ، واستصحاب الحرمة السابقة الذي‌

__________________

(١) راجع ص ٣٥١.

(٢) النهاية : ٥٧٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤٣٨.

(٣) كما حكاه عنه في المختلف : ٦٧٤.

(٤) انظر ص ٣٧٩.

(٥) المقنع : ١٤١.

(٦) الفقيه ٣ : ٢١٤ / ٩٩٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٨ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٨ ذيل الحديث (٦).

(٧) الكافي ٦ : ٢٥٢ / ٩ ، التهذيب ٩ : ١٣ / ٤٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٨ ح ٥.

٣٧٣

لا مخرج عنه إلاّ بالاستبراء في المدّة المتيقّنة ، وليس إلاّ ما في العبارة.

ومنه يظهر الوجه في اعتبار طهارة العلف بالفعل ، كما في ظاهر العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة (١) ، وصريح الآخرين (٢). واستشكله في القواعد (٣) ؛ ولعله لذلك ، ولأنّ النص خالٍ عن اعتبارها. بل عن اعتبار مطلق العلف حيث عبّر فيه الاستبراء بـ « يربط » و « ينتظر » الأعمّ منه ومن عدمه ، ولهذا احتمل المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد الاكتفاء في الاستبراء بإمساكه عن الجلل وغيره (٤).

وفيه نظر ؛ لورود الأمر بالربط والانتظار مورد الأغلب ، وهو العلف بشي‌ء غير ما حصل به الجلل ، فكان الأمر بهما توجّه إليه.

وكيف كان ، فالاستشكال في محلّه وإن كان عدم اعتبار طهارة العلف بالفعل أوْجَه ؛ لإطلاق الأمر به في النصّ وإن ضعّفه في المسالك قائلاً : إنّ إطلاق الطاهر يقتضي الطهارة بالفعل (٥).

وهو حسن لو وجد لفظة الطاهر في الرواية ، وليست فيها بموجودة. ولزوم تقدير العلف بالغلبة كما تقدم إليه الإشارة لا يقتضي تقديره طاهراً ؛ لكونه أعمّ منه ومن النجس حتى الذي كان به جلاّلاً ، وإنّما خرج هذا عن عمومه للإجماع على خروجه ، مع عدم فائدةٍ للأمر بالاستبراء من‌

__________________

(١) كالشيخ في النهاية : ٥٧٦ ، والقاضي المهذب ٢ : ٤٣٨ ، والشهيد الأول في اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٢٦٥.

(٢) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٣٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٣٨.

(٣) القواعد ٢ : ١٥٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٥٥.

(٥) المسالك ٢ : ٢٣٨.

٣٧٤

دونه ، بل يتزايد ويتأكّد به حكم جلله.

نعم يمكن أن يقال : المتبادر منه الطاهر بالفعل ، بل لعلّه الأغلب ، فهو أولى وأحوط.

( وبيض السمك المحرّم ) حرام ( مثله ) كما أنّ بيض المحلّل منه حلال ، بلا خلاف فيه في الجملة إلاّ من الحلّي ، فحكم بالحلّ مطلقاً ، قائلاً : إنّه لا دليل على المنع عنه بعد الإجماع على كون كلّ ما يؤخذ من جوف السمكة طاهراً لا من كتاب ولا سنّة ولا إجماع (١). ووافقه في المختلف (٢) مستدلاًّ بعموم ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ ) (٣) وعدم ما ينافيه في الأحاديث المعمول عليها.

وفي الأمرين نظر :

فالأوّل : بعدم عموم فيه ينفع محل البحث ؛ لانصراف الصيد والطعام فيه إلى نفس السمك لا ما في جوفه ، مع عدم معلوميّة إطلاق الصيد عليه بخصوصه حقيقةً بل ولا مجازاً. فتأمّل جدّاً.

والثاني : بوجود المنافي من الأحاديث المعمول عليها بين الطائفة وإن كانت بحسب السند قاصرةً ، وهو خبران مرويّان في الكافي في كتاب الأطعمة في باب بيض الدجاج.

في أحدهما : « البيض إذا كان ممّا يؤكل لحمه فلا بأس به وبأكله ، وهو حلال » (٤).

__________________

(١) السرائر ٣ : ١١٣.

(٢) المختلف : ٦٨٤.

(٣) المائدة : ٩٦.

(٤) الكافي ٦ : ٣٢٥ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٢٢ / ٨٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٧ ح ٧.

٣٧٥

وفي الثاني : « كلّ شي‌ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن ، أو بيض ، أو إنفحة ، فكلّ ذلك حلال طيّب » (١) الخبر.

ومفهومهما عدم حلّ بيض ما لا يؤكل لحمه.

والمناقشة فيهما بقصور سندهما وضعف دلالتهما ، فالأوّل : بأعميّة البأس المفهوم فيه من الحرمة. والثاني : بكون المفهوم فيه مفهوم صفة ، فلا يكونان بذلك حجّة.

مدفوعة مجملاً بانجبارها بحذافيرها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة سيّما بين متأخّرين الطائفة.

مع أنّ البأس في الأوّل وإن كان أعمّ من الحرمة إلاّ أنّها مرادة بقرينة ظاهر سياق السؤال والجواب في الرواية ، سيّما بعد ضمّ قوله : « وهو حلال » فإنّه جزاء أيضاً ، فيكون المفهوم مع عدم الشرط : فيه بأس وليس بحلال ، فهو نصّ في المطلوب جدّاً.

وكون المفهوم في الثاني مفهوم صفة ، لعلّه محلّ مناقشة ، بل الظاهر كونه مفهوم قيد ، وهو عند الكلّ حجّة.

ويعضد ما ذكره الأصحاب من تبعيّة البيض واللبن للحيوان في الحلّ والحرمة أنّهما كالجزء منه ، وتتبّع النصوص في الموارد الجزئيّة الحاكمة بالتبعيّة ، مثل ما ورد في تحريم بيض الغراب والطاوس ، وحلّ بيض الدجاجة ، وحرمة لبن الحيوانات الجلاّلة ، وحلّ لبن الأُتُن ، ونحوه ممّا لم يكن بهذه الصفة ، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.

مضافاً إلى بعض المؤيّدات الأُخر الآتي في بحث حرمة أكل بيض ما لا يؤكل لحمه. فلا شبهة في المسألة بحمد الله سبحانه.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣٢٥ / ٧ ، الوسائل ٢٥ : ٨١ أبواب الأطعمة المباحة ب ٤٠ ح ٢.

٣٧٦

( ولو اشتبه ) المحلّل منه بالمحرّم ( أكل منه الخشن لا الأملس ) بلا خلاف يظهر إلاّ في تخصيص التفصيل بالاشتباه ، فقد أطلق كثير (١) حلّ الأوّل وحرمة الثاني من دون تخصيص. وغير بعيد تنزيله عليه ، وإلاّ فيرد عليهم إطلاق ما دلّ على تبعيّته للحيوان مطلقاً نصّاً وفتوى حتّى منهم جدّاً ، مع عدم وضوح مأخذهم في تقييده بما ذكروه هنا أصلاً.

هذا ومستند أصل التفصيل غير واضح عدا الاتّفاق بحسب الظاهر. قيل : ولعلّه تدلّ عليه التجربة والرواية (٢). ولم أقف عليها ، والتجربة للقاصر غير حاصلة.

فإذاً العمدة هو الاتّفاق الظاهر ، ولولاه لكان الاحتياط عنه لازماً ولو من باب المقدّمة وإن كان الحلّ محتملاً.

( القسم الثاني : في البهائم ).

( و ) اعلم أنّه يجوز أن‌ ( يؤكل من الأُنسية ) الحضرية ، منها : ( النعم ) من الإبل والبقر والغنم ، بلا خلاف فيه بين المسلمين كافّةً كما في المسالك وغيره (٣). بل لعلّه من ضروريّات الدين كما صرّح به جماعة (٤) ، وقد نطق به الكتاب والسنة المتواترة.

( ويكره الخيل والحمير والبغل ) ولا يحرم بلا خلاف يظهر في‌

__________________

(١) كالمفيد في المقنعة : ٥٧٦ ، والديلمي في المراسم : ٢٠٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٩١.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٢٦٢.

(٣) المسالك ٢ : ٢٣٨ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ٢٦٢.

(٤) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٥٨ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ١٨٢.

٣٧٧

الأوّلين ، بل جعل الحكم في الأخيرين في الانتصار والغنية من متفرّدات الإمامية (١).

وعلى الأظهر في الثالث ، وهو الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي الخلاف الإجماع عليه وعلى الأوّلين أيضاً (٢) ، مضافاً إلى الإجماعين المتقدّمين ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أصالتي البراءة والإباحة المستفادتين من الأدلّة القطعيّة العقليّة والنقليّة كتاباً وإجماعاً ، وسنّةً مستفيضةً بل متواترةً ، وظواهر المستفيضة ومنها الصحاح وغيرها ، بل صريح بعضها.

كالصحيح : عن سباع الطير والوحش ، والقنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل ، فقال : « ليس الحرام إلاّ ما حرّم الله تعالى في كتابه ، وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أكل لحوم الحمير ، وإنّما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوها ، وليست الحمر بحرام » ثم قال : « اقرأ هذه الآية ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) (٣) فتأمّل.

والخبر : عن لحوم الخيل والبغال ، فقال : « حلال ، ولكن الناس يَعافونها » (٤).

وقريب منهما آخر : « إنّ المسلمين كانوا أجهدوا في خيبر ، وأسرع‌

__________________

(١) الانتصار : ١٩٣ ، ١٩٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٢) الخلاف ٦ : ٨٠.

(٣) التهذيب ٩ : ٤٢ / ١٧٦ ، الإستبصار ٤ : ٧٤ / ٢٧٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥ ح ٦. والآية في سورة الأنعام : ١٤٥.

(٤) الفقيه ٣ : ٢١٣ / ٩٨٨ ، التهذيب ٩ : ٤١ / ١٧٤ ، الاستبصار ٤ : ٧٤ / ٢٧١ ، المحاسن : ٤٧٣ / ٤٧١ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٢ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥ ح ٣.

٣٧٨

المسلمون في دوابّهم ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإكفاء القدور ، ولم يقل : إنّها حرام ، وكان ذلك إبقاءً على الدوابّ » (١).

خلافاً للحلبي فحرّمه (٢) ؛ للصحيحين في أحدهما : عن أكل الخيل والبغال ، فقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، فلا تأكلها إلاّ أن تضطرّ إليها » (٣).

وفي الثاني : عن لحوم البراذين والخيل والبغال ، قال : « لا تأكلها » (٤).

وهما مع تضمّنهما النهي عمّا عدا البغل أيضاً ولا يقول به هو ، ولا أحد منّا قاصران عن المكافأة لما مضى من وجوه شتّى ، فليطرحا أو يؤوّلا بالحمل على الكراهة أو التقيّة ؛ لكون التحريم مذهب فقهاء العامّة كافّةً (٥) ، كما صرّح به جماعة (٦). وربما أشعر به بعض الروايات السابقة.

واعلم أنّ في صريح المسالك وظاهر غيره (٧) الاتّفاق على تفاوت‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤٦ / ١١ ، التهذيب ٩ : ٤١ / ١٧٢ ، الإستبصار ٤ : ٧٣ / ٢٦٩ ، الوسائل ٢٤ : ١١٨ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٤ ح ٢.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٧٧.

(٣) التهذيب ٩ : ٤٠ / ١٦٨ ، الإستبصار ٤ : ٧٤ / ٢٧٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٢١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٤٢ / ١٧٥ ، الإستبصار ٤ : ٧٤ / ٢٧٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٢ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥ ح ٥.

(٥) انظر المغني والشرح الكبير ١١ : ٦٧.

(٦) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ١٩٥ ، والشيخ في الخلاف ٦ : ٨١ ، وانظر مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٦٢.

(٧) المسالك ٢ : ٢٣٨ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٨.

٣٧٩

الثلاثة في مراتب الكراهة ( و ) أنّ المشهور أنّ ( كراهية البغل أشدّ ) لتركّبه من الفرس والحمار وهما مكروهان. وعن القاضي وظاهر الحلّي أنّ كراهية الحمار أشدّ (١) ؛ لأنّ المتولد من قويّ الكراهة وضعيفها أخفّ كراهةً من المتولّد من قويّها خاصّةً. وفي التعليلين ما ترى.

والأوّل أقوى ؛ للشهرة المرجّحة ، مع وجود القول في البغل بالحرمة الموجب لتأكّد الاحتياط فيه للشبهة ، فناسبه تأكّد الكراهة.

( ويحرم الجلاّل منها على الأصحّ ) الأشهر بين الطائفة ؛ للنهي عنه في النصوص المستفيضة العاميّة والخاصيّة.

ففي الصحيح : « لا تأكلوا لحوم الجلاّلة ، وإن أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله » (٢).

وفيه : « لا تشرب من ألبان الإبل الجلاّلة ، وإن أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله » (٣).

وفي القريب من الموثق : في الإبل الجلاّلة ، قال : « لا يؤكل لحمها ، ولا تركب أربعين يوماً » (٤).

خلافاً للإسكافي ، فقال بالكراهة (٥). وربما نسب إلى المبسوط (٦).

__________________

(١) حكاه عن القاضي في الروضة ٧ : ٢٦٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٩٨.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥ / ١ ، التهذيب ٩ : ٤٥ / ١٨٨ ، الإستبصار ٤ : ٧٦ / ٢٨١ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٧ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥١ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٤٦ / ١٩١ ، الإستبصار ٤ : ٧٧ / ٢٨٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٧ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٣ / ١١ ، التهذيب ٩ : ٤٦ / ١٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٧٧ / ٢٨٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٧ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٨ ح ٣.

(٥) كما نقله عنه في المختلف : ٦٧٦.

(٦) المبسوط ٦ : ٢٨٢.

٣٨٠