الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

غيض لهم شيطانا فهو لهم قرين ، ولكنهم إذ لا يفقهون (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) وترى ان حسد المؤمنين في اتباع المنافقين مما يحيل اتباعهم ويحول دون إرادتهم (أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ)؟ والكافر يستميت في محاولات تكذيب الله وتبديل كلام الله ، فانما هي قولة فارغة فاشلة ممن يحاولون تحقيق المحال ولا يستطيعون.

فلما ذا لم يخرجوا مع المؤمنين ولا مرة ، وحتى لاخذ الغنائم؟ إنها لآية بينة معجزة تتوفر في إنباءات القرآن ، لكي توقظ الرسول والمؤمنين بمكائد المنافقين ، وتزدادهم ايمانا أنها وحي السماء الصادق الأمين «بل» ليس كما يقولون : (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) ولا كما يزعمون «تحسدوننا» ـ (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) : فقه قليل للحق يجعلهم مكلفين ، ثم لا يفقهون كثيرا في أفكارهم وأقوالهم الهابطة الخابطة العمياء : فما هي الرباط بين أن تحسدني وأن أترك ما أقدر عليه وأحاوله؟ احسدا كأمر باطني يحيل فعلا يحتال له ويحاوله محسودك بكل طاقاته فلا يستطيع (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً)!.

إن كلام الله من قبل (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ ..) وقد تحقق ، ووعده من قبل : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ ..) انه آية رحمة للمؤمنين وعذاب للمنافقين : ـ (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢٠) وكيف يمكن ان تبطل الآية المعجزة بمحاولات منافقة ممن لا يفقهون؟!.

وإنها كانت فتح خيبر بعد أقل من شهرين من صلح الحديبية ، وافرة الغنائم ، وحصون خيبر هي آخر حصون بقيت لليهود في الجزيرة كأقواها وأغناها ، وكان قد لجأ إليها بعض بني النضير وبني قريظة ممن اجلوا عن الجزيرة من ذي قبل.

وقد فتحت واغتنمت فعلا للمؤمنين دون مشاركة للمنافقين ، ومن ثم فتح مكة وهي كانت أغنى وأقوى من كل فتح يأتي أو مضى ، وكذلك كان فيه

١٨١

أمر المنافقين (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) ومن ثم تنديد ثالث بالمخلفين يحمل لهم بشارة أجر حسن لو أطاعوا ، وعذابا أليما إن تولوا :

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً).

تهديد ثالث يوجه إلى المخلفين بعد الحديبية وخيبر انهم سيدعون إلى قوم أولى بأس شديد لا سبيل معهم إلا (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) فلا ثالث هنا من مصالحة كما في الحديبية أو جزية كما مع أهل الكتاب ، وإنما قتال حتى يسلموا ، حكما باتا صارما يصرمهم مهما كانوا (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) : بأس العدة والعدة! فهذه الدعوة الأخيرة لا بد وأن تصرم هؤلاء الأشداء دونما رجعة أو مراجعة.

وترى انهم يهود خيبر؟ والجزية طريقتهم الثالثة بأنهم أهل كتاب! ولم يكن بأسهم شديدا وجاه الأشداء الآخرين ككفار مكة والفرس والروم ، وهذه هي المرة اليتيمة في القرآن يوصف فيها أعداء الإسلام ب (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)! وأن قصة خيبر مضت في ثاني التهديدات للمخلفين (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ ..)!.

هذا الدليل المثلث ينحي الآية عن خيبر واضرابها ، ويحصرها في المشركين الذين بلغوا في القوة الذروة في صنوف الأعداء المناوئين للإسلام ، منذ الرسالة إلى أمد.

إذا فليسوا هم هوازن ولا ثقيف ، لا وحتى الروم الأشداء في مؤتة وغيرها ، إنما هم مشركو مكة أو الفرس أو هما؟

فمن ناحية أن الدعوة هذه دعوة إلهية لحرب خطيرة : «ستدعون» تكون الحرب حرب الفتح في مكة ، وقد أسلمت مكة دون حرب إذ فتحت عنوة ،

١٨٢

رغم أن مشركيها أولى بأس شديد جنّدت كافة طاقاتها واستنفرت عامة قواتها.

وقد تشير (أَوْ يُسْلِمُونَ) إلى فتح مكة العنوة ، حيث (أو) تخيّر بين مقاتلتهم وإسلامهم وقد أسلموا دون قتال! ولم يسبق لذلك مثيل في الفتوحات الإسلامية أبدا.

ومن جهة أنهم كانوا حاضري الجزيرة فلا يعبر عنهم بقوم المنكر كمن لا يعرفون ، وأن (أَوْ يُسْلِمُونَ) هي غاية الدعوة إلى حربهم ، تعني (تقاتلونهم حتى يسلموا) يشبه أنهم الفرس ، أكبر دولة حينذاك وأخطرها ضد الإسلام.

ولكن (أو) هي أصلا للتخيير وأضرابه (١) إلا بقرينة قاطعة تدل على انها بمعنى (حتى) واضرابها ، ولا قرينة هنا الا بخلافه ك (يُسْلِمُونَ)(٢) ، وان (قَوْمٍ) المنكر لا يعني انهم غير معروفين في الجزيرة ، بل رغم كونهم معروفين فيها قد يجهل خطرهم ، أو أنه تنكير التعظيم اشارة لعظيم مكرهم وخطرهم.

أو يقال : ان (قَوْمٍ) هنا تشملهما جميعا ، فرغم انهما قومان عنصريا وفي المكان والزمان ، لكنهما قوم واحد في الشرك والبأس الشديد ، والكفر ملة واحدة.

إذا ف (قوم) تنكير تعظيم لعظيم الخطر لمشركي مكة ، وتنكير تجهيل للفرس الخارجين النائين عن الجزيرة ، و (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) يشملهما على سواء ، حيث إن مشركي مكة كانوا خطرا على تأسيس دولة الإسلام ، المحتلة عندهم عاصمتها ، والفرس كانوا خطرا على استمرارها.

ثم و (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) تخيير بالنسبة للأولين حيث لم يجمعا لهم إذ

__________________

(١) خيّر أبح قسّم بأو وأبهم

واشكك وإضراب بها ايضا نمي

(٢) إذ لو كان بمعنى حتى نصب فكان «يسلموا».

١٨٣

أسلموا ففتحت مكة عنوة ، وغاية للآخرين حتى أسلموا بعد القتال ، (تقاتلونهم حتى يسلموا).

والآية تتحملهما بمرجحات كل في دلالاتها كما مضت ، ولا أخطر على الإسلام في حاضر دولتها من مشركي مكة وفي مستقبلها القريب من مشركي فارس.

ولأن مناوئي الدولة في بدايتها كانوا أخطر عليها ، ترى الآية تعنيهم اصالة والآخرين كتابعين ، حيث الدعوة الإلهية بالوحي تخص قتال الأولين (سَتُدْعَوْنَ) وان «او» للتخيير اصالة ، وهي هنا تخصه بشاهد «او يسلمون» فلو كانت تعني «حتى» كانت منصوبة : «او يسلموا» ولكنها تشمل «حتى» ضمنيا كما بيننا.

فهذه الآية ايضا من ملاحم الغيب لمستقبل الفتح العنوة في مكة وفتح القتال الغلبة في الفرس ، أن المخلفين من الأعراب سيدعون ضمن المؤمنين في استنفار عام في هاتين الجبهتين ، فإن أطاعوا الدعوة والداعية يؤتهم الله أجرا حسنا في الدنيا والآخرة ، وإن يتولوا كما تولوا من قبل يعذبهم عذابا أليما ولن يضروا الله شيئا ، حيث الفتح عنوة وغير عنوة لا محالة كائن دونما حاجة إلى المخلفين من الاعراب ، اللهم إلا ابتلاء لهم لكي يعرفوا ويعرفوا أنفسهم.

تلك الدعوة الصارمة العامة باستنفارها من يقدرون على إجابتها ، انها تحرج عامة الناس إلا الأعمى والأعرج والمريض :

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً).

الحرج هو حالة فوق الطاقة نفسيا أم سواها ، تستأصل الطاقات كلها لحد يضيق كل مدخل ومخرج كأنما يصّعد إلى السماء الخالية عن تنفس : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ

١٨٤

يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (٦ : ١٢٥) حيث التصعّد إلى السماء هو الصعود الصعب الذي يضيق النفس في الصدر ويخنق ، وذلك حينما تجاوز كرة الأكسيجين حيث تخنق.

هذا هو الحرج المنفي في الدين ، فما أراده الله (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) (٥ : ٦) ولا جعله الله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (٢٢ : ٧٨).

فالأعمى والأعرج وكل مريض يتحرج عن الجهاد يعفى عنهم في استنفار الجهاد (١) كما في سواه من تكاليف عامة أو خاصة ، اللهم إلا مرضا لا يحرج أو مريضا يكلف بأدنى من حرج ، كذلك والأعمى والأعرج إذا كلفا دون حرج.

والضابطة السارية في عامة التكاليف هي وجوب تطبيق أحكام الله ، في طاعة الله ورسوله قدر المستطاع ودون حرج ، دون أن ينقص المحرجين من أجورهم ، فلو أن جنديا مسلما جاهد دون طاقته وأقل من قدرته لم يطع الله تماما : ولو أن مسلما حرجا عن القتال تركه ناويا له لو استطاع أطاع الله تماما : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) : كل دون حرج وقدر الطاقات والإمكانيات.

فلو أن أعمى أو مريضا أو أعرج استطاعوا حضور الجبهة دون حرج كان عليهم لزاما ، أو أن سواهم لم يسطع حضورها لم يكن عليه لزاما ، فإنما هو مثال لأكثرية موارد الحرج : العمى والمرض والعرج ، دون حصر فيها ، ولا نفي

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ٧٣ ـ أخرج الطبراني بسند حسن عن زيد بن ثابت (رض) قال : كنت اكتب لرسول الله (ص) واني لواضع القلم على اذني إذ أمر بالقتال إذ جاء أعمى فقال : كيف بي وأنا ذاهب البصر فنزلت : ليس على الأعمى حرج ... قال : هذا في الجهاد ليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا.

١٨٥

للجهاد عن أصحابها وان لم يكونوا محرجين ، وإنما المنفي هو الحرج أيا كان وفي أي كان.

ثم للحرج المنفي في الدين حدود لولاها لم يثبت حكمه :

١ ـ أن يكون ذاتيا ليس لصاحبه حيلة ولا سبيل في إزاحته ، ولا له دخل في حصوله ، فلو استطاع سلب الحرج الموجود ، لم يكن تكليفه بما يحرج حاله حرجا في الدين أو من الدين ، وإنما منه نفسه إذ لم يزله ، ولو أنه هو السبب لحالة الحرج باختياره فهو المحرج نفسه عنده لا الدين ، فتكليفه عندهما ليس حرجا في الدين حتى ينفى ، وإنما حرج منه فلا ينفى.

٢ ـ أن يكون واقعيا ، لا وهميّا ناشبا من التقاليد والعادات ، ناشئا من الهوسات والتجاهلات ، كحرمة أزواج الأدعياء ، التي كادت تحول دون تزوج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بزوجة دعيّه زيد بعد ما قضى منها وطرا ، فلقد كان هكذا زواج محرجا له حسب البيئة التي كانت تحرمه ، مخافة أن يخالفوه أو يكذبوه ، ولكن الله فرضه عليه رغم ما أحرجته البيئة : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣٣ : ٣٨) لذلك فهو الذي زوجه زوجة دعيّه : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً)(٣٧).

ينفي عنه حرج البيئة لكي ينفي عن المؤمنين كذلك ، وإنه نموذج هام ينبه حملة الدين ان لا حرج عليهم في تبليغ رسالات الله وتطبيقها ، فلا يختلقوا أعذارا وعناوين ثانوية في تحليل ما حرمه الله ، أو إهمال ما فرضه الله بحجة ان الناس ينقمون منهم أو يعترضون ، فيقلبوا أمر طاعة الله إلى طاعة الناس.

فدين الله لا مواربة فيه ولا أنصاف حلول ولا مسايرة ، إنما هو الحق الصراح

١٨٦

يؤمر به ويعمل ، دون خشية من الناس فالله أحق أن تخشاه ، وما الناس الذين يختلقون عقبات دون أمر الله إلا نسناس ، فالله الله ، لا تتركوا حكم الله لمسايرة ومراضاة النسناس.

وجملة القول هنا أن لا حرج على النبي ولا حملة رسالته فيما فرض الله ، ولا على المرسل إليهم أن يتحرجوا فيما قضى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٤ : ٦٥).

* * *

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ

١٨٧

مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦) لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)(٢٧)

١٨٨

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).

لقد مضت آية في هذه المبايعة المجيدة المرضية وهذه ثانيتها ، تنحو منحى تحقيق الرضى عن المؤمنين : (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) أن اطمأنوا الى الله عما شجر بينهم من زعزعات ومشاجرات ، فبايعوك هناك ثانية بعد مبايعة الايمان لمّا آمنوا ، بعد ما اصطدم بعرقلة الصلح في الحديبية «لقد رضى» عنهم إذ بايعوا (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من رضي بمرضات الله واستسلام الأمر اليه ، (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) كجزاء حال على مبايعتهم ، تطمئنهم عما اضطربوا (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) فتح خيبر ومكة ، كجزاء مستقبل محتوم كأنه امر مضى ، كما عبر عنه أولا بما مضى : «انا فتحنا».

نرى هنا إثابات تلو بعض ، لأن المؤمنين في جبهة الحديبية بايعوا صاحب الرسالة تحت الشجرة السمرة (١) ، فلم تكن سهلة هينة لا تعدوا الخيال والمقال ، وانما عملية ممتحنة صعبة ، وعقبة كئودة ملتوية اجتازوها ناجحين مهما نكثها ناكثوها (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) فهم خارجون عن اثاباتها لمّا نكثوا ، وانما هي للأوفياء (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).

ولقد قال لهم صلّى الله عليه وآله وسلّم : «أنتم خير اهل الأرض» (٢) فهل انهم الالف والاربعمائة الذين بايعوه ، كلهم بمن نكث بعدئذ ومن اوفى؟ فكيف يكون الناكث للبيعة من خير اهل الأرض؟!.

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ٧٣ ـ اخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمة الأكوع (رض) قال : بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله (ص) أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فثرنا الى رسول الله (ص) وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه فذلك قول الله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ ..).

(٢) المصدر عن جابر بن عبد الله (رض) قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فقال لنا رسول الله (ص) «أنتم خير أهل الأرض».

١٨٩

والحق انهم هم المبايعون المؤمنون الثابتون الأوفياء (١) لا المسلمون المستسلمون والناكثون ، كما الله خص الموفين منهم بأجر عظيم (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) من سكينة وفتح قريب ومغانم هنا في الاولى ، ومن اثابات اخرى في الاخرى.

ولذلك نرى المرضى عنهم هنا هم المؤمنون فهم الأوفياء ، والمبايعون في الآية الاولى أعم منهم (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) ولذلك قسمهم ب «من نكث ومن أوفى» فالأولياء هم المؤمنون المرضيون في آية الرضوان والناكثون غير مرضين.

ان المبايعة هذه كانت درجات حسب درجات المؤمنين ، فمنهم من بايعه وقتها شكليا ثم نكثها ، ومنهم من بايع فقط على ألا يفر من زحف ، لا على الموت كالخليفة عمر (٢) ومنهم من بايعه على الموت في سبيل الله (٣) درجات حسب الدرجات ، كما ان النكث كان دركات حسب الدركات.

فكما الآية الاولى تمدح ـ فقط ـ الأوفياء ممن بايعوه تحت الشجرة ، كذلك هذه (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ، وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها ..) كل ذلك خاص بمن علم الله ما في قلوبهم من صدق البيعة من الأوفياء دون الناكثين اللعناء.

ولو اننا استشرفنا الى تلك اللحظة القدسية ، لوجدناها أقدس موقف في

__________________

(١) المصدر : اخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله «فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ» قال : انما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء.

(٢) الدر المنثور ٦ : ٧٤ ـ اخرج مسلم وابن جرير وابن مردويه عن جابر (رض) قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر (رض) آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة وقال : بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت.

كما وان معقل بن يسار اقتفى اثر الخليفة في هكذا بيعة.

(٣) كما علي عليه السلام بايعه (ص) على كل ما في نفسه وتبعه ابو سنان الأسدي حيث قال له النبي (ص): على م تبايعني؟ قال : على ما في نفسك ، أخرجه البيهقي في الدلائل عن الشعبي.

١٩٠

في تاريخ الايمان لحد تحقق رضوان الله عن هؤلاء الأوفياء السعداء :

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) وليتها بقيت كذكرى لهذه البيعة المجيدة ولم يقطعها الخليفة عمر (١) اللهم إلا مخافة أن تعبد من دون الله او يتوسل بها الى الله ، ولكنها لا تحتم قطع شجرة الرضوان ، وإنما منع المتوسلين بها او العابدين لها لو كانوا ، وإلا فلتهدم الكعبة ـ والعياذ بالله ـ إذ يعاملها هؤلاء كأنها الله!.

نعم يجب استئصال الأصنام والأوثان من الوجود لكي لا يبقى أثر منها يعبد ولكنما الأشياء المقدسة بما قدسها الله تبقى كما هي ، وينهى عن التوسل أو الاستشفاع بها الى الله.

(فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من حمية لهداهم دون هواهم ، ومن صدق في بيعتهم وكظم لاستفزازاتهم وضبط لمشاعرهم لكي يستسلموا لحكم الرسول.

(فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) سكينة الايمان ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم.

وترى ان الله علم ما في قلوبهم بعد ما بايعوا كما يفيده معنى الفعل «علم» وتؤكده فاء التفريغ ، والله عليم بما في القلوب منذ خلقها وقبله؟

الحق ان «علم» هذه من العلم : العلامة ، لا العلم : المعرفة بعد الجهل وسبحانه ، كما في أضرابه طيات آياته.

فقد تعني «علم» هنا انه تعالى جعل المبايعة الحقيقية علامة للأوفياء تميزهم عن الناكثين ، ميزة لهم عندهم وعند من سواهم ، ف «عند تقلب الأحوال يعرف جواهر الرجال».

(وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) أصله فتح مكة وفي سبيله وعلى هامشه فتح خيبر ، وقد يشملهما الفتح القريب لانسلاكهما في سلك واحد ، وهما نتاج فتح الصلح

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ٧٣ ـ اخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن نافع (رض) قال : بلغ عمر بن الخطاب (رض) ان ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت.

١٩١

في الحديبية ، كما و (مَغانِمَ كَثِيرَةً) المعطوفة على (فَتْحاً قَرِيباً) تؤيد هذا الجمع :

(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) هذه المغانم الكثيرة تباعا للفتح القريب ، منها معجلة بعد الحديبية ومنها مؤجلة إلى فتح مكة :

(وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً ، وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)

فهذه المعجلة هي مغانم خيبر ، واخرى لم تقدروا عليها ، منها مغانم مكة ، وهاتين هما تلو فتح قريب ، فليكن فتح خيبر ومكة معا.

ان مغانم خيبر قسمت على من حضر الحديبية وان كان غائبا عن خيبر (١) ، كما وعدهم الله (٢) ومنعت عن المخلفين من الاعراب رغم ما طلبوا حضورها ، فانها كانت من اثابات الحديبية.

ان اثابات الحديبية للمؤمنين الأوفياء نفسية ومادية هي ايضا ذريعة لها : من السكينة النازلة عليهم يومها فزادتهم ايمانا على ايمانهم ، ومن فتح قريب في خيبر ومكة استوثقت به الجزيرة اسلاميا ، ومغانم فيهما كثيرة في خيبر واكثر في مكة ، واخرى تتبعها من فتوحات وغنائم ما داموا مؤمنين مسلمين لا مستسلمين.

وقد ينسلك فتح الصلح في الحديبية في (مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) فانه مغنم نفسي ، وتقوية في نفوس المؤمنين ان استعدوا لفتح خيبر ومكة ومغانمهما ، الا ان (تَأْخُذُونَها) قد لا تناسب الصلح ، وانما (كَفَّ أَيْدِيَ

__________________

(١). الدر المنثور ٦ ـ ٧٤ ـ اخرج عبد الرزاق وابو داود في مراسيله عن الزهري قال : بلغنا ان رسول الله (ص) لم يقسم لغائب في مقسم لم يشهده الا يوم خيبر ، قسم لغيب أهل الحديبية من اجل ان الله كان اعطى اهل خيبر المسلمين من اهل الحديبية فقال : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) وكانت لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب.

١٩٢

النَّاسِ عَنْكُمْ) في الحديبية و (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) في خيبر (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) في فتح مكة وسواها.

و (آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) : هي كف أيدي المشركين عنهم في الحديبية ، آية للنصرة والعزة الإلهية ، وفتح خيبر بغنائمها : آية للغلبة الآتية في فتح الفتوح ، ومن ثم (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) : صراطا الى فتح مكة إذ كانت شائكة ملتوية قبل الحديبية وخيبر ، وتجربة المؤمنين فيهما عبّدت لهم هذه الشائكة فأصبحت صراطا مستقيما لاسترجاع عاصمة الدولة الاسلامية

ثم (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) عطف على محذوف بعد «وعدكم .. فعجل .. وكف ..» هو من أمثال «لتكون آية على الكافرين» إنذارا لهم ، فهدما لصرح الكفر وطرقهم التي عبدوها اليه (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) آية بآية وصراطا بصراط.

(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) ومغانم اخرى مؤجلة بعد المعجلة (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) حيث الفتح العنوة في مكة دون حرب رغم اكثرية العدة والعدة للمشركين ، انه لم يكن من المقدور عليه للمسلمين ، وانما (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) حيطة الهية وآية قدرة منقطعة النظير. وترى ان «اخرى» هي فقط مغانم الفتح العنوة في مكة؟ ام والفرس والروم كذلك؟ ام وسائر ما الى ذلك؟.

قد تشملها «اخرى» كلها ، بما وعد الله المسلمين المجاهدين الصامدين في خطوط النار ، كما مضت هنالك الاشارة الى فتح فارس : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) وفي مجالات اخرى الى كل فتح اسلامي من هذا النمط.

وقد يبعد الشمول مضيّ الفعل (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) فكيف تشمل مستقبلات الغنائم؟ ويقر به انه بشارة بغنائم تستقبلهم أيا كانت : من هوازن ومكة وفارس (الفرقان ـ ١٣)

١٩٣

والروم وسواها على سواء ، و (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) تنفي القدرة السابقة على الغنائم اللاحقة ، ولا ريب انها ونفيها تسبق الغنيمة كيفما كانت ، بشارة ملفوفة هنا ، لم يحددها وهي غيب من غيوب الله ، لبث الطمأنينة والرضا في نفوس المؤمنين بالله ، فلتكن كما هي شاملة للغنائم الاسلامية على طول الخط ، ما لم يقدروا عليها (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) ابتداء من فتح الفتوح ، ومن ثم فتح مملكتي كسرى وقيصر في حرب الفرس والروم ومن ثم فتوحات اخرى (١) ما داموا هم ناصرين لدين الله ، مسلمين لا مستسلمين.

(قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) أهي خاصة بما لم يقدروا عليها و (كانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) (٤ : ١٠٨)؟ أم هي عامة ، فما هي ميزة الغنائم المبشر بها هاهنا؟.

الجواب : أن لله إحاطة علم وقدرة بكل شيء على سواء كما تقتضيه ربوبيته ، وإحاطة عناية بقدرته لخواص عباده انتصارا لهم عند ما ضعفوا واستكانوا ، وهذه الغنائم الموعودة لهم منها (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً).

لا فحسب أنكم تغنمون هنا وهناك ، فإن لكم فتحا متواصلا ما دمتم مؤمنين أوفياء ، بشارة سارة سارية المفعول لفتوحات تترى أو لا تنهزمون :

(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).

__________________

(١)الدر المنثور ٦ : ٧٥ ـ أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) قال : هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم ، وأخرج ابن عساكر عن علي وابن عباس في الآية «فارس والروم» (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) قضى الله بها أنها لكم ، كما وأخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال «فارس والروم» ، وعن عطية قال : فتح فارس ، وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : يوم حنين ، وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : بلغنا انها مكة.

أقول : انها على اختلافها تؤيد عدم اختصاص (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) بفتح ، مكة او سواها ، كما ولفظ الآية تساعد ذلك الشمول.

١٩٤

(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً).

إنها سنة ثابتة إلهية لن تتبدل ، أن الكفار المهاجمين المقاتلين هؤلاء المسلمين ، يولون الأدبار ، سنة يسنها الإيمان الصامد المشفوع بنصر الله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (٤٧ : ٧) فلا تكفيها دعوى الإيمان او فكرته غير البارزة في الميدان ، فإن لها شروطا يجمعها جماع الإيمان (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣ : ١٣٩).

ولقد ترى آيات تترى في تصريحات بطيات دعايات القتال الدفاع ، قاطعة آمال الكافرين : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (٣ : ١٠٨) لكنها تتعلق بالجو الذي يولد فيه انتصار المؤمنين ، حيث هم تاركون ولاية الكافرين (٩٦) معتصمين بالله مهتدين إلى صراط مستقيم (٩٧) متقين الله حق تقاته (٩٨) معتصمين بحبل الله لا متفرقين (٩٩) داعين إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر مفلحين (١٠٠ ـ ١٠١) ومن ثم : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١٠٨) ـ (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)!

فلو انهم غلبوا وجاه الكفار لم يكن تبديلا لسنة الله ، وإنما تبديلا لسنة الإيمان ، وتبدلا للإسلام الصامد بالاستسلام ، فسنة الإنتصار دائبة لهم ما داموا مؤمنين.

(هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً).

انه نموذج من تلكم المواقف ، حاضرة حاذرة في فتح الفتوح ، أن الله تعالى كف أيدي المشركين المتطاولة عنهم ، وأيديهم كذلك ومتقابلا عنهم ببطن مكة

١٩٥

لمّا وردها ومتى؟ (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) تلكم الظفرة الزفرة المظفرة ، وانه لموقف مشرف عديم النظير ألا تتطاول أيدي المؤمنين المظفرين على من؟ على الذين آذوهم وشردوهم وقاتلوهم وعاملوهم طوال الرسالة ما لم يعامل به أحد من العالمين!

فبطن مكة هو داخل مكة وعقرها ، لا خارجها وخارج حرمها : الحديبية ، خلاف ما روت رواتها وفسرها مفسروها ، ولا سيما (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) ولم يكن في الحديبية ظفر لا منهم ولا عليهم ، وإنما مصالحة المهادنة ، وإذا قيل عنها إنها فتح ـ فتح الصلح ـ فليس إلا لأنه فتح سبيلا إلى فتح مكة ، فقد كانت تنهار قوات المسلمين لو قاتلوا ، فلم يجدوا سبيلا لفتح الفتوح بعد ما انهارت قواتهم ، وانصدمت نفوسهم بقتلى.

فهنا موقفان مشرفان لفتح الفتوح ، يجعلانه في قمة الفتوح في معارك الشرف والكرامة طوال التاريخ : ان كف الله ايدي المشركين الكثرة عن المؤمنين القلة ، رغم انها كانت عليهم متطاولة طوال الرسالة في مكة وإلى المدينة في كل عام مرة أو مرتين ، وكانوا يستعدون دوما ويزدادون قوة لقضاء حاسم على المؤمنين ولكن ..

وموقف ثان هو أشرف ، أن كف الله ايدي المؤمنين المظفرين عن المشركين ، كفا للحمية وطبيعة الانتقام ، خلاف ما يفعله الفاتحون التوسعيون ، ولكي يعلم العالم ان فتح مكة ما هو إلا فتحا للقلوب لا توسعا وانتقاما بعد الاحتلال. هذا ـ ومن ثم الآيات التالية التي تتحدث عن جو الفتح تؤيد بطن مكة وظفرها ، ان ذلك كله ينحو منحى فتح الفتوح ، وإن شمل فتح الصلح في الحديبية هامشيا وكذريعة له على بعض الوجوه.

إن كف ايدي المشركين هنا عن المسلمين يعم صلح الحديبية وفتح مكة ، طالما كفّ ايدي المسلمين عنهم يخص الفتح بمكة (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ)

١٩٦

فانه خاص بفتح مكة ، ف (بِبَطْنِ مَكَّةَ) ظرف للثاني ، والأول أعم من بطن مكة وظهرها الحديبية.

وكف ايدي الغزاة المسلمين عن هؤلاء المشركين الظالمين ـ الذي هو من منن رب العالمين ـ حجز المسلمين هنا عن ملابسات نفسية كثيرة ودقيقة لطيفة المدخل : من الزهو الذي قد يساور القلب ، او يتدسس إليه من سكرة النصر بعد طول الكفاح ، وفرحة الظفر بعد بعد العناء ، وهو مدخل يصعب توقيّه في القلب البشري.

ومن أمثال هذه الزهوات يؤمر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في سورة النصر أن يستغفر ربه : ليستر عنه ويسدده عنها وقد ستر : أن كف أيديهم عن المشركين.

فتراه إذ يدخل مكة فاتحا منتصرا ، مكة التي آذته وأخرجته وحاربته ووقفت في طريق دعوته عنيدة ؛ وعرقلت عليه ، تراه يدخلها منحنيا لله شاكرا على ظهر دابته ، ناسيا فرحة النصر وزهوته ، عفوا رحيما لا ينتقم.

وهذا هو الأدب الذي تتسم به النبوة دائما ، يريد الله به أن ترتفع البشرية الى آفاقه ، او تتطلع دوما إليها.

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)

وترى من هم أولاء الذين كف أيديكم عنهم؟ إنهم حملة ثالوث الضلال إذ (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله والرسالة الإسلامية السامية ، لا فحسب أن يكتفوا بسلبية الكفر : فلا على المسلمين ولا لهم ـ بل (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ان تأتوه طائفين ـ وصدوا (الْهَدْيَ) حالكونه (مَعْكُوفاً) صدوه (أَنْ يَبْلُغَ

١٩٧

مَحِلَّهُ) بمكة المكرمة كما في عمرة الحديبية.

وطالما الكفر كبيرة موبقة في ميزان الله ، ولكنما الصد عن المسجد الحرام وصد الهدى ان يبلغ محله ... انه كبيرة في الجاهلية ايضا ، كريهة في عرفهم الذي يعرفون.

فلم يكن كف ايدي المسلمين الظافرين بهم عفوا من الله لهم لصغر الجريمة ، وانما لحكم اخرى بعيدة المدى قريبة الهدى كثيرة الندى ، مما ياتي او مضى و (لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ...

فالحملة الجماهيرية لا تعرف الصديق من العدو حتى ولو عرفت الصديق ، كيف وهناك (رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) فلو لا أن كف الله أيديكم عن مشركي مكة لكنتم تطأوا المؤمنين مع المشركين ، وطأ هو وطأة عارمة (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ولكن (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ)

لقد كان هناك بعض المستضعفين من المؤمنين في مكة لم يهاجروا ولم يعلنوا إسلامهم بقية على أنفسهم وتقية من أعدائهم ، فلو دارت الحرب وهاجم المسلمون مكة وهم لا يعرفون المسلمين المجهولين لكانت عليهم معرة تصيبهم بغير علم ، فدعاية عليهم من المشركين ان كيف يقتلون أضرابهم.

إنه (كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) من مؤمنين ومؤمنات كانوا بين المشركين ، ومنهم من كانوا في أصلاب رجال وأرحام أمهات من المشركين ، ومن مشركين قسمت لهم الهداية والدخول في رحمة رب العالمين (١).

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ٧١ ـ اخرج بسند جيد عن جماعة عن أبي جمعة قال : قاتلت النبي (ص) اوّل النهار كافرا وقاتلت معه آخر النهار مسلما وفينا نزلت (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ ..) وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين.

أقول : وقد تشمل الآية جو الحديبية إذ كف أيديهم عن بعض فلم يبتل المؤمنون بقتل اضرابهم عن جهل ، ولكنها لا تختص به إذ لم يظفرهم الله عليهم هناك ، اللهم إلا في فتح مكة.

١٩٨

فهذه ثلاث درجات وبركات ينتجها الفتح العنوة الرحيمة ، رغم انهم كانوا في ثلاث دركات من كفر وصد عن المسجد الحرام والهدى ، واين ثلاث من ثلاث!

هذه جوانب من حكم الله في هذا الفتح العنوة (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) من الذين يستحقون الرحمة ـ ف :

(لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)

لَوْ تَزَيَّلُوا) : بينهم ، أن تفرقوا وامتازوا عن بعض فعرف المؤمنون والمؤمنات والذين يرجى منهم الايمان ، والذين في أصلابهم مؤمنون (١) فليس التزيّل بمعنى الزوال وكما في آية أخرى (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) (١٠ : ٢٨) فانه تزيّل بازالة الغشاوة بينهم وبين شركائهم أن يعرفوهم فيعلموا أنهم ليسوا بشركاء الله ، لا بازالة أنفسهم فان الآخرة موقف الدوام لا الزوال.

والمتزيلون هنا أعم من الكافرين والمؤمنين ، حيث (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) لا «لعذبناهم اجمع».

و «لو» هنا تحيل العذاب الجماعي في الدنيا لجموع الكافرين إلا بتزيل تام ، وكما الكافرون متزيلون عن المؤمنين يوم الدين ، فالله معذبهم هناك دون مهل ، كذلك يوم الدنيا لو تزيلوا فامتازوا عن المؤمنين ، وحتى الذين هم في أصلاب وأرحام كافرة ، وكما سبق هذا التزيل في قوم نوح وبعد صبر وعناء طويلين فاستبشر (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما

__________________

(١) تفسير البرهان ٤ : ١٩٨ ـ عن ابن بابويه القمي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قيل له : ما بال امير المؤمنين لم يقاتل فلانا وفلانا؟ قال : لآية في كتاب الله عز وجل (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) قال قلت : وما يعني بتزيلهم؟ قال : ودائع مؤمنين في صلاب قوم كافرين وكذلك القائم (ع) لن يظهر ابدا حتى تخرج ودائع الله عز وجل فإذا أخرجت ظهر على من ظهر من اعداء الله فقتلهم.

١٩٩

كانُوا يَفْعَلُونَ. وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (١١ : ٣٧).

ومن ثم في دولة الإمام القائم المهدي المنتظر المنتصر عليه السّلام ننتظر تزيلا ثانيا وأخيرا ، أن الله سوف يعذب الذين كفروا ، فلا خير فيهم ولا في أصلابهم ، إذا فهم حصب جهنم العذاب في الأولى والأخرى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٣٢ : ٢١) والعذاب الأدنى الموعود للفاسقين قبل الأكبر وبعد تزيلهم في طوفان نوح ، إنه ليس إلا في الرجعة في دولة القائم المهدي من آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم كما تشهد به آيات وروايات (١).

وهذان التزيلان من قبل ومن بعد قد يستحقان أداة الاستحالة «لو» كما هنا لأنهما مستصعبان (٢) كأنهما مستحيلان رغم انهما واقعان.

ف (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ ..) لم يكف الله أيديكم عنهم ـ و (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) كف أيديكم عنهم و (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) بأيديكم وما يفعل الله حسما لهم ـ فوجود رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لا يعرفون فيما بينهم ، وليدخل الله في رحمته من يشاء منهم ومن الكفار الذين يؤمنون ، وممن في أصلاب وأرحام المشركين من المؤمنين ، هذا المثلث البارع من الحكمة الإلهية حال دون استئصالهم في فتح مكة ، إضافة إلى إبراز روح الحنان للظافرين ان القصد من هذه الهجمة الرائعة ليس تفتح البلاد والانتقام من أهلها الظالمين ، وإنما تفتح القلوب المقلوبة : (لِيُدْخِلَ

__________________

(١) لقد فصلنا البحث حوله في كتابنا «رسول الإسلام في الكتب السماواة».

(٢) لقد تزيل هكذا الكافرون من قوم نوح طوال الف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ، على تصبر من نوح والمؤمنين معه ، وإياس منهم حتى قلوا ، كذلك يكون التنزيل الثاني الذي نعيش انتظاره فانه لحد الآن طال اكثر من الأول وما ندري كم طائله ، اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه واجعلنا من أعوانه وأنصاره آمين.

٢٠٠