رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

ويردّه صريحاً الإجماعات المزبورة ، إلاّ أنّ ظاهر الغنية (١) الموافقة له حيث لم يذكر المري‌ء واكتفى بذكر الحلقوم والودجين خاصّة.

ولعلّه لولا الإجماع المحكيّ لا يخلو عن قوّة ؛ لعدم ذكر المري‌ء في الروايتين ، والأوداج في الثانية غير ظاهرة الشمول له ؛ إذ المراد بها إمّا المعنى الحقيقي ، والجمع جمع مجازي منطقي ، فهي لا تشمل الحلقوم فضلاً عن المري‌ء ، أو المعنى المجازي مراعاةً لحقيقة الجمع ، وهي تحصل بضمّ الحلقوم إلى الودجين ولا يحتاج في صدقها إلى ضمّ المري‌ء.

واعلم : أنّ محل الذبح الحلق تحت اللحيين بلا خلاف يظهر ؛ لأصالة التحريم في غيره ، مع عدم انصراف الإطلاقات إلاّ إلى تحت اللحيين ، لأنّه المعروف المتعارف فيجب حملها عليه.

وفي الصحيح : « لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها » (٢).

والنحر محلّه وهدة اللَّبّة. ( و ) لا يعتبر فيه قطع الأعضاء الأربعة ، بل ( يكفي في النحر الطعن في الثغرة ) التي هي وهدة اللَّبّة بفتح اللام وتشديد الموحّدة ، بمعنى إدخال السكّين ونحوها فيها من غير قطع الحلقوم وغيره أصلاً.

ولا خلاف فيه بيننا ، بل في ظاهر المسالك وصريح الكفاية (٣) أنّ عليه إجماعنا ، وفي الصحيح : « النحر في اللبّة ، والذبح في الحلقوم » (٤).

( ويشترط ) في التذكية ( استقبال القبلة بالذبيحة مع الإمكان ، و )

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، راجع الهامش (٤) من ص ١٦.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٩ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٣ / ٢٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٢ أبواب الذبائح ب ٤ ح ١.

(٣) المسالك ٢ : ٢٢٦ ، الكفاية : ٢٤٦.

(٤) الكافي ٦ : ٢٢٨ / ١ ، التهذيب ٩ : ٥٣ / ٢١٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٢ أبواب الذبائح ب ٤ ح ٢.

٣٢١

كذا ( التسمية ) بأنّ يذكر الله تعالى عند الذبح أو النحر كما تقتضيه الآيات القرآنية.

( فلو أخلّ بهما ) (١) ( أو بأحدهما عمداً لم يحلّ ) بإجماعنا المستفيض النقل في كلام جماعة (٢) ؛ وهو الحجّة في المقامين.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة ( في الأوّل ) (٣) في اثنين منها : عن الذبيحة تذبح لغير القبلة؟ فقال : « لا بأس إذا لم يتعمّد » (٤).

وفي الثالث : عن رجل ذبح ذبيحة ، فجهل أن يوجّهها إلى القبلة؟

قال : « كل منها » قلت : فإنّه لم يوجّهها ، قال : « فلا تأكل منها » إلى أن قال : « إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة » (٥) ونحو ذيله : الرابع (٦).

والمتبادر منها ومن العبارة وغيرها اعتبار الاستقبال بجميع مقاديم بدن الذبيحة ، لا مذبحها أو منحرها خاصّة ، كما استقربه جماعة (٧). هذا مضافاً إلى الأصل ، وعدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر والغلبة إلاّ إلى الذبيحة المستقبل بجميع مقاديمها القبلة.

ومنه يظهر قوّة احتمال اعتبار استقبال الذابح أيضاً ، مضافاً إلى أنّه‌

__________________

(١) في المختصر المطبوع ونسخة « ر » : بأحدهما.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ١٩٨ ، ١٩٩.

(٣) أثبتناه من « ر » و « ح ».

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٣ / ٣ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٥٩ / ٢٥٠ ، ٢٥١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٨ أبواب الذبائح ب ١٤ ح ٣ ، ٤.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٣ / ١ ، التهذيب ٩ : ٦٠ / ٢٥٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢٧ أبواب الذبائح ب ١٤ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٢٢٩ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٣ / ٢٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ٢٧ أبواب الذبائح ب ١٤ ح ١.

(٧) المسالك ٢ : ٢٢٦ ، الكفاية : ٢٤٦.

٣٢٢

المتبادر من العبارة والرواية الأخيرة ، حيث وقع فيهما التعدية بالباء.

إلاّ أنّ عدم الاعتبار هنا محتمل ؛ للتردّد في التبادر باحتمال إفادة التعدية بالباء هنا المعنى المستفاد من التعدية بالهمزة كما في قوله سبحانه ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ) (١) أي أذهبه ، مع أنّ إطلاق الخبرين الأوّلين ربّما دلّ على كفاية كون الذبيحة للقبلة مستقبلة.

لكن الدلالة بعد لعلّها لا تخلو عن شوب مناقشة سيّما بعد ورود الإطلاق مورد الغلبة ، وهي استقبال الذابح لها بلا شبهة. وكيف كان ، فالاحتياط باستقباله لعلّه لازم البتّة.

وصريح الكتاب (٢) والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة في الثاني (٣).

وفي الصحيح : عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد الله؟ قال : « هذا كلّه من أسماء الله تعالى ، ولا بأس به » (٤).

ويستفاد منه : كفاية مطلق الاسم ، وبه صرّح جماعة (٥) من غير خلاف بينهم أجده.

وفي اعتبار العربية وجهان : أجودهما ذلك.

( ولو كان ) أخلّ بهما ( نسياناً حلّ ) إجماعاً ؛ للمعتبرة المستفيضة ، منها : الصحيحان المتقدّمان في الأوّل. والصحيح : عن الرجل‌

__________________

(١) البقرة : ١٧.

(٢) الأنعام : ١١٨.

(٣) الوسائل ٢٤ : ٢٩ أبواب الذبائح ب ١٥.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٤ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢١١ / ٩٧٨ ، التهذيب ٩ : ٥٩ / ٢٤٩ ، الوسائل ٢٤ : ٣١ أبواب الذبائح ب ١٦ ح ١.

(٥) منهم : المحقق في الشرائع ٣ : ٢٠٥ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١٥٩ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ١٩٨.

٣٢٣

يذبح ولا يسمّي ، قال : « إن كان ناسياً فلا بأس عليه » (١) في الثاني.

وفي الصحيح : عن رجل ذبح ولم يسمّ؟ فقال : « إن كان ناسياً فليسمّ حين يذكر ، ويقول : بسم الله على أوّله وآخره » (٢) وظاهره الوجوب عند الذكر ، ولا قائل به ، فليحمل على الاستحباب ، وهو نظير ما ورد في نسيانها على الأكل.

والأقوى الاكتفاء بها وإن لم يعتقد وجوبها ؛ لعموم النصوص والحكم بحلّ ذبيحة المخالف الذي لا يعتقد وجوبها ، بل حلّ شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود واللحوم من غير سؤال كما يأتي.

واعتبر الفاضل (٣) كون المسلم ممّن لا يستحلّ ذبائح أهل الكتاب. وهو ضعيف ؛ لمخالفته هذه النصوص ، فإنّ أكثر المخالفين يستحلّون ذبائحهم.

ثمّ إنّ ظاهر العبارة وغيرها من عبائر الجماعة (٤) اختصاص الحلّ مع الترك بالنسيان ، فلو أخلّ بهما جهلاً لم يحلّ. لكن مقتضى الصحيح الثالث المتقدّم في المقام الأوّل ثبوت الحلّ معه أيضاً ، وبه صرّح الفاضل في الإرشاد (٥) وجماعة (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٣ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٦٠ / ٢٥٢ ، الوسائل ٢٤ : ٢٩ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٣ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢١١ / ٩٧٧ ، التهذيب ٩ : ٥٩ / ٢٥٠ ، الوسائل ٢٤ : ٣٠ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٤.

(٣) انظر التحرير ٢ : ١٥٩.

(٤) كالشيخ في النهاية : ٥٨٣ ، والشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ٤١٣ ، والعلاّمة في التبصرة : ١٦٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٧.

(٥) الإرشاد ٢ : ١٠٨.

(٦) كالشهيد الثاني في الروضة البهية ٧ : ٢١٦ ، وانظر ملاذ الأخيار ١٤ : ٢٢٣ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٠٠.

٣٢٤

وأمّا إلحاق المقام الثاني به في ذلك كما يظهر من المقدّس الأردبيلي (١) رحمه‌الله فلم أر من صرّح به ، بل ظاهر شيخنا الشهيد الثاني (٢) التردّد فيه. ولعلّه في محلّه ، من اختصاص النصّ بالحلّ مع الترك جهلاً بالمقام الأوّل ، وإلحاقه به قياس ؛ ومن كون الجهل كالنسيان في المعنى المسوِّغ للأكل ، ولذا تساويا حكماً في ترك الاستقبال. وهو كما ترى ، فالأوّل أقوى.

( ويشترط ) فيها أيضاً ( نحر الإبل وذبح ما عداها ، فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحلّ ) بلا خلاف فيه بيننا ، بل عليه في الخلاف والغنية والسرائر وكلام شيخنا الشهيد الثاني وتابعيه (٣) إجماعنا ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل والمعتبرة.

منها الصحيح : عن ذبح البقر في المنحر؟ فقال : « للبقر الذبح ، وما نحر فليس بذكي » (٤).

ونحوه : الموثق : إنّ أهل مكّة لا يذبحون البقر ، وإنّما ينحرون في اللبّة فما ترى في أكل لحمها؟ قال : فقال عليه‌السلام : « (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ) (٥) لا تأكل إلاّ ما ذبح » (٦).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١١٥.

(٢) الروضة البهية ٧ : ٢١٩.

(٣) الخلاف ٦ : ٢٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، السرائر ٣ : ١٠٧ ، الشهيد الثاني في الروضة البهية ٧ : ٢١٩ ، وتبعه الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥٩ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٢٨ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٥٣ / ٢١٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٤ أبواب الذبائح ب ٥ ح ١.

(٥) البقرة : ٧١.

(٦) الكافي ٦ : ٢٢٩ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٣ / ٢١٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٤ أبواب الذبائح ب ٥ ح ٢. والآية في البقرة : ٧١.

٣٢٥

وفي الصحيح : « لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها » (١).

وفي المرسل : « كلّ منحور مذبوح حرام ، وكلّ مذبوح منحور حرام » (٢).

ووجه دلالتهما على المطلوب واضح وإن لم يظهر منهما كون النحر في الإبل والذبح في غيره ، لكنّه ظاهر من الخارج ؛ لاستقرار التعارف بين المسلمين على ذلك ، مع أنّه لا خلاف بينهم في شرعيّته ، وبه صرّح في الخلاف والغنية فقالا : والنحر في الإبل والذبح فيما عداها هو السنّة الشرعية بلا خلاف.

ثم قالا : ولا يجوز في الإبل الذبح وفيما عداها النحر ، فإن فعل ذلك لم يحلّ الأكل بدليل إجماع الطائفة (٣).

هذا مضافاً إلى ما سيأتي فيما يتعذّر ذبحه أو نحره من الخبرين الدالّين على أنّ النحر في الإبل ، ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة ؛ ويظهر من غير واحد من الأخبار أنّ الذبح في غيرها ، وحيث ثبت ذلك ظهر وجه دلالة الروايتين على عدم حلّ الإبل بذبحها وغيرها بنحره ، مع أنّ الخبرين الأوّلين دالاّن عليه أيضاً بمعونة الإجماع المركّب ، فتدبّر.

فما يستفاد من المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله والكفاية (٤) ، تبعاً لبعض حواشي شيخنا الشهيد الثاني ، من عدم قيام دليل صالح على التفصيل بين الإبل فنحرها ، وغيره فذبحه ؛ منظور فيه.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٩ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٣ / ٢٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٢ أبواب الذبائح ب ٤ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٢١٠ / ٩٦٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٤ أبواب الذبائح ب ٥ ح ٣.

(٣) الخلاف ٦ : ٤٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٤) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١١٩ ، الكفاية : ٢٤٧.

٣٢٦

وأمّا الخبر الدالّ على أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنحر الفرس (١) ، فمع ضعف سنده وعدم مقاومته لما مرّ ، محمول على التقية بلا شبهة ، ويشهد له كون بعض رواته من العامّة ، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.

ويسقط اعتبارهما مع التعذّر كاستعصائه أو حصوله في موضع لا يتمكّن المذكّي من الوصول إلى موضع ذكاته ، فيعقر بالسيف ونحوه ، ويحلّ وإن لم يصادف العقر موضع الذكاة كما يأتي.

ثم لو أدرك ما يعتبر من الذبح أو النحر بعد فعل الآخر به حلّ عند الشيخ (٢) وجماعة (٣) ، وتردّد فيه الماتن في الشرائع (٤).

قيل : نظراً إلى أنّ شرط الحلّ وقوع التذكية في حال استقرار الحياة ، وهو مفقود هنا ؛ لأنّ الفعل السابق يرفع استقرار الحياة ، فلا يؤثّر في الحلّ وقوع النحر أو الذبح لاحقاً. والتحقيق أنّ الأمر مبنيّ على تحقيق ما يعتبر في الحلّ هل هو استقرار الحياة ، أو الحركة بعد الذبح وخروج الدم ، أو أحد الأمرين؟ فيبني الحلّ أو الحرمة عليه (٥).

ومحلّ هذا التحقيق قول الماتن :

( ولا يحلّ ) الذبيحة ولو مع الشرائط المتقدمة ( حتى يتحرّك بعد التذكية حركة الحيّ ، وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين ) أو تركض الرجل كما في النصوص الآتية.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٤٨ / ٢٠١ ، الوسائل ٢٤ : ١٢٢ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥ ح ٤.

(٢) النهاية : ٥٨٣.

(٣) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ١٥٤ ، والشهيد في المسالك ٢ : ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، والسبزواري في كفاية الأحكام : ٢٤٨.

(٤) الشرائع ٣ : ٢٠٥.

(٥) كفاية الأحكام : ٢٤٧.

٣٢٧

( و ) يعتبر مع ذلك أن ( يخرج الدم المعتدل ) لا المتثاقل ، فلو حصل أحدهما خاصّة لم يكن فيه كفاية ، وفاقاً للمفيد والإسكافي والقاضي والديلمي والحلبي وابن زهرة العلوي (١) ، مدّعياً الإجماع عليه.

وهو الحجة الجامعة بين النصوص المختلفة الدالّة جملة منها مستفيضة على اعتبار الحركة خاصة ، كالصحيح : عن الذبيحة ، فقال : « إذا تحرّك الذنب ، أو الطرف ، أو الاذن فهي ذكية » (٢) ونحوه الصحيح الآخر (٣).

والخبر : « إذا طرفت عينها ، أو حركت ذنبها فهي ذكيّة » (٤) ونحوه غيره (٥).

وجملة منها على اعتبار خروج الدم المعتدل كالصحيحين : عن مسلم ذبح فسمّى فسبقت مدْيته فأبان الرأس ، فقال : « إذا خرج الدم فكل » (٦).

والخبر في رجل ضرب بقرة بفأس فسقطت ، قال : « إن كان حين ذبح‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٨٠ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٨١ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤٢٨ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٩ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٢٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٣ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٦ / ٢٣٥ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٥٨ / ٢٤١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٢ أبواب الذبائح ب ١١ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٣ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٥٦ / ٢٣٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٤.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٢ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٧ / ٢٣٧ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٦.

(٦) الأوّل في : الكافي ٦ : ٢٣٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ / ٩٦٠ ، التهذيب ٩ : ٥٥ / ٢٣٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٧ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٢.

الثاني في : التهذيب ٩ : ٥٧ / ٢٣٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٧ أبواب الذبائح ب ٩ ذيل الحديث ٢. وفيهما : فسبقته حديدته.

٣٢٨

خرج الدم معتدلاً فكلوا وأطعموا ، وإن كان خرج خروجاً متثاقلاً فلا تقربوه » (١) هذا.

مضافاً إلى أصالة الحرمة ولزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقن المجمع عليه بين الطائفة ، وليس إلاّ ما اجتمع فيه الأمران بعد التذكية.

( وقيل : يكفي الحركة ) دون خروج الدم ، كما عن الصدوق واختاره في المختلف (٢) ، وهو في غاية القوة لولا الإجماع المتقدّم إليه الإشارة الجامع بين الأدلّة فأوّلاً : باستفاضة نصوصه وصراحتها ، بخلاف النصوص الأخيرة ؛ لورود الصحيحين منها في غير المشتبه حياته وموته ، بل المستقرّ حياته استقراراً يظنّ ببقائه زماناً يحتمله ، وإنّما إشكال السائل فيهما من حيث قطع الرأس بسبق المدية ، ولا ريب أنّ الغالب في مثل هذه الذبيحة تحقّق الحركات المزبورة منها بعد التذكية.

وأمّا الرواية الأخيرة فهي وإن كانت في المشتبه الذي هو مفروض المسألة كما صرّح به جماعة (٣) واردة ، إلاّ أنّها مع قصور سندهما غير صريحة ، بل ظاهرة ؛ لاحتمالها الحمل على ما إذا حصلت الحركة بعد التذكية ، سيّما مع كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلاً بعد التذكية ، ولا كذلك الذبيحة المشتبهة المتحرّكة بعدها حركة ما جزئيّة ، فإنّه غير معلوم خروج الدماء عنها معتدلةً ، هذا.

مضافاً إلى الصحيحة الصريحة في عدم كفاية خروج الدم وأنّه لا بُدَّ من الحركة : عن الشاة تذبح فلا تتحرّك ، ويهراق منها دم كثير عبيط ، فقال‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٢ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٥٦ / ٢٣٦ ، الوسائل ٢٤ : ٢٥ أبواب الذبائح ب ١٢ ح ٢.

(٢) الصدوق في المقنع : ١٣٩ ، المختلف : ٦٨١.

(٣) منهم : العلاّمة في المختلف : ٦٨١ ، والشهيد الأول في الدروس ٢ : ٤١٤ ؛ وانظر المسالك ٢ : ٢٢٧ ، وكفاية الأحكام : ٢٤٨.

٣٢٩

« لا تأكل ، إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل » (١).

( و ) منها يظهر ضعف ما ( قيل ) بأنّه ( يكفي أحدهما ) كما عن النهاية والحلّي (٢) ( وهو أشبه ) وأشهر بين المتأخرين ، مضافاً إلى ضعف مستنده ؛ إذ ليس إلاّ الجمع بين النصوص المختلفة المتقدّمة بالتخيير ، والحجّة عليه غير واضحة عدا الشهرة المتأخّرة ، وهي مع أنّها ليست بحجّة معارضة بالشهرة المتقدّمة وإجماع الغنية (٣) ، وهما أوضح شاهد على ما قدّمنا إليه الإشارة من الجمع المعتضد زيادةً على ذلك بأصالة الحرمة وصريح الصحيحة الأخيرة على عدم كفاية خروج الدم.

وفيها بيان لما أجمله كثير من الروايات السابقة من محلّ الحركة هل هو قبل الذبح أو بعده؟ وظاهرة في كونه الثاني ، كما عليه الأصحاب كافّة وادّعى عليه في الغنية إجماع الإمامية ، بل في ذلك صريحة ؛ لوقوع السؤال فيها عن الحلّ مع عدم الحركة بعد التذكية لا قبله بمقتضى الفاء المفيدة للترتيب بلا شبهة ، مع وقوع الجواب عنه بالنهي عن الأكل مطلقاً ولو حصلت له حركة سابقة على التذكية من حيث فقد تلك الحركة المتأخّرة ، لظاهر استشهاده عليه‌السلام للنهي بقول علي عليه‌السلام : « إذا ركضت الرجل » إلى آخره.

نعم ، في بعض الأخبار المتقدّمة ما ظاهره اعتبار الحركة قبل التذكية ، كالخبرين في كتاب عليّ عليه‌السلام : « إذا طرفت العين ، أو ركضت الرجل ، أو‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٠٩ / ٩٦٢ ، التهذيب ٩ : ٥٧ / ٢٤٠ ، الوسائل ٢٤ : ٢٤ أبواب الذبائح ب ١٢ ح ١.

(٢) النهاية : ٥٨٤ ، الحلّي في السرائر ٣ : ١١٠.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

٣٣٠

تحرّك الذنب فأدركته فذكّه » كما في أحدهما (١).

وفي الثاني : « فكل منه فقد أدركت ذكاته » (٢).

وفي الثالث : « إذا شككت في حياة الشاة ، فرأيت تطرف عينها ، أو تحرّك أو تمصع (٣) بذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال » (٤).

لكنّها مشتركة في قصور السند ، محتملة للتأويل بما يرجع إلى الأوّل بنوع من التوجيه وإن بعد في الثالث دون الأوّلين ، لتضمّنهما نقل الحكم عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو مختصّ بالحركة بعد الذبح كما نصّت عليه الصحيحة السابقة مع تضمّنها النقل المزبور عنه عليه‌السلام الكاشف عن كونه المراد منه حيث يذكر ، فتدبّر.

وأعلم : أنّ ظاهر العبارة ونحوها من عبائر قدماء الطائفة عدم اعتبار شي‌ء آخر بعد خروج الدم والحركة ، من استقرار الحياة المشتهر اعتباره بنين المتأخّرين.

وحجّتهم عليه غير واضحة عدا ما ذكره الشهيد الثاني والمفلح الصيمري من قِبَلهم من أنّ ما لا يستقرّ حياته قد صار بمنزلة الميتة ، وأنّ إسناد موته إلى الذبح ليس بأولى من إسناده إلى السبب الموجب لعدم استقرارها ، بل السابق أولى وصار كأنّ هلاكه بذلك السبب ، فيكون ميتة (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٢ / ١ ، التهذيب ٩ : ٥٧ / ٢٣٧ ، الوسائل ٢٤ : ٢٤ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٧.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٢ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٧ / ٢٣٧ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٦.

(٣) المَصع : الحركة والضرب. النهاية لابن الأثير ٤ : ٣٣٧.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٢ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٥٧ / ٢٣٨ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣ أبواب الذبائح ب ١١ ح ٥.

(٥) الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٩ ، الصيمري في غاية المرام ٤ : ٢١ ، ٢٤.

٣٣١

وهو حسن معتضد بالأصل ، مع اختصاص الإطلاقات كتاباً وسنّةً بحلّ المذكّى بحكم التبادر والغلبة بغير مفروض المسألة ، وهو ما ذكّي وحياته مستقرّة ، إلاّ أنّه مخالف لظواهر الكتاب والسنّة النافية لاعتبار استقرار الحياة ، كاستثناء ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (١) من النطيحة والمتردّية وما أكل السبع.

وفي الصحيح في تفسيرها : « إن أدركت شيئاً منها وعين تطرف ، أو قائمة تركض ، أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكل » (٢).

وقد عرفت أنّ الأخبار بمعناه مستفيضة ، والمتبادر من الذبيحة فيها ما كانت حياته غير مستقرّة.

مع أنّه قال نجيب الدين يحيى بن سعيد : إنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب (٣). وإليه ميل الشهيدين والمفلح الصيمري (٤) ، وكثير ممن تأخّر عنهم (٥) ، بل قال ثانيهما : ينبغي أن يكون عليه العمل. وقال أوّلهما : يرجع على القول باعتباره إلى القرائن المفيدة للظنّ ، ومع الاشتباه إلى الحركة بعد الذبح أو خروج الدم المعتدل.

( وفي ) حرمة ( إبانة الرأس بالذبح ) كما عليه الإسكافي والمفيد وابن حمزة والقاضي وعن النهاية (٦) ، واختاره الفاضل في المختلف‌

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) التهذيب ٩ : ٥٨ / ٢٤١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٢ أبواب الذبائح ب ١١ ح ١.

(٣) لم نعثر عليه في الجامع للشرائع ، حكاه عنه الشهيد في الدروس ٢ : ٤١٥.

(٤) الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٤١٥ ، الشهيد الثاني في الروضة البهية ٧ : ٢٢٧ ، غاية المرام ٤ : ٢٤.

(٥) الكفاية : ٢٤٨ ، كشف اللثام ٢ : ٢٥٩ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٠٢.

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٨٠ ، المفيد في المقنعة : ٥٨٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٠ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤٤٠ ، النهاية : ٥٨٤.

٣٣٢

والشهيدان (١) وغيرهما (٢).

أم كراهته كما عليه الخلاف والحلّي والماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد والتحرير (٣) وكثير (٤) ، ونفى الثاني عنه الخلاف بين المحصلين.

( قولان. والمرويّ ) في الصحاح ( أنّها تحرم ) لتضمّنها النهي عنها.

فمنها : عن رجل ذبح طيراً فقطع رأسه ، أيؤكل منه؟ قال : « نعم ، ولكن لا يتعمّد قطع رأسه » (٥).

ومنها : الصحيحان الآتيان الناهيان عن نخع الذبيحة ، والإبانة تستلزمه بلا شبهة.

قيل (٦) : ومنها الصحيح : عن الرجل يذبح ولا يسمّي ، قال : « إذا كان ناسياً فلا بأس إذا كان مسلماً ، وكان يحسن أن يذبح ، ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح » (٧).

وفيه نظر : فأولاً : بعدم معلومية كون « لا » نهياً ، بل يحتمل كونها نفياً وكون مدخولها معها معطوفاً على « يحسن ». وتقدير الكلام حينئذ : لا بأس إذا كان لا يقطع الرقبة. وغايته حينئذ ثبوت البأس مع القطع ، وهو أعمّ من‌

__________________

(١) المختلف : ٦٨٠ ، الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٤١٥ ، الشهيد الثاني في الروضة البهية ٧ : ٢٣٣.

(٢) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٣) الخلاف ٦ : ٥٣ ، الحلّي في السرائر ٣ : ١٠٧ ، الشرائع ٣ : ٢٠٥ ، الإرشاد ٢ : ١٠٩ ، القواعد ٢ : ١٥٥ ، التحرير ٢ : ١٥٩.

(٤) انظر مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٠٣ ، والكفاية : ٢٤٧ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٥٩.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٠٩ / ٩٦٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٨ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٥.

(٦) الروضة البهية ٧ : ٢٣٣.

(٧) الكافي ٦ : ٢٣٣ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٦٠ / ٢٥٢ ، الوسائل ٢٤ : ٢٩ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٢.

٣٣٣

التحريم.

وثانياً : بأنّ النهي فيه على تقدير تسليمه مخصوص بصورة ترك التسمية ولم يكن مطلقاً ، فهو أخصّ من المدّعى.

ويمكن الذبّ عنهما :

فالثاني : بعدم القائل بالفرق بين تلك الصورة وغيرها.

والأوّل : بكون البأس فيه للتحريم بشهادة السياق ؛ لتضمّنه أولاً : السؤال الواقع في الظاهر عن الإباحة وعدم الحرمة. وثانياً : مقارنة لا يقطع بلا ينخع ، وهو للتحريم كما يأتي إليه الإشارة. لكن هذه الشهادة تدلّ على حرمة الذبيحة على تقدير الإبانة لا حرمتها ، فإنّ مناط الشهادة وقوع السؤال عن الإباحة ، ولا ريب أنّ متعلّقها فيه هو الذبيحة لا الإبانة ، ولا ملازمة بين حرمة الذبيحة وحرمة الإبانة ، فقد تكون مكروهة والذبيحة محرّمة كما عليه بعض الطائفة (١).

وكيف كان ، القول الثاني ضعيف غايته ، مع أنّه لا مستند له عدا أصالة الإباحة ، وهي بتلك الصحاح مخصّصة ، وحمل النهي فيها على الكراهة لا وجه له.

ويستفاد من الصحيحة الأُولى منها إباحة الذبيحة على تقدير المخالفة ، ويعضده عمومات الأدلّة أو إطلاقاتها كتاباً وسنّةً على إباحة ما ذكر عليه اسم الله سبحانه. وعليه الشيخ في الخلاف والفاضل في المختلف وولده فخر المحققين والشهيدان في الدروس والمسالك والروضة (٢) ،

__________________

(١) حكاه عن الخلاف في المختلف : ٦٨٠ ، والمهذب البارع ٤ : ١٧١. والموجود في الخلاف ٦ : ٥٣ كراهة الإبانة وإباحة الأكل.

(٢) الخلاف ٦ : ٥٣ ، المختلف : ٦٨٥ ، فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ١٢٧ ، الدروس ٢ : ٤١٥ ، المسالك ٢ : ٢٢٧ ، الروضة ٧ : ٢٣٢.

٣٣٤

وادّعى الأوّل عليه إجماع الصحابة ، قال بعدها : وروى عن علي عليه‌السلام أنّه سئل عن بعير ضرب عنقه بالسيف فقال : « يؤكل » وعمران بن حصين قيل له : رجل ذبح بطّة فأبان رأسها فقال : تؤكل. وعن ابن عمر نحوه ، ولا مخالف لهم.

خلافاً لصريح النهاية وابن زهرة وظاهر ابن حمزة بل والإسكافي والقاضي (١) أيضاً كما يظهر من عبارتهما المحكية ، فاختاروا الحرمة.

وليس بذلك البعيد لولا ما مرّ من الصحيحة المعتضدة بالشهرة وإطلاقات الكتاب والسنة ، وما تقدّم من حكاية عدم الخلاف بين الصحابة الذين منهم أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو سيّدهم ، وقوله حجّة.

وذلك للإجماع المنقول في الغنية ، ودلالة كثير من النصوص على الحرمة.

منها : الصحيحة الأخيرة ؛ لظهورها في ثبوت البأس في الذبيحة مع الإبانة ، وهو فيها للتحريم كما مرّ إليه الإشارة.

ونحوها : صحيحة أُخرى : عن الرجل يذبح فينسى أن يسمّي ، أتوكل ذبيحته؟ فقال : « نعم إذا كان لا يتّهم ، وكان يحسن الذبح قبل ذلك ، ولا ينخع ولا يكسر الرقبة حتّى تبرد الذبيحة » (٢).

والموثقة : عن الرجل يذبح ، فتسرع السكّين ، فتبين الرأس؟ فقال : « الذكاة الوحيّة (٣) لا بأس بأكلها إذا لم يتعمّد ذلك » (٤).

__________________

(١) النهاية : ٥٨٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٦٦٠ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٦٨٠ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤٤٠.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٣ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢١١ / ٩٧٩ ، التهذيب ٩ : ٥٩ / ٢٥١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٩ أبواب الذبائح ب ١٥ ح ٣.

(٣) الوَحِيّ : السريع. يقال : موت وَحِيٌّ. الصحاح ٦ : ٢٥٢٠.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٦ / ٢٣١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٣.

٣٣٥

إلاّ أنّه يمكن الذبّ عن جميعها ، فالإجماع : بعدم صراحة حكايته على المقام واحتمال رجوعه إلى شي‌ء آخر غيره. والصحيحتان : بأنّ بناء الدلالة فيهما على كون « لا » نفياً معطوفاً على ما سبقها ، لا نهياً أو نفياً مستأنفاً. وفي تعيّن المبنى عليه نظر جدّاً ؛ لاحتمال الأخيرين فيهما أيضاً احتمالاً متساوياً لسابقهما.

والثالثة : بأنّ غايتها الدلالة على ثبوت البأس مع تعمّد الإبانة وهو أعمّ من التحريم. ولو سلّمت الدلالة بنحو من التوجيه المتقدّم إليه الإشارة فهي بحسب السند قاصرة وعن المكافأة لما مرّ من أدلّة الإباحة ضعيفة.

ثم إنّ القول بتحريمها على تقديره أو الكراهة إنّما هو مع تعمّد الإبانة.

( و ) أمّا مع عدمه كما ( لو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة ) ولا يكره قولاً واحداً ؛ للصحيحة الاولى والموثّقة المذكورة أخيراً ، ونحوهما صحيحتان أُخريان.

في إحداهما : عن رجل ذبح فسبقه السكّين فقطع رأسه ، فقال : « هو ذكاة وَحِيّة لا بأس به وبأكله » (١) ونحوها الثانية (٢).

( ويستحبّ في ) ذبح ( الغنم ربط يدي المذبوح ) منه ( وإحدى رجليه ) وإطلاق الأُخرى ( وإمساك صوفه أو شعره حتى يبرد ) دون اليد‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ / ٩٥٩ ، التهذيب ٩ : ٥٥ / ٢٢٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٧ أبواب الذبائح ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٣٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ / ٩٦٠ ، التهذيب ٩ : ٥٥ / ٢٣٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٧ أبواب الذبائح ب ٩ ح ٢.

٣٣٦

والرجل.

( وفي البقر عقل يديه ورجليه ) جميعاً ( وإطلاق ذنبه. وفي الإبل ربط أخفافه إلى إبطيه. وفي الطير إرساله ) بعد الذبح.

قيل : وفي الكلّ تحديد الشفْرة وعدم إراءتها للحيوان ، وسرعة القطع ، واستقبال الذابح القبلة ، وعدم تحريكه إيّاه ، ولا جرّه من مكان إلى آخر ، بل تركه إلى مفارقة الروح ، وأن يساق إلى المذبح برفق. ويعرض عليه الماء قبل الذبح ، ويمرّ السكّين بقوة ، ويجدّ في الإسراع ليكون أوحى وأسهل : أكثر ذلك للنصّ (١).

وفي الخبر : عن الذبح ، فقال : « إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف ، ولا تقلب السكّين لتدخلها تحت الحلقوم ، وتقطعه إلى فوق ، والإرسال للطير خاصّة ، فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله ، ولا تطعم فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح ، وإن كان من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ، ولا تمسكنّ يداً ولا رجلاً ، وأمّا البقرة فاعقلها ، وأطلق الذنب ، وأمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه ، وأطلق رجليه ، وإن أفلتك شي‌ء من الطير وأنت تريد ذبحه ، أو ندّ عليك (٢) فارمه بسهمك ، فإذا سقط فذكّه بمنزلة الصيد » (٣).

وفي المسالك : إنّ المراد بشدّ أخفافه إلى آباطه أن تجمع يديه وتربطها فيما بين الخفّ والركبة ، وبهذا صرّح في رواية أبي الصباح (٤).

__________________

(١) قال به الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٠٣.

(٢) نَدَّ البعير : نفر وذهب على وجهه شارداً. الصحاح ٢ : ٥٤٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢٩ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٥٥ / ٢٢٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٠ أبواب الذبائح ب ٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٤ ، الوسائل ١٤ : ١٤٩ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٢.

٣٣٧

وفي رواية أبي خديجة : أنّه يعقل يدها اليسرى خاصّة (١). وليس المراد في الأوّل أنّه يعقل خُفّا يديه معاً إلى آباطه ، لأنّه لا يستطيع القيام ، والمستحب في الإبل أن تكون قائمة.

قال : والمراد في الغنم بقوله : « فلا يمسك يداً ولا رجلاً » أنّه يربط يديه وإحدى رجليه من غير أن يمسكهما بيده (٢).

وفي استفادة هذه الإرادة من الرواية مناقشة ، وبها صرّح المقدس الأردبيلي (٣) رحمه‌الله وصاحب الكفاية (٤). اللهم إلاّ أن يجعل وجه الإرادة فتوى الجماعة ، وهي وإن لم تبلغ درجة الحجيّة بعد أن تكون عن درجة الإجماع قاصرة ، إلاّ أنّ التمسّك بها في نحو المسألة ممّا هو من الآداب والسنن المستحبّة لا بأس به ، بناءً على جواز المسامحة في أدلّتها ، كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، ومرّ إليه الإشارة غير مرّة.

( ويكره الذباحة ليلاً ) وفي نهار يوم الجمعة إلى الزوال بلا خلاف ؛ للنصوص.

منها : النبوي : « نهى عن الذبح ليلاً » (٥).

ومنها : « كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يأمر غلمانه أن لا يذبحوا حتّى يطلع الفجر » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٥ ، الوسائل ١٤ : ١٤٩ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٣.

(٢) المسالك ٢ : ٢٢٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٣٢.

(٤) الكفاية : ٢٤٧.

(٥) سنن البيهقي ٩ : ٢٩٠ بتفاوت.

(٦) الكافي ٦ : ٢٣٦ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٦٠ / ٢٥٤ ، الوسائل ٢٤ : ٤٠ أبواب الذبائح ب ٢١ ح ١.

٣٣٨

ومنها : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكره الذبح وإراقة الدماء يوم الجمعة قبل الصلاة إلاّ لضرورة » (١).

( و ) يكره ( نخع الذبيحة ) قبل الموت أي إبلاغ السكين النخاع مثلث النون وهو : الخيط الأبيض وسط الفقار بالفتح ممتدّاً من الرقبة إلى عجب الذنب بفتح العين وسكون الجيم وهو أصله ؛ للنهي عنه في الصحيحين : « لا تنخعها حتّى تموت ، فإذا ماتت فانخعها » (٢).

هذا مضافاً إلى النهي المتقدّم في الصحيح عن الإبانة (٣) ، وهو يستلزم النخع ، فتأمّل جدّاً.

وكيف كان ، فحكمه حكمها ، وهو تحريم الفعل دون الذبيحة على الأقوى ؛ لما مضى. وفتوى الماتن هنا بالكراهة مع ميله إلى حرمة الإبانة سابقاً غير واضح وجهها ، مع أنّ المسألتين كما عرفت من باب واحد من حيث النهي فيهما المفيد للتحريم السالم عن المعارض أصلاً.

( وقلب السكّين في الذبح ) ليدخلها تحت الحلقوم ويقطعه إلى خارج ؛ للنهي عنه في الخبر السابق. وبظاهره أخذ النهاية والقاضي (٤) ، وردّه الحلّي (٥) وعامّة المتأخرين فحملوه على الكراهة ؛ لقصور السند. وهو أجود.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٦ / ١ ، التهذيب ٩ : ٦٠ / ٢٥٥ ، الوسائل ٢٤ : ٤٠ أبواب الذبائح ب ٢٠ ح ١.

(٢) الأول في : الكافي ٦ : ٢٢٩ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٣ / ٢٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٥ أبواب الذبائح ب ٦ ح ١.

الثاني في : الكافي ٦ : ٢٢٩ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٥٥ / ٢٢٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٦ أبواب الذبائح ب ٦ ح ٢.

(٣) راجع ص : ٣٣٢.

(٤) النهاية : ٥٨٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤٤٠.

(٥) السرائر ٣ : ١٠٩.

٣٣٩

ولم يذكر عن القائلين بالتحريم حرمة الذبيحة ، وقال بها في الغنية مدّعياً عليه إجماع الإمامية (١). وهو أحوط وإن كان في تعيّن المصير إليه نظر ؛ لوهن الدعوى بعدم العثور على موافق له في أصل الفتوى ، مع احتمال رجوعها في عبارته إلى شي‌ء آخر غير ما نحن فيه.

( وأن يذبح حيوان و ) حيوان ( آخر ينظر إليه ) ؛ للخبر : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان لا يذبح الشاة عند الشاة ، ولا الجزور عند الجزور وهو ينظر إليه » (٢).

وهو مع قصور السند غير ظاهر في التحريم ، فلا وجه للقول به كما عن النهاية (٣) ، بل الأقرب الكراهة كما عن الحلّي (٤) وعليه المتأخرون كافّة.

نعم ، ورد النهي عنه في الخبر المشارك لما سبقه في قصور السند : « لا تذبح الشاة عند الشاة ، ولا الجزور عند الجزور وهو ينظر إليه » (٥).

( وأن يذبح بيده ما ربّاه من النعم ) للنهي عنه في الخبر المحمول على الكراهة ؛ لقصور السند. ولعلّه لإيراثه قساوة القلب ، والله أعلم.

( ويحرم سلخ الذبيحة ) أو قطع شي‌ء منها ( قبل بردها ) وفاقاً للنهاية والقاضي وابن حمزة (٦) ؛ للمرفوعة : « الشاة إذا ذبحت وسلخت ، أو سلخ شي‌ء منها قبل أن تموت فليس يحلّ أكلها » (٧).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٩ / ٧ ، التهذيب ٩ : ٥٦ / ٢٣٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٦ أبواب الذبائح ب ٧ ح ١.

(٣) النهاية : ٥٨٤.

(٤) السرائر ٣ : ١٠٩.

(٥) التهذيب ٩ : ٨٠ / ٣٤١ ، الوسائل ٢٤ : ١٦ أبواب الذبائح ب ٧ ذيل حديث ١.

(٦) النهاية : ٥٨٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤٤٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٠.

(٧) الكافي ٦ : ٢٣٠ / ٨ ، التهذيب ٩ : ٥٦ / ٢٣٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٧ أبواب الذبائح ب ٨ ح ١.

٣٤٠