الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

ثم وإن الإصلاح بين المؤمنين لا يخص حالة التقاتل الحرب ، وانما التخالف ـ ايّ تخالف ـ من شأنه اختلاق الانقسامات والتفرقات ، التي تنفصم بها عرى الوحدة ، فتنقسم بها الكتلة الواحدة المؤمنة ، فتنحسم هيبتهم من قلوب الكتل الكافرة ، وخلاف ما يقول الله: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (٨ : ٦٠).

ان الإصلاح هنا ـ ايّ إصلاح ـ يقوم على دعائم العدل والقسط والايمان والتقوى ، على غرار ما يقرره كتاب الله ، دون الأهواء والمصلحيات السياسية المجانبة لشريعة الله ، ودون الاستبدادات في اية اجتهادات ، وانما (أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ).

وانه إصلاح ما فسد بين المؤمنين ، من عقائدي واقتصادي وسياسي ، ومن فردي وجماعي ام ماذا ، فليعش المؤمنون حياة الصلح مع بعض ، وليكونوا يدا واحدة على من سواهم.

__________________

ـ قراءته محظورة في المسجد الحرام؟ قال : لا ـ ولكن قرآنكم يختلف عن قرآننا! قال : كلا! فخذ هذا القرآن المطبوع في ايران وقاسه على سائر القرآن فلا تجد نقطة اختلاف! قال : ليست لي هذه الفرصة ولكن قل لي لماذا أنت شيعي ولست مسلما؟ قال : انا شيعي لأنني مسلم سني! قال : كيف يا غبي! قال : يا اخي لأن سنة رسول الله تأمرنا ان نشايع باب مدينة العلم عليا! فسكت ومن معه ثم قالوا : هؤلاء لهم قوة الجدال وانما دينهم التقية». فانظر الى هذه المهازل التي اختلقها الاستعمار فأصبح من جرأته بيت الله الآمن وبلده الأمين محورا للمعاركات والمضاربات والافتراءات والله تعالى يقول (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً). فلنفرض ان الشيعة الامامية ـ ولا سمح الله ـ مشركون! فلما ذا يسمح لهم دخول الحرمين الشريفين والله تعالى يقول : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ...) ولو انهم مسلمون منحرفون ، فلتقم جماعة علماء عارفون بدعوتهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة ، لا بالهتك والفتك والضرب والاهانة ، فإن ذلك لا يزداد إلا بعدا ولا يخلف الا مرضاة المستعمرين ، الذين جعلوا من مركز الوحدة الاسلامية ميدان المعركة الضارية ، والله المستعان وعليه التكلان.

٢٤١

فعلينا ان نذرف دمعة الدماء ، مما نرى بيننا من عداء ، تنفث في توسيعها الأعداء ، فالله إذا منا ـ كما منهم ـ براء ، الا ان نهتدي بهدى الله ، ونعتصم بحبل الله.

* * *

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣) قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)

٢٤٢

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨)

* * *

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ..)

.. هتاف حبيب للمؤمنين ، باستجاشة روح الايمان ، يستيقظ فيهم نباهة الحنان أن يكونوا ـ مع بعض ـ عقلاء حلماء أزكياء أذكياء ، فلا يسخر قوم من قوم ولا نساء من نساء ، ولماذا يسخرون ، ومم يستهزءون ، ألأنهم خير منهم في ميزان الحق فبه يفتخرون فيسخرون ممن هو أدنى منهم؟ وهذا من شيم الجاهلين ، فلا يستهزأ المؤمن العارف ولو بغير المؤمنين الذين هو خير منهم بقين ، فكيف بمن (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) فلما ذا يهرفون ـ إذا ـ بما لا يعرفون؟.

إن السخرية من أي إنسان والهزء به جهل عارم : (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً

٢٤٣

قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٢ : ٦٧) فإذا هي تجهّل موسى الرسول عليه السلام ، لو هزء وإن كانت من الإسرائيلين العارمين ، فما هي إذا ممن (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) أو هم خير على يقين؟.

إن السخرية من أي إنسان ، محظور في هذا المثلث بكل زواياه ، ولأن الزاوية الوسطى هي الأكثر : ـ أن يزعم الساخر أنه خير من المسخور منه ولذلك يسخر منه ـ ركز النهي في الآية بها ، ثم آية البقرة عممت النهي : إن السخرية جهالة ولو كانت من نبي ولن يكون ، فكيف ممن (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ).

إنه ليست السخرية على أية حال إلا جهالة ، فلو أنه أدنى منك ولحد الكفر ، فليست للسخرية دور مع الكافر ، فإنها تزيد في نفوره وكفره ، إذ قد يحتج على الساخر أن ليس له برهان ، فلذلك يسخر مني ، أم إنه رذيل يترذل بمن يراه أدنى منه ، بدل أن يحاول في علاجه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فلا لك كمؤمن أن تسخر من أحد وإن كان يسخر منك ، اللهم إلا جزاء السخر بسخر مثله ، عقابا وفاقا وعند الإياس من انتباهه عن غفلته وغفوته ، والإيقان أنه يعاند مقصرا ، فليست السخرية الجزاء ـ إذا ـ جهالة ، بل وقد تكون حسنا أو واجبا وكما من نوح : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) (٤٩ : ١١) فما لبثوا أن سخرت منهم أمواج الطوفان : (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

وكيف ركز النهي هناك على «قوم من قوم أو نساء من نساء» والسخرية محرمة وإن بين قوم ونساء؟ لأن هزء الجنس من جنسه هو طبيعة الحال ، قضية التحاسد التكاثر (١) ، وكما تشير بنكاية الهزء الجماهيري وأنه أتعس من أن يسخر

__________________

(١) الدر المنثور : اخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في آية السخر قال : نزلت في قوم من بني تميم استهزءوا من بلال وسلمان وعمار وخباب وصهيب وابن فهره وسالم مولى أبي حذيفة.

٢٤٤

شخص من شخص ، فالآية تحمل انحس صور الهزء : أن يكون ممن علّه خير من الهازىء ، ومن قوم أو نساء ، وإن كان سواهما من هزء محرما دونه ، كما تفيدنا آية البقرة واضرابها ، فلا يسخر شخص من شخص (١) وإن عسى أن يكون الساخر خيرا.

هذه! ومن ثم استجاشة أخرى هي أشمل وأحرى ، استيحاء من روح الأخوة الايمانية ، التي تجعل من المؤمنين نفسا واحدة ـ ف :

(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) فان من يلمز ويعيب أخاه المؤمن ، هو لامز نفسه ، لأنه منه أو هو هو ، لا يفصل بينهم إلّا فاصل الجسم ، والروح واحدة ، فكيف يعيب مؤمن نفسه ، اللهم إلا أن تحاول علاج أخيك كما تعالج نفسك ، بكل حنان وأمان ، ودون إيذاء وتشهير ، وإنما كمرآة تريك مساويك دون أن تجاهر بها لسواك فإن «المؤمن مرآة المؤمن».

هذه ـ وكما توحي «أنفسكم» بأن لمز البعض لمز للكل ، فإنه مسّ من كرامة الايمان ، فهل من عاقل بعد يلمز أخاه بعد انه نفسه حيث الوحدة الايمانية ، فلذلك تتركز الاستجاشة هنا وهناك بروح الايمان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ..) وشعور الاندماج في نفس واحدة (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) لحد :

(وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) فالنبز هي اللقب بعينه ، فالتنابز هي التلاقب ،

__________________

(١) في تفسير علي بن ابراهيم القمي انها نزلت في صفية بنت حي بن اخطب وكانت زوجة رسول الله (ص) وذلك ان عائشة وحفصة كانتا تؤذيانها وتشتمانها وتقولان لها : يا بنت اليهودية ، فشكت ذلك الى رسول الله (ص) فقال لها : ألا تجيبهما؟ فقالت : بماذا يا رسول الله (ص)؟ قال : قولي ان أبي هارون نبي الله وعمي موسى كليم الله ، وزوجي محمد رسول الله (ص) فما تنكران مني؟ فقالت لهما ، فقالتا : هذا علمك رسول الله (ص) فأنزل الله في ذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ ..).

٢٤٥

أن يسمي بعضنا بعضا بما يدل على ذم بسوء (١) ، وإنما الألقاب الطيبة الحنونة هي التي تليق بالتبادل بين المؤمنين ، مهما كانت هناك سيئات ، فالمؤمن يستر القبيح ويظهر الجميل ، كما الله ، تخلقا بأخلاق الله ، ولقد غير رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ألقابا مزرية تبقّت من الجاهلية للبعض ممن آمن ، بأسماء أو ألقاب طيبة ، ذودا عن كرامة المؤمنين ما يزريهم ، فليلتزم المؤمن اسم الايمان لنفسه وأنفسه المؤمنين ، فإنه أنفس من أي نفيس ، فضلا عن أن يتنابز بالألقاب السوء ، ف : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) : ان تنبز أخاك بلقب يجانب الايمان ، اسم هو وصم الفسوق اللّاإيمان ، ومن ثم تتّسم أنت المنابز أيضا باسم الفسوق بعد الإيمان ، لأنك فسقت عن شريطة الايمان ، فعليك أنت المنابز ، وذلك الساخر أو اللامز ، عليكم أن تتوبوا إلى الله :

(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) : أنفسهم وإخوانهم ، حيث انتقصوا سواهم سخرا أو نبزا أو لمزا ، فنقصوا ـ هم ـ عن أنفسهم كمال الايمان ، فالله هو المستعان.

ثم وليست السخرية واللمز والنبز دائرة مدار الواقع المعلوم ـ فقط ـ فإن كثيرا من الظن السوء حرام لأن بعض الظن إثم :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ..)

__________________

(١) عيون أخبار الرضا (ع) في حديث له لما قيل له في شعر : أنشدنيه ابو العتاهية لنفسه قال : هات اسمه ودع هذا ـ ان الله سبحانه يقول : ولا تنابزوا بالألقاب.

وفي الدر المنثور ـ اخرج جماعة من الجامعين عن أبي جبيرة بن الضحاك قال : فينا نزلت في بني سلمة (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) قدم رسول الله (ص) المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان او ثلاثة فكان إذا دعا أحدهم باسم من تلك الأسماء قالوا : يا رسول الله (ص)! انه يكره هذا الاسم فأنزل الله : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ).

٢٤٦

إن الظن السوء بين المؤمنين مع بعض يجانب روح الأخوة الإيمانية ، ما يترتب عليه الآثار السوء ، دون واقع الإدراك النفساني المجرد المفاجئ للإنسان دون اختيار ، اللهم إلا إذا استطاع ترويض نفسه على ترك هكذا إدراك سوء أيضا ، أن يعيش الظنّ الخير ، إذا غلب الخير على المؤمنين ، أو اللّاظن لا خيرا ولا شرا إذا غلب الفساد ، كل ذلك توقيا عما يتوقع من الوقوع في الإثم ، ضابطة وقائية لكرامة المؤمنين مع بعض : ترك الظن السوء قدر الإمكان ، اللهم إلا قليلا يملك فيه دليلا قاطعا ، لكنه لا يملّك التجسس عنه بغية التأكد منه ، أو إذا تأكد أن يفشيه : (وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ..) فالتجسس التتبع عن مساوئ المؤمنين محرم ، والتجسس التتبع عن محاسنهم هو قضية الايمان.

فذلك سياج آخر فوق المسبقة ، حول حرمات المؤمنين ، يتخطى الواقع الخارجي من المعاملة السوء ، الى المشاعر والظنون تنظيفا لها وتنزيها عن أن يظن بالمؤمنين سوء ، وما أروح الحياة في مجتمع بريء من الظنون ، طمأنينة لا تتعكر بقلق ، فلا يؤخذ ـ إذا ـ مؤمن بظنة ، ولا يحاكم بريبة.

تلك الروح النظيفة العالية هي نبراسة الحياة الايمانية ، وهي متراسة النكبات اللّاإيمانية ، وعلى حد المروي عن إمام المتقين علي عليه السّلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا» (١) وذلك «إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم يظهر منه حوبة فقد ظلم ، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله ثم أحسن رجل الظن برجل فقد غرر» (٢) بل يترك هنا لك الظن سوءا وحسنا ، دون أن تنفصم ضابطة الآية (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) غلب

__________________

(١) اصول الكافي باسناده عن الحسين بن مختار عن أبي عبد الله (ع) قال قال امير المؤمنين (ع) : ..

(٢) السيد الشريف الرضي في نهج البلاغة عن امير المؤمنين علي عليه السلام : ..

٢٤٧

الصلاح أم غلب الفساد ، ولكن عند غلب الصلاح علينا أن نحسن الظن ، لا أن لا نسيء فقط (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) (٢٤ : ١٢).

إن واقع السوء ، وفي مجتمع يغلب عليه الصلاح ، إنه شبهة غير محصورة ، فلتترك هذه الشبهة مخافة الوقوع في الإثم (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).

وترى إذا كان البعض إثما دون الكثير ، فلما ذا يجتنب الكثير ، علّه لأن الإثم ما يبطئ عن الثواب الصواب ، فيدفع إلى غير الصواب ، إما تهمة وإصابة بريء فوا ويلاه ، أو فضح مسيء فإشاعة فاحشة ، فلأن الكثير من الظن السوء يدفع إلى البعض الإثم ، يمنع هذا الكثير حيطة على ذلك القليل ، فإن عرض المؤمن عظيم كثير.

أو إذا كان الكثير الممنوع من الظن ما يرتب عليه الآثار ، فبعضه إثم في ترتيب الآثار ، لأنه قد يصادف بريئا عن الأوزار ، ولكنما الاول أولى أو هو الحق ، لأن الظن السوء باختيار سوء أيا كان ، ولان بعضه إثم فليترك كله وقاية وحيطة على حرمات المؤمنين ، وإن ما يرتب عليه الآثار كله اثم يبطئ عن الصواب ، صادف بريئا أو غير بريء ، لأن فضح المسيء حرام : ف (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) نفسانيا (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) واقعيا ـ حيث يبطئ عن الصواب والثواب بالنسبة للمؤمنين المظنون بهم ، وعجلة الحياة الإيمانية يجب أن تكون دائم الحراك سريعا في الخير بين المؤمنين ، فليجتنب ما يبطئها أو يوقفها من الظن السوء مخافة البوار : (.. وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) (٤٨ : ١٢).

وترى ان اجتناب الظن القليل الباقي بعد الكثير ليس واجبا كالكثير؟ كلا لأنه الظن المسنود إلى قاطع البرهان ، فمجانبته إذا خلاف البديهة ، لا تمكن حتى تجب ، وانما الواجب فيه ، الحفاظ على الأعراض ، إعراضا عن إفشاء ما ثبت

٢٤٨

من سوء أو التلميح به ، اللهم إلّا فيما يجب أو يجوز من شهادة أو نصح أم ماذا.

إذا فواجب الاجتناب عن كثير من الظن حمى عن الوقوع في الإثم أحيانا ، مع ما فيه من تنظيف المشاعر عن الظنون السيئة ، ثم للقليل الباقي حكمه ، كل حسب المصلحة الجماعية قضية الإيمان.

(.. وَلا تَجَسَّسُوا) عن معايب المؤمنين ، وانما تحسسوا عن محاسنهم ، إظهارا للجميل وسترا للقبيح ، فالتفتيش عما استتر من أمور الناس أو عيوبهم محظور جماعي عارم ، يعكر جو الطمأنينة والراحة ، ويبدله إلى الاضطراب والعاهة ، سواء كان التجسس للاطّلاع الشخصي ، أم وللاطلاع الجماعي فأشد وأنكى ، وإن كان المجسس عنه عيبا دون ريب ، فكيف إذا كان صوابا يحمل إصلاحا في زاوية أو زوايا من الحياة الجماعية الإسلامية ، فيتجسس الوسواس الخناس عن صالحات من خبايا الناس ، ليطلع عليها النسناس ، فيأخذوا حذرهم وأسلحتهم شاهرين على هؤلاء الناس ، فتقع الواقعة الشوكاء الشوهاء ، خنقا على أية فكرة للإصلاح ، في حالة جهنمية يختلقها النسناس ، وليعيش حاكما مطلق العنان على الناس دون سماح لحياة آمنة طاهرة.

ان التجسس عن أسرار المؤمنين محظور بأي لون وعلى أية حال سواء أكان حركة تالية للظن ، أو بدائية لكشف العورات والتطلع إلى السوآت ، وبأية غاية أو عناية اخرى حصل ، وعلى أي انسان ، وإن «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر ان يوافي الرجل الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوما ما» (١) وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لا تطلبوا عثرات المؤمنين فإن من تتبع عثرات أخيه تتبع الله عثرته ، ومن تتبع الله عثرته يفضحه ولو في جوف بيته» (٢)

__________________

(١) اصول الكافي باسناده الى عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع).

(٢) اصول الكافي باسناده الى محمد بن مسلم او الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله (ص) :

٢٤٩

هذا! اللهم إلا غير المؤمنين الخطرين على الحياة الإيمانية ، فيجسس عنهم حيادا على المؤمنين وسياجا عما يمس من كرامتهم ، أو من يشذ عن سبيل المؤمنين ، فيولى ما تولى ويصلى جهنم وساءت مصيرا :

من جاسوس لصالح الفجار ، أو مضلل للمسلمين ، أو أي مفسد في الأرض ، فيؤخذ على يديه ، أو يجسس عنه تأكدا من نواياه ليوقف على حده ، أو يخفف ـ ولا اقل ـ عن حدته.

وان استنطاق الغافلين للكشف عن خباياهم تجسس ، واستغابتهم ممن يغتابهم تجسس ، دون تخصص بتسلق البيوت ، وانما التكشف عن الأسرار ، المختفى بها أصحابها ـ أيّا كان ـ تجسس محظور (١) ، اللهم إلا فيما يحمل هامة لصالح المسلمين فرادى أو جماعات ، ماديا أو معنويا.

فالكتلة المؤمنة تعيش آمنة امينة على أسرارها وعوراتها وبيوتها وكل خباياها وخفاياها ، إلا من تخلف في سرّ له عن رتبة الإيمان ، فخيف منه خطر على كتلة الإيمان ، فلا سر له إذا يحترم ، إلا ما لا يناحر صالح الإيمان!.

ثم ـ وإذا تبين لك عن مؤمن مزرئة ، أو ما لا يحب إفشاءه ، فلا لك ان تغتابه :

(وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) : أنتم المؤمنين ، مهما اختلفت درجات الإيمان ومذاهبه ، ما صدقت كلمة الإيمان وان في ادنى أدانيها ، فأنتم كجسد واحد متبعض : (بَعْضُكُمْ بَعْضاً) تحكم فيكم روح الإيمان الواحد ، فليحضر كل بعض مع الباقين ، دون غياب ولا اغتياب ، فلا تحكم المباغضة ـ فقط ـ بحرمة الاغتياب بل وبوجوب الانتداب أيضا لبعض في صالحه ، ومنه كف الغيبة عن بعض ، ولزوم الاكتئاب لبعض إذا اغتيب أو أصيب.

__________________

(١) عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) في حديث : ومن استمع الى حديث قوم وهم له كارهون يصب في أذنيه الأنك (الرصاص) يوم القيامة.

٢٥٠

ان الغيبة وهي ذكر العيب بظهر الغيب بكتابة أو إشارة أو لسان أو أيا كان ، أو «ذكرك أخاك بما يكرهه» انها إساءة إلى المغتاب إذ تغضبه إذا سمع وتخلق فيه الضغينة والعداء لمن اغتابه ، وإساءة إلى المجتمع الإسلامي السامي ، إذ تحلق فيه جوّ اللّاأمن الفوضى كدرا قذرا ، إفشاء للفاحشة في الذين آمنوا فجرأة جماعية على فعل الفاحشة : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢٤ : ١٩) ففيها تضييع لحق فردي وآخر جماعي ، فما أفحشها فاحشة وما أنكاها.

ترى كيف يغتاب مؤمن أخاه وهو منه وبعضه؟ وكيف يتفكه باغتيابه كما هو شأن كل مغتاب؟ وما مشهد الاغتياب في الرزء والاكتئاب ، إلا كأخزى مشهد تتأذى له أكثر النفوس خسة وأقلها حساسية ، وهو مشهد الأخ يأكل لحم أخيه ميتا : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ)؟ فحب الغيبة تفكها يضاهي حب أكل لحم أخيك الميت ، فالنيل من عرضه كأكل لحمه ، وهو في غيابه ، كأكل لحمه ميتا (١) أفلا تكرهونه؟ «فكرهتموه» : ثالوث الكراهية العريقة في كل أحد وان كان في أدنى درجات الإيمان ، فلم يقل

__________________

(١) الدر المنثور : اخرج ابن أبي حاتم عن السدي ان سلمان الفارسي كان مع رجلين في سفر يخدمهما وينال من طعامهما ، وان سلمان نام نوما فطلبه صاحباه فلم يجداه فضربا الخباء وقالا : ما يريد سلمان شيئا غير هذا ان يجيء الى طعام معدود وخباء مضروب فلما جاء سلمان أرسلاه الى رسول الله (ص) يطلب لهما إداما فانطلق فأتاه فقال : يا رسول الله (ص) بعثني اصحابي لتؤدمهم ان كان عندك ، قال : ما يصنع أصحابك بالأدم؟ قد ائتدموا ، فرجع سلمان فخبرهما فانطلقا فأتيا رسول الله (ص) فقالا : والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ نزلنا ، قال : انكما قد ائتدمتما سلمان بقولكما ، فنزلت (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً).

وفيه عن أنس ان الرجلين هما ابو بكر وعمر وفيه : بأي شيء ائتدمنا؟ قال (ص) : بلحم أخيكما ، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين ثناياكما ، فقالا : استغفر لنا يا رسول الله (ص)؟ قال : مراه فليستغفر لكما.

٢٥١

«فتكرهونه» كفعل مستقبل ، وانما «فكرهتموه» ، كماض ، ايحاء بثبات هذه الكراهية : ان يأكل الإنسان لحم أخيه ميتا ، ثباتا في الفطرة لكل أحد : «فكرهتموه» : عافته أنفسكم وان كنتم جائعين غرثى.

وترى هل تحرم غيبة المؤمنين الموافقين لك في المذهب فقط ، أم وكل مؤمن من أي مذهب؟ الحق هو الشمول ، فإن الأخوة الإيمانية تشمل كافة المؤمنين ، دون المنافقين ، وإنما المؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر أيا كانت مذاهبهم ، إذ تجمعهم كلمة الإيمان ، مهما تفرقهم مذاهب الإيمان ، فعليهم جميعا أن يعتصموا بحبل الله ولا يتفرقوا ، والغيبة من أشد أسباب التفرقة!.

ان حرمة الغيبة تحور على محور الأخوة الإسلامية الثابتة على غرار الآية : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ..) (٩ : ١١) هذا! فضلا عمن يأتي بأكثر من ذلك من شرائط الأيمان ، ولا تعني التوبة هنا إلا عن الشرك بالله ، ولا إقام الصلاة وإيتاء الزكاة الا الدخول في شريعة الله ، إيمانا بالله وبرسول الله واليوم الآخر ام ماذا ، على مختلف درجاتها ، فإن الايمان درجات كما الكفر دركات ، فلا لك كمؤمن ان تواجه أخاك في الايمان بلقب الشرك او الكفر ، بعد ما حرم الله التنابز بالألقاب ، فلا تجوز اغتياب مسلم غير منافق ، موافقا لك في المذهب ام غير موافق ، اللهم الا المتجاهرين بالفسوق ، المستهزين في هتك حرمات الله ، فليس لهم ـ إذا ـ ستر حتى يهتك بالاغتياب ، والا من الاغتياب دواءه لكي يرتدع ، ام دواء لداء عضال بين المجتمع الذي يعيشه ، ام اية مصلحة راجحة توجب او تسمح بالاغتياب ، مراعيا هنا وهناك ألا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، فان السماح في اغتياب شخص لمصلحة ، ليس لزامه السماح بابطال هوية جماعية اسلامية ، إذ يخلف جرأة المتقين ان يشذوا عن شريطة التقوى أحيانا ، إذ اوجدوا لهم رفاقا ، فالأصل الذي لا ينفصم هو الحفاظ على روح التقوى ، والسياج على من يهوى الطغوى ، لتكون كلمة الله هي العليا

٢٥٢

وكلمة الذين كفروا السفلى.

وترى هل للمغتاب من متاب ، فان تاب إلى الله وأناب كفاه الله وهداه توبة عليه؟ ام ولا بد من استرضاء صاحب الغيبة ، والا فلا توبة؟.

ان التقوى بعد الاغتياب تتبع توبة من الله ورحمته ، وكما في ذيل الآية : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) فما وجدت سبيلا لإرضاء صاحب الغيبة فإليها أن يغفر لك فيستغفر لك ، فلا ينفعك ولا استغفار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مالك سبيل إلى استغفار صاحبك وكما أمر صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر وعمر ان يطلبا من سلمان ان يستغفر الله لهما (١) وإلا فالإنابة إلى الله بتوبة نصوح ، وان تستغفر الله لأخيك يغفر الله لك : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤ : ٤٨) فهو هو الذي يرضي صاحبك برحمته ليرضى عنك ، فيتوب الله عليك.

وهذه هي شيمة التقوى : ومن ثم (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) بعد ما تبت إليه بشروطه ، توبة منك الى الله فتوبة من الله عليك : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) (٥ : ٣٩) وكما ان توبتك الى الله بحاجة الى توبة اخرى من الله عليك : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (٩ : ١١٨) فالتوبة منك إذا ، وفي أي ذنب ، هي بين توبتين من الله.

ومن ثم ـ وبعد هذه التوصيات للمؤمنين بالنسبة لبعض ـ نتلفّت إلى ضابطة عامة في التفاضل لا فوقها ضابطة إلا حابطة ساقطة :

__________________

(١) كما مضى عن الدر المنثور من حديث سلمان مع أبي بكر وعمر وفيه عن ابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد وجابر قال رسول الله (ص): الغيبة أشد من الزنا ـ قالوا : يا رسول الله (ص) ، وكيف الغيبة أشد من الزنا؟ قال : ان الرجل يزني فيتوب الله عليه وان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفرها له صاحبه.

أقول : هذا لو وجد الى ذلك سبيلا ، والا فسبيله الاستغفار لصاحبه ، ثم الله يطلب من صاحبه ان يغفرها له فيغفر كما رواه في الكافي باسناده إلى السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال : سئل النبي (ص) ما كفارة الاغتياب؟ قال : تستغفر الله لمن اغتبته كما ذكرته.

٢٥٣

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

هتاف عام هام للانسانية جمعاء ، الصادرة من أصل واحد ، أخذا لها إلى اصالة واحدة لا تناكر فيها ولا تكاثر او تنافر ، هي اصالة ركزت لها كل رسالة إلهية ـ ألا وهي (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).

ف «يا أيها» نداء بعيد تضرب إلى الغور ، تناسيا كافة التفاضلات الموهومة بين الناس ، تاركة كافة الألقاب الارضية المختلقة ، الا واحدا هو من خلق الله : «الناس» وليحملهم خالقهم ـ على هذا الأساس ـ الى شرعة الناس ، على ضوء شريعة خالق الناس: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) حيث تتوارى كافة النزعات والمنازعات ، وتتهاوى كافة القيم التي يتكالب عليها الناس : حيث الميزة الوحيدة في ميزان الله هي تقوى الله ؛ التي لا يتكالب عليها الناس ، وانما الناس هم الذين يتشاجرون على سائر الميزات : الطغوى!. فكل ميزة وراء التقوى هي طغوى لا تزداد إلا حياة جهنمية فوضى.

ان لواء التقوى المرفوفة على الألوية كلها ، العالية من على الأعالي في ارض الإسلام ، إنها لا تسمح لألوية القوميات والعنصريات والاقليميات والطائفيات ان ترفرف او تبقى لها باقية ، اللهم الا باغية يحاربها الإسلام ، ويسميها رسول الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم عصبية جاهلية ، دعوها فانها منتنة (١).

تلكم اللواء هي التي تلوي باعناق المتجبرين المتكاثرين ، الذين يحملون رايات العصبيات العارمة ، من قوميات عربية وسواها وكما خطب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم فتح مكة قائلا : «يا أيها الناس ان الله قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآباءها ، ان العربية ليست بأب والد ، وانما هو لسان ناطق ، فمن

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله الانصاري عنه (ص) : ..

٢٥٤

تكلم به فهو عربي ، ألا إنكم من آدم وآدم من التراب ، وان أكرمكم عند الله أتقاكم» (١).

وكما في خطبة الوداع : «يا أيها الناس ألا ان ربكم واحد ، ألا ان أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ، ولا لأسود على احمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ألا هل بلغت؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : فليبلغ الشاهد الغائب» (٢).

إذا فلا زاد لمسلم الا تقوى الله : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) (٢ : ١٩٧) دون سائر الزاد ، اللهم الا ما يسهّل ويعبّد سبيل زاد التقوى! وانها نسب الله يرفعها الله ، وفي يوم لا انساب بينهم ولا يتساءلون (٣) نسب هو نبراس

__________________

(١) تفسير علي بن ابراهيم القمي عن رسول الله (ص) : ..

(٢) الدر المنثور : اخرج ابن مردويه والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال : خطبنا رسول الله (ص) في وسط ايام التشريق خطبة الوداع فقال : ..

وفي اصول الكافي باسناده عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) قال : ان رسول الله (ص) زوج مقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، انما زوجه لتصنع المناكح وليتأسوا برسول الله (ص) وليعلموا ان أكرمهم عند الله أتقاهم.

(٣) مجمع البيان : وروي عن النبي (ص) انه قال : يقول الله تعالى يوم القيامة : أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم فيه ، ورفعتم انسابكم فاليوم ارفع نسبي وأضع انسابكم ، اين المتقون؟ ان أكرمكم عند الله أتقاكم.

وفي اصول الكافي باسناده عن حنان بن عقبة بن بشير الاسدي قال : قلت لأبي جعفر الباقر (ع) أنا عقبة بن بشير الاسدي ، وانا في الحسب الضخم من قومي؟ قال فقال (ع): ما تمن علينا بحسبك ، ان الله رفع بالايمان من كان الناس يسمونه وضيعا إذا كان مؤمنا ، ووضع بالكفر من كان الناس يسمونه شريفا إذا كان كافرا فليس لأحد فضل على أحد إلا بالتقوى.

وفي روضة الكافي باسناده عن حنان قال : سمعت أبي يروي عن أبي جعفر (ع) قال : كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد ، فأقبلوا ينتسبون ويرفعون حتى بلغوا سلمان ، ـ

٢٥٥

الحياة ، ومتراس على الشيطنات ، يظل في ظلاله الناس بعيدين عن وسواس الخناس النسناس:

ثم وفي هذا الهتاف انعطاف الى انحصار الأصل في : (ذَكَرٍ وَأُنْثى) إذا فالناس كلهم مخلوقون من اثنين : آدم وحواء ، فلو كان هناك بعدهما جنية أو حورية كما قد يروى ، لكان اصل المجموع ذكرا وأناثى ، مهما كان الأصل للنسل الأول ذكرا وأنثى ، كما ان ذلك الذكر اصل الأنثى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً ..) (٤ : ١) فمن نفس واحدة (آدم) زوجها (حواء) ومنهما الناس أجمعون رجالا كثيرا ونساء.

وترى هل ان (ذَكَرٍ وَأُنْثى) هنا تعني ـ فقط ـ اثنينية الأصل الأول ، أو مطلقا ، ام والفرع ايضا ، ام الفرع فقط؟ ان تكون «من» بيانية تبين نوعية الناس : أنهم ذكر وأنثى ، دون المخلوق منه ، ف (ذَكَرٍ وَأُنْثى) عبارة اخرى عن «كم» ولكنه توضيح للواضح ، ثم ولا صلة له بإثبات وحدة الأصل ، المتفرع عليها توحيد الميزة التقوى ، اللهم الا ان يعنى الأمران ، ف «من» بيانية من جهة ونشوية من اخرى هي الأحرى ، ولا سيما من الأصل الأول ، فان الأصول

__________________

ـ فقال له عمر بن الخطاب : اخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك؟ فقال سلمان : أنا سلمان بن عبد الله ، كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمد (ص) كنت عائلا فأغناني الله بمحمد (ص) وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد (ص) هذا نسبي وهذا حسبي ، قال : فخرج النبي (ص) وسلمان يكلمهم ، فقال له سلمان : يا رسول الله (ص)! ما لقيت من هؤلاء؟ حبست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا إلي فقال عمر بن الخطاب : من أنت وما حسبك ... فقال (ص) : فما قلت له يا سلمان؟ قال : قلت : ... فقال رسول الله (ص) : يا معشر قريش ان حسب الرجل دينه ، ومروته خلقه وأصله عقله ، قال الله عز وجل : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ثم قال النبي (ص) لسلمان : ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل ، وان كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل.

٢٥٦

الاخرى : أن كل انسان مولود من أبوين ، يماثل الاحتمال الآخر انه توضيح للواضح ، وانه لا يتبنى ازالة الفوارق ، وأما أن الإنسانية جمعاء تنتهي إلى أصل أول : ذكر وأنثى ، فانه يحمل بيان مجهول ، ومن ثم فتفرّع الوحدة غير المتفارقة عليه معلوم ، والآية تتبنى الغاء التفاضل الطبقي ، فلا تناسب الا إرجاع الكل الى الأصل الأول «آدم وحواء» ليس إلا!.

وكما الأصل واحد بما خلق الله (إِنَّا خَلَقْناكُمْ) كذلك الفرع المتشعب القبلي بما جعل الله (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) وترى لماذا الكثرة الميزة بعد الوحدة لا الكثرة المتماثلة ، أللتكاثر والاختلاف وهما نقمة والوحدة نعمة : «ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك (الرحمة الائتلاف) خلقهم» اللهم لا! ام للتآزر والائتلاف؟ اللهم نعم : «لتعارفوا» حيث المماثلة في الألوان والاشكال واللغات تهدم أساس التعارف فالائتلاف ، فلا يجوز ان يجعل هكذا اختلاف بما جعله الله وسيلة التعارف والائتلاف ، يجعل مسكة وذريعة للاختلاف ، من لون أو لغة أم ماذا ، وإنما الميزة الوحيدة الكريمة ، التي تؤلف شرعيا بعد التآلف الخلقي ، إنما هي التقوى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) : لوحة كريمة وحيدة في ميزان الله ، لائحة لمن اتقى الله ، والتخلق بأخلاق الله لزامه أن نكرم من أكرمه الله.

وما هو الفرق بين الشعوب والقبائل؟ ولم يذكرا في القرآن إلا هنا ، علّ الشعوب ـ جمع شعب لا الشعب ـ تعني المجتمعات المتشعبة : تجمع من جهة وتشعّب من اخرى ، كما الشعب من الوادي ما اجتمع منه طرف وتفرق آخر ، فإذا نظرت من الجانب الذي تفرق أخذت في وهمك واحدا يتفرق ، وإذا نظرت من جانب الاجتماع أخذت في وهمك اثنين اجتمعا ، فلذلك قيل : شعبت إذا جمعت ، وشعبت إذا تفرقت.

٢٥٧

إذا فالشعوب هي المجتمعات المتفرقة ، تفرق الولادة القريبة ، وتجمّع الأصل البعيد ، ومن ثم القبائل تجمع الشعوب ، فكل قبيلة تجمع شعوبا عدة متناسبة ومتقاربة أكثر من سواها ، فالكيان الأول للناس هو الطبقة الأولى من القرابات الشاملة لسائر طبقات الإرث ، ثم الثاني الأقارب الأخرى ، الجامعة بين طبقات وطبقات بصلات الأنساب والقرابات والأسباب ، وهي الشعوب ، ثم الثالث مجموعات من الشعوب تجمعهم أنساب وأسباب بعيدة ، وهي القبائل.

فالقبائل هي مجامع الشعوب ، كما البشرية جمعاء مجموعة القبائل ، فهي إذا عائلة واحدة بشعوب وقبائل بغية التعارف ، ثم أكرمهم عند الله أتقاهم :

وأخيرا ترى أن هذه التقوى هي ـ فقط ـ الصلة والعلاقة الشخصية بين العبد والمعبود ، أم أنها ـ وفي نطاق واسع ـ هي الاتقاء عما لا يرضاه الله في كافة الميادين الحيوية ، من عقائدية وثقافية ، اقتصادية وسياسية ، ومن حربية وقضائية وجزائية أم ماذا ، فليس الايمان محصورا في حصار العلاقة الشخصية وكما يريده الاستعمار الكافر ، حتى يجعل من المؤمنين زهادا يزهدون عن كل تدخّل حيوي في شئون المسلمين ، بل هو صيغة شاملة كاملة تجعل من المؤمنين بنيانا مرصوصا رصينا ورزينا في كافة الميادين ، فقد يكون المؤمن أتقى فأكرم في بعض الميادين ولا يكون في بعض ، كما هو الحال في الأكثرية الساحقة بين المتقين ، وأما أن يكون أتقى فيها كلها ، فقد لا يكون إلا الرسول المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم ومن يحذو محذاه من أئمة الهدى (ع) فهم أكرم الناس وأتقى : تقوى علمية معرفية وعبودية وسياسية واقتصادية ، يرضون أنفسهم بتقوى الله في كل زواياها ومجالاتها ، اللهم أحينا محياهم وأمتنا مماتهم آمين.

(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

٢٥٨

ترى من هم الأعراب هنا ، أهم قوم العرب؟ ومنهم مؤمنون ، ومن هم المنطلق الأول للدعوة الإسلامية ، بالغين ذروة الايمان ، كالسابقين المتسابقين لإجابة الدعوة في طريق شائك بألوان البلاء ، مليء بالأشلاء وسيول الدماء! أم هم كل متكلم باللغة العربية؟ فكذلك الأمر وأحرى ، كما التاريخ يشهد بسباق جماعة من العجم في الإيمان ، لا حقين أم سابقين!

أو هم جماعة من أولاء أو هؤلاء؟ ولام الاستغراق تنفيه ، وأدب التعبير القرآني ينافيه! إذا فهم جماعة طبعهم اللّاإيمان وإن آمن بعض منهم بعد طول مدة الدعوة ، وهو الصحيح لغويا وقرآنيا : إنهم أهل البوادي ، البعيدين عن الثقافات ، القريبين إلى الشقاوات والقساوات : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٩ : ٩٧) فالأعراب جمع العرب : الظاهر ، الذي يحيى حياة مكشوفة بادية بدائية ، تظله السماء وتقله الأرض ، فهم ـ إذا ـ الظاهرون من الناس ، غير المدنيين ، عربا أو عجما ، كما الإعراب إظهار موقف الكلمة من حركات تدل على موقعها النحوي ، وكما القرآن حكم عربي : ظاهر لمن استظهر ، لا تعقيد فيه لا تفهما ولا تطبيقا : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) (١٣ : ٣٧) لا أنه خاص بالعرب القومي ، أو من يتكلم بالعربية ، فإن رسالة القرآن عامة عالمية! : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ..) (٣٩ : ٢٨) لا عوج في عربيته : وضوحه في كافة المجالات ، وسهولته في مختلف المتطلبات ، دون تشديد ولا تعقيد!.

هؤلاء الاعراب قالت آمنا : مدلّلين كأنهم آمنوا «ولمّا» .. فهم في البداية أسلموا وقلوبهم فارغة عن الإيمان ، ومنهم الذين آمنوا بعد كما توحيه «لمّا» الدالة على انتظار مدخولها ، وقد آمن من آمن ، وإن كانوا قلة ، وكفر من كفر أو نافق وهم الكثرة ـ ف : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً .. وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

٢٥٩

(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ... وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ ..) (٩ : ٩٧ ـ ١٠١).

ففي الآية سلب لما يدعى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) وإثبات لإسلام هو قبل الإيمان : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ورجاء الإيمان بعد الإسلام للذين لم ينافقوا بإسلامهم : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ورحمة ثانيه لمن سلك سبيل الايمان ، أن يؤتى ـ بأعماله قبل الايمان ـ ثواب الأعمال بعد الايمان : (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)! لفتة حبيبة لمن أسلموا من الأعراب «ولما يؤمنوا» فضلا عن الذين آمنوا فأحرى لهم وأولى!.

ثم الإسلام إسلامان ، إسلام أول هو قبل الإيمان فهو دونه كما هنا ، وإسلام آخر هو مع الإيمان وبعده ، كما في غيرها فهو فوقه ، وهو إسلام النبيين وسائر الأصفياء.

فالإسلام الأول أعم من الإيمان ، حيث الإيمان : «معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان» (١) وهذا الإسلام فارغ عن العقد في القلب (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) كما والإسلام الثاني أخص من الايمان ، فمن المؤمنين من لم يسلموا بخالص التوحيد لرب العالمين : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٢ : ١٠٦) ومنهم من أسلموا : بعد كامل الايمان : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (٦ : ١٤) (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ..) (٤ : ١٢٥) (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ

__________________

(١). الدر المنثور : اخرج ابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب (ع) قال : قال رسول الله (ص) : ..

٢٦٠