رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٣

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-275-X
الصفحات: ٥٠٣

يقضي دينه ، لأنّه عبده » (١).

ونحوه الثاني القريب من الصحيح (٢) ؛ لانجبار ضعف بعض رواته برواية ابن محبوب عنه ، وهو كالضعيف ممّن حكي على تصحيح ما يصحّ عنهم إجماع العصابة. وزيد فيه بعد الثلاثة : ولا حج ولا شهادة.

وهما شاذّان ، كالصحيح : في المكاتب يشترط عليه مولاه ألاّ يتزوج إلاّ بإذن منه حتى يؤدّي مكاتبته ، قال : « ينبغي له ألاّ يتزوج إلاّ بإذن منه فإنّ له شرطه » (٣) من حيث دلالته بمفهوم التعليل على أنّه لولا الشرط لجاز نكاحه.

ويمكن الذبّ عن شذوذ المعتبرين بصرف الشرط فيهما إلى عدم جواز التصرفات بالكلية إلى حين أداء جميع وجه الكتابة ، لا إلى أصل المنع عنها الشامل له ولو في الجملة.

ولا ريب فيهما حينئذ ؛ فإنّ الذي يمنع من التصرّفات بالكلية إلى أداء جميع مال الكتابة إنما هو المشروط خاصّة. وأمّا المطلق فلا يمنع عن التصرفات كذلك ؛ لجوازها في حقّه ولو على بعض الوجوه ، كما إذا أدّى بعض المكاتبة ، فإنّه تصح تصرفاته بنسبة الحرّية كما مضى إليه الإشارة.

وبالجملة : الشرط ليس شرطاً لأصل المنع فيرد الشذوذ ، بل شرط لكليّته إلى الأداء.

ولجماعة في الثاني ، فقيّدوا التصرفات الممنوعة بما ينافي الاكتساب‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٧٥ / ١٠٠١ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٨ أبواب المكاتبة ب ٦ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٨٦ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٦٨ / ٩٧٦ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٧ أبواب المكاتبة ب ٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٨٧ / ٩ ، الوسائل ٢٣ : ١٤٨ أبواب المكاتبة ب ٦ ح ٥.

١٠١

خاصّة ، ومنهم الشهيد الثاني في المسالك والروضة (١) ، حيث قيّد الهبة بما لا يستلزم عوضاً زائداً عن الموهوب ، قال : وإلاّ فلا منع ، للغبطة ، وفي صحّة العوض المساوي وجه ، إذ لا ضرر حينئذٍ ، كالبيع بثمن المثل والشراء به ، والعتق بما فيه ضرر ، قال : وله قبول هبة من ينعتق عليه مع عدم الضرر ، بأن يكون مكتسباً قدر مؤنته فصاعداً ، والإقراض بعدم الغبطة ، قال : فلو كانت في طريق خطر يكون الإقراض أغبط من بقاء المال ، أو خاف تلفه قبل دفعه إلى المولى ، أو بيعه أو نحو ذلك ، فالمتجه الصحّة. والبيع ، بنحو البيع نسية بغير رهن ولا ضمين موسراً ومحاباة أو بغبن ، قال : لا مطلق البيع ، فإنّ له التصرف بالبيع والشراء وغيرهما من أنواع التكسب التي لا خطر فيها ولا تبرّع.

ثم إنّه رحمه‌الله بعد التقييدات قال مشيراً إلى الأصحاب : ولكنّهم أطلقوا المنع فيما ذكر (٢).

وهو كما ترى مشعر بالوفاق على الإطلاق. فإن تمّ ، وإلاّ كما هو الظاهر ، وإلاّ لما خالفهم هو ولا غيره ممن تقدّم عليه وتأخّر عنه فالأجود التقييد بما ذكره ، لأنّ المكاتب وإن كان عبداً لا يجوز له التصرف بحال اتّفاقاً فتوًى ونصّاً ، ومنه الصحيح المتقدم المعلِّل للزوم أداء دينه على سيّده بأنّه عبدة (٣). إلاّ أن جوازه له حيث لم يوجد فيه قيود المنع ، ويجمعه ما لم يناف الاكتساب مستند إلى إذن المولى الناشئ من كتابته له ، بناءً على أن مقتضاها حصول العتق بالأداء ، ولا يمكن في الأغلب سيّما على المختار‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ١٥١ ، الروضة ٦ : ٣٦٣.

(٢) الروضة ٦ : ٣٦٤.

(٣) راجع ص ١٠٠.

١٠٢

من عدم مالكيته إلاّ بالتكسب ، فقد أذن له فيه بالالتزام ، وهو عامّ يشمل التصرفات المذكورة إذا لم تناف الاكتساب ، فتأمل.

مع أنّ فيه جمعاً بين عموم الصحيح الأوّل ، المانع له عن التصرفات غير المستثنى منه الشاملة للبيع والشراء ، وإطلاق الصحيح الثاني بجواز إهماله. بحمل الأول على محل القيد والثاني على غير محلّه.

ويمكن تنزيل إطلاق العبائر على هذا التفصيل بأن يقال : قولهم بعد المنع : ( إلاّ بإذن المولى ) يدلّ على اختصاص المنع بصورة عدم الإذن وارتفاعه في محله ، وهو يعمّ الصريح والضمني الشامل لما لا يتحقّق فيه قيد المنع ، فلا خلاف.

واعلم أن السند في الجواز مع الإذن بعد الأصل والإجماع على الظاهر أولويّة ثبوته للقنّ معه.

وحيث يعتق بإذنه فالولاء له إن عتق ، وإلاّ فللمولى.

ولو اشترى من ينعتق عليه لم يعتق عليه في الحال ، فإن عتق تبعه ، وإلاّ استرقّهما المولى.

ولو مات العتيق في زمن الكتابة وقف ميراثه توقّعاً لعتق المكاتب.

وحيث لا يأذن المولى فيما لا غبطة فيه ، ولم يبطله حتى عتق المكاتب نفذ ؛ لزوال المانع كالفضولي ، بل هو بالنفوذ أولى ، وربما دلّ عليه الصحيح الأوّل ، ولا قائل بالفصل.

وقيل (١) : يبطل من أصله ؛ لوقوعه على خير الوجه المشروع. وهو كما ترى ؛ فإنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد على الأشهر الأقوى.

__________________

(١) قاله في إيضاح الفوائد ٣ : ٦١١.

١٠٣

( و ) كما أنّه ليس للمكاتب التصرف في ماله بنحو ما مرّ ، كذا ( ليس للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء ) مطلقاً ، مشروطاً كان أو مطلقاً ، بلا خلاف ظاهراً.

قيل : لخروجه بالكتابة عن محض الرقّية (١) ، وانقطاع سلطنة المولى عنه ، ولذا امتنع من المولى بيعه وعتقه قبل فسخ الكتابة ، وجاز له معاملة المولى بالبيع والشراء إجماعاً.

وليس المراد بجواز التصرف بالاستيفاء جواز أخذه من المكاتب قهراً لأجل الاستيفاء مطلقاً ؛ لأنّ المكاتب كالمديون في تخيّره في جهة الوفاء ، وتعيين الدين في أعيان ما بيده موكول إليه. بل المراد جواز ذلك في الجملة ، وهو ما إذا كان مشروطاً وحلّ النجم فلم يؤدّه ، وكان بيده مال بقدره. وأما لو زاد فالتعيين موكول إليه أو إلى الحاكم حيث يمتنع عنه ، كما في كلّ ممتنع.

( ولا يحلّ له ) أي للمولى ( وطء ) أمته ( المكاتبة ) ولو برضاها مطلقاً ( لا بالملك ولا بالعقد ) إجماعاً ؛ لخروجها بالمكاتبة عن محض الرقّية المسوّغ لوطئها بملك اليمين ، وعدم صيرورتها حرّة يستباح بضعها بالعقد ، لأنّ المكاتب على مرتبة بين الرقّ والعتق.

هذا مضافاً إلى [ أنّ ] بعض المعتبرة المتقدم في زنا المولى بمكاتبته المطلقة ، الصريح في حرمة الوطء بالأول ، وإطلاق المعتبرين المتقدّمين (٢) ، الدالّين على أنّه لا يجوز للمكاتب عتق ولا هبة ولا نكاح ، ربما دلّ على المنع عن نكاحه ولو من المولى.

__________________

(١) قاله السبزواري في الكفاية : ٢٢٥.

(٢) في ص ١٠٠.

١٠٤

والمكاتب فيهما وإن كان بلفظ التذكير إلاّ أن الظاهر منه إرادة الجنس الشامل للمؤنث ، بناءً على اشتراكها مع المذكر في المنع عن الأُمور المزبورة في الخبرين عند الأصحاب ، فتأمل.

( ولو وطئها مكرها ) لها ( لزمه مهرها ) بلا خلاف ظاهر ؛ للقوي : في مكاتبة يطؤها مولاها فتحمل ، قال : « يردّ عليها مهر مثلها ، وتسعى في قيمتها ، فإن عجزت فهي من أمّهات الأولاد » (١).

وإطلاقه بل عمومه يشمل صورتي الإكراه وعدمه ، وبه صرّح الشهيدان (٢) ، قال ثانيهما : لأنها لم تستقلّ بملكه ليسقط ببغيها.

ومنه يظهر الوجه في تقييد العبارة لزوم المهر بالإكراه ، وجوابه ، مضافاً إلى عموم الخبر المخصّص لحديث : « لا مهر لبغيّ » (٣) على تقدير شموله لمحلّ الفرض.

وفي تكرّر المهر بتكرّر الوطء أوجه : ثالثها ذلك ، مع تخلّل الأداء بين الوطأين. ورابعها ذلك مع العلم بتعدّد الوطء ، وعدمه مع الشبهة المستمرّة.

ويضعّفهما والقول بالتكرّر على الإطلاق عموم القويّ السابق ، بل ظاهره الناشئ من ظهور السؤال في تكرّر الوطء ، حيث عبّر في الأخبار عنه ب : « يطأ » المفيد للتجدّد والاستمرار ، وظاهر الجواب ليس إلاّ ثبوت المهر الواحد.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٨٨ / ١٦ ، الفقيه ٣ : ٩٣ / ٣٥٠ ، التهذيب ٨ : ٢٦٩ / ٩٨١ ، الإستبصار ٤ : ٣٦ / ١٢٢ ، الوسائل ٢٣ : ١٥٨ أبواب المكاتبة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الأول في الدروس ٢ : ٢٥٠ ، والثاني في الروضة ٦ : ٣٦٦.

(٣) صحيح البخاري ٧ : ٧٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٧٥ / ١٢٧٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٦ ، وفيها ( نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي ) ...

١٠٥

( ولا ) يجوز لها أن ( تتزوّج إلاّ بإذنه ) بلا خلاف ؛ لإطلاق المعتبرين المتقدمين بناءً على التوجيه المتقدم.

مضافاً إلى استصحاب عدم الجواز قبل الكتابة ، وعدم المخرج عنه سوى عقدها ، ولا يتضمّن سوى الإذن في الاكتساب وليس منه التزويج. وعلى تقديره فيمنع عنه من وجه آخر وهو تعقّبه الضرر بالحمل ، المستلزم لاحتمال الفوت بالطلق. والكسب المرخّص فيه ليس سوى الذي لم يتعقّبه الضرر غالباً بالإجماع ، ولذا يمنع عن نحو البيع نسيئة والقراض.

ولو أذن لها في التزويج صحّ وملكت المهر.

والفرق بين تزويجها من غير المولى وتزويجها منه حيث اتّفقوا على الصحّة في الأول ، وعدمها في الثاني أنّ الملك له غير تام ، لتشبثّها بالحرّية ، والعقد كذلك غير تامّ ، لعدم استقلالها ، والبضع لا يتبعّض. أمّا الغير فلمّا كان الحق منحصراً فيهما ، وزوّجته نفسها بإذن المولى فقد أباحت نفسها بوجه واحد.

( ولو حملت بعد ) الكتابة ( كان حكم ولدها حكمها ) في رقّه برقّها وانعتاقه بعتقها ؛ لأنه كسبها فيتبع حرّيتها ورقيّتها كسائر اكتسابها.

وليس المراد سراية الكتابة إلى أولادها كالتدبير ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا (١) ، ودلّ عليه ما مضى من الأخبار المستفيضة في ميراث المكاتب ، الصريحة في تبعيّة الأولاد له في الانعتاق والرقّية ؛ وهي الحجّة في المسألة.

مضافاً إلى الإجماع الظاهر ، والحسن : « المكاتبة ما ولدت في‌

__________________

(١) منهم : فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٦٢٧ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣١٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٢٥.

١٠٦

مكاتبتها فهم بمنزلتها ، إن ماتت فعليهم ما بقي عليها إن شاؤوا ، فإذا أدوا عتقوا » (١).

والحكم فيه وفي العبارة وإن اختص بولد الأمة انّ ولد العبد كذلك ؛ لباقي الأدلّة.

ثم إنّ هذا ( إذا لم يكونوا ) أي الأولاد ( أحراراً ) وإلاّ لم يتبعوا أبويها في الرقّ حيث يعودان فيه قطعاً.

الثالثة : ( يجب على المولى إعانته ) مشروطاً كان أو مطلقاً ( من الزكاة ) إن وجبت عليه. ( ولو لم تكن ) واجبة عليه ( استحبّ له ) إعانته ( تبرّعاً ) وفاقاً للخلاف وكثير من المتأخرين (٢) ، وادّعى فيه على ذلك إجماع الفرقة وأخبارهم ؛ وهو الحجة في الوجوب ، والتخصيص بالمولى ، مضافاً إلى ظاهر الآية فيهما (٣) ، الناشئ عن كون الأمر حقيقة في الوجوب ولا ينافيه استعمال الأمر بالكتابة قبله في الاستحباب وظهور السياق في اختصاص الضمير المتعلّق به الأمر بالمولى ، فلا يعمّ من عداه.

وفي تخصيص المال بالزكاة وإن كانت الآية فيه مطلقة ، وتخصيص الآية بصورة وجوبها والاستحباب في غيرها تبرّعاً.

لكن في الخبر : عن قول الله عزّ وجلّ ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ) (٤) قال : « تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه ولا تزيد فوق ما في نفسك » فقلت : كم؟ فقال‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٦١ / ٩٥١ ، الإستبصار ٤ : ٣١ / ١٠٦ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٣ أبواب التدبير ب ٥ ح ٤.

(٢) الخلاف ٦ : ٣٩٧ ؛ وانظر الدروس ٢ : ٢٤٧ ، والروضة ٦ : ٣٥٧.

(٣ و ٤) النور : ٣٣.

١٠٧

« وضع أبو جعفر عليه‌السلام عن مملوك ألفاً من ستّة آلاف » (١).

وهو كما ترى مناف لما مرّ من حيث تفسيره المؤتى بوضع بعض النجوم. لكنه ضعيف بابن سنان في المشهور ، ومع ذلك كاد أن يلحق بالشواذّ ، لعدم مفتٍ بمضمونه بالخصوص ، فإنّ الأصحاب ما بين مفتٍ بما مرّ ، وحاكمٍ بالوجوب على المولى ، جاعلاً متعلّق الوجوب هو الحطّ عن مال الكتابة مع إتيانه شيئاً يستعين به على الأداء ، وجبت على المولى الزكاة أم لا ، كما عن المبسوط وجماعة (٢). ومخصّصٍ للحكم بغير المشروط العاجز عن توفية ثمنه ، مفصّلاً بين وجوب الزكاة على المولى ، فتجب عليه الإعانة منها وعدمه ، فعلى الأمام أن يفكّه من سهم الرقاب كما عليه الحلّي (٣). ونافٍ للوجوب من أصله ، حاكمٍ باستحباب الإعانة للسيد بدفعه إلى مكاتبته شيئاً من ماله من سهم الرقاب ، كما عن ابن حمزة والقاضي (٤).

وهذه الأقوال كما ترى ليس فيها ما يوافق مضمون الرواية عدا ما في المبسوط ؛ لتفسيره الإيتاء بالحطّ عن بعض النجوم كما فيها ، لكن زاد : ويؤتيه شيئاً يستعين به على الأداء. فتخالفا من هذه الجهة ، فلا يمكن المصير إليها بعد كونها بهذه المثابة لم يعلم قائل بمضمونها أصلاً.

نعم ، عن الإسكافي إنّه قال بعد ذكر الآية : ويحتمل أن يكون ذلك أمراً بأن يدفع إلى المكاتب من سهم الرقاب من الصدقات إن عجزوا ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٨٩ / ١٧ ، الفقيه ٣ : ٧٣ / ٢٥٦ ، التهذيب ٨ : ٢٧٠ / ٩٨٢ ، الوسائل ٢٣ : ١٥٣ أبواب المكاتبة ب ٩ ح ٢.

(٢) المبسوط ٦ : ٩٣ ؛ وانظر الكفاية : ٢٢٥.

(٣) السرائر ٣ : ٢٩.

(٤) الوسيلة : ٣٤٥ ، المهذّب ٢ : ٣٧٧.

١٠٨

ويحتمل أن يكون ندباً للسيد أن يضع عنه جزءاً من مكاتبته (١). واحتماله الأخير موافق للرواية إن حملت على الاستحباب.

( وأما الاستيلاد ) للإماء بملك اليمين ، المترتب عليه أحكام خاصة ، منها : بطلان كلّ تصرّف فيها ناقل للملك عنه إلى غيره ، غير مستلزم للعتق ، أو مستلزم للنقل كالرهن. ومنها : عتقها بموت المولى قبلها مع خلوّ ذمته عن ثمن رقبتها ، أو وفاء التركة وحياة الولد ، وغير ذلك.

( فهو يتحقق بعلوق أمته منه ) أي حملها منه ( في ملكه ) بما يكون مبدأ نشوء آدمي ولو مضغة ، لا بعلوق الزوجة الأمة ، ولا الموطوءة لشبهة وإن ولدته حرّا أو ملكهما بعد ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، بل عن ظاهر المبسوط (٢) الإجماع عليه في بعض الصور مع أحد الأمرين ؛ وهو الحجّة في الجملة.

مضافاً إلى الأصل مطلقاً ، المعتضد بالخبر المنجبر قصوره بعمل الأكثر : في رجل يتزوّج الأمة ويولدها ثم يملكها ولم تلد عنده بعد ، قال : « هي أمته ، إن شاء باعها ، ما لم يحدث بعد ذلك حمل ، وإن شاء أعتق » (٣).

خلافاً للشيخ وابن حمزة (٤) ، فأثبتا بذلك الاستيلاد ؛ نظراً إلى إطلاق النصوص الدالّة على حكمه بناءً على الوضع اللغوي.

ويضعّف أولاً : بعدم عموم في الإطلاق ، لانصرافه بحكم التبادر إلى‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٦٤١.

(٢) المبسوط ٦ : ١٨٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٨٢ / ١٩٤٠ ، الوسائل ٢٣ : ١٧٢ أبواب الاستيلاد ب ٤ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الخلاف ٦ : ٤٢٦ ، المبسوط ٦ : ١٨٦ ، الوسيلة : ٣٠٨.

١٠٩

التي علقت به في الملك لا في الأمرين.

وثانياً ، بعد تسليمه : بلزوم تقييده بما مرّ من الخبر المعتبر ولو بالعرض.

ولا بالنطفة ، وفاقاً للأكثر (١) ؛ للأصل ، وعدم تسميتها ولداً في العرف. وهو وإن جرى في نحو المضغة على تقدير تسليمه لكنه ملحق بالولد بالإجماع.

خلافاً للنهاية (٢) ، فألحقها به أيضاً ؛ نظراً منه إلى بناء الاستيلاد على التغليب ، ولذا يقيّد بالعلقة والمضغة. والنطفة بعد استقرارها واستعدادها للصورة الإنسانية يشبه العلقة في الجملة. وهو كما ترى.

ثم إنّ إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة كالنصوص ، وبه صرّح من الأصحاب جملة (٣) : أنه لا يشترط الوطء بل يكفي مطلق العلوق منه ، ولا حلّ الوطء.

ولا ريب فيه مع عروض التحريم كالصوم والحيض. وأمّا مع أصليّته بتزويجه الأمة من الغير مع العلم بالتحريم ، أو بالرضاع ، إذا قلنا بعدم العتق عند ملكها ، فقد قطع الشهيد الثاني بالعدم (٤) ؛ لتوجه الحدّ إليه ، فلا يلحق به النسب الذي هو مناط الاستيلاد. ومال إليه في الدروس (٥) ، خلافاً‌

__________________

(١) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ١٢٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٦١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢١٨.

(٢) النهاية : ٥٤٦.

(٣) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٣٧٠.

(٤) الروضة ٦ : ٣٧٠.

(٥) الدروس ٢ : ٢٢١.

١١٠

للمحكي فيه عن المبسوط (١) ، فجعله كالأوّل.

ويشترط مع ذلك الحكم بحريّة الولد ، فلا يحصل بوطء المكاتب أمته قبل الحكم بعتقه ، فلو عجز استرقّ المولى الجميع.

نعم ، لو عتق صارت أُمّ ولد ، وليس له بيعها قبل عجزه وعتقه ؛ لتشبثها بالحرّية.

ولا بوطء العبد أمته التي ملّكه إيّاها مولاه ، لو قلنا بملكه ( وهي مملوكة ) للأصل السالم عن المعارض ، فيجوز استخدامها ، ووطؤها بالملك ، وتزويجها ولو بغير رضاها ، وإجارتها ، وعتقها ، بلا خلاف ، ويستفاد من النصوص.

( لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّاً إلاّ في ثمن رقبتها إذا كان ديناً على المولى ، ولا جهة ) له ( لقضائه غيرها ) ميتاً كان مولاها أم حيّاً ، بلا خلاف في كلّ من المنع والجواز إلاّ من المرتضى (٢) في الأخير ، فمنعه على الإطلاق. ويدفعه بعد الإجماع في الظاهر الخبران :

أحدهما الصحيح : « أيّما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤدّ ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدّي عنه ، أُخذ ولدها منها وبيعت فأدّي عنها » قلت : فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟ قال : « لا » (٣).

وثانيهما : الخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر : عن أُم الولد تباع في الدين؟ قال : « نعم في ثمن رقبتها » (٤).

__________________

(١) المبسوط ٦ : ١٩٠.

(٢) الانتصار : ١٧٥.

(٣) الكافي ٦ : ١٩٣ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٨٣ / ٦ ، الوسائل ٢٣ : ١٧٠ أبواب الاستيلاد ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ١٩٢ / ٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٨ أبواب بيع الحيوان ب ٢٤ ح ٢.

١١١

ومن ابن حمزة فيه أيضاً (١) ، فخصّه بصورة موت المولى خاصّة ؛ أخذاً بالأصل ، واختصاص ظاهر الصحيح لهذه الصورة ، فلا يشمل صورة الحياة ؛ وضعف الخبر.

ويدفعه انجبار الخبر بالعمل ، فيخصّص الأصل. ولا محذور حينئذ في اختصاص الصحيح بصورة الوفاة ، مع احتماله عدم الاختصاص وشموله لصورة الحياة ، كما فهمه شيخنا الشهيد الثاني (٢) وأكثر الأصحاب (٣) ، وبيّنا الوجه فيه في كتاب النكاح في تزويج الإماء.

ومقتضى الأصل وكلام الأصحاب ، كصريح الصحيح وظاهر الخبر : اختصاص الجواز بصورة كون الدين ثمن رقبتها.

وألحق بعضهم (٤) مواضع أُخر : كبيعها إذا مات قريبها ، لتعتق وترث. وعلى من تنعتق عليه. وإذا جنت على غير مولاها ليدفع ثمنها أو رقبتها في الجناية. وإذا كان علوقها بعد الارتهان أو بعد الإفلاس. وإذا عجز عن نفقتها. وإذا مات ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق. وفي كفنه إذا لم يخلف سواها. وإذا أسلمت قبل مولاها الكافر. وإذا كان ولدها غير وارث.

ومنهم (٥) من زاد : ما لو جنت على مولاها أو قتلته خطأً. ومنهم من زاد غير ذلك.

وفي كثير من هذه الصور نظر.

__________________

(١) الوسيلة : ٣٤٣.

(٢) الروضة ٣ : ٢٥٧.

(٣) منهم : العلاّمة في القواعد ٢ : ١٢٨ ، والشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ٢٢٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢١٩.

(٤) انظر الروضة ٣ : ٢٥٨ ، والكفاية : ٢٢٦.

(٥) انظر الروضة ٣ : ٢٦٠.

١١٢

ومن الصحيح في الأول : عن أُم الولد فقال : « أمة تباع وتورث » (١).

وحمل على موت الولد ؛ لعدم معارضته للإجماع الظاهر وللمحكي في الانتصار (٢) ، وخصوص النصوص المتقدمة. وعليه فيكون المراد منه الردّ على العامة (٣) المانعين عن بيعها على الإطلاق.

( و ) يظهر منه بناءً على هذا الحمل أنه ( لو مات الولد جاز بيعها ) مضافاً إلى الاتفاق ، والنصوص المستفيضة :

منها الصحيح : « وإن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة إن شاؤوا أعتقوا ، وإن شاؤوا استرقّوا » (٤).

والموثّق : عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولداً فمات ، قال : « إن شاء أن تبيعها باعها » (٥).

ثمّ إنّ ذا إذا لم يخلف ولدها ولداً. ولو خلّفه ففي كون حكمه حكمه فلا يجوز بيعها أم لا وجهان ، بل قيل : قولان (٦). أظهرهما الثاني ؛ لعموم المستفيضة برجوعها إلى محض الرقيّة بموت الولد ، بناءً على أنّ المتبادر منه عند الإطلاق إنّما هو الولد للصلب. وبه يجاب عن دليل الأوّل ، من عموم ما دلّ على المنع عن بيع أُمّ الولد ، بناءً على كونه ولداً حقيقة.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩١ / ١ ، الفقيه ٣ : ٨٢ / ٢٩٤ ، التهذيب ٨ : ٢٣٧ / ٨٥٨ ، الإستبصار ٤ : ١١ / ٣٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٩ أبواب بيع الحيوان ب ٢٤ ح ٣.

(٢) الانتصار : ١٧٥.

(٣) انظر بداية المجتهد ٢ : ٣٩٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٨٣ / ٣٠٠ ، التهذيب ٨ : ٢٣٩ / ٨٦٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٧٥ أبواب الاستيلاد ب ٦ ح ٢ ؛ بتفاوت.

(٥) الوسائل ٢٣ : ١٧٦ أبواب الاستيلاد ب ٦ ذيل حديث ٤.

(٦) انظر الكفاية : ٢٢٦.

١١٣

قيل : وهو متّجه لو كان وارثاً لجدّه ؛ لانعتاقها عليه ، دون ما إذا لم يكن وارثاً ، لانتفاء الملك المقتضي للعتق.

وربّما جعل هذا التفصيل قولاً في محل النزاع. وهو حسن إن أُريد انعتاقها عليه من قدر نصيبه منها ، لكنّه غير محل النزاع. ومحلّ نظر إن أُريد إلحاقه بالولد مطلقاً حتى في عدم جواز البيع وأنّه لو كان له نصيب من التركة غيرها انعتق عليه منه أيضاً كالولد ؛ فإنّه مخالف للأصل ولو في الولد ، إلاّ أنّ الحكم فيه خرج عنه بالإجماع وإطلاق ما سيأتي من النص ، فيبقى غيره مندرجاً تحت الأصل.

( وتتحرّر بموت المولى من نصيب ولدها ) من التركة لا منها خاصّة ، إجماعاً فيه وفي عدم انعتاقها من أصل التركة ؛ للمعتبرة المستفيضة.

منها الصحيح : « إن كان لها ولد وترك مالاً جعلت في نصيب ولدها » (١).

والمرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح : « إن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه » (٢) ونحوهما الصحيح وغيره (٣) مما يأتي.

( ولو لم يخلف ) المولى ( الميت ) تركة ( سواها ) وكان له وارث سواه ( عتقت من نصيب ولدها وسعت فيما بقي ) من قيمتها. ولا اعتبار بملك ولدها من غير الإرث ؛ لأنّ عتقها عليه قهري فلا يسري عليه على‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩٢ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٨٣ / ٣٠٠ ، التهذيب ٨ : ٢٣٨ / ٨٦٠ ، الإستبصار ٤ : ١٢ / ٣٧ ، الوسائل ٢٣ : ١٧٥ أبواب الاستيلاد ب ٦ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٣٨ / ٨٦١ ، الإستبصار ٤ : ١٢ / ٣٨ ، الوسائل ٢٣ : ١٧٣ أبواب الاستيلاد ب ٥ ج ٢.

(٣) التهذيب ٨ : ٢١٤ / ٧٦٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٧٦ أبواب الاستيلاد ب ٦ ح ٤.

١١٤

الأشهر الأقوى ، للأصل المعتضد بظاهر ما مرّ من النصوص من حيث الحكم فيها بالعتق من النصيب على الإطلاق ، المشعر بل الظاهر في عدم انعتاقها عليه من ماله على الإطلاق ، بل هو من [ خصوص (١) ] ما وصل إليه من النصيب ، وإلاّ لعبّر بماله دون نصيبه.

مضافاً إلى صريح المقطوع : « وإذا كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها ، وتستسعى في بقية ثمنها » (٢).

خلافاً للمبسوط والإسكافي (٣) ، فحكما بالسراية عليه ؛ للنبوي « من ملك ذا رحم فهو حرّ » (٤).

وقصوره سنداً ، ومكافاةً لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع حقيقة يمنع من العمل به جدّاً.

( و ) إن أيّده ما ( في رواية ) موثّقة عمل بها في النهاية (٥) من أنها ( تقوّم على ولدها إن ) مات المولى وعليه دين و ( كان ) الولد ( موسراً ) وأنه ان كان صغيراً انتظر بلوغه (٦).

لقصورها كالرواية السابقة عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة ، وهي مع ذلك مهجورة العمل عند غير النهاية ، بل وعنده أيضاً ، حيث رجع عنه في‌

__________________

(١) في الأصل : حصول.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٣٩ / ٨٦٣ ، الإستبصار ٤ : ١٣ / ٣٩ ، الوسائل ٢٣ : ١٧٣ أبواب الاستيلاد ب ٥ ح ٣.

(٣) المبسوط ٦ : ١٨٥ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٦٤٧.

(٤) عوالي اللئلئ ٣ : ٤٣٩ / ٢٣ ، المستدرك ١٥ : ٤٥٦ كتاب العتق ب ١٢ ح ١.

(٥) النهاية : ٥٤٧.

(٦) التهذيب ٨ : ٢٣٩ / ٨٦٥ ، الإستبصار ٤ : ١٤ / ٤١ ، الوسائل ٢٣ : ١٧٦ أبواب الاستيلاد ب ٦ ذيل حديث ٤.

١١٥

باقي كتبه ، مع أنّه لم يعمل بإطلاقها في النهاية ، لعموم الدين فيها لثمن الرقبة وغيرها ، وفي النهاية قيّده بالأوّل خاصّة.

والعجب من السيد في شرح الكتاب وصاحب الكفاية (١) ؛ حيث جعلا هذه الرواية حجّة للشيخ في قوله السابق ، ولم يذكرا قوله في النهاية.

وكأنّهما زعما أنّ مورد القولين مسألة واحدة. وليسا كما زعما ؛ لوضوح الفرق بين مورديهما كما ترى ، وإن تشابها.

ولذا إنّ شيخنا في الدروس كالمختلف (٢) ذكرا لهما عنوانين ، وبحثا عن كلّ منهما على حدة ، مستدلَّين لكل منهما بحجة مستقلة ، وجعلا هذه الرواية حجّة لما في النهاية ، واستندا لما في المبسوط إلى الرواية السابقة.

ثم ظاهر هذه الأقوال الإطباق على عدم السراية على الولد مع إعساره. خلافاً للمحكي عن ابن حمزة ، فقال بوجوب الاستسعاء عليه حينئذٍ (٣) ؛ وحجّته مع منافاته الأصل غير واضحة ، عدا المقطوعة السابقة إن قرئت فيستسعى بالياء ، ولكنها بالتاء في النسخة المصححة مضبوطة.

نعم ، ذكر الصيمري أن به رواية يونس بن يعقوب. ولم أقف عليها عدا المقطوعة ، وهي وإن كانت له إلاّ أنها واضحة الدلالة على المختار ، بناءً على النسخة المصحّحة.

( وفي رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في وليدة نصرانيّة أسلمت وولدت من مولاها غلاماً ومات فأُعتقت وتزوّجت نصرانياً وتنصرت فولدت ، فقال عليه‌السلام : « ولدها لابنها من سيّدها ، وتحبس حتى

__________________

(١) نهاية المرام ٢ : ٣٢٠ ، الكفاية : ٢٢٦.

(٢) الدروس ٢ : ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، المختلف : ٦٤٧.

(٣) الوسيلة : ٣٤٣.

١١٦

تضع وتقتل » ) (١).

وهي وإن رويت في التهذيب في آخر باب السراري وملك الأيمان موثقاً بابن فضال ، بل ذكر السيّد في شرح الكتاب كونها فيه مرويّة صحيحاً ولم أقف عليها كذلك ، إلاّ أنّها مخالفة للأُصول القطعية من حيث تضمّنها استرقاق ولدها الحر المتولد من نصراني محرم ، وقتل المرأة المرتدّة خصوصاً عن ملّة.

( و ) لذا إنّ الشيخ ( في النهاية ) (٢) أعرض عن العمل بها وقال : إنّه ( يفعل بها ) أي بالمرأة التي تضمنتها الرواية ( ما يفعل ب ) المرأة ( المرتدة ) من استتابتها ، وحبسها دائماً مع إبائها عن التوبة ، وضربها أوقات الصلاة.

( و ) بالجملة ( الرواية شاذّة ) لم يعمل بها أحد من الطائفة ، مخالفة للأُصول القطعية ، مع أنّها قضيّة في واقعة ، محتملة إناطتها بمصلحة لم تكن لنا ظاهرة.

والحمد لله سبحانه.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢١٣ / ٧٦١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٥ / ٩٦٨ ، الوسائل ٢٣ : ١٧٩ أبواب الاستيلاد ب ٨ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) النهاية : ٥٠٠.

١١٧
١١٨

( كتاب الإقرار )

( والنظر ) فيه ( في ) أمرين ( الأركان واللواحق. والأركان أربعة ).

( الأول :) اللفظ الصريح ( في الإقرار).

( وهو ) ما يتضمّن ( إخبار الإنسان بحق لازم له ) ولو كان مثل نعم ، في جواب : لي عليك كذا ، كما يأتي.

والحقّ يعمّ نحو العين والمنفعة ، واستحقاق الخيار والشفعة. وخرج باللازم للمخبر الإخبار عمّا ليس له بلازم ، فإنّه شهادة الإقرار.

والأصل في شرعيّته ، ولزوم ما يترتب عليه من حكمه بعد الإجماع المحقق على الظاهر ، المستفيض النقل في كلام جماعة (١) النصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، كما صرّح به جماعة (٢).

منها : النبوي العام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٣).

و « قولوا الحق ولو على أنفسكم » (٤).

__________________

(١) منهم : الشيخ في المبسوط ٣ : ٣ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٤٩٨ ، والعلاّمة في التذكرة ٢ : ١٤٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٤٨٥.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٣٠.

(٣) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٣ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٨٤ أبواب الإقرار ب ٣ ح ٢.

(٤) كنز الفوائد ٢ : ٣١. مع اختلاف في اللفظ.

١١٩

وبمعناه قوله سبحانه ( كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ) (١) وقريب منها آيات أُخر (٢).

( ولا يختص لفظاً ) بل يكفي فيه كلّ لفظ يفيد الإخبار بأيّ لغة كان ، بلا خلاف ، بل عن التذكرة عليه الإجماع (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى اشتراك الجميع في التعبير عما في الضمير المعبّر عنه بالإقرار عرفاً.

والمعتبر فيه الدلالة العرفية دون اللغوية ، فتقدّم عليها حيث حصل بينهما معارضة ؛ لأنّ الظاهر من حال المقرّ تكلّمه بحسب عرفه إلاّ أن يكون عارفاً باللغة ، ووجدت قرينة على إرادته معناها دون عرفه ، فتكون حينئذ عليه مقدمة ، ولكنه غير مفروض المسألة.

ويتفرّع على هذا الأصل أحكام كثيرة منها : ما إذا قال : إن شهد لك عليّ فلان فهو صادق ، فالأقرب وفاقاً لأكثر المتأخرين كما في المسالك والكفاية (٤) أنه ليس إقراراً ، بناءً على أنّ المفهوم منه عرفاً أنّ هذه الشهادة ممتنعة الوقوع من الشخص المذكور ، لامتناع الكذب عليه بحسب اعتقاد المتكلم ، فالغرض أن ذلك لا يصدر عنه.

ونحو هذا كثير في المحاورات العرفية ، سيّما العوام ومن لا معرفة له بمعاني الألفاظ اللغوية ، فيقال : إن شهد فلان أني لست من أبي ، أو واجب القتل فهو صادق.

خلافاً للمبسوط وجماعة (٥) ، فجعلوه إقراراً ؛ لحجّة معلومة الجواب‌

__________________

(١) النساء : ١٣٥.

(٢) آل عمران : ٨١ ، الأعراف : ١٧٢ ، التوبة : ١٠٢.

(٣) التذكرة ٢ : ١٤٤.

(٤) المسالك ٢ : ١٦٢ ، الكفاية : ٢٣٠.

(٥) المبسوط ٣ : ٢٢ ؛ وانظر الجامع للشرائع : ٣٦٠ ، والشرائع ٣ : ١١٠ ، والقواعد ١ : ٢٧٦.

١٢٠