رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

إذا أقرّ الابن بابن آخر للميت ( دفع إليه نصيبه ) (١) ( من الأصل ) أي من أصل التركة ، وهو في المثال النصف. ولا خلاف في عدم ثبوت نسبه بذلك ؛ لما مرّ ويأتي.

وإن أقرّا بثالث شاركهما في التركة ، ويثبت نسبه إن كان المقرّان عدلين ، كما يأتي.

ولو أقرّ بالثالث أحدهما وأنكر الآخر أخذ المنكر نصف التركة ، والمقرّ ثلثها ، والآخر السدس على المشهور ؛ لأنه الفاضل من نصيب المقرّ باعترافه.

وقيل : إنّ النصف يقسم بين المقرّ والثالث بالسوية ، لاعتراف المقرّ بأنّه كلّما حصل له شي‌ء كان للثالث مثله ؛ لمساواته له باعترافه ، وأنّ المنكر غصبهما بعض حقهما ، فيكون الموجود لهما والذاهب عليهما. اختاره في الكفاية ، والسيّد في الشرح تبعاً لجدّه في المسالك (٢). ولا يخلو عن قوة.

( ولو أقرّ باثنين ) دفعةً ( فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما ) لأنّ استحقاقهما الإرث ثبت في حالة واحدة بسبب واحد ، فلم يكن أحدهما أولى من الآخر. ولا كذلك ما إذا أقرّ بأحدهما ثمّ أقرّ بآخر ؛ فإنّ الثاني ثبت له النصف أوّلاً باعتراف الأوّل ، فلا يستحق الثالث فيه شيئاً ما لم يقرّ به الثاني ، أو تقوم له بدعواه بيّنة.

ومن التفصيل الذي ذكرناه يظهر ما في العبارة من المسامحة ، إلاّ أن ينزل إطلاقها بحكم التبادر إلى الصورة الأُولى خاصّة.

( ولو أقر ) الوارث ظاهراً كالعم مثلاً ( بأولى منه ) في الإرث الذي‌

__________________

(١) في « ر » وفي المختصر المطبوع : بنسبة نصيبه.

(٢) الكفاية : ٢٣٢ ، المسالك ٢ : ١٨٠.

١٦١

بيده كالأخ ، نفذ إقراره بالإضافة إلى المال ؛ لأنّه أقرّ في حق نفسه.

( ثم ) لو أقرّ بعد ذلك ( بمن هو أولى ) منه و ( من المقرّ له ) كالولد ( فإن صدّقه ) المقرّ له ( الأوّل دفع ) جميع التركة ( إلى ) المقرّ له ( الثاني ) وهو الولد ؛ لاعترافهما بكونه أولى منهما. ( وإن أكذبه ) أي أكذب الأخ العم في كون المقرّ به ثانياً ولد الميت لم يدفع إليه ؛ لاستحقاقه المال باعتراف ذي اليد له وهو العم ، ولم تعلم أولوية الثاني إلاّ بإقراره ، وهو حينئذٍ خارج ، فلا يقبل إقراره في حق الأخ ، لأنّه إقرار في حق الغير.

نعم ( ضمن ) العم ( المقرّ ) للولد ( ما كان نصيبه ) من المال إن دفعه إلى الأخ ؛ لإتلافه له بإقراره ، مع مباشرته لدفع المال. وكذا يضمن لو لم يباشر الدفع إذا أقرّ بانحصار الإرث فيه ؛ لأنّه بإقراره بالولد بعد ذلك يكون رجوعاً عن إقراره الأوّل ، فلا يسمع ، ويغرم للولد ، للحيلولة بينه وبين التركة بإقراره الأوّل ، كما لو أقرّ بمال لواحد ثم أقرّ به لآخر.

ولا فرق في الحكم بضمانه حينئذٍ بين حكم الحاكم عليه بالدفع إلى الأخ وعدمه ؛ لأنّه مع اعترافه بإرثه مفوّت بدون الحكم.

نعم ، يتّجه الفرق بينهما في صورة الدفع بالحكم : بالضمان مع الدفع بدون إذن الحاكم ، والحكم بعدمه مع إذنه ، لعدم اختياره في الدفع.

وأمّا مع عدم الأمرين من الدفع والإقرار بانحصار الإرث فيه فيشكل الحكم بالضمان ؛ لأنّ إقراره بكون المقرّ له الأوّل أخاً لا يستلزم كونه وارثاً ، بل هو أعمّ منه جدّاً ، فليس فيه تفويت للمال عليه أصلاً.

( ولو أقرّ ) الوارث المتقدم ( بمساوٍ له ) في الإرث كعمّ آخر للميت في المثال ( فشاركه ) بعد تصديقه ، ثم أقرّ بمن هو أولى منه في ذلك كالولد والأخ ونحوهما ، ( فإن صدّقه ) أي الأوّل ( المساوي ) وهو العم‌

١٦٢

( دفعا ما معهما ) إلى الأوّل ؛ لما مضى.

( وإن أنكر ) المساوي للأولى استحق ما أخذه من نصيبه من التركة و ( غرم ) المقرّ ( للمقرّ له الثاني ) الذي أولى منهما بزعمه وإقراره ( ما كان في يده ) اي المنكر مع أحد الأمرين المتقدمين من الدفع أو الإقرار بانحصار الإرث في المنكر. ويشكل الحكم بدونهما ، كما مضى.

( ولو أقر لـ ) لمرأة ( الميّتة ) التي يرثها المقرّ ظاهراً ( بزوج دفع ) المقرّ ( إليه مما في يده بنسبة نصيبه ) أي الزوج ، وهي النصف إن كان المقرّ به غير الولد ، والربع إن كان هو الولد.

وقد أطلق الحكم كذلك الماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في الإرشاد ، والشهيد في اللمعة (١). وهو إنما يستقيم إن قلنا أنّ الموجود في يد المقرّ من التركة بينه وبين المقرّ له بمقتضى الشركة كما هو الظاهر ، وقد تقدّم إليه الإشارة.

أمّا على القول المشهور من أنّ الواجب على المقرّ أن يدفع الفاضل مما في يده عن نصيبه خاصة ، فيجب على المقرّ له هنا دفع الفاضل خاصّة إن تحقق ، مطلقاً ، بلغ أحد المقدارين ، كما إذا كان المقرَّ به الأخ أو الولد ، أولا ، كما لو كان المقرّ به الأبوين أو أحدهما ، وكان معهما بنت ، فإن نصيبهما على تقدير فقد الزوج الخمسان ، وعلى تقدير وجوده السدسان. والتفاوت بينهما الذي يجب عليهما دفعه إليه لا يبلغ ربع ما في يديهما.

وإن لم يتحقق فاضل كما إذا كان المقر الأبوين أو أحدهما ، وكان للزوجة ولد ذكر فإنّه لا يجب عليه دفع شي‌ء أصلاً والحال هذه ؛ إذ ليس‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ١٥٩ ، الإرشاد ١ : ٤١٢ ، اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٤٢٩.

١٦٣

حينئذٍ في يد المقرّ شي‌ء يلزمه دفعه بإقراره ، فإنّ الأبوين لم يتغيّر نصيبهما في الصورة المذكورة بوجود الزوج وعدمه.

ونبّه على هذا الإشكال جماعة ، كالشهيد في المسالك والروضة ، وسبطه في شرح الكتاب ، وتبعهما في الكفاية (١) ، قالوا : ولو نزلنا حصّة المقرّ به على الإشاعة صحّت المسألة على إطلاقها من دون تقييد.

( ولو أقرّ ) لها ( بـ ) زوج ( آخر لم يقبل إلاّ أن يكذّب نفسه ) في إقراره الأوّل ، بلا خلاف في القبول مع التكذيب ، بمعنى غرمه للثاني معه ما أقرّ به للأوّل ، لا قبوله في حق الزوج الأوّل ؛ لما يأتي. ولذا فرّع على الاستثناء المثبت للقبول خصوص ما ذكرناه بقوله.

( فيغرم له إن أنكر الأوّل ) لاعترافه بالتكذيب بتفويته حق الثاني من التركة بإقراره فيغرم له.

ولا في عدمه في حق الزوج الأوّل مطلقاً : مع التكذيب وعدمه ، فلا يزيل الإرث الذي ثبت له شرعاً ؛ لكونه حينئذٍ خارجاً ، فلا يكون إقراره في حقه مسموعاً.

وفي قبوله في حق الثاني ، مع عدم التكذيب بمعنى غرمه له مع عدمه ، أم العدم ، قولان : أشهرهما الثاني ، كما في المسالك والروضة (٢) وشرح الكتاب للسيّد ؛ لأنّ الإقرار بزوج ثان إقرار بأمر ممتنع شرعاً ، فلا يترتب عليه أثر.

خلافاً للمحكي في الشرح عن المحقق الثاني ، وتبعه فيه كجدّه‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ١٨٢ ، الروضة ٦ : ٤٣٠ ، الكفاية : ٢٣٢.

(٢) المسالك ٢ : ١٨٢ ، الروضة ٦ : ٤٣٢.

١٦٤

الشهيد الثاني (١) ؛ لأصالة صحة إقرار العقلاء على أنفسهم ، مع إمكان كونه هو الزوج وأنّه ظنّه الأوّل فأقرّ به ، ثم تبيّن خلافه. وإلغاء الإقرار في حقّ المقرّ مع إمكان صحّته مناف للقواعد الشرعية.

نعم ، لو أظهر لكلامه تأويلاً ممكناً في حقه كتزويجه إيّاها في عدّة الأوّل ، فظنّ أنّه يرثها زوجان فالوجه القبول.

وفيه مناقشة سيّما مع مخالفته لأصالة البراءة عن الغرامة المعتضدة بالشهرة ؛ ولعلّه لذا تردّد فيه شيخنا في الدروس (٢). ولعلّه في محله.

( وكذا الحكم في ) الإقرار بـ ( الزوجات ) للميّت ، فإذا أقرّ بواحدة فالربع إن كان المقر غير الولد ، والثمن إن كان هو.

هذا على المختار أو التنزيل المتقدم في الإقرار بالزوج ، وأمّا على غيرهما فيتمّ الحكم في إقرار الولد خاصة ، وأمّا غيره فيدفع إليها الفاضل في يده عن نصيبه على تقديرها. ولو كان بيده أكثر من نصيبها اقتصر على دفع نصيبها.

فالحاصل أنّ غير الولد يدفع أقلّ الأمرين من نصيب الزوجة وما زاد عن نصيبه على تقديرها إن كان معه زيادة.

فأحد الأبوين مع الذكر لا يدفع شيئاً ، ومع الأُنثى يدفع الأقل. والأخ يدفع الربع ، والولد الثمن. فإن أقر بأُخرى ، وصدّقته الزوجة المقرّ لها أوّلاً اقتسما الربع أو الثمن أو ما حصل ، وإن أكذبتها غرم المقرّ لها نصيبها ، وهو نصف ما غرم للأُولى إن كان باشر تسليمها كما مضى ، وإلاّ فلا. وهكذا لو أقرّ بثالثة ورابعة ، فيغرم للثالثة مع تكذيب الأُوليين ثلث ما لزمه دفعه ،

__________________

(١) جامع المقاصد ٩ : ٣٦٦ ، الروضة ٦ : ٤٣٢.

(٢) الدروس ٣ : ١٥٣.

١٦٥

وللرابعة مع تكذيب الثلاث ربعه.

و ( إذا أقرّ بخامسة ) كان كالإقرار بزوج ثانٍ يغرم لها مع تكذيب نفسه أو مطلقاً على ما مضى. بل هنا أولى ؛ لإمكان الخامسة الوارثة في المريض إذا تزوّج بعد الطلاق وانقضاء العدة ، ودخل ومات في سنته ، كما مرّ في كتاب الطلاق. ويمكن فيه استرسال الإقرار ، فلا يقف عند حدّ إذا مات في سنته مريضاً.

( ولو أقرّ اثنان من الورثة ) بوارث مساوٍ لهما في الإرث ، فإن كانا ممن يقبل شهادتهما ( صحّ النسب ) الموجب للإرث ( وقاسم الورثة ) ولو كانوا غير المقرّين.

ولو كان المقرّ له أولى بالإرث منهما كما لو أقرّ الأخوان العدلان بولد اختصّ بالميراث دونهما.

( ولو لم يكونا ) ممن يقبل شهادتهما ، بأن كانا غير ( مرضيّين لم يثبت النسب ودفعا إليه ) أي إلى المقرّ له ( مما في أيديهما بنسبة نصيبه من التركة ) إن كان ، وإلاّ فلا ؛ إلزاماً لهما بمقتضى إقرارهما.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك فتوًى ونصّاً ، ففي الخبر : « إن أقرّ بعض الورثة بأخ إنّما يلزمه في حصّته. ومن أقر لأخيه فهو شريك في المال ، ولا يثبت نسبه ، فإن أقرّ اثنان فكذلك إلاّ أن يكونا عدلين ، فيلحق نسبه ، ويضرب في الميراث معهم » (١).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١١٧ / ٥٠٠ ، التهذيب ٦ : ١٩٨ / ٤٤٢ ، قرب الإسناد : ٥٢ / ١٧١ ، الوسائل ١٩ : ٣٢٥ ، ٣٢٦ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٦ ح ٥ ، ٦.

١٦٦

( كتاب الأيمان )

الأيمان جمع يمين ، وهو لغةً تطلق تارةً على الجارحة المخصوصة ، وأُخرى على القدرة والقوّة ، وشرعاً : الحلف بالله تعالى ، أو أسمائه الخاصّة لتحقيق ما يُمكن فيه المخالفة إمكاناً عقلياً ، فلا ينعقد على الواجب ، أو الممتنع بالذات.

وهي على أقسام : يمين انعقاد ، وهي الحلف على المستقبل فعلاً أو تركاً مع القصد إليه. وهو المقصود من هذا الكتاب.

ويمين لغوٍ ، ولها تفسيران : أحدهما : الحلف لا مع القصد على ماضٍ ، أو آتٍ. وثانيهما : أن يسبق اللسان إلى اليمين من غير قصد أنّه يمين.

وفي الموثق في تفسيره : « هو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، ولا يعقد على شي‌ء » (١).

ويمين غَموس وهي على ما ذكره الأكثر (٢) الحلف على أحد‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٤٣ / ١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٣٨ أبواب الأيمان ب ١٧ ح ١.

(٢) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٥٠٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٠٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٤٤.

١٦٧

الأمرين مع تعمّد الكذب. وسمّي به لأنّها تغمس الحالف في الإثم أو النار.

ولا خلاف في حرمتها ، والنصوص بها مستفيضة ، في بعضها أنّها من الكبائر (١).

وفي المستفيض منها وفيه الصحيح وغيره ـ : « أنّها تذر الديار بلاقع » (٢).

وفي بعضها : « اليمين الغموس ينتظر بها أربعين ليلةً » (٣).

وفي آخر : « أنها تنغل الرحم ، يعني انقطاع النسل » (٤).

ولا كفارة فيها سوى الاستغفار كما يأتي.

ويمين حلف على الحال ، أو الماضي مع الصدق. ولا خلاف في جوازها ، وجواز الأولين ، وعدم المؤاخذة في الثانية ؛ لقوله سبحانه : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) (٥).

وكراهة هذه وتأكّدها مع إكثارها ؛ للكتاب والسنة ، قال سبحانه : ( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ ) (٦).

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٢١٥ أبواب الأيمان ب ٩.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٢٠٢ أبواب الأيمان ب ٤. البلاقع جمع بَلْقَع وبَلْقَعَة ، وهي الأرض القفر التي لا شي‌ء بها ، يريد أن الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق. النهاية ١ : ١٥٣.

(٣) الكافي ٧ : ٤٣٦ / ٧ ، المحاسن : ١١٩ / ١٣٠ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٥ أبواب الأيمان ب ٤ ح ٩.

(٤) الكافي ٧ : ٤٣٦ / ٩ ، عقاب الأعمال : ٢٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٢ أبواب الأيمان ب ٤ ح ١. النَّغَل بالتحريك ـ : الفساد. النهاية ٥ : ٨٨.

(٥) المائدة : ٨٩.

(٦) القلم : ١٠.

١٦٨

وفي الصحيح : « اجتمع الحواريون إلى عيسى على نبينا وآله وعليه السلام ، فقالوا : يا معلّم الخير ، أرشدنا ، فقال لهم : إنّ موسى نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ، وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين » (١).

ونحوه الموثق (٢) ، بترك الحكاية ، وزيادة التعليل بقوله : « فإنّه عز وجل يقول : ( لا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) (٣).

وفي القوي : « من أجلّ الله تعالى أن يحلف به أعطاه الله تعالى خيراً مما ذهب منه » (٤).

ويستفاد منه استحباب ترك الحلف على إثبات المال مطلقاً وإن ذهب منه به ، وكان ما كان.

ويعضده غيره مما دلّ على ترك عليّ بن الحسين عليه‌السلام الحلف على نفي أربعمائة دينار عن نفسه ، وغرامته لذلك إيّاها لزوجته المدّعية لها عليه ، معللاً بالإجلال (٥).

لكن في المرسل : « إذا ادّعي عليك مال ، ولم يكن له عليك ، فأراد أن يحلفك ، فإن بلغ مقدار ثلاثين درهماً فأعطه ولا تحلف ، وإن كان أكثر من‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٣٤ / ٣ ، الوسائل ٢٣ : ١٩٧ أبواب الأيمان ب ١ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ٤٣٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٨٢ / ١٠٣٣ ، الوسائل ٢٣ : ١٩٨ أبواب الأيمان ب ١ ح ٥.

(٣) البقرة : ٢٢٤.

(٤) الكافي ٧ : ٤٣٤ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣٣ / ١٠٩٦ ، التهذيب ٨ : ٢٨٢ / ١٠٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٩٨ أبواب الأيمان ب ١ ح ٣.

(٥) الكافي ٧ : ٤٣٥ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٨٣ / ١٠٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٠ أبواب الأيمان ب ٢ ح ١.

١٦٩

ذلك فاحلف ولا تعطه » (١).

والجمع بين الأخبار يقتضي الكراهة مطلقاً مع تأكّدها في ثلاثين درهماً فما دون.

ويستثنى من الكراهة ما وقع لحاجة كتأكيد كلام ، أو تعظيم أمر ؛ لورودهما في النصوص. وكلّ ما ورد يرجع إلى هذين. لكن عن الأكثر عدم الاستثناء (٢).

والأصل في شرعيّتها بالمعنى المقصود هنا بعد ما مرّ من قوله سبحانه : ( وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ ) الآية (٣) : الإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة (٤) ، والنصوص المستفيضة التي يأتي إليها الإشارة في تضاعيف المباحث الآتية.

( والنظر ) في هذا الكتاب يقع ( في أُمور ثلاثة )

( الأوّل :) في بيان ( ما به تنعقد ) اليمين بحيث يحنث بالمخالفة ، ويجب بها عليه الكفارة.

( و ) اعلم أنه ( لا تنعقد إلاّ بالله ) تعالى ، أي بذاته المقدسة من غير اعتبار اسم من أسمائه سبحانه ، كقوله : والّذي خلق الحبة وبرأ النسمة ، والذي نفسي بيده ، ونحو ذلك.

( أو بـ ) ـاسم من ( أسمائه الخاصة ) كقوله : والله ، والرحمن ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٣٥ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٨٣ / ١٠٣٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠١ أبواب الأيمان ب ٣ ح ١.

(٢) حكاه عن الأكثر في المفاتيح ٢ : ٤٥.

(٣) المائدة : ٨٩.

(٤) منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٨٧ ، وسبطه في نهاية المرام ٢ : ٣٢٤ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٥.

١٧٠

ونحوهما.

( أو ما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق ، والبارئ ) والربّ ( دون ما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود ) والحي والسميع والبصير ، فلا ينعقد به وإن نوى به الحلف ؛ لأنّه بسبب اشتراكه بين الخالق والمخلوق إطلاقاً واحداً ليس له حرمة.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك إلاّ من الإسكافي (١) ، وهو شاذّ كما يأتي.

بل على عدم الانعقاد بغيره تعالى الإجماع في صريح كلام الغنية ، والسيّد والفاضل المقداد في شرحي الكتاب (٢). ونسبه في الكفاية إلى مذهب الأصحاب (٣) ، وهو ظاهر فيه ، ككلامي الشيخين في المقنعة والنهاية (٤). وفيهما الدلالة أيضاً على تحقّقه على انعقادها بكلّ ما يدلّ على الذات المقدسة.

وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل ، والنصوص المستفيضة ، منها الصحيحان.

في أحدهما : « إنّ لله أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به » (٥).

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٦٤٩.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧ ، نهاية المرام ٢ : ٣٢٦ ، التنقيح الرائع ٣ : ٥٠٣.

(٣) الكفاية : ٢٢٦.

(٤) المقنعة : ٥٥٤ ، النهاية : ٥٥٥.

(٥) الكافي ٧ : ٤٤٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٧٧ / ١٠٠٩ ، الوسائل ٢٣ : ٢٥٩ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٣.

١٧١

وفي الثاني (١) ، وفي بعض الأخبار : « لا أرى أن يحلف الرجل إلاّ بالله تعالى » (٢).

وربّما علّل المنع أيضاً زيادةً على ذلك بأنّ القسم بشي‌ء يستلزم تعظيماً له ، ولمّا لم يكن مستحقاً للتعظيم المطلق وبالذات سوى الله تعالى لم يجز القسم إلاّ به.

وخلاف الإسكافي في المضمار بتجويزه الانعقاد بحق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاذّ ؛ ولذا مع معلوميّة نسبه استفيض حكاية الإجماع على خلافه ، فلا عبرة به.

كما لا عبرة بما احتمله السيّد في الشرح من اختصاص الحلف بلفظ الجلالة ؛ للأخبار المتقدمة ونحوها المعلّقة للحكم بالجواز والانعقاد به ، بناءً على أنّ المتبادر من ذلك وقوع اليمين بهذه اللفظة المخصوصة (٣).

لمخالفتها الإجماع في الظاهر والمحكي في كلام الشيخين ، ومنع التبادر بعد ملاحظة سياق تلك الأخبار الشاهد بأنّ المراد بهذه اللفظة ذاته المقدسة لا خصوصيتها. مع أنّ في الصحيحة الأُولى وقع التعبير إلاّ به ، لا إلاّ بالله ، وعليه ينتفى خصوصيّة اللفظ جدّاً.

ويشهد له أيضاً ما سيأتي في الصحيح الدالّ على انعقاد اليمين بعمر الله ، وبيا هناه يا هناه ، من التعليل في الأوّل بقوله : فإنّما ذلك بالله عزّ وجلّ ، وفي الثاني بقوله : فإنّما ذلك طلب الاسم. وليس المراد بالله فيه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٤٩ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣٠ / ١٠٨٥ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ / ١٠١٠ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٠ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥٠ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ / ١٠١١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦١ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٥.

(٣) نهاية المرام ٢ : ٣٢٨.

١٧٢

ما ذكره من الخصوصية قطعاً ، بل ما ذكرناه من مطلق الذات المقدسة.

وحينئذٍ فيدلّ التعليل على انعقاد اليمين بكل ما دلّ عليها ولو كان غير لفظ جلالة. فلا وجه لما احتمله ، ولذا لم يحتمله أحد من أصحابنا ، بل أطبقوا على عدم الفرق بين هذه اللفظة وغيرها من أسمائه المقدسة.

واعلم أنّ الحروف التي يقسم بها عند أهل اللسان الباء ، والواو ، والتاء. قيل (١) : ويجوز حذفها على الأصحّ ، كأن يقول : اللهِ بالجر لأفعلنّ كذا ، مع قصد اليمين ، لوروده في اللغة والحديث ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لِرُكَانَة : « اللهِ تعالى ما أردتَ إلاّ واحدة » (٢).

وكذا يجوز الإتيان بهاء التنبيه بعد الواو كوها الله تعالى ، وعند حذفها مع قطع الهمزة الجلالة ووصلها ، ومع إثبات الألف وحذفها.

وفي الجميع تردّد ؛ لذلك ، ولعدم استمرار العادة بالحلف كذلك ، وعدم المعرفة به إلاّ من خواصّ الناس ، مضافاً إلى الأصل السليم عما يصلح للمعارضة سوى ما مرّ من الورود في الحديث واللغة وفي الاستناد إليهما مناقشة ، سيما مع عدم معلومية سند الرواية.

وأولى منه بالتردد ما لو لحن بآخر الاسم ، أو نصبه ، أو حذف ألف الجلالة مع نيته الحلف.

( ولا تنعقد لو قال : أُقسم أو أحلف حتى يقول بالله ) فتنعقد ، بلا خلاف في كلا الحكمين ، بل على الأوّل الإجماع عن الخلاف (٣) ، وعلى الثاني الإجماع في شرح الكتاب (٤) ؛ وهو الحجة فيه ، مضافاً إلى أنّه إنشاء‌

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٩.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ٣٤٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٦١ / ٢٠٥١.

(٣) الخلاف ٦ : ١٢٤.

(٤) نهاية المرام ٢ : ٣٢٨.

١٧٣

يمين شرعاً ولغةً وعرفاً. مع أنّ الفعلين مقدّران حيث يحذفان ، فذكرهما أولى.

وأمّا عدم الانعقاد مع الاقتصار عليهما عن لفظ الجلالة ، فلعدم معلومية المقسم به هل هو الله سبحانه أم من لا ينعقد به.

مضافاً إلى الأصل ، وعدم صدق القسم المعتبر بهما ، [ والقوي : « إذا قال الرجل : أقسمت وحلفت فليس بشي‌ء حتى يقول : أقسمت بالله أو حلفت بالله » (١) (٢) ]. ( ولو قال : لعمر الله ، كان يميناً ) بغير خلاف ظاهر مصرّح به في التنقيح والكفاية والشرح للسيّد (٣) ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحيح المروي في الفقيه : « وأمّا قول الرجل : يا هناه يا هناه ، فإنّما ذلك طلب الاسم ولا أرى به بأساً ، وأما لعمر الله وأيم الله ، فإنما هو بالله » (٥).

وهو بفتح العين مرفوع على الابتداء والخبر محذوف ، والمعنى لعمر الله قسمي. وهو بمعنى الحياة والبقاء ، وهو قريب من العمر بالضم ، لكنه لم يستعمل في القسم إلاّ مفتوحاً.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٣٤ / ١١٠٢ ، التهذيب ٨ : ٣٠١ / ١١١٩ ، الوسائل ٢٣ : ٢٣٤ أبواب الأيمان ب ١٥ ح ٣.

(٢) الاستدلال بهذه الرواية غير موجود في نسخة الأصل.

(٣) التنقيح الرائع ٣ : ٥٠٥ ، الكفاية : ٢٢٦ ، نهاية المرام ٢ : ٣٢٨.

(٤) الخلاف ٦ : ١٢٥.

(٥) الكافي ٧ : ٤٤٩ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣٠ / ١٠٨٥ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ / ١٠١٠ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٠ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٤.

١٧٤

وهو بهذا المعنى محتمل للمعاني المانعة من انعقاد اليمين ، كالقدرة والعلم وغيرهما من الصفات المشتركة ، لكنه لما استعمل في اليمين عرفاً وشرعاً حكموا بانعقاده به.

ويستفاد من الصحيح انعقادها بايم الله ، كما هو المشهور إلاّ أنّه بدّل بـ « لاهاه » في نسخة الكافي ، وبـ « لاها الله » في نسخة التهذيب.

( ولا كذا لو قال : وحقّ الله تعالى ) فإنّه لا ينعقد مطلقاً ، وفاقاً للخلاف ، والحلّي ، والفاضلين (١) ؛ للأصل ، واشتراك الحق بين أُمور كثيرة لا ينعقد بها اليمين ، كالعبادات التي أُمر بها ، لإطلاقه عليها في الخبر : ما حقّ الله على عباده؟ قال : « أن لا يشركوا به شيئاً ويعبدوه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة » (٢).

وكالقرآن ؛ لإطلاقه عليه فيه ، قال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ) (٣).

خلافاً للمبسوط فقال (٤) : ينعقد مطلقاً ؛ لأنّ الحقّ إذا أُضيف إلى الله تعالى كان وصفاً كسائر صفات ذاته من العظمة والعزّة ونحوهما. وقوّاه في الدروس (٥) إذا قصد به الله الحق ، والمستحق للآلهية ، دون ما إذا قصد به المعاني الأولة.

ويضعّف الأوّل بأنّها المفهوم من حقه عند الإطلاق والتجرد عن القرينة ، وهي عن الوصف بعيدة غايته.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٥٥٥ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٣٧ ، المحقق في الشرائع ٣ : ١٧٠ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٩٧.

(٢) مجمع الزوائد ١ : ٥٠.

(٣) الحاقة : ٥١.

(٤) المبسوط ٦ : ١٩٧.

(٥) الدروس ٢ : ١٦٢.

١٧٥

والثاني في محل الانعقاد بأنّ الحق بالمعنى الذي ذكر فيه غير مفهوم من اللفظ ، ومجرد القصد إليه غير كاف في الانعقاد إذا لم ينضمّ إليه ما ينعقد به.

وللمختلف والتنقيح (١) تفصيل آخر ، وهو الرجوع إلى عرف الحالف ، فإن قصد به الحلف بالله تعالى انعقد يميناً ، وإلاّ فلا.

ويمكن إرجاعه إلى سابقه ، فيرد عليه ما ورد فيه.

( ولا ينعقد الحلف بالطلاق ، والعتاق ، والظهار ، ولا بالحرم والكعبة ، ولا بالمصحف ) ونحو ذلك من الأُمور المعظمة ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل عليه الإجماع في الانتصار في الثلاثة الأُول (٢) ، ودلّ عليه الإجماعات المستفيضة المتقدمة فيها ، وفي الثلاثة الأخيرة.

خلافاً للإسكافي ، فجوّز اليمين بها (٣). وهو محجوج بما قدمناه من الأدلة سيما الأصل ، والنصوص المستفيضة.

مضافاً إلى الصحيح ، وغيره في الأوّلين : إنّي حلفت بالطلاق والعتاق والنذور ، فقال : « إنّ هذا من خطوات الشيطان » (٤).

هذا مع أنّ مخالفته للقوم غير معلومة كما يستفاد من التنقيح ؛ حيث قال بعد نقل مذهبه ـ : فإن أراد بذلك ما يوجب الكفارة بمخالفته فهو باطل ؛ لما تقدم. وإن أراد غير ذلك فالظاهر جوازه على كراهية شديدة (٥).

( وتنعقد لو قال : حلفت بربّ المصحف ) قطعاً لأنّه حلف به تعالى.

__________________

(١) المختلف : ٦٥٥ ، التنقيح ٣ : ٥٠٦.

(٢) الانتصار : ١٥٧.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٦٤٩.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٨٧ / ١٠٥٨ ، الوسائل ٢٣ : ٢٣١ أبواب الأيمان ب ١٤ ح ٤.

(٥) التنقيح ٣ : ٥٠٦.

١٧٦

( ولو قال : هو يهودي أو نصراني ) أو حربي أو نحو ذلك إنْ فعل كذا مثلاً ( أو حلف بالبراءة من الله تعالى أو رسوله ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( أو الأئمة ) عليهم‌السلام ( لم يكن يميناً ) لما مضى من عدم انعقاد الحلف بغير الله تعالى. ولا خلاف في تحريمه ، ومضى الكلام فيه وفي سائر ما يتعلق به من أحكام الكفارة في بحثها.

( والاستثناء بالمشيئة لله تعالى في اليمين ) بأن يتبعها بقوله : إن شاء الله تعالى ، جائز إجماعاً فتوًى ونصّاً مستفيضاً.

و ( يمنعها الانعقاد إذا اتصلت ) بها ( بما جرت العادة ) ولو انفصلت بتنفس أو سعال أو نحوهما إجماعاً ، لو لم يكن متعلقها فعل الواجب أو المندوب ، أو ترك الحرام والمكروه ، وبه صرّح في التنقيح (١) ؛ وهو الحجة مضافاً إلى الخبرين :

أحدهما النبوي : « من حلف على يمين فقال : إن شاء الله ، لم يحنث » (٢).

وثانيهما القوي بالسكوني : « من استثنى في يمين فلا حنث عليه ولا كفارة » (٣).

ومطلقاً على الأقوى ، وفاقاً لأكثر أصحابنا (٤) ؛ لإطلاق الخبرين المعتبر أحدهما في نفسه ، المنجبرين بفتوى الأكثر بل الكل ، سوى النادر ، وهو‌

__________________

(١) التنقيح ٣ : ٥٠٧.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٤٣ / ١٥٧٠ ، ١٥٧١.

(٣) الكافي ٨ : ٤٤٨ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٨٢ / ١٠٣١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٥٦ أبواب الأيمان ب ٢٨ ح ١.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٨٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٢١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٧.

١٧٧

الفاضل في القواعد (١) ، حيث قصر الحكم بعدم الانعقاد على المجمع عليه ، دون غيره ، وهو ما إذا كان المتعلق أحد الأُمور المذكورة ، لأنّ غيرها لا يعلم فيه حصول الشرط وهو تعلّق المشيئة به بخلافها ، للعلم بحصول الشرط فيها ، نظراً إلى الأمر بها وجوباً أو ندباً.

وهو مع كونه اجتهاداً في مقابلة النص غير مسموع محل نظر وتأمّل ، وفاقاً للكفاية (٢) ؛ لمنع العلم بتعلق المشيئة بها على الإطلاق فقد لا يشاؤها في حق هذا الحالف ، لعارض لا يعلم به. هذا.

وربما يظهر من شيخنا في الدروس مخالفة هذا القول للإجماع ، حيث نسبه إلى الندور (٣).

ثم إنّ إطلاق الخبرين والعبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين قصد التعليق بالمشيئة أو التبرك ، وبه صرّح شيخنا في الروضة (٤). خلافاً لسبطه في الشرح (٥) ، فقال بالفرق ، واختصاص الحكم بعدم الانعقاد بالأوّل ، وأوجب في الثاني الرجوع إلى قواعد اللغة ؛ نظراً إلى ضعف سند المستند في هذا الحكم.

ويرد عليه ما مرّ من الانجبار بالعمل.

( ولو تراخي ) الاستثناء ( عن ذلك ) الحلف ( من غير عذر ) من نحو سعال ( لزمت اليمين وسقط الاستثناء ) ولغا ، بلا خلاف بيننا فتوًى. والرواية الآتية المخالفة لذلك شاذّة مؤوّلة أو متروكة جدّاً.

__________________

(١) القواعد ٢ : ١٣٠.

(٢) الكفاية : ٢٢٧.

(٣) الدروس ٢ : ١٦٥.

(٤) الروضة ٣ : ٥٣.

(٥) نهاية المرام ٢ : ٣٣١.

١٧٨

وهل يعتبر في الاستثناء حيث يعتبر التلفظ به ، أم يكفي فيه النية؟ قولان. المشهور كما في التنقيح وغيره ، ومنهم المبسوط والحلّي (١) الأوّل ؛ أخذاً بالعمومات الدالّة على انعقاد اليمين وترتّب أحكامها من الحنث والكفارة عليها ، واقتصاراً فيما خالفها مما دلّ على عدم انعقادها بتعليقها على المشيئة على المتيقن منه بحكم التبادر وغيره ، وهو التعليق باللفظ دون النية.

خلافاً للفاضل في المختلف ، فاكتفى بالنية (٢) ؛ لأن المعتبر في الأيمان إنما هو النية والضمير ، فإذا استثناه كذلك لم ينو شمول اليمين لما استثناه ، فلا يندرج في الحلف ، ونزّل عليه الرواية المشار إليها في المتن بقوله : ( وفيه رواية ) صحيحة ( بـ ) جواز ( الاستثناء إلى أربعين يوماً ) (٣) بحملها على ما إذا استثنى بالنية ، وأظهره قبل تلك المدة. وهو لا يخلو عن وجه.

لكن يضعف التنزيل بأنّ مثل هذا الاستثناء عند القائل به لا يتقيد بالمدة المزبورة. وكون التقدير بها وارداً للمبالغة محلّ مناقشة ؛ لأنّ الاستثناء بها إذا وقفت اليمين دائماً يكون التقييد بالدوام أو بما زاد على الأربعين أبلغ وأولى ؛ ولعلّه لهذا لم يجب الماتن عن الرواية هنا وفي الشرائع (٤) إلاّ بقوله : ( وهي متروكة ) مخالفة للإجماع ، إذ لم نر عاملاً بها.

__________________

(١) التنقيح ٣ : ٥٠٦ ، المبسوط ٦ : ٢٠٠ ، السرائر ٣ : ٤١.

(٢) المختلف : ٦٥٥.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٢٩ / ١٠٨١ ، التهذيب ٨ : ٢٨١ / ١٠٢٩ ، الوسائل ٢٣ : ٢٥٨ أبواب الأيمان ب ٢٩ ح ٦.

(٤) الشرائع ٣ : ١٧٠.

١٧٩

( الثاني : في ) بيان ( الحالف ).

( و ) اعلم أنّه ( يعتبر فيه التكليف ) بالبلوغ والعقل ( والاختيار والقصد ) إلى مدلول اليمين ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل على الأخير الإجماع في ظاهر الغنية والدروس وغيرهما (١) ؛ وهو الحجة فيه بعد الآية الكريمة : ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) (٢).

فإن مقتضى المقابلة أن اللغو من الأيمان ما وقع بغير قصد ونية ، مضافاً إلى وقوع التصريح به في بعض المعتبرة الواردة في تفسيرها ، وقد مرّ في صدر الكتاب إليه الإشارة (٣).

والسند في اعتبار ما عداه بعد عدم الخلاف فيه الظاهر ، بل الإجماع المقطوع به حديثا رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق (٤) ، ورفع عن أُمتي تسعة ، وعدّ منها ما استكرهوا عليه (٥) ، مضافاً إلى الخبرين الآتيين.

( ويـ ) تفرع على ذلك أنه ( لو حلف ) صبي أو مجنون أو بالغ عاقل ( من غير نيّة كانت ) يمينهم ( لغواً ولو كان اللفظ صريحاً ).

نبّه بهذا على خلاف بعض العامة ، حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح ، وإن لم يقصد ، وأنّه إنّما يتوقف على القصد ما ليس بصريح‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧ ، الدروس ٢ : ١٦٣ ؛ وانظر القواعد ٢ : ٢٢٢.

(٢) المائدة : ٨٩.

(٣) راجع ص ١٦٦ ، الرقم (١).

(٤) الخصال : ١٧٥ / ٢٣٣ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٥) الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٢ ، الخصال : ٤١٧ / ٩ ، الوسائل ٨ : ٢٤٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢.

١٨٠