رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

ولو عن بعض المال.

ولا فرق في الخيار مع العجز بين القسمين ، لكنّ الأوّل ينعتق منه بقدر ما أدّى ويعود الباقي رقّاً بعد الفسخ ، والثاني يرجع جميعه في الرقّ ولو أدّى أكثر مال الكتابة.

( وحدّه ) أي علامة العجز وسببه الدالّ عليه ( أن يؤخّر النجم ) أي المال ( عن محلّه ووقته ) على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخر ، وفاقاً للمحكي عن المفيد والإسكافي والشيخ في أحد قوليه والحلّي (١) ؛ لأنّه إخلال بالشرط ، وقضيّته قدرة المولى على الفسخ.

وللصحاح ، في أحدها : ما حدّ العجز؟ فقال : « إنّ قضاتنا يقولون : إنّ عجز المكاتب أن يؤخر النجم إلى النجم الآخر حتى يحول عليه الحول » قلت : فما تقول أنت؟ فقال : « لا ولا كرامة ، ليس له أن يؤخر نجماً عن أجله إذا كان ذلك في شرطه » (٢).

ومرجع الإشارة بحكم الوضع هو العجز ، لا عدم تأخير النجم عن الأجل. فاندفع ما يرد عليه من قصور الدلالة ، باحتمال الإشارة الرجوع إلى الأخير ، فيخرج عمّا نحن فيه ؛ إذ على هذا لا نزاع في فسخ كتابته.

وفي ثانيهما : عن مكاتبة أدّت ثلثي مكاتبتها وقد شرط عليها إن عجزت فهي تردّ في رقّ ، ونحن في حلّ مما أخذنا منها وقد اجتمع عليها نجمان. قال : « تردّ وتطيب لهم ما أخذوا » وقال : « ليس لها أن تؤخر النجم‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٥١ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٣٩ ، الشيخ في الاستبصار ٤ : ٣٥ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٢٧.

(٢) الكافي ٦ : ١٨٥ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٦٥ / ٩٦٨ ، الإستبصار ٤ : ٣٣ / ١١٣ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٥ أبواب المكاتبة ب ٥ ح ١.

٨١

بعد حدّه شهراً واحداً إلاّ بإذنهم » (١).

وما يقال من أنّ الروايتين ليستا نصّين في المطلوب ؛ إذ عدم جواز التأخير غير دالّ على جواز الفسخ.

مدفوع بظهور الدلالة في الأوّل بقرينة السياق والإنكار على من اعتبر أمراً زائداً عليه ، فيصير قرينة للدلالة في الثاني ، فإنّ أخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن بعض.

( وفي رواية ) موثّقة عمل بها النهاية وبعض من تبعه (٢) حدّه ( أن يؤخر نجماً إلى نجم ) فيجب على المولى الصبر إلى النجم الثاني (٣).

وهي قاصرة عن المقاومة لما مرّ سنداً ودلالة من وجوه شتّى ، بل ربما دلّ سياقها على الاستحباب جدّاً ، مع أنّها محتملة للتقية كما صرّح به جماعة (٤) وأفصحت عنه الصحيحة السابقة.

مضافاً إلى أنّها مطلقة في الحكم شاملة لصورتي العلم بعجزه عند حلول النجم الثاني وعدمه ، ومن قال بها لم يقل بهذا الإطلاق جدّاً بل قيّده بالصورة الثانية ، معتذراً بعدم الفائدة في التأخير إلى النجم الثاني في الصورة الاولى ، فلا يجب على المولى.

ويضعّف الاعتذار بأنّ المعتبر في مثل هذا الظن الغالب ، لتعذّر العلم الحقيقي ، ويمكن وقوع خلاف الظن ببذل متبرّع أو مُزكٍّ أو غيرهما.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٨٧ / ٨ ، التهذيب ٨ : ٢٦٦ / ٩٧١ ، الإستبصار ٤ : ٣٤ / ١١٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٦ أبواب المكاتبة ب ٥ ح ٢.

(٢) النهاية : ٥٤٩ ، وتبعه ابن البراج في المهذب ٢ : ٣٧٦.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٦٦ / ٩٧٢ ، الإستبصار ٤ : ٣٤ / ١١٥ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٤ أبواب المكاتبة ب ٤ ح ١٥.

(٤) منهم : الشيخ في الاستبصار ٤ : ٣٥ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣٠٠.

٨٢

فهذا القول في غاية السقوط. كالقول بلزوم التأخير على المولى إلى ثلاثة أنجم ، كما عن الصدوق (١) وإن دلّ عليه خبران (٢) ، لضعفهما سنداً ومقاومة لما مضى ، فليحملا على الاستحباب كسابقهما.

واعلم أنّ قول الماتن : ( وكذا لو علم منه العجز ) لا يستقيم جعله مقابلاً لما اختاره في حدّ العجز من أنه تأخير النجم عن محلّه ؛ لأنّ العلم بالعجز إن كان قبل حلول النجم لم يتسلط السيد على الفسخ ، كما صرّح به الشهيدان وغيرهما (٣) من غير خلاف يعرف ، بل صرّح ثانيهما بالإجماع عليه. وإن كان بعد الحلول فهو بعينه تأخير النجم إلى النجم ، كما نقلناه عن العاملين بالموثّقة ، فكيف يمكن للماتن أن يقول به ويختاره؟.

( ويستحب للمولى الصبر عليه إن عجز ) بلا خلاف ؛ لما فيه من الإعانة على التخلّص من الرق وإنظار المعسر بالدين ، لأنّه عليه بمنزلته ؛ وللأمر بإنظاره سنة وسنتين وثلاثاً (٤) المحمول على الاستحباب كما عرفت جمعاً.

( وكلّ ما يشترط المولى ) في العقد ( على المكاتب ) من نحو عدم تأخير النجم عن الوقت ( لازم ) عليه ؛ لأنّه جزء من العقد فيشمله عموم‌

__________________

(١) المقنع : ١٥٨.

(٢) الأوّل في : الفقيه ٣ : ٧٨ / ٢٧٩ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٣ أبواب المكاتبة ب ٤ ح ١٠.

الثاني في : الفقيه ٣ : ٧٣ / ٢٥٧ ، التهذيب ٨ : ٢٦٧ / ٩٧٣ ، الاستبصار ٤ : ٣٤ / ١١٦ ، المقنع : ١٦٠ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٤ أبواب المكاتبة ب ٤ ح ١٦.

(٣) الشهيد الأول في اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٣٥١ ، والدروس ٢ : ٢٤٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٤٦ ؛ وانظر المهذب البارع ٤ : ٩٢ ، ونهاية المرام ٢ : ٣٠٠.

(٤) الوسائل ٢٣ : ١٤٤ أبواب المكاتبة ب ٤ ح ١٥ ، ١٦.

٨٣

ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود ؛ مضافاً إلى لزوم الوفاء بالشروط ، المستفاد من عموم كثير من النصوص ، وخصوص الأخبار الواردة في المكاتب المشروط ، فإنّها صريحة الدلالة على أنّ المؤمنين عند الشروط.

وللخبر : عن المكاتب قال : « يجوز عليه ما شرطت عليه » (١).

( ما لم يخالف المشروع ) كأن يشترط عليه ترك التكسب فيبطل الشرط ، ويتبعه بطلان العقد كما هو شأن العقود المشروطة بشي‌ء فاسد من الشروط.

( و ) أمّا الثاني ، فبيانه : أنه ( يعتبر في المالك جواز التصرف ) برفع الحجر عنه بالبلوغ والعقل ( والاختيار ) كما مرّ في نظائر البحث.

( وفي اعتبار الإسلام ) فيه ( تردّد ) ينشأ من أنّ الكتابة هل هي عتق بعوض؟ فيشترط فيه الإسلام ، أو معاملة مستقلّة بين السيّد والعبد على عوض معلوم؟ فلا يشترط كسائر المعاملات.

( أشبهه ) عند الماتن والأكثر (٢) ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ، بل صرّح بعض بجهالة القائل بالاعتبار (٣) ( أنّه لا يعتبر ) لضعف القول بأنّه عتق.

مضافاً إلى وقوع العتق من الكافر مطلقاً ، أو إذا كان مقرّاً بالله تعالى ، فلا يتمّ الدليل إلاّ على القول بعدم صحّة العتق من الكافر مطلقاً ، ولو كان بالله تعالى مقرّاً. وهو ضعيف كما مضى.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٨٦ / ٥ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٢ أبواب المكاتبة ب ٤ ح ٤.

(٢) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ١١٨ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٠٨.

(٣) نهاية المرام ٢ : ٣٠٢.

٨٤

وظاهر الجماعة الاتّفاق على عدم الاعتبار ، مع ثبوت ضعف دليل هذا القول ، لعموم ما دلّ على صحة هذه المعاملة. فإن صحّ إجماعاً ، وإلاّ ففي العموم مناقشة إن أُريد به عموم أدلّة مشروعية المكاتبة من الكتاب والسنة ؛ لاختصاص الخطاب في الأوّل بالمسلمين الذين هم المخاطبون بالآية ، بقرينة أنّ متعلّقه من يعلم الديانة خيراً لا مطلقاً ، والكافر لا يعلمها بالمعنى المراد في الآية أي الإيمان خيراً بل يزعمه شرّاً ، فلا يمكن أن يتوجّه هذا الخطاب إليه جدّاً.

والتعدية إلى الكفار لا بدّ فيها من دلالة ، وهي في المقام مفقودة ؛ لعدم نصّ كما هو ظاهر وسيأتي إليه الإشارة ، ولا إجماع في محل النزاع بلا شبهة.

وعدم عموم في الثاني ، بل ولا إطلاق سوى الموثّقة المتقدمة (١) ، والمتبادر منها كون المولى مؤمناً لا مطلقاً. مضافاً إلى ظهور قوله عليه‌السلام : « والمؤمن معان » في كون العبد مؤمناً ، ولا يكون عبداً للكافر غالباً ، فلا تحمل الرواية على ما هو فرد نادر جدّاً.

مع أنّه لا تصحّ مكاتبة الكافر له عند جماعة ؛ لوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر فوراً ، والمكاتبة لا تقتضي الإخراج خروجاً تامّاً ، ولا ترفع السلطنة خصوصاً في المشروطة ، فلا يمكن أن يحمل عليه إطلاق الرواية من هذه الجهة أيضاً.

وكذا إن أُريد به عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، أمّا على القول بكون الكتابة عقداً جائزاً مطلقاً أو في الجملة فظاهر ؛ لعدم دخولها من أصلها‌

__________________

(١) في ص ٧٨.

٨٥

حينئذٍ فيه أصلاً. وكذا على المختار من كونه لازماً ؛ لما مضى في عموم الآية السابقة من اختصاص الخطاب بالمسلم ، وعدم موجب للتعدية لا من إجماع ولا سنّة.

وثبوتها إلى الكافر في كثير من المعاملات بأحد الأمرين لا يوجب ثبوتها مع انتفائهما في المسألة. والقياس حرام في الشريعة.

فالقول بالاعتبار لو لم يكن على عدمه إجماع لعلّه لا يخلو عن قوّة ولو قلنا بأنّ الكتابة معاملة مستقلّة ؛ لعدم المقتضي لصحّتها كليّة حتّى في المسألة ، لما عرفت من ضعف المقتضيات المزبورة ، ولم أقف من دونها على دلالة فتأمّل.

مع أنّ الأصل على الفساد أقوى حجّة ، سيّما إذا كان العبد مسلماً ؛ لما مضى. وكذا إذا كان كافراً على القول بعدم صحّة مكاتبة العبد الكافر كما هو الأقوى ، وسيأتي أنّ المرتضى ادّعى عليه إجماعنا عليه مطلقاً من دون تقييد بكون المولى مسلماً (١).

ومن هنا ينقدح وجه آخر في الجواب عن العمومات ولو سلّمت ؛ فإنّ الإجماع المزبور ينفي جواز مكاتبة الكافر لمثله ، كما أنّ ما مرّ في كلام جماعة ينفي جواز مكاتبته لضدّه. فبهما تخصّص العمومات المزبورة ، ولا فرد آخر للمسألة تشمله فيكون ثمرة النزاع والمشاجرة.

وأمّا الثالث ، فبيانه : ( أنّه يعتبر في المملوك التكليف ) فلا يصّح مكاتبة الصبي ولا المجنون ، بلا خلافٍ أجده حتّى من المسالك والروضة (٢) وإن ناقش في دليل الحكم المنقول عن جماعة بعض المناقشة ، لكنّه نسبها‌

__________________

(١) الانتصار : ٧٥.

(٢) المسالك ٢ : ١٤٨ ، الروضة ٦ : ٣٤٥.

٨٦

في الثاني كالشهيد في الدروس (١) إلى الخيال المشعر بل الظاهر في تمريضه ، وحكى في الأوّل بعدها الإجماع عن بعض ، وجعله الحجّة من دون تزلزل ولا ريبة.

فلا مجال للمناقشة في الحكم في المسألة ، سيّما مع حكاية الإجماع المزبور وإن لم نعرف ناقله الأصلي مع احتمال كونه الشهيد في شرح الإرشاد ، كما حكاه عنه صريحاً السيّد في شرح الكتاب ، وجعل هو أيضاً الحكم مقطوعاً به بين الأصحاب (٢).

واستدلّ عليه أيضاً بعد الإجماع بوجوب الاقتصار في هذه المعاملة المخالفة للأصل على مورد النص والوفاق ، وليس إلاّ كتابة المكلّف. وبه استدلّ على ما سيأتي من اعتبار الإسلام في العبد.

وهو حسن لو انحصر المخرج عنه في عموم أدلّة مشروعيّة المكاتبة ، وليس بمنحصر ، لوجود عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود ، الشامل لمحل الشبهة والمناقشة في المسألة ، وهو ما إذا حصل القبول من المولى أو نحوه كالأب والجد ممّن له الولاية عليهما ، لصدق العقد على مثله جدّاً ، هذا.

والعجب منه رحمه‌الله أنّه استدل لعدم اعتبار الإسلام في السيّد بالعموم ، وما احتمل الاعتبار لما ذكره هنا من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن من النص والفتوى ، مع أنّه لا يكاد يظهر فرق بين المقامين بوجه أصلاً ، إذ كما أنّه ليس مكاتبة غير المكلّف متيقّناً من الأمرين ولا موردهما ، كذا ليس مكاتبة المولى الكافر متيقّناً من أحدهما‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٢٤٢.

(٢) نهاية المرام ٢ : ٣٠٢.

٨٧

ولا موردهما ، كما مضى بيانه مشروحاً.

وكما أن عموم الوفاء بالعقود يشمل مكاتبة المولى الكافر على تقدير تسليمه ، كذا يشمل على اليقين مكاتبة غير المكلف في الفرض المذكور سابقاً.

فهذا الاستدلال ضعيف ، كالاستدلال بأنهما ليس لهما أهليّة القبول والابتغاء ؛ لما ذكره في المسالك والروضة (١).

( وفي ) جواز ( كتابة ) العبد ( الكافر تردّد ) يظهر من جماعة (٢) أنّ وجهه الاختلاف في تفسير الخير في الآية هل هو المال والديانة؟ أو الأوّل دون الثاني؟ أو بالعكس؟ فيصح على الثاني دون الباقي.

وهذا منهم ظاهر في فهمهم من مفهوم الآية المنع عن الكتابة مع عدم الخير ، لا عدم الأمر بها مع عدمه ، كما فهمه الشهيد الثاني ، واعترض لأجله توجيه المنع بتفسير الخير بالأوّل والثالث ، فقال : ولمانع أن يمنع من دلالة الآية على المنع على جميع التقادير ؛ لأنّ الشرط المذكور إنّما وقع للأمر بها الدالّ على الوجوب أو الاستحباب ، لا لمطلق الإذن فيها ، ولا يلزم من توقف الأمر بها على شرط توقّف إباحتها عليه. والدليل على تسويغ عقد المكاتبة غير منحصر في الآية. انتهى (٣).

ولعلّ وجه فهم الجماعة لما ذكروه تبادره ، لا ما ذكره.

( و ) كيف كان ( الأظهر المنع ) وفاقاً للأكثر كالمبسوط والانتصار (٤)

__________________

(١) المسالك ٢ : ١٤٨ ، الروضة ٦ : ٣٤٥.

(٢) منهم : فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٥٩٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٤٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٧٣.

(٣) انظر المسالك ٢ : ١٤٨.

(٤) المبسوط ٦ : ١٣٠ ، الانتصار : ١٧٤.

٨٨

مدّعياً عليه الإجماع المعتضد بعدم نقل خلاف فيه عن أحد من القدماء ، وإنّما المخالف الفاضل في المختلف ، والشهيدان في الروضتين (١) ، مع أنّ الأول قال في أكثر كتبه كالقواعد والتحرير والإرشاد (٢) بالأوّل ؛ وناهيك هذه الحجة المعتضدة بعدم خلاف ظاهر بين قدماء الطائفة.

مضافاً إلى ما مرّ في العتق من وجوه أُخر غير اعتبار قصد القربة.

( و ) أمّا الرابع ، فبيانه : أنه ( يعتبر في العوض ) أُمور :

منها ( كونه ديناً ) فلا يجوز أن يكون عيناً بلا خلاف أجده ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى ما في كلام جماعة (٣) من أنها إن كانت ما بيد العبد فلا معاوضة ، لأنّها للسيّد. وإن كانت لغيره فهي كجعل ثمن البيع من غير المشتري ، وهو غير جائز ، لأنّ المعاوضة إنّما تتحقق مع ملك باذل كلّ من العوضين ما وقع بذله. وهذا بخلاف الدين ؛ فإنّ المكاتب يخرج عن محض الرقية ويصير قابلاً للملك بالكسب المتجدد ، فيجوز جعله عوضاً.

وهذا التوجيه لا يتمشّى في الصورة الأُولى إلاّ على المختار من عدم مالكية العبد ؛ لصحة التعليل بأنّها للسيد على هذا التقدير. وأمّا على غيره من مالكية العبد مطلقاً أو على بعض الوجوه فغير صحيح ؛ لأنّها للعبد ، وغاية ما يكون ثبوت الحجر عليه في التصرف فيه ، وهو بالإذن بالكتابة عليه مرفوع عنه.

__________________

(١) المختلف : ٦٣٩ ، اللمعة والروضة البهية ٦ : ٣٥٢ ٣٥٣.

(٢) القواعد ٢ : ١١٩ ، التحرير ٢ : ٨٤ ، الإرشاد ٢ : ٧٦.

(٣) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٧٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٠٥.

٨٩

فلا وجه للمنع عن صحة الكتابة على العين في هذه الصورة ، فعدمه فيها على هذا القول لا يخلو عن قوة إن لم ينعقد على المنع إجماع الطائفة ، ولكن لعلّه ظاهر الانعقاد ، كما يستفاد من تتبّع كلماتهم في المسألة.

نعم ، استوجه عدم المنع على هذا القول السيد في شرح الكتاب ، ولكن الظاهر أنّه مسبوق بعدم الخلاف بل الإجماع ، فلا يقدح خروجه ، سيما مع كونه معلوم النسب ، وهذا أيضاً من أعظم الشواهد على المختار من عدم مالكية العبد على الإطلاق.

ومنها : كونه ( مؤجّلاً ) فلا يصح حالاّ لفظاً أو حكماً عند الأكثر ، وفاقاً للشيخ وابن حمزة (١) ؛ تبعاً للسلف ، فإنّهم ما كانوا يكاتبون إلاّ على العوض المؤجل ، فيكون ذلك منهم إجماعاً أو كالإجماع.

والتفاتاً إلى عجزه عن الأداء في الحال ؛ لأنّ ما في يده للسيّد ، وما ليس في يده متوقع الحصول ، فلا بد من ضرب الأجل ، لئلاّ يتطرق الجهالة الموجبة للغرر المنهي عنه في الشريعة.

وفي الجميع نظر ؛ لاندفاع الأوّل على تقدير تسليمه بعدم ثبوت المنع به عما عدا المؤجّل ، إذ غايته الاتّفاق على ثبوت المؤجل ، وهو أعم من فساد الحال.

وبالجملة : الإجماع النافع في المقام ما وقع على فساد الحالّ ، لا على صحّة المؤجل ؛ مع إمكان ورود مكاتبتهم مورد الغالب من عجز المكاتب عن الأداء في الحال ، وهو لا يستلزم اتفاقهم على فساد الفرد النادر مع التحقق.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٧٣ ، الوسيلة : ٣٤٤.

٩٠

والثاني بمنع الجهالة ؛ لإمكان حصول المال في كلّ وقت يتعقّب العقد ولو بالاقتراض ونحوه.

فما عن الخلاف والحلّي (١) من عدم اشتراط هذا الشرط لا يخلو عن قوّة ، للأصل والعمومات ، سيّما على القول بكونها بيعاً أو عتقاً بعوض. ومال إليه الشهيدان في نكت الإرشاد والمسالك والروضة (٢).

وينبغي القطع به فيما لو كان بعضه حرّا ، فكاتبه على قدره فما دون حالاّ.

وحيث يعتبر أو يراد يشترط ضبطه كأجل النسية بما لا يحتمل النقصان والزيادة ، ولا يشترط زيادته عن أجل عندنا ، كما في الدروس والمسالك والروضة (٣) ؛ لحصول الغرض.

ومنها : كونه ( معلوم القدر والصفة ) بلا خلاف أجده ؛ لاستلزام عدم المعلومية الغرر المنهي عنه في الشريعة. ويعتبر ضبطه كالنسية ، وإن كان عرضاً فكالسلف ، ويمتنع فيما يمتنع فيه.

ومنها : كونه ( مما يصحّ تملكه للمولى ) بلا خلاف فيه أيضاً ، فلو كاتب المسلم عبده الذمي على ما لا يملكه كخمر وخنزير بطل ؛ لعدم دخوله في ملكه.

وإنّما عدل إلى التعبير بالمولى عن التعبير بالمسلم ، ليدلّ على صحّة مكاتبة الكافر على ما يملكه وإن كان لا يملكه المسلم كما هي مذهبه.

وعليه فلو كانا ذميّين وأوقعا المكاتبة على الخمر والخنزير ، فإن‌

__________________

(١) الخلاف ٦ : ٣٨٣ ، السرائر ٣ : ٣٠.

(٢) المسالك ٢ : ١٤٥ ، الروضة ٦ : ٣٤٨.

(٣) الدروس ٢ : ٢٤٣ ، المسالك ٢ : ١٤٥ ، الروضة ٦ : ٣٤٩.

٩١

أسلما بعد التقابض لم يكن عليه شي‌ء للمولى أصلاً.

وإن كان قبله فهل له عليه قيمة العوض؟ أم قيمة نفسه؟ أم تبطل الكتابة من أصلها؟ أقوال : أجودها الأوّل ، كما عليه الشيخ (١) والأكثر ؛ استناداً في صحة المكاتبة إلى الأصل ، وعدم ظهور المخرج عنه ؛ وفي لزوم قيمة العوض إلى أنّ الواجب بالعقد عينه ، ومع تعذره شرعاً ينتقل إلى قيمته.

ويندرج في عموم ما يملكه المولى الأعيان والمنافع حتى منفعة المكاتب مدّة معيّنة ، وبه صرّح جماعة (٢) ، ولا خلاف فيه أجده.

وفي الخبر المروي في الفقيه في هذا الكتاب : عن رجل قال : غلامي حرّ وعليه عمالة كذا وكذا سنة ، فقال : « هو حرّ وعليه العمالة » (٣) الحديث ، فتأمّل.

( ولا حدّ لأكثره ) بلا خلاف ؛ للإطلاقات المؤيّدة بظاهر كثير من النصوص ( لكن ) ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنه ( يكره أن يتجاوز قيمته ) وقت الكتابة.

وحجّتهم غير واضحة ، مع أنّ في المرسل لأبان : رجل ملك مملوكاً فسأل صاحبه المكاتبة ، إله أن لا يكاتبه إلاّ على الغلاء؟ قال : « نعم » (٤).

__________________

(١) المبسوط ٦ : ١٢٨.

(٢) منهم : صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣٠٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٤.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٣٧ / ٨٥٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢٥ أبواب العتق ب ١٠ ح ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٧٦ / ٢٩٦ ، التهذيب ٨ : ٢٧٢ / ٩٩٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٦١ أبواب المكاتبة ب ١٨ ح ١.

٩٢

لكن لا بأس بمتابعتهم ، فإنّ المقام مقام الكراهة.

( ولو دفع ما عليه قبل ) حلول ( الأجل فالمولى بالخيار ) بين قبوله والامتناع منه بلا خلاف ، بل عليه في التنقيح الإجماع (١) إلاّ من الإسكافي (٢) ، فأوجب عليه القبول في بعض الصور.

ويدفعه بعد الأصل ومنافاته لمقتضى العقد والشرط صريح الخبر : إنّ مكاتباً أتى علياً عليه‌السلام وقال : إنّ سيدي كاتبني وشرط عليّ نجوماً في كل سنة ، فجئته بالمال كلّه ضربة ، فسألته أن يأخذه كلّه ضربة فيجيز عتقي ، فأبى عليّ ، فدعاه علي عليه‌السلام فقال : صدق ، فقال له : « ما لك لا تأخذ المال وتمضي عتقه؟ » فقال : ما آخذ إلاّ النجوم التي شرطت ، وأتعرّض من ذلك إلى ميراثه ، فقال علي عليه‌السلام : « أنت أحقّ بشرطك » (٣).

ولم أقف للمخالف على دليل نعم ، في الصحيح : في مكاتب ينقد نصف مكاتبة ويبقى عليه النصف ، فيدعو مواليه ، فيقول : خذوا ما بقي ضربة واحدة ، فقال : « يأخذون ما بقي ويعتق ». (٤).

ولكن لم يقل بإطلاقه إلاّ بعض العامة (٥) ، فيحتمل الحمل على التقية أو الاستحباب ، أو مجرّد الرخصة كما يفصح عنه الرواية السابقة.

( و ) اعلم أنه يجوز الدفع من سهم الرقاب إلى المكاتب مطلقاً‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٤٧٥.

(٢) كما نقله عنه في المختلف : ٦٤٥.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٧٣ / ٩٩٨ ، الإستبصار ٤ : ٣٥ / ١١٩ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٠ أبواب المكاتبة ب ١٧ ح ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٧٦ / ٢٧٢ ، التهذيب ٨ : ٢٧١ / ٩٨٩ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٠ أبواب المكاتبة ب ١٧ ح ١.

(٥) المغني لابن قدامة ١٢ : ٣٥٩.

٩٣

إجماعاً فتوًى ونصاً ، كتاباً وسنّة ، بل قالوا : ( لو عجز المطلق عن الأداء فكّه الإمام عليه‌السلام من سهم الرقاب وجوباً ) لكن لم أقف لهم على حجّة أصلاً.

نعم ، في الخبر المرسل : عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها ، قال : « يؤدّى عنه من مال الصدقة ، فإنّ الله تعالى يقول في كتابه ( وَفِي الرِّقابِ ) » (١). وهو بعد الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على ما ذكروه من الوجوب من وجوه ، ولذا يظهر من الكفاية التردّد فيه (٢) ، تبعاً للسيّد في شرح الكتاب (٣) ، ولعلّه في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه.

( وأمّا الأحكام ) المتعلّقة بالمقام ( فمسائل ثلاث ) ‌

الأُولى : ( إذا مات ) المكاتب ( المشروط ) ولم يؤدّ المال جميعاً ( بطلت الكتابة وكان ماله وأولاده ) من أمته ( لمولاه ) مطلقاً خلّف ما فيه وفاء بمال الكتابة ، أم لا ، على الأشهر الأقوى ؛ استصحاباً للعبودية ، فإنّ المشروط لا ينعتق إلاّ بأداء مجموع ما عليه ، لا بأداء بعضه ، ولا بالقدرة على الأداء ، والمفروض أنّه لم يؤدّ ما شرط عليه ، فيكون مات عبداً يرث أمواله وأولاده المولى ؛ ومع ذلك الصحاح به مستفيضة جدّاً ، سيأتي إلى جملة منها الإشارة إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٧٤ / ٢٥٨ ، التهذيب ٨ : ٢٧٥ / ١٠٠٢ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٦ أبواب المكاتبة ب ٢١ ح ١. والآية في التوبة : ٦٠.

(٢) الكفاية : ٢٢٥.

(٣) نهاية المرام ٢ : ٣٠٦.

٩٤

خلافاً للخلاف (١) ، ففصّل بين صورتي الإطلاق ، ووافق القوم في الثانية ، وحكم في الأُولى بوجوب وفاء ما عليه من وجه الكتابة ، وكون الباقي إن كان للورثة.

وهو مع مخالفته الأدلّة المتقدمة شاذّ ، غير واضح الحجة ، لم أر من يوافقه من الطائفة سوى الصدوق ، حيث أطلق الحكم بوجوب إيفاء ما بقي عليه من كتابته من تركته على ابنه من جاريته ، وأنّه يرث ما بقي ، ولم يفصّل بين المشروط والمطلق (٢). لكن ربما يشعر سياق عبارته بإرادته الثاني ، فيوافق الإسكافي في قوله الآتي (٣).

( وإن مات المطلق ) ولم يؤدّ شيئاً فكذلك كان ماله وأولاده التابعون له في الكتابة للمولى ، بلا خلاف أجده ، بل نسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب كافّة (٤). لكن احتمل فيه بعد النسبة أن يرث قريبه ما فضل من مال الكتابة ، لأنّه كالدين ، واستوجهه السيد في شرح الكتاب (٥). وهو ضعيف وإن كان يناسب الرواية الآتية سنداً للإسكافي.

( و ) إن كان ( قد أدّى شيئاً تحرّر منه بقدره ، وكان للمولى من تركته بنسبة ما بقي من رقيّته ، ولورثته بنسبة الحرّية ) ولم يكن عليهم شي‌ء من مال الكتابة ( إن كانوا أحراراً في الأصل ) للأصل.

( وإلاّ ) يكونوا أحراراً في الأصل بأن كانوا أولاداً له من أمته بعد الكتابة ( تحرّر منهم بقدر ما تحرّر منه وأُلزموا ) في نصيبهم ( بما بقي من

__________________

(١) الخلاف ٦ : ٣٩٤.

(٢) المقنع : ١٥٩.

(٣) في ص ٩٧.

(٤) الدروس ٢ : ٢٤٦.

(٥) نهاية المرام ٢ : ٣٠٧.

٩٥

مال الكتابة فإذا أدوه تحرّروا ، ولو لم يكن لهم مال سعوا فيما بقي منهم ) للنصوص ، منها الصحيحان :

في أحدهما : عن رجل كاتب عبداً له عليّ ألف درهم ، ولم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو ردّ في الرق. وإنّ المكاتب أدّى إلى مولاه خمسمائة درهم ، ثم مات المكاتب ، وترك مالاً وترك ابناً له مدركاً. قال : « نصف ما تركه المكاتب من شي‌ء فإنّه لمولاه الذي كاتبه ، والنصف الباقي لابن المكاتب ؛ لأنّ المكاتب مات ونصفه حرّ ، ونصفه عبد للذي كاتبه ، فابن المكاتب كهيئة أبيه : نصفه حرّ ، ونصفه عبد للذي كاتب أباه ، فإن أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حرّ ، لا سبيل لأحد من الناس عليه » (١).

وفي الثاني : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب توفّي وله مال ، قال : يقسّم ماله على قدر ما أُعتق منه لورثته ، وما لا يعتق منه يحتسب لأربابه الذين كاتبوه ، هو مالهم » (٢).

ومنها الخبر القريب من الصحيح ، بتضمّن سنده ابن ابي عمير وجميل : عن المكاتب يموت وله ولد ، فقال : « إن كان قد اشترط عليه فولده مماليك ، وإن لم يكن يشترط عليه شي‌ء يسعى ولده في مكاتبة أبيهم ، وعتقوا إذا أدّوا » (٣).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٨٦ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٦٦ / ٩٦٩ ، الإستبصار ٤ : ٣٧ / ١٢٣ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٩ أبواب المكاتبة ب ٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٧٤ / ٩٩٩ ، الإستبصار ٤ : ٣٧ / ١٢٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٢ أبواب المكاتبة ب ١٩ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٧٧ / ٢٧٤ ، التهذيب ٨ : ٢٧٢ / ٩٩٣ ، الإستبصار ٤ : ٣٨ / ١٢٧ ، الوسائل ٢٣ : ١٥١ أبواب المكاتبة ب ٧ ح ٤.

٩٦

وهذا مضافاً إلى صحيحين آخرين آمرين على الابن بالأداء (١) ، لكنّهما دالاّن على مذهب الإسكافي هو الحجة في إلزامهم بأداء ما بقي من مال الكتابة ، دون الأولين ، إذ ليس فيهما الإشارة إلى ذلك.

نعم ، في الأوّل : إنّ الوارث إذا أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه صار حرّا. وهو غير إلزامهم بذلك.

وما تضمّنته العبارة كالصحيحين من قسمة المال بين المولى والأولاد بقدر نسبة الحرّية والرقّية ، وخروج مال الكتابة من نصيب الورثة ، دون أصل التركة هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

( و ) لكن ( في رواية ) بل روايات صحيحة مستفيضة عمل بها الإسكافي (٢) : إنّ الورثة ( يؤدّون ما بقي من مال الكتابة ) من أصل التركة ( وما فضل ) منها بعد الأداء ( لهم ) من دون أن تقسم التركة بينهم وبين المولى.

ففي الصحيح : مكاتب يموت وقد أدّى من بعض كتابته ، وله ابن من جاريته ، قال : « إن اشترط عليه إن عجز فهو مملوك ، رجع ابنه مملوكاً والجارية ، وإن لم يكن اشترط عليه أدّى ابنه ما بقي من الكتابة وورث ما بقي » (٣).

__________________

(١) الأول في : الفقيه ٣ : ٧٦ / ٢٦٧ ، التهذيب ٨ : ٢٧١ / ٩٨٨ ، الوسائل ٢٣ : ١٥٠ أبواب المكاتبة ب ٧ ح ٣. الثاني في : التهذيب ٨ : ٢٧١ / ٩٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٣٩ / ١٣٠ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٢ أبواب المكاتبة ب ١٩ ح ٢.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٦٤٠.

(٣) الفقيه ٣ : ٧٧ / ٢٧٣ ، التهذيب ٨ : ٢٢٧ / ٩٩١ ، الإستبصار ٤ : ٣٧ / ١٢٥ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٣ أبواب المكاتبة ب ١٩ ح ٣.

٩٧

وهذه الروايات وإن كانت مع صحّتها مستفيضة إلاّ أن ذينك الصحيحين أقرب إلى الترجيح ؛ لاعتضادهما بالشهرة العظيمة ، والأُصول الظاهرة التي لأجلها أفتى الحلّي بما عليه الأكثر ، فقال : والذي ينبغي تحصيله في ذلك أن نقول : يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية ، وابنه أو وارثه بقدر ما تحرّر منه ، ويؤخذ بقيّة مال الكتابة من نصيب وارث المكاتب إذا صار إليه نصيبه ، لأنّ الدين الذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث للأجزاء الحرّة ، دون جميع ما خلّفه وتركه الميت ، لأنّ الأجزاء الباقية على العبودية لا تملك شيئاً ، لأنه مال سيّده دونه ، وإنّما الدين يتعلق بما فيه الحرية ونصيبها دون جميع التركة (١). انتهى.

ولا ريب أن مجرد الاستفاضة لا يكافئ شيئاً من المرجّحات المزبورة سيّما الشهرة ، فلتطرح المستفيضة ، أو يجمع بينهما وبين الأوّلين بما ذكره الشيخ في الكتابين (٢).

( و ) المكاتب ( المطلق إذا أوصى أو أُوصي له صحّ ) الوصيّة منه وله ( في نصيب الحرّية وبطل في الزائد ) إجماعاً ؛ للصحيحين (٣).

ولو لم يتحرر منه شي‌ء أو كان مشروطاً لم تصحّ الوصية منه إجماعاً ؛ للصحيح وغيره ، ولا له مطلقاً على الأشهر الأقوى ؛ للصحيح.

هذا إذا كان الموصى غير المولى ، أمّا هو فتصحّ وصيّته مطلقاً ، ويعتق‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٧.

(٢) الاستبصار ٤ : ٣٨ ، التهذيب ٨ : ٢٧٤.

(٣) الأول في : الفقيه ٣ : ٧٢ / ٢٥١ ، المقنع : ١٥٨ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٥ أبواب المكاتبة ب ٢٠ ح ١.

الثاني في : التهذيب ٨ : ٢٧٥ / ١٠٠٠ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٥ أبواب المكاتبة ب ٢٠ ح ٢.

٩٨

منه بقدر الوصية. وقد مضى في كتابها تمام التحقيق في المسألة وشقوقها.

( وكذا لو وجب عليه حدّ أُقيم عليه من حدّ الأحرار بنسبة ما فيه من الحرّية ، ومن حدّ العبد بنسبة ما فيه من الرقّية ) ثم إن قسّمت الأسواط على صحّة ، وإلاّ قبض بنسبة الجزء.

وإن لم يتحرّر منه شي‌ء أو كان مشروطاً ، حدّ حدّ العبد ، وإن كان قد خرج منهم من وجه ، لأنّه لم يصرّحواً محضاً ، والحدّ مبني على التخفيف ، فرجّح فيه جانب الأقل.

وفي الصحيح : « المكاتب يجلد الحدّ بقدر ما أُعتق منه » (١).

وتمام الكلام في المقام موكول إلى كتاب الحدود.

( ولو زنى المولى بمكاتبته المطلقة سقط عنه من الحدّ بقدر نصيبه منها وحدّ بما تحرّر ) لأنّه وطء محرّم بمن قد صارت أجنبية فيجب الحد. ولا يجب كماله ؛ لما له فيها من الملك الموجب لانتفاء الحدّ وإن كان متزلزلاً ، فيجب بالنسبة.

ولصريح بعض المعتبرة : عن رجل كانت أمة له ، فقالت الأمة : ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرّة على حساب ذلك؟ فقال لها : نعم. فأدّت بعض مكاتبتها ، وجامعها مولاها هنا بعد ذلك. فقال : « إن استكرهها بعد ذلك ضرب من الحدّ بقدر ما أدّت من مكاتبتها ، ودرئ عنه من الحدّ بقدر ما بقي لها من مكاتبتها. وإن كانت تابعته كانت شريكة له في الحد ، ضربت مثل ما يضرب » (٢).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٧٦ / ١٠٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٧ أبواب المكاتبة ب ٢٢ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٨٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٦٨ / ٩٧٧ ، الإستبصار ٤ : ٣٦ / ١٢١ ، الوسائل ٢٣ : ١٥١ أبواب المكاتبة ب ٨ ح ١.

٩٩

ولو كانت مشروطة أو لم يؤدّ شيئاً فلا حدّ. لكن يعزّر ، لتحريم وطئه لها مطلقاً ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الثانية : ( ليس للمكاتب التصرف في ماله : بهبة ، ولا عتق ، ولا إقراض ) ولا بيع ، بلا خلاف فيه في الجملة ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل والمعتبرة :

منها الصحيح : في رجل كاتب على نفسه وماله ، وله أمة ، وقد شرط عليه ألاّ يتزوّج ، فأعتق الأمة وتزوّجها ، قال : « لا يصلح له أن يحدث في ماله إلاّ الأكلة من الطعام ، ونكاحه فاسد مردود » قيل : فإنّ سيده علم بنكاحه ولم يقل شيئاً ، قال : « إذا صمت حين يعلم فقد أقرّ » قيل : فإنّ المكاتب عتق ، أفترى أن يجدّد النكاح أو يمضي على النكاح الأول؟ قال : « يمضي على نكاحه » (١).

ونحوه في الجملة المعتبران الآتيان.

وإطلاقه كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في المكاتب بين نوعيه ، وبه صرّح في الروضة (٢). ولا في التصرفات بين كونها منافية للاكتساب أم غير منافية.

خلافاً للمعتبرين في الأوّل ، فقيّداه بالمشروط :

أحدهما الصحيح : « المكاتب لا يجوز له عتق ولا هبة ولا تزويج حتى يؤدّي ما عليه إن كان مولاه شرط عليه إن هو عجز فهو ردّ في الرق ، ولكن يبيع ويشتري ، فإن وقع عليه دين في تجارة كان على مولاه أن‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٨٨ / ١٢ ، الفقيه ٣ : ٧٦ / ٢٧١ ، التهذيب ٨ : ٢٦٩ / ٩٧٨ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٧ أبواب المكاتبة ب ٦ ح ١.

(٢) الروضة ٦ : ٣٦٣.

١٠٠