بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

شرقها وغربها وبلغ إلى سد يأجوج ومأجوج فانى يتعذر علي وأنا أخو سيد المرسلين وأمين رب العالمين ، وحجته على خلقه أجمعين. يا سلمان ، أما قرأت قول الله تعالى حيث قال (١) « عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول (٢) »؟ فقلت : بلى ، يا سيدي. فقال : يا سلمان ، أنا المرتضى من الرسول الذي أظهره على غيبه ، أنا العالم الرباني ، أنا الذي هون الله علي الشدائد وطوى لي البعيد. قال سلمان : فسمعت صائحا يصيح في السماء نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : صدقت صدقت ، أنت الصادق المصدق ، ثم وثب فركب الفرس وركبت معه وصاح به فتحلق في الهواء ، ثم حصرنا بأرض الكوفة هذا وما مضى من الليل ثلاث ساعات! فقال : يا سلمان ، الويل ثم الويل على من لا يعرفنا حق معرفتنا وأنكر ولايتنا! يا سلمان أيما أفضل محمد أم سليمان بن داود؟ قلت : بل محمد. فقال : يا سلمان ، فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين وعنده علم الكتاب ، ولا أفعل ذلك وعندي علم مأة ألف كتاب وأربعة وعشرين ألف كتاب أنزل منها على شيث يبن آدم خمسين صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة ، والتورية والانجيل والزبور؟ فقلت : صدقت ياسيدي.

قال الامام عليه‌السلام : اعلم يا سلمان أن الشاك في امورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا ، وقد فرض الله عزوجل ولايتنا في كتابه ، وبين فيه ما أوجب العمل به وهوغير مكشوف.

بيان : قال في النهاية : كان يخطر في مشيته أي يتمايل ويمشي ميشية المعجب (٣) انتهى والغطمطة : اضطراب أمواج البحر ، والشزر : نظر الغضبان بمؤخر العين.

واقول : الخبر في غاية الغرابة ، ولا أعتمد عليه لعدم كونه مأخوذا من أصل معتبر ، وإن نسب إلى الصدوق ره.

____________________

(١) يقول ( خ ).

(٢) الجن : ٢٦٢٧.

(٣) النهايه : ج ١ ، ص ٣٠٢.

٣٤١

٣٢ ـ البصائر : عن محمد بن الحسين ، عن علي بن سعدان (١) ، عن عبدالله ابن القاسم ، عن عمر بن أبان الكلبي ، عن أبان بن تغلب ، قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام حيث دخل عليه رجل من علماء أهل اليمن ، فقال أبوعبدالله : يا يماني أفيكم علماء؟ قال : نعم ، قال : فأي شئ يبلغ من علم علمائكم؟ قال : إنه ليسير في ليلة واحدة مسيرة شهرين يزجر الطير ويقفوالآثار! فقال له : فعالم المدينة أعلم من عالمكم. قال : فأي شئ يبلغ من علم عالمكم بالمدينة؟ قال : إنه يسير في صياح واحد مسيرة سنة كالشمس إذا امرت ، إنها اليوم غير مأمورة ، ولكن إذا امرت تقطع اثني عشر شمسا ، واثني عشر قمرا ، واثني عشر مشرقا ، واثني عشر مغربا ، واثني عشر برا ، واثني عشر بحرا ، واثني عشر عالما ، قال : فما بقي في يدي اليماني ، فما درى ما يقول ، وكف أبوعبدالله عليه‌السلام.

بيان : لعل المراد بسير اليماني مسيرة شهرين الحكم بحسب النجوم في ليلة واحدة على قدر مسيرة شهرين من البلاد وأهلها ، ويؤيده أن في الاحتجاج هكذا « إن عالمهم ليزجرالطير ويقفوا الاثر ، في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب المحث » ولعل المراد بقفو الاثر الحكم بأوضاع النجوم وحركاتها وبزجر الطير ما كان بين العرب من الاستدلال بحركات الطيور وأصواتها على الحوادث.

٣٢ ـ البصائر : عن الحسين بن أحمد (٢) ، عن سلمة ، عن الحسن بن علي بن

____________________

(١) كذا في نسخ البحار ، والظاهر انه مصحف « موسى بن سعدان » لان « على بن سعدان » كما قال الشيخ ره من اصحاب الصادق عليه‌السلام ولم يذكر في كتب الرجال رواية له ، و عبدالله بن القاسم الذى روى عنه ابن سعدان هذه الرواية من الصحاب الكاظم عليه‌السلام ومحمد بن الحسين الراوى عن ابن سعدان من اصحاب الجواد والهادى والعسكرى عليهم‌السلام وهو يروى عن موسى بن سعدان كثيرا كما انه يروى عن عبدالله بن القاسم كثيرا وكيف كان فعلى ابن سعدان مجهول وموسى بن سعدان ضعيف كما قال النجاشى « ص ٣١٧ » وقال العلامة في الخلاصة : في مذهبه غلو.

(٢) في المخطوطة : الحسن بن أحمد.

٣٤٢

بقاح (١) ، عن ابن جبلة ، عن عبدالله بن سنان ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام فقال لي حوض ما بين بصري إلى صنعاء ، أتحب أن تراه؟ قلت : نعم ، جعلت فداك. قال : فأخذ بيدي وأخرجني إلى ظهر المدينة ، ثم ضرب برجله فنظرت إلى نهريجري لا يدرك حافتاه إلا الموضع الذي أنا فيه قائم ، فإنه شبيه بالجزيرة فكنت أنا وهو وقوفا فنظرت إلى نهر جانبه ماء أبيض من الثلج ، ومن جانبه هذا لبن أبيض من الثلج ، وفي وسط خمر أحسن من الياقوت ، فما رأيت شيئا أحسن من تلك الخمر بين اللبن والماء ، فقلت له : جعلت فداك ، من أين يخرج هذا وما مجراه؟ فقال : هذه العيون التي ذكرها الله في كتابه أنهار في الجنة : عين من ماء ، وعين من لبن ، وعين من خمر ، تجري في ذها النهر ، ورأيت حافته عليه شجر فيهن حور معلقات ، برؤوسهن شعر ما رأيت شيئا أحسن منهن ، وبأيديهن آنية ما رأيت آنية أحسن منها ، ليست من آنية الدنيا ، فدنا من إحداهن فأومأ بيده لتسقيه ، فنظرت إليها وقد مالت لتغرف من النهر فمال الشجر معها ، فاغترفت فمالت الشجرة معها ، ثم ناولته فناولني فشربت ، فما رأيت شرابا كان ألين منه ولا ألذمنه ، وكانت رائحته رائحة المسك ، فنظرت في الكأس فإذا فيه ثلاثة ألوان من الشراب ، فقلت له : جعلت فداك ، ما رأيت كاليوم قط ولا كنت أرى أن الامر هكذا! فقال لي ، هذا أقل ما أعده الله لشيعتنا ، إن المؤمن إذا توفي صارت روحه إلى هذاالنهر ، ورعت في رياضه ، وشربت من شرابه ، وإن عدونا إذا توفي صارت روحه إلى وادي « برهوت » فاخلدت في عذابه ، واطعمت من زقومه ، واسقيت من حميمه فاستعيذوا بالله من ذالك الوادي.

٣٤ ـ ومنه : عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن أبي خالد وأبي سلام ، عن

____________________

(١) الحسن بن على بن بقاح بفتح الباء الموحدة وشد القاف والحاء المهملة الاخيرة كوفى ثقة مشهور صحيح الحديث روى عن اصحاب ابى عبدالله عليه‌السلام له كتاب النوادر « النجاشى : ٣١ » وابن جبلة هو عبدالله بن جبلة بفتح الثلاثة بن حنان بن الحر الكنانى ابومحمد عربى ثقة روى عن ابيه عن جده ومات سنة « ٢١٩ » « النجاشى : ١٦٠ ».

٣٤٣

سورة (١) ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أما إن ذا القرنين قد خير بين الحسابين فاختار الذلول ، ذخر لصاحبكم الصعب. قال : قلت : وما الصعب؟ قال : ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه ، أما إنه سيركب السحاب ويرقي في الاسباب أسباب السماوات السبع والارضين السبع خمس عوامر واثنتان خرابان.

٣٥ ـ ومنه : عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : إن عليا عليه‌السلام ملك ما في الارض وما تحتها ، فعرضت له السحابان : الصعب ، والذلول فاختار الصعب ، وكان في الصعب ملك ما تحت الارض ، وفي الذلول ملك ما فوق الارض ، واختار الصعب على الذلول فدارت به سبع أرضين ، فوجد ثلاث خراب وأربع عوامر.

٣٦ ـ من بعض مؤلفات القدماء من (٢) القاضي أبي الحسن الطبري ، عن سعيد بن يونس المقدسي ، عن المبارك ، عن خالص بن أبي سعيد ، عن وهب الجمال ، عن عبدالمنعم بن سلمة ، عن وهب الرائدي عن يونس بن ميسرة ، عن الشيخ المعتمر الرقي ، رفعه إلى أبي جعفر ميثم التمار قال : كنت بين يدي مولاي أميرالمؤمنين عليه‌السلام إذ دخل غلام وجلس في وسط المسلمين فلما فرغ من الاحكام ، نهض إليه الغلام ، وقال : يا أبا تراب! أنا إليك رسول ، جئتك برسالة تزعزع لها الجبال من رجل حفظ كتاب الله من أوله إلى آخره ، وعلم علم القضايا والاحكام ، وهو أبلغ منك في الكلام ، وأحق منك بهذا المقام ، فاستعد للجواب ، ولا تزخرف المقال! فلاح الغضب في وجه أميرالمؤمنين عليه‌السلام وقال لعمار اركب جملك وطف في قبائل الكوفة وقل لهم : أجيبوا عليا ليعرفوا الحق من الباطل

____________________

(١) هو سوره « بفتح السين » بن كليب « وزان زبير » بن معاوية الاسدى الكوفى من اصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام روى الكشى (ره) رواية تدل على حسن حاله مضافا إلى رواية « جميل بن دراج » عنه وهو من أصحاب الاجماع.

(٢) في بعض النسخ : عن القاضى.

٣٤٤

والحلال والحرام ، والصحة والسقم. فركب عمار فما كان إلا هنيئة حتى رأيت العرب كما قال الله تعالى « إن كانت إلا صيحة واحدة فإذاهم من الاجداث إلى ربهم ينسلون (١) » فضاق جامع الكوفة وتكاثف الناس تكاثف الجراد على الزرع الغض في أوانه ، ونهض (٢) العالم الاروع ، والبطل الانزع ، ورقى في المنبر وراقى ثم تنحنح فسكت جميع من في الجامع ، فقال : رحم الله من سمع فوعى ، أيها الناس من يزعم أنه أميرالمؤمنين؟ والله لا يكون الامام إماما حتى يحبي الموتى ، أو ينزل من السماء مطرا أو يأتي بما يشاكل ذلك مما يعجز عنه غيره وفيكم من يعلم أني الآية الباقية ، والكلمة التامة ، والحجة البالغة ، ولقد أرسل إلي معاوية جاهلا من جاهلية العرب عجرف في مقاله ، وأنتم تعلمون لو شئت لطحنت عظامه طحنا ، ونسفت الارض من تحته نسفا ، وخسفتها عليه خسفا ، إلا أن احتمال الجاهل صدقة ، ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأشار بيده إلى الجو فدمدم ، و أقبلت غمامة وعلت سحابة ، وسمعنا منها نداء يقول : السلام عليك يا أميرالمؤمنين ، ويا سيدالوصيين ويا إمام المتقين ، ويا غياث المستغيثين ، ويا كنز المساكين ، ومعدن الراغبين وأشار إلى السحابة فدنت! قال ميثم : فرأيت الناس كلهم قد أخذتهم السكرة ، فرفع رجله وركب السحابة وقال لعمار : اركب معي وقل « بسم الله مجريها ومرسيها » فركب عمار وغابا عن أعيننا ، فلما كان بعد ساعة أقبلت سحابة حتى أظلت جامع الكوفة ، فالتفت فإذا مولاي جالس على دكة القضاء؟ وعمار بين يديه : والناس حافون به ثم قام وصعد المنبر وأخذ بالخطبة المعروفة بالشقشقية. فلما فرغ اضطرب الناس! وقالوا فيه أقاويل مختلفة. فمنهم من زاده الله إيمانا ويقينا! ومنهم من زاده كفرا وطغيانا.

قال عمار : قد طارت بنا السحابة في الجو ، فما كان هنيئة حتى أشرفنا على بلد كبير حواليها أشجار وأنهار ، فنزلت بنا السحابة وإذا نحن في مدينة كبيرة ، و

____________________

(١) يس : ٥١.

(٢) فنهص ( خ ).

٣٤٥

الناس يتكلمون بكلام غير العربية ، فاجتمعوا عليه ولاذوا به ، فوعظهم وأنذرهم بمثل كلامهم ، ثم قال : يا عمار اركب ففعلت ما أمرني ، فأدركنا جامع الكوفة ثم قال لي : يا عمار تعرف البلدة التي كنت فيها. قلت الله أعلم ورسوله ووليه ، قال : كنا في الجزيرة السابعة من الصين أخطب كما رأيتني ، إن الله تبارك وتعالى أرسل رسوله إلى كافة الناس ، وعليه أن يدعوهم ويهدي المؤمنين منهم إلى الصراط المستقيم واشكر ما أوليتك من نعمة ، واكتم من غير أهله ، فإن لله تعالى ألطافا خفية في خلقه ، لا يعلمها إلا هو ومن ارتضى من رسول ، ثم قالوا : أعطاك الله هذه القدرة الباهرة وأنت تستنهض الناس لقتال معاوية؟ فقال : إن الله تعبدهم بمجاهدة الكفار والمنافقين ، والناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ، و الله لو شئت لمددت يدي هذه القصيرة في أرضكم هذه الطويلة ، وضربت بها صدر معاوية بالشام ، وأجذب بها من شاربه أو قال من لحيته فمد يده وردها وفيها شعرات كثيرة ، فتعجبوا من ذلك. ثم وصل الخبر بعد مدة أن معاوية سقط من سريره في اليوم الذي كان عليه‌السلام مد يده وغشي عليه ، ثم أفاق وافتقد من شاربه ولحيته شعرات.

بيان : « الاروع » من الرجال الذي يعجبك حسنه ، « و العجرفة » الخرق وقلة المبالات ، ويقال « دمدم عليه » أي كلمه مغضبا.

٣٧ ـ كتاب الحسين بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : تقول الجنة : يا رب ملات النار كما وعدتها فاملاني كما وعدتني. قال : فيخلق الله خلقا يومئذ فيدخلهم الجنة ، ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام طوبى لهم! لم يروا أهوال الدنيا ولا غمومها.

٣٨ ـ الدرر المنثور : عن ابن جريج ، في قوله « ومن قوم موسى امة » الآية ، قال : بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقا في الارض فساروا فيه ، حتى خرجوا من وراء الصين ، فهم هنالك حنفاء مسلمين ، يستقبلون قبلتنا.

قال ابن جريج : قال ابن عباس : فذلك قوله « وقلنا من بعده لبني إسرائيل

٣٤٦

اسكنوا الارض فإذا جاء وعد الآخرة جئنابكم لفيفا (١) » ووعد الآخرة عيسى بن مريم. قال ابن عباس : ساروا في السرب سنة ونصفا (٢).

٣٩ ـ وعن مقاتل قال : إن مما فضل الله به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه عاين ليلة المعراج قوم موسى الذين من وراء الصين ، وذلك أن بني إسرائيل حين عملوا بالمعاصي وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس دعوا ربهم وهم بالارض المقدسة ، فقالوا : اللهم أخرجنا من بين أظهرهم ، فاستجاب لهم فجعل سربا في الارض ، فدخلوا عليه (٣) وجعل معهم نهرا يجري ، و جعل لهم مصباحا من نور من بين أيديهم ، فساروا فيه سنة ونصفا ، وذلك من بيت المقدس إلى مجلسهم الذي هم فيه ، فأخرجهم الله إلى الارض تجتمع فيها الهوام والبهائهم والسباع مختلطين بها ليست فيها ذنوب ولا معاص فأتاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الليلة ، ومعه جبرئيل فآمنوا به وصدقوه ، وعلمهم الصلاة وقالوا : إن موسى قد بشرهم به (٤).

٤٠ ـ وعن السدي في قوله « ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون » قال : بينكم وبينهم نهر من سهل يعني من رمل يجري (٥).

٤١ ـ وعن صفوان بن عمرو ، قال : هم الذين قال الله : « ومن قوم موسى امة يهدون بالحق » يعني سبطا من أسباط بني إسرائيل يوم الملحمة العظمى ، ينصرون الاسلام وأهله (٦).

٤٢ ـ وعن الشعبي قال : إن لله عبادا من وراء الاندلس لا يرون أن الله عصاه مخلوق. رضراضهم (٧) الدر والياقوت ، وجبالهم الذهب والفضة ، لا يزرعون ولا يحصدون ، ولا يعملون عملا ، لهم شجر على أبوابهم لها أوراق عراض هي لبوسهم

____________________

(١) الاسراء : ١٠٤.

(٢) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ١٣٦.

(٣) في المخطوطة « فيه » وكذا في المصدر.

(٤ و ٦) الدرر المنثور : ج ٣ ، ص ١٣٦.

(٧) الرضراض : ماصغر ودق من الحصى.

٣٤٧

ولهم شجر على أبوابهم لها ثمر فمنها يأكلون (١).

٤٣ ـ وعن بعض أئمة الكوفة قال : قام ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقصد نحوهم فسكتوا ، فقال : ما كنتم تقولون؟ قالوا : نظرنا إلى الشمس ، فتفكرنا فيها من أين تجيئ وأين تذهب ، وتفكرنا في خلق الله. فقال : كذلك فافعلوا [ و ] تفكروا في خلق الله ، ولا تفكروا في الله ، فإن لله تعالى وراء المغرب أرضا بيضاء بياضها ونورها مسيرة الشمس أربعين يوما ، فيها خلق من خلق الله لم يعصوا الله طرفة عين. قيل : يا نبي الله من ولد آدم هم؟ قال : ما يدرون خلق آدم أم لم يخلق. قيل : يا نبي الله فأين إبليس عنهم؟ قال : ما يدرون خلق إبليس أم لم يخلق.

٤٤ ـ وعن ابن عباس قال : دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن في المسجد حلق حلق ، فقال لنا : فيم أنتم؟ قلنا : نتفكر في الشمس كيف طلعت وكيف غربت ، قال : أحسنتم كونوا هكذا تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق ، فإن الله خلق ما شاء لما شاء وتعجبون من ذلك ، إن من وراء قاف سبع بحار كل بحار خمسمأة عام ومن وراء ذلك سبع أرضين يضئ نورها لاهلها ومن وراء ذلك سبعين ألف امة خلقوا على أمثال الطير هو وفرخه في الهواء لا يفترون عن تسبيحة واحدة ومن وراء ذلك سبعين ألف امة خلقوا من ريح ، فطعامهم ريح ، وشرابهم ريح ، وثيابهم من ريح ، و آنيتهم من ريح ، ودوابهم من ريح ، لا تستقر حوافر دوابهم إلى الارض إلى قيام الساعة ، أعينهم في صدورهم ، ينام أحدهم نومة واحدة ينتبه ورزقه عند رأسه ، ومن وراء ذلك ظل العرش ، وفي ظل العرش سبعون ألف امة ما يعلمون أن الله خلق آدم ولا ولد آدم ، ولا إبليس ولا ولد إبليس ، وهو قوله « ويخلق ما لا تعلمون » (٢).

٤٥ ـ وعن ابن عباس في قوله تعالى « والارض وضعها للانام » قال : الانام الخلق ، وهم ألف امة ستمأة في البحر ، وأربعمأة في البر (٣).

____________________

(١) الدرر المنثور : ج ٣ ، ص ١٣٦.

(٢) النحل : ٨.

(٣) الدرر المنثور : ج ٦ ، ١٤١.

٣٤٨

أقول : أوردت أخبارا كثيرة من هذا الباب في الملجد السابع في باب أنهم الحجة على جميع العوالم وجميع المخلوقات.

٤٦ ـ وروى الكفعمي والبرسي في فضل الدعاء المعروف بالجوشن الكبير بإسناديهما عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال له جبرئيل : والذي بعثك بالحق نبيا إن خلف المغرب أرضا بيضاء فيها خلق من خلق الله يعبدونه ولا يعصونه ، وقد تمزقت لحومهم ووجوههم من البكاء ، فأوحى الله إليهم : لم تبكون ولم تعصوني طرفة عين؟ قال : نخشى أن يغضب الله علينا ويعذبنا بالنار قال علي عليه‌السلام : قلت : يا رسول الله! ليس هناك إبليس أو أحد من بني آدم؟ فقال : والذي بعثنى بالحق نبيا ما يعلمون أن الله خلق آدم ولا إبليس ، ولا يحصي عددهم إلا الله ، ومسير الشمس في بلادهم أربعون يوما لا يأكلون ولا يشربون (١) « الخبر ».

تذنيب :

اعلم أن الاخبار الواردة في هذا الباب غريبة وبعضها غير معتبرة الاسانيد كروايات البرسي وجامع الاخبار ، والمأخوذ من الكتاب القديم ، وبعضها معتبرة مأخوذة من اصول القدماء ، وليس ما تتضمنها بعيدا من قدرة الله تعالى (٢).

____________________

(١) قد حاول بعض علماء العصر تطبيق هذه الارض على الكوكبة المكتشفة اخيرا المسماة ب « فلكان » بتقريب انها لمكان قربها من المشس انور الكواكب ولذا وصف بانها بيضاء ، ولما كانت تدور حول الشمس في عشرين يوما وكل يوم مشتمل على نهار وليلة وكثيرا ما يطلق اليوم على النهار فقط صح ان يقال انها تدور حول الشمس اربعين يوما وانت خبيربأن الرواية تأبى عن هذه التكلفات والتعسفات كل الاباء ، فان ظاهر قوله « مسير الشمس في بلادهم اربعون يوما » ان اليوم في بلادهم يساوى اربعين يوما في بلادنا لا أن السنة فيها تساوى اربعين يوما ، على ان هذه الكوكبة لشدة حرارتها غير قابلة لنشوء موجود حى فيها الا ان يكون المراد باهلها الملائكة بقرينة قوله « لا يأكلون ولا يشربون » فتأمل.

(٢) الاخبار الموردة في هذا الباب مع قطع النظر عن ضعافها التى لا يوثق بصدورها لا تجرى جميعا مجرى واحدا في المضمون والدلالة ، والتعرض لكل واحد منها على حدة والتدقيق في ما يشتمل عليه من الدقائق وتحقيق ما تشير اليه من الحقائق يؤدى إلى تطويل ممل لكن

٣٤٩

و « جابلقا » و « جابرسا » ذكرهما اللغويون على وجه آخر ، قال الفيروز آبادي : جابلص بفتح الباء واللام أو سكونها : بلد بالمغرب وليس وراءه إنسي

____________________

لابأس بالاشارة إلى مهام ما يستفاد منها وهى امور :

الاول : ان خلق الله تبارك وتعالى لا ينحصر في ابينا آدم وذريته ، فقد خلق قبله خلائق كثيرة وسيخلق بعدانقراضهم ايضا ، قال عليه‌السلام « أو ترى ان الله عزوجل لم يخلق بشرا غيركم؟ بلى والله لقد خلق الله تبارك وتعالى ألف ألف عالم وألف ألف آدم » وقال عليه‌السلام « لعلكم ترون أنه اذا كان يوم القيامة .. لا يعبد في بلاده ولا يخلق خلقا يعبدونه ويوحدونه؟ .. » إلى غير ذلك.

الثانى : ان وراء هذه المنظومة الشمسية المشتملة على شمس وارض وكواكب واقمار منظومات شمسية اخرى مشتملة على شموس وكواكب واقمار كثيرة وأن لها أهلين في الجملة قال عليه‌السلام « ان وراء عين شمسكم هذه اريعين عين شمس : وان وراء قمركم اربعين قمرا » وقال عليه‌السلام لما نظر إلى السماء « هذه قبة ابينا آدم وان لله عزوجل سواها تسعة وثلاثين قبة فيها خلق ما عصوا الله طرفة عين » وغير خفى على اللبيب المتأمل ان اظهار هذا المعنى في عصر لم يكن يتوهم احد ذلك ولا يقبله لو لا تسليمه لائمة الدين واهل بيت العصمة واليقين كاشف عن اعتماد القائلين على مبدء علمى الهى ، واخذهم من منبع غزيرربانى ، وإلا فمن كان يجترئ على التفوه بان عبر الشمس التى كان بزعم انها مركوزة في الفلك الرابع والقمر الذى كان يزعم انه مركوز في الفلك الاول تكون شموس واقمار اخرى؟ وهذا لعمر الحق من اعظم الكرامات ، وأدل الدلائل على امامة اهل البيت عليهم‌السلام ، وقد كان هذا العلم مخزونا في كتب الشيعة مكنونا عنه اهله حتى كشف التجاوب العلمية والمكبرات العظيمة النقاب عن وجهه والغطاء عن سره.

الثالث : أن وراء هذا العالم المادى عوالم اخرى تغيب عن حواسنا ، ولا تنالها علومنا المتعارفة ، وهى محيطة بهذا العالم نحو احاطة ، وباطنة فيه نحو بطون ، وخارجة عنه نحو خروج وقد أراها الله بعض اوليائه وعباده الصالحين وهو على ما يشاء قدير.

قال زين العابدين عليه‌السلام للمنجم : « هل أدلك على رجل قدمر مذ دخلت علينا في اربع عشر عالما كل عالم اكبر من الدنيا ثلاث مرات لم يتحرك من مكانه؟! » فان المرور في تلك العوالم الكبيرة في زمن يسير في الغاية مع عدم التحرك من المكان إنما يتصور بغير هذا البدن المادى الذى لا يمكن أن يسير إلا بالحركة والانتقال ، وفي عوالم خارجة من عالم المادة ، مطلقة من قيودها وحدودها. وقال الصادق عليه‌السلام في بيان حال أهل المدينتين « وطعامهم التسبيح » فان ذلك ليس من شأن الموجود المادى ، ويمكن ان يكون حديث اراءة الملكوت لجابر وحديث خيام

٣٥٠

وجابلق بلد بالمشرق (١) (انتهى) ويقال إن فيهما أو في إحداهما أصحاب القائم عليه‌السلام والصوفية والمتألهون من الحكماء أولوا أكثر هذه الاخبار بعالم المثال قال شارح المقاصد : ذهب بعض المتألهين من الحكماء ونسب إلى القدماء أن بين عالمي المحسوس والمعقول واسطة تسمى عالم المثل ، ليس في تجرد المجردات ولا في مخالطة الماديات ، وفيه لكل موجود من المجردات ، والاجسام ، والاعراض والحركات ، والسكنات ، والاوضاع ، والهيئات ، والطعوم ، والروائح ، مثال قائم بذاته ، معلق لا في مادة ومحل ، يظهر للحس بمعونة مظهر كالمرآة والخيال والماء والهواء ونحو ذلك ، وقد ينتقل من مظهر إلى مظهر ، وقد يبطل كما إذا فسدت المرآة والخيال ، أو زالت المقابلة أو التخيل وبالجملة هو عالم عظيم الفسحة غير متناه ، يحذو حذوا العالم الحسي في دوام حركة أفلاكه المثالية ، و قبول عناصره ومركباته آثار حركات أفلاكه وإشراقات العالم العقلي ، وهذا ما قال الاقدمون إن في الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسي لايتناهى عجائبه ولا تحصى مدنه ، ومن جملة تلك المدن جابلقا وجابرسا ، وهما مدينتان عظيمتان لكل منهما ألف باب لا يحصى ما فيها من الخلائق ، ومن هذا عالم يكون فيه الملائكة

____________________

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام وماضاها هما أيضا ناظرة إلى هذه العوالم والله أعلم.

وبالجمله يستفاد من هذه الروايات ان تلك العوالم اشرف وألطف من عالم المادة وإن لم تخل عن المقادير والعوارض الجسمانية مطلقا ، فتنطبق على عالم المثال ، لكن لا يوجب ذلك اثبات جميع الخواص التى يأتى نقلها عن شارح المقاصد لها ، فان جلها لا يخلو عن مناقشة كظهور الصور المثالية في المرآة وادراكها عند غلبة الخوف والامراض ، فان ما يصح من ذلك إنما هو من خواص المثال الاصغر الذى هو من مراتب النفس الانسانية والكلام في العوالم الخارجية وما يجئ من طعن العلامة المؤلف رحمه الله على هذا القول انما هو للالتزام بهذه الخصوصيات والافهو لا ينكر الموجود المثالى رأسا ، كيف وقد اذعن بصراحة روايات كثيرة في اثباته ، وبه صحح كثيرا من المسائل الاعتقادية كما اشار إلى بعضها في ذيل هذا الباب.

(١) القاموس : ج ٢ ، ص ٢٩٧ ، و ج ٣ ، ص ٢١٧.

٣٥١

والجن والشياطين والغيلان لكونها من قبيل المثل أو النفوس الناطقة المفارقة الظاهرة فيها ، وبه يظهر المجردات في صور مختلفة بالحسن والقبح ، واللطافه و الكثافة ، وغير ذلك بحسب استعداد القابل والفاعل ، وعليه بنوا أمر المعاد الجسماني فإن البدن المثالي الذي يتصرف فيه النفس حكمه حكم البدن الحسي في أن له جميع الحواس الظاهرة والباطنة فيلتذ (١) ويتألم باللذات والآلام الجسمانية وأيضا تكون من الصور المعلقة نورانية فيها نعيم السعداء ، وظلمانية فيها عذاب الاشقياء ، وكذا أمر المنامات وكثير من الادراكات ، فإن جميع ما يرى في المنام أو التخيل في اليقظة بل نشاهد في الامراض وعند غلبة الخوف ونحو ذلك من الصور المقدارية التي لا تحقق لها في عالم الحس كلها من عالم المثل ، وكذا كثير من الغرائب وخوارق العادات ، كما يحكى عن بعض الاولياء أنه مع إقامته ببلدته كان من حاضري المسجد الحرام أيام الحج ، وأنه ظهر من بعض جدران البيت أو خرج من بيت مسدود الابواب والكواء ، وأنه أحضر بعض الاشخاص والثمار أو غير ذلك من مسافة بعيدة جدا في زمان قريبة إلى غير ذلك ، والقائلون بهذا العالم منهم من يدعي ثبوته بالمكاشفة والتجارب الصحيحة ، ومنهم من يحتج بأن ما يشاهد من تلك الصور الجزئية ليست عدما صرفا ولا من عالم الماديات وهو ظاهر ، ولا من عالم العقل لكونها ذوات مقدار ، ولا مر تسمة في الاجزاء الدماغية لامتناع ارتسام الكبير في الصغير ، ولما كانت الدعوى عالية والشبه واهية كما سبق لم يلتفت إليه المحققون من الحكماء والمتكلمين « انتهى ».

ونقل بعضهم عن المعلم الاول في الرد على من قال : إن العالم الجسماني أكثر من واحد : وقد قالت متألهو الحكماء كهرمس ، وأنباذ قلس ، وفيثاغورس وأفلاطن وغيرهم من الافاضل القدماء إن في الوجود عوالم اخرى ذوات مقادير غير هذا العالم الذي نحن فيه وغير النفس والعقل ، وفيها العجائب والغرائب ، و فيها من البلاد والعباد ، والانهار والبحار والاشجار ، والصور المليحة والقبيحة

____________________

(١) فيتلذذ ( خ ).

٣٥٢

ما لا يتناهى ، ويقع هذا العالم في الاقليم الثامن الذي فيه جابلقا وجابرسا ، وهو إقليم ذات العجائب ، وهي في وسط ترتيب العوالم ، ولهذا العالم افقان : الاول و هو الالطف من الفلك الاقصى الذي نحن فيه ، وهو يقع (١) من إدراك الحواس والافق الاعلى يلي النفس الناطقة وهو أكثف منها ، والطبقات المختلفة الانواع من اللطيفة والكثيفة والمتلذذة والمهجة والموملة والمزعجة لا يتناهى بينهما ، و لابد لك من المرور عليه ، وقد يشاهد هذا العالم بعض الكهنة والسحرة وأهل العلوم الروحانية ، فعليك بالايمان بها ، وإياك والانكار.

وقال أرسطو في « اثولوجيا » : من وراء هذا العالم سماء وأرض وبحرو حيوان ونبات وناس سماويون ، وكل من في هذا العالم الجسماني ، وليس هناك شئ أرضي ، والروحانيون الذين هناك ملائمون للانس الذي هناك ، لا ينفر بعضهم عن بعض ، وكل واحد لا ينفر عن صاحبه ، ولا يضاده ، بل يستريح إليه.

وقال صاحب الفتوحات : في كل خلق الله تعالى عوالم يسبحون الليل و النهار لا يفترون ، وخلق الله من جملة عوالمها عاما على صورنا ، إذا أبصرها العارف يشاهد نفسه فيها ، وقد أشار إلى ذلك عبدالله بن عباس فيما روي عنه في حديث : هذه الكعبة وإنها بيت واحد من أربعة عشر بيتا ، وإن في كل أرض من الارضين السبع خلقا مثلنا حتى أن فيهم ابن عباس مثلي. وصدقت هذه الروايه عند أهل الكشف ، وكل منها حي ناطق ، وهي باقية لا تفنى ولا تتبدل ، وإذا دخلها العارفون إنما يدخلون بأرواحهم لا بأجسامهم ، فيتركون هياكلهم في هذه الارض الدنيا ويتجردون ، وفيها مدائن لا تحصى ، وبعضها تسمى « مدائن النور » لا يدخلها من العارفين إلا كل مصطفى مختار ، وكل حديث وآية وردت عندنا مما صرفها العقل من ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه الارض ، وكل جسد يتشكل فيه الروحاني من ملك وجن ، وكل صورة يرى الانسان فيها نفسه في النوم فمن أجساد هذه الارض « انتهى ».

____________________

(١) يقطع ( خ ).

٣٥٣

واقول : ما أشبه هذه المزخرفات بالخرافات والخيالات الواهية والاوهام الفاسدة ، ولا يتوقف تصحيح شئ مما ذكروه على القول بهذا المذهب السخيف ، و بسط القول فيه يؤدي إلى الاطناب ، وأما الاجساد المثالية التي قلنا بها فليس من هذا القبيل كما عرفت تحقيقه في المجلد الثالث ، وأكثر أخبار هذا الباب يمكن حملها على ظواهرها ، إذ لم يدر أحد سوى الانبياء والاوصياء ما حول جميع العالم حتى يحكم بعدمها ، وما قاله الحكماء والرياضيون في ذلك فهو على الخرص والتخمين والله الهادي إلى الحق المبين.

« تنبيه »

قد يستدل على ثبوت عالم المثال بما رواه الشيخ البهائي ره في كتاب « مفتاح الفلاح » عند تأويل ماوردفي دعاء التعقيب « يامن أظهر الجميل وستر القبيح » عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ما من مؤمن إلا وله مثال في العرش ، فإذا اشتغل بالركوع والسجود ونحوهما فعل مثاله مثل فعله ، فعند ذلك تراه الملائكة عند العرش ويصلون (١) ويستغفرون له ، وإذا اشتغل العبد بمعصية أرخى الله تعالى على مثاله سترا لئلا تطلع المئلاكة عليها ، فهذا تأويل « يا من أظهر الجميل وستر القبيح » « انتهى ».

واقول : وإن أمكن تأويله (٢) على ما ذكروه ، لكن ليس فيه دلالة على الخصوصيات التي أثبتوها ، ولا على عمومها في كل شئ ، وكذا الكلام فيما ورد من كون صورة أميرالمؤمنين والحسنين عليهم‌السلام ورؤية الرسول (ص) وآدم عليه‌السلام أشباح الائمة علهيم السلام عن يمين العرش ، وأمثال ذلك كثيرة والكلام في الجميع واحد ، ونحن لا ننكر وجود الاجسام المثالية وتعلق الارواح بهابعد الموت ، بل نثبتها لدلالة الاحاديث المعتبرة الصريحة عليها ، بل لا يبعد عندي وجودها قبل الموت أيضا فتتعلق

____________________

(١) في المخطوطة : فيصلون.

(٢) في المخطوطة : تطبيقه.

٣٥٤

بها الارواح في حال النوم وشبهه من الاحوال التي يضعف تعلفها بالاجساد الاصلية فيسير بها في عوالم الملك والملكوت ، ولا أستبعد في الارواح القوية تعلقها بالاجساد المثالية الكثيرة ، وتصرفها في جميعها في حالة واحدة ، فلا يستبعد حضورهم في آن واحد عند جميع كثير من المحتضرين وغيرهم ، لكن على وجه لا ينافي القواعد العقلية والقوانين الشرعية ، وهذا المقام لا يسع لبسط القول فيها ، وبعض العقول القاصرة عن درك الحقائق الخفية ربما لم يحتملها ، فلذا طويناها على غرها ، والله الموفق لنيل غوامض الدقائق وسرها.

٣

(باب)

*(أنه لم سميت الدنيا دنيا والاخرة آخرة)*

١ ـ علل : عن علي بن أحمد بن (١) محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، بإسناده رفعه قال : أتى علي بن أبيطالب عليه‌السلام يهودي فسأله عن مسائل ، فكان فيما يسأله (٢) لم سميت الدنيا دنيا؟ ولم سميت الآخرة آخرة ، فقال عليه‌السلام : إنما سميت الدنيا دنيا لانها أدنى من كل شئ ، وسميت الآخره آخرة لان فيها الجزاء والثواب (٣).

____________________

(١) الظاهر انه على بن أحمد الدقاق ، وروى الصدوق ره في التوحيد وغيره من كتبه عنه وعن على بن احمد بن محمد ، وعن على بن احمد بن محمد بن عمران ، وفي الفقيه عن على بن احمد بن موسى الدقاق ، وفي كمال الدين « ١٧٧ » عن على بن احمد بن محمد بن موسى بن عمران والظاهر اتحاد الجميع ، قال الوحيد ره الظاهران على بن احمد بن محمد بن عمران من مشايخ الصدوق وهو على بن احمد بن موسى الدقاق ، وقال في تنقيح المقال : لم اقف على رواية الصدوق عمن سماه « يعنى الوحيد » واتحاد على بن احمد بن موسى مع على بن احمد بن محمد بن عمران بعيدا جدا « انتهى » لكن روايته عن احمد بن محمد بن عمران كثيرة في التوحيد وسائر كتبه وما رواه في كمال الدين يقرب ما استبعده ويؤيد ما استظهره الوحيد رحمهما الله بل ما استظهرنا من اتحاد الجميع والله العالم.

(٢) في المخطوطة : في ما سأله.

(٣) علل الشرائع : ج ١ ، ص٢.

٣٥٥

٢ ـ ومنه : فيما سأل يزيد بن سلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سأله عن الدنيالم سميت الدنيا؟ قال : لان الدنيا دنية خلقت من دون الآخرة ، ولو خلقت مع الآخرة لم يفن أهلها كما لا يفنى أهل الآخرة. قال : فأخبرني لم سميت الآخرة آخرة؟ قال : لانها متأخرة تجئ من بعد الدنيا ، لا توصف سنينها ، ولا تحصى أيامها ، ولا يموت سكانها (١) « الخبر ».

بيان : قوله في الخبر الاول « لانها أدنى من كل شئ » أي أقرب بحسب المكان أو بحسب الزمان ، أو أخس وأرذل على وفق الخبر الثاني. وقوله « لان فيها الجزاء » لعله بيان لملزوم العلة ، أي لما كان فيها الجزاء ، والجزاء متأخر عن العمل ، فلذا جعلت بعد الدنيا وسميت بذلك. قال الله عزوجل « يأخذون عرض هذا الادنى » (٢) يعني الدنيا من الدنو بمعنى القرب ، وقال سبحانه « ولنذيقنهم من العذاب الادنى (٣) » وبالجملة الادنى والدنيا يصرفان على وجوه ، فتارة يعبر به عن الاقل فيقابل بالاكثر والاكبر ، وتارة عن الارذل والاحقر فيقابل بالاعلى والافضل ، وتارة عن الاقرب فيقابل بالاقصى ، وتارة عن الاولى فيقابل بالآخرة وبجميع ذلك ورد التنزيل على بعض الوجوه. وقال الجزري : الدنيا اسم لهذه الحياة لبعد الآخرة عنها.

____________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ، ص ١٥٦.

(٢) الاعراف : ١٦٩.

(٣) الرعد : ٢١.

٣٥٦

٤

(باب)

* (القلم ، واللوح المحفوظ ، والكتاب المبين ، والامام) *

* (المبين ، وام الكتاب) *

الآيات :

هود : وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين (١).

طه : قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى (٢).

الحج : ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والارض إن ذلك في كتاب ، إن ذلك على الله يسير (٣).

النمل : وما من غائبة في السماء والارض إلا في كتاب مبين (٤).

سبأ : لايعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين (٥).

فاطر : وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير (٦).

يس : وكل شئ أحصيناه في إمام مبين (٧).

الزخرف : وإنه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم (٨).

____________________

(١) هود : ٦.

(٢) طه : ٥٢.

(٣) الحج : ٧٠.

(٤) النمل : ٧٥.

(٥) سبأ : ٣.

(٦) فاطر : ١١.

(٧) يس : ١٢.

(٨) الزخرف : ٤.

٣٥٧

ق : وعندنا كتاب حفيظ (١).

الطور : وكتاب مسطور في رق منشور (٢).

الحديد : ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله بسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولاتفرحوا بما آتيكم (٣).

القلم : ن والقلم وما يسطرون (٤).

النبأ : وكل شئ أحصيناه كتابا (٥).

البروج : بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ (٦).

تفسير : قال الطبرسي ره : « كل في كتاب مبين » هذا إخبار منه سبحانه أن جميع ذلك مكتوب في كتاب ظاهر ، وهو اللوح المحفوظ ، وإنما اثبت ذلك مع أنه عالم لذاته لا يعزب عن علمه شئ من مخلوقاته لما فيه من اللطف للملائكة أو لمن يخبر بذلك (٧).

وقال ره في قوله سبحانه « علمها عند ربي » : أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازيهم بها ، والتقدير : علم أعمالهم عند ربي « في كتاب » يعني اللوح المحفوظ ، و المعنى : أن أعمالهم مكتوبة مثبته عليهم ، وقيل : المراد بالكتاب ما تكتبه الملائكة. « لا يضل ربي » أي لا يذهب عليه شئ ، وقيل : أي لا يخطئ ربي « ولا ينسى » من النسيان ، أو بمعنى الترك (٨).

وقال الرازي في قوله تعالى « إن ذلك في كتاب » في الكتاب قولان : أحدهما وهو قول أبي مسلم أن معنى الكتاب الحفظ والضبط والشد ، يقال : كتبت

____________________

(١) ق : ٤.

(٢) الطور : ٢٣.

(٣) الحديد : ٢٢.

(٤) القلم : ١.

(٥) النبأ : ٢٩.

(٦) البروج : ٢١٢٢.

(٧) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٤٤.

(٨) مجمع البيان : ج ٧ ، ص١٣.

٣٥٨

المزادة (١) إذا خرزتها فحفظت بذلك ما فيها ، ومعنى الكتاب بين الناس : حفظ ما يتعاملون به ، فالمراد من قوله « إن ذلك في كتاب » أنه محفوظ عنده.

والثانى : وهو قول الجمهور أن كل ما يحدثه الله في السماوات والارض كتبه (٢) في اللوح المحفوظ ، وهذا أولى ، لان القول الاول وإن كان صحيحا نظرا إلى الاشتقاق ، ولكن الواجب حمل اللفظ على المتعارف ، ومعلوم أن الكتاب هو ما تكتب فيه الامور ، فكان حمله عليه أولى. فإن قيل : يوهم ذلك أن علمه مستفاد من الكتاب ، وأيضا فأي فائدة في ذلك الكتاب؟ فالجواب عن الاول أن كتبه تلك الاشياء في ذلك الكتاب مع كونها مطابقة للموجودات من أدل الدلائل على أنه سبحانه غني في علمه عن ذلك الكتاب ، وعن الثاني أن الملائكة ينظرون فيه ثم يرون الحوادث داخلة في الوجود على وفقه ، فصار ذلك دليلا لهم زائدا على كونه سبحانه عالما بكل المعلومات. وأما قوله « إن ذلك على الله يسير » فمعناه أن كتبه جملة الحوادث من أنها من الغيب مما يتعذر عى الخلق ، لكنها بحيث متى أرادها الله تعالى ، كانت يعبر عن ذلك بأنه يسير ، وإن كان هذا الوصف لا يستعمل إلا فينا من حيث تسهل وتصعب علينا الامور ، ويتعالى (٣) الله عن ذلك (٤).

وقال الطبرسي ره في قوله سبحانه « وما من غائبة » أي خصلة غائبة « في السماء والارض » يعني جميع ما أخفاه عن خلقه وغيبه عنهم « إلا في كتاب مبين » أي إلا وهو مبين في اللوح المحفوظ (٥).

« لا يعزب عنه » أي لا يفوته « إلا في كتاب مبين » يعني اللوح المحفوظ (٦).

____________________

(١) المزادة بفتح الميم : ما يوضح فيه الزاد ، وخرزها بالخاء المعجمة ثم الراء المهملة ثم الزاى المعجمة : شدها وإحكامها. وفي المصدر : كتبت المزادة اكتبها (٢) في المصدر : فقد كتبه.

(٣) في المصدر : تعالى.

(٤) مفاتيح الغيب ، ج ٦ ، ص ٢٥٩.

(٥) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٣٢.

(٦) مجمع البيان : ج ٨ص ٣٧٧.

٣٥٩

وفي قوله « وما يعمر من معمر » أي لا يمد في عمر معمر « ولا ينقص من عمره » أي من عمر ذلك المعمر بانقضاء الاوقات عليه ، وقيل : معناه ولا ينقص من عمر غير ذلك المعمر ، وقيل : هو ما يعلمه الله أن فلانا لو أطاع لبقي إلى وقت كذا ، وإذا عصى نقص عمره فلا يبقى « إلا في كتاب » أي إلا وذلك مثبت في اللوح المحفوظ (١). وقال : « وكل شيئ أحصيناءه » أي أحصينا وعددنا كل شئ من الحوادث في كتاب ظاهر وهو اللوح المحفوظ ، وقيل : أراد به صحائف الاعمال (٢).

اقول : وقد ورد في كثير من الاخبار أن المراد بالامام المبين أميرالمؤمنين عليه‌السلام كما مر.

« وأنه » أي القرآن « في ام الكتاب » في اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماوية « لدينا لعلي » رفيع الشأن « حكيم » ذو حكمة بالغة ، كذا قيل ، وفي كثير من الاخبار أن الضمير راجع إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام والمراد بام الكتاب السورة الفاتحة ، فإنه عليه‌السلام مكتوب فيها في قوله تعالى « اهدنا الصراط المستقيم » قالوا : الصراط المستقيم هو أميرالمؤمنين عليه‌السلام ومعرفته وطريقته.

« وعندنا كتاب حفيظ » قال الطبرسي ره أي حافظ لعدتهم وأسمائهم وهو اللوح المحفوظ ، وقيل : أي محفوظ عن البلى والدروس ، وهو كتاب الحفظة (٣).

« وكتاب مسطور » أي مكتوب « في رق منشور » وهو الكتاب الذي كتبه الله لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان وما يكون ، وقيل : هو القرآن مكتوب عند الله في اللوح (٤) وهو الرق المنشور ، وقيل : هو صحائف الاعمال ، وقيل : هوالتورية وقيل : إنه القرآن يكتبه المؤمنون في رق وينشرونه لقراءته والرق ما يكتب فيه (٥).

____________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ص ٤٠٣.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤١٨.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ١٤١.

(٤) في المصدر : في اللوح المحفوظ.

(٥) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٦٣.

٣٦٠