رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي وعليه توكّلي

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطاهرين.

٥
٦

( كتاب النكاح )

هو في اللغة : الوطء ، على الأشهر كما نُقل (١) ، بل عليه الإجماع في المختلف (٢) (٣) ، وهو الظاهر من الجوهري (٤) كغيره من أهلها (٥) ، إلاّ أنّ المحكيّ عن الراغب استحالته (٦).

وعن أبي القاسم الزجّاج : اشتراكه بينه وبين العقد (٧). وهو الظاهر من غيره أيضاً (٨).

وربما قيل بمجازيّته فيهما ؛ لأخذهما من الضمّ والاختلاط‌

__________________

(١) نقله في كشف اللثام ٢ : ٦.

(٢) المختلف : ٥٢٣.

(٣) وعن الإيضاح ٣ : ٣. منه رحمه‌الله.

(٤) كما في الصحاح ١ : ٤١٣.

(٥) الفيروزآبادي في القاموس المحيط ١ : ٢٦٣ ، الطريحي في مجمع البحرين ٢ : ٤٢١.

(٦) راجع المفردات : ٥٠٥.

(٧) نقله عنه في المغرب ٢ : ٢٢٨.

(٨) تهذيب اللغة ٤ : ١٠٣ ، المغرب ٢ : ٢٢٨.

٧

والغلبة (١).

وردّ بعدم منافاة التجوّز باعتبار أصله الحقيقة فيهما ، أو في أحدهما في عرف اللغة (٢).

مضافاً إلى كون إطلاقه على الوطء باعتبار وجود أحد المعاني فيه ، وهو لا ينافي الحقيقة.

ويتوجّه على الأول : أنّ عدم المنافاة فرع وجود الدليل على الدعوى ، وليس ، فالأصل عدم النقل.

وعلى الثاني : أنّه يتوقّف صحّته على إرادة ما ذكر من حاقّ اللفظ والخصوصيّة من الخارج ، وليس الكلام فيه ، بل هو في استعماله في المركّب منهما ، وهو غير الأصل ، فيكون مجازاً.

وفي الشرع : العقد خاصّة ، على الأشهر كما حكي (٣) ، بل عن الشيخ والحلّي والإيضاح دعوى الإجماع عليه (٤) ، وهي الحجّة فيه ، مع أصالة عدم النقل إن قلنا باتحاد اللغة معه ، وغلبة استعماله في الشرع كذلك ، حتى قيل : إنّه لم يرد في القرآن بذلك إلاّ قوله تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٥) لاشتراط الوطء في المحلّل (٦). وفيه نظر.

__________________

(١) قال به الفيومي في المصباح المنير : ٦٢٤.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٦.

(٣) حكاه في كشف اللثام ٢ : ٦.

(٤) عدّة الأُصول ١ : ١٧٠ ، السرائر ٢ : ٥٢٤ ، الإيضاح ٣ : ٢ ، إلاّ أنّه ليس في العدّة والإيضاح دعوى الإجماع عليه.

(٥) البقرة : ٢٣٠.

(٦) حكاه في إيضاح الفوائد ٣ : ٣ ، جامع المقاصد ١٢ : ٧ ، الحدائق ٢٣ : ١٩ ، المسالك ١ : ٤٣٠.

٨

وهي (١) أمارة الحقيقة ؛ لإيراثها التبادر ، لا لصحّة النفي في مثل : « هذا سفاحٌ وليس بنكاح » ؛ لاحتمال الاعتماد على القرينة كما فيه.

وقيل بالعكس ؛ للأصل ، بناءً على كونه لغةً كذلك (٢).

وقيل بالاشتراك بينهما ؛ للاستعمال والأصل فيه الحقيقة ولقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (٣) لدخول الأمرين فيه (٤).

ويضعّف الأول بعد تسليم الثبوت لغة كذلك ـ : بتخصيص الأصل بما مرّ.

والثاني : بأعميّة الاستعمال ، وعدم الدليل على إرادتهما معاً من الآية.

وتساويهما في الحكم على تقدير تسليمه غير ملازم لذلك. هذا على القول بجواز استعمال المشترك في معنييه ، وإلاّ فهو باطلٌ من أصله.

( وأقسامه ) أي الكتاب ( ثلاثة ) وإنّما قلنا ذلك للزوم أن يلغو الظرف في قوله : « الأول : في الدائم » على تقدير رجوع الضمير إلى النكاح.

( الأول : في ) النكاح ( الدائم ).

( وهو يستدعي فصولاً ) :

__________________

(١) أي الغلبة.

(٢) كما حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٦.

(٣) النساء : ٢٢.

(٤) حكاه في كشف اللثام ٢ : ٦.

٩

( الأول ) :

( في صيغة العقد ، وأحكامه وآدابه ) ‌

( أمّا الصيغة ) التي لا بُدّ هنا منها بإجماع علماء الإسلام ( فـ ) هي : ( الإيجاب والقبول )

( ويشترط ) في الأول : ( النطق بأحد الألفاظ الثلاثة ) التي هي : ( زوّجتك ، وأنكحتك ، ومتّعتك ).

والاكتفاء بأحد الأوّلَين مجمعٌ عليه ، كما في الروضة وعن التذكرة (١) وغيرهما (٢) ، وورد بهما القرآن العزيز (٣).

وبالثالث مختلفٌ فيه ، فالأكثر ومنهم الإسكافي والمرتضى وأبو الصلاح وابن حمزة والحلّي (٤) كما حُكي (٥) على

المنع ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن ، والتفاتاً إلى عدم ورود التعبير به في الدائم في شي‌ء من الأخبار ؛ لانحصار التعبير عنه فيها في الأوّلَين.

خلافاً للمتن والشرائع والإرشاد والنهاية (٦) ؛ لعدم النصّ على حصر لفظه في شي‌ء ، مع دلالته على المقصود ، وكونهِ (٧) من ألفاظ النكاح ؛ لكونه‌

__________________

(١) الروضة ٥ : ١٠٨ ، التذكرة ٢ : ٥٨١.

(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ١٢ ، والتنقيح الرائع ٣ : ٧.

(٣) القصص : ٢٧ الأحزاب : ٣٧.

(٤) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٥٣٣ ، المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٠ ، أبو الصلاح في الكافي : ٢٩٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١ ، الحلي في السرائر ٢ : ٥٥٠.

(٥) وعن ظاهر السيد في الطبريات ( نقله عن كشف اللثام ٢ : ١٢ ) الإجماع عليه. منه رحمه‌الله.

(٦) الشرائع ٢ : ٢٧٣ ، الإرشاد ٢ : ٦ ، النهاية : ٤٥٠.

(٧) أي لفظ المتعة.

١٠

حقيقةً في المنقطع منه وإن توقّف معه (١) على الأجل ، كما لو عبّر بأحد الأولَين فيه وميّزه به ، فأصل اللفظ صالح للنوعين ، فيكون حقيقةً في القدر المشترك بينهما ، ويتميّزان بذكر الأجل وعدمه.

وحكمِ (٢) جماعةٍ (٣) تبعاً لروايةٍ بأنّه لو تزوّج متعةً ونسي ذكر الأجل انقلب دائماً (٤) ، وذلك فرع صلاحيّة الصيغة له.

وفي الجميع نظر ؛ لعدم الاكتفاء في مثله بعدم النصّ على الحصر ومجرّد الدلالة على المقصود ، وإلاّ لاكتُفي بالإشارة المعربة عنه ، وهو باطل إجماعاً.

واستلزام كونه حقيقةً في المنقطع مجازيّته في غيره مطلقاً (٥) بمعونة أصالة عدم الاشتراك ، فلا اشتراك معنويّاً.

وعلى تقدير كونه حقيقةً في القدر المشترك يستلزم مجازيّته في خصوص أحد الطرفين ، ومنه الدائم.

ودعوى إرادة الخصوصيّة من القرينة وهي عدم ذكر الأجل ممنوعة ؛ لعدم الملازمة بينه وبين الدوام ، كيف لا؟! وهو أوّل الكلام ، فلا يكفي حينئذ ؛ إذ لا يكفي ما يدلّ بالمجاز حذراً من عدم الانحصار.

والنقض بالأوّلين مدفوع بالوفاق ، مع احتمال كون الاشتراك فيهما لفظيّاً ، أو كونهما حقيقةً في الدائم مجازاً في المنقطع ، فلا محذور.

هذا ، بعد تسليم كونه (٦) حقيقةً في القدر المشترك ، وإلاّ فالظاهر كونه‌

__________________

(١) أي مع المنقطع.

(٢) عطف على قوله : عدم النص. منه رحمه‌الله.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٤٥٠ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٤١ ، الحلبي في الكافي : ٢٩٨.

(٤) الوسائل ٢١ : ٤٧ أبواب المتعة ب ٢٠.

(٥) أي سواء كان الدائم أم القدر المشترك. منه رحمه‌الله.

(٦) أي لفظ المتعة. منه رحمه‌الله.

١١

حقيقةً في المنقطع خاصّة ؛ للتبادر ، وصحّة السلب عن الدائم ، ومنع القول المحكيّ لضعف دليله.

( والقبول هو ) اللفظ الدالّ صريحاً على ( الرضا بالإيجاب ) مطلقاً وافقه لفظاً أم خالفه مع الموافقة له معنىً ، اقتصر على لفظه أم اتبع بالإيجاب عندنا.

خلافاً لبعض من خالفنا في الاقتصار (١). وهو ضعيف.

( وهل يشترط وقوع تلك الألفاظ ) المعتبرة في الأمرين ( بلفظ الماضي؟ الأحوط ) على بعض الوجوه ، بل الأظهر الأشهر مطلقاً كما نُقل (٢) ( نعم ).

إمّا ( لأنّه صريحٌ في الإنشاء ) عرفاً عامّاً أو خاصّاً ؛ لورود التعبير به شرعاً مجرّداً عن قرينة زائدة على قرينة التخاطب لا غير ، فلا ينافيها (٣) كونها للإخبار لغةً.

أو للاتّفاق على الوقوع به ، فلا يعارَض بمثله ممّا هو بمعنى الإخبار ؛ لبطلان القياس ، ولزوم الاقتصار في المخالف على محلّ الوفاق.

خلافاً لمن سيأتي.

( ولو أتى بلفظ الأمر ) قاصداً به الإنشاء المعتبر هنا ، المعبّر عنه بالرضاء الباطني بالنكاح بالفعل ( كقوله ) أي الزوج ومن في حكمه لها أو ( للولي ) ومن في حكمه : زوِّجيني نفسك ، أو ( زَوّجنيها ، فقال : زوّجتك ، قيل : يصحّ )

القائل : الشيخ ، وابنا زهرة وحمزة ، والماتن في غير الكتاب (٤).

__________________

(١) كالشافعي على ما حكاه عنه في المغني والشرح الكبير ٧ : ٤٢٨.

(٢) نقله الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٤٢ ، والسبزواري في الكفاية : ١٥٤.

(٣) أي الصراحة.

(٤) الشيخ في المبسوط ٤ : ١٩٤ ، والخلاف ٤ : ٢٩١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١ ، الماتن في الشرائع ٢ : ٢٧٣.

١٢

( كما في قضيّة سهل الساعدي ) المشهورة ، المرويّة بطرق من الخاصّة والعامّة ، وفيها الصحيح : إنّ رجلاً سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزويج امرأة ، فقال : زَوّجنِيها ، فسأله عمّا يصدقها به إلى أن قال : « زوّجتك بما معك من القرآن » (١). وليس فيها في شي‌ء من الطرق إعادة القبول ، مع أنّ الأصل عدمها.

والأقوى : المنع ، وفاقاً للأكثر ، ومنهم : السرائر والجامع والمختلف وابن سعيد (٢) واللمعة والروضة (٣) ؛ عملاً بأصالة الحرمة ، واستضعافاً للرواية بعدم الصراحة والظهور التامّ ، الذي هو المناط لتخصيص مثلها (٤).

واختصاصها بالقبول مع وقوع التصريح فيها بالماضي في الإيجاب ، وهو وإن كان يندفع بالإجماع ، إلاّ أنّه لا يرفع الوهن الحاصل فيها به ، المعتبر مثله في التعارض ، الموجب لمرجوحيّة المشتمل عليه.

وقصورها عن المقاومة للأصالة المزبورة ؛ لاشتهار العمل بها بين الطائفة ، واعتضادها بالاحتياط المأمور به في الشريعة.

نعم ، قد لا يجامعها الاحتياط ، بل يخالفها فيما إذا وقع العقد بما في الرواية ، ولا ريب أنّه خلاف الاحتياط الحكم حينئذٍ بعدم الزوجيّة ؛ لاحتمالها بالبديهة.

__________________

(١) قال في المسالك ٢ : ٤٤٣ كما ورد في خبر سهل الساعدي المشهور بين العامة والخاصة ، ورواه كل منهما في الصحيح. إلاّ أنّا لم نقف عليه بهذا المتن في مصادر حديثنا. نعم ، ورد بتفاوتٍ في عوالي اللئلئ ٢ : ٢٦٣ / ٨ ، المستدرك ١٤ : ٣١٣ أبواب عقد النكاح ب ١ ح ٤.

(٢) كذا في النسخ ، ولعلّه تكرار لسبق ذكر الجامع.

(٣) السرائر ٢ : ٥٧٤ ، الجامع للشرائع : ٤٣٧ ، المختلف : ٥٣٣ ، الروضة البهية ٥ : ١٠٩.

(٤) أي مثل أصالة الحرمة.

١٣

وممّا ذُكِرَ ظهر وجه تقييد الاحتياط في المتن ببعض الوجوه ، وينبغي مراعاته حينئذٍ أيضاً بعقد جديد بلفظ الماضي مع بقاء التراضي ، وإجراء الطلاق مع العدم.

( ولو أتى بلفظ المستقبل ) قاصداً به الإنشاء ( كقوله : أتَزوَّجُكِ ) وقالت : زَوَّجتُكَ نفسي ( قيل : يجوز )

القائل : العماني والماتن في غير الكتاب (١) ، وجماعة (٢).

للروايات المستفيضة في تجويز مثله في عقد المتعة :

منها الموثّق : قال : « لا بُدّ أن يقول فيه هذه الشروط : أتَزَوَّجُكِ متعةً على كذا وكذا » الحديث (٣).

ومثله الحسن : قال : « تقول : أتَزَوَّجُكِ متعةً على كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » الخبر (٤).

ومثلهما رواية أبان بن تغلب ، المشار إليها بقوله : ( كما في خبر أبان عن ) مولانا ( الصادق عليه‌السلام في المتعة : « أتَزَوَّجُكِ متعةً .. فإذا قالت : نعم .. فهي امرأتك ) (٥) وكذا غيرها (٦) المشترك معها في ضعف الإسناد ، والأوّلان وإن اعتبرا‌

__________________

(١) نقله عن العماني في الحدائق ٢٣ : ١٦٣ ، الماتن في الشرائع ٢ : ٢٧٣.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ١٥٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢ ، وصاحب الحدائق ٢٣ : ١٦٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٥٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦٣ / ١١٣٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٤ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٤.

(٤) الكافي ٥ : ٤٥٥ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٦٣ / ١١٣٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٣ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٢.

(٥) الكافي ٥ : ٤٥٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٥ / ١١٤٥ ، الإستبصار ٣ : ١٥٠ / ٥٥١ ، الوسائل ٢١ : ٤٣ أبواب المتعة ب ١٨ ح ١.

(٦) الكافي ٥ : ٤٥٥ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٤ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٣.

١٤

بحَسَبه إلاّ أنّهما بالقطع ، وعدم النسبة إلى إمام مشاركان لها فيه ايضاً ، فلا يمكن الاستناد إليها في الجواز.

مضافاً إلى اختصاصها بالمتعة ، ولا بُدّ من الدليل في التعدية إلى ما حكم به الجماعة ، وفقده واضح بالبديهة.

فإذاً القول بالمنع في غاية القوّة ؛ بالنظر إلى أصالة الحرمة ، وعدم الدليل على الإباحة بهذه العبارة ، وفاقاً للمختلف وابني سعيد وحمزة والشهيدين في اللمعة والروضة (١).

نعم ، مراعاة الاحتياط المتقدّم في الصورة المزبورة في سابق هذه المسألة محمودة في الشريعة. والقول بعدم الجواز في هذه المسألة أقوى منه في المسألة السابقة.

( ولو قال ) مستفهمٌ للوليّ : ( زوَّجتَ بنتك من فلان؟ فقال : نعم ) بقصد إعادة اللفظ تقديراً ، وإقامة « نعم » مقامه للإنشاء لا بقصد جواب الاستفهام ( فقال الزوج : قَبِلتُ ، صحّ ) عند المصنّف هنا ، وفي الشرائع على تردّد (٢) ، وفاقاً للشيخ وابن حمزة ، والعلاّمة في الإرشاد قطعاً ، وفي القواعد مستشكلاً (٣).

( لأنّه يتضمّن السؤال ) وجارٍ مجراه اتّفاقاً ، فكأنّه قال : زوَّجْتُها منه ، وربما يرشد إليه خبر أبان المتقدّم وغيره.

والتردّد والاستشكال لضعف الرواية واختصاصها بالمتعة ، والتأمّل في‌

__________________

(١) المختلف : ٥٣٣ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٣٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١ ، الروضة البهية ٥ : ١٠٩.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٧٣.

(٣) الشيخ في المبسوط ٤ : ١٩٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١ ، الإرشاد ٢ : ٦ ، القواعد ٢ : ٤.

١٥

أنّ حكمَ الصّريح في الشي‌ء حكمهُ شرعاً.

مضافاً إلى أنّ مقتضى تضمّنه السؤال إفادته الإخبار الخالي عن الإنشاء ، بناءً على تضمّن السؤال الاستخبار عن وقوع المسئول في الماضي ، ومراعاة التطبيق بينه وبين الجواب يستلزم كونه إخباراً عن الوقوع ، لا إنشاءً للتزويج ، فلو صرّح به فيه لارتفع التطابق اللازم المراعاة ، ومن هنا يمكن أن يقال بعدم وقوع التزويج لو أبدل « نعم » بالصريح (١).

فالأقوى : المنع ، تبعاً للأكثر كما في المسالك (٢) ؛ عملاً بالأصل الخالي عن المعارض.

( ولا يشترط تقديم الإيجاب ) على القبول في المشهور ، بل عليه الإجماع عن المبسوط والسرائر (٣) ؛ وهو الحجّة في تخصيص الأصل.

لا التعليل بأنّ العقد هو الإيجاب والقبول ، وأنّ الترتيب كيف اتفق غير مخلٍّ بالمقصود.

وأنّه يزيد النكاح على غيره بأنّ الإيجاب من المرأة ، وهي تستحيي غالباً من الابتداء به ، فاغتُفِرَ هنا وإن خولف في غيره ؛ لعدم الدليل على الاغتفار.

لعدم ما يدلّ على كفاية الاستحياء ، مع أنّه أخصّ.

وكون الأوّل مصادرة ، إلاّ على تقدير عمومٍ دالٍّ على كفاية حصول المقصود باللفظين بأيّ وجهٍ اتفق ، وفقده ظاهر. ولذا رجعوا إلى الأصل في كل ما اختُلِفَ في صحّته مع عدم قيام دليلٍ عليها ، وعلى تقدير وجوده لزم أن يكون الأمر بالعكس ، فتدبّر.

__________________

(١) أي زوَّجتُ.

(٢) المسالك ١ : ٤٤٤.

(٣) المبسوط ٤ : ١٩٤ ، السرائر ٢ : ٥٧٤.

١٦

ثم إنّه يعتبر حيثما قدّم القبول كونه بغير : قبلتُ ورضيتُ ، ك‍ : نكحتُ وتزوّجتُ ، وهو حينئذٍ بمعنى الإيجاب ؛ وذلك لعدم صدق المعنى بذلك.

ويجب إيقاع الركنين بالعربيّة ( ولا تجزي الترجمة ) عنهما أو أحدهما بمثل الفارسيّة ( مع القدرة على النطق ) على الأشهر الأظهر ، بل اتّفاقاً منّا كما عن المبسوط والتذكرة (١).

لتوقيفيّة العقود ، ولزوم تلقّيها من الشارع ، وليس ما وصل إلاّ ما ذُكِر ، مع الأصل والاحتياط في الفروج.

واحتمالُ كون اقتصاره بذلك لكونه عرفه واصطلاحه فلا يمنع عن جواز غيره ، حسنٌ مع قيام دليلٍ على صحّته عموماً أو خصوصاً ، وفقدهما ظاهر ، فإجازة ابن حمزة ذلك ضعيفة ، لكن مع استحباب العربيّة (٢).

( وتجزئ ) كما قطع به الأصحاب كما حكي (٣) ( مع العذر ) كالمشقّة الكثيرة في التعلّم ، أو فوات بعض الأغراض المقصودة ( كالأعجم ).

ولا فرق في ذلك بين العجز عن الركنين أو أحدهما ، ولكن تختصّ الرخصة في الأخير بالعاجز ، ويُلزَم بالعربيّة غيره ، ويصحّ حينئذٍ أيضاً كما في اختلاف الترجمتين ، بشرط فهم كلّ منهما كلام الآخر ، ولو بمترجمين عدلين ، أو عدل واحد في وجهٍ قوي ، وذلك مع عدم حصول القطع بإخباره ، ومعه فلا ريب في كفايته.

والأصل في المسألة بعد حكاية الإجماع فحوى اجتزاء الأخرس‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٩٤ ، التذكرة ٢ : ٥٨٢.

(٢) ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١.

(٣) الحاكي هو الفاضل الهندي في شرح القواعد ( كشف اللثام ٢ : ١٢ ). منه رحمه‌الله.

١٧

بالإشارة في الطلاق ، مع لزوم الحرج في الاقتصار بالعربيّة ولو في الجملة ، فلا وجه لإيجاب التوكيل ، ولا سيّما في مقابلة الأصل بالمرّة (١).

( وكذا ) تجزئ ( الإشارة ) المفهمة للآخر المراد ( للأخرس ) مطلقاً ، موجِباً كان أو قابلاً أو هما معاً ، أصليّاً كان أو طارئاً ؛ لقطع الأصحاب به هنا أيضاً كما حكي (٢) ، وللضرورة ، مع أصالة عدم لزوم التوكيل ، مضافاً إلى عدم تعارفه ، والتأيّد بالاكتفاء بها في الطلاق.

( وأمّا الأحكام ، فمسائل ) أربع :

( الاولى : لا حكم لعبارة الصبي ) والصبيّة مطلقاً (٣) ( ولا المجنون ) والمجنونة كذلك وإن كان أدواريّاً ، بشرط عدم الإفاقة حين العقد.

للأصل ، مع عدم الدليل على اعتبارها ، مضافاً إلى فقد القصد الباطني المشترط في الصحّة إجماعاً في بعض الصور.

( ولا السكران ) مطلقاً ، موجباً كان أو قابلاً ، أجاز بعد الإفاقة أم لا ، على أصحّ القولين وأشهرهما ؛ لعين ما ذُكِر.

وليس في صورة الإجازة من الفضولي فيلحق به لعموم أدلّة جوازه ؛ لاختصاصه بالصحيح لا الفاسد من أصله. وعلى تقدير كونه منه يمنع الإلحاق بمنع العموم ؛ لاختصاص المصحّح له بما ذكرنا ، فلا يقيّد الأصل إلاّ بدليل.

__________________

(١) وفي الكفاية (١٥٥) نقل الاتّفاق ظاهراً على عدم وجوب التوكيل. منه عفي عنه وعن والديه.

(٢) الحاكي هو الفاضل الهندي في شرح القواعد ( كشف اللثام ٢ : ١٢ ). منه رحمه‌الله.

(٣) أي مميّزاً كان أم غيره ، وخصّهما الولي في إجراء الصيغة أم لا ، أجاز بعده أم لا. منه رحمه‌الله.

١٨

( و ) لكن ورد ( في رواية ) صحيحة عمل بها الشيخ في النهاية وتبعه ابن البرّاج (١) : أنّه ( إذا زوّجت السَّكرى نفسها ، ثم أفاقت فرضيت ، أو دخل بها فأفاقت وأقرّته ، كان ماضياً ) (٢) إلاّ أنّها لمخالفتها الأُصول القطعيّة ، المعتضدة في خصوص المقام بالشهرة العظيمة ، لا يجوز التعويل عليها في مقابلتها وتخصيصها بها ؛ مع أنّ المذكور فيها الإنكار بعد الإفاقة ، الملازم لعدم الرضاء بالصحّة ، نعم تضمّنت الإقامة معه بعده لمظنّة اللزوم ، إلاّ أنّها مع عدم معلوميّة كونها الرضاء المعتبر غير نافعة بعد الإنكار.

فلا يمكن الإلحاق بالفضولي من هذا الوجه أيضاً ، فطرحها رأساً أو حملها على ما في المختلف (٣) وغيره (٤) وإن بَعُدَ متعيّن.

( الثانية : لا يشترط ) في صحّة العقد ( حضور شاهدين ) عدلين مطلقاً ، دائماً كان أو منقطعاً ، تحليلاً أو ملكاً ؛ لعموم بعض النصوص (٥) ، مع الإجماع فيما عدا الأوّل. ولا ينافيه اختصاص الباقي أو التخصيص فيها بالأوّل ؛ لوروده في مقام الردّ على جمهور الجمهور المعتبرين له فيه ، فلا عبرة بمفهومه لو كان.

وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل‌

__________________

(١) النهاية : ٤٦٨ ، ابن البراج في المهذب ٢ : ١٩٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٥٩ / ١٢٣٠ ، التهذيب ٧ : ٣٩٢ / ١٥٧١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٩٤ أبواب عقد النكاح ب ١٤ ح ١.

(٣) المختلف : ٥٣٨.

(٤) انظر السرائر ٢ : ٥٧١.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٠٩ / ١٦٣٥ ، الوسائل ٢٠ : ٩٩ أبواب مقدمات النكاح ب ٤٣ ح ٦.

١٩

حكي صريحاً عن الانتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة (١) (٢) ، والنصوص به مستفيضة (٣) ، منها : الحسان بل الصحاح على الصحيح والموثّقان.

ففي الحسن : في الرجل يتزوّج بغير بيّنة ، قال : « لا بأس » (٤).

خلافاً للحَسَن (٥) ، فاشترطه ؛ للخبر : « التزويج الدائم لا يكون إلاّ بوليّ وشاهدين » (٦).

وهو مع ضعفه سنداً ، وقصوره عن المقاومة لما تقدّم عدداً واعتباراً محمولٌ على التقيّة ، ويؤيّده كونه مكاتبة ؛ مع إشعار متنه بذلك أيضاً ، كتصريح غيره به ، كالموثّق (٧) وغيره (٨).

نعم ، يستحبّ ذلك ؛ لدفع التهمة وتحقّق النسب والميراث والقسم والنفقات ، وبه بعض المعتبرة (٩).

( ولا ) حضور ( وليّ ) مطلقاً ( إذا كانت الزوجة بالغةً رشيدةً ، على

__________________

(١) حكاه عنهم في كشف اللثام ٢ : ٧ ، وهو في الانتصار : ١١٨ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٠ ، الخلاف ٤ : ٢٦١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، السرائر ٢ : ٥٥٠ ، التذكرة ٢ : ٥٧١.

(٢) والتنقيح ( ٣ : ١٢ ) ، والمسالك ( ١ : ٤٣١ ). منه رحمه‌الله.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٩٧ أبواب مقدمات النكاح ب ٤٣.

(٤) الكافي ٥ : ٣٨٧ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٩٨ أبواب مقدمات النكاح ب ٤٣ ح ٤.

(٥) وهو ابن أبي عقيل ، على ما حكاه عنه في المختلف : ٥٣٥.

(٦) التهذيب ٧ : ٢٥٥ / ١١٠١ ، الإستبصار ٣ : ١٤٦ / ٥٢٩ ، الوسائل ٢١ : ٣٤ أبواب المتعة ب ١١ ح ١١.

(٧) التهذيب ٦ : ٢٨١ / ٧٧٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦ / ٨١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٠ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣٥.

(٨) الوسائل ٢٠ : ٩٧ أبواب مقدمات النكاح ب ٤٣.

(٩) الوسائل ٢٠ : ٩٧ أبواب مقدمات النكاح ب ٤٣ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٣ ، ٦ ، ٨.

٢٠