الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

الهداية الايمانية.

ولماذا «بإيمان» منكرا ، وليس «بالايمان» معرفا؟ لأن الايمان في أية درجة كان يبرر ذلك الإلحاق ، فالمعرف منه يوحي أنه كإيمان الأصول ، إذا فلا معنى للإلحاق لأنهما على سواء ، فإيمان مصيره الجنة ، مهما خالطه ما يستحق به النار ، إنه يلحق صاحبه بالأصول على أية حال ، رأى صاحبه النار أم ما رآها.

ثم الاتباع الايماني ينفي ما عداه من الاتباعات والانطباعات ، أية انطباعات وأية اتباعات ، اللهم إلا الايمانية فحسب.

إذا فهؤلاء الذرية هم المكلفون المؤمنون ، دون القصّر ولا الكافرون ، إذ لا اتباع لهؤلاء ولا هؤلاء بإيمان ، فالقصّر غير مكلفين ، فلا يطلب منهم ايمان ، ولا يتأتى منهم اتباع بإيمان ، الذي هو فعل اختياري من الذرية : (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) وأما الايمان الفطري والتشريعي فهما من فعل الخالق المشرع دون المخلوق المتشرع ، فما ذا تكون إذا حال القصّر من أولاد المؤمنين وأولاد الكافرين؟ انتظر الجواب في أخريات البحث.

وأما الإلحاق ، فهل يشمل الآخرة والأولى جزاء في الآخرة وحكما في الاولى؟ علّه يشمل حيث تتحمله الآية ، ولا سيما بايحاء الماضية : «الحقنا» ولكنما الاخرى هي الأولى ، استيحاء من رهانة النفوس بأعمالها ، إذ لا تظهر تماما في الدنيا.

وأما عن مدى ذلك الإلحاق في الآخرة؟ فقد يتحقق بكافة الدرجات في جنات المعرفة والرضوان بسائر المكانات ، فضلا عن الأمكنة والماديات ، وهذا مخصوص بالآباء والذريات القريبي الدرجات كما بين الرسول الأقدس محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وذريته الأئمة الأوصياء (١) فإنهم قلوب واحدة بقوالب عدة ، دون اختلاف في الدرجات ،

__________________

(١) الكافي عن أبي عبد الله (ع) في الآية قال : الذين آمنوا النبي (ص) وامير المؤمنين (ع) وذريته الأئمة الأوصياء (ع) «الحقن بهم» ولم تنقص ذريتهم الحجة التي جاء بهم محمد (ص) في ـ

٣٦١

اللهم إلا في كرامة الوحي الخاصة به صلّى الله عليه وآله وسلّم دونهم (ع) ، وإلا ف «أولنا محمد ـ آخرنا محمد ـ أوسطنا محمد : وكلنا محمد» وكما توحيه آية التطهير واضرابها ، وفيما تكون الدرجات بين الآباء والذريات شاسعة بعيدة ، فالمتيقن من هذا الإلحاق ، هو الحظوظ المادية ، او ومعنوية أحيانا حسب متطلبات الآباء ، فاللحوق إذا يشمل قسميه ، طالما التسوية المطلقة بمفردها لا تناسبه فانها ليست لحوقا ، وانما بمناسبة الجمع ، الذي تبرره الاكثرية الساحقة من غير المسوين تماما.

وكيف تلحق الذريات بالآباء وهم أتباعهم ودونهم في الايمان ، أليس يقتضي ذلك الإلحاق نقصا من اعمال الآباء ليزيد في اعمال الذرية حتى يستحقوا التسوية بالالحاق؟ وهذا ظلم بالآباء! وزيادة للذرية دون عمل! حتى ولو زيد في أعمالهم دون نقص عن الآباء ، ومظنة الألت هذا يقتضي سلبا وإيجابا في الجواب : فسلبا (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) : نلحق بهم ذريتهم دون ان ننقص من اعمالهم شيئا ، وكما عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : وما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين (١) وإيجابا : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) فقد تختص رهانة النفوس بطالحات الأعمال دون

__________________

ـ علي (ع) وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة.

البرهان ٤ : ٢٤١ محمد بن العباس مسندا الى علي بن زيد قال عبد الله بن عمر كنا نفاضل فنقول عمر وابو بكر وعثمان ، ويقول قائلهم فلان وفلان ، فقال رجل يا أبا عبد الرحمان فعلي (ع) فقال : على من أهل بيت لا يقاس بهم احد من الناس على مع النبي في درجته ثم استدل بهذه الآية. وفيه عنه باسناده المتصل عن ابن عباس في الآية قال : نزلت في النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع).

وفيه الشيخ في اماليه بسند متصل عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد (ع) يقولان : ان الله اعوض الحسين (ع) من قتلته ان جعل الامامة في ذريته والشفاء في تربته واجابة الدعاء عند قبره ولا تعد ايام زائريه جائيا وراجعا من عمره ، قال قلت لأبي عبد الله (ع) : هذه الخلال ينال بالحسين فما له في نفسه؟ قال : ان الله تعالى الحقه بالنبي (ص) فكان معه في درجته ومنزلته ثم تلى (ع) هذه الآية.

(١) الدر المنثور ٦ : ١١٩ ـ أخرجه البزار وابن مردويه عن ابن عباس رفعه إلى النبي (ص).

٣٦٢

صالحاتها ، كما توحيه الرهانة نفسها فانها القيد والحصر ، وكذلك آيتها الأخرى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) (٧٤ : ٣٨) فإنهم لا يرهنون ان لم تبق لهم سيئات ، بين ما لم يقترفوها وما كفروا عنها ، فنفوسهم ليست رهينة طالحات وسجينتها.

وقد تدل رهانة النفوس باعمالها انها باقية معها ، وكما تدل عليه (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ) دون «من ثوابهم» فإمكانية النقص من العمل ليست إلا ببقاء العمل ، إذا فالمستفاد من هذه الضابطة : ان السيئات هي الراهنة لأصحابها ، تقدر عقوبتها بقدرها ، او ويعفى عن بعضها في ظروفها ، واما الحسنات فهي لا ترهن وتقيد أصحابها بقدرها ، فان الثواب دوما يزيد على الطاعة ، في أصلها إذ لا تحقق جزاء إلا بفضل من الله ، وفي قدرها ف (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) (٦ : ١٦٠) ثم هناك مزيد عند الله بغير حساب (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) ان الله يرزق من يشاء بغير حساب!

فآية الرهانة حين ترهن وتأسر السيئات بقدرها في العقوبات عدلا او باقل منها فضلا ، فهي تحرر الحسنات عن حدودها في الثواب ، كما في كافة المؤمنين ، بل وتحرر الثواب كذلك عن قيد الحسنات فيما لم تكن سيئات ولا حسنات كأطفال المؤمنين والكفار ، وكذلك فيما كانت سيئات مكفرة وحسنات لا تستحق إلا قدرها من الثواب الفضل ، كدخول الذرية التابعين بإيمان ، الجنة ، ثم إلحاقهم بآبائهم في درجاتهم او بعضها فإنهم يستحقونها إذ لم يعملوا لها ولكن الله يلحقهم بالآباء تقريرا لعيونهم (١) ، رغم ان الذرية أنفسهم لا يستحقونها لا عدلا ولا فضلا! ، فإذ يلحقهم الله بآباءهم ، ليس ذلك إلا إكراما للآباء حيث تقر عيونهم ، فتقدر

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ١١٩ ـ اخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس ان النبي (ص) قال : إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وذريته وولده فيقال : انهم لم يبلغوا درجتك وعملك فيقول : يا رب! قد عملت لي ولهم فيؤمر بالحاقهم وقرء الآية. وفي معناه ، رواه في الكافي عن أبي عبد الله (ع) في الاية قال : قصرت الأبناء عن عمل الآباء فالحقوا الأبناء بالآباء لنقر بذلك أعينهم.

٣٦٣

ـ إذا ـ درجات الإلحاق هذا بما تقربه عيونهم ، دون ان يألتهم وينقصهم من اعمالهم من شيء ، فكما زاد في ثوابهم ان رفعهم درجات فوق اعمالهم ، كذلك يزيد لهم ان يقر عيونهم بالحاق ذرياتهم المؤمنين بهم ، وهذا لا يتنافى والجزاء العدل ، فانه طرف من تكريم الآباء.

ومن وجهة اخرى ان الذريات التي أقرت عيون الآباء ، أن اتبعتهم بإيمان ، كذلك تقر عيونهم بهذا الإلحاق ، فضلا من الله وإحسانا ، دون فوضى لا في العدل ولا في الفضل ، فانه نتيجة عمل ثنائي : منهم إذ بيضوا باتباعهم الآباء عيونهم وبآبائهم إذ انهم من عملهم ولادة وتربية ، وأن ذلك مما يشاؤنه والجنة : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ).

صحيح ان الذرية ما عملوا كما عمل الآباء ، إلا ان في لحوقهم جزاء على عمل الآباء ، فلا ظلم على الآباء في ذلك بل هو فضل ، ولا فوضى في الفضل على الذرية إذ ليس إلا مغبة تقرير عيون الآباء ، طالما الفوضى وخلاف العدل في إلحاق غير الذرية الى هؤلاء في درجاتهم او بعضها ، فإنهم لا يستحقونها ولا فضلا ، وهذه التسوية خلاف العدل إذ لا تقرير لعيون المسوى بهم.

لذلك ـ وفي توسع من معنى الذرية او حكمها ـ بامكاننا أن نتخطى الأولاد والأهلين الى كل التابعين لرعاتهم بإيمان ، ما كان في إلحاقهم بهم تقرير لأعينهم ، وإن كانوا آباءهم التابعين لهم بإيمان وأمثالهم من الأقارب غير الأولاد وكما يروى عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (١) ام وغير الأقارب كما في كل مأموم لإمامه ، هذا ، وكما يتضمنهم دعاء الملائكة للمؤمنين الأصول : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤٠ : ٨).

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ١١٩ وقد سبق قوله (ص) هنا : إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وذريته وولده فيقال : انهم لم يبلغوا درجتك وعملك ، فيقول يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بالحاقهم به وقرء الاية.

٣٦٤

ثم وفي وجه آخر لآية الرهانة : ان يشمل الرهن فيها صالح الأعمال ايضا.

نقول ان الذرية وان لم تعمل ما يؤهلها لهذا الإلحاق ، إلا انهم في اتباع الايمان من مكاسب الآباء ولو في زاوية من مثلث الاهتداء ، وان الآباء عملوا لهم كما عملوا لأنفسهم ، وعلى حد المروي عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم (١) فكما للإنسان ان يعمل لنفسه ، كذلك له ان يعمل لمن هو كنفسه ان ساعدت ظروفه ، واتبعه بإيمان كما تقدم حسنات للأموات مهما كانوا غير مخصوصين بالعاملين ، وإن لا يصلهم الا بعض ما يقدم لهم ، فكذلك وباحرى للذريات ، وإن لا يصلون بذلك درجة الآباء ، فهم بحاجة الى الإلحاق ، فضلا من الله وإحسانا ثم ولا ينقص من اعمال الآباء شيء لأنها باقية معهم دون مزايلة ، وهم مرهونون بها دون فكاك ، فكيف ينقص منها؟ بل ويزاد عليها حسنات فسواء اختصت الرهانة بالسيئات ، او عمت الحسنات ، فالتابعون لآبائهم بإيمان يلحقون بهم بإحسان دون نقص من اعمالهم شيئا ، ودون منافاة لرهانة الأعمال أيا كانت.

وأخيرا ما هو دور القصر من أولاد المسلمين ، صغارا ومجانين ، وكذلك هما من الكافرين؟ .. نقول : ان الذراري القصر المسلمين ، وان لا يشملهم صدر آية الذرية ، إذ اختصت بالمكلفين ، إلا أنهم مشمولون لذيلها : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) في الوجه الاول ، كما يشمل القصر من الكافرين وان كان بينهما فرق بان في إدخال الأولين الجنة تقريرا لعيون آباءهم دون الآخرين ، فالعقاب والعقاب فقط لزامه السيئة ، واما الثواب فلا يتطلب حسنة ولا سيما ممن لا تتأتى منه ولا تأتي من راعيه ، فأولاد المؤمنين يدخلون الجنة وكما يروى عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمة من آله (ع) (٢) وعل مصير أولاد الكفار ومجانينهم خطيرة بين الجنة والنار إذ لا طاعة لهم ولا عصيان ولا رهانة خيرة لآبائهم حتى يدخلوا الجنة تقريرا لعيونهم ولا شريرة لكي تدخلهم النار ، وليس بذلك البعيد من

__________________

(١ ، ٢). في المجمع روى زاذان عن علي (ع) قال : قال رسول الله (ص): ان المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وروى عن الصادق (ع) قال : أطفال المؤمنين يهدون الى آباءهم يوم القيامة.

٣٦٥

رحمة الله ان يدخلهم ايضا الجنة ولكن أدنى من قصر المسلمين.

وهناك رواية يتيمة تؤجج النار للقصار أيا كانوا امتحانا لهم هل هم مؤمنون فيدخلوا الجنة ، ام كافرون فيدخلوا النار امتهانا (١) ولكنها لا مصير لها إلا النار!.

فهنا نتساءل مختلقي هذه اليتيمة المخالفة للكتاب والسنة : أليس من الضروري انقضاء التكليف بالموت؟ فكيف يتكلف الأطفال بعد الموت وهم قصر بهذا التكليف العضال ، الذي قلما يكلف به المكلفون الأقوياء : أن يدخلوا النار!.

ثم وما بال البعض منهم يعصون ، والقيامة يوم ظهور الحقائق دون استثناء ، ولو للكفار الذين عاشوا حياتهم كفرا وعصيانا ، فهم يرجون هناك أن لو نفعهم ايمانهم فيؤمنوا : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) (٤٠ : ٨٥) ، فكيف يعصى هؤلاء الصغار وهم أعرف بالحقائق هناك من الكفار ، لصفائهم وعدم كفرهم؟ أم وإذا خالفوا أمر دخول النار كيف يستحقون به النار؟ ألأنهم عصوا الله مشافهة؟ فهو إلحاد في الله انه يشافه و (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)! ام عصوه إذ أغروا بجهلهم فهم إذا معذورون ، والإغراء بالجهل واستغاله ظلم سبحان العزيز الجبار ، او انه من المعاصي الصغار ، لو تأتي العصيان من الصغار ، فكيف يحكم عليهم بدخول النار؟ او يحكم لمن أطاع منهم هناك وآمن بدخول الجنة خلافا لسنة الله التي قد خلت في عباده : ان الايمان عند رؤية البأس لا ينفع!

إذا فلا مرد لهذه اليتيمة إلا النار ، ولكي نزحزح القصر المبتلين بها من النار ،

__________________

(١) نور الثقلين ٥ : ١٣٩ عن الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن غير واحد رفعوه انه سئل عن الأطفال! فقال : إذا كان يوم القيامة جمعهم الله وأجج لهم نارا وأمرهم أن يطرحوا أنفسهم فيها فمن كان في علم الله انه سعيد رمي بنفسه فيها وكانت عليه بردا وسلاما ومن كان في علمه انه شقي امتنع فيأمر الله بهم الى النار ، فيقولون يا ربنا! تأمر بنا الى النار ولم تجر علينا القلم؟ فيقول الجبار : قد أمرتكم مشافهة فلم تطيعون فكيف لو أرسلت رسولي بالغيب.

٣٦٦

كما هو مرد كل ما يخالف الكتاب والسنة مهما كثرت روايته وكبرت رواته فضلا عن هذه الوحيدة الهزيلة ، المرفوعة الشاذة الذليلة ، المتناقضة في نفسها ، رغم انها رائجة في أسواق تجار الإسلام المفترى عليه.

ومثلها يتيمة اخرى تفصل بين أولاد المؤمنين ـ فالى الجنة وبين أولاد الكفار ـ فالى النار! (١).

وهذا التفسير يتصدى لأمثالها من المخلقات الزور الغرور ، فانه لها بالمرصاد.

(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ)

ان المتقين والمؤمنين ـ بعد هذه المكرمات ـ يمددهم ربهم بفاكهة ولحم مما يشتهون ، وهما من أفخر وألذ المآكل ، مما يتطلب كأسا مثلها ، وإذا هم يتعاطونها بما فيها من خمر ، لكنها ليست كخمر الدنيا إلا في اسمها إذ (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) لا في الجنة ككل ، ولا في الكأس ، ولا في خمرها ، لغو القول ولا لغو الفعل ، وكذلك التأثيم ، طالما هما في الدنيا وكأسها وخمرها من سكر فعربدة وهذر وهدر وإيذاء واستئذاء وهتك للحرمات وكل لغو وتأثيم ، ولكنهم في الجنة يتعاطونها ويتجاذبون متلاعبين متفكهين بلا اي لغو او تأثيم ، كمتنازعين وليسوا متنازعين.

وكما انها فيها ليست خمرا تخمر العقل فتخلف كل لغو وتأثيم ، وانما التنازع

__________________

(١) تفسير روح البيان ج ٩ ص ١٩٣ نقلا عن عين المعاني : سألت خديجة (رض) رسول الله (ص) عن ولدين لها ماتا في الجاهلية ، فقال (ص) هما في النار ، فكرهت فقال (ص) لو رأيت مكانهما لأبغضتهما ، قالت : فالذي منك؟ قال (ص) : في الجنة ، ان المؤمنين وأولادهم في الجنة وان المشركين وأولادهم في النار.

ومثلها ما في الدر المنثور ٦ : ١١٩ ـ أخرجها عبد الله بن احمد في زوائد المسند عن علي (ع) قال قال رسول الله (ص): ان المؤمنين وأولادهم في الجنة وان المشركين وأولادهم في النار ثم قرء الآية.

٣٦٧

هنا تلاعب ، زيادة في الإيناس ولذة النعيم (١) ثم ويزيدهم لذة تطواف غلمان لهم ، قد يكونون من ذريتهم القصر الملحقين بهم ، ام سواهم المختصين لهم في الظرافة والصفاوة (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) : محفوظ ، فكما اللؤلؤ المكنون في كنه الصدفي او الذهبي والفضي ام سواها ، باق على نظافته وطراوته ، كذلك هؤلاء الغلمان ، فهم على ما خلقهم الله في أكنان تصونهم عن اي عيب او ظنة ، .. ترى إذا كان الغلمان الخدم كاللؤلؤ المكنون فكيف بالمخدوم؟ هنا يجيب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : «والذي نفسي بيده ان فضل ما بينهما كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم (٢).

ولكي يتصارحوا ونسمعهم بوحي القرآن ، لماذا ألحقت بهم ذريتهم وغلمان لهم؟ واستكمالا لأنفسهم بأهلهم :

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ، قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ. فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) يوحي الجواب ان اتساءل لا يخص اسباب دخولهم الجنة ، بل ولحوق ذريتهم بهم وهم يعملوا عملهم ، فهؤلاء المؤمنون الأصول كانوا في مثلث من دوافع هكذا رحمة : «.. كنا .. مشفقين» و «في أهلنا» و «كنا ... ندعوه» وهذه هي جذور الايمان.

فالإشفاق من الشفق : اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند الغروب ، فهو عناية مختلطة بخوف ، طالما المعدى منه بمن اظهر في الخوف ، وبفي اظهر في العناية ، وبالباء خاص بالشفقة.

إلا أن «مشفقين» هنا لم يعد بشيء فهو يوحي بحالة لهم بين الخوف والرجاء ، خوفا من أعمالهم ، ورجاء بآمالهم في رحمة الله ، إشفاقا من الله (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (٢٣ : ٥٧) من عذاب الله : (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ

__________________

(١) راجع ج ٣٠ الفرقان ص ٢٢٦ «بين خمر الدنيا والآخرة».

(٢) الدر المنثور ٦ : ١١٩ ـ أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : بلغني انه قيل يا رسول الله (ص) هذا الخدم مثل اللؤلؤ فكيف بالمخدوم؟ قال : ...

٣٦٨

رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (٧٠ : ٢٧) وإشفاقا في رحمة الله وإشفاقا باهليهم ، إذ كانوا يراعونهم ويحافظون عليهم بشفقة ، فقد كانوا غرقى في مثلث الإشفاق : من الله ، وفي الله ، وباهليهم وهم فيهم!.

وإذا كان هذا الإشفاق في كافة الحالات وكما تقتضيه «كنا» الدالة على دوام كما ويشكرهم الله على هذا الدوام : «وكانوا مني على كل حال مشفقين» (١) في الخلوات والجلوات ، بين الاغارب والأهلين ، كان ـ إذا ـ كاملا للمشفق ، ومكملا لمن فيهم يشفق وبهم ، إذ عاشوا كذلك وفي أهليهم ، حيث الأمان الخادع ولكنهم لم ينخدعوا ، وحيث المشغلة الملهية ، ولكنهم لم يلتهوا وينشغلوا ، وهم بذلك الصمود في صبغة الايمان أحالوا حول أهليهم بهالة مشرقة من الايمان ، وحالوا بينهم وبين اللاإيمان ، فان حالة الرعاة تؤثر في الرعية على أية حال ، وبذلك فذريتهم اتبعتهم بإيمان ، فحق لهم ان يلحق بهم ذريتهم دون ان يؤلت من اعمالهم من شيء ، ف (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ).

والزاوية الثالثة لمثلث الايمان ، انهم لم يكتفوا باشفاقهم في أهلهم «بل وكانوا يدعون الله ويلتمسون من بره ورحمته» : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) والدعاء مخ العبادة.

فلم يفدهم إلا ما قدموه من قبل ـ «كنا قبل» (كُنَّا مِنْ قَبْلُ) ـ ، واما بعد فوات الأوان بوفاة الإنسان فلا موقع لايمان ، ولات حين مناص ، إذ فات أوان الخلاص.

__________________

(١) نور الثقلين ٥ : ١٤٢ في كتاب سعد السعود لابن طاووس نقلا عن مختصر كتاب محمد ابن العباس بن مروان باسناده الى جعفر بن محمد (ع) عن أبيه عن آبائه عن امير المؤمنين (ع) عن النبي (ص) في حديث طويل يذكر فيه شيعة علي (ع) ودخولهم في الجنة ـ الى قوله (ص) عن الله ـ «فمرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي في اهل بيت نبيي ورعوا حقي وخافوني بالغيب وكانوا مني على كل حال مشفقين».

(الفرقان ـ م ٢٤)

٣٦٩

هنا لك يصف أمير المؤمنين علي (ع) حالهم في الله وابتهالهم الى الله : «اما والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم ليصبحون ويمسون شعثاء غبراء خمصاء ، بين أعينهم كركب المعزاء يبيتون لربهم سجدا وقياما ، يراوحون بين اقدامهم وجباههم ، يناجون ربهم ويسألونه ، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون مشفقون» (١).

* * *

(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ

__________________

(١) نور الثقلين ٥ : ١٤١ عن اصول الكافي باسناده الى معروف بن خربوذ عن أبي جعفر (ع) قال : صلى امير المؤمنين بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظم فبكى وأبكاهم من خوف الله عز وجل ثم قال :

٣٧٠

مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) (٤٩)

* * *

هذه الآيات ، سريعة الإيقاعات ، تطارد المتطاولين على ام الرسالات في تحديات قوية ، واحتجاجات عقلية وواقعية ، لا يثبت لها الإنسان أيّا كان ، فلا طريق له الا الإيمان أو يسامح عن عقله.

إنها تستعرض ستة عشر أمرا ، بين ما يرجع إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم تثبيتا له ، أو دفاعا عنه ، لولاها لانتفت صلاحيته للرسالة (١) وما يرجع إلى المكذبين أنفسهم (٢)

__________________

(١) كتهمة الكهانة والجنون والشعر والتقول على الله وسؤال الأجر على الرسالة.

(٢) ككونهم خالقين أو خلقوا من غير شيء ، ام عندهم الغيب ، ام ان لهم إلها غير الله ام ..

٣٧١

فتزيح كافة أعذار العصيان من البين ، عن الرسول كمتبوع ، وعنهم كأتباع ، ليبقى المكذبون به مدحضين.

(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ)

عليك التذكير ما نفع ، وإن كان كحجة قاطعة العذر على الشاردين ، مهما تقولوا عليك بتهمة الكهانة أو الجنون (١) فلا يثنك عن واجب التذكير فريتهم الحمقاء السوء التي ترجع إليهم بكل فضيحة وتبوء.

ترى أن نعمة الوحي الرباني المحمدي ، وهي أنعم النعم الروحانية ، اللائحة من أقواله وأفعاله ، هل إنها تسبب الكهانة أو الجنون ، أو تصاحبهما (٢)؟ إذا فنقمة الوحي الشيطاني الواضحة في المفترين هي التي تعارضهما وتفاصلهما؟ فما أجن وأكهن هؤلاء الحماقى ، فإذ لا يجدون مناصا عن حجته البالغة ، يتهمونه بالكهانة والجنون ، اللذين يطاردهما بالوحي الحنون ، وان العجب ليأخذ كل من درس شيئا عن سيرة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم من تقولهم هذا ، وهم الذين عرفوه برجاحة العقل والأمانة بينهم حتى لقبوه بمحمد الأمين ، ثم إذ بعث بما لا يلائم شهواتهم وحرياتهم اتهموه وبهتوه.

والفرق بين الكهانة والجنون ، أن الثاني فقدان العقل فلا تنضبط أفكاره وتصرفاته ، والأول الإخبار بالأخبار الخفية الماضية والمستقبلة بضرب من الظن ، الصادرة عن الشياطين المسترقين السمع المرجومين ويعرفان بمناقضة كل مع نفسه ، ومع الواقع والعقل ، فأين المناقضة من هذه وتلك في مقالات الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأفعاله لكي يستحق تهمة الكهانة أو الجنون؟!

(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) : شاعر لا مخلص منه إلا أن نتربص به اضطراب الموت ، فإنما بموته ، وبموته فقط ، يموت ذكره ، وتموت

__________________

(١) راجع سورة القلم ص ٥٩ ج ٢٩ من الفرقان.

(٢) الباء هنا محتمل الوجهين : السببية والمصاحبة ، بسبب النعمة او مصاحبتها.

٣٧٢

دعوته ، فالمنون من المن : النقص ، يعبر به عن المنية : الموت ، لأنها تنقص العدد وتقطع المدد.

ترى كيف لا يشعرون ـ وهم من مواليد الشعر ـ ان الشعر له وزن خاص ، وليس القرآن مثله ، وانه يخلط الغث بالسمين والقرآن كله سمين ، وانه في أزواجية التناقض ، مع نفسه والواقع ، ولا تناقض في القرآن ، وان لكل شعر دورا ودور القرآن مدار الزمن ما طلعت الشمس وغربت ، فآخر كيدهم أن يتربصوا به اضطراب الموت ، ولكي يختلقوا لأنفسهم عذرا ردحا من الزمن ، ولكن ترى من هو الناجح بموت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ :

وقد يعني (رَيْبَ الْمَنُونِ) حوادث الدهر ، أن يتربصوا به لتأخذه كوارثه القاصمة ، وحوادثه الحاسمة ، لكي يتخلى عن دعواه ، أو تأخذه نكبة دعوته بما تتهافت كل دعوة باطلة ، وتتساقط على مدعيه فاضحة إياه ، أو يلاحقه من يتربص به الدوائر ، بما عندهم من أساليب تسقطه عن مكانته ، وتفضحه في ذعرته ، أم ماذا؟.

(قُلْ تَرَبَّصُوا) ولكي يفتضحوا هم وهو غالب الحجة (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) ولكي تستبين لكم سبيل المجرمين ، فلا يزدادكم التربص إلا حسرة ، ولا يزداده إلا نموا وكثرة.

(قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) فسوف تعلمون أن بموتي لا تموت دعوتي ، ولا ينتهي دور شعري! فانما يبقى ما بقي الدهر وكما قال وحيدكم بعد ما فكر وقدر : (إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) : يبقى ولا يزول ، مما يدل أنه لا سحر ولا شعر! ألا فتربصوا ، فستعلمون من تكون له عاقبة الأمور ، ومن ينتهي به التربص إلى النصر والظهور؟ هذا هو القرآن اللامع ، والتبيان الصادع ، الذي لا يزداده مرور الدهور إلا زيادة النور والبهور.

(أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) : تبكيت لهم وإزراء

٣٧٣

عليهم ، ماذا الذي يدفعهم إلى هذه الأقاويل الزور : انه كاهن أو مجنون أو شاعر أم ماذا؟ هل هو أحلامهم؟ : عقولهم الحكيمة كما يدّعون؟ وقد علموا بعده عنها ومباينته لها! وأي عاقل يرمي معدن العقل وبحبوحته بالجنون؟ فما هذا أمر الأحلام ، وإنما أمر الجنون!.

أم أن الأحلام هنا تعني رؤيا المنام ، فأحلام العقل لا تأمرهم بهذا وإنما أضغاث أحلام ، التي يحكم ضعفاء عقول الأحلام.

أم لا هذا ولا ذاك (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) : على عقولهم لو كانت لهم عقول ، وطاغون على الله ، وعلى رسالات الله ، ولكي يتحللوا عما ياسرهم عن البربريات والحريات في الشهوات ، تسامحا عن عقولهم ، وسماحا لشهواتهم.

(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) : ـ (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (٦٩ : ٤٧).

والتقول هو تكلف القول الكذب المختلق ، والقرآن بنفسه في مربع حصين يدل على وحيه الصادق الأمين :

١ ـ عدم الاختلاف فيه. لا مع بعض في أي من الجهات ، ولا مع العقل أو الواقع (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٤ : ٨٢).

٢ ـ وترى لو كان هذا القرآن من عند غير الله ، فما هي إذا صفة قول الله ، التي يفقدها القرآن؟ ما هي إلا قمة الرصانة والمتانة المتواجدة في القرآن!.

٣ ـ ثم ولو أمكن التقول فيه ، فما لله لا يأخذ من محمد باليمين ، ولا يقطع عنه الوتين ، ذودا عن كرامته ، ودفعا عن فريته ، بل وزوده فيه وفي قرآنه بأقوى المعجزات وأخلدها! إذا فما هو تقوّل (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ)!.

٤ ـ وأخيرا لو كان تقولا من كاهن شاعر مجنون ، فأتوا أنتم العقلاء الشعراء النبلاء بمثله :

٣٧٤

(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) ـ : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١١ : ١٣) أو (بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (١٠ : ٣٨) وأقلها ثلاث آيات كالكوثر ، فكيف بالقرآن كله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١٧ : ٨٨).

(لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) ، لا صدفة أو لعدم المحاولة ، وانما الاستحالة (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٢ : ٢٤).

ان في القرآن سرا إلهيا يدركه كل من يواجه نصوصه بصفاء ورواع ، متحللا عن سلطان التعصب ، ثم يزيده مهما زاد تعمقه وتأنقه ، ميزة في سبك الألفاظ وسكب العبارات وحتى في موسيقاها ، فضلا عن معانيها وملامحها التي تأخذ من القلوب شغافها ، ومن الألباب أعماقها ، ومن الحواس ألبابها. وهو يخاطب العقول والفطر بأسلوب لا يعهد بين البشر (١) :

فلو كان هذا القرآن من مفتر شاعر كاهن مجنون فأتوا أنتم العقلاء وفيكم الشعراء البلغاء ، والكهنة الأذكياء ، والأدباء الأقوياء فأتوا بمثله ولماذا لا تأتون! وإذ أنتم عاجزون صاغرون ، فلما ذا لا تؤمنون؟ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (٧ : ١٨٥) (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٦٨ : ٤٤).

ومن ثم لم يبق مناص الا الإيمان به ، أو تكذيبه ككلام الله ، فالتكذيب بالله ، أو نكران توحيد الله أو وجوده ، وإذا كان هذا دائكم فإليكم دوائكم :

__________________

(١) راجع بحث الاعجاز في سورة البقرة تجد فيها قولا فصلا عن اعجاز القرآن ، وكذلك سورة الاسراء.

٣٧٥

(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ)

قد توحي «أم» هنا بحذف شيء مسبق ، هي بديل عنه ودليل عليه ك : ـ أليسوا هم مخلوقين؟ (أَمْ خُلِقُوا ..) أسئلة تقريع وتبكيت بهؤلاء الناكرين ، وقذ حولت الأجوبة إلى عقولهم حتى ولو سامحوا عنها ، لأنها من أوضح البديهيات ، وفي قمتها أنه مخلوق ، ولذلك لم يذكر في عداد المحتملات ، إذ لا أحد ـ حتى ولو كان مجنونا ، أو أصغر حشرة ـ ينكر كونه مخلوقا ، مهما غبي وطغى!.

فهنا في بساط البحث عن الله يكفى الإنسان نفسه دليلا ومصدرا ، تتدفق عليه المحتملات المسرودة :

(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) من لا شيء ، مهما تسمى بصدفة عمياء أم ماذا ، أم اللاشيء المطلق عن الأسماء ، فهل هناك شيء غيرك خلقك؟ فهو الذي نسميه الله ، أم لا شيء هناك إلا أنت ، وسائر الخلق ، دون أي خالق؟ : مخلوق بلا خالق!.

وفيما إذا سئلنا : إذا كان الخلق من غير شيء محالا ، فكيف خلق الله الأشياء من غير شيء؟

والجواب : ان هنا خلطا بين الشيء الخالق ـ هو شيء الأشياء ، وهو الذي شيّا الأشياء ، وبين الشيء المخلوق به ، ففرق بين الأشياء لو خلقت من غير شيء : دون خالق ، أو من غير شيء : بخالق دون مخلوق به ، : من لا شيء ، ثم لا نقول ، إنه خلق الأشياء من لا شيء ، بل لا من شيء ، فالمادة الأم خلقت لا من شيء كان قبلها ، وإنما بإرادة الله الذي خلق كل شيء ، ثم وخلق التراكيب التالية للمادة الام ، خلقها منها ، وهو خلق من شيء.

فقد يكون هنا شيء ليس إلا هو ، وهو الله قبل أن يخلق أي شيء ، وقد

٣٧٦

يكون شيئان ، فالشيء الأول الإله خلق الثاني لا من شيء ، لا من لا شيء ، وقد يكون ثالث خلقه الله من الشيء الثاني : المادة الأم ، كسائر التراكيب المخلوقة منها ، فالأشياء كلها مخلوقة من خالق ، خلقها لا من شيء ، أو من شيء ، لا من اللاشيء ، فإنه محال كما المخلوق بلا خالق.

فالله تعالى شيء لا كالأشياء ، خلق المادة الأم لا من شيء ، وخلق سائر الخلق من هذا الشيء ، وهذه كلها تختلف عن خلق الأشياء من غير شيء ، من لا شيء بمعنيه ، حيث المخلوق بحاجة ذاتية إلى الخالق ، ولا يمكن صدوره من مادة العدم.

(أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) بعد ما ثبت ان لك خالقا ، فهل أنت الخالق نفسك ، فلتكن كائنا قبل كونك حتى تخلقه ، ولتكن غير كائن حين تخلق ، فأنت إذا كائن ولا كائن في حالة واحدة لكي تكون خالق نفسك!

هذه خطوات ثلاث إلى الله ، إنك مخلوق ـ إن لك خالقا ـ إن خالقك غيرك ، ومن ثم إذ تعترف أن لك خالقا غيرك ، فهل هو الخالق للسماوات والأرض أم أنت؟ :

(أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) : ـ؟ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٢٩ : ٦١).

ثم يبقى أن الخالق للكون أجمع هل هو حكيم لطيف عليم ، أم جاهل غير حكيم؟ والكون بنظامه البارع الموحد يدل على أن منظمه حكيم عليم : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٦٧ : ١٤) : خطوات خمس من نفسك إلى الله تلجئك أن تمشي سويا على صراط مستقيم ، صراط الله الذي له ما في السماوات والأرض وإليه ترجعون ، فهل انكم بعد ذلك تكذبون؟!

(بَلْ لا يُوقِنُونَ) : لا يدقون أبواب الإيقان ، ولا يحاولون الوصول إلى

٣٧٧

الإيمان ، رغم توفر أدلة الإيمان والإيقان ، فاليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية ، وهو سكون الفهم بعد ثبات الحكم ، فلقد ثبت الحكم بأدلته القاطعة على وجود الله ، ولكن لما يسكن الفهم بهذا الحكم ، ولما يجتاز العقل إلى القلب واللب ، فإدراك العقل شيء ويقين القلب شيء آخر ، هم بعاد عنه بما يستنفرون من حصوله ، ويعرقلون الطريق دون وصوله.

وإذ يثبت أن هناك ربا ولا بد له من وحي وخزائن رحمة فهم إذا بين طريقين ، ثانيهما :

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) :

فخزائن الرب معنوية ومادية ، ليست إلا عنده ، دون خلقه وحتى المرسلين : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) (٦ : ٥٠) (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (٦٣ : ٧) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١٥ : ٢١).

فإذ أنتم تتضايقون من الرسالة المحمدية وتضنون بها هل أن خزائن رحمة الله عندكم حتى ترزقوا النبوة من تشاؤون ، وتحرموها من تشاؤون ، وتعزلوا عنها من تشاؤون : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) (١٧ : ١٠٠) (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤٣ : ٣٢) فكيف بالرسالة وهي الحياة العليا؟! فمن ذا الذي يدعي أنه فوق النبيين ، ووكيل او مثيل لرب العالمين! ولا يشرك في حكمه أحدا ، إلا أن يدعوا أنهم الغالبون على الله ، يحتلون خزائنه بقوة :

(أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) : فهل من أحد تدعي السيطرة على سلطان الله؟!.

أن يصارعه فيصرعه فيأخذ ملكه ويتصرف فيه كما يشاء!.

ومن ثم لا يبقى لهم الا دعوى الاستقلال في الوحي باستغلاله دون رسول :

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ)

٣٧٨

هذه الآية تدلنا على إمكانية استماع الوحي عبر السلاليم ، فضلا عن استماع الأصوات البشرية البعيدة في سلاليم ، فما هي الصلة بين السّلم وبين الاستماع فيه؟ والمعروف للسلم هو الصعود به إلى السطوح ، أو الاستماع عليه ، وأما التحدث به ، وأما الاستماع فيه ، فلم يك معروفا مسبقا ، حتى كشف العلم بعد جهود طائلة عن إمكانية الإذاعة والاستذاعة عبر سلاليم خاصة ، وكما هي الآن في دور الاذاعات الراديوئية والتلفزيونية.

نقول : هذه الآية تحمل ملاحم غيبية كشف العلم عن بعضها اليوم ، وهو الإسماع والاستماع عبر الأثير بواسطة سلاليم خاصة ، وعله مما دفع مخترعي الإذاعات للكشف عنها وقد وفقوا لحد ما.

ومهما يتوصل الإنسان إلى اختراع سلاليم يستمع فيها ، الآخذة للأصوات ، وإلى سلاليم يسمع ويذاع بها ، المرسلة للأصوات ، فهو لن يتوصل إلى سلاليم الوحي الرسالي ، النورانية الروحانية ، فإنها بيد الله ، يختص بها من يشاء ، ولا إلى سلاليم الوحي غير الرسالي ، وان كان الجن المؤمنون ـ وقبل الوحي الأخير ـ كان لهم مقاعد للسمع ، ولكن (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) فلو كان استماع الوحي غير الرسالي من الملأ الأعلى ، بإمكان الإنسان قبل الآن آن الرسالة المحمدية ـ فليس هو بالإمكان بعد هذا الآن وإلى انقراض الزمان.

وهذه الآية تصريحة التبكيت بناكري وحي القرآن ، واشارة التأكيد بامكانية اصطناع سلاليم تستمع فيها أصوات بشرية أم ماذا ، دون تحميل ولا تأويل ، رغم من يفسرون «في» هنا ب «على» علهم يوجهون الآية إلى وجه مقبول ، حيث السلم للاستماع يرقى عليه حتى يستمع من عل ، لا فيه.

وعلهم اصطبروا حتى يأتي تفسير الآية علميا وواقعيا كما أتى بسلاليم الإذاعة والاستذاعة ، فالقرآن بنفسه وجيه لا يحتاج إلى توجيه العقول والعلوم إلى حقائقه الرقائق «وان للقرآن آيات متشابهات تفسرها الزمن» متشابهات علمية

٣٧٩

كهذه أو عقلية كسواها ، أم ماذا (١).

فيا لآية السلم ـ وبعد تطور العلم ـ من دلالة واضحة : ان القرآن ليس إلا من وحي الرحمان ، إذ لم يخطر بخلد أحد ، قبل اربعة عشر قرنا ، ان من السلاليم ما يسمع فيه ويسمع به ، كما ان منها ما يرقى به الى السطوح.

... فإذ ليس عندهم خزائن الله ، فهم بحاجة الى استماع الوحي ، فهل لهم سلم يستذيعوا به ويسمعوا فيه الوحي؟ (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) فان سلطان الوحي مبين ، يظهر انه من الله ، فهل عندهم هكذا وحي كوحي القرآن؟ الذي يملك كل سلطان على أنه من عند الله!.

ومن ثم يناقش البعض من تقوالاتهم التافهة على الله ، إذ يفضلون عليه أنفسهم فيما يفترون :

(أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) فرغم انهم كانوا يعتبرون البنات ادنى من البنين ، بل ولا اعتبار لهن عندهم في شيء فهم ينسبون الى الملائكة إنهم إناث : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٤٣ : ١٩) ثم جعلوهم بنات الله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) (١٧ : ٤٠) في حين لهم بنون وبنات : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (١٦ : ٥٧) فهذه اهانة فوق اهانة : ان لله ولدا ـ أيا كان ـ وانه يصفي عباده بالبنين ، ويصطفي لنفسه بنات ، كما وان آخرين (خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٦ : ١٠٠) وان الجن هم البنون (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) (٣٧ : ١٥٨) مهما كان هذا أهون من ذاك ، واقل مهانة.

__________________

(١) انني اذكر أول لقاء برئيس الاشراف الديني بالمسجد الحرام وزير القضاء سماحة الشيخ عبد الله بن حميد بمكة المكرمة انه سألني عن شغلي ، فقلت له انا مشتغل بالقرآن ، قال : تعني تفسيره؟ قلت : نعم ـ قال وعندك جديد من ملاحم غيبه ـ قلت وكله جديد ، وما اذكر هل هو قرء آية السلم ام أنا ، ففسرتها كما في المتن ، فطلب مني تكراره واعجب به قائلا : والله لهى اشرف وأفضل جلسة أجلسها طول حياتي العلمية مستفيدا ، أشكرك يا سماحة الشيخ ، فقدم لي عددا كثيرا من مختلف الكتب.

٣٨٠