رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

كالكناية (١).

ذكر الماتن في الشرائع قبول قوله في دعوى عدم القصد إلى اليمين ولو من اللفظ الصريح (٢). وارتضاه غيره ؛ معلّلاً بأن القصد من الأُمور الباطنة التي لا يطلّع عليها غيره ، فوجب الرجوع إليه. وبجريان العادة كثيراً بإجراء ألفاظ اليمين من غير قصد. بخلاف الطلاق ونحوه فإنّه لا يصدّق ؛ لتعلق حقّ الآدمي به ، وعدم اعتياد عدم القصد فيه ، فدعواه عدمه خلاف الظاهر (٣). وهو حسن.

ولو فرض اقتران اليمين بما يدل على قصده ففي قبول دعواه وعدمه وجهان : من مخالفته الظاهر ، ومن عموم العلّة الأُولى. ولعلّ هذا أوجه ، إلاّ أن يكون المقارن ما يدل على قصده قطعاً.

( ولا يمين ) منعقدة توجب الحنث والكفارة ( للسكران ولا المكره ولا الغضبان ، إلاّ أن يكون لأحدهم قصد إلى اليمين ) الصادرة عنه فتنعقد معه بلا اشكال فيه ، وفي العدم مع العدم ؛ لما تقدّم ، مضافاً إلى صريح الخبرين : « لا يمين في غضب ، ولا في قطيعة رحم ، ولا في جبر ، ولا في إكراه » (٤).

وفسر فيهما الجبر بما كان من جهة السلطان ، والإكراه بما كان من الزوجة والأُمّ والأب.

( وتصحّ اليمين من الكافر ) مطلقاً ، وفاقاً للأكثر ومنهم الشيخ في‌

__________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٤١٦.

(٢) الشرائع ٣ : ١٧٠.

(٣) المسالك ٢ : ١٩٠.

(٤) الكافي ٧ : ٤٤٢ / ١٦ و ١٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢٣٥ أبواب الأيمان ب ١٦ ح ١ ، وذيله.

١٨١

المبسوط (١) ، بل الخلاف أيضاً كما يأتي. قيل : لإطلاق الكتاب والسنة والصحيحين.

في أحدهما : عن أهل الملل يستحلفون ، قال : « لا تحلفوهم إلاّ بالله عزّ وجلّ » (٢).

وفي الثاني : « لا تحلفوا اليهودي ، ولا النصراني ، ولا المجوسي إلاّ بالله تعالى » (٣).

وفي الجميع نظر ؛ لعدم إطلاق يشمل مفروض المسألة ، لاختصاصه في الكتاب وبعض السنة بمقتضى قاعدة خطاب المشافهة بحاضري مجلسه ، والمتيقن منهم المسلمون خاصة ، والتعدية إلى غيرهم ومنهم الكفار مطلقاً تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة ، إذ ليست إلاّ الإجماع ، وهو مفقود في محل النزاع.

وأما إطلاقات باقي السنة فغير نافعة أيضاً ؛ لورودها لبيان حكم آخر غير حكم المسألة ، ولا اعتداد بمثلها فيها كما مرّ غير مرّة.

وأما الصحيحان فليسا من مفروض المسألة ، لكونه اليمين على المستقبل الموجب مخالفتها للحنث والكفارة ، ولا كذلك موردهما ، لتعلّقه باستحلافهم في مقام الدعوى ، وهو غير الحلف الذي قدّمنا.

نعم ، يمكن الاستدلال بهما بالفحوى ؛ فإنّ انعقاد حلفهم في الدعاوي المتضمّنة للفروج والأموال يستلزم انعقاده هنا بطريق أولى ، هذا.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ١٩٤.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥٠ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٧٩ / ١٠١٦ ، الإستبصار ٤ : ٤٠ / ١٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٦ أبواب الأيمان ب ٣٢ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥١ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ / ١٠١٤ ، الإستبصار ٤ : ٣٩ / ١٣٢ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٦ أبواب الأيمان ب ٣٢ ح ٢.

١٨٢

مع إمكان أن يكون الاستناد إليهما دفعاً لما سيذكر لعدم الانعقاد : من عدم معرفته بالله تعالى ، بناءً على أن صحّة التعليل تقتضي عدم الانعقاد مطلقاً ولو في الدعاوي ، والحال أن الصحيحين قد دلاّ على الانعقاد فيها ، فدلاّ على فساد التعليل جدّاً.

( و ) ذكر الشيخ ( في الخلاف ) أنه ( لا تصحّ ) (١) لما مضى ؛ وللأصل السليم عن المعارض ، بناءً على ما قدّمناه من عدم إطلاق أو عموم يدل على الانعقاد هنا ؛ ولحديث : « الإسلام يجبّ ما قبله » (٢).

ويضعّف الأولان بما مضى. والثالث بأنّ الجبّ هو قطع ما ثبت وجوبه كالصلاة الواجبة عليهم ونحوها ، وهو غير منعه عن الثبوت في حال الكفر ، فلعلّ اليمين تنعقد عليهم حال كفرهم ، بحيث توجب مخالفتها عليهم الحنث والكفارة ، وإسلامهم بعدُ يجبّ ما وَجَب عليهم قبله بالمخالفة من الكفارة ، هذا.

ويضعف الأوّل زائداً على ما مرّ بأنه أخصّ من المدّعى ؛ لاختصاصه بمن لا معرفة له بالله تعالى دون من يعرفه ، فلا بُدّ من التفصيل بينهما بالانعقاد في الثاني دون الأوّل ، كما في المختلف والتنقيح والمسالك وشرح الكتاب للسيّد ، وعليه كثير ممن تبعهما (٣).

وهو قوي جدّاً ؛ للأصل ، واختصاص الصحيحين المجوزين اللذين هما الأصل في الجواز بالثاني ، وضعف الإطلاقات بما مضى ، مع ضعفها‌

__________________

(١) الخلاف ٦ : ١١٦.

(٢) عوالي اللئلئ ٢ : ٥٤ / ١٤٥.

(٣) المختلف : ٦٥١ ، التنقيح ٣ : ٥٠٩ ، المسالك ٢ : ١٩٠ ، نهاية المرام ٢ : ٣٣٤ ، وانظر كشف اللثام ٢ : ٢٢٢ ، والكفاية : ٢٢٧ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ٤٢.

١٨٣

في الشمول لغير المقرّ بأن مواردها الحلف بالله ، وحلف المنكر له به لا يعدّ حلفاً جدّاً ، بل يكون في حلفه به على معتقده لاغياً ، هذا.

ويظهر من الخلاف التردد فيما ذكره أولاً ، والرجوع إلى ما عليه الأكثر ؛ للعمومات. وفيها ما مرّ من المناقشات.

وكيف كان ، يحصل من رجوعه الاتفاق على الجواز في الجملة ، وهو حجة أُخرى له مستقلة ، إلاّ أن المحكي عن الحلّي المخالفة ، والمصير إلى القول الثاني (١). ولعلّه لا عبرة به ؛ لمعلومية نسبه مع حصول ما يقرب من القطع بالإجماع من اتفاق غيره.

وفائدة الصحة بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة ، وفي العقاب على متعلّقها لو مات على كفره ولمّا يفعله.

لا في تدارك الكفارة لو سبق الحنث الإسلام ؛ لأنّها تسقط عنه به بلا خلاف يظهر إلاّ من السيّد في الشرح (٢) ، فتأمل فيه. ولا وجه له بعد دلالة الخبر المتقدم المعتضد بالعمل.

مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في المهذب (٣) ، وفحوى ما دلّ عليه الإجماع من سقوط قضاء نحو الصلاة ، فسقوط الكفارة التي هي أدنى منها أولى.

( ولا تنعقد ) انعقاداً تاماً ( يمين الولد مع الوالد إلاّ بإذنه. ولو بادر ) إليها قبله ( كان للوالد حلّها إن لم يكن ) يمينه ( في ) فعل ( واجب أو ترك محرم. وكذا الزوجة مع زوجها والمملوك مع مولاه ) بلا خلاف في‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٨.

(٢) نهاية المرام ٢ : ٣٣٤.

(٣) المهذّب البارع ٤ : ١٢٩.

١٨٤

شي‌ء من ذلك في الجملة ، بل عليه الإجماع في الغنية (١) ؛ للمعتبرين :

أحدهما الصحيح : « لا يمين لولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا المملوك مع سيّده » (٢).

ومقتضاها كصدر العبارة هنا وفي الشرائع (٣) عدم الصحة بدون الإذن ؛ لأنه أقرب المجازات إلى نفي الماهية حيث يكون إرادته على الحقيقة ممتنعة.

مضافاً إلى شهادة السياق في الصحيح بذلك ، حيث زيد فيه : « ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة رحم » فإنّ النفي فيهما راجع إلى الصحة إجماعاً ، فليكن النفي المتقدم عليهما كذلك أيضاً.

وبه أفتى الفاضل في الإرشاد ، وشيخنا في المسالك ، وجملة من تبعه (٤). لذلك ، ولأن اليمين إيقاع فلا يقع موقوفاً.

خلافاً لذيل العبارة هنا وفي الشرائع والدروس (٥) ، فجعلوا اليمين بدونه صحيحة والنهي عنها مانعاً ، ونسبه في المسالك والمفاتيح (٦) إلى‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧.

(٢) الكافي ٧ : ٤٤٠ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٢٢٧ / ١٠٧٠ ، التهذيب ٨ : ٢٨٥ / ١٠٥٠ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٧ أبواب الأيمان ب ١٠ ح ٢.

والخبر الآخر : الكافي ٧ : ٤٣٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٨٥ / ١٠٤٩ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٦ أبواب الأيمان ب ١٠ ح ١.

(٣) الشرائع ٣ : ١٧٢.

(٤) الإرشاد ٢ : ٨٤ ، المسالك ٢ : ١٩٠ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ٢٢٢ ، والكفاية : ٢٢٥ ، والمفاتيح ٢ : ٤١.

(٥) الشرائع ٣ : ١٧٢ ، الدروس ٢ : ١٦٦ ، قال فيه : لا إشكال في التوقف على إذن الأب وإن علا.

(٦) المسالك ٢ : ١٩٠ ، المفاتيح ٢ : ٤١.

١٨٥

المشهور ، واحتجّ له كالتنقيح (١) بالعمومات الدالّة على وجوب الوفاء باليمين.

ويضعف : باختصاصها إجماعاً بالأيمان الصحيحة ، وكون اليمين في المسألة منها أوّل الكلام ، ودعواه مصادرة. وعلى تقدير تسليمها نخصّصها بالمعتبرين الظاهرين في نفي الصحة مفهوماً وسياقاً.

وطرحهما والاقتصار في التخصيص على المتيقن منه بالإجماع ، وهو صورة المنع لا عدم الإذن ، لا وجه له أصلاً إلاّ على تقدير عدم العمل بالأخبار الآحاد ، أو عدم تخصيص العمومات القطعية بها ، أو قصور الخبرين بضعف ثانيهما ، ووجود إبراهيم بن هاشم في سند أوّلهما ، ولم يصرّح بتوثيقه بل حسن ، وليس بحجة.

ويضعف الجميع : بحجية الآحاد المعتبرة الإسناد ، وجواز تخصيص القطعيات بها ، كما برهن في محلّهما ، ووثاقة إبراهيم على الرأي الصحيح ، مع أنّ الخبر الذي هو حسن به مروي في الفقيه في الصحيح.

وبالجملة فلا ريب في ضعف هذا القول ، وإن كان للأكثر.

ونحوه في الضعف استثناء اليمين على فعل الواجب وترك المحرم كما هنا ، وفي الشرائع والإرشاد (٢) ؛ لإطلاق النص وعدم دليل على إخراج هذا الفرد. وتعيّن الفعل عليه وجوداً وعدماً لا يقتضي ترتّب آثار انعقاد الحلف عليه حتى ترتب الكفارة على الحنث.

وبما ذكرنا صرّح السيّد في شرحه ، وصاحب الكفاية (٣). ويمكن أن‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٥١٠.

(٢) الشرائع ٣ : ١٧٢ ، الإرشاد ٢ : ٨٥.

(٣) نهاية المرام ٢ : ٣٣٥ ، الكفاية : ٢٢٧.

١٨٦

يوجه كلام الجماعة بما لا ينافي ما ذكرناه بأن يراد من الإحلال جواز الأمر بترك ما حلف على فعله ، أو فعل ما حلف على تركه. ونفي جواز الإحلال بهذا المعنى لا ينافي عدم انعقاد اليمين أصلاً.

وربما يشير إلى إرادة هذا المعنى عبارة الدروس الموافقة للعبارة في الاستثناء ، حيث قال في كتاب النذر والعهد : وللزوج حلّ نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب وترك المحرم حتى في الجزاء عليهما ، وكذا السيد لعبده ، والوالد لولده على الظاهر. فتدبر (١).

ثمّ إنّ مقتضى الأصل الدالّ على لزوم الوفاء باليمين ، واختصاص النص والفتاوى بعدم الصحة والتوقف على الإذن ، بالوالد عدم التعدية إلى الوالدة.

وفي شمول الحكم للجدّ إشكال : من عدم تبادره من إطلاق الوالد ، ومن إطلاقه عليه كثيراً ، واشتراكهما في الأحكام غالباً. والأحوط الأوّل ، وإن كان الثاني لعلّه لا يخلو عن قرب. وجزم به شيخنا في الدروس (٢).

وأما الزوجة فينبغي القطع باختصاص الحكم فيها بالدائم ، دون المتعة ؛ لعدم تبادرها منها عند الإطلاق ، مضافاً إلى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة.

( الثالث : في ) بيان ( متعلق اليمين ).

( و ) اعلم أنّه ( لا يمين إلاّ مع العلم ) بما يحلف عليه من صوم أو صلاة أو صدقة أو نحو ذلك. وتقييد المعلوم بذلك قد صرّح به الفاضل‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٤٩.

(٢) الدروس ٢ : ١٦٦.

١٨٧

المقداد والسيّد في شرحي الكتاب (١). قال الثاني بعده : ولا يمكن أن يكون المراد به العلم بوقوع ما يحلف عليه ؛ لأنّ المستقبل لا يعلم وقوعه.

ولم يذكر الماتن في الشرائع ولا غيره هذا الشرط في هذا الباب ، وإنّما يعتبرونه في اليمين المتوجهة إلى المنكر أو المدّعى مع الشاهد ، ولا ريب في اعتباره هناك ، كما يأتي إن شاء الله سبحانه.

( ولا يجب بـ ) اليمين ( الغَموس ) المتقدم تعريفه ( كفارة ) سوى الاستغفار وإن كانت محرمة ، بلا خلاف أجده ، بل عليه في صريح الخلاف ، وظاهر المسالك إجماع الإمامية (٢) ؛ للأصل.

والمرسل : « الأيمان ثلاث : يمين ليس فيها كفارة ، ويمين فيها كفارة ، ويمين غموس توجب النار. فاليمين التي ليست فيها كفارة : الرجل يحلف على باب برّ أن لا يفعله ، فكفارته أن يفعله. واليمين التي تجب فيها الكفارة : الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله ، فيفعله ، فيجب عليه الكفارة. واليمين الغَموس التي توجب النار : الرجل يحلف على حقّ امرئ مسلم على حبس ماله » (٣).

ويستفاد منه ومن مرسل آخر (٤) ، والمحكي عن أهل اللغة (٥) تعريف الغموس بالأخص مما مرّ عن الأكثر (٦).

( وتنعقد ) اليمين ( لو حلف على فعل واجب أو مندوب أو ) على‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٥١١ ، نهاية المرام ٢ : ٣٣٦.

(٢) الخلاف ٦ : ١١٥ ، المسالك ٢ : ١٩١.

(٣) الكافي ٧ : ٤٣٨ / ١ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٤ أبواب الأيمان ب ٩ ح ١.

(٤) عقاب الأعمال : ٢٧١ / ٩ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٥ أبواب الأيمان ب ٩ ح ٤.

(٥) حكاه عنهم في نهاية المرام ٢ : ٣٣٦.

(٦) راجع ص ١٦٦.

١٨٨

( ترك محرم أو مكروه. ولا تنعقد لو حلف على ترك واجب أو مندوب أو فعل محرم أو مكروه ).

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وبه صرّح جماعة ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحاح المستفيضة.

في أحدها : « كلّ يمين حلف عليها ألاّ يفعلها مما له فيه منفعة في الدنيا والآخرة فلا كفارة عليه ، وإنّما الكفارة في أن يحلف الرجل : والله لا أزني ، والله لا أشرب الخمر ولا أسرق ، والله لا أخون ، وأشباه هذه ، أو لا أعصي ، ثم فعل فعليه الكفارة » (١).

وفي الثاني : « ليس كل يمين فيها الكفارة ، أمّا ما كان منها مما أوجب الله تعالى عليك أن تفعله ، فحلفت أن لا تفعله ، فليس عليك فيه الكفارة ، وأمّا ما لم يكن مما أوجب الله تعالى عليك أن لا تفعله ، فحلفت أن لا تفعله ، فإنّ عليك فيه الكفارة » (٢).

وفي الثالث والرابع : عن الرجل يحلف على اليمين ، فيرى أنّ تركها أفضل ، وإن لم يتركها خشي أن يأثم ، أيتركها؟ قال : « أما سمعت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها » (٣).

وفي الخبرين : « لا يجوز يمين في تحليل حرام ، ولا تحريم حلال ، ولا قطيعة رحم » (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٤٧ / ٨ ، الوسائل ٢٣ : ٢٤٨ أبواب الأيمان ب ٢٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٤٤٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٩١ / ١٠٧٦ ، الإستبصار ٤ : ٤٢ / ١٤٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٤٩ أبواب الأيمان ب ٢٤ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٤٤٤ / ٣ ، ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٨٤ / ١٠٤٥ ، الوسائل ٢٣ : ٢٤٠ ، ٢٤١ أبواب الأيمان ب ١٨ ح ١ ، وذيل حديث ٣.

(٤) الكافي ٧ : ٤٣٩ / ٢ ، ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٨٥ / ١٠٤٦ ، ١٠٤٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٩ أبواب الأيمان ب ١١ ح ٦ ، ٧.

١٨٩

وفي الموثق : « لا يمين في معصية » (١).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا يبقى معها ومع فتوى الأصحاب بها شبهة ولا ريبة.

إلاّ أنّه استشكل في الكفاية فيما لو كان متعلقها راجحاً ديناً ومرجوحاً دنيا أو بالعكس (٢) ، قال : لتعارض عموم الأخبار. وظاهر الأصحاب الانعقاد هيهنا. ويشكل ، نظراً إلى قول أبي عبد الله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « كلّ ما كان لك فيه منفعة في أمر دين أو دنيا فلا حنث عليك » (٣).

وموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « كلّ يمين حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا ، فلا شي‌ء عليك فيهما ، وإنّما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه فيما لله معصية أن لا تفعله ثم تفعله » (٤).

وفيما ذكره نظر ، بل المصير إلى ما نقله عن الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه أظهر ؛ لرجحان العموم الدالّ عليه بعملهم ، مع اعتضاده بعمومات الكتاب والسنة بلزوم كل يمين.

والخبران المستشكل بهما في الحكم غير ظاهري الشمول لمحل الفرض من تعارض الرجحان من جهة والمرجوحية من اخرى ، بل ظاهرهما المتبادر منهما عند الإطلاق هو المرجوحية من جهة لا يعارضها رجحان من اخرى ، كما لا يخفى ، مع أنّ نحو هذا المتعلق يكون كالمباح المتساوي الطرفين ، والحكم فيه الانعقاد عند الأصحاب كما يأتي ، وإن‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٤٠ / ٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢٢٠ أبواب الأيمان ب ١١ ح ٩.

(٢) الكفاية : ٢٢٧.

(٣) الكافي ٧ : ٤٤٧ / ٨ ، التهذيب ٨ : ٢٩١ / ١٠٧٥ ، الوسائل ٢٣ : ٢٤٨ أبواب الأيمان ب ٢٣ ح ٣ ؛ بتفاوت.

(٤) الكافي ٧ : ٤٤٥ / ١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٤٨ أبواب الأيمان ب ٢٣ ح ٢.

١٩٠

تأمل فيه أيضاً ، ولكنّه ضعيف جدّاً.

( ولو حلف على ) فعل ( مباح ) أو تركه ( وكان الأولى له مخالفته في دينه أو دنياه ، فليأت ما هو خير له ، ولا إثم عليه ولا كفارة ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، منها الصحيحان الأخيران من الصحاح المستفيضة ، المتقدمة في المسألة السابقة.

ونحوهما أخبار أُخر ، وفيها المرسل كالموثق : « من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها ، فليأت الذي هو خير ، وله حسنة » (٢).

وفي بعضها : « إنما ذلك من خطوات الشيطان » (٣).

ويستفاد منها مضافاً إلى الاتفاق في الظاهر المحكي في بعض العبارات أنّ الأولوية متبوعة ولو طرأت بعد اليمين ، فلو كان البرّ أولى في الابتداء ثم صارت المخالفة أولى اتّبع ولا كفارة.

وفي عود اليمين بعود الأولوية بعد انحلالها وجهان ، أجودهما العدم ، للأصل. وكذا لو لم تنعقد ابتداءً للمرجوحية ، بل عدم العود هنا أولى ، ولذا قطع في الروضة به ، وتردّد فيه في السابق (٤).

( وإذا تساوى فعل تعلّقت به اليمين وتركه ) ديناً ودنيا بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر أصلاً ( وجب العمل بمقتضى اليمين ) بغير‌

__________________

(١) انظر الدروس ٢ : ١٦٧ ، والمسالك ٢ : ١٩١ ، والروضة ٣ : ٥٤ ٥٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٤٤ / ٤ ، الوسائل ٢٣ : ٢٤١ أبواب الأيمان ب ١٨ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٤٤٣ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٨٤ / ١٠٤٣ ، الوسائل ٢٣ : ٢٤٠ أبواب الأيمان ب ١٨ ح ٢.

(٤) الروضة ٣ : ٥٥ ٥٦.

١٩١

خلاف ظاهر مصرّح به في الدروس والروضة (١) ، بل عليه الإجماع في ظاهر المسالك وصريح الغنية (٢).

وبه اعترف في الكفاية وخالي العلاّمة المجلسي طاب رمسه ، لكنهما استشكلا فيه كالمفاتيح (٣) ، فقال الأوّل : نظراً إلى رواية زرارة (٤) ، ورواية حمران (٥) ، ورواية عبد الله بن سنان (٦) ، ورواية أبي الربيع الشامي (٧) ، وما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح قال : « كلّ يمين لا يراد بها وجه الله تعالى فليس بشي‌ء ، في طلاق وغيره » (٨).

وليس في محلّه ؛ للإجماعات المنقولة المعتضدة بإطلاقات الكتاب والسنة بلزوم كلّ يمين ، وعدم ظهور الخلاف فيه من معتبري الطائفة عدا الشهيد في اللمعة (٩) ، لكنه شاذّ.

ولضعف الروايات ما عدا الصحيحة ، ومعارضتها بمفاهيم الأخبار السابقة الدالة على عدم انعقاد الحلف على المباح إذا كان في المخالفة‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٦٦ ، الروضة ٣ : ٥٥.

(٢) المسالك ٢ : ١٩١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧.

(٣) الكفاية : ٢٢٨ ، ملاذ الأخيار ١٤ : ٣٩ ، المفاتيح ٢ : ٣٨.

(٤) الكافي ٧ : ٤٤٦ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٩١ / ١٠٧٨ ، الإستبصار ٤ : ٤٢ / ١٤٤ ، الوسائل ٢٣ : ٢٥٠ أبواب الأيمان ب ٢٤ ح ٣.

(٥) الكافي ٧ : ٤٤٦ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٩١ / ١٠٧٧ ، الإستبصار ٤ : ٤٢ / ١٤٣ ، الوسائل ٢٣ : ٢٥٠ أبواب الأيمان ب ٢٤ ح ٢.

(٦) الكافي ٧ : ٤٣٩ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٨٥ / ١٠٤٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٩ أبواب الأيمان ب ١١ ح ٧.

(٧) الكافي ٧ : ٤٣٩ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٨٥ / ١٠٤٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢١٩ أبواب الأيمان ب ١١ ح ٦.

(٨) التهذيب ٨ : ٢٨٨ / ١٠٦٢ ، الوسائل ٢٣ : ٢٣١ أبواب الأيمان ب ١٤ ح ٥.

(٩) اللمعة ( الروضة ٣ ) : ٥٤.

١٩٢

أولوية ، ومفهومها الانعقاد مع عدم أولوية المخالفة مطلقاً.

ونحوها عموم الصحاح وغيرها من المعتبرة : « وما لم يكن عليك واجباً أن تفعله ، فحلفت أن لا تفعله ، ثم فعلته ، فعليك الكفارة » (١).

وهذه الأخبار بالترجيح أولى ؛ لوجوه شتّى مضى ذكرها ، فليطرح المخالفة لها ، أو تؤوّل بتخصيص موردها بما مخالفته أولى وإن كان بعيداً ، أو تحمل على النذر ، لإطلاق اليمين عليه في كثير من النصوص ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى (٢). وبعض من تلك الروايات وإن لم يقبل هذا الحمل إلاّ أن الأمر فيه سهل ، لضعفه ، فلا عبرة به ولا عناية لنا في تصحيحه.

وتلخَّص مما ذكرنا انعقاد اليمين في كل متعلق إلاّ ما يكون مرجوحاً ديناً ودنيا ، أو في أحدهما خاصّة من دون رجحان في المقابل له.

( ولو حلف لزوجته أن لا يتزوج ) عليها أو بعدها ، دائماً أو منقطعاً ( أو لا يتسرّى لم تنعقد يمينه ) للصحيح في الحالف لها بمثل ذلك ، قال : « ليس عليك فيما حلفت عليه شي‌ء » (٣).

( وكذا لو حلفت هي أن لا تتزوّج بعده ) للصحيح الآخر : عن امرأة حلفت لزوجها بالعتاق والهدي إن هو مات أن لا تتزوج بعده أبداً ، ثم بدا لها أن تتزوج ، قال : « تبيع مملوكها ، إنّي أخاف عليها الشيطان ، وليس عليها في الحق شي‌ء ، فإن شاءت أن تهدي هدياً فعلت » (١) فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٢٤٩ كتاب الأيمان ب ٢٤.

(٢) في ص ٢٠٣.

(٣) الكافي ٧ : ٤٤٢ / ١٨ ، التهذيب ٨ : ٢٨٦ / ١٠٥٤ ، الوسائل ٢٣ : ٢٣٦ كتاب الأيمان ب ١٦ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

١٩٣

( وكذا لو حلفت أن لا تخرج معه ) للصحيح أيضاً : عن امرأة حلفت بعتق رقبتها أو بالمشي إلى بيت الله تعالى أن لا تخرج إلى زوجها أبداً ، وهو ببلد غير الأرض التي هي بها ، فلم يرسل إليها نفقة ، واحتاجت حاجة شديدة ولم تقدر على نفقة ، فقال : « فإنّها وإن كانت غَضْبى فإنّها حلفت حيث حلفت وهي تنوي أن لا تخرج إليه طائعةً وهي تستطيع ذلك ، ولو علمت أنّ ذلك لا ينبغي لها لم تحلف ، فلتخرج من المدينة إلى زوجها ، وليس عليها شي‌ء في يمينها ، فإنّ هذا أبرّ » (١).

ولا خلاف في شي‌ء من هذه الثلاثة ، وبه في الأوّل صرّح في الكفاية (٢) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الصحاح المتقدمة ، وأن اليمين على كلّ منها يمين على مرجوح أو معصية.

نعم ، لو عرض رجحان للمحلوف عليه ديناً أو دنيا بالأُمور الخارجة كانت اليمين منعقدة. وبه صرّح في الخلاف في التسرّي ، كما حكاه عنه جماعة وارتضوه ومنهم صاحب الكفاية ، إلاّ أنّه خصّه بما إذا لم تعارض الرجحان والمرجوحية ، واستشكل فيه بناءً على قاعدته السابقة (٣) ، وقد ظهر لك ما فيها من المناقشة.

( و ) اعلم أنه ( لا تنعقد ) اليمين ( لو قال لغيره : والله ) أو : أسألك بالله ، أو : أُقسم عليك ، أو نحو ذلك ( لتفعلنّ كذا ) وتسمّى بيمين المناشدة ( ولا تلزم أحدهما ) بلا خلاف ظاهر ، بل عليه إجماعنا كما في الشرح للسيد (٤) ؛ وهو الحجة.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٩٠ / ١٠٧٠ ، الوسائل ٢٣ : ٢٨٣ أبواب الأيمان ب ٤٥ ، ح ٢.

(٢) الكفاية : ٢٢٨.

(٣) الخلاف ٦ : ١٨٧ ، الكفاية : ٢٢٨.

(٤) نهاية المرام ٢ : ٣٣٨.

١٩٤

مضافاً إلى الأصل وعدم ثبوت موجب اللزوم في حقهما : أما المقسم عليه فلأنّه لم يوجد منه لفظ ولا قصد. وأمّا القائل فلأنّ اللفظ ليس صريحاً في القسم ؛ لأنّه عقد اليمين لغيره لا لنفسه ، وللنصوص.

ففي الصحيح : عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام يأكل معه ، فلم يأكل ، هل عليه في ذلك كفارة؟ قال : « لا » (١).

وفي الموثق : عن الرجل يقسم على أخيه ، قال : « ليس عليه شي‌ء ، إنما أراد الكرامة » (٢).

وقريب منهما خبر آخر (٣).

وأمّا الحسن : « إذا أقسم الرجل على أخيه [ فلم (٤) ] يبرّ قسمه فعلى المقسم كفارة يمين » (٥) فشاذّ غير مكافئ لما مرّ ، محمول على التقية أو الاستحباب.

ويستحب للمقسم عليه إبرار المقسم ؛ للنبوي الآمر بسبع عدّ منها (٦). والأمر فيه للاستحباب قطعاً ؛ للسياق مع قصور السند ، واتفاق الأصحاب.

( وكذا ) لا تنعقد ( لو حلف لغريمه على الإقامة بالبلد وخشي مع

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٨٧ / ١٠٥٧ ، الإستبصار ٤ : ٤٠ / ١٣٨ ، الوسائل ٢٣ : ٢٧٩ أبواب الأيمان ب ٤٢ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٤٦٢ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٢٩٤ / ١٠٨٩ ، الإستبصار ٤ : ٤١ / ١٣٩ الوسائل ٢٣ : ٢٧٩ أبواب الأيمان ب ٤٢ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٤٤٦ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٩٢ / ١٠٧٩ ، الوسائل ٢٣ : ٢٧٩ أبواب الأيمان ب ٤٢ ح ٢.

(٤) في النسخ : فيما ، وما أثبتناه من المصادر.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٩٢ / ١٠٨٠ ، الإستبصار ٤ : ٤١ / ١٤١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٨٠ أبواب الأيمان ب ٤٢ ح ٤.

(٦) الخصال : ٣٤٠ / ٢ ، الوسائل ٤ : ٤١٥ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠ ح ٨.

١٩٥

الإقامة الضرر ) لفحوى النصوص المتقدمة الدالة على جواز المخالفة لو كان فيها أولوية ، فجوازها مع خوف الضرر أولى.

وللخبر : في الرجل عليه دين ، فيحلفه غريمه بالأيمان المغلظة أن لا يخرج عن البلد ، قال : « لا يخرج حتى يعلمه » قلت : إن أعلمه لم يدعه ، قال : « إن كان عليه ضرر أو على عياله فليخرج ولا شي‌ء عليه » (١).

( وكذا ) لا تنعقد ( لو حلف ليضربنّ عبده فـ ) إنّ ( العفو أفضل ولا إثم عليه ولا كفارة ) لذلك.

وللخبر : سافرت مع أبي جعفر عليه‌السلام إلى مكة ، فأمر غلامه بشي‌ء فخالفه إلى غيره ، فقال عليه‌السلام : « والله لأضربنك يا غلام » فلم أره ضربه ، فقلت : جعلت فداك إنّك حلفت لتضربن غلامك فلم أرَك ضربته ، فقال : « أليس الله تعالى يقول : ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) » (٢).

( ولو حلف على ممكن ) في وقت معين ( فتجدّد العجز ) فيه ( انحلّت اليمين ).

ولو حلف عليه مطلقاً أو مقيداً فتجدّد العجز ثم القدرة قبل خروجه ، وجب في الوقت الممكن ، ولو لم يتجدّد قدرة فكالأوّل. ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ولا إشكال.

( ولو حلف على تخليص المؤمن ) أو ماله ( أو دفع أذيّة ) عنه أو عن نفسه جاز و ( لم يأثم ولو كان كاذباً ) بلا خلاف ؛ لحسن الكذب‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٦٢ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٢٩٠ / ١٠٧١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٧٧ أبواب الأيمان ب ٤٠ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٤٦٠ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٩٠ / ١٠٧٣ ، الوسائل ٢٣ : ٢٧٥ أبواب الأيمان ب ٣٨ ح ١ ، والآية في سورة البقرة : ٢٣٧.

١٩٦

النافع. وقد يجب إذا انحصر طريق التخلّص فيه ، وكذلك الحلف عليه ؛ للنصوص المستفيضة.

ففي الصحيح : « ما صنعتم من شي‌ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم في سعة » (١).

وفي آخر : عن رجل يخاف على ماله من السلطان ، فيحلف لينجو به منه ، قال : « لا جناح عليه » وعن رجل يحلف على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال : « نعم » (٢).

وفي القوي : « احلف كاذباً ونجّ أخاك من القتل » (٣).

وإطلاقها كالعبارة يقتضي عدم الفرق في الجواز مع خوف الضرر على النفس أو المال بين الكثير منه والقليل. وهو كذلك إلاّ أنه يأتي كراهة الحلف على المال القليل.

( و ) قد ذكر الأصحاب أنه ( إن أحسن التورية ) وهي إرادة شي‌ء وإظهار غيره ( ورّى ) والنصوص المتقدمة خالية عن ذلك كما ترى ، ولذا تنظّر في وجوبه جماعة من أصحابنا (٤). وهو في محلّه ، وإن كان الأحوط ارتكابها مهما أمكن ، فراراً من العمومات الناهية عن اليمين الكاذبة ، والتورية وإن لم تخرجها عن الكذب إلاّ أنّها قريبة من الصدق ، ولذا تنفع‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٤٢ / ١٥ ، التهذيب ٨ : ٢٨٦ / ١٠٥٢ ، الوسائل ٢٣ : ٢٢٤ أبواب الأيمان ب ١٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ٤٤٠ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٨٥ / ١٠٤٨ ، الوسائل ٢٣ : ٢٢٤ أبواب الأيمان ب ١٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٠٠ / ١١١١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٢٥ أبواب الأيمان ب ١٢ ح ٤.

(٤) منهم : صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣٤١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٨.

١٩٧

في المحق دون المبطل.

( ومن هذا ) أي جواز الحلف للضرورة ( لو وُهب له مال وكُتب له ابتياع وقبض ثمن ، فنازعه الوارث على تسليم الثمن ، فحلف ) لو طلبه منه ( ولا إثم عليه ويورّي بما يخرجه عن الكذب ) لما مرّ.

ولخصوص الصحيح : إنّ أُمي تصدّقت عليّ بنصيب لها في دار ، فقلت لها : إن القضاة لا يجيزون هذا ، ولكن اكتبيه شراء ، فقال : أصنع في ذلك ما بدا لك وكلّ ما ترى أنه يسوغ لك ، فوثقت ، فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن ولم أنقدها شيئاً ، فما ترى؟ قال : « احلف له » (١).

( وكذا لو حلف أنّ مماليكه أحرار ، وقصد التخلّص من ظالم لم يأثم ) ولم يتحرروا ؛ لما مرّ.

والخبر المعتبر بصفوان : مررت بالعاشر ، فسألني فقلت : هم أحرار كلّهم ، فدخلت المدينة فقدمت على أبي الحسن عليه‌السلام ، فأخبرته بقولي للعاشر ، فقال : « ليس عليك شي‌ء » (٢).

وفي الصحيح : عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق وغير ذلك ، فحلف ، قال : « لا جناح عليه » (٣).

( ويكره الحلف على ) المال ( القليل وإن كان صادقاً ) بل يكره‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٢٨ / ١٠٧٣ ، التهذيب ٨ : ٢٨٧ / ١٠٥٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٨١ أبواب الأيمان ب ٤٣ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٨٤ / ٣٠١ ، التهذيب ٨ : ٢٢٧ / ٨١٥ ، الوسائل ٢٣ : ٩٥ كتاب العتق ب ٦٠ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٤٤٠ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٨٥ / ١٠٤٨ ، الوسائل ٢٣ : ٢٢٤ أبواب الأيمان ب ١٢ ح ١.

١٩٨

الحلف عليه وعلى سائر الأُمور الدنيوية مطلقاً وإن كان في القليل أشد كراهة. وقد مضى الكلام فيه وتفسير القليل بثلاثين درهماً في صدر الكتاب (١).

( مسألتان :)

( الاولى :) لو حلف على ترك شرب لبن العنز وأكل لحمها اعتبر في انعقاده رجحان جانب اليمين أو تساوي طرفيها ديناً أو دنيا ، ولو كان محتاجاً إلى الأكل لم ينعقد ، ولو تجدّدت الحاجة انحلّت. ومثله لو كان الأكل راجحاً كالهدي والأُضحية.

وحيث انعقدت لا يتعدّى التحريم إلى الأولاد لحماً ولا لبناً ، على الأقوى ، وفاقاً للحلّي (٢) وعامة المتأخرين ؛ لعدم تناول اللفظ لها مطلقاً.

لكن ( روى ) في التهذيب عن عيسى ( بن عطية فيمن حلف لا يشرب من لبن عنز له ولا يأكل من لحمها : أنه يحرم عليه لبن أولادها ولحومهم ، لأنهم منها ) (٣).

( وفي ) سند هذه ( الرواية ضعف من ) وجوه شتّى ، وفي متنها مخالفة للقاعدة جدّاً ، فلا عمل عليها ( و ) إن ( قال ) بها الإسكافي والشيخ ( في النهاية ) وبعض من تبعه (٤) وقيّدها بعدم الحاجة إلى ترك ما حلف‌

__________________

(١) راجع ص ١٦٨.

(٢) السرائر ٣ : ٤٦.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٩٢ / ١٠٨٢. ورواه أيضاً في الكافي ٧ : ٤٦٠ / ٢ ، الوسائل ٢٣ : ٢٧٤ أبواب الأيمان ب ٣٧ ح ١. وعبارة الجميع : « لا تشرب من لبنها ، ولا تأكل من لحمها ، فإنّها منها ».

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٥٠ ، النهاية : ٥٦١ ، وانظر المهذّب ٢ : ٤٠٣.

١٩٩

عليه ، فقال : ( إن شرب ) من لبنها أو لبن ولدها ( لحاجة لم يكن عليه شي‌ء ) من حنث أو كفارة.

( و ) هذا ( التقييد حسن ) لما مرّ من أن من حلف على شي‌ء فرأى غيره خيراً فليأت به. إلاّ أنّ العمل بالرواية ضعيف غايته.

( الثانية : روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل أعجبته جارية عمته ، فخاف الإثم ، فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبداً ، فورث الجارية ، أعليه جناح أن يطأها؟ فقال : « إنّما حلف على الحرام ، ولعلّ الله رحمه ، فورثه إيّاها لما علم من عفّته ) (١).

وفي سندها ضعف ، إلاّ أنه ذكر جماعة من الأصحاب (٢) أنه يستقيم المصير إليها ؛ إذ الظاهر أن الحلف إنّما وقع على الوطء المحرم لا مطلقاً. ولو قصد التعميم روعي حال الرجحان وعدمه ، وبني على ما مرّ من الأُصول. والحمد لله.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٠١ / ١١١٨ ، الوسائل ٢٣ : ٢٨٧ أبواب الأيمان ب ٤٩ ح ١.

(٢) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٥١٦ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٤ : ١٣٠ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣٤٤.

٢٠٠