رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

١
٢

٣
٤

( القول في الطواف )

( والنظر في مقدمته وكيفيّته وأحكامه ) ‌

( أما المقدمة : فيشترط تقديم الطهارة ) على الطواف الواجب بإجماعنا الظاهر ، المصرَّح به في كلام جماعة (١) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (٢).

وإطلاق جملة منها كالعبارة يشمل الطواف المندوب ، كما عن الحلبي (٣). لكن صريح جملة أُخرى منها الاختصاص بالواجب ، ومنها الصحيح : عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر ، قال : « يتوضأ ويعيد طواف ، وإن كان تطوّعاً توضّأ وصلّى ركعتين » (٤).

وعليه الأكثر. وهو الأظهر ؛ لأن المفصَّل يحكم على المجمل.

ويستباح بالترابية كما يستباح بالمائية ؛ لعمومات المنزلة.

( وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن ) وفاقاً للأكثر كما في كلام‌

__________________

(١) منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٦٩٠ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٦٧.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٧٤ أبواب الطواف ب ٣٨.

(٣) الكافي في الفقه : ٢١٧.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٥٠ / ١٢٠٢ ، التهذيب ٥ : ١١٦ / ٣٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٢ / ٧٦٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٤ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٣.

٥

جمع (١) ، بل لم ينقل في المنتهى فيه خلاف (٢) ، وفي الغنية الإجماع عليه (٣).

للنبوي : « الطواف بالبيت صلاة » (٤) بناءً على أن التشبيه يقتضي الشركة في جميع الأحكام ، ومنها هنا الطهارة من النجاسة.

والخبر : عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف ، قال : « ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ، ثم يعود فيتمّ طوافه » (٥).

وإطلاق النص كالمتن والأكثر يقتضي عدم الفرق في الطواف بين الفرض والنفل.

والأقرب العفو فيه عما يعفى عنه في الصلاة ، وفاقاً للشهيدين (٦) ؛ لظاهر عموم التشبيه في الخبر الأوّل ؛ مضافاً إلى فحوى العفو عنه في الصلاة ، فهنا أولى ، وبذلك يقيّد إطلاق الخبر الثاني.

خلافاً لجماعة فلا يعفى (٧) ، وهو أحوط.

وكره ابن حمزة الطواف مع النجاسة في ثوبه أو بدنه (٨). والإسكافي‌

__________________

(١) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٦٢٦ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٦٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٩٠.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.

(٤) عوالي اللئلئ ٢ : ١٦٧ / ٣ ، الجامع الصغير ٢ : ١٤٣ / ٥٣٤٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤.

(٥) التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ٢.

(٦) الدروس ١ : ٣٩٢ ، المسالك ١ : ١٢٠.

(٧) كما في السرائر ١ : ٥٧٤ ، والمختلف : ٢٩١ وكشف اللثام ١ : ٣٣٢.

(٨) الوسيلة : ١٧٣.

٦

في ثوب أصابه دم لا يعفى عنه في الصلاة (١). وتبعهما جماعة من المتأخرين (٢).

للأصل ، وضعف الخبرين ، والمرسل كالصحيح : عن رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه ، فقال : « أجزأه الطواف فيه ، ثم ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر » (٣).

وفي الجميع نظر ؛ لوجوب الخروج عن الأصل عن الأصل بما مرّة ؛ وضعف الخبرين ينجبر بالعمل سيّما من نحو ابن زهرة والحلّي (٤) ، اللذين لا يعملان بصحيح أخبار الآحاد فضلاً عن ضعيفها إلاّ بعد احتفافها بالقرائن القطعية (٥) ؛ وضعفِ المرسل وإن عدّ كالصحيح ، مع عدم صراحته في العمد فيحتمل الجهل ، فليحمل عليه للجمع.

( والختان في الرجل ) وفاقاً للأكثر ، بل لم ينقل في المنتهى خلافاً فيه (٦) ، وعن الحلبي أنه شرط الحج بإجماع آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧).

للنهي عنه في الصحاح وغيرها المفسد للعبادة (٨) ، من غير فرق بين الفرض والنفل.

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٢٩١.

(٢) انظر صاحب المدارك ٨ : ١١٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٢٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٣٠٨ / ١٥٢٣ ، التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ٣.

(٤) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٧٤.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٣٧ ، السرائر ١ : ٤٧.

(٦) المنتهى ٢ : ٦٩٠.

(٧) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٣٣ وهو في الكافي : ١٩٣.

(٨) الوسائل ١٣ : ٢٧٠ أبواب مقدّمات الطواف ب ٣٣.

٧

خلافاً للحلّي فظاهره التوقف (١) ، وليس في محلّه.

نعم ، الأخبار لا تدلّ على الشرطية المطلقة بحيث تشمل غير صورة العمد ؛ لاختصاص النهي الذي هو مناط الدلالة بها ، فلا يعمّ غيرها ، إلاّ أن يتمّ بالإجماع وعدم القائل بالفرق إن تمّ.

واحترز بقوله : « في الرجل » عن المرأة ، فلا يشترط عليها ؛ للأصل والإجماع كما قيل (٢) ؛ مع اختصاص الأخبار بغيرها ؛ وخصوص الصحيح : « لا بأس أن تطوف المرأة غير مخفوضة » (٣).

وعن الصبي ؛ للأصل ، وعدم دليل فيه ، عدا إطلاق الصحيح : « الأغلف لا يطوف بالبيت » (٤) ولا عموم فيه ، بل غايته الإطلاق المنصرف إلى غيره ، لغلبته ، فتأمل ؛ مضافاً إلى عدم توجه النهي إليه.

ومن الوجه الأول يستفاد إلحاق الخنثى بالصبي ، مع احتمال عدمه ، لوجوب تحصيل يقين الخروج عن عهدة التكليف القطعي ، ولا ريب أنه بل وإلحاق الصبي بالرجل أحوط.

وإطلاق العبارة يشمل المتمكّن من الختان وغيره ولو بضيق الوقت.

خلافاً لجماعة فقيّدوه بالمتمكّن (٥). وهو قوي ؛ للأصل ، وعدم انصراف‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٧٤.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٣٣.

(٣) الكافي ٤ : ٢٨١ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٥٠ / ١٢٠٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٤ ، الوسائل ١٣ : ٢٧١ أبواب مقدّمات الطواف ب ٣٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٣ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٣ ح ١.

(٥) منهم : العلاّمة في القواعد ١ : ٨٢ ، والشهيدان في الدروس ١ : ٣٩٣ والمسالك ١ : ١٢٠.

٨

الأخبار الناهية إلى غيره.

نعم في الخبر : في رجل يسلم فيريد أن يخشن وحضره الحج ، أيحجّ أم يخش؟ قال : « لا يحجّ حتى يختتن » (١).

ولكن في سنده جهالة ، بل وضعف في الدلالة ، لما قيل من أنه غير ظاهر في أنه غير متمكن من الختان لضيق الوقت وأنّ عليه تأخير الحج من عامة لذلك ، فإنّ الوقت إنما يضيق عن الاختتان مع الاندمال ، فأوجب عليه‌السلام أن يختتن ثم يحج وإن لم يندمل (٢).

( ويستحب مضغ ) شي‌ء من ( الإذخر ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد (٣) ، وعن الجامع والجمل والعقود (٤) ، وفيه : تطييب الفم بمضغ الإذخر أو غيره.

( قبل دخول مكّة ) كما عن الوسيلة والمهذّب (٥) ، وفيه نحو ما في الجمل والعقود من تطييب الفم به أو بغيره.

أو عند دخول الحرم ، كما عن النهاية والمبسوط والسرائر والتحرير والتذكرة والمنتهى والاعتقاد والمصباح (٦) ومختصره ، وفي هذه الثلاثة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٨١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٥١ / ١٢٠٦ ، التهذيب ٥ : ١٢٥ / ٤١٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٣ ح ٢.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٣٣.

(٣) الشرائع ١ : ٢٦٦ ، القواعد ١ : ٨٣.

(٤) الجامع للشرائع : ١٩٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٠.

(٥) الوسيلة : ١٧٢ ، المهذب ١ : ٢٣٣.

(٦) النهاية : ٢٣٥ ، المبسوط ١ : ٣٥٥ ، السرائر ١ : ٥٧٠ ، التحرير ١ : ٩٧ ، التذكرة ١ : ٣٦٠ ، المنتهى ٢ : ٦٨٨ ، الاقتصاد : ٣٠٣ ، المصباح : ٦٢١ ، حكاه عن مختصره في كشف اللثام ١ : ٣٣٩.

٩

التطييب أيضاً بغيره كما في الكتابين.

والأصل في المسألة الصحيح : « إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه » (١) ونحوه الخبر (٢).

وقال الكليني : سألت بعض أصحابنا عن هذا ، فقال : يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر (٣).

قيل : وهو يؤيد استحبابه لدخول مكة ، بل المسجد ، وكونه من سنن الطواف(٤).

( ودخولها من أعلاها ) كما في الشرائع والقواعد (٥) ، وعن النهاية والمبسوط والاقتصاد والجمل والعقود والمصباح ومختصره والكافي والغنية والجامع (٦) إذا أتاها من طريق المدينة ، كما عن المقنعة والتهذيب والمراسم والوسيلة والسرائر والتحرير والمنتهى والتذكرة (٧) ، وفيه : أو الشام. قيل : لاتحاد طريقهما بقربها بل قبل ذلك (٨).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٨ / ٤ ، الوسائل ١٣ : ١٩٨ أبواب مقدمات الطواف ب ٣ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٨ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ١٩٨ أبواب مقدّمات الطواف ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٨.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٣٩.

(٥) الشرائع ١ : ٢٦٦ ، القواعد ١ : ٨٣.

(٦) النهاية : ٢٣٥ ، المبسوط ١ : ٣٥٥ ، الاقتصاد : ٣٠٣ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٠ ، مصباح المتهجد : ٦٢١ ، حكاه عن مختصره في كشف اللثام ١ : ٢٣٩ ، الكافي في الفقه : ٢٠٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، الجامع للشرائع : ١٩٦.

(٧) المقنعة : ٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٩٨ ، المراسم : ١٠٩ ، الوسيلة : ١٧٢ ، السرائر ١ : ٥٧٠ ، التحرير ١ : ٩٧ ، المنتهى ٢ : ٦٨٨ ، التذكرة ١ : ٣٦٠.

(٨) كشف اللثام ١ : ٣٣٩.

١٠

وفيه أيضاً : فأمّا الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنيّة يعني العليا.

وفيه أيضاً : وقيل : بل هو عام ليحصل التأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قلت : واستظهره الشهيدان في الدروس والروضة (١) ، ونسب في الدروس إلى الفاضل اختصاصه بالمدني والشامي ، قال : وفي رواية يونس إيماء إليه.

قلت : لأنه سأل الصادق عليه‌السلام من أين أدخل مكة وقد جئت من المدينة؟ فقال : « ادخل من أعلى مكة » (٢).

وفيه : أنّ القيد في كلام السائل.

والأجود الاستدلال به بالأصل ، واختصاص الرواية السابقة وهي موثقة بالمدني ، ولا دليل على العموم ، والتأسي به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يتم لو دلّ دليل على أنّ فعله على العموم ، ولم نجده ، وإنما الموجود منه الصحيح : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين (٣). وهو كما ترى لا دلالة فيه عليه.

والأعلى كما في الدروس وعن غيره (٤) ثنيّة كداء بالفتح والمدّ ، وهي التي ينحدر منها إلى الحجون مقبرة مكة.

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٩٢ ، الروضة البهية ٢ : ٢٥٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٩٨ / ٣٢١ ، الوسائل ١٣ : ١٩٩ أبواب مقدمات الطواف ب ٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٢٤٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ / ١٥٨٨ ، الوسائل : أبواب مقدمات الطواف ب ٤ ح ١.

(٤) الدروس ١ : ٣٩٢ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٣٩.

١١

ويستحب دخولها ( حافياً ) كما في الشرائع والقواعد (١) ، وعن المبسوط والوسيلة وظاهر الاقتصاد والجمل والعقود والمهذّب والسرائر والجامع (٢).

وفي الصحيح : « إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافياً على السكينة والوقار والخشوع ، ومن دخله بخشوع غفر الله له إن شاء الله » (٣).

وأن يدخلها ( على سكينة ووقار ) احتراماً لها وللبيت ؛ وللصحيحين وغيرهما (٤) ، وفيها : « من دخلها بسكينة غفر له ذنبه ». وفي الصحيح : كيف يدخل بالسكينة؟ قال : « يدخل غير متكبّر ولا متجبّر » (٥) وبمعناه غيره (٦).

وأن يكون ( مغتسلاً ) لدخولها ( من بئر ميمون أو فَخّ ) للصحيح : « إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء الله تعالى فاغتسل حين تدخله ، وإن تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ أو من منزلك بمكة » (٧).

وفي آخر مضمر : عن الغسل في الحرم قبل دخوله مكة أو بعد‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٦٦ ، القواعد ١ : ٨٣.

(٢) المبسوط ١ : ٣٥٥ ، الوسيلة : ١٧٢ ، الاقتصاد : ٣٠٣ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٣٣٠ ، المهذب ١ : ٢٣٣ ، السرائر ١ : ٥٧٠ ، الجامع للشرائع : ١٩٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٩٩ / ٣٢٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٤ أبواب مقدمات الطواف ب ٨ ح ١.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٢٠٢ أبواب مقدمات الطواف ب ٧.

(٥) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٩ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٢ أبواب مقدمات الطواف ب ٧ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٠١ / ١٠ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٣ أبواب مقدمات الطواف ب ٧ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٩٧ / ٣١٩ ، الوسائل ١٣ : ١٩٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٢ ح ٢.

١٢

دخوله؟ قال : « لا يضرّك أيّ ذلك فعلت ، وإن اغتسلت بمكة فلا بأس ، وإن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس » (١).

ويستفاد منه التخيير بين الغسل قبل الدخول وبعده ، لكن المستحب الأول كما هو شأن كل غسل يستحب للمكان.

وفي المرسل : « إنّ الله عز وجل يقول في كتابه ( طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (٢) فينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلاّ وهو طاهر قد غسل عرقه والأذى وتطهّر » (٣).

( ولو تعذّر ) التقديم ( اغتسل بعد الدخول ) لما مرّ من الصحيح.

قيل : والاغتسال من بئر ميمون للقادم من العراق ونحوه ، ومن فَخّ للقادم من المدينة ، وبالجملة : فكلّ من يمرّ عليه في قدومه ، فلا يكلّف غيره بأن يدور حتى يرد أحد ذلك فيغتسل منه ، للأصل ، وعدم عموم النص أو إطلاقه (٤).

( والدخول ) إلى المسجد ( من باب بني شيبة ) قيل (٥) : للتأسي ، والنص (٦). وعلّل فيه بأن هُبَل بضمّ الهاء وفتح الباء وهو أعظم الأصنام مدفون تحت عتبتها ، فإذا دخل منها وطئه برجله.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٩٧ / ٣١٨ ، الوسائل ١٣ : ١٩٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٢ ح ١.

(٢) البقرة : ١٢٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٨ / ٣٢٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٥ ح ٣.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٣٩.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٤٠.

(٦) الفقيه ٢ : ١٥٤ / ٦٦٨ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٦ أبواب مقدمات الطواف ب ٩ ح ١.

١٣

وفي المدارك وغيره : إنّ هذا الباب غير معروف الآن لتوسّع المسجد ، لكن قيل : إنه بإزاء باب السلام ، فينبغي الدخول منه على الاستقامة إلى أن يتجاوز الأساطين ليتحقق المرور به على هذا القول (١).

( والدعاء عنده ) أي عند الدخول بالمأثور في الصحيح ، ففيه : « فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، بسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله ، والسلام على أنبياء الله تعالى ورسله ، والسلام على رسول الله ، والسلام على إبراهيم خليل الله ، والحمد لله ربّ العالمين. فإذا دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل البيت وقل : اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أوّل مناسكي أن تقبل توبتي ، وأن تجاوز عن خطيئتي ، وتضع عنّي وزري ، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام ، اللهم إني أشهد أنّ هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابةً للناس وأمناً ومباركاً وهدًى للعالمين ، اللهم إني عبدك ، والبلد بلدك ، والبيت بيتك ، جئت أطلب رحمتك ، وأؤمّ طاعتك ، مطيعاً لأمرك ، راضياً بقدرك ، أسألك مسألة المضطر إليك ، الخائف لعقوبتك ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني بطاعتك ومرضاتك » (٢).

( وأمّا الكيفية : فواجبها النية ) واستدامة حكمها إلى الفراغ كما في غيره من العبادات.

والأظهر الاكتفاء فيها بقصد الفعل المتعين طاعةً لله عزّ وجلّ ، وإن كان الأحوط التعرض للوجه من وجوب أو ندب ، وكون الحج إسلامياً أو‌

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٢٤ ؛ وانظر المسالك ١ : ١٢٠ ، والذخيرة : ٦٣٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٩٩ / ٣٢٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٤ أبواب مقدمات الطواف ب ٨ ح ١.

١٤

غيره ، تمتعاً أو غيره.

وفي الدروس : ظاهر بعض القدماء أن نية الإحرام كافية عن خصوصيات نيّات الأفعال (١). وما ذكرناه أظهر وأحوط.

( والبدأة بالحجر ) الأسود ( والختم به ) بالإجماع كما في كلام جماعة (٢) ؛ والمعتبرة ، ففي الصحيح : « من اختصر في الحِجر الطواف فليعد طوافه من الحَجر الأسود إلى الحَجر الأسود » (٣).

وحيث تجب البدأة بالحَجر فلو ابتدأ من غيره لم يعتّد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود ، فيكون منه ابتداء طوافه إن جدّد النية عنده أو استصحبها فعلاً.

والظاهر الاكتفاء في تحقق البدأة بالحَجر بما يصدق عليه ذلك عرفاً.

واعتبر العلاّمة ومن تأخّر عنه (٤) جعل أوّل جزء من الحَجر محاذياً لأوّل جزء من مقاديم بدنه بحيث يمرّ عليه بعد النية بجميع بدنه علماً أو ظنّاً.

وهو أحوط وإن كان في تعيّنه نظر.

ومعنى الختم به إكمال الشوط السابع إليه بحيث يصدق الختم به عرفاً.

خلافاً لمن مرّ ، فاعتبروا محاذاة الحَجر في آخر شوط كما ابتدأ به أوّلاً ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان.

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٩٤.

(٢) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٦٩٠ ، وصاحبا المدارك ٨ : ١٢٥ ، والحدائق ١٩ : ١٠٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٧ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٣.

(٤) العلامة في التذكرة ١ : ٣٦١ ، وتبعه الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٠.

١٥

والكلام فيه كما مرّ ، بل قيل : إنّ الظاهر الاكتفاء بتجاوزه بنية أنّ ما زاد على الشوط لا يكون جزءاً من الطواف ، بل الظاهر عدم بطلان الطواف بمثل هذه الزيادة وإن قصد كونها من الطواف (١).

( والطواف على اليسار ) بالإجماع كما في كلام جماعة (٢) ؛ للتأسي ، مع حديث : « خذوا عنّي مناسككم » (٣).

والمراد به جعل البيت على يساره حال الطواف ، فلو جعله على يمينه أو استقبله بوجهه أو استدبره جهلاً أو سهواً أو عمداً ولو بخطوة لم يصحّ ، ووجب عليه الإعادة.

ولا يقدح في جعله على اليسار الانحراف اليسير إلى جهة اليمين بحيث لا ينافي صدق الطواف على اليسار عرفاً قطعاً.

( وإدخال الحِجر ) أي حِجر إسماعيل عليه‌السلام ( في الطواف ) بالإجماع كما في الغنية وغيرها وعن الخلاف (٤).

والصحاح ، منها زيادةً على ما مرّ الصحيح : قلت رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجر ، قال : « يعيد ذلك الشوط » (٥).

والصحيح : في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحِجر ، قال : « يقضي ما اختصر من طوافه » (٦).

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٢٧.

(٢) منهم : العلاّمة في التذكرة ١ : ٣٦١ ، وصاحب المدارك ٨ : ١٢٨.

(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٣٤ / ١١٨ ، المستدرك ٩ : ٤٢٠ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ٤.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ٣٦٩ ، الخلاف ٢ : ٣٢٤.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٧ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ / ٣٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٦ أبواب الطواف ب ٣١ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٤١٩ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٦ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٢.

١٦

قيل : وزاد في التذكرة والمنتهى أنه من البيت ، فلو مشى فيه لم يكن طاف بالبيت (١).

وفي التذكرة : إنّ قريشاً لمّا بنت البيت قصرت الأموال الطيبة والهدايا والنذور عن عمارته ، فتركوا من جانب الحِجر بعض البيت ، قال : روت عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « ستة أذرع من الحِجر من البيت » (٢).

وحكى في موضع آخر عن الشافعي أن ستة أذرع منه من البيت ، وعن بعض أصحابه أن ستة أذرع أو سبعة منه من البيت وأنهم بنوا الأمر فيه على التقريب (٣).

وظاهره فيه وفي المنتهى أن جميعه من البيت (٤).

وفي الدروس : إنه المشهور (٥).

وجميع ذلك يخالف الصحيح ، وفيه بعد أن سئل عنه : أمن البيت هو أو فيه شي‌ء من البيت؟ فقال : « لا ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن امّه فيه فكره أن توطأ ، فجعل عليه حجراً ، وفيه قبور أنبياء » (٦).

أقول : وبمعناه أخبار أُخر (٧).

وعلى الجملة فلو مشى على حائطه أو طاف بينه وبين البيت لم يصحّ شوطه الذي فعل فيه ذلك ووجب عليه الإعادة.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٣٤.

(٢) التذكرة ١ : ٣٦١.

(٣) التذكرة ١ : ٣٦٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٩١.

(٥) الدروس ١ : ٣٩٤.

(٦) الكافي ٤ : ٢١٠ / ١٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٣ أبواب الطواف ب ٣٠ ح ١.

(٧) انظر الوسائل ١٣ : ٣٥٣ أبواب الطواف ب ٣٠.

١٧

وهل الواجب إعادة ذلك الشوط خاصة ، أو إعادة الطواف رأساً؟ الأصحّ : الأوّل ، وفاقاً لجمع (١) ؛ للصحيح المتقدم قريباً.

ولا ينافيه الصحيح المتقدم سابقاً : « من اختصر في الحِجر الطواف فليعد طوافه » (٢) لاحتمال التقييد بالشوط الذي وقع فيه الخلل ، أو الاختصار في جميع الأشواط.

ولا يكفي إتمام الشوط من موضع سلوك الحِجر ، بل تجب البدأة من الحجر الأسود ؛ للأمر به فيما مرّ من الصحيح ، مضافاً إلى أنه المتبادر من إعادة الشوط.

( وأن يطوف سبعاً ) بالإجماع كما في كلام جماعة (٣) ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة القريبة من التواتر ، بل لعلّها متواترة (٤).

( و ) أن ( يكون ) طوافه ( بين المقام والبيت ) مراعياً قدر ما بينهما من جميع الجهات مطلقاً على المشهور ، بل قيل : كاد أن يكون إجماعاً (٥). وفي الغنية الإجماع عليه صريحاً (٦).

للخبر : عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت ، قال : « كان الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام والبيت ، فكان الحدّ موضع‌

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٨ : ١٣٠ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٢٨ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٦٩.

(٢) تقدّم مصدره في ص ٣١١٢.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٨ : ١٣٠ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٦٩ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ١٠٩.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٣٣١ أبواب الطواف ب ١٩.

(٥) مفاتيح الشرائع ١ : ٣٦٩.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.

١٨

المقام اليوم ، فمن جازه فليس بطائف ، والحدّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين نواحي البيت ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد ، لأنه طاف في غير حدّ ، ولا طواف له » (١).

وفي سنده جهالة وإضمار ، إلاّ أنه لا محيص عنه ، لانجباره بالشهرة ونقل الإجماع.

خلافاً للإسكافي ، فجوّزه خارج المقام مع الضرورة (٢) ؛ للموثق كالصحيح : عن الطواف خلف المقام ، قال : « ما أُحبّ ذلك ، وما أرى به بأساً ، فلا تفعله إلاّ أن لا تجد منه بدّاً » (٣).

قيل : وقد يظهر من المختلف والتذكرة والمنتهى الميل إليه (٤).

وفي دلالة الرواية عليه مناقشة ، بل ظاهرها الدلالة على الجواز مطلقاً ولو اختياراً ، لكن مع الكراهة وأنها ترتفع بالضرورة ، ورواها الصدوق في الفقيه ، وظاهره الإفتاء بها ، فيكون قولاً آخر في المسألة.

( و ) من لوازمه أن ( يصلّي ركعتين ) وجوباً في الطواف الواجب ، وندباً في المندوب ، على المعروف من مذهب الأصحاب كما في كلام جماعة (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٠٨ / ٣١٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٠ أبواب الطواف ب ٢٨ ح ١.

(٢) كما نقله عنه في المختلف : ٢٨٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١٢٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٥١ أبواب الطواف ب ٢٨ ح ١.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٣٤.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٨ : ١٣٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٢٩ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ١٣٤.

١٩

وفي الخلاف : الإجماع على الوجوب (١) ، مع أن فيه وفي السرائر (٢) : نقل قول بالاستحباب. وهو مع شذوذه محجوج بظاهر الآية (٣) والأخبار الكثيرة (٤) التي كادت تبلغ التواتر ، بل لعلّها متواترة.

ويجب إيقاعهما ( في المقام ) مقام إبراهيم حيث هو الآن ، لا حيث كان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبراهيم عليه‌السلام ، فالمعتبر في مكانهما خارج المطاف ، وهو مكان المقام الآن.

للصحيح : أُصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة ، أو حيث كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : « حيث هو الساعة » (٥).

والموجود فيه وفي غيره من النصوص الكثيرة اعتبار الخلف ، فما في المتن وعن النهاية والمبسوط والوسيلة والمراسم والسرائر والشرائع والتذكرة والتبصرة والتحرير والمنتهى والإرشاد (٦) من اعتبار الوقوع فيه لا وجه له ، إلاّ أن يراد به عنده ، كما في جملة من النصوص ، وعن الاقتصاد والجمل والعقود وجمل العلم والعمل وشرحه والجامع (٧) ، ويؤيده استدلال‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٢٧.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٢٧ ، السرائر ١ : ٥٧٦.

(٣) البقرة : ١٢٥.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٣٠٠ أبواب الطواف ب ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٣ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٧ / ٤٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٢ أبواب الطواف ب ٧١ ح ١.

(٦) النهاية : ٢٤٢ ، المبسوط ١ : ٣٦٠ ، الوسيلة : ١٧٢ ، المراسم : ١١٠ ، السرائر ١ : ٥٧٦ ، الشرائع ١ : ٢٦٨ ، التذكرة ١ : ٣٦٢ ، التبصرة : ٦٨ ، التحرير ١ : ٩٨ ، المنتهى ٢ : ٦٩١ ، الإرشاد ١ : ٣٢٤.

(٧) الاقتصاد : ٣٠٣ ، الجمل والعقود : ٢٣٠ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٧ ، شرح جمل العلم والعمل : ٢٢٧ ، الجامع للشرائع : ١٩٩.

٢٠