رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

هذا ، مع أنّ فيه جمعاً بين الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الدالّة على عدم البأس بأكل ما أكله الكلب على الإطلاق (١) ، والمعتبرة المستفيضة الدالة على النهي عنه كذلك (٢) ، بحمل الأوّلة على صورة الندرة ، والثانية على صورة التساوي أو الغلبة. وربما أشعرت باختصاصها بهذه الصورة ؛ لما فيها من التعليل بعدم الإمساك على المرسل بل على نفسه.

ففي صحاحها : « إذا أكل فلم يمسك عليك ، إنّما أمسك على نفسه » (٣).

وفي بعضها : « إذا أمسكه وأكل منه فلا تأكل ، فإنّه أمسكه على نفسه » (٤) فتدبر وتأمّل.

خلافاً للصدوقين (٥) وجماعة (٦) ، فقالوا : إنّ عدم الأكل ليس بشرط ؛ للصحاح الأوّلة. وفي قولهم اطراح للنصوص الأخيرة.

والذبّ عنه بحملها على التقيّة ، كما يظهر من الصحيح : قلت : إنّهم يقولون : إذا أكل منه فإنّما أمسك على نفسه فلا تأكل ، قال : « كل ، أو ليس قد جامعوكم على أنّ قتله ذكاته؟ » قال : قلت : بلى ، قال : « فما يقولون في شاة ذبحها رجل ، أذكاها؟ » قال : قلت : نعم ، قال : « فإنّ السبع جاء بعد ما‌

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣٣٣ أبواب الصيد ب ٢.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٣٣٧ ٣٣٨ أبواب الصيد ب ٢ الأحاديث ١٦ ، ١٧ ، ١٨.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٧ / ١١١ ، الإستبصار ٤ : ٦٩ / ٢٥٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٣٨ أبواب الصيد ب ٢ ح ١٧.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٨ / ١١٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٣٨ أبواب الصيد ب ٢ ح ١٨.

(٥) الصدوق في المقنع : ١٣٨ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٦٨٩.

(٦) منهم : ابن أبي عقيل حكاه عنه في المختلف : ٦٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٥ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢١١.

٢٦١

ذكّي فأكل بعضها ، أيؤكل البقية؟ » [ قلت : نعم ، قال : ] « فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم : كيف تقولون : إذا ذكّى هذا وأكل منها لم تأكلوا منها ، وإذا ذكّى هذا وأكل أكلتم » (١).

مدفوع بأنّ في بعضها ما ينافي حمله وهو حصر المنع عن أكل ما قتله الفهد.

ففي الموثق كالصحيح بل ربّما عدّ من الصحيح : « لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ممّا لم يأكل الكلب [ منه ] فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه » قال : وسألته عن صيد الفهد وهو معلّم للصيد ، فقال : « إن أدركته حيّاً فذكّه وكُلْه ، وإن قتله فلا تأكل منه » (٢).

وهو مناف للحمل المزبور ؛ لتحليلهم ما فيه منع عنه.

وللإسكافي ، ففرّق بين أكله منه قبل موت الصيد وبعده (٣) ، وجعل الأوّل قادحاً في التعليم دون الثاني. وهذا أضعف من سابقه ؛ لأنّ فيه إمّا اطراحاً لجميع النصوص حيث لم يقل بإطلاق شي‌ء من قسميها ، أو جمعاً بينهما بما لا وجه له ولا شاهد عليه أصلاً ، فلا يمكن أن يكون به مفتياً.

وليس كذلك الجمع الذي اخترناه ؛ لوضوح الشاهد عليه من الإجماع المنقول (٤) المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة. وبها يمكن ترجيح هذا الجمع ولو فرض فقد‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٣ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٢٣ / ٩١ ، الإستبصار ٤ : ٦٩ / ٢٥٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٣٣ أبواب الصيد ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٧ / ١١٠ ، الإستبصار ٤ : ٦٩ / ٢٥١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٣٧ أبواب الصيد ب ٢ ح ١٦.

(٣) كما حكاه عنه في المختلف : ٦٧٥.

(٤) المتقدّم في ص ٢٥٨.

٢٦٢

الإجماع المنقول ، لأنّها من أعظم المرجّحات الاجتهادية. هذا مضافاً إلى حجّة المرتضى بعده المتقدّمة (١). وبالجملة : لا ريب عند الأحقر فيما ذهب إليه الأكثر.

واعلم أنّ هذه الأُمور لا بُدّ من تكرّرها مرّةً بعد مرة أُخرى ، ليغلب على الظنّ تأدّب الكلب بها ، فيصدق عليه في العرف كونه مكلّباً. والأولى أن لا يقدّر المرّات بعدد كما فعله جماعة (٢) ، بل يرجع إلى العرف وأهل الخبرة.

( و ) اعلم أنَّ استعمال آلة الصيد حيواناً كانت أو جماداً نوع من التذكية ، فيشترط فيه ما يشترط فيها ، بلا خلاف أجده ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أصالة الحرمة المتقدّمة ، مع اختصاص أدلّة الإباحة كتاباً وسنةً بحلّ ما اجتمعت فيه شروط التذكية.

وإطلاق بعضها غير شامل لما عداه ؛ لوروده لبيان حكم آخر غيرها ، فلا يكون حجّة. هذا ، مع أنّ الحجّة على اعتبار كلّ من الشرائط الآتية بالخصوص قائمة.

فـ ( يعتبر في المرسل ) للكلب وما في حكمه ( أن يكون مسلماً ، أو بحكمه ) كولده المميّز الغير البالغ ذكراً كان أو أُنثى. فلو أرسل الكافر لم يحلّ وإن سمّى أو كان ذميّاً ، على الأقوى ، بل عليه في الانتصار إجماعنا (٣) ؛ لما مضى ، مضافاً إلى ما سيأتي في الذبيحة. وكذا الناصب من‌

__________________

(١) في ص ٢٥٨.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١٨ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢١١.

(٣) الانتصار : ١٨٩.

٢٦٣

المسلمين والمجسّمة ، أمّا غيرهما من المخالفين ففي حلّ صيده الخلاف الآتي ثمّة.

ولا يحلّ صيد الصبي غير المميّز ولا المجنون ؛ لاشتراط القصد الممتنع عنهما كما يأتي ، مضافاً إلى الأصل الماضي. ومقتضاه وإن كان حرمة صيد المميّز أيضاً ، إلاّ أنّه خارج بالإجماع ظاهراً ، وبما سيأتي في الذبيحة من النصّ والفتوى المبيحين لذبيحته ، فيدلان على إباحة صيده بطريق أولى ، لأنّه يغتفر في الصيد ما لا يغتفر فيها. مع أنّه في حكمها كما مضى.

وأمّا الأعمى فإن تصوّر فيه قصد الصيد المشترط في إباحته حلّ صيده ، وإلاّ فلا.

وأن يكون مرسلاً و ( قاصداً بإرساله الصيد ) فلو استرسل الكلب بنفسه من غير أن يرسله ، أو أرسله لكن لا بقصد الصيد ، كما إذا رمى سهماً إلى هدف فصادف صيداً فقتله ، أو أرسله لكن مقصوده ليس محلّلاً كما لو ظنّه خنزيراً فأصاب محلّلاً لم يحلّ ، بلا خلاف ظاهر ، بل عليه الإجماع في الأوّل في الخلاف (١).

للخبر : « إذا أرسلت كلبك فكل » (٢) حيث قيّد تجويز الأكل بالإرسال ، فلا يجزي الاسترسال ، ولا مع عدم القصد ، لأنّه في قوّته.

قيل : وفيه نظر (٣). ولعلّ وجهه إمّا قصور السند. وليس بوجه ؛ لانجباره بالعمل. أو ضعف الدلالة بقوّة احتمال ورود الشرط مورد الغالب ،

__________________

(١) الخلاف ٦ : ١٦.

(٢) الخلاف ٦ : ١٧ ، المستدرك ١٦ : ١١٢ أبواب الصيد ب ١١ ح ٣.

(٣) المفاتيح ٢ : ٢١٢.

٢٦٤

فلا عبرة بمفهومه. وهو وجيه ، إلاّ أنّ الأصل المتقدّم المعتضد بعدم الخلاف دليل في المقامين قويّ.

وربّما اعتضد بظاهر الخبر : عن كلب أفلت ، ولم يرسله صاحبه ، فصاد فأدركه صاحبه وقد قتله ، أيأكل منه؟ قال : « لا » (١).

وفيه نظر ؛ لاحتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية ، لا إلى الاسترسال ، فلا دلالة فيه على اعتبار الإرسال. بل ربما كان في ذيله ما يشعر بعدم اعتباره وأنّ الوجه في المنع عن الأكل المتقدّم هو ما ذكرناه من الاحتمال ، وهو قوله بعد ما مرّ : وقال عليه‌السلام : « إذا صاد وقد سمّى فليأكل ، وإن صاد ولم يسمّ فلا » الخبر.

ولعلّه لذا إنّ في الكفاية بعد مناقشته في الحكم المستند في كلام بعض الأصحاب إلى الرواية التي مرّ إلى النظر فيها الإشارة وتضعيفها ، عارضها بهذه الرواية (٢).

وفيه مناقشة ؛ لابتناء المعارضة على وضوح دلالة هذه الرواية على عدم اعتبار الإرسال. وليس بواضح ؛ لاحتمال أن يكون المراد بالذيل والتتمة الدالّة على جعل المعيار في الإباحة هو التسمية ، الكناية عن اعتبارها مع الإرسال المصاحب لها غالباً ، سيّما على القول بكون وقتها عنده لا مطلقاً. فتأمّل جدّاً.

والمعتبر قصد الجنس المحلّل لا عينه. فلو أرسل كلبه أو سهمه على‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٥ / ١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٠٢ / ٩١٤ ، التهذيب ٩ : ٢٥ / ١٠٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٦ أبواب الصيد ب ١١ ح ١ ، وللخبر ذيلٌ سيشير إليه المصنف ، وأورده في الوسائل ٢٣ : ٣٥٦ أبواب الصيد ١٢ ح ١.

(٢) الكفاية : ٢٤٥.

٢٦٥

صيد معيّن فقتل غيره حلّ ؛ لتحقّق القصد ، ولصريح الخبر المنجبر قصور سنده بابن محبوب الراوي عن موجبه : عن رجل سمّى ورمى صيداً ، فأخطأه وأصاب آخر ، فقال : « يأكل منه » (١).

إلاّ أنّه يوجد في نسخة مروية في التهذيب : « لا يأكل » لكن النسخة الأُولى مرويّة في الكافي والتهذيب في نسختها الأُخرى ، فهي أقوى.

وأنّ يكون ( مسمّياً عند الإرسال ) لما مرّ ، مضافاً إلى عموم ( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ) (٢) ونحوه من النصوص (٣) ، وخصوص بعضها.

وفي الكلب خاصّة قوله سبحانه ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ ) (٤).

وفي الصحيح : « من أرسل كلبه ولم يسمّ فلا يأكله » (٥).

ولا خلاف فتوًى ونصاً في إجزائها إذا وقعت عند الإرسال. أمّا بينه وبين عضّ الكلب ففيه خلاف. والأصحّ الإجزاء ، وفاقاً للشهيدين وغيرهما (٦) ؛ للعمومات سيّما الآية الأخيرة. بل هو أولى بالإجزاء ؛ لقربه من وقت التذكية.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٥ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٨ / ١٦٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٠ أبواب الصيد ب ٢٧ ح ١.

(٢) الأنعام : ١٢١.

(٣) انظر الوسائل ٢٤ : أبواب الذبائح ب ٢٧ الأحاديث ١٨ ، ٣١ ، ٣٧.

(٤) المائدة : ٤.

(٥) التهذيب ٩ : ٢٧ / ١٠٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٨ أبواب الصيد ب ١٢ ح ٥.

(٦) الشهيدان في الدروس ٢ : ٣٩٥ ، والروضة ٧ : ٩٩ ، والمسالك ٢ : ٢١٩ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٥ ، والمفاتيح ٢ : ٢٠٩.

٢٦٦

وأمّا الصحيح : في الرجل يسرح كلبه المعلّم ، ويسمّي إذا سرحه ، فقال : « يأكل ممّا أمسك عليه » (١).

فلا دلالة فيه على تعيين وقت الإرسال لذلك ؛ لوقوع التخصيص في كلام السائل ، وهو لا يخصّص.

خلافاً لظاهر العبارة هنا وفي الشرائع وكثير ، حيث قيّدوه بعند الإرسال (٢).

ووجهه غير واضح سوى الأخذ بالمتيقّن المجمع عليه والرجوع في غيره إلى الأصل المبرهن عليه فيما سلف. وهو حسن لولا قيام المخصّص له المتقدّم ، وبه يلحق مورد الشك بالمتيقّن.

وكيف كان ( فلو ) كان ( تركها عمداً لم يؤكل صيده ) إجماعاً ؛ للنهي عنه حينئذٍ المقتضي للتحريم.

( ويؤكل لو نسي إذا اعتقد الوجوب ) ولم يذكر قبل الإصابة بلا خلاف ؛ للخبرين ، في أحدهما : « إذا أرسل كلبه ونسي أن يسمّي ، فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يسمّي. وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي أن يسمّي » (٣).

وفي الثاني : « كل ما أكل الكلب إذا سمّيت عليه ، فإن كنت ناسياً فكل‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٣ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٦ / ١٠٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٠ أبواب الصيد ب ٤ ح ١.

(٢) الشرائع ٣ : ٢٠٠ ؛ وانظر التحرير ٢ : ١٥٤ ، والتبصرة : ١٦٣ ، والجامع للشرائع : ٣٨١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٠٦ / ١٨ ، الفقيه ٣ : ٢٠٢ / ٩١٥ ، التهذيب ٩ : ٢٥ / ١٠٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٧ أبواب الصيد ب ١٢ ح ٢.

٢٦٧

منه أيضاً » (١).

هذا مضافاً إلى ثبوت هذا الحكم في الذبيحة بالصحيح وغيره (٢) ، وهو يستلزم ثبوته هنا بالأولويّة المتقدّم إلى وجهها الإشارة.

وعلى العمد ينزّل إطلاق النهي عمّا لم يسمّ عليه في الآية والصحيح : « من أرسل كلبه ولم يسمّ فلا يأكله » (٣).

أمّا إذا لم يعتقد الوجوب أو تذكر قبل الإصابة فتركها لم يؤكل ؛ لبقاء محل الوجوب بعد في الثاني على المختار ، فيكون كمتعمّد الترك عند الإرسال. وكذا على غيره ، كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني ، حيث حصر محل الخلاف السابق في محل التسمية في المتذكّر عند الإرسال ، وأمّا الذاهل عنها حينه المتفطّن لها قبل الإصابة فلم يجعل وجوب التسمية فيه محل الخلاف ، بل قطع به في المسالك والروضة مشعراً بدعوى الإجماع عليه (٤) ، وهو الحجّة فيه مطلقاً كأصالة الحرمة.

واختصاص أدلّة الإباحة مع نسيان التسمية بحكم التبادر بمعتقد وجوبها لا غيره ، في الأوّل.

وهذا القيد وإن لم يذكره الماتن في الشرائع ولا غيره (٥) عدا الشيخ في النهاية والحلّي في السرائر والقاضي (٦) إلاّ أنّ الظاهر بحكم ما مرّ من‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٠٥ / ١٣ ، التهذيب ٩ : ٢٤ / ٩٧ ، الإستبصار ٤ : ٦٨ / ٢٤٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٨ أبواب الصيد ب ١٢ ح ٤.

(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ٢٩ أبواب الذبائح ب ١٥.

(٣) تقدّم مصدره في ص ٢٦٤ الرقم (٥).

(٤) المسالك ٢ : ٢١٩ ، الروضة ٧ : ٢٠٠.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٠٠ ، والجامع للشرائع : ٣٨٣.

(٦) النهاية : ٥٨١ ، السرائر ٣ : ٨٣ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٣٨.

٢٦٨

التبادر إرادته ، وأنّ تركه حوالة إلى الظهور من الخارج. فما يظهر من التنقيح من التردّد في اعتباره حيث حكم بأنّه أحوط (١) غير ظاهر الوجه.

ولو تركها جهلاً بوجوبها ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي وجهان : من أنّه عامد ، ومن أنّ الناس في سعة ممّا لم يعلموا. وهو كما ترى. بل الأوّل أقوى ؛ لقوّة دليله مع اعتضاده بأصالة الحرمة مع عدم التسمية ، خرج منها صورة النسيان بما مرّ من الأدلة ، ويكون ما عداها تحتها مندرجاً. وإلحاق الجاهل بالناسي قياس فاسد في الشريعة ، سيّما مع وجود الفارق بينهما بافتراق حكمهما في مواضع متعدّدة.

( و ) ذكر جماعة من الأصحاب (٢) من غير خلاف يعرف : أنّ من الشرائط أن يحصل موته بالسبب الجامع للشرائط التي من جملتها الإرسال والتسمية وقصد الصيد وحده ، فـ ( لو أرسل ) واحد كلبه ولم يسمّ ( وسمّى غيره لم يؤكل صيده إلاّ أن يذكّيه ) وأولى منه إذا أرسل واحد وقصد آخر وسمّى ثالث.

والأصل فيه بعد الأصل المتقدّم مع اختصاص أدلّة الإباحة بحكم التبادر بذلك الخبران ، وفي أحدهما : عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد ، فيكون الكلب لرجل منهم ، ويرسل صاحب الكلب كلبه ويسمّي غيره ، أيجزي ذلك؟ قال : « لا يسمّي إلاّ صاحبه الذي أرسل الكلب » (٣).

وفي الثاني : « لا يجزي أن يسميّ إلاّ الذي أرسل الكلب » (٤).

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٩.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢١٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٦ / ١٠٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٩ أبواب الصيد ب ١٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٦ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥٩ أبواب الصيد ب ١٣ ح ٢.

٢٦٩

وقصورهما بحسب السند منجبر بالعمل والأصل. مع أنّ أولهما قد وصف بالصحة في المسالك وغيره (١). ولكن وجهه غير واضح ، فإنّي لم أقف عليه بعد التتبّع إلاّ في التهذيب ، وفي سنده محمّد بن موسى المشترك أو الضعيف ، وأحمد بن حمزة ومحمّد بن خالد المشتركان ، ولذا لم يصفه المقدس الأردبيلي بالصّحة بل أشار إليه بلفظ الرواية (٢).

ويشترط أيضاً العلم ، قيل : أو الظنّ الغالب (٣) باستناد موته إلى السبب المحلّل ، فلو سمّى وأرسل كلبه ، فأرسل آخر كلبه ولم يسمّ ، أو لم يكن كلبه معلّماً ، واشترك الكلبان في قتل الصيد لم يحلّ ؛ لأصالة الحرمة ، والمعتبرة :

ففي الصحيح : « وإن وجد معه كلباً غير معلَّم فلا يأكل منه » الخبر (٤).

وفي الخبر : عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلّمة كلّها ، وقد سمّوا عليها كلّها ، فلمّا مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً ، فاشتركن جميعاً ، فقال : « لا تأكل منه ، لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا » (٥).

ويستفاد من مفهوم التعليل حلّ الصيد بتعدّد الآلة ، فلو اشترك في قتله كلبان معلّمان سُمي عند إرسالهما حلّ. ويعضده الإطلاقات. فتأمّل.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢١٩ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٠.

(٣) قال به السبزواري في الكفاية : ٢٤٥ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢١٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٠٣ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٦ / ١٠٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٣ أبواب الصيد ب ٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ٢٠٦ / ١٩ ، التهذيب ٩ : ٢٦ / ١٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٣ أبواب الصيد ب ٥ ح ٢.

٢٧٠

( ويعتبر أن لا يغيب ) ما صاده الكلب ( عنه ) أي عن المرسل ( فلو غاب وحياته مستقرّة ) بأن يمكن أن يعيش ولو نصف يوم ( ثم وجد مقتولاً أو ميّتاً لم يؤكل ، وكذا ) ما صاده ( السهم ) ونحوه ، بلا خلاف ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها.

في اثنين منها : عن الرميَّة يجدها صاحبها ، أيأكلها؟ قال : « إن كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل » (١).

ونحوهما الموثق بزيادة « وإلاّ فلا يأكل منه » (٢).

ومنها : صيد وجد فيه سهم ، وهو ميّت لا يدري من قتله ، قال : « لا تطعمه » (٣).

ومنها : « من جرح صيداً بسلاح ، وذكر اسم الله عزّ وجلّ عليه ، ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله ، فليأكل منه إن شاء » (٤).

ونحوها غيرها من المعتبرة ، كالخبر المنجبر قصور سنده بصفوان المجمع على تصحيح رواياته : « إذا رميت فوجدته وليس به أثر غير السهم‌

__________________

(١) ورد أحدهما في : الكافي ٦ : ٢١٠ / ٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٥ أبواب الصيد ب ١٨ ح ١. والآخر في : الكافي ٦ : ٢١٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٠٢ / ٩١٧ ، التهذيب ٩ : ٣٤ / ١٣٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٥ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٠ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٤ / ١٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٦ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢١١ / ٨ ، الفقيه ٣ : ٢٠٤ / ٩٢٩ ، التهذيب ٩ : ٣٥ / ١٤١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٨ أبواب الصيد ب ١٩ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٢١٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٤ / ٩٣٠ ، التهذيب ٩ : ٣٤ / ١٣٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٢ أبواب الصيد ب ١٦ ح ١.

٢٧١

وقد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل ، غاب عنك أو لم يغب عنك » (١).

وقريب منه النبوي (٢).

وفي النبوي الآخر : « كل ما أصميت » أي قتلته بين يديك وأنت تراه « ودَعْ ما أنميت » (٣) أي غاب عنك فلا تدري مات بسهمك أو كلبك أم بشي‌ء عرض له.

ويستفاد منها منطوقاً في بعض ومفهوماً في آخر اختصاص الحرمة مع الغيبة بـ ( ما ) إذا ( لم يعلم أنّه ) أي ما أرسل من الآلة ( القاتل ) له أم غيره ، وأنّه لو علم حصول القتل به حلّ ، كما يحلّ لو غاب بعد أن صارت حياته غير مستقرّة بجرحه ، بأن أخرج حشوه أو فتق قلبه أو قطع حلقومه ، بلا خلاف إلاّ من الشيخ في النهاية حيث أطلق الحرمة مع الغيبة (٤).

وناقشه الحلّي بأنّه خلاف مقتضى الأدلّة (٥) ، وردّه في المختلف فقال : وهذه المؤاخذة ليست بجيّدة ؛ لأنّ قصد الشيخ رحمه‌الله ما ذكره في الخلاف ، لظهوره (٦).

وعلى هذه الصورة يحمل إطلاق بعض النصوص الدالّة على الحلّية مع الغيبة.

وفيه : أرمي بسهمي ، ولا أدري أسمّيت أم لم اسمّ ، فقال : « كُلْ‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١١ / ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣٤ / ١٣٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٧ أبواب الصيد ب ١٨ ح ٥.

(٢) سنن البيهقي ٩ : ٢٤٢ بتفاوت يسير.

(٣) سنن البيهقي ٩ : ٢٤١ بتفاوت يسير.

(٤) النهاية : ٥٨١.

(٥) السرائر ٣ : ٩٣.

(٦) المختلف : ٦٧٤.

٢٧٢

لا بأس » قال : قلت : أرمي ويغيب عنّي وأجد سهمي فيه ، فقال : « كل ما لم يؤكل منه ، وإن كان قد أُكل منه فلا تأكل منه » (١).

وفي الذيل إشعار ، ما بالحمل ، فتأمّل.

( ويجوز الاصطياد ) بالمعنى الأوّل وهو مجرّد إثبات اليد ، كما يستفاد من ذيل العبارة وما مرّ إليه الإشارة ، ( بـ ) كلّ ما يتوسّل إليه كـ ( الشركة والحبالة وغيرهما من الآلة ) الجمادية ( وبالجوارح ) غير الكلاب المعلّمة.

( لكن لا يحلّ منه ) أي من الصيد المدلول عليه بالعبارة ( إلاّ ما ذكّي ) بالشرائط المعتبرة ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، والنصوص به مع ذلك في الحبالة مستفيضة.

في جملة منها ، وفيها الصحيح وغيره : « ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميّت ، وما أدركت من سائر جسده حيّاً فذكّه ثمّ كل منه » (٢).

وفي بعضها : « ما أخذت الحبائل فانقطع منه شي‌ء أو مات فهو ميت » (٣).

هذا مضافاً إلى أصالة الحرمة ، مع اختصاص أدلّة الإباحة كتاباً وسنة بحلّ ما صيد بغير الآلات المزبورة. ومنها يظهر حرمة مقتول الآلة الموسومة بالتفنك المستحدثة في قرب هذه الأزمنة.

خلافاً للكفاية ، فأحلّه بعد التردّد ، قال : لعموم أدلّة الحلّ ، ودخوله‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٠ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٠٣ / ٩١٩ ، التهذيب ٩ : ٣٣ / ١٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٧ أبواب الصيد ب ٢٥ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٤ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٢ / ٩١٨ ، التهذيب ٩ : ٣٧ / ١٥٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ أبواب الصيد ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢١٤ / ٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٧ أبواب الصيد ب ٢٤ ح ٣.

٢٧٣

تحت عموم قول أبي جعفر عليه‌السلام : « من قتل صيداً بسلاح » (١) الحديث. وأخبار البندقة (٢) مصروفة إلى المعروف في تلك الأزمنة (٣).

والمناقشة فيهما واضحة ؛ لضعف العموم بتخصيصه بأصالة الحرمة المتقدّمة المدلول عليها بالنصوص المتقدّمة قُبيل المسألة ، بل بأكثر نصوص هذا الكتاب الدالّة على توقف حلّ الصيد والذبيحة على التذكية. وهي من قبيل الأحكام الشرعية تتوقف على الثبوت آلةً وكيفيةً.

مع معارضته بعمومات تحريم الميتة الصادقة في اللغة على الميّت حتف أنفه والمذبوح بكلّ آلة ، خرج منها الآلة المعتبرة ، وبقي ما عداها ومنه مفروض المسألة تحتها مندرجة.

ودعوى عدم صدق الميتة في اللغة على المذكى بكلّ آلة ، مردودة بأنّ التذكية حكم من الأحكام الشرعية المستحدثة ، فلا يتصور توقف صدق اللفظ على معنى فيها على عدمها مع كون اللغة سابقة.

ومنع عموم (٤) السلاح ، فإنّه نكرة مثبتة لا عموم فيها لغةً ، وإنّما ينصرف إليه حيث لا يكون لها أفراد متبادرة ، ولا ريب أن المتبادر منه الغالب إنّما هو ما عدا التفنكة من نحو السيف والرمح والسهم ، سيّما مع كونها من الآلات المستحدثة في قريب هذه الأزمنة ، كما اعترف به في سابق ما نقلناه عنه من العبارة ، فكيف ينصرف إليها الإطلاق مع كونها بهذه المثابة؟!

__________________

(١) تقدّم في ٢٦٩ ، ولفظه : « مَنْ جرح صيداً بسلاح .. ».

(٢) الوسائل ٢٣ : ٣٧٣ أبواب الصيد ب ٢٣.

(٣) الكفاية : ٢٤٥.

(٤) هذه الكلمة معطوفة على كلمة « ضعف العموم » المتقدمة آنفاً.

٢٧٤

( والصيد ) الذي يحلّ بقتل الكلب له ، أو الآلة المعتبرة في غير موضع الذكاة هو كلّ ( ما كان ممتنعاً ) وحشياً كان أو إنسياً توحّش ، وكذا ما يصول من البهائم ، أو يتردّى في بئر وشبهها ويتعذّر ذبحه أو نحره ، فإنه يكفي العقر في استباحتها ، ولا يختصّ حينئذٍ بموضع من جسدها كما يأتي. ولا خلاف في شي‌ء من ذلك بيننا كما حكاه جماعة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص الآتية في الأخير. لكن ليس فيها التعميم في الحيوان والآلة ، والعرف واللغة في الوحشي الممتنع ، إذ لا فرد للصيد أظهر منه ، فيدخل تحت عموم ما دلّ على حلّه بالاصطياد بمطلق الآلة المعتبرة من غير تذكية.

وأمّا الإنسيّ المستوحش ففي صدق الصيد عليه فيهما حقيقةً مناقشة ، والأصل يقتضي الرجوع في إباحته إلى مراعاة التذكية. لكنّ الإجماع والنصوص المزبورة في المتردّي ألحقاه بالصيد وإن اختلفا في الإلحاق كلاًّ حتى في حلّ مقتوله بالكلب ونحوه كما يظهر من الأوّل ، أو في الجملة كما يظهر من الثاني.

وأمّا أنّ غير الممتنع ليس بصيد فالأصل فيه العرف واللغة ، فيندرج تحت عموم ما دلّ على توقّف حلّ الحيوان على التذكية. مضافاً إلى فحوى النصوص الآتية في لزوم التذكية لحلّ الصيد بعد أن أدرك وفيه حياة مستقرة ، وليس ذلك إلاّ لزوال امتناعه الموجب لانتفاء حكم الصيد عنه. فإذا ثبت انتفاؤه عنه مع حصول الامتناع فيه في الجملة وصدق الصيد عليه حقيقةً عرفاً ولغةً ، فثبوته عمّا ليس بممتنع بالأصل أولى. مع أنّ كون مثله‌

__________________

(١) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٤٥ ، ٢٤٦.

٢٧٥

صيداً يستلزم عدم وجود ما يحكم في حلّه بالتذكية بالذبح والنحر أصلاً وهو فاسد قطعاً ، والنصوص بخلافه متواترة جدّاً.

( فلو قتل بالسهم فرخاً ، أو قتل الكلب طفلاً غير ممتنع لم يحلّ). ( ولو رمى طائراً فقتله وفرخاً لم يطر ) بعدُ ( حلّ الطائر ) لامتناعه ( دون فرخه ) لعدمه.

ويلحق بالمقام‌ (مسائل من أحكام الصيد‌ )

( الاولى : لو تقاطعته الكلاب ) أو السيوف مع اجتماع الشرائط التي منها التسمية على كل منها ( قبل إدراكه ، حلّ ) بلا خلاف ظاهر ؛ لوجود شرط الحلّ وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ تعدّد الآلة ، وهو لا يصلح للمانعيّة ، لما مرّ إليه الإشارة في شرح قول الماتن : لو أرسل كلبه وسمّى غيره ، من مفهوم التعليل المؤيّد بإطلاقات أدلّة الإباحة (١).

وفي المسالك : لا فرق بين تقاطعهم إيّاه وحياته مستقرة وعدمه ، بخلاف ما لو تقاطعه الصائدون ، فإنّ حلّه مشروط بوقوع فعلهم بعد أن صار في حكم المذبوح. والفرق : أنّ ذكاته بالذبح معتبرة مع إمكانها بعد أخذ الكلب له لا بدونها ، فإذا أدركه الصائدون أو بعضهم مستقرّ الحياة صار حلّه متوقفاً على الذبح فلا يحلّ بدونه ، بخلاف تقاطع الكلاب له قبل إدراكه ، فإنّ اعتبار ذبحه ساقط (٢).

أقول : ما ذكره من الفرق بين تقاطع الكلاب والصائدين هو المشهور‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٦٩.

(٢) المسالك ٢ : ٢٢١.

٢٧٦

بين الأصحاب وفاقاً للحلّي (١) ، أخذاً بالقاعدة.

خلافاً للنهاية ، فسوّى بينهما وجعل الثاني كالأوّل (٢) ؛ للمعتبرين.

أحدهما الصحيح في الكافي ، والمرسل في الفقيه : في إيّل (٣) اصطاده رجل ، فقطّعه الناس والرجل يتبعه ، أفتراه نهبة؟ فقال عليه‌السلام : « ليس بنهبة ، وليس به بأس » (٤).

كذا في الكافي والتهذيب لكن بدل يتبعه : يمنعه. وفي الفقيه بعد الناس : والذي اصطاده يمنعه ، ففيه نهي؟ فقال : « ليس فيه نهي ، وليس به بأس » (٥).

وثانيهما : الموثق كالصحيح بأبان : عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه ، فيبتدره القوم فيقطّعونه؟ فقال : « كله » (٦).

وهما مع اعتبار السند قاصران عن المكافأة ؛ لأصالة الحرمة ، والأدلّة الدالّة على اعتبار التذكية في الحيوانات الغير الممتنعة ، وهي كثيرة معتضدة مع ذلك بالشهرة.

مع قصورهما عن صراحة الدلالة ؛ لاحتمال حمل الأوّل على أنّه‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٩٦.

(٢) النهاية : ٥٨١.

(٣) الأيِّل : بفتح الهمزة وكسرها والياء مشدّدة مكسورة ، والجمع إيَّل وأُئَّل وأيايل : الذَّكَر من الأوْعال ؛ وإنّما سُمِّي بهذا الاسم لأنّه يؤول إلى الجبال فيتحصّن فيها. العين ٨ : ٣٥٨ ، تهذيب اللغة ١٥ : ٤٤١ ، لسان العرب ١١ : ٣٥ ٣٦.

(٤) الكافي ٦ : ٢١٠ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٤ / ١٣٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٤ أبواب الصيد ب ١٧ ح ٢.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٠٤ / ٩٣٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٥ أبواب الصيد ب ١٧ ح ٤.

(٦) الكافي ٦ : ٢١١ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٢٠٤ / ٩٣١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦٤ أبواب الصيد ب ١٧ ح ٣.

٢٧٧

لو لم يصر بالأوّل مثبتاً غير ممتنع فلا يكون نهبة ولا فيه نهي ، بل يكونون فيه شركاء ولا يضرّ منع الأوّل. والثاني عليه أيضاً ولو على بُعد ، أو على أنّ التقطيع بعد الموت أو قبله بعد عدم استقرار الحياة على القول بأنّه بعد ذلك لا يضرّ تقطيعه. أو حمل التقطيع فيه على الذبح وإن بَعُد. وعلى التقادير يكون غرض السائل مجرّد الحلّ إمّا على الأوّل أو الجميع مع إذن الأوّل.

ويمكن حمل الخبر الأوّل على الاحتمالات أيضاً.

( الثانية : لو رماه بسهم ) ونحوه ( فتردّى من جبل ، أو وقع في ماء فمات ) موتاً يحتمل استناده إلى كلّ منهما ( لم يحلّ ) إجماعاً في الجملة ؛ لما مرّ إليه الإشارة من اشتراط تيقّن استناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة ، وحرمة ما استند موته إلى غيره أو إليهما معاً. وليس من الصورة الأُولى مفروض المسألة. والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة.

منها الصحيح : عن رجل رمى صيداً ، وهو على جبل أو حائط ، فخرق فيه السهم فيموت ، فقال : « كُلْ منه ، فإن وقع في الماء من رميتك فمات ، فلا تأكل » (١).

ونحوه الموثقان (٢) وغيرهما (٣).

والخبر : « لا تأكل من الصيد إذا وقع في الماء فمات » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٨ / ١٥٩ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٨ أبواب الصيد ب ٢٦ ح ١.

(٢) الأوّل في : الكافي ٦ : ٢١٥ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٨ / ١٥٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٨ أبواب الصيد ب ٢٦ ذيل ح ٢. الثاني في : الكافي ٦ : ٢١٥ / ذيل. ح ٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٨ أبواب الصيد ب ٢٦ ذيل الحديث ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٠٥ / ٩٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٩ أبواب الصيد ب ٢٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢١٥ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧ / ١٥٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٨ أبواب الصيد ب ٢٦ ح ٢.

٢٧٨

وإطلاقها سيّما الأخيرة يشمل صورة القطع باستناد الموت إلى الآلة المحلّلة وعدمه مطلقاً قطع باستناده إلى غيرها أم لا ، وبمضمونها عبّر في النهاية (١).

ولذا جُعلت المسألة خلافية ( و ) نسب التقييد بما في العبارة من أنّه ( ينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة ) قبل التردّي والوقوع في عدم الحلّ بحيث لولاه قبلهما بأن قطع مريئه أو حلقومه أو شقّ بطنه أو فتق قلبه حلّ ، إلى الشهرة العظيمة المتأخّرة ، وفاقاً للإسكافي والمبسوط والحلّي (٢).

لكن يظهر من المختلف (٣) عدم الخلاف من النهاية ، وأنّ مراده من إطلاق عبارتها ما فصّله في كتابه الآخر. وهو غير بعيد ؛ لوروده كإطلاق النصوص مورد الغالب ، وهو ما عدا الصورة الأُولى بالضرورة ، فإنّها من الأفراد النادرة. هذا مع تعليله الحرمة بأنّه لا يأمن أن يكون قد مات في الماء ، أو من وقوعه من الجبل. وهو كما ترى ظاهر في الحلّ مع الأمن من استناد الموت إلى السبب المحرّم.

هذا مع أنّ قوله في المبسوط يدلّ على رجوعه عمّا اختاره في النهاية على تقديره ، فلا يقدح في تحقّق الإجماع وانعقاده.

كما لا يقدح فيه مخالفة الصدوقين (٤) بتفصيلهما في المتردّي في الماء بين خروج رأسه عنه فيحلّ ، ودخوله فيه فيحرم ، التفاتاً منهما إلى المرسل في الفقيه : « فإن رميته وأصابه سهمك ، ووقع في الماء [ فمات ]

__________________

(١) النهاية : ٥٨١.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٧٤ ، المبسوط ٦ : ٢٧٢ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٩٤.

(٣) المختلف : ٦٧٤.

(٤) الصدوق في المقنع : ١٣٩ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٦٩٠.

٢٧٩

فكله إذا كان رأسه خارجاً من الماء ، وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله » (١) إمّا لمعلوميّة نسبهما المانعة عن تحقّق القدح في انعقاد الإجماع ، سيّما مع ضعف مستندهما بالإرسال ، مع احتمال كونه من كلام ثانيهما لا خبراً.

أو لإرجاع تفصيلهما إلى ما فصّله باقي أصحابنا (٢) من حصول القطع باستناد الموت إلى السبب المحلّل وغيره ، بحمل الأوّل من شقّي تفصيلهما على الأوّل بجعله أمارة عليه ، والثاني على الثاني لفقد تلك الأمارة. ولذا صوّبهما الفاضل وشيخنا الشهيد الثاني وغيرهما (٣) ، لكنّه لا يخلو عن مناقشة ما. واعلم : أنّ قول الماتن هنا مشعر بل ظاهر في اختصاص الاشتراط بالمقام ، وعدمه في غيره. وليس بواضح ؛ لاعتباره استقرار الحياة في الحرمة في كلّ موضع يشابه مفروض المسألة من عدم القطع باستناد الموت إلى الآلة المحلّلة ، ومنه ما مرّ في اشتراط عدم الغيبة في الحلّية (٤). وجعل فائدة هذا القيد في التنقيح التنبيه على أنّه من خصائصه ، ولذا اعترضه بظهور القيد من غيره (٥). وفيه نظر؟.

( الثالثة : لو قطعه السيف اثنين فلم يتحرّكا ) أو تحرّكا حركة المذبوح ( حلاّ ) بلا خلاف ، كما عن السرائر والمبسوط والخلاف (٦) ، لكنّهم لم يقيّدوه بأحد القيدين ، إلاّ أنّ الظاهر إرادتهم إيّاه بناءً على الغالب‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٠٥ / ٩٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٩ أبواب الصيد ب ٢٦ ح ٣.

(٢) كما في المختلف : ٦٩٠.

(٣) الفاضل في المختلف : ٦٧٤ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢١ ، وانظر الدروس ٢ : ٣٩٨ ، والتنقيح ٤ : ١١.

(٤) راجع ص ٢٦٩.

(٥) التنقيح ٤ : ١١.

(٦) السرائر ٣ : ٩٥ ، المبسوط ٦ : ٢٦١ ، الخلاف ٦ : ١٨.

٢٨٠