الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

ولا بأس هنا باستعراض بقية المشاكل العشر بصورة وجيزة كالتالي :

مشكلة الجاذبية :

هذه المشكلة إنما هي بالنسبة لما يسرع أقل من ثمانية ك. م في الثانية : سرعة دوران الأرض حول محورها ، وإذ تتخطا المركبات البشرية هذه المشكلة ، بما تسرع أكثر من ٨ ك ، م ـ فما ذا على المركبة الإلهية التي تسرع كأمواج الجاذبية أو دونها؟ إضافة إلى تجاذب آخر بين صاحب المعراج وربه سبحانه وتعالى.

كما وأن مشاكل : انعدام الوزن (١) وتخطي الغلاف الجوي (٢) والتخلص من الشهب (٣) وانعدام الأوكسيجين (٤) والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية (٥) والأشعة الكونية (٦) ـ هذه المشاكل كلها تندحر وتنسف ، بعد ما عرفنا المركبة

__________________

(١) حيث الوزن هنا ليس الا نتيجة الجاذبية الأرضية ، فالبعد الكثير عنها يفقد الوزن ، ولكن المركبة المعراجية تحل هذه المشكلة وأحرى مما حلتها (ابولو) وغيرها.

(٢) يتشكل الغلاف الجوي من خليط من الغازات المحيطة بالأرض ، ويحدث فيه خلط مستمر للهواء نتيجة التيارات الصاعدة والهابطة ، ويمتد غلاف الأرض فيما وراءه ٥ و ٩٦ ك. م ، ويعتبر هذا الغلاف الجوي للأرض المركب من عدة عناصر ، بمنزلة مظلة واقية للأرض من الشهب والنيازك النارية وسواهما ، كما انه من موانع الرحلات الفضائية ، لأنه يؤدي الى الاحتراق لو لم تكن سرعة المركبة متوازية مكافحة ، ولكن مركبة المعراج ، فيها كافة المعدات والمكافحات!.

(٣) وكما تكافح هذه المركبة بصلابة غلافها الشهب وما فوقها.

(٤) والاوكسيجين الضروري لصاحب المركبة موفرة في داخلها ، وحينما يخرج صاحب المعراج فليس من الصعب ان يختصه الله بما يبقي حياته خارجا عن المركبة ، كما وان المركبة ليست ضرورية لهذه وتلك كما قدمناه.

(٥) وأما الاشعة فوق البنفسجية وهي الاجزاء غير المرئية من أشعة الشمس ، البالغة الخطورة ، وكذلك الاشعة السينية (x) النابعة من الشمس أيضا ، هاتان الاشعتان مهما كانت أخطارهما ، فليستا شيئا بجنب المركبة المعراجية ، بعد أن تكافحهما المراكب الفضائية البشرية.

(٦) وهي لم تعرف مصدرها ، وتكافح في أخطارها بما كافحتها المركبة المعراجية ، فكل هذه المشاكل الست تنحل بعد ما عرفنا مركبة المعراج وراكبها وجاذبها ومدى سيرها ـ والله أعلم.

٤٢١

المعراجية وراكبها ، وجاذبها ، وحركتها ، وفوق كل ذلك القدرة اللانهائية الإلهية.

ومن ثم ننظر هل إن المركبة المعراجية هي الجذبة الإلهية ، دون أية وسائط؟ كما قد توحي بها آية الإسراء : (أَسْرى بِعَبْدِهِ) وآيات النجم خلو عن التلميح بأيّة مركبة تحمله ، وإن لم تعارض ما يدل على مركبة أخرى.

أو أنه جبرئيل أو ميكائيل وإسرافيل (١) لحد ما ، إلى سدرة المنتهى ، ثم منها إلى ما فوقها لم تكن إلّا جذبة واصبة إلهية ، كما لم يكن بينه وبين الله أحد حتى نفسه في مقام التدلي؟.

أو أنه أمواج الجاذبية بما قدر الله كما قد يشير إليها الحديثان : «فأتى بالمعراج ... فعرج به إلى السماوات سماء سماء» (٢) «فوضع له مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة وهو المعراج حتى عرج جبرئيل والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء» (٣) فلعل المرقاة الذهبية والفضية هي أمواج الجاذبية أو باب المعراج السماوي : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) (١٥ : ١٥) : الباب التي عرج فيها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بالجاذبية التي عرج بها ومعه جبرئيل ، فهي مرقاة جبرئيل وأمثاله من عارجي السماء دوما ، لا تفتح لغيرهم من العارجين.

__________________

(١) نور الثقلين ٣ : ٩٨ ـ ح ٦ ـ احتجاج الطبرسي عن ابن عباس عنه (ص): وحملت على جناح جبرئيل .. وفيه عن الصادق (ع) ان جبرئيل احتمل رسول الله (ص) حتى أتى به الى مكان من السماء .. وفي تفسير العياشي عن أبي عبد الله (ع) لما أسري بالنبي (ص) أتي بالبراق ومعه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ... وفي تفسير القمي عنه (ع) جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق الى رسول الله (ص) ... أقول : والأحاديث في حمل جبرائيل إياه أكثر.

(٢) الدر المنثور ٤ : ١٥٦ ـ أخرجه ابن سعد وابن عساكر عن الواقدي عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وغيره من رجاله عن رسول الله (ص) ..

(٣) الدر المنثور ٤ : ١٥٧ ـ أخرج الواسطي في فضائل بيت المقدس عن كعب عن النبي (ص).

٤٢٢

أو أنه «البراق» في الرحلة الأولى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم بغيرها إلى السماوات (١) أو أنه الحامل في رحلتيه (٢) الى موقف جبرئيل في السماء ، ثم عرج الرسول وحده بما عرج.

ثم ترى ما هي مواصفات البراق ، الذي تحمله عشرات الأحاديث؟ ولكي ننسف بها مشاكل المعراج نسفة أخرى :

(براق) اسم لم نعهده لأي حيوان أو أية مركبة من صنع الإنسان؟ مما يلمح أنه مركبة سماوية ومن صنع السماء ، و «قد أتى بها جبرئيل من السماء» (٣) «خلقت لأجله صلى الله عليه وآله وسلم ولها في جنة عدن ألف سنة» (٤).

كما ويشير أنه من البرق ، تدليلا على كونه في لمعانه وسرعته كالرعد والبرق. ومن مواصفاتها التي تقربها إلى أمواج الجاذبية أنه : «أضاء له صلى الله عليه وآله وسلم كما تضيء الشمس» (٥) فكان «لها شعاع كشعاع الشمس» (٦) و «لو أن الله تعالى أذن لجالت الدنيا والآخرة في جرية واحدة» (٧) أو (كَلَمْحِ الْبَصَرِ)(٨) كإمكانية

__________________

(١) كالجاذبة الإلهية والمحمدية بما هيأه الله لها أم ماذا؟.

(٢) الدر المنثور ٤ : ١٤٠ عنه (ص) «ثم أوتيت بدابة .. فحملت عليه فانطلق بي حتى أتى بي السماء ..» وفي تفسير البرهان ٢ : ٤٠٢ عن الصادق (ع) عنه (ص) فلما صرت عليه (البراق) صعدت الى السماء .. وروءيت الجنة.

(٣) الدر المنثور ٤ : ١٤٠ عنه (ص): «فأتاني جبرئيل بدابة بيضاء ...».

(٤) تفسير البرهان ج ٤ : ٤٠٥ عنه (ص).

(٥) الدر المنثور ٤ : ١٥٧ عنه (ص) ...

(٦) تفسير البرهان ٤ : ٤٠٤ ـ ابن الفارسي عنه (ص) ...

(٧) تفسير البرهان ٢ : ٤٠٤ في صحيفة الرضا (ع) قال رسول الله (ص) ..

(٨) في ٤٠٥ البرسي عن ابن عباس عنه (ص) سأل جبرئيل ما سير هذه الدابة فقال : إن شئت أن تجوز بها السماوات السبع والأرضين السبع فتقطع سبعين الف عام وسبعين الف مدة كلمح البصر.

٤٢٣

السرعة القصوى لهذه المركبة المعراجية ، وإن «كانت خطاه بمد بصره» (١) فإذا كان مد بصر الإنسان بالعيون العادية وهو الأنجم التي ترى في السماء الدنيا ، آلافا من السنين الضوئية ، فما هو إذا مد بصر هذه المركبة العجيبة ، التي كان «له عينان في أسفلها» (٢) «يمكن رؤية الأرض منهما واضحة جلية» (٣).

كما وأنها كانت مزودة بآليات موجية وضوئية مختلفة الألوان والكيان : إذ «كان فيها أربعون نوعا من النور» (٤) «وكانت مزمومة بسبعين ألف زمام» (٥) : علّها الأزمّة الموجية والضوئية أم ماذا! دون الأزمة الأخرى التي تزم بها الحيوان! فإن «حجمها كان بين حجم البغل والحمار» فلو أن براق كان حيوانا ، فليكن سبعين ألف ضعف حيوان ، ويحتاج إلى زمام واحد؟.

ثم هو «محمل له ألف ألف لون من نور» (٦) و «عليه ألف ألف محفة من نور»(٧).

و «كانت له مثل وكر الطير» (٨) مما يشير إلى أن النبي دخل فيها ولم يركب عليها ، ف «ركبها» في جملة من أحاديثنا ، تفسر بالدخول فيها ، وهكذا

__________________

(١)روضة الكافي عن الباقر (ع) خطاه مد بصره ـ وفي ذلك روايات كثيرة.

(٢) تفسير البرهان ٢ : ٤٠٠ عن العياشي عن الباقر (ع).

(٣) البحار ج ١٨ ص ٣٥٧ نقلا عن علل الشرائع.

(٤) البحار ج ١٨ ص ٣٥٥.

(٥) البحار ج ١٨ ص ٣٧٨ نقلا عن كتاب الخرائج وعن روضة الكافي عن الباقر (ع).

(٦) العياشي عن عبد الصمد بن شيبة قال ذكر عند أبي عبد الله (ع) بدو الأذان ـ الى أن قال في قصة المعراج ـ : ثم وضع في محمل له الف الف لون من نور ثم صعد به حتى انتهى الى أبواب السماء ...

(٧) العياشي عن عبد الصمد .. سمعت أبا عبد الله (ع) يقول جاء جبرئيل رسول الله بالبراق .. عليه الف الف محفة من نور ..

(٨) سعد السعود ص ١٠٠ ـ ١٠١ وبحار الأنوار ج ١٨ ص ٣١٧.

٤٢٤

يجب أن تكون المركبة المعراجية ، محفظة تحافظ على صاحبها من عرقلات واصطدامات هذه السرعة الخارقة الجوية ، ومع مليون محفة من نور!.

وقد تكون المحفات النورية في هذا المحمل هي المعدات الموجية أو الضوئية أم ماذا؟ التي تحافظ على غلافه الخارجي ، وتسرع المركبة ـ علّها ـ ملايين أضعاف سرعة الضوء أم ماذا؟ ففي ساعة واحدة أرضية تسير هذه المركبة ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٨٠ ، ١ كيلومترا وإذا كانت الساعة السماوية آلاف أضعاف الساعة الأرضية ، فلتكن المسافة التي اجتازتها المركبة لساعة واحدة أرضية آلاف أضعاف هذا العدد الهائل أم ماذا؟

وطالما يكون سيرها بين سرعة الضوء وأمواج الجاذبية ليس علينا أن نقدر أي تقدير لهذا المسير ، فالعلم عند الله العلي القدير.

ومما يساعد على سرعتها أنها «كانت لها جناحان يحفزانها من خلفها» (١) «وأذنان مضطربتان» (٢) فالجناحان للطيران ، والأذنان للحفاظ على توازنها في السير ، أم ماذا؟ «وفيها حلق وسلاسل كلما ارتفعت زادت» (٣) وعلّهما المعدات المناسبة لمختلف الارتفاعات والأجواء.

ولقد كان فيها إذ دخلها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ملكان سلما عليه ورحّبا به فأجاب ودعيا له صلّى الله عليه وآله وسلّم ودعا لهما» (٤) علهما سائقاها أم ماذا؟.

فيا لها من مركبة منقطعة النظير ، عرجت بالرسول البشير النذير صلّى الله عليه وآله وسلّم إن كان من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أو كان إلى السماوات للحدّ الأقصى في أقصى الاحتمالات ، إذ إن بإمكانها طي السماوات دنيا وعقبى في جرية واحدة ،

__________________

(١). البحار ج ١٨ ص ٣٨٧ نقلا عن الخرائج.

(٢) روضة الكافي عن أبي جعفر (ع) في وصف البراق : مضطرب الأذنين.

(٣). البحار ج ١٨ ص ٣٥٥.

(٤). اليقين في امرة أمير المؤمنين ص ٨٣ ـ ٨٧.

٤٢٥

طالما كانت الرحلة المعراجية مدّ بصرها.

وإننا لنقضي عجبا من معداتها وآلياتها الموجية والضوئية! ترى أن شعاعا كشعاع الشمس ، وأربعون نوعا من النور ، ومليون لون ومحفة من نور ، وسبعون ألف زماما ، هذه المعدات العجيبة التي نجهلها ، أليس بالإمكان أن يعرج بمركبتها صاحب المعراج؟ وهو يملك أقوى من هذه الأنوار! وهو يعرج بارادة الله! أليس هذا بالحق؟ وهذا الإنسان الضعيف الهزيل يعد لنفسه سرعة أقوى من سرعة الضوء!.

ثم لو أغمضنا النظر عن هذه المركبة ومواصفاتها ، فهذه الرحلة الفضائية ، لو أغمضت على العلم تحليلا ، فالقدرة اللانهائية الإلهية تحلّلها ، ما دامت خارجة عن الاستحالة الذاتية ، وكما أن القرآن يذكر طرفا من السرعات الخارقة للعادة وغيرها من الآيات المعجزات ، التي قد يعجز العلم عن تحليلها ، دون أن يحيلها ، فقد يحللها وقد لا يحيلها إذا لا يحللها :

من ذلك عرش بلقيس ، إذ أحضره الذي عنده علم من الكتاب : «قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين .. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي» (٢٧ : ٤٠) وبما أن ارتداد الطرف يتحقق بأقل من ثانية ، فقبل ارتداده قد يكون أقل منها بكثير.

فإذا كان بإمكان الذي عنده علم من الكتاب أن يسرع هكذا ، فكيف للذي عنده علم الكتاب كله!.

ثم وأهم من سير العرش ، سير اليوم الربوبي في المعارج ، كما شرحناه فيها ، فواحد الزمان عند الله يحمل مسيرة خمسين ألف سنة ، وهذا الواحد حسب الأرض هو المناسب للحركة الأولى للمادة الأم ، ولعلّها أقل من ثانية بمئات المئات ، ثم الملايين الملايين من هذه الوحدات في بعض العوالم الأخرى ، قد تكون بمقدار

٤٢٦

الواحد الأرضي ، أن تمضي أنت في سفرتك عمق الفضاء أشهرا ، ولا يكون حسب الأرض إلا ثانية أو أقل ، فالرحلة المعراجية التي كانت زهاء أربع ساعات حسب الأرض وهي ١٤٤٠٠ ثانية إنها قد تكون ١٤٤٠٠ شهرا أو يزيد حسب السماوات ، فإذ تسير المركبة المعراجية في كل آن من هذه الأشهر قدر خمسين ألف سنة ، يصبح المعراج أبطأ من سرعة أمواج الجاذبية ، بملايين أضعاف ما تتطلبه هذه المسافة.

فالاختلاف بين الزمن الأرضي وبين سواها من العوالم السماوية شيء ثابت ، قدر اختلاف موازين الحركات والأوضاع والقوانين المتحكمة فيها.

وكما أن هناك بين الزمن الأرضي ، أو الدنيوي عامة ، اختلافا عكسيا مع الزمن البرزخي ، فقد يساوي عمر الحياة الإنسانية هنا ساعة من نهار أو بعض يوم أو يوما أو عشرة أيام ، حسب الزمن البرزخي ، كما نستوحيه من آيات عدة (١).

وبعد كل ذلك ، إذا كانت المركبات الفضائية والصواريخ ، تهتدي بقيادات بشرية ، من دواخلها أو مركبات أخرى ، أو من الأرض (٢) ، فالمركبة تستمر في رحلتها الجوية كما يهديها قائدها في الأرض ، وهي مصيبة في أهدافها المخططة المرسومة لها في القيادات الأرضية ، إذا فما ظنك بالمركبة المعراجية التي تقودها قدرة الله ، خالق السماوات والأرض ، التي تقود البلايين البلايين من المركبات الكوكبية ، بمجراتها السماوية وبسرعات تفوق الزمان والمكان ، كما في أمواج الجاذبية ، ترى أن جاذبية الخالق ، وجاذبية وانجذاب محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أقل من الجاذبية التي تحلّق على الزمان والمكان؟!

__________________

(١). راجع ج ٣٠ ص ١٠٣ «زمن لبث البرزخ».

(٢). كالصاروخ الانكليزي الحربي «جينديويك» jindivick فانها طائرة دون قائد ، وهي سرعتها ٨٠٠ ك. م. في الساعة.

٤٢٧

خلاصة عن الرحلة المعراجية :

هذه المركبة المعراجية مزدودة بما يكافح عراقيل السرعة والحرارة والزمان وسواها ، إضافة إلى أن مسيرها بإرادة الله ، وبالطبع في البعض من أجزائه ـ هذا المسير خلو من الأجزاء الهوائية ، فالمصادمة الهوائية التي تقلل من حركة المركبة وتزيد في حرارتها ، هي عديمة في مسير هذه المركبة ، وقد يكون سيرها بسرعة زهاء سرعة أمواج الجاذبية ، إضافة إلى اختلاف مقاييس الزمان بين الأرض والعوالم الأخرى ، التي قد تجعل شهرا من الزمان السماوي ثانية أرضية أو أقل.

فهذه هي مركبة المعراج ، وعلّ مسيره كذلك يختلف عن سائر المسير بقدرة الخبير البصير ، فقد يكون بابا من السماء تخص هكذا عروج فلا تفتح لغير صاحب المعراج ، وقد توحي له : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (١٥ : ١٥) فإنها الباب التي يفتحها الله «فتحنا» دون الإنسان مهما بلغ من العلم! فالعروج فيه يحير عقول الناكرين فيلجئون إلى خرافة السحر إن اجتازوا واقعة.

إذا فلم تبق مشكلة علمية أم سواها ، تعرقل الرحلة المعراجية ، فتشكك دون تصديقها ، أو تكون حجة لغيره في تكذيبها.

القرآن وتسخير الفضاء.

عشرات من آيات الله البينات توحي بإمكانية الرحلات الجوية وواقعها ، بين آمرة بها بغية الاستطاع على المملكة السماوية لازدياد المعرفة بالله ، وبين مبشرة بأنها سوف تتحقق او مضت ، بحثنا عنها في طيات آياتها التي تتحدث عنها ، مما أضاءت للبشرية بريقات الآمال في تسخير الفضاء ، فأصبحت تجاهد للتوصل إلى هذه البغية منذ مآت من السنين فأخذت تستوحي منها ، ومن مختلف انواع الطير

٤٢٨

دروسا ، تتابع على أضواءها في محاولة بعيدة المدى ، للرحلات المختلفة الى أعماق الفضاء ، وقد وفقت حتى الآن لشيء ما ، عبر الطائرات ، فالصواريخ ، والمركبات والأقمار الصناعية التي نزلت على سطح القمر ، وتحاول الوصول الى الكرات الأبعد فالأبعد ، واحدة تلو الأخرى.

فغزو الفضاء بشارة سماوية قبل أن تكون فكرة او محاولة أرضية او واقعا منها ، وكما نستبشرها من الآيات التالية :

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) (٣١ : ١٠) يعني جمع الدواب المنبثة في الأرض والسماوات ، إذا يشاء الله ، و «هم» توحي على اقل تقدير بان مجموعة من هذه الدواب عقلاء من هنا وهناك ، فسوف يتحقق الجمع بين انسان الأرض وانسان السماء ، وطبعا بالغزو المتقابل.

وكما نؤمر في آيات بغزو الفضاء : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ). (١٠ : ١٠١).

وليس مجال النظر المأمور به هو السماوات من بعد فقط ، حيث النظر إليها من قربها هو البالغ الاهمية في مجال المعرفة واستحكام الايمان ، مهما كان للنظر من بعيد علميا كذلك نصيبه.

وقد تدل آية المرور ، على غزو الفضاء في أعماقها : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (١٢ : ١٠٥) ، فالمرور ـ ولا سيما بصيغة المضارعة : «يمرون» ما يوحي تماما ان البشرية تستقبل المرور على الأجواء البعيدة ، وآيات عظيمة في السماوات ، كما في الأرض ، مهما كان واقع المرور حين نزول الآية هو المرور البصري والنظري من بعد ، ولكننا ـ حسب تنبّإ الآية ـ وصلنا لحدّ المرور على القمر ، ثم سوف نمر على سائر الآيات والكرات السماوية.

وقد مرت وتمرّ عليكم آيات غرو الفضاء في مجالاتها الأنسب والأحرى تفصيلا.

٤٢٩

(أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى. فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى).

تمنيات مسبقة في آيات من المشركين ، من فرية الهوى على رسول الهدى وتكذيبه أنه رأى ما رأى ، واوحى اليه ربه ما أوحى ، في حين انهم يرون اللات والعزى ومنات الثالثة الاخرى ، وان لهم الذكر وله الأنثى أم ماذا ، تجرفها كلها بعد انجرافها بما مضى :

(أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) : هل للإنسان ما تمنى؟ إن للإنسان امنيات صادقة قد يتوصل إليها بما يتوسل بوسائلها إن أرادها الله وقد لا يتوصل ، واخرى كاذبة ، فإذا كانت تلك حالة الصادقة ، فما ذا تظن بالكاذبة ، فليس الإنسان هو المحور الرئيسي للكون حتى يكون له ما تمنى ، مهما يصل في حمقه لعمقه إلى حد يتمنى ما لله لنفسه ، وما لنفسه لله! ملحدا في الله محادا له كأنه الله.

ثم مهما ملك الإنسان من تمنياته الصادقة بحجة أو سعي ، فهو لا يملك أي تمن بمجرد التمني دون حجة أو سعي ، والتمنيات المسبقة ونظائرها للمشركين لا تملك أية حجة أو إمكانية سعي ، أسعيا للتغلب على الألوهية ، أو فرض أمر او حالة على الله ، أو فرض تحويل او تحوير في رسالة الله ، التي تجمعها صيغة واحدة : تمني المحال أو ما لا يجوز على الله!

هذا ـ وإن تمنيات رسل الله التي كلها حقة وبوحي من الله ، إنها لا تتحقق ككلّ رغم انهم على الحق والحجج البالغة التي يملكونها ، والمساعي التي يبذلونها ، إلا بتوفيق من الله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢٢ : ٥٢) والآيات التي يحكمها الله هنا هي تمنيات الرسل التي قد تعرقل بإلقاءات

٤٣٠

الشيطان ـ وطبعا لا في قلوبهم ـ وإنما في قلوب غيرهم : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٣ : ٥٤).

وإذا كانت هذه حالة تمنيات المرسلين ـ الحقة ـ فكيف بمن دونهم ، ثم كيف للكافرين؟! .. ف «إذا تمنى أحدكم فلينظر ما تمنى فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته»(١) فإن هوى النفس ومناها لا تحوّلان الواقع ، ولا تخلقان غير الواقع ، فلتحصر أمنيات الإنسان في الحقائق وبتوفيق الله ، فإن الأمر كله لله :

(فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) : مهما كنا مخيرين في الأولى بعض الشيء ، فإن هذا الاختيار لا يملّكنا كلّ ما نتمنى ، وفي تقديم الآخرة على الأولى هنا رعاية لموسيقى اللفظ على هامش المعنى ، حيث السيطرة الإلهية ظاهرة واقعة في الآخرة تماما ، مهما خفيت في الأولى أو خفّت بارادة الله ، ولواقع الاختيار فيها دونها.

وهذا شيء ملموس من الأسلوب القرآني : انه يجمع بين تنعيم اللفظ وتنعيم المعنى ، دون إخلال بأحدهما على حساب الآخر ، إذ لا تضيق الألفاظ والمعاني على الله ، فليس تجريد التجميلات اللفظية عن جمال المعاني ـ أحيانا ـ إلّا من هرطقات القاصرين ، كأن القرآن في أنظارهم كتاب شعر أو موسيقى قبل أن يكون كتاب حقيقة أو معنى!.

ونسفا لأهم تمنيات المشركين في الآخرة ـ عن معبوديهم : بنات الله الملائكة : أنهم شفعائهم عند الله ، تمنّ عاطل فوق تمنيات باطلة ـ تأتي التصريحة :

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) .. فكيف بتماثيل ملائكة في الأرض؟!

__________________

(١). الدر المنثور ٦ : ١٢٧ ـ اخرج احمد والبخاري والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) :

٤٣١

فلنفرض ان الملائكة بنات الله! وانهم معبودون من دون الله! ولكنهم ـ لو صدقت تمنياتهم فيهم ـ ليسوا بشفعاء عند الله ، إلّا لمن ارتضاه الله ، دون فوضى رغم تقولهم (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (١٠ : ١٨) فإنما الشفاعة كلها لله ، وبإذن الله (لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) من الشافعين والمشفّع لهم سواء ، دون فوضى هنا أو هناك.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى. وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) :

كلام في العلم والظن :

مما لا بد منه أن تكون كل حالة نفسية أمام الواقع ، مسنودة الى برهان مبين ، سواء أكانت قطعا أو علما أو ظنا أو شكا أو وهما (١) وإن كان البرهان هو عدم وجود الدليل أو عدم وجدانه ، فالظن غير المسنود إلى دليل وثيق مرفوض ، فإنه ظن الهوى وليس ظن الهدى.

وهنا يندد بظن الهوى مرة أخرى بعد ما مضى : (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ(٢) يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى).

فالظن ظنان : ظن من هوى وهو مرذول ، وظن عن هدى وإليها وهو

__________________

(١). من الملاحظ ان القرآن قد يصف الشك بانه مريب ، مما يدل على أن من الشك ما لا يريب ، فالشك المريب هو المسنود إلى برهان متين يسببه ، وغير المريب ليس الا شك الهوى ، وكما ان من العلم واليقين ما هو نابع عن الهوى ، ومهما لم يمكن ردع هذا القاطع عن قطعه ما دام قاطعا ، الا ان بالإمكان تنبيهه على خطأ الطريق ، وبذلك يزول قطعه ، وهكذا قطع ليس بحجة لأن مقدماته الخاطئة اختيارية ، مهما لم تكن ازالة القطع دون نظر ثانوي ثاقب الى المقدمات خارجة عن الإختيار.

وقد يسمى القطع والعلم الحاصل عن الهوى ظنا ويراد به الوهم ، كما يراد من الظن في الآيات الرادعة عن الظن والعمل به.

٤٣٢

مقبول ، فهما تحرضنا الآيات على التمسك بالعلم ، ولكنه ليس ليحصل دوما وفي كل شيء ، فليكتف بالظن المسنود إلى العلم ، والنابع عنه ، فانه اتباع للعلم ، كالأدلة والأصول ، غير المفيدة للعلم ، المستفادة من العلم : عقلا ونقلا : كتابا وسنة ، فهي داخلة في اتباع العلم ، خارجة عن الظن المرفوض.

ففي ساحات الحجاج لإبرام أمر أو نقضه : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (٦ : ١٤٨) تنديدا باتباع ظن الهوى ، وان كان اعتقادا راجحا ، فضلا عن الشك والوهم ، بل وكذلك العلم الحاصل عن الهوى دون أصل وثيق أو هدى أو كتاب منير : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (٣١ : ٢٠). (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٦ : ٤). «أن تطئوهم فتصيبكم معرة بغير علم» (٤٨ : ٢٥). (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) (٦ : ١٤٨). (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦ : ٤٣) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) (٢٤ : ١٥).

فإنما المغني من الحق هو علم أو أثارة منه ، أو هدى أو كتاب منير ـ ليس إلّا.

فالعلم هنا ، لكونه قرن كتاب منير أو هدى ، هو الحاصل عن غير وحي ، علم وجداني أو عقلي أو حسّي ، ومن ثم ف «هدى» هذه ، هي وحي يوحى إلى صاحبه ، ف (كِتابٍ مُنِيرٍ) كتاب يحمل وحي الله ، فالأخير علم رواية صادقة قاطعة ، والأولان علم دراية ذاتية ، أو من وحي وهو أعلى منهما ، وأثارة من علم هي رواية تحمل أثرا من العلم ، مهما حصل منها علم أو دونه ، وهو ظنّ مسنود إلى علم أو كتاب منير.

فإنما الظن المرفوض ، الذي لا يغني عن الحق شيئا ، هو ظن الهوى كما مضى ، وظن الجاهلية : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) (٣ : ١٥٤) ظن (الفرقان ـ م ٢٨)

٤٣٣

لا يستند إلى علم أو أثارة منه ولا هدى ولا كتاب منير ، وإنما إلى هوى جاهلية ، مهما كانت دركاته ودركاتها ، فقد يكون علما كما يخيل ، أو اعتقادا راجحا أو شكا أو وهما ، وتشملها كلها صيغة الظن ، تعني الوهم ، إذ لا سناد لها كلها إلّا هوى جاهلية ، مهما زينتها بما يخيل إلى صاحبها أنها علم! ولكنها بدركاتها لا تغني من الحق شيئا (١).

كما وان للأربعة المسبقة من منابع العلم والظن الحق ، درجات ، فمنها ما تغني من الحق كلّ شيء ، كالعلم الخالص المصيب ، وهدى الوحي ، ثم نصوص الكتاب المنير ، الحامل للوحي ، وظواهرها المناهضة للنص ، فإنها تصيب ولا تخطأ ، فهي تغني من الحق كل شيء.

ومنها ما تغني من الحق بعض الشيء ، كالظن الحاصل من أثارة من علم ، من رواية تحمل الوحي وعليها أثره ، وهو موافقتها له وعدم مخالفتها إياه ، كأخبار الآحاد ، التي لا تنافي الكتاب والسنة القطعية ، وتوافقهما اجمالا.

وكظواهر الكتاب ، والسنة القطعية ، فيما تختلف فيها الأنظار ، وبعد تثبّت شامل ، واجتهاد كامل ، فإنها قد تفيد العلم ، وقد لا تفيد إلّا الظن ، ومن هنا يأتي اختلاف الفتاوى ، مهما كانت الأنظار ثاقبة ، والأفكار صائبة ، فإنها ليست وحي مباشرة ، أو نصا قاطعا.

فهذه الظنون النابعة عن ظاهر علم ، أو أثارة من علم ، إنها ليست مرفوضة ، لأنها تنبع عن هدى ، دون جهل أو هوى ، والآيات المنددة باتباع الظن ، الآمرة باقتفاء العلم ، الناهية عن اقتفاء غير العلم ، لا تعني إلّا التحرز عما يحصل عن جهل أو هوى ، فالظن الحاصل عن علم أو هدى ، هو علم وفي حساب العلم :

__________________

(١) كمن يتقولون «ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ» ـ فيرد عليهم «ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» (٤٥ : ٢٤) حيث اعتبر علمهم المدعى ظنا ووهما ـ مهما كان علما عندهم ـ إذ لا يستند الا الى الوهم.

٤٣٤

(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١٧ : ٣٦).

ثم الظن قد يكون ظن القلب ، النابع عن علم من العقل ، المتجاوب مع العمل ، فهذا الظن أفضل من العلم غير المتجاوب مع العمل ، غير الواصل الى القلب : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٢ : ٤٦) ، فترى كثيرا من العالمين بعقولهم غير خاشعين ، فالخشوع حالة قلبية لا تحصل إلّا بعلم عقلي ممارس عمليّا ، ولكي يتجاوبا في اعتقاد راجح قلبي.

ومنه : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٦٩ : ٢٠) (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) (٧٢ : ١٢) (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) (٢ : ٢٤٩) ، فإنها علم كلّها.

وأما الظن ، بمعنى الاعتقاد الراجح العقلي ـ كما مضى ـ فهو ممدوح إذا لم يكن عن جهل أو هوى ، مهما لم يغن عن الحق كل شيء في أصول الدين وما ضاهاها ، إلّا أنه في طريق الحق ، فممدوح في هذه السبيل حتى يتحقق العلم فيغني من الحق كل شيء ، حيث الحق لا يحصل ، أو قليلا ما يحصل ، دون تدرج من اعتقاد راجح إلى أرجح وإلى جزم.

وأما الأحكام ، فلا سبيل للجزم بها إلّا قليلا من سبيل علم أو اثارة من علم أو كتاب منير ، وكثيرا ما يحصل الظن كما في معظم الأدلة والأمارات ، من رواية أو ظاهر أم ماذا ، وكثيرا ما لا يحصل حتى الظن كالأصول ، المضاهية للأمارات وسواها (١).

__________________

(١) كالاستصحاب وقاعدة الاشتغال والفراغ ، فانها لا تفيد الظن الا قليلا وان كانت تشبه الأمارات ، وكقاعدة الطهارة وأمثالها التي وضعت للخروج من موارد الشك بحجة وضابطة ، ـ

٤٣٥

فلو انحصرت السبيل إلى تحصيل الأحكام بالعلم ، حصرت الأحكام في قليل من الضروريات الثابتة قطعيا ، ورفضت الأكثرية الساحقة منها عن ميادين العمل ، وبطلت الشريعة في قسم كبير من فروعها ، وليس في سماح العمل بهذه الظنون تخصيص في عمومات الآيات الناهية عن العمل بالظنون ، فإنها آبية عن التخصيص ، وآئبة إلى ظنون الجهل والهوى فلا حاجة إلى تخصيص.

ومن وصمات الظنون المرفوضة انها لمن تولى عن ذكر الله ولم يرد إلّا الحياة الدنيا ، فهم يرفضون الهدى إلى الردى ، والعلم إلى الظن ، وقد جاءهم من ربهم الهدى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا. ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى).

«ذلك» : ـ الظن البعيد البعيد ـ (مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ، يحسبونه علما ، وليس إلّا وهما لا يملك برهانا ، فلا يغني من الحق شيئا ،

فإذا أصبحت الدنيا مبلغ العلم ، وأكبر الهمّ ، أصبح طالبها كالأنعام وأضل سبيلا ، اللهم «لا تجعل الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا» (١).

__________________

ـ فإنها لا تفيد الظن إطلاقا ، فإذا كنت على ظن من نجاسة شيء من دون حالة مسبقة ، تجري هنا قاعدة الطهارة وتحكم بها ، وفي اعتقادك الراجح انه غير طاهر ، وقد تمر عليك تفاصيل عن الحجج الشرعية في مجالاتها الأنسب والأوسع.

وأما الآراء الناتجة عن القياسات والاستحسانات وسواها مما لا أثر له في الدين ، فكلها باطلة ، ومن لطيف ما يروى ممن رأى آراء في الدين من هذا القبيل ما أخرجه ابن أبي حاكم عن عمر بن الخطاب قال : احذروا هذا الرأي على الدين فانما كان الرأي من رسول الله (ص) مصيبا لأن الله كان يريه وانما هو ها هنا تكلف وظن ، (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) لدر المنثور ٦ : ١٢٧).

(١) الدر المنثور ٦ : ١٢٧ ـ اخرج الترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قلما كان رسول الله (ص) يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه : «اللهم اقسم من خشيتك ما يحول ـ

٤٣٦

فأهل الدنيا ، الراكنون إليها ، المطمئنون بها ، المريدون لها ، الواقفون عندها ، ليس لهم بالنسبة للأخرى وحقائقها ، وللحق عامة ، إلّا ظنونا جاهلة هاوية ، مهما كانوا علماء في علوم الدنيا ، بشهواتها ولهواتها ، فلا يليق لك منهم ، إلّا الإعراض عنهم ، بعد ما تولّوا عن ذكر الله ، عن كتاب الله وسائر حجج الله ، التي تذكرهم الله.

إن أصحاب المذاهب المادية ، والمآرب الحيوانية ، لا سبيل فيهم إلّا الإعراض عنهم ، حيث لا يفهمون لغة الإنسان (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).

والإعراض هنا على سبيل صيانة الاهتمام أن يبذل في غير محلّه ، وعلى سبيل التهوين والاحتقار لمن هذا مبلغ علمه ومنتهى عقله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى).

* * *

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ

__________________

ـ بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون علينا مصيبات الدنيا ، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا ، وقونا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثارنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا».

٤٣٧

بِمَنِ اتَّقى (٣٢) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩)

٤٣٨

وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)(٦٢)

* * *

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) :

توحي «ليجزي» هنا ، المفرّعة ـ كغاية ـ على (لِلَّهِ ما فِي ..) أن الجزاء على السيئة والحسنة في العقبى من غايات ونتاجات الملكية المطلقة الإلهية لما في السماوات والأرض ، ترى ان الذي يملك الأولى ، ألا يملك الأخرى؟ نعم وبأحرى ، كما وان الجزاء من غايات ونتاجات علمه تعالى بالغيوب كلها : (.. عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ. لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ. وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (٣٤ : ٥٠). ومن ناحية أخرى إن من الأهداف الرئيسية في خلق السماوات والأرض ومن فيهما ان يعبد الله : (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ومن ثم الجزاء : السيئة بمثلها والحسنة بالحسنى ، فملكية السماوات والأرض في الأولى ، دليل على الملك في الأخرى على الجزاء ، وعلمه بالأعمال كلها وخلق الخلق ، ولكي يعبد الله ، دليل على لزوم تحقيق الجزاء : عدلا للذين أساءوا إذ يجزون بما عملوا ، وفضلا للذين أحسنوا إذ يجزون بالحسنى : وهي الأحسن مما عملوا وأقلها عشر : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٦ : ١٦) ، وإذا كانت الحسنة كبيرة سلبا أو إيجابا (١) فهي تكفر السيئات اللّمم ، إضافة إلى جزاءها بالحسنى ، ثم وهناك زيادة على الحسنى المرسومة : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)

__________________

(١) سلبا يعني ترك كبائر السيئات وإيجابا : فعل كبائر الحسنات.

٤٣٩

(١٠ : ٢٦) زيادة على الحسنى التي وعدها كل المحسنين : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٥٧ : ١٠) وترى من هم المحسنون؟ :

(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) فمن لا يجتنب كبائر الإثم والفواحش ، وان أتى بصغائر الحسنات ، او ترك صغائر من السيئات ، وان ترك بعض الكبائر من الإثم وبعض الفواحش ، إنه لا يعد من المحسنين هنا ، فليس جزاءه الحسنى ، اللهم إلّا الأضعاف العشر ، وأما أن تعفى عنه اللمم ، او يكفر عن سيئاته ، او يبدّل سيئاته بحسنات ، فلا ، فانها من الحسنى الخاصة بمن يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (٢٥ : ٧٠) بعد (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (١١ : ١١٤).

ترى ما هي كبائر الإثم ، والفواحش ، وما هي اللمم المكفر عنها بتركهما؟.

ان الإثم هو الفعل المبطئ عن الثواب ، فمنه صغير ، ومنه كبير كالخمر والميسر : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) (٢ : ٢١٩) والشرك بالله وهو اكبر الكبائر (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤ : ٤٨) (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (٤ : ٤٨) والافتراء على الله (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) (٤ : ٥٠) ورمي البريء بما فعل الرامي من خطيئة او إثم وان كان صغيرا» (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (٤ : ١١٢) وبما لم يفعله الرامي ايضا (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (٣٣ : ٥٨) والقتال في الشهر الحرام عند المسجد الحرام إلّا دفاعا (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ..) (٢ : ٢١٧) فالصد عن سبيل الله ، والفتنة بين المؤمنين وعليهم ، وإخراج اهل المسجد الحرام ، انها كذلك من كبائر الإثم.

٤٤٠