رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

بل قيل (١) : إنّ ظاهره الإجماع عليه ، حيث قال : إنّه مذهبنا.

أقول : ونحوه الخلاف (٢).

لكن في هذه النسبة مناقشة ؛ فإنّ قوله بالكراهة في الكتابين ودعواه الإجماع فيهما عليها ، إنّما هو بناءً منه على أنّ الجلاّلة عنده ما يكون العذرة أكثر غذائها لا غذاءها محضاً ، كما سيأتي عنه حكايته قريباً. وبه صرّح في الخلاف فقال : الجلاّل عبارة عن البهيمة التي تأكل العذرة اليابسة أو الرطبة إلى أن قال ـ : فإن كان هذا أكثر علفها كره لحمها عندنا ، ثم قال : وروى أصحابنا تحريم ذلك إذا كان غذاؤه كلّه من ذلك.

والكراهة على هذا لا يختصّ به ، بل هو مذهب أكثر علمائنا كما صرّح به في المختلف والمسالك وغيرهما (٣). ومحلّ النزاع الذي نسب إليه القول بالكراهة فيه إنّما هو الجلاّلة التي يكون غذاؤها العذرة المحضة لا مطلق الجلاّلة ، وهو لم يظهر منه القول فيها بالكراهة ، بل ظاهره في الخلاف كما عرفت القول فيها بالحرمة مدّعياً عليها في الظاهر إجماع الفرقة بعد أن نسبها إلى رواية الأصحاب كافّةً.

فانحصر القائل بالكراهة في محلّ المشاجرة في الإسكافي خاصّةً. وهو شاذّ ، وحجّته غير واضحة عدا الأصل المخصّص بما مرّ من الأدلّة.

هذا ، وربما حمل كلامه بعض الأجلّة (٤) على ما يرجع إلى ما ذكره الجماعة ، وعليه فلا خلاف في المسألة ولا إشكال بحمد الله سبحانه.

__________________

(١) قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٩٠.

(٢) الخلاف ٦ : ٨٥.

(٣) المختلف : ٦٧٩ ، المسالك ٢ : ٢٣٨ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٩.

(٤) المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٥٠.

٣٨١

واختيار صاحب الكفاية (١) الكراهة ضعيف غايته ، كمستنده الذي ذكره من أنّه لا يستفاد من الأخبار أكثر من الرجحان مع ما علم من العمومات الدالّة على الإباحة ؛ لابتناء ما ذكره من عدم استفادة الحرمة من النواهي المتقدّمة على ما اختاره من عدم إفادة نواهي الأئمّة عليهم‌السلام إيّاها إلاّ بالقرينة ، وهي في المقام مفقودة. وهو فاسد بالضرورة كما برهن في محلّه.

هذا مع أنّ الشهرة على إرادة الحرمة متحقّقة ، وهو يجعلها فيها وفي أوامرهم عليهم‌السلام للحرمة أو الوجوب قرينةً. وبه صرّح في مواضع عديدة.

وحيث ظهر دلالة النواهي المزبورة على الحرمة إمّا حقيقةً كما نختاره أو مع القرينة كما لزمه ، ظهر الجواب عن العمومات الدالّة على الإباحة ، لأنّها بتلك النواهي مخصّصة.

( وهو ) أي الجلاّل في المشهور بين الأصحاب ( ما يأكل عذرة الإنسان محضاً ) للمرسل المنجبر بالعمل : في الشاة : « لا بأس بها إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلاّلة ، والجلاّلة التي يكون ذلك غذاءها » (٢).

وفي آخر : في الجلاّلات : « لا بأس بأكلهنّ إذا كنّ يخلطن » (٣).

خلافاً للمحكيّ عن المبسوط (٤) ، فلم يعتبر التمحض كما مرّ. وهو شاذّ وإن كان لا بأس به بناءً على ما ذكره من الكراهة.

__________________

(١) الكفاية : ٢٤٩.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥١ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٤٧ / ١٩٤ ، الإستبصار ٤ : ٧٨ / ٢٨٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٤ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٢ / ٧ ، التهذيب ٩ : ٤٧ / ١٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٧٨ / ٢٨٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٧ ح ٣.

(٤) المبسوط ٦ : ٢٨٢.

٣٨٢

وللحلبي ، فألحق بالعذرة غيرها من النجاسات (١). وهو كالأوّل شاذّ مندفع بما مرّ من الخبر ، ووجوب الاقتصار في الحكم بالتحريم على المجمع عليه ، وهو ما تمحّض عذرة الإنسان.

ثم إنّ النصوص والفتاوى المعتبرة خالية عن تعيين المدّة التي يحصل فيها الجلل. وغاية ما يستفاد من المرسلة الأُولى اعتبار كون العذرة غذاءها ، ومن الثانية أنّ الخلط لا يوجب الجلل. وكلّ منهما بالإضافة إليها مجملة.

وقدّرها بعضهم بأن ينمو ذلك في بدنه ويصير جزءاً (٢). وبعضهم بيوم وليلة (٣). وآخرون بأن يظهر النتن في لحمه وجلده ، يعني رائحة النجاسة التي اغتذت بها (٤). ورابع بأن يسمّى في العرف جلاّلاً (٥). وهذا أقوى ؛ لأنّه المحكّم فيما لم يرد به من الشرع تعيين أصلاً.

( ويحلّ ) الجلاّل ( مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف ) الطاهر كما مرّ ، إجماعاً فتوًى ونصّاً مستفيضاً. ( و ) اتّفقا ( في ) أنّ ( كمّيته ) ومقداره في الإبل أربعون يوماً ، وأمّا فيما عداه ففي كلّ منهما في بيان كمّيته ( اختلاف ، ومحصّله ) المعتمد عليه المشهور سيّما بين المتأخّرين أنّ ( استبراء الناقة بأربعين يوماً ، والبقرة بعشرين ، والشاة بعشرة ) والبطّة بخمسة أيّام ، والدجاجة بثلاثة أيّام.

بل في ظاهر الخلاف الإجماع عليه ، إلاّ أنّه ذكر بدل الخمسة في‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٧٨.

(٢) التنقيح الرائع ٤ : ٣٦ ، الشهيد في الروضة ٧ : ٢٩٠.

(٣) نقله في التنقيح الرائع ٤ : ٣٦ عن بعض المحقّقين.

(٤) المسالك ٢ : ٢٣٨.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٥٠ ، كفاية الأحكام : ٢٤٩.

٣٨٣

البطة سبعة (١) ؛ وهو الحجّة في الجملة.

مضافاً إلى رواية السكوني القويّة في نفسها المنجبرة بعمل الأكثر هنا : « الدجاجة الجلاّلة لا يؤكل لحمها حتى تغتذي ثلاثة أيّام ، والبطة الجلاّلة خمسة أيّام ، والشاة الجلاّلة عشرة أيّام ، والبقرة الجلاّلة عشرين يوماً ، والناقة أربعين يوماً » (٢).

ونحوها بعينها رواية مسمع (٣) إلاّ أنّه بدّل العشرين في البقرة بالأربعين في نسختي التهذيب والاستبصار ، وبالثلاثين في نسخة الكافي المرويّ عنه الرواية في الكتابين. والظاهر سهو نسختهما سيّما مع تأيّد نسخة الكافي بروايتين أُخريين ضعيفتين.

في إحداهما : « الإبل الجلاّلة إذا أردت نحرها ، تحبس البعير أربعين يوماً ، والبقرة ثلاثين يوماً ، والشاة عشرة أيّام » (٤).

وفي الثانية : « الدجاج تحبس ثلاثة أيّام ، والبطّة سبعة أيّام ، والشاة أربعة عشر يوماً ، والبقرة ثلاثين يوماً ، والإبل أربعين يوماً ، ثم تذبح » (٥).

وهذه الروايات وإن تعدّدت بالثلاثين في البقرة ، إلاّ أنّها لا تقاوم الرواية المشهورة المنجبر ضعفها على تقديره بالشهرة وحكاية الإجماع‌

__________________

(١) لم يرد فيه البطّة ، بل ذكر في الشاة عشرة أيام أو سبعة أيام. الخلاف ٦ : ٨٦.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥١ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٤٦ / ١٩٢ ، الإستبصار ٤ : ٧٧ / ٢٨٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٦ أبواب الأطعمة الحرمة ب ٢٨ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٣ / ١٢ ، التهذيب ٩ : ٤٥ / ١٨٩ ، الإستبصار ٤ : ٧٧ / ٢٨٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٢ / ٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٧ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٨ ح ٤.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٢ / ٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٧ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٨ ح ٥.

٣٨٤

المتقدّمة ، وإن تأيّدت هذه الروايات بأصالة بقاء الحرمة إلاّ أنّها مخصّصة بتلك الروايات.

هذا مع أنّ أكثر هذه الروايات شاذّة بمعنى أنّها لا يمكن أن تكون مستندةً للقائل بالثلاثين في البقرة ، كالصدوق والإسكافي (١) ؛ لمصير الأوّل في الشاة إلى عشرين ، والثاني فيها إلى أربعة عشر ، وهي متّفقة على ردّ الأوّل ، لاتّفاقها عدا الأخيرة في كمّية الاستبراء فيها على أنّها عشرة ، ودلالة الأخيرة على أربعة عشر. وما عداها متّفقة على ردّ الثاني ، معاضدة للرواية المشهورة.

هذا مع أنّ رواية مسمع مرويّة في التهذيب في البقرة عشرين كالرواية المشهورة (٢) ، كما حكاه خالي العلاّمة المجلسي طاب رمسه في بعض حواشيه المنسوبة إليه على الرواية (٣).

وممّا ذكرنا ظهر أكثر الأقوال المختلفة في البقرة. وفيها قول بأربعين عن المبسوط والقاضي (٤) ؛ وحجّتهما عليه غير واضحة عدا نسختي الكتابين في رواية مسمع المتقدّمة. وهي مع ما هي عليه من وجوه الضعف المتقدّم لا يمكن أن تكون لهما حجّة ؛ لمصيرهما في الشاة إلى أنّ مدّة استبرائها سبعة ، والحال أنّ الرواية دلّت على أنّها عشرة كما في نسخة الكافي المعتبرة ، أو خمسة كما في نسختي الكتابين.

وبنحو هذا يجاب عن الرواية الأخيرة لو جعلت حجّة لما اختاره‌

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ٣ : ٢١٤ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٧٦.

(٢) التهذيب ٩ : ٤٥ / ١٨٩.

(٣) انظر ملاذ الأخيار ١٤ : ٢٠٩.

(٤) المبسوط ٦ : ٢٨٢ ، الموجود في المهذب ٢ : ٤٢٧ عشرون.

٣٨٥

الأوّل في الخلاف في البطة من أنّ مدة استبرائها سبعة ؛ لتضمّنها الأربعة عشر في الشاة والثلاثين في البقرة ، ولا يقول بشي‌ء منهما في شي‌ء من كتبه.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ ما عدا الرواية الأُولى شاذّة ولو في الجملة ضعيفة الأسانيد لا جابر لها بالكلّية. بخلاف الرواية الأُولى ؛ لاعتبارها في نفسها ووجود القول بجميع ما فيها ، وكونه مشهوراً بين أصحابنا شهرةً متحقّقةً ومحكيّةً في كلام جماعة (١). مع اعتضاد الحكم في الجميع ما عدا البطة بإجماع الخلاف ، وفيما عدا الدجاجة بالإجماع في الغنية (٢). فلا مسرح عن العمل بها ولا مندوحة.

فما يظهر من شيخنا الشهيد الثاني وجملة ممّن تبعه (٣) من الإضراب عنها وعن كلّ من الأقوال المتقدّمة ، والمصير إلى القاعدة وهي اعتبار أكثر الأمرين من هذه المقدّرات وما به يزول الجلل ليخرج عن حقّ الأدلّة ، لا وجه له وإن كان أحوط بلا شبهة ، مع أنّه إحداث قول مستأنف لم يوجد به قائل من الطائفة.

وممّا ذكروه من القاعدة يظهر وجه صحّة ما ذكره هو وجماعة ، من اعتبار ما يزول به الجلل عرفاً وعادةً في استبراء الجلاّلة التي لم يرد بتقدير مدّة استبرائها نصّ ولا رواية ، إلاّ أنّه ينبغي تقييده بعدم إمكان استنباط مدّته من مدة الجلاّلات المنصوصة بنحو من فحوى الخطاب والأولويّة.

__________________

(١) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٣٨ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٧ : ٢٩١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٥٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٣) الشهيد الثاني في الروضة ٧ : ٢٩٢ ، وتبعه الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٩٠ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٥٠.

٣٨٦

( ويحلّ من ) البهيمة ( الوحشيّة : البقر والكباش الجبليّة ، والحمر والغزلان واليحامير ) بلا خلاف بين المسلمين ، كما في صريح المسالك (١) ، وظاهر غيره من الجماعة (٢) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أصالتي البراءة والإباحة ، وعمومات الكتاب والسنّة ، وخصوص ما وقفت عليه في الثالث والرابع من بعض المعتبرة.

كالموثق عن رجل رمى حمار وحش أو ظبياً فأصابه ، ثمّ كان في طلبه إلى أن قال فقال عليه‌السلام : « إن علم أنّه أصابه وأنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل ، وإلاّ فلا يأكل » (٣).

وفي الخبر : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن لحم الحمر الأهليّة ، وليس بالوحشيّة بأس » (٤).

ويستفاد منه عدم الكراهة في الحمر. ولا يبعد ؛ للأصل ، واختصاص ما دلّ على النهي عنها بحكم التبادر وتقييدها في كثير ممّا تضمّنه بالأهليّة بها ، دون الوحشيّة. لكن في التحرير (٥) ، والمحكيّ في الدروس عن الحلّي (٦) كراهتها ، ولم أقف على مستندهما.

نعم ، في الدروس (٧) : في مكاتبة أبي الحسن عليه‌السلام في لحم حمر‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٣٩.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٦٥ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ١٨٣ ، كشف اللثام ٢ : ٢٦٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢١٠ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٤ / ١٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٦ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٣.

(٤) التهذيب ٩ : ٤٢ / ١٧٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥ ح ٧.

(٥) التحرير ٢ : ١٥٩.

(٦) السرائر ٣ : ١٠١.

(٧) الدروس ٣ : ٦.

٣٨٧

الوحش : « إنّ تركه أفضل » (١).

ولعلّها مراد صاحب الكفاية بقوله : وفي بعض الروايات في لحم حمير الوحش تركه أفضل (٢). ودلالتها على الكراهة غير واضحة.

( ويحرم ) من البهائم ( كلّ ما له ناب ) أي ضرس ( وضابطه ما يفترس ) ويعدو به على الحيوان ، قويّاً كان ( كالأسد و ) النمر ، أو ضعيفاً كـ ( الثعلب ) وابن آوى ، بلا خلاف ، بل عليه إجماع الإمامية في الخلاف والغنية وغيرهما من كتب الجماعة (٣) ؛ وهو الحجّة المخصّصة لأصالتي البراءة والإباحة ، وإطلاقات الكتاب والسنّة.

مضافاً إلى النهي النبويّ المشهور عن كلّ ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير ، المرويّ في المعتبرة.

ففي الصحيح : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كلّ ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير حرام ، وقال : لا تأكل من السباع شيئاً » (٤).

وفيه : « كلّ ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير حرام » (٥).

وفي الموثّق : « إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّم كلّ ذي مخلب من الطير ، وكلّ ذي ناب من الوحش ، والسبع كلّه حرام وإن كان سبع لا ناب له » (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣١٣ / ١ ، الوسائل ٢٥ : ٥٠ أبواب الأطعمة المباحة ب ١٩ ح ١.

(٢) الكفاية : ٢٤٨.

(٣) الخلاف ٦ : ٧٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٨ ، والمفاتيح ٢ : ١٨٢.

(٤) الكافي ٦ : ٢٤٥ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٨ / ١٦٢ ، الوسائل ٢٤ : ١١٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ٢٤٤ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٥ / ٩٣٨ ، التهذيب ٩ : ٣٨ / ١٦١ ، الوسائل ٢٤ : ١١٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٢٤٧ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٦ / ٦٥ ، الوسائل ٢٤ : ١١٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣ ح ٣.

٣٨٨

( و ) كذا ( يحرم الأرنب والضبّ واليربوع ) والوبر والخز ، والفنك والسمور ، والسنجاب والعظاة واللحكَة ( والحشار ) كلّها ( كالفأرة والقنفذ ) والعقرب ( والحيّة ) والجرذان ( والخنافس والصراصر ، وبنات وردان ) والبراغيث ( والقمّل ).

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك. بل عليه الإجماع في الكتب المتقدّمة ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى أنّ بعضاً منها ما هو منصوص على تحريمه.

ومنها : ما يحرم لخبثه كالحشار ؛ لآية ( يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ) (١).

ومنها : ما هو ذو سمّ فيحرم ؛ لما فيه من الضرر ، وفي الموثّق : أنّه كره أكل [ كلّ ] ذي حُمَة (٢).

ومنها : ما هو من المسوخات المحرّمة ؛ لكثير من المعتبرة ، منها الصحيح : عن أكل الضبّ ، فقال : « إنّ الضبّ والفأرة والقردة والخنازير مسوخ » (٣) فتأمّل.

والموثق : « حرّم الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسوخ جميعاً » (٤).

والخبران : في أحدهما : أيحلّ أكل [ لحم ] الفيل؟ فقال : « لا » فقلت : لم؟ قال : « لأنّه مثلة ، وقد حرّم الله عزّ وجلّ الأمساخ ، ولحم ما مثّل به في‌

__________________

(١) الأعراف : ١٥٧.

(٢) الكافي ٦ : ٢٤٥ / ٧ ، التهذيب ٩ : ٤٠ / ١٦٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٦ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٤٥ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٩ / ١٦٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٤٧ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٦ / ٦٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢ ح ٣.

٣٨٩

صورها » (١).

وفي الثاني : عن لحم الكلب ، فقال : « هو مسخ » قلت : هو حرام؟ قال : « هو نجس » (٢) الخبر.

هذا ، وأمّا الصحاح الدالّة على حلّ ما لم يحرّمه القرآن على كراهة في بعضها (٣) ، فهي شاذّة لا عمل عليها مطرحة ، أو محمولة على التقيّة فتأمّل أو ما ذكره شيخ الطائفة من حمل التحريم المنفيّ فيها على التحريم المخصوص المغلّظ الشديد الحظر (٤) ، وهو ما اقتضاه ظاهر القرآن.

( القسم الثالث : في الطير ) ‌

( والحرام منه ما كان سبعاً ) ذا مخلب أي ظفر يفترس ويعدو به على الطير ، قويّاً كان ( كالبازي ) والصقر ، والعقاب والشاهين والباشق ، أو ضعيفاً كالنسر ( والرخمة ) والبغاث ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الكتب المتقدّمة والمبسوط (٥) ؛ للنهي المتقدّم في تلك المعتبرة.

( وفي الغراب روايتان ) أصحّهما الصحيح : عن غراب الأبقع‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤٥ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٩ / ١٦٥ ، علل الشرائع : ٤٨٥ / ٥ ، المحاسن : ٣٣٥ / ١٠٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢ ح ٢ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

(٢) الكافي ٦ : ٢٤٥ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٣٩ / ١٦٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢ ح ٤.

(٣) كصحيحة محمد بن مسلم. انظر الوسائل ٢٤ : ١٢٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥ ح ٦.

(٤) التهذيب ٩ : ٤٢.

(٥) الخلاف ٦ : ٨٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، المبسوط ٦ : ٢٨١.

٣٩٠

والأسود ، أيحلّ أكله؟ فقال : « لا يحلّ أكل شي‌ء من الغربان ، زاغ ولا غيره » (١).

( والوجه ) عند الماتن هنا ( الكراهية ) مطلقاً ، تبعاً للقاضي والنهاية (٢) ؛ عملاً بأصالتي البراءة والإباحة ، وجمعاً بين الصحيحة المزبورة والرواية الثانية ، المعتبرة بأبان المشترك ، الظاهر كونه الناووسي ، الذي اجتمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة ، وفضالة : « أكل الغراب ليس بحرام ، إنّما الحرام ما حرّمه الله في كتابه » (٣) بحمل الاولى على نفي الحلّية المطلقة من دون كراهة.

واعتمد في هذا الجمع على الموثّقة : « أنّه كره أكل الغراب ، لأنّه فاسق » (٤) حيث أُطلق عليه لفظ الكراهة.

والمناقشة في الجميع واضحة ؛ للزوم الخروج عن الأصلين بالصحيحة المعتضدة بالمعاضدات القويّة التي يأتي إلى ذكرها الإشارة.

وفسادِ الجمع من وجوه عديدة ؛ لقصور الرواية عن المقاومة للصحيحة سنداً ومتناً ، لتضمّنه الحكم بحلّ كلّ ما لم يحرّمه القرآن ، الفاسد إجماعاً ، فهي شاذّة جدّاً لا معوّل عليها أصلاً ، سيّما مع احتمالها الحمل على التقيّة ، كما ذكره بعض أصحابنا (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤٥ / ٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٧ ح ٣.

(٢) القاضي في المهذب ٢ : ٤٢٩ ، النهاية : ٥٧٧.

(٣) التهذيب ٩ : ١٨ / ٧٢ ، الإستبصار ٤ : ٦٦ / ٢٣٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ١٩ / ٧٤ ، الإستبصار ٤ : ٦٦ / ٢٣٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٧ ح ٢.

(٥) كالحرّ العاملي في الوسائل ٢٤ : ١٢٥.

٣٩١

والموثّقة وإن تضمّنت لفظ الكراهة إلاّ أنّه أعمّ من المعنى المصطلح عليه الآن ومن الحرمة ، فهو من الألفاظ المجملة التي يرجع في معرفة معانيها إلى القرينة ، والصحيحة المصرّحة بالحرمة أقوى قرينة ، سيّما مع اعتضادها بروايات أُخر هي ما بين صريحة فيها وظاهرة.

فالأوّل : ما تضمّن السؤال عن الغراب الأبقع ، قال : فقال : « إنّه لا يؤكل ، ومَن أحلّ لك الأسود؟! » (١).

والثاني : ما تضمّن أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتي بغراب فسمّاه فاسقاً ، وقال : « والله ما هو من الطيبات » (٢).

ومنه ما دلّ على النهي عن أكل بيضه (٣) ، لما مرّ (٤) وما سيأتي من تبعيّة بيض الحيوان ولبنه للحمه في حرمته أو كراهته.

فإذاً الأقوى القول بالتحريم مطلقاً ، كما في المختلف والإيضاح والروضة (٥) ، وفاقاً للمبسوط والخلاف (٦) ، مدّعياً عليه في ظاهر الأوّل وصريح الثاني إجماع الإماميّة ؛ وهو حجّة أُخرى مستقلّة معتضدة في الجملة بما يظهر من ظاهر التحرير وقريب منه الإرشاد واللمعة (٧) من عدم‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤٦ / ١٥ ، التهذيب ٩ : ١٨ / ٧١ ، الإستبصار ٤ : ٦٥ / ٢٣٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٧ ح ٤.

(٢) عوالي اللئلئ ٣ : ٤٦٨ / ٢٧ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٧٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٦ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٢ / ١٠ ، التهذيب ٩ : ١٦ / ٦٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٧ ح ٥.

(٤) في ص ٣٧٤.

(٥) المختلف : ٦٧٨ ، الإيضاح ٤ : ١٤٧ ، الروضة ٧ : ٢٧٧.

(٦) المبسوط ٦ : ٢١٨ ، الخلاف ٦ : ٨٥.

(٧) التحرير ٢ : ١٦٠ ، الإرشاد ٢ : ١١٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٢٧٥. قد استثنى في اللمعة الغُداف أيضاً.

٣٩٢

الخلاف في تحريم ما عدا الزاغ. بل يظهر من الأوّلين كون ما عداه بأقسامه من السباع.

ونحوهما الحلّي حيث قال : الغربان على أربعة أضرب ، ثلاثة منها لا يجوز أكل لحمها ، وهي الغداف الذي يأكل الجيف ، ويفرس ويسكن الخرابات ، وهو الكبير من الغربان [ السود ]. وكذلك الأغبر الكبير ؛ لأنّه يفرس ويصيد الدرّاج ، فهو من جملة سباع الطير. وكذلك لا يجوز أكل لحم الأبقع الذي يسمى العقعق طويل الذنب. وأمّا الرابع وهو غراب الزرع ، الصغير من الغربان السود الذي يسمّى الزاغ. فإنّ الأظهر من المذهب أنّه يؤكل لحمه على كراهية دون أن يكون لحمه محظوراً. وإلى هذا يذهب شيخنا في نهايته ، وإن كان قد ذهب إلى خلافه في مبسوطه ، ومسائل خلافه ، فإنّه قال بتحريم الجميع. وذهب في استبصاره إلى تحليل الجميع. والصحيح ما اخترناه ؛ لأنّ التحريم يحتاج إلى دلالة شرعية ، لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، ولا إجماع على حظره ، ولا أخبار متواترة ، ولا كتاب الله تعالى (١).

وقريب منه عبارة الفاضل في الكتابين مختاراً في الزاغ ما اختاره من الكراهة. وبها في الغداف خاصّةً أفتى في اللمعة ، ونسبها في الزاغ إلى المشهور مشعراً بالتردّد فيه.

وهذا التفصيل بكلا قسميه لا يستقيم له حجّة بعد إطلاق ما مرّ من الروايتين بالحلّ والحرمة ، إلاّ على أصل الحلّي الذي لا أصل له من طرحهما جملةً بناءً على أنّهما من الأخبار الآحاد التي ليست عنده بحجّة ،

__________________

(١) السرائر ٣ : ١٠٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٣٩٣

فتبقى الأُصول الدالّة على الإباحة بحالها باقية ، لكن في الزاغ خاصّةً دون غيره ، لما مرّ من أنّه بأقسامه الثلاثة من سباع الطير المحرّمة المستثناة منها بالإجماع ، والمعتبرة المتقدّمة.

ومنه يظهر مزيد الحجّة على مختار الماتن في الجميع ، واللمعة في الغداف (١) من الكراهة ؛ لأنّه من السباع المزبورة.

( و ) إنّما حكم الماتن بأنه ( يتأكّد ) الكراهة ( في الأبقع ) لورود النهي عنه بالخصوص في بعض الروايات المتقدّمة.

( ويحرم من الطير ) مطلقاً بريّاً كان أو بحريّاً ( ما كان صفيفه ) حال طيرانه وهو أن يطير مبسوطة الجناحين من غير أن يحرّكهما ـ ( أكثر من دفيفه ) بأن يحرّكهما حالته. دون ما انعكس.

( و ) كذا يحرم ( ما ليس له قانصة ) وهي للطير بمنزلة المَصارين (٢) لغيرها ، ويقال لها بالفارسية : سنگدان.

( ولا حوصلة ) بالتشديد والتخفيف ، وهي مجمع الحبّ وغيره من المأكول عند الحلق ، ويقال لها بها : چينه دان.

( ولا صيصية ) بكسر أوّله وثالثه مخفّفاً ، وهي الشوكة التي في رجله موضع العقب ، وأصلها شوكة الحائك التي يسوّى بها السدى واللحمة ، ويقال لها بها : مِهْمِيز.

ويحلّ منه ما يوجد فيه الدفيف أكثر ، أو أحد العلامات الثلاثة الأخيرة.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، بل عليه الإجماع في صريح‌

__________________

(١) ( الروضة البهية ٧ ) : ٢٧٥ ، قال فيها بحلّية الغُداف.

(٢) المصير كَرَغيف : المعاء ، والجمع مُصران كرُغفان. مجمع البحرين ٣ : ٤٨٢.

٣٩٤

كلام المقدس الأردبيلي (١) ، وظاهر صاحب الكفاية (٢) ، وادّعاه أيضاً في الغنية لكن في القانصة والحوصلة (٣) ؛ وهو الحجّة مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح : « كُلْ ما دفّ ، ولا تأكل ما صفّ » قلت : فطير الماء؟ قال : « ما كانت له قانصة فكل ، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل » (٤).

وفيه : عن الحُبارى ، قال : « إن كانت له قانصة فكل ». وعن طير الماء ، فقال مثل ذلك (٥).

وفيه : الطير ما يؤكل منه؟ فقال : « لا يؤكل منه ما لم تكن له قانصة » (٦).

وفي الموثق : « كُلْ من طير البرّ ما كانت له حوصلة ، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام ، لا معدة كمعدة الإنسان. وكلّ ما صفّ وهو ذو مخلب فهو حرام. والصفيف كما يطير البازي والصقْر والحِدَأة ، وما أشبه ذلك. وكلّ ما دفّ حلال. والحوصلة والقانصة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه وكلّ طير مجهول » (٧).

وفي الخبر القاصر بسهل الذي ضعفه سهل أو ثقة ، وعليه فهو موثق كالصحيح بابن بكير ، بل عند بعض صحيح : « كُلْ من الطير ما كانت له‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٧٧.

(٢) الكفاية : ٢٤٩.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٤) الكافي ٦ : ٢٤٧ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٠٥ / ٩٣٦ ، التهذيب ٩ : ١٦ / ٦٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٢ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٩ ح ١.

(٥) التهذيب ٩ : ١٥ / ٥٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٨ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢١ ح ٣.

(٦) الكافي ٦ : ٢٤٧ / ٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٤٩ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٨ ح ١.

(٧) الكافي ٦ : ٢٤٧ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٦ / ٦٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٨ ح ٣.

٣٩٥

قانصة ، أو صيصية ، أو حوصلة » (١).

وفي آخر : « كُلْ ما دفّ ولا تأكل ما صفّ » فقلت : إنّي اوتي به مذبوحاً ، فقال : « كُلْ ما كانت قانصة » (٢).

وظاهره كغيره اعتبار استدامة الصفيف والدفيف دون اكثريّتهما كما في صريح الفتاوي. ولعلّ الوجه في تقييدهما بها غلبتها دون الاستدامة جدّاً.

مضافاً إلى المرسل المرويّ في الفقيه المصرّح بها ، ففيه : « إن كان الطير يصفّ ويدفّ وكان دفيفه أكثر من صفيفه أُكل ، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلم يؤكل. ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية ، ولا يؤكل ما ليس له قانصة أو صيصية » (٣).

ويستفاد منه كغيره المردّد بين العلامات عدم وجوب اجتماعها في الإباحة ، وأنّ في بعضها كفاية. وهو ظاهر العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة (٤) ، وصرّح به آخرون (٥). ويعضده باقي النصوص المتقدّمة من حيث اكتفاء كلّ منها ببعض العلامات في الإباحة.

ثمّ إنّ ظاهر الموثّق وما بعد خبر ابن بكير وإن اختلفا في الظهور قوّة‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤٨ / ٥ ، التهذيب ٩ : ١٧ / ٦٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٥١ أبواب الأطعمة الحرمة ب ١٨ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٢٤٨ / ٦ ، التهذيب ٩ : ١٦ / ٦٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٥١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٨ ح ٦.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٠٥ / ٩٣٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ١٩ ح ٤.

(٤) كالشهيدين في الدروس ٣ : ٩ ، والروضة ٧ : ٢٧٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٧٧.

(٥) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ١٥٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٩ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٨٥.

٣٩٦

وضعفاً أنّ العلامات الثلاثة الأخيرة إنّما تعتبر في المجهول طيرانه ، وحكاه بعض الأصحاب (١) قولاً ، ولم أقف على قائله صريحاً.

نعم ، ربما يوهمه كلام شيخنا في المسالك (٢) ، لكنّه صرّح فيه وفي الروضة (٣) بأنّ الظاهر تلازم العلامات المزبورة ، وأنّه لا محرّم له إحداها ولا محلّل خالٍ عنها. وتبعه في التصريح جملة ممّن تبعه مدّعياً بعضهم (٤) إمكان استفادة التلازم بينها من النصوص المزبورة بعد ضمّ بعضها إلى بعض. ولا بدّ من التأمّل.

واعلم أنّ ( في حلّ متساوي الدفيف والصفيف أم حرمته خلافاً. فبين من قال بالأوّل ، كالتحرير والدروس والكفاية وغيرهم (٥) ؛ عملاً بعمومات أدلّة الإباحة من الكتاب والسنّة ، وخصوص ما دلّ على إباحة كلّ ما اجتمع فيه الحلّ والحرمة. وبين من قال بالثاني كالشهيد في اللمعة (٦) ؛ عملاً باستصحاب الحرمة قبل التذكية المخصص لأدلّة الإباحة ، وخصوص ما دلّ على غلبة الحرام على الحلال إذا اجتمعا (٧) ) (٨).

__________________

(١) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٨٦.

(٢) المسالك ٢ : ٢٤٠.

(٣) الروضة ٧ : ٢٧٩.

(٤) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٧٨ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٦٣.

(٥) التحرير ٢ : ١٦٠ ، الدروس ٣ : ١١ ، الكفاية : ٢٤٩ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ٢٦٣ ، القواعد ٢ : ١٥٦.

(٦) اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٢٧٨.

(٧) راجع ص ٣٥٣.

(٨) بدل ما بين القوسين في « ر » و « ح » : المعروف من مذهب الأصحاب على الظاهر المصرّح به في الكفاية (٢٤٩) حلّ متساوي الصفيف والدفيف. ولعلّه لعمومات أدلّة الإباحة من الكتاب والسنة ، وخصوص ما دلّ على إباحة كلّ ما اجتمع فيه الحلّ والحرمة. ويحتمل ضعيفاً المنع ؛ عملاً باستصحاب الحرمة قبل التذكية.

٣٩٧

وفيه نظر ، ولعلّ الأوّل أظهر.

هذا إذا لم يوجد فيه شي‌ء من العلامات الأُخر للحلّ أو الحرمة. ومع وجوده يتبع حلاًّ وحرمةً إذا كان عن معارضة علامة الضدّ سليمة ، وإلاّ فيجري فيه الوجهان. ولكنّ الظاهر هنا تغليب جانب الحرمة كما يستفاد من بعض المعتبرة المتقدّمة التي لم نذكر منها ما هو موضع الدلالة في المسألة (١) ، لكن لا ثمرة فيها بعد ما عرفت من عدم اجتماع علامتي الحلّ والحرمة.

( ويحرم الخفّاش ) ويقال له الخشاف والوطواط أيضاً ( والطاوس ) بلا خلاف ؛ لكونهما من المسوخ كما يستفاد من النصوص (٢).

مضافاً إلى الخبر في الثاني : « الطاوس لا يحلّ أكله ، ولا بيضه » (٣).

( وفي ) حرمة ( الخُطّاف تردّد ) واختلاف ، فبين قائلٍ بها ، كالنهاية والقاضي والحلّي (٤) مدّعياً الإجماع عليه ؛ له ، وللخبر : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل الستّة : النحلة ، والنملة ، والضفدع ، والصرد ، والهدهد ، والخطّاف » (٥).

__________________

(١) وهي الموثقة المتقدّمة في ص ٣٩٤.

(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ١٠٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٤٥ / ٩ ، الوسائل ٤ : ١٠٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢ ح ٥.

(٤) النهاية : ٥٧٧ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤٢٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ١٠٤.

(٥) التهذيب ٩ : ٢٠ / ٧٨ ، الإستبصار ٤ : ٦٦ / ٢٣٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٢ أبواب الصيد ب ٣٩ ح ٣.

٣٩٨

وقائلٍ بعدمها ، كالمفيد (١) في ظاهره ، وتبعه عامّة متأخّري أصحابنا. وهو الأقوى ؛ لأصالتي الإباحة والبراءة ، وعموم ما مرّ من المعتبرة الدالّة على حلّ كل ما دفّ ، والخطاف منه على الظاهر المصرّح به في كلام جمع (٢).

وخصوصِ الموثّق : « هو ممّا يؤكل لحمه » (٣) وحمله على التعجب كما فعله الشيخ (٤) بعيد ، سيّما مع تضمّنه بعد أن سئل بعد ذلك عن الوَبْر يؤكل؟ : أنّه حرام.

والخبر المرويّ في المختلف : « خُرء الخُطّاف لا بأس به ، وهو ممّا يحلّ أكله ، ولكن كره أكله ، لأنّه استجار بك » (٥).

هذا ، وفي الصحيح : عن قتل الخُطّاف وإيذائهنّ في الحرم ، فقال : « لا يقتلن ، فإنّي كنت مع عليّ بن الحسين عليه‌السلام فرآني [ وأنا ] أُوذيهنّ ، فقال : يا بنيّ ، لا تقتلهنّ ولا تؤذهنّ ، فإنّهنّ لا يؤذين شيئاً » (٦).

وهو ظاهر في الحلّ ؛ للحكم بأنّهنّ لا يؤذين شيئاً ، وهو دالّ على طهارة ذرقهنّ ، وإلاّ لحصل الإيذاء ، لعموم البلوى بهنّ ، وعدم الانفكاك غالباً عن ذرقهنّ. وهي تدلّ على حلّ أكلهن بناءً على التلازم بينهما على‌

__________________

(١) المقنعة : ٥٧٧.

(٢) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٤١ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٤١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٨٧.

(٣) التهذيب ٩ : ٢١ / ٨٤ ، الإستبصار ٤ : ٦٦ / ٢٤٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٤ أبواب الصيد ب ٣٩ ح ٦.

(٤) التهذيب ٩ : ٢١.

(٥) المختلف : ٦٧٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٣ أبواب الصيد ب ٣٩ ح ٥.

(٦) الكافي ٦ : ٢٢٤ / ٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩١ أبواب الصيد ب ٣٩ ح ١ ، وما بين المعقوفين منه الكافي.

٣٩٩

الأشهر الأقوى.

والإجماع لو سلّم هنا فغايته أنّه خبر صحيح ، وهو لا يعارض الموثّق وغيره الصريحين المعتضدين بالأُصول ، والعمومات ، والشهرة العظيمة بين الأصحاب التي كادت تكون لنا الآن إجماعاً ، مضافاً إلى المعاضدات الأُخر.

والخبر مع ضعف سنده من وجوه غير دالّ ؛ إذ غايته النهي عن القتل ، وهو غير ملازم لتحريم الأكل بوجه ، وإن وجد في صدره ما ربما يتوهّم منه مناسبة له ، لكنّه غير واضح.

هذا مضافاً إلى ( عدم ) (١) إفادة النهي فيه عن القتل حرمته بعد تعلّقه بما لا يحرم قتله إجماعاً ، كالهدهد ونحوه ، فغايته إفادة المرجوحيّة الشاملة للكراهة. وجعله بالإضافة إلى الخطّاف للتحريم وإلى الهدهد للكراهة غير جائز ؛ للزوم استعمال اللفظة الواحدة في استعمال واحد في المجاز والحقيقة.

وبالجملة : فالقول بالحرمة ضعيف غايته ، كالتردّد فيها المستفاد من صريح التحرير ، والماتن هنا وفي الشرائع (٢) ( و ) لكن جعل ( الكراهة أشبه ).

ووجهها مع ثبوت الإباحة الشبهة الناشئة عن أدلّة الحرمة ، سيّما مع حكاية الإجماع فإنّها توجب تأكّدها ، كما صرّح به بعض الأجلّة.

( وتكره الفاختة والقُنبرةَ ) بلا خلاف فيهما وفي الطيور الآتية ؛ للنصوص.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ر » و « ح » : التأمّل في.

(٢) التحرير ٢ : ١٦٠ ، الشرائع ٣ : ٢٢١.

٤٠٠