رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

( وقيل ) كما عن الحلّي (١) : ( يكره. وهو أشبه ) وعليه عامّة من تأخر ؛ للأصل وضعف الخبر. مع عدم دلالته على تحريم الفعل بل غايته حرمة الذبيحة ، ولا تلازم بين الأمرين كما مرّ إليه الإشارة. وذهب في الغنية إلى حرمة الذبيحة مدّعياً عليها إجماع الإمامية (٢) ، وقد مرّ إلى جوابه الإشارة.

( ويلحق به أحكام ) أربعة.

( الأوّل : ما يباع في أسواق المسلمين ) من الذبائح واللحوم والجلود حلال طاهر ( يجوز ابتياعه من غير فحص ) عن حاله ، بلا خلاف أجده. وبه صرّح في الكفاية (٣) ، والصحاح وغيرها به مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيح (٤) وغيره (٥) : عن شراء اللحم من الأسواق ، ولا يدري ما صنع القصّابون ، قال : « كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه ».

وفي الصحيح : عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخفّ ، لا يدري أذكي هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري ، أيصلّي فيه؟ قال : « نعم ، أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي وأُصلّي فيه ، وليس عليكم المسألة » (٦).

__________________

(١) السرائر ٣ : ١١٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٣) الكفاية : ٢٤٨.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٧ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢١١ / ٩٧٦ ، التهذيب ٩ : ٧٢ / ٣٠٧ ، الوسائل ٢٤ : ٧٠ أبواب الذبائح ب ٢٩ ح ١.

(٥) التهذيب ٩ : ٧٢ / ٣٠٦ ، الوسائل ٢٤ : ٧٠ أبواب الذبائح ب ٢٩ ذيل حديث ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٥ ، الوسائل ٣ : ٤٩٢ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٦.

٣٤١

وفيه : عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فرو لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة ، أيصلّي فيها؟ قال : « نعم ، ليس عليكم المسألة ، إنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إنّ الدين أوسع من ذلك » (١).

والسوق فيهما وإن كان مطلقاً إلاّ أنّ المتبادر منه الغالب في زمان صدورهما هو سوق المسلمين خاصّةً ، مضافاً إلى لزوم تقييدهما بالأخبار الأوّلة.

وإطلاقها كالعبارة وما ضاهاها من العبائر وصريح جماعة (٢) عدم الفرق في ذلك بين ما يوجد في يد معلوم الإسلام أو مجهوله ، ولا في المسلم بين ما يستحلّ ذبيحة أهل الكتاب أم لا. واعتبر العلاّمة في التحرير (٣) كون المسلم ممّن لا يستحلّ ذبائحهم. وقد مرّ ضعفه ، مع أنّه لم يحكم به أوّلاً ، صريحاً بل أفتى بما عليه القوم مستشكلاً أوّلاً ثم استقرب المنع ثانياً ، وهو ظاهر في كونه في الجملة متردّداً.

وألحق جماعة (٤) بسوق المسلمين يدهم وبلادهم. وهو حسن ؛ للأولويّة في الأوّل ، والقطع بعدم مدخليّة السوق من حيث هو سوق في الحكم ، بل المناط فيه إنّما هو الإسلام من حيث هو هو ، ويشعر به التعليق على الوصف في قوله : « إذا كان في سوق المسلمين » فيهما ، مضافاً إلى‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٣.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٨ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٦٠.

(٣) التحرير ٢ : ١٥٩.

(٤) منهم : العلاّمة في الإرشاد ٢ : ١٠٩ ، والشهيد في المسالك ٢ : ٢٢٨ ، وانظر مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٢٧.

٣٤٢

الموثّق الآتي ، وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، حيث أطبقوا على عدم التحرّز عن اللحوم والجلود ونحوهما الموجودة في أيادي المسلمين وبلادهم مطلقاً.

والمرجع في معرفة سوق المسلمين العرف.

وفي الموثق : « لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني ، وفيما صنع في أرض الإسلام » قلت له : وإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : « إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس » (١).

وليس فيه منافاة للعرف بل لعلّه مساعد له. وعليه فيتميّز سوق المسلمين بأغلبيّتهم على غيرهم ، كان حاكمهم مسلماً وحكمهم نافذاً أم لا ؛ عملاً بالعموم. وربما قيل : باعتبار نفاذ الحكم. وهو ضعيف جدّاً.

ثمّ إنّ ظاهر النهي عن السؤال في الخبرين الأوّلين المرجوحية ، وأقلّها الكراهة ، واستوجهها في المسالك (٢). خلافاً للدروس وغيره (٣) ، فنفوا وجوب السؤال واستحبابه خاصّة. وهو أوجه ؛ لاحتمال ورود النهي مورد توهّم الوجوب أو الاستحباب ، فلا يفيد سوى نفيهما المجامع للإباحة المطلقة ، ويشهد له نفي الوجوب خاصّة في الصحيحين الأخيرين المتضمّنين لقوله عليه‌السلام : « ليس عليكم المسألة ».

( الثاني : ما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردّي في بئر ) ونحوه ( يجوز عقره بالسيف وغيره ممّا يجرح إذا خشي تلفه ) ولم يدرك بعد الجرح ذكاته ، فيحلّ أكله حينئذٍ بشرط التسمية وغيرها من‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٥.

(٢) المسالك ٢ : ٢٢٨ ، ٢٢٩.

(٣) الدروس ٢ : ٤١٦ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٢٧.

٣٤٣

الشرائط الغير المتعذّرة ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في شرح الإرشاد للمقدّس الأردبيلي (١) ؛ وهو الحجة مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيحين : « ثور تعاصى ، فابتدره قوم بأسيافهم ، وسمّوا ، فأتوا عليّاً عليه‌السلام ، فقال : هذه ذكاة وحيّة ، ولحمه حلال » (٢).

وفي ثالث : رجل ضرب بسيفه جزوراً ، أو شاة في غير مذبحها ، وقد سمّى حين ضرب ، فقال : « لا يصلح أكل ذبيحة لم تذبح في مذبحها » يعني : إذا تعمّد لذلك ، ولم يكن حاله حال اضطرار ، فأمّا إذا اضطرّ إليها واستصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك (٣).

وفي الخبر : « إذا امتنع عليك بعير ، وأنت تريد أن تنحره فانطلق منك ، فإن خشيت أن يسبقك ، فضربته بسيف ، أو طعنته برمح بعد أن تسمّي فكل ، إلاّ أن تدركه ولم يمت بعد فذكّه » (٤).

وفي آخر : بعير تردّى في بئر ، كيف ينحر؟ فقال : « تدخل الحربة فتطعنه بها وتسمّي وتأكل » (٥).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٤٢.

(٢) الأول في : الكافي ٦ : ٢٣١ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٤ / ٢٢٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٩ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ١. الثاني في : الكافي ٦ : ٢٣١ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٨ / ٩٥٧ ، التهذيب ٩ : ٥٤ / ٢٢٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٩ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٣١ / ١ ، التهذيب ٩ : ٥٣ / ٢٢١ ، الوسائل ٢٤ : ١٢ أبواب الذبائح ب ٤ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣١ / ١ ، التهذيب ٩ : ٥٤ / ٢٢٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢١ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣١ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٥٤ / ٢٢٢ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠ أبواب الذبائح ب ١٠ ح ٤.

٣٤٤

وفيهما دلالة على أنّ ذكاة البعير بالنحر كما مرّ. وفي أوّلهما دلالة على ما ذكرناه من اعتبار عدم درك الذكاة بعد الجرح.

واعلم : أنّ إطلاق ما يجرح في العبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي الاكتفاء في الحلّ بكل آلة جارحة حتى الكلب وغيره ، وبه صرّح جماعة (١) وجعلوا المقام كالصيد. فإنّ كان إجماع كما هو الظاهر ، وإلاّ فاستفادته من النصوص المزبورة مشكلة ؛ لاختصاصها بالآلة الجمادية من السيف وما شاكله.

( الثالث : ذكاة السمك ) المأكول ( إخراجه من الماء ) بل إثبات اليد عليه خارج الماء ( حيّاً ) وإن لم يخرجه منه ، كما ينبّه عليه قوله فيما يأتي : « ولو وثب .. » إلى آخره.

واعتبار الأخذ وعدم الاكتفاء بالخروج هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأصالة الحرمة ، واختصاص الكتاب والسنة الدالّين على صيد البحر بما الصيد حقيقة فيه أو متبادر منه وهو أخذه حيّاً ؛ وللنصوص.

منها : الصحيح والموثق : « إنّما صيد الحيتان أخذها » (٢) وإنّما للحصر ، فالمعتبر إصابتها باليد أو الآلة ، وإخراجها بأخذها من الماء حيّة وموتها خارجة.

ومنها : الصحيح الآتي في الوثوب.

__________________

(١) المحقق في الشرائع ٣ : ٢٠٧ ، الشهيد الثاني في الروضة ٧ : ٢٢٠ ، كشف اللثام ٢ : ٢٦٠.

(٢) الصحيح في : الكافي ٦ : ٢١٧ / ٩ ، التهذيب ٩ : ١٠ / ٣٤ ، الإستبصار ٤ : ٦٣ / ٢٢٣ ، الوسائل ٢٤ : ٧٨ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ٩.

الموثق في : الكافي ٦ : ٢١٧ / ٥ ، التهذيب ٩ : ١٠ / ٣٦ ، الإستبصار ٤ : ٦٣ / ٢٢٥ ، الوسائل ٢٤ : ٧٦ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ٥.

٣٤٥

خلافاً لمن يأتي بيانه وذكر ضعف ما اختاره.

( ولا يعتبر في المُخرج الإسلام ولا التسمية ) بلا خلاف أجده في الأخير ، وفي عدم اعتبار استقباله أيضاً ؛ للمعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح وغيره : عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ ، قال : « لا بأس » (١).

وزيد في الثاني : « إن كان حيّاً أن يأخذه » (٢) وفيه دلالة على اعتبار ما مرّ من الأخذ ، وفيه : عن صيد السمك ولا يسمّي ، قال : « لا بأس ».

وفي الموثق : عن صيد المجوس للسمك حين يضربون بالشبك ولا يسمّون ، أو يهودي ولا يسمّي ، قال : « لا بأس ، إنّما صيد الحيتان أخذها » (٣).

وعلى الأظهر في الأوّل ، وهو الأشهر بل عليه عامّة من تأخّر. وعن الحلّي (٤) الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى عموم ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ) (٥) وخصوص الصحاح المستفيضة وغيرهما من المعتبرة.

في الصحيح والموثق : عن الحيتان تصيدها المجوس ، فقال : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : الحيتان والجراد ذكيّ » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٠٧ / ٩٥١ ، التهذيب ٩ : ٩ / ٣١ ، الإستبصار ٤ : ٦٢ / ٢١٩ ، الوسائل ٢٤ : ٧٥ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٩ : ٩ / ٣٠ ، الوسائل ٢٤ : ٧٣ أبواب الذبائح ب ٣١ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢١٧ / ٥ ، التهذيب ٩ : ١٠ / ٣٦ ، الإستبصار ٤ : ٦٣ / ٢٢٥ ، الوسائل ٢٤ : ٧٦ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ٥.

(٤) السرائر ٣ : ٨٧.

(٥) المائدة : ٩٦.

(٦) الصحيح في : الكافي ٦ : ٢١٧ / ٦ ، التهذيب ٩ : ١٠ / ٣٧ ، الإستبصار ٤ : ٦٣ / ٢٢٦ ، الوسائل ٢٤ : ٧٦ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ٤. الموثق في : التهذيب ٩ : ١١ / ٣٨ ، الإستبصار ٤ : ٦٤ / ٢٢٧ ، الوسائل ٢٤ : ٧٧ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ٦.

٣٤٦

وفيهما : عن صيد المجوس حين يضربون بالشباك ويسمّون بالشرك ، فقال : « لا بأس بصيدهم ، إنّما صيد الحيتان أخذها » (١).

خلافاً للمفيد ، فاعتبره (٢) ، واحتاط به ابن زهرة (٣).

وحجّتهما عليه غير واضحة عدا الأصل المخصَّص بما مرّ من الأدلّة. ودعوى أنّ صيدها من التذكية المشترط فيها الإسلام. وهي ممنوعة أوّلاً : بما مرّ من الأدلّة ، وثانياً : بدلالة الخبرين الأوّلين من المستفيضة على كون الحيتان والجراد ذكيّة ، ومقتضاهما عدم احتياجهما إلى التذكية.

والخبر : عن صيد المجوس ، فقال : « لا بأس إذا أعطوكه أحياءً ، والسمك أيضاً ، وإلاّ فلا تجز شهادتهم إلاّ أن تشهده » (٤).

وفي سنده قصور بالجهالة وإن روى عن موجبها فضالة الذي اجتمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

وفي متنه ضعف بحسب الدلالة ؛ لابتنائها على دلالته على اشتراط أخذ المسلم له منهم حيّاً كما هو ظاهر الإستبصار (٥) ، فيكون إخراجهم له‌

__________________

(١) الصحيح في : الكافي ٦ : ٢١٧ / ٩ ، التهذيب ٩ : ١٠ / ٣٤ ، الإستبصار ٤ : ٦٣ / ٢٢٣ ، الوسائل ٢٤ : ٧٨ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ٩.

الموثّق في : الكافي ٦ : ٢١٧ / ٥ ، التهذيب ٩ : ١٠ / ٣٦ ، الإستبصار ٤ : ٦٣ / ٢٢٥ ، الوسائل ٢٤ : ٧٦ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ٥.

(٢) المقنعة : ٥٧٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٤) الكافي ٦ : ٢١٧ / ٨ ، التهذيب ٩ : ١٠ / ٣٣ ، الإستبصار ٤ : ٦٤ / ٢٢٩ ، الوسائل ٢٤ : ٧٦ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ٣.

(٥) الاستبصار ٤ : ٦٤.

٣٤٧

بمنزلة وثوبه من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم.

وهو ضعيف جدّاً ؛ لظهور سياقه في أنّ المراد بـ « إذا أعطوكه » إذا شاهدته بقرينة قوله : « إلاّ أن تشهده » مع أنّه ليس في لفظ الإعطاء دلالة على التسليم وأخذ المسلم له صريحاً بل ولا ظاهراً.

هذا مع أنّه ضعيف عن المقاومة للنصوص المتقدّمة من وجوه شتّى ، وإن قيّدت هي والعبارة به وبالإجماع والصحيحين : عن صيد المجوس السمك ، آكله؟ قال : « ما كنت آكله حتّى أنظر إليه » (١).

ووجه اعتبار المشاهدة فيها وفي كلام جماعة (٢) عدم الأمن من أخذهم السموك ميتة. وإخبارهم بإخراجها من الماء حيّة وهو وإن جرى في المسلم أيضاً إلاّ أنّ أفعاله وأقواله محمولة على الصحة في الجملة إجماعاً فتوًى وروايةً.

( ولو وثب ) السمك من الماء على الجدّ أو السفينة ونحوهما ( أو نضب ) وانحسر ( عنه الماء فأُخذ حيّاً حلّ ) مع الأخذ لا مطلقاً ؛ لما مضى من الأدلّة على اعتباره ، مضافاً إلى الإجماع في الخلاف في الثاني (٣) ، وخصوص الصحيح في الأوّل : عن سمكة وثبت من نهر ، فوقعت على الجدّ فماتت ، أيصلح أكلها؟ فقال : « إن أخذتها قبل أن تموت ثمّ ماتت‌

__________________

(١) الأول في : التهذيب ٩ : ٩ / ٣١ ، الإستبصار ٤ : ٦٢ / ٢١٩ ، الوسائل ٢٤ : ٧٥ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ١.

الثاني في : التهذيب ٩ : ٩ / ٣٢ ، الإستبصار ٤ : ٦٢ / ٢٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ٧٥ أبواب الذبائح ب ٣٢ ح ٢.

(٢) منهم : العلاّمة في الإرشاد ٢ : ١٠٩ ، والشهيدان في اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٢٤٤ ، ٢٤٧.

(٣) الخلاف ٦ : ٣٢.

٣٤٨

فكلها ، وإن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها » (١).

ويعضده إطلاق الصحيح الآخر : « لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان وما نضب عنه الماء » (٢).

( وقيل ) كما عن النهاية والماتن في بعض كتبه (٣) : إنّه ( يكفي إدراكه يضطرب ) فيحلّ وإن لم يؤخذ ؛ لأنّ صيد المجوس مع مشاهدة المسلم له قد أخرج حيّاً ومات خارج الماء موجب لحلّه كما مرّ في الصحيحين الأخيرين وسابقهما وصيد المجوس لا عبرة به ، فيكون العبرة بنظر المسلم له كذلك ؛ وللنصوص المستفيضة.

منها : الموثق كالصحيح المرويّ في الفقيه : سمكة ارتفعت فوقعت على الجدّ ، فاضطربت حتّى ماتت ، آكلها؟ قال : « نعم » (٤).

ومنها : « إنّ السمك والجراد إذا خرج من الماء فهو ذكيّ » (٥).

ومنها : السمكة تثب من الماء فتقع على الشطّ ، فتضطرب حتى تموت ، فقال : « كلها » (٦).

ومنها : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : إذا أدركتها وهي تضطرب وتضرب‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٨ / ١١ ، التهذيب ٩ : ٧ / ٢٣ ، الاستبصار ٤ : ٦١ / ١١٣ ، قرب الإسناد : ٢٧٧ / ١١٠٢ ، الوسائل ٢٤ : ٨١ أبواب الذبائح ب ٣٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٩ : ٧ / ٢١ ، الإستبصار ٤ : ٦٠ / ٢١١ ، الوسائل ٢٤ : ٨٢ أبواب الذبائح ب ٣٤ ح ٣.

(٣) النهاية : ٥٧٦ ، الماتن في نكت النهاية ٣ : ٨٠.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٠٦ / ٩٤٦ ، الوسائل ٢٤ : ٨٢ أبواب الذبائح ب ٣٤ ح ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٢٢١ / ١ ، التهذيب ٩ : ٦٢ / ٢٦٢ ، قرب الإسناد : ٥٠ / ١٦٢ ، الوسائل ٢٤ : ٨٧ أبواب الذبائح ب ٣٧ ح ٣.

(٦) التهذيب ٩ : ٧ / ٢٢ ، الإستبصار ٤ : ٦١ / ٢١٢ ، الوسائل ٢٤ : ٨٢ أبواب الذبائح ب ٣٤ ح ٤.

٣٤٩

بذنبها وتطرف بعينها فهي ذكيّة » (١).

وفي الجميع نظر ، فالأوّل : بأنّه لا يلزم من حلّ صيد الكافر له مع مشاهدة المسلم له حلّ ما لا يدخل تحت اليد مطلقاً. وإنّما يقتضي ذلك اشتراط دخوله تحت يد الآدمي مسلماً كان أو كافراً.

والثاني : بضعف سند أكثره ، مضافاً إلى إرسال اثنين منها ومنهما الموثق ، وقصورها جُمَع عن المكافأة لما مضى ، مع احتمالها التقييد بصورة الأخذ سيّما وأنّ الغالب في الخروج المذكور في الخبر الثاني تحقّقه بالآلة أو اليد.

( نعم (٢) ، يعضد هذا القول ما مرّ في الصحيح والموثّق من أنّ السمك والجراد ذكيّ ، وهو دالّ على ذكاتهما في نفسهما وعدم احتياجهما في الحلّ إلى شي‌ء أصلاً ، خرج منه اعتبار خروجهما حيّاً بالإجماع وبقي الباقي تحته مندرجاً.

وهذان الخبران يعارض بهما الخبران المضاهيان لهما سنداً الدالاّن على أنّ صيد السمك أخذها ، مع أنّ الحصر فيهما وارد مورد الغالب فلا اعتبار بمفهومهما. فانحصر دليل الأكثر في الصحيح الوارد في الوثوب المعتضد بالأصل.

ويمكن الخروج عنه بالنصوص المستفيضة بكفاية الخروج ، وبها يحمل الصحيح على الكراهة. لكنّه فرع المكافأة التي هي مفقودة ؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة التي هي من أقوى المرجّحات الشرعيّة دون‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٧ / ٧ ، التهذيب ٩ : ٧ / ٢٤ ، الإستبصار ٤ : ٦١ / ٢١٤ ، الوسائل ٢٤ : ٨١ أبواب الذبائح ب ٣٤ ح ٢. بتفاوت في الجميع.

(٢) من هنا إلى قوله : فتأمّل ، موجود في نسخة الأصل فقط.

٣٥٠

المستفيضة ، مع أنّ التعارض بينهما تعارض المطلق والمقيّد الموجب لحمل الثاني على الأوّل. وهو راجح على تقدير التكافؤ على الجمع بينهما بالحمل على الكراهة أو الاستحباب. فاذاً المختار هو الأوّل ، فتأمّل ).

( ولو صيد فأُعيد في الماء فمات ) فيه ( لم يحلّ ) بلا خلاف أجده إذا لم يكن موته في الآلة ، وبه صرّح في الكفاية (١) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أصالة الحرمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا إطلاق ما مرّ من النصوص الدالة على أنّ ذكاته أخذه من دون تقييد له بعدم موته في الماء ، ولذا ذهب الأكثر بجواز أكله حيّاً.

ويضعّف بعدم عموم فيه يشمل ما نحن فيه ، ورجوعه إلى العموم فرع تواطي الأفراد وتساويها وهو ممنوع ؛ لأظهريّته بحكم التبادر في غير المفروض.

هذا مضافاً إلى الصحيح وغيره : عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط ، وأرسلها [ في الماء ] فماتت ، أتوكل؟ فقال : « لا » (٢).

وقريب منهما : الخبر الملحق بالصحيح ، بل ربما يعدّ من الصحيح : عن رجل صاد سمكاً وهي أحياء ، ثم أخرجهنّ وهي أحياء (٣) بعد ما مات بعضهنّ ، فقال : « ما مات فلا تأكله ، فإنّه مات فيما فيه حياته » (٤).

__________________

(١) الكفاية : ٢٤٨.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٧ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٠٦ / ٩٤٤ ، التهذيب ٩ : ١١ / ٤١ ، الوسائل ٢٤ : ٧٩ أبواب الذبائح ب ٣٣ ح ١.

وانظر الكافي ٦ : ٢١٦ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١١ / ٤٠ ، الوسائل ٢٤ : ٧٩ أبواب الذبائح ب ٣٣ ح ٢.

(٣) جملة : وهي أحياء ، لا توجد في المصادر.

(٤) التهذيب ٩ : ١٢ / ٤٤ ، الإستبصار ٤ : ٦٢ / ٢١٧ ، الوسائل ٢٤ : ٨٣ أبواب الذبائح ب ٣٥ ح ١.

٣٥١

ومورده وإن اختص بغير ما نحن فيه وهو موته في الماء قبل إخراجه ، ويعبّر عنه بالطافي المحرّم بإجماعنا ، المستفيض على تحريمه الصحاح وغيرها من أخبارنا (١) ، إلاّ أنّ الجواب عامّ ، والعبرة بعمومه دون خصوص مورده ، كما حقّق في محله.

مضافاً إلى أنّ تعليل النهي فيه بالموت فيما فيه حياته يعمّ المورد وغيره ، فيتعدّى به إليه على الأشهر الأقوى ، سيّما مع التأيّد بإطلاقات النصوص المستفيضة بحرمة ما مات من السمك في الماء من دون تقييد فيها بصورة عدم الأخذ والإخراج من الماء ، وإن كانت بحكم التبادر مختصّة بها ولذا لم نجعلها حجّة مستقلّة ، لكنّها للتأييد صالحة ، سيّما بعد ملاحظة التعليل المتقدّم إليه الإشارة.

ويستفاد من جميع ما ذكر سيّما النصوص نصّاً في الأخير ، وفحوى في الأوّلين ثبوت الحرمة مطلقاً ( وإن كان ) موته في الماء ( في الآلة ) المعمولة لصيده كالحظيرة وغيرها. وعليه أكثر متأخّري أصحابنا كما في المسالك والكفاية (٢) وغيرهما (٣) ، وفاقاً للشيخ وابن حمزة والحلّي من القدماء (٤). خلافاً للعماني فقال : يحلّ ما مات في الآلة المعمولة (٥) ، للصحيحين.

في أحدهما : رجل نصب شبكة في الماء ، ثم رجع إلى بيته وتركها‌

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ١٤٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ١٣.

(٢) المسالك ٢ : ٢٣٠ ، الكفاية : ٢٤٨.

(٣) انظر الروضة البهية ٧ : ٢٤٦ ، والتنقيح الرائع ٤ : ٢٦.

(٤) الشيخ في المبسوط ٦ : ٢٧٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٥ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٩٠.

(٥) كما نقله عنه في المختلف : ٦٧٤.

٣٥٢

منصوبة ، فأتاها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيمتن ، فقال : « ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها » (١).

وفي الثاني : عن الحظيرة من القصب يجعل في الماء للحيتان ، فيدخل فيها الحيتان ، فيموت فيها بعضها ، فقال : « لا بأس ، إنّ تلك الحظيرة إنّما جعلت ليصطاد فيها » (٢).

وهما وإن صحّ سندهما واعتضدا برواية أُخرى : « إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة ، فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال خلا ما ليس له فلس ، ولا يؤكل الطافي من السمك » (٣).

إلاّ أنّهما قاصران عن المقاومة لما مضى من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة. مضافاً إلى عدم صراحتهما في موتها في الماء ؛ لاحتمالهما كالرواية الحمل على صورة الموت خارجه قطعاً ، أو احتمالاً بناءً على أصالة بقاء الحياة. وهذا الحمل وإن بعد غايته إلاّ أنّه لا مندوحة عنه جمعاً بين الأدلّة.

نعم ، لولا الشهرة لكان المصير إلى النصوص المزبورة في غاية القوّة.

وعلى المختار لو تميّز الميّت عن الحيّ اختصّ كلّ بحكمه ، وأمّا مع الاشتباه فالأظهر الأشهر حرمة الجميع ، وبها قال كلّ من قال بالمنع من الميتة منه مع التميز عدا الشيخ في النهاية ، فقال بالحلّ في هذه الصورة (٤) ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٢٠٦ / ٩٤٧ ، التهذيب ٩ : ١١ / ٤٢ ، الإستبصار ٤ : ٦١ / ٢١٥ ، الوسائل ٢٤ : ٨٣ أبواب الذبائح ب ٣٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢١٧ / ٩ ، التهذيب ٩ : ١٢ / ٤٣ ، الإستبصار ٤ : ٦١ / ١١٦ ، الوسائل ٢٤ : ٨٤ أبواب الذبائح ب ٣٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢١٨ / ١٥ ، التهذيب ٩ : ١٢ / ٤٥ ، الإستبصار ٤ : ٦٢ / ٢١٨ ، الوسائل ٢٤ : ٨٥ أبواب الذبائح ب ٣٥ ح ٤.

(٤) النهاية : ٥٧٨.

٣٥٣

وتبعه القاضي (١) ، والماتن أيضاً استحسنه (٢) ؛ لظواهر النصوص المتقدّمة.

والمناقشة فيها واضحة ؛ لظهورها في الحلّ مع التميز أيضاً ولم يقولوا به جدّاً. مضافاً إلى ما عرفت في ردّها من الأجوبة التي توجب ردّها أو تأويلها بما يؤول إلى أدلّة الحرمة ، وأكثرها بل جميعها وإن اختصّ بحرمة الميتة المتميّزة دون المشتبهة إلاّ أنّ حرمتها ثابتة في نحو مفروض المسألة ممّا هو محصور من باب المقدمة.

نعم ، ربما يعضد ما ذكروه المعتبرة المتضمّنة للصحيح وغيره الدالّة على أنّه إذا اجتمع الحلال والحرام فهو حلال أبداً حتى يُعرف الحرام بعينه (٣). لكنّها معارضة بمثلها الدالّ على أنّه ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ وقد غلب الحرام الحلال (٤). وهذا أرجح للاعتضاد بالشهرة ، وعلى تقدير التساوي والتساقط ينبغي الرجوع إلى مقتضى القاعدة في الشبهة المحصورة وهو الحرمة من باب المقدّمة.

( وكذا الجراد ذكاته أخذه حيّاً و ) الكلام فيه كالكلام في السمك في جميع الأحكام حتّى في الحكم بأنّه ( لا يشترط إسلام الآخذ ولا التسمية ) ولا استقبال القبلة.

والخلاف في الإسلام هنا كالخلاف فيه ثمّة ، لكن احتاط به ابن‌

__________________

(١) المهذب ٢ : ٤٣٨.

(٢) الشرائع ٣ : ٢٠٨.

(٣) الوسائل ١٧ : ٨٧ أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ١. و ٢٥ : ١١٧ أبواب الأطعمة المباحة ب ٦١ ح ١.

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٢ / ٣٥٨ ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٦٨ أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ٥ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.

٣٥٤

زهرة (١) خاصّة ، ولم يذكره المفيد هنا بالمرّة (٢).

ولا خلاف أجده في اتحاد حكمهما عند الجماعة. واستفادته من النصوص مشكلة ؛ لأنّها غير صريحة في ذلك بل ولا ظاهرة.

نعم ، ربما يستأنس له بالنصوص المتقدّمة الدالّة على أنّ السمك والجراد ذكيّ كما في الصحيح والموثق (٣) ، وأنّهما إذا خرجا من الماء فهما ذكيّان ، كما في الخبر (٤) من حيث ذكره مع السمك ، وتعليق الحكم بالذكاة عليهما معاً المشعر باتحادهما حكماً.

مضافاً إلى دلالة الأوّلين منهما على حلّهما بالذكاة النفسيّة لهما ، خرج منهما ما إذا ماتا حتف أنفهما بالإجماع فيهما والنصوص المتقدّمة في السمك ، والرواية الأخيرة فيهما حيث اعتبرت في حلّهما خروجهما ، والمراد به بحكم التبادر والغلبة كما مضى الخروج باليد وغيرها ، فيدلّ على اعتبار الأخذ هنا أيضاً.

مضافاً إلى خصوص الصحيحة : في الجراد نُصيبه ميّتاً في الماء ، أو في الصحراء ، أيؤكل؟ قال : « لا » (٥).

( و ) هي الحجّة فيما أجمع عليه الأصحاب من أنّه ( لا يحلّ ) منه ( ما يموت قبل أخذه ) حيّاً.

وقريب منها الخبر : « الجراد ذكيّ فكله ، وأمّا ما مات في البحر‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٢) المقنعة : ٥٧٩.

(٣) راجع ص ٣٤٦.

(٤) راجع ص ٣٤٨.

(٥) الكافي ٦ : ٢٢٢ / ٣ ، قرب الاسناد : ١١٧ ، الوسائل ٢٤ : ٨٧ أبواب الذبائح ب ٣٧ ح ١.

٣٥٥

فلا تأكله » (١).

( وكذا ) الموثق الدالّ على أنّه ( لو أحرقه قبل أخذه ) لم يحلّ ، وفيه : عن الجراد إذا كان في قراح ، فيحرق ذلك القراح فيحترق ذلك الجراد وينضج بتلك النار ، هل يؤكل؟ قال : « لا » (٢).

فلا تأمّل أصلاً فيما ذكروه من اتّحاد حكمهما.

( ولا يحلّ منه ما لم يستقلّ بالطيران ) ويسمّى بالدبا بفتح الدال المهملة إجماعاً ؛ للصحيح : عن الدبا من الجراد أيؤكل؟ قال : « لا حتّى يستقلّ بالطيران » (٣) ونحوه غيره (٤).

الرابع : ( ذكاة الجنين ) أي السبب المحلّل له ( ذكاة امّه ) كما في النبويّ المشهور (٥) ، وعن أهل البيت عليهم‌السلام مثله (٦).

ففي الصحيح : عن قول الله عزّ وجلّ ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) فقال : « الجنين في بطن امّه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أُمّه » (٧).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٢٢ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٦٢ / ٢٦٣ ، الوسائل ٢٤ : ٨٨ أبواب الذبائح ب ٣٧ ح ٤.

(٢) التهذيب ٩ : ٦٢ / ٢٦٥ ، الوسائل ٢٤ : ٨٨ أبواب الذبائح ب ٣٧ ح ٥.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢٢ / ٣ ، الوسائل ٢٤ : ٨٧ أبواب الذبائح ب ٣٧ ح ١.

(٤) مسائل علي بن جعفر : ١٠٩ / ١٨ ، الوسائل ٢٤ : ٨٧ أبواب الذبائح ب ٣٧ ذيل حديث ١.

(٥) عوالي اللئلئ ٢ : ٣٢٢ / ١٧ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٤٠ أبواب الذبائح ب ١٦ ح ٢. مسند أحمد ٣ : ٣٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٦٧ ح ٣١٩٩ ، سنن الترمذي ٤ : ٧٢ ح ١٤٧٦ ، مستدرك الحاكم ٤ : ١١٤.

(٦) الكافي ٦ : ٢٣٤ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٩ / ٢٤٦ ، الوسائل ٢٤ : ٣٣ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ١.

(٧) الكافي ٦ : ٢٣٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠٩ / ٩٦٦ ، التهذيب ٩ : ٥٨ / ٢٤٤ ، الوسائل ٢٤ : ٣٣ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٣. والآية في سورة المائدة : ١.

٣٥٦

وفي الموثّق : عن الشاة يذبحها وفي بطنها ولد وقد أشعر ، فقال عليه‌السلام : « ذكاته ذكاة أُمّه » (١).

ويستفاد منهما كباقي الأخبار الآتية رفع الذكاة الثانية خبراً عن الاولى ، وهو الأصحّ في النبوي رواية كما في التنقيح والروضة (٢). وربما أعربها بعضهم بالنصب على المصدر ، أي ذكاته كذكاة امّه ، فحذف الجار ونصب مفعولاً ، فأوجب تذكيته كتذكية امّه.

وفيه من التعسّف ما لا يخفى ، مع مخالفته رواية الرفع دون العكس ؛ لإمكان كون الجارّ المحذوف لفظة في ، أي ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أُمّه جمعاً بين الروايتين ، مع أنّه الموافق لرواية أهل البيت وهم أدرى بما في البيت ، وقد أجمع شيعتهم عليه.

وإنّما يجوز أكله بذكاتها ( إذا تمّت خلقته ) وحده ، كما في صريح الانتصار والخلاف والإسكافي (٣) ، وجماعة من المتأخّرين (٤). وظاهر النهاية وابن حمزة (٥) أن يشعر أو يؤبر ، ولعلّهم رأوا التلازم بين الأمرين.

وبه يجمع بين الأخبار المختلفة المشترط بعضها كالمفيد والديلمي (٦) الإشعار وما بعده خاصّة ، كالخبرين المتقدّمين ، والموثق (٧)

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٣٥ / ٤ ، الوسائل ٢٤ : ٣٣ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٢.

(٢) التنقيح الرائع ٤ : ٢٧ ، الروضة البهية ٧ : ٢٤٨.

(٣) الانتصار : ١٩٥ ، الخلاف ٦ : ٨٨ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٦٨١.

(٤) كالمحقق في الشرائع ٣ : ٢٠٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٢٧ ، والمهذب البارع ٤ : ١٧٨.

(٥) النهاية : ٥٨٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٦١.

(٦) المفيد في المقنعة : ٥٨٣ ، الديلمي في المراسم : ٢١٠.

(٧) الكافي ٦ : ٢٣٥ / ٥ ، قرب الإسناد : ٧٦ / ٢٤٧ ، الوسائل ٢٤ : ٣٤ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٥.

٣٥٧

في الجنين : « إذا أشعر فكل ، وإلاّ فلا تأكل ».

وآخر منها كالصدوق والعماني (١) تمام الخلقة خاصّة ، كالصحيحين (٢) وغيرهما (٣) : « إن كان تامّاً فكله ، وإن لم يكن تامّاً فلا تأكله ».

وثالث منها : إيّاهما معاً ، كالصحيح : عن الحوار تذكّى أُمّه ، أيؤكل بذكاتها؟ فقال : « إذا كان تامّاً ونبت عليه الشعر فكل » (٤).

لكن ظاهره عدم التلازم ؛ للعطف المقتضي للتغاير. وهو أيضاً ظاهر الصدوق في المقنع حيث قال : إذا ذبحت ذبيحة في بطنها ولد ، فإن كان تامّاً فكله فإنّ ذكاته ذكاة امّه ، فإن لم يكن تامّاً فلا تأكله.

وروي : « إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أُمّه » (٥).

وكيف كان ، فإن ثبت التلازم وإلاّ فاعتبارهما متعيّن ؛ عملاً بالأصل ، وجمعاً بين النصوص بذلك بتقييد بعضها ببعض ، والشاهد الخبر الجامع أي الصحيح الثالث.

وعدم الحلّ مع عدم الشرط مجمع عليه بين الأصحاب ، كما في الانتصار (٦) وغيره (٧). وعليه دلّت جميع ما مرّ من الروايات.

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ١٣٩ ، وحكاه عن العماني في المختلف : ٦٨١.

(٢) الأول في : الكافي ٦ : ٢٣٤ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٥٨ / ٢٤٢ ، الوسائل ٢٤ : ٣٤ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٤.

الثاني في : الفقيه ٣ : ٢٠٩ / ٩٦٥ ، التهذيب ٩ : ٥٨ / ٢٤٣ ، الوسائل ٢٤ : ٣٤ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٦.

(٣) التهذيب ٩ : ٥٩ / ٢٤٥ ، الوسائل ٢٤ : ٣٥ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٧.

(٤) الكافي ٦ : ٢٣٤ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٥٩ / ٢٤٦ ، الوسائل ٢٤ : ٣٣ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ١.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٩ / ١١ ، الوسائل ٢٤ : ٣٦ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ١١.

(٦) الانتصار : ١٩٥.

(٧) انظر الخلاف ٦ : ٨٨ ، وإيضاح الفوائد ٤ : ١٣٤.

٣٥٨

وظاهر إطلاقها في صورة الحلّ عدم الفرق بين ولوج الروح فيه وعدمه ، وهو ظاهر الصدوق والعماني والمرتضى (١) ، وعليه كافّة متأخّري أصحابنا كما في الكفاية وغيرها (٢). وهو الأقوى ؛ لما مضى ، ولصريح الموثّق الآتي.

( وقيل ) كما عن الشيخ والقاضي وابن حمزة والديلمي والحلّي (٣) : إنّه ( يشترط مع إشعاره ) وتمام خلقته ( أن لا تلج الروح فيه. وفيه بُعد ) لمخالفته إطلاق النصوص الشاملة لصورة الولوج بل الظاهرة فيها خاصّة ؛ لأنّ الروح لا تنفكّ عن تمام الخلقة عادة ، كما صرّح به جماعة كالفاضل في المختلف وشيخنا في الروضة (٤).

هذا مع أنّ حجّتهم عليه غير واضحة عدا ما ذكره من قِبَلهم جماعة : من اشتراط تذكية الحيّ مطلقاً. وهو ضعيف ، والكلّية ممنوعة.

ومن أنّه قبل ولوج الروح في تربية روح امّه ، فيكون إزهاق روحها بالتذكية تذكيته ، وأمّا بعده فإنّه في تربية روحه فيحتاج إلى التذكية.

وردّ بالمنع عن كون العلّة ما ذكر ، وإلاّ لزم أن يكون قبل أن يشعر أو يؤبر مباحاً ؛ لأنّه في تربية روح امّه وليس كذلك إجماعاً ، وعن أنّه بعد الولوج مستغنٍ عن تربية روح الامّ ، فإثباته يحتاج إلى دليل.

( و ) بالجملة لا ريب في ضعف هذا القول.

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ١٣٩ ، وحكاه عن العماني في المختلف : ٦٨١ ، المرتضى في الانتصار : ١٩٥.

(٢) الكفاية : ٢٤٨ ، وانظر مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٥١.

(٣) الشيخ في النهاية : ٥٨٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤٤١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٦١ ، الديلمي في المراسم : ٢١٠ ، الحلّي في السرائر ٣ : ١١٠.

(٤) المختلف : ٦٨٢ ، الروضة ٧ : ٢٥٤.

٣٥٩

نعم ( لو خرج حيّاً ) مستقرّ الحياة يتّسع الزمان لتذكيته ( لم يحلّ إلاّ بالتذكية ) إجماعاً ؛ لعدم دخول مثله في النصوص المتقدّمة جدّاً ، فيشمله عموم ما دلّ على حرمة الميتة إلاّ مع التذكية.

مضافاً إلى صريح الموثّق : عن الشاة تذبح ، فيموت ولدها في بطنها ، قال : « كله ، فإنّه حلال ، لأنّ ذكاته ذكاة امّه ، فإن هو خرج وهو حيّ فاذبحه وكل ، فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله ، وكذلك البقر والإبل » (١).

ولو خرج وحياته غير مستقرّة فالأقرب الحلّ ؛ لإطلاق النصوص المزبورة. وبه صرّح الشهيد وغيره (٢) ، إلاّ أنّ الأحوط حرمته ؛ لإطلاق الموثّقة المتقدّمة. ولو لا انصرافه إلى مستقرّ الحياة بمقتضى السياق المتضمّن للأمر بالذبح الذي هو فرع إمكانه باستقرار حياته ، لكان القول بالحرمة متعيّناً بلا شبهة.

والأقرب عدم وجوب المبادرة إلى شقّ جوف الذبيحة لإخراج الجنين زائداً على المعتاد ، وإن كانت أحوط في الجملة.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٨٠ / ٣٤٥ ، الوسائل ٢٤ : ٣٥ أبواب الذبائح ب ١٨ ح ٨.

(٢) الشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٢٥٢ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٨ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ٢٠٦.

٣٦٠