رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

( والسبب ) أي الشرط المعلّق عليه النذر المشروط ( إذا كان طاعةً لله وكان النذر ) المعلّق عليها ( شكراً ) على فعلها ( لزم ) النذر.

( ولو كان ) النذر ( زجراً ) عنها ( لم يلزم ).

( و ) الأمر ( بالعكس لو كان السبب معصيةً ) فيلزم لو كان النذر زجراً عنها ، ويبطل لو كان شكراً على فعلها.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك. والوجه فيه أنّ الشكر على الطاعة طاعة والزجر عنها معصية ، كما أنّ الزجر عن المعصية طاعة والشكر عليها معصية.

فلو قال : إن حججت فلله تعالى عليّ كذا ، وقصد الشكر لزم ، ولو قصد الزجر بطل. وبالعكس لو قال : إن زنيت فلله تعالى عليّ كذا ، فيلزم لو قصد به الزجر ، ويبطل لو قصد به الشكر.

ويعلم من ذلك أنّ صيغتي الشكر والزجر واحدة ، وإنّما يتميّزان بالقصد والنية.

ولا يخفى أنّ سبب النذر قد لا يكون طاعة ولا معصية ، كالشفاء من المرض وحصول الولد مثلاً ، اتّفاقاً فتوًى وروايةً. والمعتبر فيه صلاحيّته لتعلّق الشكر به.

( ولا ينعقد ) النذر ( لو قال : لله عليّ نذر ، واقتصر عليه ) بلا خلاف ظاهر ؛ لعدم ذكر متعلّقه ، وللمعتبرين المتقدّمين (١) ، في أحدهما القريب من الصحيح : عن رجل قال : عليّ نذر ، قال : « ليس النذر بشي‌ء حتّى يسمّي شيئاً لله صياماً ، أو صدقة ، أو هدياً ، أو حجّا ».

__________________

(١) في ص ٢١٠.

٢٢١

ونحوه الثاني : عن الرجل يقول عليّ نذر ، قال : « ليس بشي‌ء حتّى يسمّى النذر ، فيقول : عليّ صوم لله ، أو صدقة ، أو يعتق ، أو يهدي هدياً ».

( وينعقد لو قال :) لله تعالى ( عليّ قربة ) بلا خلافٍ ؛ لاجتماع شرائطه الّتي من جملتها ذكر المتعلّق وهو فعل القربة.

( ويبرّ ) أي يمتثل ( بفعل ) كلّ ( قربة ) مطلقاً ( ولو ) كان ( صوم يوم ، أو صلاة ركعتين ) ونحوهما من وجوه القُرَب ، كعيادة المريض ، وإفشاء السلام ، والتسميت ، ونحو ذلك.

وفي الاجتزاء بمفردة الوتر قولان ، أجودهما ذلك ، وفاقاً للحلّي (١) ، وجماعة (٢) ؛ لأنها من حيث انفرادها عن ركعتي الشفع بتكبيرة وتسليمة عندنا صلاة مستقلّة ، فيشملها عموم قوله عليه‌السلام : « الصلاة خير موضوع » (٣).

خلافاً للشيخين وابني بابويه والقاضي والشهيد في الدروس (٤) ؛ للنهي في النبوي عن البُتيْراء (٥) ، المفسّر في النهاية الأثيرية بأن يوتر بركعة واحدة (٦).

وللخبر : عن رجل نذر ولم يسمّ شيئاً ، قال : « إن شاء صلّى ركعتين ،

__________________

(١) السرائر ٣ : ٦٩.

(٢) منهم : المحقق في الشرائع ٣ : ١٨٩ ، والعلاّمة في المختلف : ٦٦١.

(٣) معاني الأخبار : ٣٣٢ / ١ ، الخصال : ٥٢٣ / ١٣ ، أمالي الطوسي : ٥٥١ ( ضمن حديث طويل ) ، الوسائل ٥ : ٢٤٧ أبواب أحكام المساجد ب ٤٢ ح ١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٦٤ ، الطوسي في الخلاف ٦ : ٢٠٢ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٦٦١ ، الصدوق في الهداية : ٧٤ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤١٢ ، الدروس ٢ : ١٥١.

(٥) نيل الأوطار ٣ : ٣٩.

(٦) النهاية ١ : ٩٣.

٢٢٢

وإن شاء صام يوماً ، وإن شاء تصدّق برغيف » (١).

وفيهما قصور من حيث السند بالضعف ، والدلالة بعدم الصراحة ؛ لإجمال البُتَيْراء في الرواية الأُولى غير ما بنى عليه الاستدلال ممّا في النهاية ، وهو المحكي فيها عن بعض في تفسيره ، ومن أنّه هو الذي شرع في ركعتين فأتمّ الاولى وقطع الثانية.

وعدم إفادة اقتصاره عليه‌السلام في الرواية الثانية على الركعتين ، المنع عن الركعة الواحدة. ألا ترى إلى اقتصاره عليه‌السلام في الصدقة على الرغيف والحال أنّه لا يجب فيها بل يجوز أقلّ منه قطعاً. فالمراد منها بيان نوع ما يتحقّق به امتثال النذر المطلق لا مقداره ، فتدبّر.

هذا مع شذوذهما في الظاهر ، فالأُولى : بأنّ النهي فيها عن البُتَيْراء على تفسير النهاية المبني عليه الحجة على إطلاقه غير مستقيم إلاّ على مذهب العامّة الناهين عنها مطلقاً. ولو كان ركعة الوتر ، بناءً على إيجابهم وصلها بركعتي الشفع وجعلهما كصلاة المغرب.

أمّا على مذهبنا من تعيّن انفصالها عنهما بتسليمة فلا بدّ من تقييد الرواية بما عداها أو التقيّة ، ويشهد له كون الرواية من العامة. وعلى التقديرين لم يثبت النهي فيها عن ركعة الوتر في الشريعة. وتقييدها بصورة النذر خاصةً مجازفة محضة لا يرتكبها ذو مسكة.

والثانية : بأنّ المذكور فيها أنّه نذر ولم يسمّ شيئاً حتى القربة ، فتخرج عن موضوع المسألة وتدخل في المسألة الأُولى ، وقد حكموا فيها ببطلان النذر من أصله. وتقدير القربة ونحوها فيها خلاف الأصل لا داعي على‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٦٣ / ١٨ ، التهذيب ٨ : ٣٠٨ / ١١٤٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٩٦ أبواب النذر والعهد ب ٢ ح ٣.

٢٢٣

ارتكابه.

وبالجملة : فالاستناد إلى الروايتين لا وجه له من وجوه متعدّدة ، ولعلّه لهذا لم يستند إليهما السيد في الشرح وصاحب الكفاية على هذا القول مع ميلهما إليه ، وإنّما استندا فيه إلى النصوص الدالّة على أنّ الوتر اسم للركعات الثلاث لا لخصوص المفردة ، ومشروعيّة فعلها على الانفراد غير ثابتة (١).

وفي هذا الاستناد أيضاً مناقشة ، فإنّ مبناه على عدم ثبوت شرعيّتها مفردة. وهو ممنوع ؛ لما عرفت من كونها عندنا صلاة مستقلةً فيشملها عموم الرواية السابقة ، ولذا إنّ الشهيد في الدروس خصّ ما ذكره من عدم الاجتزاء بصورة ما إذا نذر صلاة وأطلق ، أمّا لو قيّدها بركعة واحدة قال : الأقرب الانعقاد (٢).

ونحوه الشهيد الثاني في المسالك ، حيث خصّ محلّ النزاع بتلك الصورة ، قال : ولو صرّح في نذره أو نوى أحد هذه الأُمور المشروعة فلا إشكال في الانعقاد. وصرّح قبل ذلك بثبوت مشروعية ركعة الوتر ، فقال في تعليل المنع عن الاجتزاء بها ـ : والركعة نادرة ، إذا لم تشرع إلاّ في الوتر (٣). فتأمّل.

هذا ، ولا ريب أنّ الأحوط عدم الاجتزاء بها مع نذر الصلاة مطلقةً لا مقيدةً بركعة الوتر. أمّا مع التقييد بها بل مطلق الركعة الواحدة فينعقد ، ويلزم الإتيان بها بلا شبهة.

( ولو نذر صوم حين كان ) اللازم عليه ( صوم ستة أشهر.

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ٣٥٣ ، الكفاية : ٢٢٩.

(٢) الدروس ٢ : ١٥١.

(٣) المسالك ٢ : ٢١٠.

٢٢٤

ولو قال :) لله عليّ أن أصوم ( زماناً كان ) اللازم عليه صيام ( خمسة أشهر ).

لرواية السكوني فيهما : في رجل نذر أن يصوم زماناً ، قال : « الزمان خمسة أشهر ، والحين ستّة أشهر ؛ لأنّ الله تعالى يقول ( تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ) » (١).

ورواية أبي الربيع في الأوّل : عن رجل قال : لله عليّ أن أصوم حيناً ، وذلك في شكر ، فقال عليه‌السلام : « قد اتي عليٌّ في مثل هذا ، فقال : صم ستّة أشهر ، فإنّ الله يقول » وذكر الآية معقّباً لها بقوله : « يعني ستة أشهر » (٢).

ولا خلاف في الحكمين أجده إلاّ من المسالك وسبطه ، فيظهر منهما نوع مناقشة فيهما ؛ لقصور سند الروايتين ، مع صدق اللفظين كالوقت في العرف واللغة على القليل والكثير ، فيحصل الامتثال بصوم يوم (٣).

وهو حسن لولا عدم الخلاف بين الأصحاب الذي كاد أن يلحق بالإجماع ، كما يظهر منهما ومن غيرهما (٤).

مع أنّ السكوني وإن ضعف في المشهور ، إلاّ أنّه ادّعى الشيخ إجماع العصابة على قبول روايته (٥). وكذلك أبو الربيع وإن جهل حاله كخالد بن حريز الراوي عنه ، إلاّ أنّ رواية الحسن بن محبوب عنهما هنا جبرت‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٩ / ٩٣٣ ، علل الشرائع : ٣٨٧ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٣٨٨ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٤ ح ٢. والآية في سورة إبراهيم : ٢٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٢ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٠٩ / ٩٣٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٨٧ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٤ ح ١.

(٣) المسالك ٢ : ٢١٠ ، نهاية المرام ٢ : ٣٥٤.

(٤) في « ح » و « ر » زيادة : بل في الانتصار الإجماع عليه. الانتصار : ١٦٠.

(٥) عدّة الأُصول ١ : ٣٨٠.

٢٢٥

قصورهما ، لدعوى إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (١).

( ولو نذر الصدقة بمال كثير كان ثمانين درهماً ) بلا خلاف ظاهر (٢) حتى من الحلّي (٣) ، بل عليه في ظاهر المسالك وصريح التنقيح إجماعنا (٤) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الخبرين :

أحدهما الحسن : عن رجل مرض فنذر لله شكراً إن عافاه الله تعالى أن يتصدق من ماله بشي‌ء كثير ، ولم يسمّ شيئاً فما تقول؟ قال : « يتصدّق بثمانين درهماً ، فإنّه يجزيه ، وذلك بيّن في كتاب الله تعالى إذ يقول لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) الكثير في كتاب الله تعالى ثمانون » (٥).

ونحوه الثاني المرسل المتضمّن لفتوى مولانا الهادي عليه‌السلام في قصّة المتوكل ، لمّا نذر الصدقة بمال كثير إن عوفي من مرضه ، فقال له الفقهاء أقوالاً مختلفة ، فأفتاه عليه‌السلام بالثمانين معلّلاً بالآية ، ولكن لم يقيّدها بالدراهم (٦).

ولذا اختلفوا في التقييد بها أو غيرها على أقوال : فبين من قيّد بها كالماتن هنا وفي الشرائع ، وفاقاً للشيخين والديلمي والقاضي (٧). وبين من‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٢) في « ح » و « ر » و « ت » زيادة : في أصل العدد.

(٣) السرائر ٣ : ٦١.

(٤) المسالك ٢ : ٢١٢ ، التنقيح الرائع ٣ : ٥٢١.

(٥) التهذيب ٨ : ٣١٧ / ١١٨٠ ، الوسائل ٢٣ : ٢٩٩ أبواب النذر والعهد ب ٣ ح ٢ ، والآية في سورة التوبة : ٢٥.

(٦) الكافي ٧ : ٤٦٣ / ٢١ ، تفسير القمّي ١ : ٢٨٤ ، الوسائل ٢٣ : ٢٩٨ أبواب النذر والعهد ب ٣ ح ١.

(٧) الشرائع ٣ : ١٩٠ ، المفيد في المقنعة : ٥٦٥ ، الطوسي في النهاية : ٥٦٥ ، الديلمي في المراسم : ١٨٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤١١.

٢٢٦

أطلقه كالصدوقين (١). ومن ردّها إلى المتعامل به درهماً أو ديناراً كالحلّي (٢). ومن فصّل بين نذر المال المطلق فالأوّل ، والمقيّد بنوع فالثمانون منه كالفاضل في المختلف (٣). وللدروس تفصيل آخر بين النذر به من ماله فالأوّل ، والنذر بمال كثير بقول مطلق فالتوقف ، ونزّل الأقوال المتقدّمة على هذه الصورة (٤).

ولعلّ ما عدا القولين الأوّلين شاذّ ، وبشذوذ ما عليه الحلّي صرّح في المسالك (٥). والقاعدة تقتضي رجحان القول الأوّل ؛ لاعتبار سند مستنده ، مع صراحة دلالته بالتقييد الموجب لحمل إطلاق المرسل مع ضعف سنده عليه.

( ولو نذر عتق كلّ عبد له قديم في ملكه أعتق من كان له في ملكه ستّة أشهر فصاعداً ) وقد مضى الكلام في المسألة في كتاب العتق مستوفى فلا نعيده ثانياً (٦).

ثم إنّ ( هذا ) الحكم المذكور في هذه المسائل الأربع إنّما هو فيما ( إذا لم ينو شيئاً ) آخر ( غيره ) أي غير ما ورد الشرع به. ولو نوى تبع ما نواه قطعاً ولو كان لما ورد به الشرع مخالفاً. ولعلّه لا خلاف فيه أيضاً ، وإطلاق النصوص منزّل على غير هذه الصورة جدّاً.

( ومن نذر ) شيئاً ( في سبيل الله تعالى صرفه في ) وجوه ( البرّ )

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ١٣٧ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٦٥٨.

(٢) السرائر ٣ : ٦١.

(٣) المختلف : ٦٥٩.

(٤) الدروس ٢ : ١٥٥.

(٥) المسالك ٢ : ٢١٢.

(٦) راجع ص ٣٠.

٢٢٧

الصدقة ، ومعونة الحاجّين والزائرين وطلبة العلم ، وعمارة المساجد ، ونحو ذلك ؛ لأنّ السبيل لغةً الطريق ، فسبيل الله طريق ثوابه الموصل إليه ، فيتناول كلا من الأُمور المذكورة ونحوها من وجوه القربة. وللشيخ رحمه‌الله قول في المسألة مضى الإشارة إليه وإلى تمام الكلام فيها في كتاب الوقف ، فليطلبها ثمة (١).

( ولو نذر الصدقة ب ) جميع ( ما يملكه ) في الحال ( لزم ) الوفاء به ما لم يضرّ بحاله في الدين أو الدنيا ؛ لرجحان الصدقة في حدّ ذاتها مع عدم ما يوجب مرجوحيتها في فرضنا ، ( فإن ) فرض وجوده بأن تضرّر به ديناً أو دنيا و ( شقّ ) عليه الوفاء به ( قوّمه ) على نفسه ( وأخرج ) منه في مصرف الصدقات ( شيئاً فشيئاً حتى يوفي ) كما قطع به الأصحاب ، واعترف به جماعة منهم (٢) مؤذّنين بدعوى الإجماع عليه ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الرواية الصحيحة الصريحة في ذلك ، وهي طويلة (٣).

ولولاهما لأشكل الحكم بانعقاد هذا النذر ؛ لمرجوحيّته الموجبة لعدم انعقاده بمقتضى القواعد المتقدّمة الدالّة على أنّ متعلّقه لا بدّ أن يكون طاعةً ، ومثل هذا النذر المستعقب للضرر ليس منها بلا شبهة ، إلاّ أنّه بعد وجود الرواية الصحيحة المعتضدة بفتوى الأصحاب كافةً كما اعترف به الجماعة لا مسرح عنه ولا مندوحة. فاستشكال السيّد في الشرح لا وجه‌

__________________

(١) راجع ج ١٠ ص ١٦٤.

(٢) منهم : الشهيد في المسالك ٢ : ٢١٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٩ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٧.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥٨ / ٢٣ ، التهذيب ٨ : ٣٠٧ / ١١٤٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣١٤ أبواب النذر والعهد ب ١٤ ح ١.

٢٢٨

له ، كفتوى المفاتيح بالاستحباب (١) ، مع أنّه شاذّ.

وهل يلحق بمورد النصّ ما خرج عنه من النذر ببعض المال مع خوف الضرر فاندفاعه بالتقويم ؛ للمشاركة في المقتضي وكون كلّ فرد من أفراد ماله على تقدير نذر الجميع منذور الصدقة؟

أم لا ؛ لخروجه عن الأُصول والقواعد المتقدّمة ، فيقتصر على مورد الرواية؟ وجهان ، أجودهما الثاني عند الشهيد الثاني (٢). ولعلّ الأوّل أظهر ؛ للفحوى بناءً على أنّ النذر بجميع المال أضرّ من النذر ببعضه ، فلزوم الوفاء به يستلزم لزومه فيه بطريق أولى ، إلاّ أنّ اللازم من هذا إنّما هو ثبوت الانعقاد لا جواز التقديم والإخراج شيئاً فشيئاً.

واعلم أنّ مورد الإشكال هو نذر التصدّق بعين المال. أمّا لو كان المقصود به نذر التصدّق به عيناً أو قيمةً وقلنا إنّ النذر المطلق لا يقتضي التعجيل كما هو الأقوى فلا إشكال في انعقاده مطلقاً ؛ إذ لا مخالفة فيه للقواعد أصلاً.

( الرابع :) في ( اللواحق )

( وهي مسائل :).

( الاولى : لو نذر أن يصوم يوماً معيّناً فاتّفق له ) فيه ( السفر ) الشرعي الذي يجب فيه القصر ( أفطر ) ذلك اليوم ( وقضاه ، وكذا لو مرض ، أو حاضت المرأة أو نفست ).

بلا خلاف في وجوب الإفطار في الجميع ، إلاّ من المفيد في أحد‌

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ٣٥٦ ، المفاتيح ٢ : ٣٧.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٢١٣.

٢٢٩

قوليه (١) والمرتضى في الأوّل (٢) ، فلم يجوّزاه ، إمّا لاختصاص الصوم الممنوع منه في السفر برمضان كما عليه الأوّل ، أو استثناء المقام منه.

وهما شاذّان ، وبالمعتبرة المستفيضة عموماً وخصوصاً المعتضدة بفتوى الأصحاب كافّةً عداهما محجوجان.

منها : الصحيح : « ليس من البرّ الصيام في السفر » (٣).

والموثق : عن امرأة جعلت عليها نذراً إن ردّ الله عليها بعض ولدها من شي‌ء كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرةً إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر ، أتصوم أم تفطر؟ قال : « لا تصوم ، وضع الله عزّ وجلّ عنها حقّه وتصوم هي ما جعلت على نفسها » قلت : فما ترى إذا رجعت إلى المنزل أتقضيه؟ قال : « لا » قلت : أفتترك ذلك؟ قال : « لا ، إنّي أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره » (٤).

وتمام التحقيق في المقام وبيان ما دلّ على الحكم في الثلاثة الأخيرة يطلب من كتاب الصوم.

وكذا في وجوب القضاء في ظاهر العبارة والمختلف والمسالك (٥) ، حيث لم يجعلوه محل الخلاف وقطعوا به من غير إشكال ، وجعله السيّد في‌

__________________

(١) المقنعة : ٣٦٢.

(٢) قال في جمل العلم والعمل : ٩٢ : والصوم الواجب مع السفر صوم ثلاثة أيام لدم المتعة من جملة العشرة ، وصوم النذر إذا علّق بسفر وحضر.

(٣) المقنع : ٦٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٨.

(٤) الكافي ٤ : ١٤٣ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٣٤ / ٦٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠١ / ٣٢٩ ، الوسائل ١٠ : ١٩٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٣.

(٥) المختلف : ٢٣٣ ، المسالك ٢ : ٢٠٩.

٢٣٠

الشرح مقطوعاً به بين الأصحاب (١) ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، كما صرّح به في الخلاف في المرض (٢) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى النصوص.

منها الصحيح : رجل نذر أن يصوم يوماً معيناً من الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر ، أو أضحى ، أو يوم جمعة ، أو أيّام التشريق ، أو سفر ، أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ، أو كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب عليه‌السلام : « قد وضع الله تعالى الصيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله » (٣).

ونحوه رواية أُخرى في سندها جهالة (٤).

ونحوها ثالثة في قصور السند بالجهالة : عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً ، فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يخرج ولا يصوم في الطريق ، فإذا رجع قضى ذلك » (٥).

وقصورهما بالجهالة كالأوّلين بالإضمار والمكاتبة مجبور بعمل الطائفة ، مع أنّه لا قدح بالأخيرين في مثل الخبرين في الحجية ، كما برهن في محلّه.

وكذا تضمّن الرواية الأُولى سقوط الصوم يوم الجمعة ، المخالف لما‌

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ٣٥٨.

(٢) الخلاف ٦ : ١٩٨.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥٦ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٣٠٥ / ١١٣٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣١٠ أبواب النذر والعهد ب ١٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٣٤ / ٦٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠١ / ٣٢٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٢.

(٥) الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣٣ / ١٠٤٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٥.

٢٣١

عليه الأصحاب كافّةً غير قادح ؛ إذ ليست إلاّ كالعامّ المخصّص ، وهو في الباقي حجة ، مع أنّ نسخة الكافي المرويّة هذه الرواية عنها كذلك في التهذيب عن هذه الزيادة خالية.

فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه وإن اختصّت الروايات الثلاث بمن عدا الحائض والنفساء ، وعارضتها في النذر الموثقة المتقدمة المصرّحة بعدم لزوم القضاء بعد أن سئل عنه ؛ لسهولة الذبّ عن الأوّل بعدم القائل بالفصل ، وعن الثاني بعدم التكافؤ في الموثّق من حيث السند والعمل والعدد ، مع خلوّ نسخة الكافي المروية فيه في هذا الكتاب عن ذلك سؤالاً وجواباً.

وأمّا التردّد في الروايات بحسب الدلالة كما في الكفاية ـ (١) فوجهه غير واضح ، إلاّ على تقدير عدم رجوع الجمل الخبرية إلى الإنشائية ، أو عدم إفادة الأمر الوجوب في عرف الأئمّة عليهم‌السلام. وهما بمحلّ من الضعف والشذوذ ، كما برهن عليهما مستقصًى في الأُصول.

( ولو شرط صومه ) أي اليوم المنذور ( سفراً ) أو سفراً ( وحضراً صام ) وجوباً مطلقاً ( وإن اتّفق في السفر ) بلا خلافٍ (٢) يظهر إلاّ من الماتن في كتاب الصوم من هذا الكتاب والمعتبر ، حيث نسبه إلى الأشهر (٣) ، واستضعف ما دلّ عليه من الخبر : نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٢٩.

(٢) في نسخة « ر » و « ح » زيادة : كما في السرائر ، ولعلّه كذلك ، إذ لا يظهر إلاّ .. السرائر ٣ : ٦٠.

(٣) المختصر النافع : ٦٨ ، المعتبر ٢ : ٦٨٤ ؛ نسبه فيهما إلى الشهرة.

٢٣٢

« لا تتركه إلاّ من علّة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلاّ أن تكون نويت ذلك » (١) الحديث.

وفيه نظر ؛ لصحّة السند ، وعدم ضعف بالكتابة والإضمار كما مرّ ، مع أنّه على تقديره فهو بالعمل قد انجبر ، فلا بأس بالعمل به وإن اشتمل على ما لم يقل به أحد من مساواة المرض للسفر في وجوب الصوم ولو معهما إذا كان كذلك قد قصد. وإن هو حينئذٍ إلاّ كالعامّ المخصّص الذي هو حجّة في الباقي.

نعم ، ربما يشكل فيه باستفاضة النصوص بالنهي عن الصوم في السفر بقول مطلق ، فيكون نذره كذلك نذراً في معصية فلا ينعقد ؛ لاستفاضة النص واتّفاق الفتاوى بذلك جدّاً.

اللهم إلاّ أن يذبّ عن ذلك بتخصيص النهي بغير النذر المعيّن بالنص ، فليس نذره نذراً في معصية ، فتدبّر.

ولا ريب أنّ الأحوط عدم إيقاع النذر على هذا الوجه.

( ولو اتّفق ) اليوم الذي نذر صومه ( يوم عيد ، أفطر ) إجماعاً ، كما في ظاهر العبارة وصريح الشرائع (٢) وجماعة (٣). والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحيح ونحوه المتقدّمان قبيل المسألة.

( وفي ) وجوب ( القضاء تردّد ) واختلاف ، فبين من قال به ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٨٩ ، الإستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣١ ، الوسائل ١٠ : ١٩٥ أبواب من يصح من الصوم ب ١٠ ح ١.

(٢) الشرائع ٣ : ١٨٨.

(٣) منهم : العلاّمة في المختلف : ٦٥٨ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٦٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٩.

٢٣٣

كالصدوق والشيخ في النهاية وموضع من المبسوط وابن حمزة (١) ؛ لورود الأمر في تلك الروايتين المتقدّمتين. ومن قال بالعدم ، كالشيخ في موضع آخر من المبسوط والقاضي والحلبي والحلّي والماتن في الشرائع والفاضل في المختلف (٢) ، ونسبه في الكفاية إلى الشهرة (٣) ؛ لقصور الروايتين سنداً بالضعف والمكاتبة ، ودلالةً بمنافاة وجوب القضاء لتعليقه بالمشيّة بـ « إن » المختصّة بالمحتمل لا المتحقّق ، فلتُحملا على الاستحباب.

وفيه نظر ؛ لانجبار قصور الأوّل بما مرّ ، والثاني بأنّ الظاهر كون هذا التعليق للتبّرك لا للشك ، مع أنّ المندوب مساوٍ للواجب في المشيّة ، ولذا استدلّوا بهما على ما اتّفقوا عليه ممّا مرّ ، مع وحدة الجواب المتضمّن للمحذور عنه وعن محل الفرض. فإذاً القول الأوّل أظهر مع أنّه أحوط.

( ولو عجز عن صومه أصلا ) بعذر لا يكاد يرجى زواله مطلقاً ( قيل ) كما عن الأكثر (٤) : أنّه ( سقط ) عنه صومه ولا كفّارة عليه ؛ للأصل ، وما مرّ في مسألة تجدّد العجز من الرواية المعتبرة الدالّة على أنّ « من جعل لله شيئاً فبلغ جهده فليس عليه شي‌ء » (٥).

( و ) لكن ( في رواية ) بل روايات عديدة ( أنّه يتصدّق عنه ) أي عن اليوم المنذور ( بمدّ ) من حنطة أو تمر ، ما في الصحيح (٦) ، أو شعير‌

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ١٣٧ ، النهاية : ٥٦٥ ، المبسوط ١ : ٢٨١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٠.

(٢) المبسوط ١ : ٢٨٢ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤١١ ، الحلبي في الكافي : ١٨٥ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٦٠ ، الشرائع ٣ : ١٨٨ ، المختلف : ٦٥٨.

(٣) الكفاية : ٢٢٩.

(٤) قال به السبزواري في الكفاية : ٢٢٩.

(٥) راجع ص ٢١٩.

(٦) الفقيه ٢ : ٩٩ / ٤٤٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٩٠ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٥ ذيل حديث ٣.

٢٣٤

بدل تمر كما في الخبر (١). ونحوهما خبر آخر لكن اقتصر فيه على الحنطة خاصّة (٢).

وقصور سند أكثرها ، وعدم مقاومتها أجمع لما مرّ من الأصل والخبر المنجبر به وبمن في سنده وعمل الأكثر ، مع صراحته في نفي الوجوب دونها لظهورها فيه ، أوجب حملها على الاستحباب ، سيّما مع شذوذها وعدم قائل بها ولا مائل إليها عدا الشهيد (٣) كما حكي عنه والسيّد في الشرح ، حيث إنّ ظاهره ذلك (٤) ، لصحّة سند بعضها وخلوّها بزعمه عن المعارض أصلاً ، وكأنّه غفل عن الخبر الذي قدّمناه. وظاهر العبارة ما ذكرنا من عدم وجود قائل بها.

نعم ، مرّ في بحث الكفّارة فتوى الماتن والشيخ في النهاية بوجوب هذه الصدقة لكن بمدّين (٥). والروايات كما ترى خالية عن ذكرهما ؛ لاقتصارها على المدّ الواحد ، فتكون شاذّة ، كالصحيح الدالّ على أنّ كلّ من عجز عن نذر نذره فكفّارته كفارة يمين (٦) ، والخبر الدالّ على التصدّق بالمدّين على من يصوم عنه (٧) ؛ لخلوّ فتواهما عن القيد الأخير فيه ، فلا يمكن أن يجعل مستنداً لهما.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٣ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٣٨٩ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٥ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٤ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٩٠ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٥ ح ٣.

(٣) الدروس ١ : ٢٩٤.

(٤) نهاية المرام ٢ : ٣٦١.

(٥) راجع ج ١٢ ص ٤٤١.

(٦) الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٧ ، التهذيب ٨ : ٣٠٦ / ١١٣٧ ، الإستبصار ٤ : ٥٥ / ١٩٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٣ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ٥.

(٧) الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٥ ، الفقيه ٣ : ٢٣٥ / ١١١١ ، التهذيب ٨ : ٣٠٦ / ١١٣٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣١٢ أبواب النذر والعهد ب ١٢ ح ١.

٢٣٥

فإذاً القول بالاستحباب أقوى.

ويعضده اعتضاداً تامّاً زيادةً على ما مضى اختلاف هذه النصوص المتضمّنة للكفاّرة جدّاً ، فبين ما جعلت فيه كفارة يمين ، وما جعلت فيه صدقة بمدّ من طعام (١) ، وما جعلت فيه صدقة بمدّ من حنطة خاصّةً (٢) كما في بعضها ، أو وشعير أيضاً كما في بعضها (٣) ، أو وتمر كما في غيرهما (٤).

هذا مع عدم استقامة معنى للكفّارة الحقيقية هنا ؛ لأنّها لتكفير الذنب وستره ، ولا ذنب هنا أصلاً ، إذ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) ، هذا.

ولا ريب أنّ التصدّق بالمدّ بل المدّين أحوط وأولى.

الثانية : ( ما ) أي النذر الذي ( لم يعيّن بوقت يلزم الذمة مطلقاً ) ووقته تمام العمر لا يتضيّق إلاّ بظنّ الوفاة كسائر الواجبات الموسّعة ؛ لإطلاق الأمر.

( وما قيّد بوقت ) يمكن أداؤه فيه ( يلزم ) الإتيان به ( فيه ) عملاً بمقتضى النذر.

( ولو أخلّ بما لزمه ) في المسألتين ( لزمته الكفّارة ) المتقدّم بيانها في بحثها. ولا خلاف في شي‌ء من ذلك فتوًى وحجةً.

( و ) أمّا ( ما علّقه بشرط ولم يقرنه بزمان فـ ) ـ فيه ( قولان ، أحدهما : أنّه يتضيّق فعله عند ) حصول ( الشرط ) ونسبه جماعة (٥) إلى‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٩ / ١٠٢٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٩١ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٥ ح ٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٣٤ / ١١٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣١٢ أبواب النذر والعهد ب ١٢ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٩ / ٤٤٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٩٠ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٥ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٩٩ / ٤٤٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٩٠ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٥ ح ٣.

(٥) منهم : العلاّمة في المختلف : ٦٦٣ ، وابن فهد في المهذب البارع ٤ : ١٤٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٣٠ ، وهو في الوسيلة : ٣٥٠.

٢٣٦

ابن حمزة خاصّة ، والفاضل المقداد (١) إلى الشيخ وأتباعه. ولم أقف على من وافقه على هذه النسبة ، بل ظاهر الجماعة خلافها.

وكيف كان ، حجة هذا القول غير واضحة ، إلاّ على القول بإفادة الأمر الفوريّة أو لزومها بآيتي الاستباق والمسارعة. وهما ضعيفان غايته ، كما برهن عليه في محلّه.

( و ) القول ( الآخر :) أنّه ( لا يتضيّق ) بل هو كالنذر المطلق موسّع ؛ لما مرّ من إطلاق الأمر. ( و ) لذا كان ( هو أشبه ) وأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، بل يستفاد من المختلف التردّد من مخالفة ابن حمزة ، حيث احتمل إرادته من الفوريّة التي حكم بها فوريّة تعلّق الوجوب لا الأداء الراجعة إلى القول الأوّل (٢).

وهو غير بعيد عن عبارته المحكية فيه ، حيث نفى فيها وجوب الكفّارة بالإخلال بالفورية ، فقال بعد الحكم بالفورية ـ : فإن لم يفعل لم يلزمه الكفّارة إلاّ بموته. فتأمّل.

( الثالثة : من نذر الصدقة في مكان معيّن ، أو الصوم ، أو الصلاة ) فيه ( أو في وقت معيّن لزم ) المنذور بشخصه.

( ولو فعل ذلك في غيره أعاد ) مطلقاً أيّاً ما كان من هذه الثلاثة ، بلا خلاف أجده إلاّ من الشيخ (٣) وجماعة (٤) في الصوم في مكان معيّن ، فأوجبوا الصوم وأسقطوا القيد وخيّروه بينه وبين غيره ، نظراً منهم إلى أنّ‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٣ : ٥٢٥.

(٢) المختلف : ٦٦٣.

(٣) حكاه عنه في الشرائع ٣ : ١٨٩.

(٤) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ١٠٦ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٥٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٥٢٦.

٢٣٧

الصوم لا يحصل له بإيقاعه في مكان دون آخر صفة زائدة على كماله في نفسه ، فإذا نذر الصوم في مكان معيّن انعقد الصوم خاصّة لرجحانه ، دون الوصف ، لخلوّه عن المزيّة.

ويضعّف بعد تسليم خلوّ المكان عن المزيّة أنّ النذر لم يتعلّق بمطلق الصوم نطقاً ولا قصداً ، وإنّما تعلّق بالصوم المخصوص الواقع في المكان المعيّن ، فمتى قلنا بانعقاد نذره لم يحصل الامتثال بدون الإتيان به على ذلك الوجه ، وإلاّ لم يجب الوفاء به مطلقاً. أمّا صحّة النذر وجواز الإتيان بالمنذور في غير ذلك المكان فلا وجه له أصلاً.

هذا مع أنّه أخصّ من المدّعى ؛ لاختصاصه بالمكان الذي ليس له مزيّة أصلاً. وأمّا ذو المزيّة فلم يجر فيه هذا الدليل قطعاً ، ولذا إنّ جملة ممّن تبعه على التخيير قيّدوه بغير ذي المزيّة وحكموا فيه بلزومه ، مدّعياً بعضهم الإجماع عليه (١). لكن ظاهره تنزيل الخلاف حتى من الشيخ على غيره.

وكيف كان ، لا ريب في ضعفه مطلقاً ؛ لما مضى.

وحاصله : أنّ المنذور وإن كان مباحاً أو مرجوحاً بالخصوصية ، إلاّ أنّه من حيث كونه فرداً من المطلق الراجح عبادة بل المطلق لا وجود له إلاّ في ضمن فرد خاصّ فإذا تعلّق النذر به انحصرت الطاعة فيه ، كما تنحصر عند الإتيان بها في متعلّقاتها ، فلا يجزي غيرها.

مع أنّ فتح باب المنع في مثله يؤدّي إلى عدم تعيين شي‌ء بالنذر أصلاً ، وهو باطل اتّفاقاً ويوجب فساد ما حكموا به من غير خلاف يظهر.

بل ادّعى بعضهم الوفاق عليه من تعيّن الوقت للصلاة إذا عيّنه ، وكذا المكان‌

__________________

(١) كفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٥٩.

٢٣٨

في الصدقة ، وأنّه لو تعلّق بعبادة مخصوصة لا يجزي غيرها وإن كان أفضل منها ، ونحو ذلك. وليس ذلك إلاّ لبطلان العذر المتقدّم لعدم لزوم المكان المعيّن وإن زيد في تعيّن المكان في التصدّق بأنّه يرجع إلى تعيين أهله ، فهو في قوّة تعيين المتصدّق عليه.

ولكن فيه نظر ؛ لمنع التلازم ، لصدق الامتثال بالتصدّق به في المكان المعيّن على غير أهله ، فأين التلازم؟ إلاّ أن يدّعى دلالة عرف الناذر عليه.

( الرابعة : لو نذر إن برئ مريضة ، أو قدم مسافرة ، فبان البرء والقدوم قبل النذر لم يلزم ) (١) لأنّ الظاهر الإلزام بالمنذور إن حصل هذا الشرط بعد النذر ، فلا يجب بدونه.

ويشهد له الصحيح : عن رجل وقع على جارية له ، فارتفع حيضها وخاف أن تكون قد حملت ، فجعل لله تعالى عتق رقبة أو صوم أو صدقة إن هي حاضت ، وقد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين وهو لا يعلم ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٢).

ونحوه غيره (٣).

الخامسة : ( من نذر إن رزق ولداً حجّ به أو حجّ عنه ) انعقد نذره إجماعاً ؛ لأنّه طاعة مقدورة للناذر فينعقد ، وللحسنة الآتية.

ومقتضى هذه الصيغة على ما صرّح به جماعة (٤) تخيّر الناذر بين أن يحجّ بالولد ، وبين أن يستنيب من يحجّ عنه. فإن اختار الثاني نوى‌

__________________

(١) في المعتبر المطبوع زيادة : ولو كان بعده لزم.

(٢) التهذيب ٨ : ٣١٣ / ١١٦٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٠٢ أبواب النذر والعهد ب ٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥٥ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٣٠٣ / ١١٢٧ ، الوسائل ٢٣ : ٣٠١ أبواب النذر والعهد ب ٥ ح ١.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٠٧ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣٦٢.

٢٣٩

النائب الحجّ عن الولد ، عملاً بمقتضى النذر. وإن أحجّ الولد نوى عن نفسه إن كان مميّزاً ، وإلاّ أجزأ الوالد إيقاع صورة الحج به ، كما لو صحبه في الحجّ تبرّعاً.

ولو أخّر الوالد الفعل إلى أن بلغ الولد فإن اختار الحجّ عنه لم يجزه عن حجّة الإسلام ، وإن أحجّه أجزأه عنها ، لأنّ ذلك بمنزلة الاستطاعة بالبذل المنذور.

( ثمّ ) لو ( مات ) الوالد قبل أن يفعل أحد الأمرين ( حجّ ) الوصي أو من في حكمه ( به أو ) استناب من يحجّ ( عنه من أصل التركة ) بغير خلاف يظهر ، وبه صرّح بعض (١) ؛ لأنّه حق ماليّ تعلّق بتركته ، فيجب قضاؤه منها.

قيل (٢) : وللحسن القريب من الصحيح ، سيّما مع اشتمال سنده على الحسن بن محبوب ، المجمع على تصحيح رواياته. وفيه بعد السؤال عن مورد المسألة ـ : قال عليه‌السلام : « إنّ رجلاً نذر لله عزّ وجلّ في ابن له ، إن هو أدرك أن يحجّه أو يحجّ عنه ، فمات الأب ، وأدرك الغلام بعد ، فأتى رسول الله عليه وآله ذلك الغلام فسأله عن ذلك ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحجّ عنه ممّا ترك أبوه » (٣).

وفي الاستناد إليه لإثبات الحكم في محل الفرض إشكال لم أر من تنبه له ، وهو : أنّ المفروض حصول الشرط المعلّق عليه النذر حال حياته‌

__________________

(١) انظر نهاية المرام ٢ : ٣٦٢ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٣٧.

(٢) نهاية المرام ٢ : ٣٦٢.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥٩ / ٢٥ ، التهذيب ٨ : ٣٠٧ / ١١٤٣ ، الوسائل ٢٣ : ٣١٦ أبواب النذر والعهد ب ١٦ ح ١.

٢٤٠