رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

١
٢

٣
٤

(الركن الثالث).

(في الطهارة الترابية) المسمّاة بالطهارة الاضطرارية ، في مقابلة الاختيارية التي هي الطهارة المائية.

وهي التيمم ، وهو لغة : مطلق القصد ، وشرعا : القصد إلى الصعيد لمسح الوجه والكفين على الوجه المخصوص. وشرعيته ثابتة بالكتاب (١) ، والسنة ، والإجماع من المسلمين كافة.

(والنظر) فيه يقع (في أمور أربعة)‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

٥
٦

(الأول :)

فيما هو (شرط) في صحة (التيمم) وإباحته ، ومجمله العجز عن استعمال الماء ، ويتحقق بأمور :‌ (عدم الماء) بأن لا يوجد مع طلبه على الوجه المعتبر ، إجماعا (١) ، للآية (٢) ، والنصوص المستفيضة منها الصحيح : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض » الخبر (٣). ونحوه الصحيحان (٤).

ولا فرق فيه بين عدمه أصلا ووجود ما لا يكفيه لطهارته مطلقا ، ولا يجب صرفه إلى بعض الأعضاء في الوضوء قطعا وإجماعا ، وفي الغسل كذلك أيضا ، بل نسبه في التذكرة والمنتهى (٥) إلى علمائنا.

خلافا لنهاية الإحكام فاحتمله (٦) ، ولعلّه لعموم : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٧) مع عدم المانع عنه من فوات الموالاة كما في الوضوء ، ولذا لا يحتمل ذلك فيه.

وهو حسن ، إلّا أنه خلاف ظواهر المستفيضة الواردة في مقام البيان ،

__________________

(١) ليست في « ش ».

(٢) المائدة : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٧.

(٤) الأول :

الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٣ ، المحاسن : ٣٧٢ / ١٣٢ ، الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١.

الثاني :

الكافي ٣ : ٦٣ / ٣ ، الوسائل ٣ : ٣٦٧ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٤.

(٥) التذكرة ١ : ٦١ ، المنتهى ١ : ١٣٣.

(٦) نهاية الإحكام ١ : ١٨٦.

(٧) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

٧

لعدم التعرض له بوجه بل ظاهرها الاكتفاء بالتيمم خاصة ، كالصحيح : في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به ، قال : « يتيمم ولا يتوضأ » (١) ونحوه آخر (٢).

كل ذا إذا كان مكلّفا بطهارة واحدة. ولو كان مكلّفا بطهارتين متعددتين كوضوء وغسل ـ كما في الأغسال عدا الجنابة على الأشهر الأظهر ـ وكفى الماء لإحداهما وجب استعماله فيها وفاقا لجماعة (٣). ووجهه واضح.

(أو عدم الوصلة إليه) مع وجوده ، إمّا للعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف قوة ، ولم يجد معاونا ولو بأجرة مقدورة ، أو لضيق الوقت بحيث لا يدرك منه معه بعد الطهارة ركعة على الأظهر الأشهر ، خلافا للمعتبر (٤) ، أو لكونه في بئر بعيد القعر يتعذر الوصول إليه بدون الآلة ، وهو عاجز عن تحصيلها ولو بعوض مقدور أو شق ثوب نفيس أو إعارة ، أو لكونه موجودا في محل يخاف من السعي إليه على نفس أو طرف أو مال محترمة أو بضع أو عرض أو ذهاب عقل ولو بمجرد الجبن.

لصدق فقد الماء مع جميع ذلك ، بناء على استلزام التكليف بتحصيل الماء في هذه الصور العسر والحرج المنفيين كالضرر المنفي عموما في الشريعة ، مضافا إلى المعتبرة في بعضها كالصحاح في فقد الآلة (٥) ، مضافا إلى الإجماع المحكي عن المنتهى فيه وفي خوف اللص والسباع وضياع المال (٦) ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠٥ / ١٢٧٢ ، الوسائل ٣ : ٣٨٧ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٦ ، الوسائل ٣ : ٣٨٧ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٣.

(٣) منهم الشهيد الأول في البيان : ٨٤ ، الكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٧٧ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١١٩.

(٤) المعتبر ١ : ٣٦٣.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٤٣ أبواب التيمم ب ٣.

(٦) المنتهى ١ : ١٣٧.

٨

وفي الخبر : عن الرجل لا يكون معه ماء ، والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحوهما ، قال : « لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع » (١).

(أو حصول مانع من استعماله كالبرد) الشديد الذي يشق تحمله (والمرض) الحاصل يخاف زيادته أو بطء برئه أو عسر علاجه ، أو المتوقع ، لاستلزام التكليف باستعمال الماء معهما العسر والحرج والضرر المنفيات بعموم الآيات والروايات ، مضافا إلى خصوص الآية هنا (٢) ، والأخبار المستفيضة منها الصحيحان : في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يخاف على نفسه البرد ، قال : « لا يغتسل ويتمم » (٣).

والصحيحان : عن الرجل يكون به القروح والجراحات فيجنب ، قال : « لا بأس بأن يتيمم ، ولا يغتسل » (٤).

ومقتضى الأولين جواز التيمم بالتألم بالبرد باستعمال الماء وإن لم يخش سوء العاقبة ، كما عن المنتهى ونهاية الإحكام والمبسوط والنهاية والإصباح وظاهر الكافي والغنية والمراسم والبيان والجامع (٥) فيه وفي التألم بالحرّ أو الرائحة أو المرض.

وهو حسن ، مضافا إلى عموم الأدلة المتقدمة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٥ / ٨ ، التهذيب ١ : ١٨٤ / ٥٢٨ ، الوسائل ٣ : ٣٤٢ أبواب التيمم ب ٢ ح ٢.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣١ ، و١٩٦ / ٥٦٦ ، الوسائل ٣ : ٣٤٧ أبواب التيمم ب ٥ ح ٧ ، ٨.

(٤) الفقيه ١ : ٥٨ / ٢١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٤٨ أبواب التيمم ب ٥ ح ١١.

والصحيح الثاني : الكافي ٣ : ٦٨ / ١ ، التهذيب ١ : ١٨٤ / ٥٣٠ ، الوسائل ٣ : ٣٤٧ أبواب التيمم ب ٥ ح ٥.

(٥) المنتهى ١ : ١٣٦ ، نهاية الإحكام ١ : ١٩٥ ، المبسوط ١ : ٣٠ ، نقله عن النهاية : ٤٦ ، والإصباح في كشف اللثام ١ : ١٤٢ ، الكافي في الفقه : ١٣٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، المراسم : ٥٣ ، البيان : ٨٤ ، الجامع للشرائع : ٤٥.

٩

وفي القواعد (١) : لا ، للأصل ، المخصّص بما مرّ ، وورود الخبر باغتسال مولانا الصادق عليه‌السلام في ليلة باردة وهو شديد الوجع (٢). وهو ضعيف ، كضعف ما دلّ على وجوب اغتسال المجنب نفسه على ما كان (٣).

(ولو لم يوجد) الماء (إلّا ابتياعا وجب ولو كثر الثمن) وزاد على المثل أضعافا ، إجماعا كما عن الخلاف (٤) ، وللمعتبرة منها الصحيح : عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة ، وهو لا يقدر على الماء ، فوجد قدر ما يتوضأ بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، يشترى ويتوضأ أو يتيمم؟ قال : « لا بل يشتري ، قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت ، وما يشتري بذلك مال كثير » (٥).

والمروي في تفسير العيّاشي مسندا إلى العبد الصالح أنه سأله إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو بألف وكم بلغ؟ قال : « ذلك على قدر جدته » (٦).

وفي شرح الإرشاد لفخر الإسلام : إنّ مولانا الصادق عليه‌السلام اشترى وضوءه بمائة دينار (٧). مضافا إلى أنه واجد للماء.

خلافا للإسكافي ، فنفي الوجوب مع غلاء الثمن ، لكن أوجب الإعادة إذا وجد الماء (٨) ، وهو محتمل نهاية الإحكام (٩) ، لأن بذل الزائد ضرر ، ولسقوط‌

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٢٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٨ / ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٢ / ٥٦٣ ، الوسائل ٣ : ٣٧٣ أبواب التيمم ب ١٧ ح ٣.

(٣) انظر الوسائل ٣ : ٣٧٣ أبواب التيمم ب ١٧.

(٤) الخلاف ١ : ١٦٥.

(٥) الكافي ٣ : ٧٤ / ١٧ ، الفقيه ١ : ٢٣ / ٧١ ، التهذيب ١ : ٤٠٦ / ١٢٧٦ ، الوسائل ٣ : ٣٨٩ أبواب التيمم ب ٢٦ ح ١.

(٦) تفسير العياشي ١ : ٢٤٤ / ١٤٦ ، الوسائل ٣ : ٣٨٩ أبواب التيمم ب ٢٦ ح ٢.

(٧) نقله عن شرح الإرشاد في كشف اللثام ١ : ١٤٣.

(٨) نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٦٩.

(٩) نهاية الإحكام ١ : ١٩٤.

١٠

السعي في طلبه للخوف على شي‌ء من ماله. وهو اجتهاد في مقابلة النص المعتضد بفتوى الأصحاب والإجماع المحكي ، مع صدق وجدان الماء حقيقة.

(وقيل) والقائل المشهور : إنما يجب (ما لم يضرّ به في الحال) حال المكلّف ، أو زمان الحال في مقابلة الاستقبال. والأوّل أوفق بأدلة هذا الشرط من نفي الضرر والعسر والحرج ، بناء على كون مثله ضررا مطلقا.

(وهو) أي اشتراط هذا الشرط (أشبه) وأشهر. بل عن المعتبر أنه مذهب فضلاء الأصحاب (١). وعن المنتهى أنه لو احتاج إلى الثمن للنفقة لم يجب عليه الشراء قولا واحداً. وعنه أيضا : لو كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله سقط عنه وجوب الشراء ، ولا نعرف فيه مخالفا (٢).

وظاهرهما دعوى الإجماع على عدم الوجوب مع الإجحاف مطلقا ، وهو مع عموم الأدلة المتقدمة كاف في تقييد المعتبرة المزبورة ، مع عدم تبادر صورة الإجحاف منها ، فتأمل.

ثمَّ إن الفارق بين وجوب بذل المال الكثير في تحصيل الماء وابتياعه ، ووجوب حفظه وإن قلّ عن نحو اللص ، هو الإجماع والصحيح ومفهوم آية المقام الموجب للأوّل. والخبر المتقدم كالإجماع الذي مرّ (٣) وعموم نفي العسر والحرج والضرر الموجب للثاني.

وبالجملة : الأدلة هي الفارقة بين الأمرين ، لا أنّ الحاصل بالثاني العوض على الغاصب وهو منقطع ، وفي الأول الثواب وهو دائم ، لتحقق الثواب‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٧٠.

(٢) المنتهى ١ : ١٣٣.

(٣) راجع ص : ٤.

١١

فيهما مع بذلهما اختيارا طلبا للعبادة لو أبيح ذلك ، بل قد يجتمع في الثاني العوض والثواب ، بخلاف الأول.

(ولو كان معه ماء وخاف العطش) باستعماله على نفسه أو رفقته ممّن يتضرر بمفارقته مطلقا ولو كان كافرا ، أو لم يتضرر بها ولكن له نفس محترمة ، أو حيوان يتضرر بإتلافه ولو يسيرا قطعا ، وبدونه على إشكال (تيمّم إن لم يكن فيه سعة عن قدر الضرورة) تفي للطهارة ، إجماعا كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة (١) ، للمعتبرة المستفيضة ، منها الصحاح ، أحدها : في الرجل أصابته جنابة في السفر ، وليس معه إلّا ماء قليل يخاف إن هو اغتسل أن يعطش ، قال : « إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة وليتيمم بالصعيد ، فإنّ الصعيد أحبّ إليّ » (٢).

ولا فرق في العطش بين الحال والمتوقع في زمان يخاف فيه عدم حصول الماء ، لإطلاقها ، وعموم الأدلة النافية للضرر (٣) وإلقاء النفس في التهلكة (٤).

(وكذا) يجب التيمم (لو كان على جسده) أو ثوبه الذي يتم فيه الصلاة (نجاسة) غير معفوّ عنها (ومعه ماء يكفي لإزالتها) وعليه الإجماع كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة (٥). وهو الحجة ، لا ما قيل من أن الطهارة عن الحدث له بدل ، دون الطهارة عن الخبث (٦) ، لتوقف البدلية على فقد الماء وهو موجود كما هو فرض المسألة ، فترجيح إزالة الخبث على إزالة الحدث محل‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٦٧ ، المنتهى ١ : ١٣٤ ، التذكرة ١ : ٥٩ ، ٦١.

(٢) الكافي ٣ : ٦٥ / ١ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٧ ، الوسائل ٣ : ٣٨٨ أبواب التيمم ب ٢٥ ح ١.

(٣) غوالي اللئالي ١ : ٣٨٣ / ١١.

(٤) البقرة : ١٩٥.

(٥) المعتبر ١ : ٣٧١ ، المنتهى ١ : ١٥٣ ، التذكرة ١ : ٦١.

(٦) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٤٣.

١٢

مناقشة. وتعارض موجبهما كتعارض العمومين من وجه ، فلا بدّ من الترجيح.

ولو لا الإجماع المحكي لكان للتوقف مجال ، ومعه فلا إشكال في وجوب التيمم في هذه الصورة (أو) صورة وجدان الماء (للوضوء) خاصة مع وجوبه مع الغسل عليه فإنه يتوضأ ، ويتيمم بدلا عن الغسل كما مرّ.

(وكذا) مرّ (١) أن (من معه ماء لا يكفيه لطهارته) مطلقا (يتيمم) في الوضوء قطعا وإجماعا ، وفي الغسل كذلك على الظاهر ، بل حكي عليه الإجماع صريحا كما مرّ.

(وإذا لم يوجد للميت) اللازم تغسيله (ماء يمّم كالحي العاجز) عن استعماله ، وكذا إذا وجد الماء ولكن خيف من استعماله تناثر لحمه كما مرّ أدلته في بحثه.

__________________

(١) في ص ٢.

١٣

(الثاني :)

(في) بيان (ما يتيمم به ، وهو التراب الخالص دون ما سواه) عند الحلبيين والمرتضى والإسكافي (١) ، فلم يجوّزوا التيمم بغيره مطلقا ، وهو ظاهر من منع عن استعمال الحجر حالة الاختيار كالنهاية والمقنعة والسرائر والوسيلة والمراسم والجامع (٢) ، بل هو مذهب الأكثر كما يوجد في كلام جماعة (٣).

وهو نص كثير من أهل اللغة ، كالصحاح والمجمل والمفصّل والمقاييس (٤) ، والديوان وشمس العلوم ونظام الغريب والزينة لأبي حاتم ، وحكي عن الأصمعي وأبي عبيدة (٥). وربما ظهر من القاموس وصاحب الكنز الميل إليه (٦) ، لتقديمهما تفسير الصعيد به على التفسير بمجرد الأرض ، فتأمل.

وهو ظاهر الآية ، بناء على ظهور عود الضمير المجرور بمن إلى الصعيد (٧). ولا ينافيه إرجاعه في الصحيح إلى التيمم (٨) ، لظهور أنّ المراد به ما يتيمم به فله أيضا ظهور في ذلك ، كالصحيح : « إذا لم يجد الرجل طهورا‌ً

__________________

(١) أبو الصلاح في الكافي : ١٣٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢ ، حكاه عن المرتضى في المعتبر ١ : ٣٧٢ ، نقله عن الإسكافي في المختلف : ٤٨.

(٢) النهاية : ٤٩ ، المقنعة : ٦٠ ، السرائر ١ : ١٣٧ ، الوسيلة : ٧١ ، المراسم : ٥٣ ، الجامع للشرائع : ٤٧.

(٣) لم نعثر عليه إلّا في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ، وهو مخطوط.

(٤) الصحاح ٢ : ٤٩٨ ، مجمل اللغة ٣ : ٢٢٦ ، حكاه عن المفصّل في كشف اللثام ١ : ١٤٤ ، معجم مقاييس اللغة ٣ : ٢٨٧.

(٥) حكاه عن الأصمعي في معجم مقاييس اللغة ٣ : ٢٨٧ ، وعن أبي عبيدة في الجمهرة ٢ : ٦٥٤.

(٦) القاموس المحيط ١ : ٣١٨.

(٧) ( .. فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ). المائدة : ٦.

(٨) الكافي ٣ : ٣٠ / ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ / ٢١٢ ، التهذيب ١ : ٦١ / ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٦٢ / ١٨٦ ، الوسائل ٣ : ٣٦٤ أبواب التيمم ب ١٣ ح ١.

١٤

فليمسح من الأرض » (١) لظهور تبعيضية الجار.

وهو ظاهر أخبار اشتراط العلوق وغيرها ممّا فيه ذكر التراب كالصحيح : « إنّ الله عزّ وجلّ جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٢).

والصحيح : « إذا كانت ظاهر الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر إلى أجف موضع تجده فتيمم » (٣).

ونحوه الصحيح الآخر (٤).

وفي الخبر : عن الرجل لا يصيب الماء والتراب أيتيمم بالطين؟ قال : « نعم » (٥). وفي آخر : « إنّ ربّ الماء ربّ التراب » (٦).

ولا يعارضها الأخبار المعلّقة فيها التيمم على الأرض كالصحيح : « إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض » (٧).

والصحيح : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (٨).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٣٦٨ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٦٦ / ٣ ، الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٤ ، الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ / ٥٣٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمم ب ٩ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٦٦ / ٤ ، الوسائل ٣ : ٣٥٦ أبواب التيمم ب ٩ ح ١٠.

(٥) التهذيب ١ : ١٩٠ / ٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمم ب ٩ ح ٦.

(٦) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢٠ ، التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٤ الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٤ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٣.

(٧) الكافي ٣ : ٦٤ / ٧ ، الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٣ ، التهذيب ١ : ١٨٤ / ٥٢٧ ، المحاسن : ٣٧٢ / ١٣٣ بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٣٤٣ أبواب التيمم ب ٣ ح ١ ، ٤.

(٨) الكافي ٣ : ٦٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٣ / ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ / ٥٧٣ ، الوسائل ٣ : ٣٨٤ أبواب التيمم ب ٢٢ ح ١.

١٥

إذ غايتها الإطلاق المنصرف إلى التراب ، لا إلى الحجر ونحوه ، لندرته.

ونحو هذا الجواب يجري في كلام كثير ممّن فسّر الصعيد بوجه الأرض ، كالعين والمحيط والأساس والمفردات للراغب (١) والسامي والخلاص ، والزجاج مع دعواه عدم الخلاف بين أهل اللغة في ذلك (٢). وهذه الدعوى مؤيدة له ، إذ لو حمل مراده على مطلق وجه الأرض ولو خلي عن التراب لكان مخالفا لكثير من اللغويين كما عرفت ، ويبعد غاية البعد عدم وقوفه على كلامهم ، أو عدم اعتباره لهم ، فسقط حجج أكثر المتأخرين على أنه وجه الأرض مطلقا.

هذا مضافا إلى أنه بعد تسليم عدم رجحان ما ذكرنا فلا أقلّ من المساواة لما ذكروه ، وهو يوجب التردد والشبهة في معنى الصعيد ، وتوقيفية العبادة ووجوب الاقتصار فيها على ما يحصل به البراءة اليقينية يقتضي المصير إلى الأوّل بالضرورة ، ورجحان ما ذكروه عليه بعد ما تقرر فاسد بالبديهة.

نعم : سيأتي ما يؤيد مختارهم من الأخبار المنجبر قصورها بالشهرة العظيمة بينهم ، حتى أنه ادعى الطبرسي في المجمع الإجماع عليه في جواز التيمم بالحجر (٣). ولا يخلو عن قوة. ويحمل أخبار التراب على الغالب بعين ما حمل عليه أخبار الأرض ، مضافا إلى عدم استفادة المنع عن غيره منها ، فتأمل.

ويؤيده حكاية الإجماع في المختلف على جواز التيمم بالحجر عند الاضطرار (٤) ، ولو لا دخوله في الصعيد لكان هو وغيره ممّا لا يجوز التيمم به‌

__________________

(١) العين ١ : ٢٩٠ ، نقله عن محيط اللغة في كشف اللثام ١ : ١٤٤ ، أساس البلاغة : ٢٥٤ ، مفردات ألفاظ القرآن : ٢٨٠.

(٢) نقله عن الزجّاج في معجم مقاييس اللغة ٣ : ٢٨٧.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٥٢.

(٤) المختلف : ٤٨.

١٦

سواءً.

لكن الأحوط عدم الاكتفاء بأمثال هذه الظنون في مقام تحصيل البراءة اليقينية.

وأمّا ما يقال ـ بناء على ترجيح التفسير بالتراب ـ في توجيه جواز التيمم بالحجر بأنه تراب اكتسب رطوبة لزجة وعملت فيه الحرارة فأفادته استمساكا (١).

فبعد تسليم صدق التراب على نحوه مدفوع بعدم تبادره من إطلاق التراب حيث ما يوجد. مع أنّ مقتضى أخبار العلوق اعتبار التراب بالمعنى المتبادر دون نحو الحجر ، لعدم علوق فيه.

مضافا إلى جريان نحو هذا التوجيه في المعادن ولم يقولوا بجواز التيمم به معلّلين العدم بالخروج عن اسم الأرض فضلا عن التراب. وشهادة العرف بالخروج عن الترابية هنا جارية في نحو الأحجار ، وإنكاره مكابرة.

وكيف كان : فلا خلاف في المنع عن التيمم بغير الأرض (من) الأشياء (المنسحقة) الخارجة عن الاسم (كالأشنان والدقيق) بل حكى عليه الإجماع منّا جماعة (٢).

وليس في الخبر : عن الدقيق يتوضأ به؟ فقال : « لا بأس بأن يتوضأ به وينتفع به » (٣) ـ مع قصور سنده ـ دلالة على الجواز بالأخير ، لقوة احتمال التوضؤ فيه التنظيف والتطهير من الدرن ، كما صرّح به الشيخ (٤).

__________________

(١) انظر الروضة البهية ١ : ١٥٤.

(٢) منهم العلامة في المنتهى ١ : ١٤٢ ، وصاحب المدارك ٢ : ٢٠١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٤٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٨ / ٥٤١ ، الوسائل ٣ : ٣٥١ أبواب التيمم ب ٧ ح ٧.

(٤) انظر التهذيب ١ : ١٨٨ / ٥٤١ ، والاستبصار ١ : ١٥٥.

١٧

(والمعادن) كلّها (كالكحل والزرنيخ) وعليه الإجماع في المنتهى (١) ، لعدم صدق الأرض عليه.

خلافا للمعاني فجوّزه بها ، معلّلا بخروجها منها (٢).

وهو ضعيف ، إذ المعتبر صدق الاسم لا الخروج من المسمى. ولا دليل على اعتباره مطلقا سوى مفهوم الخبر المعلّل منع التيمم بالرماد بأنه لا يخرج من الأرض (٣). ونحوه المروي في نوادر الراوندي بسنده فيه عن علي عليه‌السلام مثله (٤).

وهما مع قصور سندهما وعدم جابر لهما في المقام يمكن أن يراد بالخروج فيها الخروج الخاص الذي يصدق معه الاسم لا مطلقا ، كيف لا؟! والرماد خارج عنها بهذا المعنى قطعاً.

ويدل على العدم في الرماد ـ مضافا إلى الخبرين ـ الإجماع المحكي في المنتهى (٥). ومورده كالخبر رماد الشجر. وفي إلحاق رماد الأرض به تردد ، أقربه اعتبار الاسم فيه وفي العدم كما عن الفاضل في التذكرة (٦). وعنه في النهاية إطلاق الإلحاق (٧). وفيه نظر.

(ولا بأس) بالتيمم (بأرض النورة والجصّ) قبل الإحراق على الأشهر الأظهر ، لصدق الاسم ، وفحوى الخبرين.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٤١.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ٢٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٧ / ٥٣٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٢ أبواب التيمم ب ٨ ح ١.

(٤) نوادر الراوندي : ٥٠ ، المستدرك ٢ : ٥٣٣ أبواب التيمم ب ٦ ح ٢.

(٥) المنتهى ١ : ١٤٢.

(٦) التذكرة ١ : ٦٢.

(٧) نهاية الإحكام ١ : ١٩٩.

١٨

خلافا للحلّي فأطلق المنع عنهما ، للمعدنية (١). وفيه منع.

وللطوسي فخصّ الجواز بالاضطرار دون الاختيار (٢) ، ولعلّه للاحتياط.

وهو حسن إلّا أنه ليس بدليل.

وأمّا بعده فعن مصباح السّيد والمراسم والمعتبر والتذكرة والذكرى : الجواز (٣) ، لصدق الاسم. وفيه شك. واستصحاب الجواز والبقاء على الأرضية معارض بأصالة بقاء شغل الذمة اليقيني ، وبعد التعارض يبقى الأوامر عن المعارض سليمة ، فتأمل.

والخبران وإن دلّا على الجواز إلّا أن ضعفهما هنا غير مجبور ، فلذا عن الأكثر كالمبسوط والسرائر والإصباح ونهاية الإحكام والتلخيص : المنع عنه (٤).

وعن المنتهى والمختلف : الإحالة على الاسم (٥). وهو الوجه إن اطمأن بصدقه.

كلّ ذلك على القول بكفاية مطلق وجه الأرض ، وإلّا فعلى القول باعتبار التراب فالبحث ساقط عن أصله.

(ويكره) التيمم (بالسبخة) وهي الأرض المالحة النشّاشة (والرمل) على الأشهر ، بل عليه الإجماع في المعتبر (٦) ، لصدق الاسم.

خلافا للإسكافي ، فأطلق المنع عن الأول (٧) ، ولعلّه لما في الجمهرة عن‌

__________________

(١) قال في السرائر ١ : ١٣٧ : ولا يجوز التيمم بجميع المعادن .. وقد أجاز قوم من أصحابنا التيمم بالنورة ، والصحيح الأول. انتهى.

(٢) راجع النهاية : ٤٩.

(٣) نقله عن المصباح في المعتبر ١ : ٣٧٥ ، المراسم : ٥٤ ، المعتبر ١ : ٣٧٥ ، التذكرة ١ : ٦٢ ، الذكرى : ٢١.

(٤) المبسوط ١ : ٣٢ ، السرائر ١ : ١٣٧ ، نقله عن الإصباح في كشف اللثام ١ : ١٤٤ ، نهاية الإحكام ١ : ١٩٩.

(٥) المنتهى ١ : ١٤٢ ، المختلف : ٤٨.

(٦) المعتبر ١ : ٣٧٤.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٤٨.

١٩

أبي عبيدة : أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخلطه سبخ ولا رمل (١) ، والصحيح : « لا تصلّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنه ممّا أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (٢) كذا قيل (٣). وفيه نظر ، إذ ليس فيه ذكر السبخة ، والرمل لا يقول بالمنع عنه ، والملح لا كلام في المنع فيه لمعدنيته.

وكيف كان : فالأحوط الترك حتى الرمل ، لهذا الخبر.

(وفي جواز التيمم بالحجر) الخالي عن التراب اختيارا (تردّد) منشؤه الاختلاف المتقدم في تفسير الصعيد. وهو في محلّه.

لكن روى الراوندي بسنده في نوادره عن علي عليه‌السلام قال : « يجوز التيمم بالجصّ والنورة ، ولا يجوز بالرماد ، لأنه لم يخرج من الأرض » فقيل له : أيتيمم بالصفا البالية على وجه الأرض؟ قال : « نعم » (٤).

وهو نص في إطلاق الجواز بالصفا الذي هو حجر ، وظاهر بحسب مفهوم التعليل ، خرج منه ما ظاهرهم الإجماع عليه كما مرّ وبقي الباقي.

ونحوه الخبر الآخر بحسب المفهوم والتصريح بجواز الجصّ والنورة (٥) وضعفهما هنا بالشهرة منجبر ، فالمصير إليه غير بعيد ، مضافا إلى الإجماع المتقدم (٦).

ويؤيده الموثق : عن رجل تمرّ به جنازة وهو على غير طهر ، قال : « يضرب‌

__________________

(١) جمهرة اللغة ٢ : ٦٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٢ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ / ١٢٣١ ، الوسائل ٥ : ٣٦٠ أبواب ما يسجد عليه ب ١٢ ح ١.

(٣) انظر كشف اللثام ١ : ١٤٤ ، الحدائق ٤ : ٣١٤.

(٤) تقدم مصادر الخبرين في ص ١٣.

(٥) تقدم مصادر الخبرين في ص ١٣.

(٦) وهو الإجماع المحكي عن الطبرسي ، راجع ص ١١.

٢٠