رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

منها في الفاختة : « أنّها مشؤومة وإنّما تدعو على أربابها ، فتقول : فقدتكم فقدتكم » (١) ودلالتها على كراهة الأكل ، بل القتل غير واضحة.

ومنها : « لا تأكلوا القُنْبَرةَ ، ولا تسبّوها ، ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها ، فإنّها كثيرة التسبيح ، وتسبيحها : لعن الله مبغضي آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢) ونحوه آخر (٣).

وحمل النهي فيها على الكراهة للاتفاق عليها ، مضافاً إلى قصور سندهما.

وفي خبر طويل : « أنّ القنزعة التي على رأس القنبرة من مسحة سليمان بن داود » (٤).

( وأغلظ ) منهما ( كراهية الهدهد ، والصرد ، والصوام ، والشقِرّاق ) قيل (٥) : للنهي عنها في النصوص ، منها زيادة على الخبر المتقدّم (٦) الناهي عن قتل الأوّلين ـ : الصحيح الناهي عن قتل الأوّل وإيذائه (٧) ، والخبر الناهي عن قتل ما عدا الأخير (٨) ، والموثّق المكره قتله.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٥١ / ٣ ، الوسائل ١١ : ٥٢٨ أبواب أحكام الدواب ب ٤١ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٢٥ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٩ / ٧٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٥ أبواب الصيد ب ٤١ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٢٥ / ٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٦ أبواب الصيد ب ٤١ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٢٥ / ٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٦ أبواب الصيد ب ٤١ ح ٤.

(٥) المفاتيح ٢ : ١٨٧.

(٦) في ص ٣٩٧.

(٧) الكافي ٦ : ٢٢٤ / ٢ ، التهذيب ٩ : ١٩ / ٧٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٤ أبواب الصيد ب ٤٠ ح ١.

(٨) الكافي ٦ : ٢٢٤ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١٩ / ٧٦ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٥ أبواب الصيد ب ٤٠ ح ٣.

٤٠١

وفيه : « وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً يمشي ، فإذا شَقِرّاق قد انقضّ ، واستخرج من خُفّه حيّة » (١).

وفي دلالتها على الكراهة مناقشة مضى إلى وجهها قريباً الإشارة. وعلى تقدير تسليم الدلالة فغايتها الدلالة على النهي عن أكلها ، وقد مرّ مثله في القنبرة صريحاً. فكيف يمكن أن تكون كراهة هذه أغلظ من كراهتها ، مع اشتراكهما في موجبها.

وبالجملة : فلم يتّضح للعبد وجه الأغلظيّة أصلاً. اللهمّ إلاّ أن يكون المفضّل عليه كراهة الفاختة خاصّةً لا القُنبرة أيضاً. ووجه التفضيل حينئذ واضح ، إلاّ أنّ تنزيل العبارة على هذا مشكل.

( ولو كان أحد ) الطيور ( المحلّلة جلاّلاً ) باغتذائها عذرة الإنسان محضاً كما مضى (٢) ( حرم ) على الأشهر الأقوى.

وقد مرّ الكلام فيه ، وفي أنّه لا يحلّ ( حتّى يستبرأ. فالبطّة وما أشبهها بخمسة أيّام ، والدجاجة بثلاثة أيّام ).

وليس في المستند للحكم والمقدار فيهما وكثير من الفتاوى إلحاقُ ما أشبههما بهما في مقدار الاستبراء. وهو من دون دليل قياس محرّم عندنا ، فينبغي الرجوع في تقديره إلى زوال اسم الجلل عنه عرفاً ، فإنّه المحكّم فيما لم يرد لبيانه دليل أصلاً.

( ويحرم الزنابير ) لكونها مسخاً كما في نصّ : « كان لحّاماً يسرق في الميزان » (٣).

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢١ / ٨٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣٩٧ أبواب الصيد ب ٤٣ ح ١.

(٢) راجع ص ٣٨١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٤٦ / ١٤ ، التهذيب ٩ : ٣٩ / ١٦٦ ، الوسائل ٢٤ : ١٠٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢ ح ٧.

٤٠٢

( والذباب والبقّ والبرغوث ) لكونها من الخبائث ، مع أنّه لا خلاف فيها كما لا خلاف في سابقها.

( و ) يحرم ( بيض ما لا يؤكل لحمة ) كما أنّه يحلّ بيض ما يؤكل لحمه بلا خلاف. بل عليه الإجماع ظاهراً وفي الغنية صريحاً (١) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الخبرين المتقدّمين في بيض السمك الدالّين على الكلّية نفياً وإثباتاً (٢).

ويعضدهما مضافاً إلى ما مضى ثمّة بعض المعتبرة المنجبر ضعفه برواية ابن أبي عمير عن موجبه ولو بواسطة ، فإنّه قد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة : عن الرجل يدخل الأجمة ، فيجد فيها بيضاً مختلفاً لا يدري بيض ما هو ، أبيض ما يكره من الطير أو يستحبّ ، فقال : « إنّ فيه علماً لا يخفى ، انظر كلّ بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكلها ، وما سوى ذلك فدعه » (٣).

وهو ظاهر كما ترى في اعتقاد السائل الكلّية نفياً وإثباتاً ، وأنّه اشتبه له حكم بيض المشتبه حاله أمن حلال أو حرام ، وقد أقرّه عليه‌السلام على معتقده وأجابه عمّا اشتبه له. والتقرير حجّة كما قرّر في محلّه.

( و ) يستفاد منه أنّه ( لو اشتبه ) حال البيض أمن حلال أو حرام ( أُكل منه ما اختلف طرفاه ، وترك ما اتّفق ) ولا خلاف فيه أيضاً. بل عليه الإجماع في الغنية (٤) ؛ وهو الحجة مضافاً إلى الرواية ، والمعتبرة الأُخر‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٢) في ص ٣٧٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢٤٩ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١٥ / ٥٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٠ ح ٣.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

٤٠٣

المستفيضة.

منها الصحيح : البيض في الآجام ، فقال : « ما استوى طرفاه فلا تأكل ، وما اختلف طرفاه فكل » (١).

والخبر : « إذا دخلت أجمة فوجدت بيضاً فلا تأكل منه إلاّ ما اختلف طرفاه » (٢).

وفي آخر : « كل من البيض ما لم يستو رأساه » الحديث (٣).

وإطلاقها أو عمومها سيّما الأخير وإن شمل البيض الغير المشتبه أيضاً ، إلاّ أنّ ورود أكثرها فيه ، مع الإجماع على اختصاص الضابط هنا به ، اقتضى حلّ بيض ما يؤكل لحمه مطلقاً ولو استوى طرفاه ، وحرمة بيض ما لا يؤكل لحمه كذلك وإن اختلف طرفاه ؛ عملاً بعموم ما دلّ على التبعيّة.

هذا مع اعتضاد الحكم بالحلّ في الأوّل مطلقاً بعموم ما دلّ على الإباحة من الكتاب والسنة ، وفي الحكم فيه في صورة اختلاف الطرفين والحكم بالحرمة في الثاني في صورة تساويهما باتّفاق نصوص الضابطَين على الحلّ في الأوّل وعلى الحرمة في الثاني كما لا يخفى.

هذا على تقدير انفكاك الضابطين وإمكان تعارضهما. وأمّا على تقدير التلازم بينهما كما ربما يستفاد من الرواية الأُولى فالإشكال مرتفع أصلا.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤٩ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٠٥ / ٩٣٦ ، التهذيب ٩ : ١٦ / ٦٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٠ ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ٢٤٨ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٥ / ٥٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٠ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٤٩ / ٤ ، التهذيب ٩ : ١٦ / ٦١ ، قرب الإسناد : ٤٩ / ١٦٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٥٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٠ ح ٥.

٤٠٤

( مسألتان ) ‌

( الأُولى : إذا شرب ) الحيوان ( المحلّل ) لحمه ( لبن الخنزيرة ) ولم يشتدّ ( كره ) لحمه خاصّة كما في ظاهر العبارة وغيرها (١) ولحم نسله أيضاً كما في صريح اللمعة وغيرها (٢).

واستحبّ استبراؤه سبعة أيّام بالعلف بنحو من الكسب (٣) والنوى إن كان فطيماً ، وإلاّ فبالرضاع من حيوان محلّل.

( وإن اشتدّ ) بأن زادت قوّته وقوي ( عظمه ) ونبت لحمه ( به حرم لحمه ، ولحم نسله ) ولبنهما ، بغير خلاف ظاهر مصرّح به في كتب جمع (٤) بحدّ الاستفاضة. بل على التحريم في صورته الإجماع في الغنية (٥) ؛ وهو الحجة المخصّصة للأُصول المحلّلة ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة.

ففي الموثق : عن جدي يرضع من لبن خنزيرة حتّى كبر وشبّ ، واشتدّ عظمه ، ثمّ إنّ رجلاً استفحله في غنمه ، فخرج له نسل ، فقال : « أمّا ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنّه ، وأمّا ما لم تعرفه فكله ، فهو بمنزلة الجبن ولا تسأل عنه » (٦).

__________________

(١) انظر القواعد ٢ : ١٥٧.

(٢) اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٢٩٣ ؛ وانظر المفاتيح ٢ : ١٨٩.

(٣) الكُسْب بالضم فالسكون : فضلة دهن السمسم. مجمع البحرين ٢ : ١٦٠.

(٤) انظر الروضة البهية ٧ : ٢٩٣ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٥٩.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٦) الكافي ٦ : ٢٤٩ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢١٢ / ٩٨٧ ، التهذيب ٩ : ٤٤ / ١٨٣ ، الاستبصار ٤ : ٧٥ / ٢٧٧ ، قرب الإسناد : ٩٧ / ٣٣٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٦١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٥ ح ١.

٤٠٥

وفيه : في جدي يرضع من خنزيرة ، ثمّ ضرب في الغنم ، قال : « هو بمنزلة الجبن ، فما عرفت أنّه ضربه فلا تأكله ، وما لم تعرفه فكل » (١).

وفي المرفوع المقطوع : « لا تأكل من لحم حمل رضع من لبن خنزيرة » (٢).

وإطلاقهما وإن شمل صورتي الاشتداد وعدمه ، كإطلاق القويّ المعارض لهما ، الآمر بالاستبراء الظاهر في تحقّق الحلّ بعده : عن حمل غذي بلبن خنزيرة ، فقال : « قيّدوه ، واعلفوه الكسب والنوى والشعير والخبز إن كان قد استغنى عن اللبن ، وإن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيّام ، ثمّ يؤكل لحمه » (٣).

إلاّ أنّهما حملا على الصورة الأُولى ، والقويّة على الثانية ، جمعاً بين الأدلّة.

ومستند الجمع غير واضح عدا الإجماع الظاهر ، وهو كافٍ ، مع احتمال تطبيقه مع الأُصول بأن يقال : الأصل عدم الحرمة مطلقاً إلاّ ما دلّ عليه النصّ المعتبر ، وليس هنا إلاّ الموثّقان. وموردهما صريحاً في الأوّل وظاهراً في الثاني للتعبير فيه بـ « يرضع » بصيغة المضارع المفيد للتجدّد‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٠ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٤٤ / ١٨٤ ، الإستبصار ٤ : ٧٥ / ٢٧٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٢ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢١٢ / ٩٨٥ ، التهذيب ٩ : ٤٤ / ١٨٥ ، الإستبصار ٤ : ٧٦ / ٢٧٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٢ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٠ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٤٤ / ١٨٦ ، الإستبصار ٤ : ٧٦ / ٢٨٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٢ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٥ ح ٤.

٤٠٦

والاستمرار المستلزم للاشتداد غالباً الصورة الأُولى خاصّة ، ويرجع في غيرها إلى أصالة الإباحة.

ولا يعارضها إطلاق المرفوعة ، كما لا يعارض الموثّقين إطلاق القويّة ، لقصور سندهما ، فلتطرحا ، أو تُحمل الاولى على الصورة الأُولى خاصّةً ، أو تبقى على الإطلاق وتحمل على مجرّد المرجوحية ، والثانية على الصورة الثانية من باب المسامحة في أدلّة الاستحباب والكراهة ، سيّما مع الاعتضاد باتّفاق الطائفة.

الثانية : ( لو شرب ) الحيوان المزبور ( خمراً لم يحرم ) لحمه إجماعاً ( بل يغسل ) وجوباً ( ولا يؤكل ما في جوفه ) مطلقاً ولو غسل ، بلا خلاف إلاّ من الحلّي ، فجوّز أكله مع الكراهة (١) ، ومال إليه في المسالك (٢) ، وصرّح به في الكفاية (٣) ؛ عملاً بأصالة الإباحة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا الرواية القاصرة السند الضعيفة الدلالة : عن شاة شربت خمراً حتى سكرت ، ثمّ ذبحت على تلك الحال ، قال : « لا يؤكل ما في بطنها » (٤).

فإنّ في سندها أبا جميلة الضعيف بالاتّفاق ، ولم تدلّ إلاّ على حرمة أكل ما في الجوف دون وجوب غسل اللحم. مع أنّها واردة في خصوص الشاة ، ومع ذلك فلم تدلّ على حرمة ما في جوفها مطلقاً ، بل إذا شربت حتى سكرت وذبحت حالة السكر ، فهي أخصّ من المدّعى من وجوه.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٩٧.

(٢) المسالك ٢ : ٢٣٩.

(٣) الكفاية : ٢٥٠.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥١ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٤٣ / ١٨١ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٤ ح ١.

٤٠٧

وفي الجميع نظر ؛ لانجبار ضعف السند بالعمل ، وبرواية ابن فضال عن موجبه ، وقد حكى الكشّي عن بعض دعوى إجماع العصابة على تصحيح أحاديثه (١). ولعلّه لذا عدّ الرواية من الموثّق في الدروس والمختلف (٢).

وأمّا أخصّية الدلالة بالنظر إلى اختصاصها بالشاة وحرمة أكل ما في جوفها خاصّةً فمندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة ، مع أنّ الحلّي صرّح بوجود رواية دالّة على المطلوب بتمامه ، قال : وقد روي أنّه إذا شرب شي‌ء من هذه الأجناس خمراً ، ثمّ ذبح ، جاز أكل لحمه بعد أن يغسل بالماء ، ولا يجوز أكل شي‌ء ممّا في بطنه ولا استعماله. والأولى حمل الرواية على الكراهة ، إلى آخر ما ذكره (٣).

وهذه الرواية لو لم نقل بكونها حجّة أُخرى مستقلّة فلا أقلّ من كونها معاضدة للرواية السابقة.

وأمّا دعوى أخصّيتها بالإضافة إلى دلالتها على حرمة ما في الجوف مع الذبح حين السكر خاصّةً ، فممنوعة إلاّ إذا ثبت فتاوى الفقهاء بالعموم للمذبوح حينه وغيره ، وهو غير واضح بعد استناد أكثرها إلى الرواية ، وتعليل الحكم في جملة منها بما يختصّ بموردها. مع وقوع التصريح في بعضها باختصاص الحكم به. ولعلّه المراد من إطلاق بعضها كالعبارة ونحوها ممّا لم يوجد فيها شي‌ء من ذلك.

وعلى تقدير عدم اتّفاق الفتاوى على ذلك فاتفاقها على العموم غير‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣١.

(٢) الدروس ٣ : ٧ ، المختلف : ٦٧٧.

(٣) السرائر ٣ : ٩٧.

٤٠٨

معلوم ، بل العدم معلوم ، ولا إجماع يوجب العموم. فالقول بالتخصيص متعيّن ، وعليه فيكون الرواية وافية بتمام المدّعى.

نعم إنّما تكون أخصّ منه على القول بعمومه ، وليس فيه حجّة على من يخصّصها. فلا شبهة في المسألة أصلاً سيّما مع دعوى ابن زهرة على تحريم ما في الجوف مطلقاً ، إجماع الإماميّة (١).

( ولو شرب بولاً ) نجساً ( لم يحرم ) شي‌ء منه إجماعاً ( و ) لكن وجب ( غسل ما في جوفه ) بلا خلاف حتى من الحلّي حيث نسب الحكم إلى الرواية ساكتاً عليها (٢). ولذا ذكر جماعة (٣) أنّه لا رادّ لها ؛ فهي حجّة وإن كانت مرسلةً : في شاة شربت بولاً ثمّ ذبحت ، قال : فقال : « يغسل ما في جوفها ، ثمّ لا بأس به ، وكذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلاّلة » الخبر (٤).

واعلم أنّ الفارق بين البول والخمر هو النصّ ، لا ما يقال من أنّ الخمر لطيف تشربه الأمعاء فلا تطهر بالغسل وتحرم ، بخلاف البول فإنّه لا يصلح للغذاء ولا يقبله الطبيعة.

فإنّه يضعّف بأنّ غسل اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه كما هو الظاهر لم يتمّ الفرق بينه وبين ما في الجوف ، وإن لم يصل إليه لم يجب تطهيره. مع أنّ ظاهر الحكم غسل ظاهر اللحم الملاصق للجلد وباطنه المجاور‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٢) السرائر ٣ : ٩٧.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في الروضة البهية ٧ : ٢٩٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٥٠.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥١ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٤٧ / ١٩٤ ، الإستبصار ٤ : ٧٨ / ٢٨٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢٤ ح ٢.

٤٠٩

للأمعاء ، والرواية خالية عن غسل اللحم ، فتأمّل.

( القسم الرابع : في الجامد وهو خمسة ) ‌

الأوّل : ( الميتات ) من الحيوان ، أي الخارج روحها بغير التذكية الشرعية ، سواء ما لا تقع عليه الذكاة في الشرع ، أو ما تقع ولم تقع.

والكتاب والسنة المتواترة ناطقان بحرمتها ، مضافاً إلى الإجماع عليها ، وقد صدر الآية الكريمة بتحريمها.

وفي حكمها أجزاؤها التي تحلّها الحياة بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية (١) ؛ وهو الحجّة مضافاً إلى النصوص المستفيضة :

منها : « إنّ في كتاب عليّ عليه‌السلام أنّ ما قطع منها ميّت ، لا ينتفع به » (٢).

ومنها : « في أليات الضأن تقطع وهي أحياء أنّها ميتة » (٣).

ومنها : إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها ، فقال : « حرام هي » فقلت : جعلت فداك ، فنصطبح بها؟ فقال : « أما علمت أنّه يصيب اليد والثوب وهو حرام؟! » (٤).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠٩ / ٩٦٧ ، التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣٠ ، الوسائل ٢٤ : ٧١ أبواب الذبائح ب ٣٠ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٥ / ٢ ، الوسائل ٢٤ : ٧٢ أبواب الذبائح ب ٣٠ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٥ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٧٧ / ٣٢٩ ، الوسائل ٢٤ : ٧١ أبواب الذبائح ب ٣٠ ح ٢.

٤١٠

( و ) ربما يستشعر منه أنّ مطلق ( الانتفاع بها محرّم ) كما هو المشهور بين الأصحاب ، بغير خلاف يعرف بينهم إلاّ من الشيخ في النهاية (١) ، وتبعه جماعة (٢) ، فجوّزوا الاستقاء بجلود الميتة لغير الوضوء والصلاة والشرب وإن كانت نجسة. ونحوهم الصدوق في المقنع حيث جوّز الاستقاء بجلد الخنزير (٣).

ولعلّهما شاذّان كما يستفاد من الروضة (٤) ، حيث صرف الإجماع المحكيّ في متنها على حرمة الميتة ، إلى كلّ من أكلها واستعمالها مطلقاً.

ومع هذا محجوجان بما مرّ ، مضافاً إلى عموم الرواية الأُولى وغيرها ، كالصحيح : الميتة ينتفع منها بشي‌ء؟ قال : « لا » (٥) الخبر.

والخبرين : في أحدهما : عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيّاً ، فكتب : « لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب » (٦) الخبر.

وفي الثاني المرويّ عن كتاب عليّ بن جعفر : عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها ، أيصلح له بيع جلودها ودباغها ويلبسها؟ قال : « لا » (٧) الخبر.

__________________

(١) النهاية : ٥٨٧.

(٢) منهم : الحلّي في السرائر ٣ : ١١٥ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٢٢٧ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ١٥٩.

(٣) المقنع : ١٤١.

(٤) الروضة ٧ : ٣٠١.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٩ / ٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٣ ، الإستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٤١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٧.

(٧) مسائل علي بن جعفر : ١٣٩ / ١٥١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٦ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٦.

٤١١

وقريب منهما : الموثقان ، في أحدهما : عن أكل الجبن وتقليد السيف وفيه الكيمخت والغرا ، فقال : « لا بأس ما لم يعلم أنّه ميتة » (١) فتدبر.

وفي الثاني : عن جلود السباع ، أينتفع بها؟ قال : « إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا » (٢).

وما ورد (٣) بخلافها بعد تسليم سنده شاذّ أو محمول على التقيّة.

وأمّا الاستدلال للمختار من حرمة مطلق الانتفاع به بالآية الكريمة الدالّة على حرمة الميتة ، بناءً على أنّه أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذّرة إرادتها من إضافة التحريم إلى العين ، فمحلّ مناقشة بناءً على أنّ المتبادر من مثله الأكل ، كما أنّ المتبادر من تحريم الأُمّهات النكاح. نعم ، هي صالحة للتأييد ، فيترجّح المتأيّد بها على ما قابلة.

( ويحلّ منها ما لا تحلّه الحياة إذا كان ) (٤) ( طاهراً في حال الحياة ) دون ما كان نجساً ، كالمنفصل من الكلب ونحوه.

( وهو عشرة ) أشياء متّفق عليها بيننا في الظاهر المصرّح به في الروضة وغيرها (٥).

وهي : ( الصوف ، والشعر ، والوبر ، والريش ) بشرط الجزّ ، أو غسل موضع الاتّصال ( والقرن ، والعظم ، والسنّ ، والظلف ) وهذه مستثناة من جهة الاستعمال ، أمّا الأكل فالظاهر جواز ما لا يضرّ منها بالبدن ؛ للأصل‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣١ ، الإستبصار ٤ : ٩٠ / ٣٤٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٥.

(٢) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٩ ، الوسائل ٣٤ : ١٨٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ٣ : ٤٦٣ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٥.

(٤) في المختصر المطبوع : إذا كان الحيوان طاهراً ..

(٥) الروضة ٧ : ٣٠١ ؛ وانظر المسالك ٢ : ٢٤٢.

٤١٢

والعمومات السليمة عن المعارض.

ويمكن دلالة إطلاق العبارة ونحوها من عبائر الجماعة (١) ، والنصوص الآتية عليه سيّما مع قولهم : ( والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى ) الصلب ، وإلاّ كان بحكمها.

( والإنفحة ) بكسر الهمزة وفتح الفاء والحاء المهملة ، وقد تكسر الفاء. قال في الصحاح : هي كَرِش الحمل أو الجدي ما لم يأكل ، فإذا أكل فهي كَرِش (٢). وقريب منه في الصراح والجمهرة (٣).

وفي القاموس : هي شي‌ء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر ، فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن ، فإذا أكل الجدي فهو كرش (٤).

وفي الخبر : عن الجبن ، فقال عليه‌السلام : « لا بأس به » فقال : إنّه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة ، قال عليه‌السلام : « ليس بها بأس ، إنّ الإنفحة ليست لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم ، إنما تخرج من بين فرث ودم » إلى أن قال : « والإنفحة مثل البيضة » (٥).

وفيه موافقة لما في القاموس.

وكيف كان فالشكّ حاصل في كون الإنفحة المستثناة هل هي اللبن المستحيل أم الكرش بسبب الاختلاف المتقدّم. والمتيقن منه ما في داخله ؛

__________________

(١) انظر التبصرة : ١٦٧ ، والنهاية : ٥٨٥ ، واللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٣٠٢.

(٢) الصحاح ١ : ٤١٣.

(٣) صراح اللغة لأبي الفضل محمد بن عمر بن الخالد القرشي المشتهر بجمالي ، وهو ترجمة الصحاح بالفارسية ، فرغ منها سنة ٦٨١. انظر كشف الظنون ٢ : ١٠٧٧ ، وجمهرة اللغة ١ : ٥٥٦.

(٤) القاموس ١ : ٢٦٢.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٦ / ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٩ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١.

٤١٣

لأنّه متفق عليه. وبه صرح في الروضة (١).

والأصل في استثناء هذه العشرة بعد الإجماع المتقدّم إليه الإشارة ، والرواية السابقة المنجبر قصور سندها كبعض الروايات الآتية بعمل الطائفة المعتبرة المستفيضة :

ففي الصحيح : « اللبن واللِّباء ، والبيضة ، والشعر ، والصوف ، والقرن ، والناب ، والحافر ، وكلّ شي‌ء ينفصل من الشاة [ والدابة ] فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله ، وصلّ فيه » (٢).

وفيه : عن الإنفحة تخرج من الجدي الميّت ، قال : « لا بأس به » قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة فقد ماتت؟ قال : « كلّ هذا لا بأس به » (٣).

وفيه : « لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إنّ الصوف ليس فيه روح » (٤).

ويستفاد من التعليل فيه ، وفي الرواية السابقة عموم الحكم بنفي البأس لجميع العشرة وإن اختصّا ببعضها. فإنّ العبرة بعموم اللفظة دون خصوص المورد كما برهن في محله.

وفي الخبر : عن اللبن من الميتة ، والبيض من الميتة ، وإنفحة الميتة ، فقال : « كلّ هذا ذكيّ » (٥).

__________________

(١) الروضة ٧ : ٣٠٥.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٧٥ / ٣٢١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٣ ، وما بين المعقوفين من المصادر.

(٣) الفقيه ٣ : ٢١٦ / ١٠٠٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٤ ، الإستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٣٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٢ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٠ ، الوسائل ٤ : ٤٥٧ أبواب لباس المصلي ب ٥٦ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٧٥ / ٣٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٤.

٤١٤

وفي آخر : « الشعر ، والصوف ، والوبر ، والريش ، وكلّ نابت لا يكون ميّتاً » قال : وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة ، قال : « تأكلها » (١).

وإطلاقها في البيضة وإن شمل صورتي اكتسائها بالقشر الأعلى وعدمه إلاّ أنّه مقيّد بالصورة الأُولى خاصّةً بغير خلاف أجده ؛ للاعتبار ، وبعض النصوص المنجبر قصوره أو ضعفه سنداً ومكافأة له بالشهرة : في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة ، فقال : « إن كانت البيضة اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها » (٢).

( وفي ) إلحاق ( اللبن ) بهذه العشرة ( روايتان ) أصحّهما ذلك ، وقد مرّ إليه الإشارة ، فهي مع ذلك متعدّدة مستفيضة ، أكثرها صحيح ، وباقيها وإن قصر سنده بالجهالة إلاّ أنّه مجبور برواية ابن فضال عن ابن بكير عن موجبها (٣) ، وقد اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما ، وبالشهرة العظيمة بين قدماء أصحابنا ، بل مطلقاً كما يظهر من صريح اللمعة (٤) ، وظاهر الدروس حيث نسب الرواية الثانية إلى الندرة (٥) ، وهو ظاهر في الشهرة المطلقة ، بل لعلّه ظاهر في دعوى الإجماع عليه ، وبه‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ذيل الحديث ٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٨١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٨.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٦.

(٣) تقدّم مصدرها في الهامش (٤) من الصفحة السابقة.

(٤) اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٣٠٦.

(٥) الدروس ٣ : ١٥.

٤١٥

صرّح في الخلاف (١) ، وربما يظهر من الغنية (٢) ، بل حكى عنه صريحاً (٣) ؛ وهو حجّة أُخرى في المسألة.

( والأشبه ) عند الماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في جملة من كتبه ، والفاضل المقداد في التنقيح ، والصيمري في شرح الشرائع (٤) ( التحريم ) وفاقاً للديلمي والحلّي (٥) نافياً للخلاف فيه بين المحصّلين ؛ لملاقاته الميتة بالرطوبة ، وللخبر : « ذلك الحرام محضاً » (٦).

والأول مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص كلّية كبراه في حيّز المنع ؛ إذ لا دليل عليها لا من الكتاب ولا من السنة ولا الإجماع ، لمصير الأكثر إلى الخلاف ، بل لا يكاد يوجد مخالف فيه من القدماء قبل الحلّي (٧) ، كما يظهر من تتبّع الأقوال في كتب الاستدلال.

ومنه يظهر وجه القدح في نفيه الخلاف عمّا ذهب إليه بعض المحصّلين ، كيف لا؟! ولم نر من معظمهم وأساطينهم كالشيخين ، والكليني ، والصدوق ، وبني حمزة وزهرة والبرّاج (٨) الفتوى إلاّ على‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥١٩.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩.

(٣) حكاه عنه في الذخيرة : ١٤٨.

(٤) الشرائع ٣ : ٢٢٣ ، الفاضل في القواعد ٣ : ١٥٧ ، والمختلف : ٦٨٣ ، التنقيح ٤ : ٤٥ ، غاية المرام ٤ : ٦٢.

(٥) الديلمي في المراسم : ٢١١ ، الحلّي في السرائر ٣ : ١١٢.

(٦) التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٥ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٤٠ ، قرب الإسناد : ١٣٥ / ٤٧٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١١.

(٧) في « ر » و « ح » زيادة : عدا نادر ( وهو سلاّر في المراسم : ٢١١ ).

(٨) المفيد في المقنعة : ٥٨٣ ، الطوسي في النهاية : ٥٨٥ ، الكليني في الكافي ٦ : ٢٥٨ ، الصدوق في الفقيه ٣ : ٢١٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٩ ، ابن البراج في المهذِّب ٢ : ٤٤١.

٤١٦

التحليل. فأين المحصّلون الذين نفى الخلاف بينهم؟ وعلى تقدير وجود غير هؤلاء منهم فليسوا أعلى درجة منهم ، فكيف ينفيه بين جمعيهم مع أنّهم من جملتهم لو لم نقل بكونهم أعظمهم وأساطينهم الذين تأسّس بهم أساس الدين ، ولولاهم لاندرس آثار دين خير المرسلين.

وبالجملة : لا ريب في فساد دعواه كمختاره ؛ لعدم ثبوته إلاّ بثبوت ما مرّ من كلّية الكبرى ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليها. وقصارى ما يتخيّل في تصحيحها دعوى التتبّع والاستقراء للموارد الجزئيّة المحكوم فيها بنجاستها بملاقاتها للنجاسة ، فإنّ بها يحصل الظنّ القويّ بانسحاب حكمها في المسألة.

والمناقشة في هذا الخيال واضحة ؛ إذ بعد تسليم حصول الظنّ المعتمد عليه فيها لا بدّ من تخصيصه بما قدّمناه من النصوص المعتبرة في نفسها ، المعتضدة بالشهرة العظيمة المحقّقة بين القدماء ، والمحكيّة مطلقاً ، وحكاية الإجماع المتقدّمة ، لحصول الظنّ القويّ منها أقوى من تلك المظنّة الحاصلة من دعوى الاستقراء المزبورة ، سيّما مع تأيّده وارتفاع الاستبعاد الذي هو الأصل في القول بالحرمة في الحقيقة وإن تشبّث قائلوها في الظاهر بما مرّ من الأدلّة الضعيفة غايته بملاحظة تخصيص تلك الكلّية في موارد كثيرة ، كالإنفحة المعدودة من تلك العشرة ، بناءً على كون الكرش ممّا تحلّه الحياة ، كما صرّح به في الروضة (١). فإنّها إمّا هو أو ما كان داخله ، على اختلاف التفسيرين المتقدّم إليهما الإشارة. فهي إمّا ميتة مستثناة أو مائع جاورها ، كماء الاستنجاء والغسالة مطلقاً أو في الجملة على بعض‌

__________________

(١) الروضة ٧ : ٣٠٤.

٤١٧

الأقوال ، ونحو ذلك من الموارد.

والثاني ضعيف سنداً ، بل قيل : ودلالة (١). وراويه وهو وهب بن وهب من أكذب البريّة ، كما صرّح به جملة من الأجلّة (٢). ومع ذلك محتمل للتقيّة ، بل حمله عليها جماعة ، ومنهم شيخ الطائفة (٣) الذي هو أعرف بمذاهب جميع العامّة. فلا مسرح عن القول المشهور ولا مندوحة.

وأمّا ما ربما يناقش به بعض متأخّري متأخّري الطائفة (٤) في الروايات السابقة الدالّة عليه سنداً في بعض ودلالةً في آخر بل في الجميع ، فهو ممّا لا ينبغي العروج عليه ؛ لانجبار الأوّل على تقديره مع أنّه فاسد بالبديهة بل واعترف هو به في الجملة بالشهرة العظيمة المتحقّقة والمحكيّة في كلام جماعة ، ومنهم شيخنا في المسالك ، حيث نسب القول بالحلّ إلى أكثر المتقدّمين وجماعة من المتأخّرين (٥). بل منجبر باتّفاق الكلّ ، لتضمّنها ما أجمعوا عليه من الحكم بالحلّ في تلك العشرة المتقدّمة.

والثاني بها أيضاً ، مضافاً إلى أنّ اللفظ الدالّ فيها على الحكم في المتّفق عليه وهو العشرة هو بعينه الدالّ على الحكم في المسألة.

فعدم المناقشة في الدلالة بالإضافة إلى تلك العشرة دون المسألة لعلّه غفلة واضحة ، ولذا إنّ القائلين بالتحريم من المتأخّرين لم يشيروا إلى ما ذكره من الأجوبة ، وإنّما أجابوا عنها بغير ما ذكره.

ومن جملته ما ذكره في المختلف من حمل الميتة في الروايات على‌

__________________

(١) كما في المفاتيح ١ : ٦٨.

(٢) انظر رجال الكشي ٢ : ٥٩٧ ، ورجال النجاشي : ٤٣٠.

(٣) التهذيب ٩ : ٧٧ ، وانظر الدورس ٣ : ١٥ ، والذخيرة : ١٤٨.

(٤) المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٢٢٤ ٢٢٦.

(٥) المسالك ٢ : ٢٤٢.

٤١٨

ما قارب الموت مجازاً مشارفة (١).

وهو أيضاً في غاية من الغرابة ؛ لعين ما مرّ من الأجوبة عمّا ذكره الفاضل المتقدّم ، مضافاً إلى أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة.

وما ذكره للحرمة من الدليلين المتقدّم إليهما الإشارة قد عرفت أنّه لا يصلح للحجّية ، فكيف يصلح قرينة لصرف تلك الأدلّة القويّة إلى خلاف الحقيقة؟!

الثاني : ( ما يحرم من الذبيحة. وهو ) قسمان : مجمع عليه ، ومختلف فيه.

فالأوّل : ( خمسة : القضيب ) وهو الذكر ( والأُنثيان ) وهما البيضتان ( والطحال ) وهو مجمع الدم الفاسد ( والفرث ) وهو الروث في جوفها ( والدم ) وبالإجماع عليه صرّح جمع ، ومنهم : الفاضل المقداد في التنقيح ، والسيدان في الانتصار والغنية (٢) ، لكنّهما حكياه فيما عدا الفرث ، وهو ظاهر المحكي عن الخلاف في الجميع (٣) ، ونفى عنه الخلاف كثير من متأخّري الأصحاب (٤) ؛ وهو الحجّة المعتضدة بالنصوص الآتية.

ولم يقدح فيها عدم تعرّض المفيد والديلمي لذكر الأخيرين (٥) ؛ لمعلومية نسبهما ، مع احتمال كون الوجه في عدم تعرّضهما لهما إمّا بعد احتمال أكلهما بخلاف الثلاثة الباقية ، أو كون حرمتهما من الضروريات ،

__________________

(١) المختلف : ٦٨٣.

(٢) التنقيح ٤ : ٤٦ ، الانتصار : ١٩٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٣) الخلاف ٦ : ٢٩.

(٤) منهم : السبزواري في الكفاية : ٢٥١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٩٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٦٦.

(٥) المفيد في المقنعة : ٥٨٢ ، الديلمي في المراسم : ٢١٠.

٤١٩

لاستخباثهما وتعاضد الكتاب والسنة بحرمة الثاني منهما ، مضافاً إلى استلزام حرمة الطحال المذكورة في كلامهما المستفادة من الصحاح وغيرها من المعتبرة حرمته بالأولويّة ، لتعليل حرمته في بعض تلك النصوص بكونه دماً في الحقيقة.

وبالجملة لا شبهة في حرمة هذه الخمسة.

( وفي ) حرمة ( المثانة ) بفتح الميم مجمع البول ( والمرارة ) بفتح الميم التي تجمع المرة الصفراء بكسرها ، معلّقة مع الكبد ، والمشيمة بفتح الميم بيت الولد ، وتسمّى الغرس بكسر الغين المعجمة ( تردّد ) ينشأ من أصالتي البراءة والإباحة ، وعمومات الكتاب والسنة بحلّ ما ذكر اسم الله عليه سبحانه ، مع ضعف النصوص الدالة عليها.

منها : « لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء : الفرث ، والدم ، والطحال ، والنخاع ، والعلباء ، والغدد ، والقضيب ، والأُنثيان ، والحياء ، والمرارة » (١).

ومنها : « حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم ، والخصيتان ، والقضيب ، والمثانة ، والغدد ، والطحال ، والمرارة » (٢).

ومنها : « لا يؤكل ممّا يكون في الإبل والبقر والغنم وغير ذلك ممّا لحمه حلال : الفرج بما فيه ظاهره وباطنه ، والقضيب ، والبيضتان ، والمشيمة وهي موضع الولد ، والطحال لأنّه دم ، والغدد مع العروق ، والمخّ الذي يكون في الصلب ، والمرارة ، والحدق ، والخرزة التي تكون في‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٧٤ / ٣١٦ ، الخصال : ٤٣٣ / ١٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٢ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣١ ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٣ / ١ ، التهذيب ٩ : ٧٤ / ٣١٤ ، المحاسن : ٤٧١ / ٤٦٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٧١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣١ ح ١.

٤٢٠