رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

استناداً في الأوّل إلى وجود المقتضي وهو العتق الجامع للشرائط التي منها إرادة وجه الله تعالى ؛ فإنّ الكافر إذا كان مقرّاً به عزّ وجلّ واعتقد شرعيّة العتق عنده أمكن وقوع ذلك منه ، وقد عرفت أنّه لا يلزم من اشتراطه بالإرادة المذكورة حصول المراد ، فإنّه أمر خارج عن الشرط المعتبر. وكونه عبادة مطلقاً ممنوع ، بل هو عبادة خاصّة يغلب فيها فكّ الملك ، فلا يمنع من الكافر مطلقاً.

وفي الثاني بقسميه إلى عدم تصور تحقق الشرط منه فيهما ، فيفسد عتقه من هذا الوجه.

( ويشترط في ) العبد ( المعتَق أن يكون مملوكاً حال العتق ) (١) لمولاه المعتق له ( مسلماً ، ولا يصحّ ) عتقه ( لو كان كافراً ) بلا خلاف في الأول ؛ للمعتبرة وفيها الصحيح وغيره (٢) « لا عتق إلاّ في ملك ». وعلى الأشهر الأظهر في الثاني ، بل عليه الإجماع في الانتصار ونهج الحق (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل وعدم ما يدلّ على لزوم عتق كلّ عبد.

وخصوص بعض النصوص : أيجوز [ للمسلم ] أن يعتق مملوكاً مشركاً؟ قال : « لا » (٤).

وقصور سنده كاختصاصه بالمشرك مجبور بالشهرة وعدم القائل‌

__________________

(١) كلمة : حال العتق : ليست في نسخة الأصل وفي « ح ». وهي موجودة في المختصر المطبوع وفي نسخة « ر ».

(٢) الوسائل ٢٣ : ١٥ أبواب العتق ب ٥.

(٣) الانتصار : ١٦٩ ، لم نعثر عليه في نهج الحق.

(٤) الفقيه ٣ : ٨٥ / ٣١٠ ، التهذيب ٨ : ٢١٨ / ٧٨٢ ، الإستبصار ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥ أبواب العتق ب ١٧ ح ٥. أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.

٢١

بالفرق بين الطائفة.

مع أنّ في عتق الكافر إعانة على الإثم محرّمة ، كما صرّح به من القدماء جماعة (١) ، فكيف يحصل معها قصد القربة المشترطة في الصحة لو لم نقل بعدم حصوله بالمرة ولو لم يكن فيه الإعانة المزبورة؟

وما أبعد ما بين هذا وبين ما يدّعيه من المتأخرين جماعة (٢) من إمكان قصد القربة بأن رجا بعتقه إسلامه ، فما اختاروه من الصحة في هذه الصورة تبعاً للمبسوط والخلاف (٣) ضعيف غايته.

والرواية المصحّحة له (٤) مع كونها ضعيفة غير مجبورة ، قضيّة في واقعة فلم تكن عامّة ، ومع ذلك أخصّ من المدّعى ، وهو شي‌ء قد ضعّفوا به دلالة الرواية السابقة ، فكيف يمكنهم الاعتماد عليها وجعلها حجّة مع اشتمالها عليه ومخالفتها الأدلّة المتقدّمة التي هي أقوى منها في الحجيّة بمراتب عديدة؟

( ويكره ) عتقه ( لو كان مخالفاً ) في المذهب ؛ للخبر : « ما أغنى الله تعالى عن عتق أحدكم ، تعتقون اليوم يكون عليكم غداً ، لا يجوز لكم أن تعتقوا إلاّ عارفاً » (٥).

__________________

(١) منهم المرتضى في الانتصار : ١٦٩ ، حكاه عن أبي علي في المختلف : ٦٢١ ؛ وانظر الكافي في الفقه : ٣١٨ ، والوسيلة : ٣٤١ ، والسرائر ٣ : ٤ ، والمراسم : ١٩١.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٢٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٥٨ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٩.

(٣) المبسوط ٦ : ٧٠ ، الخلاف ٦ : ٣٧٠.

(٤) الكافي ٦ : ١٨٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢١٩ / ٧٨٣ ، الإستبصار ٤ : ٢ / ٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤ أبواب العتق ب ١٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ١٩٦ / ٩ ، الوسائل : ٣٤ أبواب العتق ب ١٧ ح ٣ ؛ وفيهما : ويكون علينا بدل عليكم.

٢٢

ولقصور سنده حمل على الكراهة ، مع أنّها وجه الجمع بينه بين الرواية الآتية.

( ولو نذر عتق أحدهما ) أي الكافر أو المخالف ( صحّ ) في الثاني ؛ لصحيحة عليّ بن راشد قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ امرأة من أهلنا اعتلّ لها صبيّ ، فقالت : اللهم إن كشفت عنه ففلانة حرّة ، والجارية ليست بعارفة ، فأيّهما أفضل جعلت فداك ـ : تعتقها أو تصرف ثمنها في وجوه البرّ؟ فقال : « لا يجوز إلاّ عتقها » (١).

وغير العارفة أعمّ من المستضعفة والمخالفة ، بل ربما كانت ظاهرة في الأخيرة.

وكذا في الأوّل عند الشيخ في النهاية وتبعه الماتن هنا والشهيد في اللمعة (٢) ؛ ولا وجه له سوى الجمع بين الروايتين المتعارضين في المسألة السابقة. وهو حسن إن وُجد له شاهد أو أمارة ، ولا وجود لهما ، كما صرّح به جماعة (٣).

نعم ، ربما يمكن الاستدلال عليه بالرواية السابقة المصححة لنذر عتق الجارية الغير العارفة ، لكنّها كما عرفت غير ظاهرة الشمول للمستضعفة ، فكيف تكون شاملة للكافرة؟ مع أن عتق الكافر إذا كان حراماً كان نذره نذراً في معصية ، وهو محرم إجماعاً فتوًى وروايةً.

( ولو شرط المولى على المعتَق الخدمة زماناً معيناً صحّ ) إجماعاً ؛

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٢٨ / ٨٢٣ ، الوسائل ٢٣ : ٩٩ أبواب العتق ب ٦٣ ح ١.

(٢) النهاية : ٥٤٤ ، اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٢٦١.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٢٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٥٦ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٤٣٣.

٢٣

للصحاح المتقدّمة (١) صريحاً في بعض ، وفحوى في الباقي.

وفي صحّته مع عدم تعيين المدة بل تعليق الخدمة على مدّة حياته قولان.

( ولو أبق ومات المولى فوجد بعد المدة ) أو فيها ( فهل للورثة استخدامه ) في تلك المدة إن كانت بعينها باقية ومطالبة اجرة مثلها إن كانت منقضية؟ ( المروي ) في بعض الصحاح المتقدمة : ( لا ) (٢) عمل به الإسكافي والنهاية ومن تبعه (٣).

وليست الرواية في مطلوبهم صريحة ؛ لاحتمالها الاختصاص بصورة انقضاء المدة ، أو كون المشروط له الخدمة نفس المولى خاصة. ونفي استحقاق الخدمة لا يستلزم نفي استحقاق الأُجرة.

فمع ذلك لا يمكن تخصيص القاعدة المقتضية لجواز مطالبته بالخدمة مع بقاء المدة ، وعدم اختصاص المشروط له بالميّت خاصة ، وجواز مطالبة الأُجرة مع عدم الأمرين. ولذا اختار المتأخرون كافّة خلاف هؤلاء الجماعة وعيّنوا المصير إلى مقتضى القاعدة ، وهو في غاية الجودة.

( وإذا طلب المملوك ) من مولاه ( البيع ) أي بيعه ( لم يجب إجابته ) للأصل وفقد المعارض ، نعم يمكن القول باستحبابها مع إيمانه وعدم ما يقتضي خلافه.

( ويكره التفريق بين الولد وأُمّه ، وقيل : يحرم ) مرّ مستند القولين في‌

__________________

(١) في ص ١٥.

(٢) في « ط » و « ر » زيادة : يستخدم مطلقاً.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٢٥ ، النهاية : ٥٤٢ ، وتبعه القاضي في المهذّب ٢ : ٣٥٩.

٢٤

كتاب البيع فلا نعيده (١).

( وإذا أتى على المملوك المؤمن ) عند مولاه ( سبع سنين استحبّ عتقه ) للمرسل : « من كان مؤمناً فقد عتق بعد سبع سنين ، أعتقه صاحبه أم لم يعتقه ، ولا تحلّ خدمة من كان مؤمناً بعد سبع سنين » (٢).

وهو محمول على الاستحباب ؛ للإجماع على أنه لا ينعتق بنفسه كما في المسالك (٣). والتمسك به مع ذلك للاستحباب بناءً على المسامحة في أدلّته.

( وكذا لو ضرب مملوكه ما هو حدّ ) استحب له أن يعتقه ، كما ذكره الشيخ وجماعة (٤). ولا بأس به وإن لم يوجد له دلالة بناءً على المسامحة المزبورة.

( مسائل سبع ) ‌

الاولى : ( لو نذر تحرير أوّل مملوك يملكه فملك جماعةً تخيّر في عتق أحدهم ) مع بقائه وقدرته وإلاّ فالقرعة ، على قول الماتن هنا والشهيد في النكت تبعاً للإسكافي (٥) ، وظاهر الطوسي في كتابي الحديث (٦) ؛ للخبر : عن رجل قال : أوّل مملوك أملكه فهو حرّ ، فأصاب ستّة ، قال : « إنّما كانت‌

__________________

(١) راجع ج ٩ ص ٨٥.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٦ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٢٣٠ / ٨٣١ ، الوسائل ٢٣ : ٥٩ أبواب العتق ب ٣٣ ح ١.

(٣) المسالك ٢ : ١٢٧.

(٤) الشيخ في النهاية : ٥٧٣ ؛ وانظر اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٢٠ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٤٢.

(٥) حكاه عن النكت في كشف اللثام ٢ : ١٨٦ ، وعن الإسكافي في المختلف : ٦٢٥.

(٦) الاستبصار ٤ : ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٢٦.

٢٥

نيّته على واحدة ، فليتخيّر أيّهم شاء » (١).

وضعف سنده يمنع من العمل به.

( وقيل : يقرع بينهم ) مطلقاً ، وهو الأظهر ، وفاقاً للأكثر ومنهم : الصدوق والطوسي في النهاية والقاضي (٢) ؛ للمعتبرين : أحدهما : الصحيح (٣) ، والثاني القريب منه : في رجل قال : أوّل مملوك أملكه فهو حرّ ، فورث سبعة جميعاً ، قال : « يقرع بينهم ، ويعتق الذي يخرج سهمه » (٤).

( وقال ثالث : لا يلزمه عتقه ) وهو الحلّي (٥) ؛ لأمر اعتباري مع ضعفه غير معارض لما مرّ من النصّ الجليّ. ونحوه القول بلزوم عتق الكل (٦).

ثم كلّ ذا إذا ملك جماعة ولو ملك واحداً وجب عتقه ، سواء ملك بعده آخر أم لا ، على الأشهر الأقوى ؛ إذ الأوّليّة عرفيّة تتحقق بعدم سبق الغير ، ولا تتوقّف على تحقّق شي‌ء بعده.

الثانية : ( لو نذر عتق أوّل ما تلده الجارية فولدت توأمين ) أي ولدين في بطن ، واحدهما : توأم على وزن فوعل ( عتقا ) معاً بلا خلاف فيه في الجملة ؛ للمرفوع : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل نكح وليدة‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٩٢ / ٣٤٥ ، التهذيب ٨ : ٢٢٦ / ٨١٢ ، الإستبصار ٤ : ٥ / ١٧ ، الوسائل ٢٣ : ٩٣ كتاب العتق ب ٥٧ ح ٣.

(٢) الصدوق في المقنع : ١٥٧ ، النهاية : ٥٤٣ ، القاضي في المهذب ٢ : ٣٦٠.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٢٥ / ٨١٠ ، الإستبصار ٤ : ٥ / ١٦ ، الوسائل ٢٣ : ٩٣ كتاب العتق ب ٥٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٢٥ / ٨١١ ، المقنع : ١٥٧ ، الوسائل ٢٣ : ٩٢ كتاب العتق ب ٥٧ ح ١.

(٥) السرائر ٣ : ١٢.

(٦) احتمله العلاّمة في القواعد ٢ : ٩٨ ، وحكاه الشهيد في الروضة ٦ : ٢٩٤.

٢٦

رجل أعتق ربّها أوّل ولد تلده ، فولدت توأماً ، فقال : « أُعتق كلاهما » (١).

وإطلاقه بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل صورتي ولادتهما معاً أو متعاقباً ، بل لعلّه بمقتضى الغلبة ظاهر في الأخيرة جدّاً ، ولذا أطلق الحكم في العبارة تبعاً للنهاية والقاضي وجماعة (٢). وخصّه الآخرون تبعاً للحلّي (٣) بالأُولى خاصّة ؛ تضعيفاً للرواية ، أو حملاً لها عليها خاصّة ، أو كون المنذور حملها دون أوّل ما تلده.

وذكر جماعة (٤) : أنّ الأوّل أكثر ، وبه يمكن جبر الخبر. مضافاً إلى إمكان توفيقهما مع الأصل على تقدير ترجيح العرف على اللغة ؛ إذ يصدق على مجموع التوأمين أنّهما أوّل ما ولدته ولو ولدتهما على التعاقب عرفاً ، وإن لم يصدق ذلك لغةً.

قالوا : والفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة : أنّ ما موصولة فتعمّ ، بخلاف لفظة مملوك في المسألة السابقة ، فإنّه نكرة في سياق الإثبات. ولو كان المنذور في الأُولى أوّل ما يملكه وفي الثانية أوّل مولد تلده انعكس الحكم.

وفيه نظر ؛ للحوق الحكم بالمضاف دون المضاف إليه وهو نكرة على الإطلاق ، مع أن النص في المسألة متضمن للسؤال عن عتق أول ولد تلده ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩٥ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٣١ / ٨٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٥٧ أبواب العتق ب ٣١ ح ١.

(٢) النهاية : ٥٤٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٣٦٠ ؛ وانظر المسالك ٢ : ١٢٧ ، والكفاية : ٢٢٠ ، وكشف اللثام ٢ : ١٨٦.

(٣) السرائر ٣ : ١٣ ؛ وانظر القواعد ٢ : ٩٨ ، ونهاية المرام ٢ : ٢٦٥ ، وكشف اللثام ٢ : ١٨٦.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٢٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٠.

٢٧

وهو بعينه كالمسألة الأُولى.

الثالثة : ( لو أعتق بعض مماليكه فقيل له : هل أعتقت مماليكك؟ فقال : نعم ، لم ينعتق ) عليه في نفس الأمر ( إلاّ من سبق عتقه ) لأنّ قوله نعم في جواب السؤال لا يكفي في حصول العتق.

وللموثق : عن رجل قال لثلاثة مماليك له : أنتم أحرار ، وكان له أربعة ، فقال له رجل من الناس : أعتقت مماليكك؟ قال : نعم ، أيجب العتق للأربعة حين أجملهم أو هو للثلاثة الذين أعتق؟ فقال : « إنّما يجب العتق لمن أعتق » (١).

وإطلاقه كالعبارة وعبائر أكثر الجماعة (٢) وإن دلّ على شمول الحكم للظاهر ، إلاّ أنّه ينبغي تقييده بما قدّمناه من الواقع ونفس الأمر ، وإلاّ ففي الظاهر يجب الحكم عليه بعتق الجميع ، لأنّ قوله نعم عقيب الاستفهام عن عتق عبيدة الذي هو جمع مضاف مفيد للعموم ، فيفيد الإقرار بعتق جميع عبيده.

واعتبر الفاضل في القواعد الكثرة في المعتق (٣) ؛ لتطابق لفظ الإقرار.

ويضعّف : بأن ذلك لا يجري على اعتبار نفس الأمر ولا الظاهر ؛ لأنّا إن اعتبرنا الأوّل لم يحكم عليه إلاّ بعتق من سبق عتقه خاصّة ، واحداً كان أو متعدداً كما أطلقوه ، وإن اعتبرنا الثاني حكمنا بعتق الجميع ، كما يفيده العموم المستفاد من الجمع المضاف.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٦٨ / ٢٣٠ ، التهذيب ٨ : ٢٢٦ / ٨١٣ ، الوسائل ٢٣ : ٩٤ أبواب العتق ب ٥٨ ح ١.

(٢) كالتنقيح الرائع ٣ : ٤٤٣ ، والروضة البهية ٦ : ٢٨٠ ، ونهاية المرام ٢ : ٢٦٦ ، وكشف اللثام ٢ : ١٨٦.

(٣) القواعد ٢ : ٩٨.

٢٨

الرابعة : ( لو نذر عتق أمته إن وطئها فخرجت عن ملكه ، انحلّت اليمين وإن عادت إليه بملك مستأنف ) وفاقاً للصدوق والطوسي والقاضي (١) وكثير من المتأخرين ، بل عامّتهم كما يظهر من المسالك (٢).

للصحيح : عن رجل تكون له الأمة فيقول : يوم يأتيها فهي حرّة ، ثم يبيعها من رجل ثمّ يشتريها بعد ذلك ، قال : « لا بأس أن يأتيها ، قد خرجت عن ملكه » (٣).

وليس فيه ذكر النذر بل مجرّد التعليق ، لكن حمله الأصحاب عليه لإجماعهم على منع العتق المعلّق على شرط. وخلاف الحلّي في المقام شاذ (٤) ، والصحيح حجّة عليه.

مضافاً إلى أنّ الوطء شرط النذر وهو يستتبع الملك ، فإذا خرجت عن ملكه فقد انحلّ النذر ؛ لزوال الشرط الذي باعتباره يتحقق النذر ، فإذا عاد الملك لم يعد النذر بعد زواله. وفي التعليل المذكور في الصحيح تنبيه عليه.

ثم إنّ ذا إذا أطلق الوطء ، أمّا لو عمّمه ولو بالنيّة بحيث يشمل الوطء متى ملكها كقوله متى وطئت وشبهه ، فلا كلام في عدم الحلّ كما في التنقيح وغيره (٥).

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ١٥٧ ، الطوسي في النهاية : ٥٤٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٣٦٠.

(٢) المسالك ٢ : ١٢٨.

(٣) الفقيه ٣ : ٦٨ / ٢٢٩ ، التهذيب ٨ : ٢٢٦ / ٨١٤ ، الوسائل ٢٣ : ٩٤ أبواب العتق ب ٥٩ ح ١.

(٤) السرائر ٣ : ١٢.

(٥) التنقيح الرائع ٣ : ٤٤٤ ؛ وانظر المسالك ٢ : ١٢٨ ، وكشف اللثام ٢ : ١٨٧.

٢٩

وفي التعليل إيماء إلى تعدّى الحكم إلى غير الأمة ، وإلى التعليق بغير الوطء. وتردّد فيه في المسالك (١) ؛ لذلك ، ولأنّ الخروج عن الملك لا مدخل له في انحلال النذر ، لأنّ غايته أن تصير أجنبية منه ، والنذر يصحّ تعلّقه بها كنذر عتقها إن ملكها وهي في ملك غيره ابتداءً.

وفي هذا الوجه نظر ؛ إذ مع مخالفته ظاهر النص الظاهر باعترافه في الشمول لمحل الفرض ، يدفعه ما قدّمناه من التعليل في ردّ الحلّي. فتأمل.

الخامسة : ( لو نذر عتق كلّ عبد قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه ستة أشهر فصاعداً ) للمرسل (٢) المنجبر بعمل الأكثر بل الإجماع ، كما عن فخر الإسلام (٣). ولا ينافيه عدم تعرّض جماعة من القدماء للعمل به كالإسكافي والصدوق والديلمي ؛ لمعلومية نسبهم ، مع أنّ عدم الفتوى لا يستلزم عدم الرضا ، فالأقوى عدم خروج الإجماع المنقول عن الحجية بمثل ذلك ، فهو أيضاً حجّة أُخرى معتضدة هي كالمرسلة بالشهرة المحقّقة ، والمستفيضة الحكاية ، وعمل من لا يرى العمل بالأخبار الغير المتواترة ، ولا غير المحفوفة بالقرائن القطعية كالحلّي (٤) ومن ضاربه.

فإذاً : هذه الرواية في أعلى درجات الحجيّة ، وفيها : رجل قال عند موته : كلّ مملوك قديم فهو حرّ لوجه الله تعالى ، قال : « إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه ( حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (٥) فما كان من مماليكه‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ١٢٨.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٥ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٩٣ / ٣٥١ ، التهذيب ٨ : ٢٣١ / ٨٣٥ ، الوسائل ٢٣ : ٥٦ أبواب العتق ب ٣٠ ح ١.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٨٣.

(٤) السرائر ٣ : ١٣.

(٥) يس : ٣٩.

٣٠

أتى له ستة أشهر فهو قديم حرّ ».

وهي كما ترى عامّة لكل مملوك ذكراً كان أو أُنثى ، فاختصاص العبارة وغيرها من عبائر الجماعة بالأول إن كان للمَثَل ، وإلاّ فلا وجه له أصلاً مع عموم المستند لهما نصّاً وتعليلاً.

ومنه يظهر انسحاب الحكم إلى ما شابه محل البحث ، كنذر الصدقة بالمال القديم والإقرار به ، وإبراء كل غريم قديم. وتردّد فيه جماعة (١) لذلك ، ولمخالفة هذا الحكم الأصل ، مع ضعف المستند وقصر الإجماع على مورده.

ثم إنّ كلّ ذا إذا مضى على بعض مماليكه المدّة المزبورة. أمّا لو لم تمض بل قصر ملك جميعهم عنها ، ففي عتق أوّلهم

تملّكاً اتّحد أم تعدّد ، أو بطلان النذر وجهان. وعلى الصحّة لو اتّفق ملك الجميع دفعةً ففي انعتاق الجميع ، أو البطلان لفقد الوصف ، الوجهان. والأقوى الرجوع فيما لم يساعده الإجماع والنص إلى العرف إن حصل ، وإلاّ فيبطل النذر.

السادسة : ( مال ) العبد ( المعتق لمولاه ) مطلقاً ( وإن ) علم به و ( لم يشترطه ) وفاقاً للحلّي وغيره (٢) ، بناءً على أنّه لا يملك وماله لمولاه ، وأنّ لفظ العتق لا يتضمّن غير فكّ الرقّ دون إباحة المال. وهو حسن لولا ما سيأتي من الأخبار.

( وقيل ) كما عن الصدوق والشيخ والتقي والإسكافي (٣) : إنّه ( إن لم

__________________

(١) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٩٨ ، الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٢٠٥ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٨٧.

(٢) الحلّي في السرائر ٣ : ١١ ؛ وانظر المسالك ٢ : ١٢٩ ، والكفاية : ٢٢٠ ، وكشف اللثام ٢ : ١٨٧.

(٣) الصدوق في المقنع : ١٥٧ ، الشيخ في النهاية : ٥٤٣ ، التقي في الكافي : ٣١٨ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٢٤.

٣١

يعلم ) المولى ( به ) اي بالمال ( فهو له ، وإن علم ولم يستثنه فهو للعبد ) ونسبه في الدروس إلى كافّة القدماء (١) ، وفي شرح الكتاب للسيّد إلى الأكثر (٢) ، وبنى الخلاف فيه على ما مرّ في البيع من الخلاف في مالكيته وعدمها ، وبنى القول الثاني على الأوّل.

وفيه نظر : أوّلاً : بما عرفت ثمّة من الإجماعات المحكية على عدم المالكية الظاهرة في مصير هؤلاء الأجلّة القائلين بهذا القول إليه.

وثانياً : بعدم انطباقه بهذا التفصيل على القول بالمالكية إن قالوا به ؛ لأنّه على تقديره يكون المال للعبد مطلقاً ، ولو كان السيّد لم يعلم به أو علم به واستثناه ، فلا ريب في ضعف هذا البناء وفساده.

والظاهر أنّ مستندهم على التفصيل إنّما هو المعتبرة ، منها الصحيح : عن رجل أعتق عبداً له وللعبد مال ، لمن المال؟ فقال : « إن كان يعلم أنّ له مالاً تبعه ماله ، وإلاّ فهو له » (٣).

ونحوه الموثّقان (٤) القريبان منه في الصحّة بابن بكير وأبان ، اللذين أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما العصابة ، وربما قال بوثاقتهما جماعة (٥) ، فالمصير إليها لا يخلو عن قوّة سيما بعد اعتضادها بالشهرة‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٢٠٦.

(٢) نهاية المرام ٢ : ٢٦٩.

(٣) الكافي ٦ : ١٩٠ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٢٣ / ٨٠٣ ، الإستبصار ٤ : ١٠ / ٣٠ ، الوسائل ٢٣ : ٤٨ أبواب العتق ب ٢٤ ح ٤.

(٤) الكافي ٦ : ١٩٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٦٩ / ٢٣٧ ، ٧٠ / ٢٣٨ ، التهذيب ٨ : ٢٢٣ / ٨٠٤ ، ٨٠٥ ، الإستبصار ٤ : ١٠ / ٣١ ، ١١ / ٣٢ ، الوسائل ٢٣ : ٤٧ ، ٤٩ أبواب العتق ب ٢٤ ح ١ ، ٦.

(٥) انظر الفهرست : ١٠٦ ، وكامل الزيارة : ٤ ، ورجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥ ، ومرآة العقول ٢١ : ٣١٦.

٣٢

المحقّقة والمحكيّة ، فيخصّص بها كلّ من قاعدتي المالكية وعدمها.

ولكن مع ذلك ، المسألة لا تخلو عن ريبة ؛ لاحتمالها ككلام القائلين بها الحمل على صورة حصول عادة مقتضية لكون علم السيد أمارة على الإباحة ، وبه يندفع منافاتها للقول بعدم المالكية وما دلّ عليه من الأدلّة ، ويظهر أنّ دفعه إلى العبد مع العلم بطريق الإباحة ، لا من حيث كونه مالكاً.

ويؤيّده ورود نحو هذا التفصيل في الصحيح (١) الوارد في بيعه وأنّ ماله للمشتري لا له لو علم به ؛ إذ لو كان الوجه في الدفع هنا مع العلم الملكيّة لَما صحّ دفعه معه إلى المشتري في صورة البيع ، بل كان الدفع إليه أولى البتة.

وممّا يضعف التمسك بظواهر إطلاقات هذه الأخبار ورود النصوص من الصحيح وغيره (٢) في البيع بردّ ما تضمّنته هذه من التفصيل ، وإن كان من الصحيح ، وإطلاق كون المال للمولى على أيّ تقدير.

وقد عرفت ثمة أنّ العلم بتلك النصوص دون الصحيح المقابل لها أظهر وأشهر بين الطائفة. فيحتمل كون نصوص المسألة مثله في المتروكية ، ولو لا شهرة العمل بها في المسألة لكان طرحها أو تأويلها بما قدّمناه هنا وفي البيع متعيّناً.

ثم إنّ إطلاق الماتن هنا بكون مال العبد لمولاه كحكمه به في البيع ممّا لا يلائم ما اختاره ثمّة من مالكيّته في الجملة ، بل كان عليه في المقامين تخصيصه بما لا يملكه لا إطلاقه.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٦٩ / ٢٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٤٨ أبواب العتق ب ٢٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٨ : ٢٥٢ أبواب بيع الحيوان ب ٧ الأحاديث ١ ، ٤ ، ٥.

٣٣

السابعة : ( إذا أعتق ثلث عبيده ) ولم يعيّن أو عيّن وجهل ( استخرج الثلث بالقرعة ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في صريح التنقيح وظاهر الكفاية (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى عموم ما دلّ على اعتبار القرعة في كل أمر فيه جهالة (٢) ، ومنه مفروض المسألة.

ويعضده ما مرّ في نظيرها في كتاب الوصيّة (٣). ومرّ فيه وجه المنع عن عتق ثلث كلّ واحد منهم من ورود الرواية بالتجزية واستلزامه الإضرار بالورثة ، وموردها مفروض العبارة وهو عتق الثلث فيجيزون ثلثة.

فحينئذ يقرع بكتابة أسماء العبيد ، فإن أُخرج على الحريّة كفت الواحدة ، وإلاّ أُخرج رقعتان. ويجوز كتابة الحريّة في رقعة والرقّية في رقعتين ويخرج على أسمائهم.

وفي المسألة وجه ثالث استوجهه في المختلف (٤) وعيّنه ، وهو : أن يكتب ستة رقاع بأسماء الستة ، ويخرج على أسمائهم واحدة واحدة على الحريّة والرقّية إلى أن يستوفي المطلوب ، أو يكتب في اثنتين حرية ، وفي أربع رقية ، ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يستوفيه.

وهذا الوجه أعدل ؛ لأنّ جمع الاثنين على حكم واحد يمنع من افتراقهما في الحرية والرقية ومن الممكن خروج أحدهما دون الآخر بالضرورة.

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٤٧٧ ، الكفاية : ٢٢٠.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٢ / ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ / ٥٩٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٣ ح ١١.

(٣) راجع ج ١٠ : ٣٨٢.

(٤) المختلف : ٦٢٧.

٣٤

لكنّ المشهور بين القدماء ما سبق كما في الكفاية (١) ، لوروده في الرواية. ويمكن تنزيلها على هذا الوجه ، ويجمع بينهما بأن يكون أقرع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّلاً في استخراج صورة الجمع من الصور الممكنة ، ثم أقرع على الوجه المذكور في الرواية. وهذا أحوط بلا شبهة.

ثمّ إن تساووا عدداً وقيمةً أو اختلفوا مع إمكان التعديل أثلاثاً فلا خفاء في المسألة. وإن اختلفت القيمة ولم يمكن التعديل عدداً أو قيمةً بل أحدهما خاصّة ، كما إذا كانوا ستّة قيمة أحدهم ألف ، وقيمة اثنين ألف ، وقيمة ثلاث ألف. فإن اعتبرت القيمة كانت أثلاثاً ولكن اختلف العدد ، وإن اعتبر العدد كان أثلاثاً لكن اختلفت القيمة ، ففي ترجيح اعتبارها أو العدد وجهان.

ولعلّ أظهرهما الأوّل وفاقاً للأكثر على ما يظهر ، ومنهم الشيخ قائلاً إنّه أصح عندنا (٢). وهو ظاهر في الإجماع عليه كما ترى ؛ ولعلّه الحجّة ، دون ما يقال من أنّ المقصود الذاتي من العبد الماليّة ، لعدم المعلومية في نحو المسألة وإن صلح للتقوية.

واحتمل في المختلف (٣) الثاني موافقةً للرواية ؛ بناءً على استبعاد استواء الستّة التي هي موردها قيمةً ، والتفاتاً إلى إضافة الثلث إلى العبيد لا إلى القيمة ، فتقديرها على خلاف القاعدة.

ويضعفّان : بعدم مسموعيتهما في مقابلة الإجماع المحكي على الظاهر المعتضد بما مرّ مع فتوى الأكثر ، مع عدم معلوميّة ثبوت الحكم‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٢٠.

(٢) المبسوط ٦ : ٦٧.

(٣) المختلف : ٦٢٧.

٣٥

بمثل هذا الاستبعاد ، واندفاع الأخير بأنّا لا نقدّر القيمة ، بل نقول : إنّ إضافة الثلث إلى العبيد باعتبار الماليّة ، فيكون كالقرينة على ترجيح القيمة. لكن في ثبوت هذه الدعوى مناقشة يعسر معها جعلها حجّة وإن أمكن جعلها مؤيدة.

( وأمّا ) العتق بـ ( السراية ) وهو انعتاق باقي المملوك إذا أُعتق بعضه بشرائط خاصّة.

( فمن أعتق شقصاً ) بكسر الشين أي جزءاً من عبده أو أمته وإن قلّ الجزء منه ( عتق ) عليه ( كلّه ) أجمع وإن لم يملك سواه ، على الأظهر الأشهر ، بل ظاهر العبارة وكثير من الأصحاب (١) عدم الخلاف فيه ، وفي الروضة : ربما كان إجماعاً ، لكن فيها وفي المسالك نسب القول بعدم السراية إلى جمال الدين بن طاوس خاصّة (٢).

ولا ريب أنّه الأوفق بالأصل ، وظاهر كثير من النصوص المتضمّنة للصحيح وغيره (٣) ، إلا أنّ ظاهر اتّفاق الأصحاب الذي كاد أن يلحق بالإجماع بل وربما يقطع بتحققه بعد معلوميّة نسب السيد وعدم حصول قدح فيه بخروجه ، يخصّص الأصل ويوجب طرح ما بعده أو تأويله بما لا ينافي السراية ، سيّما بعد اعتضاده بروايتين (٤) هما حجّة أُخرى مستقلّة ،

__________________

(١) منهم : الشهيدان في اللمعة والروضة البهية ٦ : ٢٦١ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٧١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢١.

(٢) الروضة ٦ : ٢٦٢ ، المسالك ٢ : ١٣١.

(٣) الوسائل ٢٣ : ١٠٠ أبواب العتق ب ٦٤ ح ٣ ، ٧ ، وص ١٥٦ أبواب المكاتبة ب ١٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٢٨ / ٨٢٤ ، ٨٢٥ ، الإستبصار ٤ : ٦ / ١٨ ، ١٩ ، الوسائل ٢٣ : ٩٩ ، ١٠٠ أبواب العتق ب ٦٤ ح ١ ، ٢.

٣٦

بانجبارهما بالشهرة العظيمة وإن لم تبلغ درجة الإجماع ، مع أنّ الفرض خلافه ، مع أن إحداهما موثقة : إنّ رجلاً أعتق بعض غلامه ، فقال عليّ عليه‌السلام : « هو حرّ ، ليس لله فيه شريك ».

فميل صاحب الكفاية إلى موافقة السّيد ضعيف غايته (١).

( ولو كان له ) أي للمعتق ( شريك ) في العبد الذي أعتق شقصه ( قوّم عليه نصيبه ) أي الشريك ( إن كان ) المولى المعتق ( موسراً ).

وذلك كما ذكر الشهيدان وغيرهما (٢) بأن يملك زيادةً عما يستثني في الدين ، من داره وخادمه ودابته وثيابه اللائقة بحاله كميّةً وكيفيّةً ، وقوت يوم له ولعياله ، ما يسع قيمة نصيب الشريك ، فيدفع إليه ويعتق ، بلا خلاف فيه لو قصد بالعتق الإضرار على الشريك ، إلاّ من المحكي عن الحلبي ، فأطلق وجوب السعي على العبد (٣) كما يأتي.

وكذا لو لم يقصده عند الأكثر (٤). خلافاً للشيخ ، فأوجب السعي على العبد في الفكّ حينئذ (٥) ، كما سيذكره وللإسكافي (٦) فخيّر الشريك بينه وبين إلزام المعتق قيمة نصيبه. ولا شاهد له.

( وسعى العبد في فكّ باقيه إن كان ) المولى ( المعتق معسراً ) بلا خلاف إن لم يقصد الإضرار ، بل قصد القربة خاصّة ، وكذا إن قصده عند‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٢١.

(٢) الشهيدان في اللمعة والروضة البهية ٦ : ٢٦٣ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ١٨٨.

(٣) الكافي في الفقه : ٣١٧.

(٤) القواعد ٢ : ٩٩ ، المهذب البارع ٤ : ٦٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ٦ ) : ٢٦٣ ، نهاية المرام ٢ : ٢٧٢ ، كشف اللثام ٢ : ١٨٨.

(٥) النهاية : ٥٤٢.

(٦) كما حكاه في المختلف : ٦٢٢.

٣٧

الأكثر ومنهم المفيد والديلمي والصدوق (١) ، والمرتضى مدّعياً عليه وعلى ما مرّ إجماع الإمامية (٢) ؛ وهو الحجّة فيهما ، مضافاً إلى الصحيحين.

في أحدهما : « من كان شريكاً في عبد أو أمة قليلاً كان أو كثيراً فأعتق حصّته وله سعة ، فليشتره من صاحبه فيعتقه كلّه ، وإن لم يكن له سعة من المال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق ، ويسعى العبد في حساب ما بقي » (٣).

وفي الثاني : في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه قال : « إن كان موسراً كُلّف أن يضمن ، وإن كان معسراً اخدمت بالحصص » (٤).

ويذبّ عما يرد على ذيله من المناقشة بحمل الإخدام على السعاية ، أو تقييده بصورة عجز الجارية عنها لا مطلقاً.

ونحوه المرسل كالصحيح (٥).

وبها مضافاً إلى الإجماع المتقدم يجمع بين الأخبار المطلقة الدالّة بعضها على السراية عليه مطلقاً كالصحيح : عن المملوك يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه ، قال : « إنّ ذلك فساد على أصحابه ، فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته » قال : « يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه عقوبة ، وإنّما‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٥٠ ، الديلمي في المراسم : ١٩١ ، الصدوق في المقنع : ١٥٦.

(٢) الانتصار : ١٦٩.

(٣) الكافي ٦ : ١٨٣ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٢١ / ٧٩١ ، الإستبصار ٤ : ٤ / ١٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٦ أبواب العتق ب ١٨ ح ٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٦٧ / ٢٢٢ ، التهذيب ٨ : ٢١٩ / ٧٨٥ ، الإستبصار ٤ : ٣ / ٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨ أبواب العتق ب ١٨ ح ٧.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٢١ / ٧٩٣ ، الإستبصار ٤ : ٣ / ٩ ، الوسائل ٢٣ : ٤٠ أبواب العتق ب ١٨ ح ١١.

٣٨

جعل ذلك لما أفسده » (١).

والموثّق بعثمان : عن مملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه ، قال : « يقوم قيمة ويضمن الذي أعتقه ، لأنّه أفسده على صاحبه » (٢).

والخبر : عن قوم ورثوا عبداً جميعاً فأعتق بعضهم نصيبه منه ، كيف يصنع بالذي أعتق نصيبه منه ، هل يؤخذ بما بقي؟ قال : « يؤخذ بما بقي » (٣).

والدالّ بعضها على عدم السراية عليه كذلك ، كالخبرين أحدهما الموثّق : رجل أعتق شركة له في غلام مملوك ، عليه شي‌ء؟ قال : « لا » (٤).

وفي آخر : عن مملوك بين أُناس فأعتق بعضهم نصيبه ، قال : « يقوم قيمة ثمّ يستسعى فيما بقي ، ليس للباقي أن يستخدمه ، ولا يأخذ منه الضريبة » (٥).

بحمل الأوّلة على صورة اليسار والثانية على صورة الإعسار ، مع احتمال الأوّلين منها الحمل على نفي الإثم دون نفي السراية.

والجمع بينهما بالحمل على القول الآتي وإن كان ممكناً إلا أنّ هذا‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٢٠ / ٧٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٤ / ١١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩ أبواب العتق ب ١٨ ح ٩.

(٢) الكافي ٦ : ١٨٣ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٢٠ / ٧٨٩ ، الإستبصار ٤ : ٣ / ٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧ أبواب العتق ب ١٨ ح ٥.

(٣) الكافي ٦ : ١٨٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٢١٩ / ٧٨٤ ، الإستبصار ٤ : ٣ / ٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨ أبواب العتق ب ١٨ ح ٦.

(٤) التهذيب ٨ : ٢١٩ / ٧٨٦ ، الإستبصار ٤ : ٢ / ٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨ أبواب العتق ب ١٨ ح ٨.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٢١ / ٧٩٢ ، الإستبصار ٤ : ٢ / ٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩ أبواب العتق ب ١٨ ح ١٠.

٣٩

أقرب وأرجح جدّاً ؛ للشهرة وحكاية الإجماع المتقدمة (١) ، وتعدّد ما دلّ عليه من النصوص المعتبرة.

وكيف كان ، لا محيص من الجمع بين هذه الأخبار المطلقة بأحد الأمرين ؛ لعدم ظهور قائل بإطلاق شي‌ء منها في البين ، إلاّ ما يحكى في الكفاية (٢) عن الحلبي من الفتوى بمضمون الرواية الأخيرة ، من إطلاق الحكم على العبد بالسعاية. ووجوه القدح فيها ظاهرة ؛ ولعلّه لذا لم يحك عن أحد من الأصحاب المصير إليه بالكليّة.

( وقيل ) كما عن الشيخ في صريح النهاية والقاضي (٣) : إنّه ( إن قصد ) بعتقه ( الإضرار ) على الشريك ( فكّه إن كان موسراً ، وبطل العتق إن كان معسراً ، وإن قصد القربة ) خاصّة ( لم يلزمه فكّه ) وإن استحب ( وسعى العبد في حصّة شريكه فإن امتنع ) العبد عن السعاية ، أو لم يكن له عليها قدرة ( استقرّ ملك الشريك على حصته ).

للصحيح : رجل ورث غلاماً وله فيه شركاء ، فأعتق لوجه الله تعالى نصيبه ، فقال : « إذا أعتق نصيبه مضارة وهو موسر ضمن للورثة ، وإذا أعتق لوجه الله تعالى كان الغلام قد أُعتق من حصّة من أعتق ، ويستعملونه على قدر ما أُعتق منه له ولهم ، فإن كان نصفه عمل لهم يوماً وله يوم. وإن أعتق الشريك مضاراً وهو معسر فلا عتق له ، لأنّه أراد أن يفسد على القوم ، ويرجع القوم على حصّتهم » (٤).

__________________

(١) في ص ٣٧.

(٢) الكفاية : ٢٢١.

(٣) النهاية : ٥٤٢ ، القاضي في المهذب ٢ : ٣٥٨.

(٤) الفقيه ٣ : ٦٨ / ٢٢٧ ، التهذيب ٨ : ٢٢١ / ٧٩٤ ، الإستبصار ٤ : ٤ / ١٢ ، الوسائل ٢٣ : ٤٠ أبواب العتق ب ١٨ ح ١٢.

٤٠