بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الحال كما تقول به الفلاسفة من تعاقب الاستعدادات الغير المتناهية حتى ينتهي إلى الاستعداد القريب الذي يلي المعلول. فقد قيل عليه أنه باطل مع قطع النظر عن جريان التطبيق فيه ، لانه يلزم انحصار الامور الغير المتناهية بين حاصرين ، وهما نفس الارادة وتعلقها الذي يلي الممكن.

اقول : وأنت تعلم أنه لا انحصار هنا بين حاصرين أصلا ، بل ذات الارادة محفوظة في جميع المراتب وتتوارد عليها تعلقات مترتبة غير متناهية على نحو تعاقب الاستعدادات الغير المتناهية على المادة ، فليست الارادة ولا المريد طرف السلسلة كما ليست المادة طرف السلسلة ، فالقول بالانحصار هنا وهم ظاهر الفساد ، وإن ظهر بعض من يعقد عليه الانامل بالاعتقاد « انتهى ».

واورد عليه إيرادات لاطائل في إيرادها وهي مع أجوبتها مذكورة في كتب القوم.

الطريق السادس : ما ذكره المحقق الطوسي ره في التجريد ، وهو أن التخلف عن العلة التامة إنما يستحيل إذا أمكن وجود ظرفين يمكن تحقق المعلول في كل منهما ، ومع ذلك خص وجود المعلول بالاخير منهما من غير تفاوت في أجزاء العلة وشرائط إيجابها بالنسبة إلى الوقتين ، وههنا ليس كذلك ، إذالوقت من جمله أجزاء العالم ، فلا وقت قبل حدوث العالم حتى يسأل عن حدود ذلك الوقت وأنه لم لم يقع المعلول في تلك الحدود ووقع فيما وقع فيه ، ولما كان هذا الوجه بعد التحقيق يرجع مآله إلى ما حررنا في الطريق الثاني لم نتعرض لبسط القول فيه.

المرصد الثانى : دفع شبهة اخرى لهم ، وهي أن العالم ممكن ، وإمكان وجوده أزلي. إذ لو كان ممتنعا في الازل وصار ممكنا لزم الانقلاب المحال ، وإذا أمكن وجوده في الازل والبارئ تعالى قادر كامل في تأثيره جواد فحض لا يفيد إلا ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض فما أوجد العالم إلا لجوده الذي هو مقتضى ذاته ، فوجب أن يوجد العالم أزلا.

٣٠١

والجواب أن يقال : ما أردت بقولك « والبارئ تعالى قادر كامل في تأثيره » إن أردت أن لا نقص في ذاته وصفاته الكمالية كقدرته وعلمه وإرادته وفي اقتضاء ذاته القديمة إفاضة الخير والجود فذلك مسلم ، ولا يلزم [ منه ] وجوب إيجاد العالم أزلا ، لجواز توقف الايجاد على شرط يقتضيه العلم بالاصلح ، وإن أردت به أن الفاعل في الازل مستجمع لرائط التأثير فهو ممنوع ، والسند ما مر. والحاصل أن مقتضى كونه كاملا جوادا في ذاته أن لا ينفك عن ذاته إفادة ما ينبغي ، ولا نسلم أن وجود العالم في الازل كذلك ، إذ ما ينبغي عبارة عما هو أصلح بالنظام بحسب علمه القديم ، والاصلح إنما هو وجود العالم فيما لا يزال.

وقال بعض المحققين في الجواب عن هذه الشبهة : إنها مبنية على استلزام أزلية الامكان إمكان الازلية وهو ممنوع ، فإن معنى الاول استمرار إمكان الشئ وجواز وجوده ، ومعنى الثاني جواز أن يوجد الشئ وجودا مستمرا أزلا وأبدا وظاهر أن استلزام الاول للثاني ليس مما لا يطلب له دليل. واستدل عليه بأنه إذا استمر الامكان أزلا لم يكن في ذاته مانع من الوجود في شئ من أجزاء الازل فعدم منعه أمر مستمر في جميع أجزاء الازل ، فإذا نظر إلى ذاته جاز له الاتصاف بالوجود في كل جزء منها لابد لا فقط بل ومعا أيضا ، وهو إمكان اتصافه بالوجود المستمر الازلي ، فأزلية الامكان استلزمت إمكان الازلية. وفيه نظر إذ قوله « ومعا أيضا » ممنوع ، بل وقوله « جازله الاتصاف بالوجود في كل جزء منها » أيضا ممنوع ، فإن الآنيات يمتنع وجودها في الزمان ، وأيضا ما ذكره منقوض بالحركة التوسطية الآخذة من مبدأ معين ، فإنها ممكنة أزلا ولا يمكن لها الوجود أزلا لوجود مبدء لها فرضا « انتهى ».

واقول : ويظهر من أجوبة سائر الشبه أجوبة اخرى لهذه الشبهة تركناها للمتأمل الفطن.

المرصد الثالث : دفع الشبهة التي أوردها صاحب المحاكمات ، وهي أنه لا يجوز أن يكون فعله تعالى معدوما ثم يوجد ، إذ العدم الصريح لا تمييز فيه حتى

٣٠٢

يكون إمساك الفاعل من إيجاده في بعض الاحوال أولى من إيجاده في بعض ، وحتى يكون الصدور من الفاعل في بعض الاحوال أولى من صدوره في بعض ، بل لو كان صدوره واجبا كان في جميع الاحوال. أولا صدوره كان في جميع الاحوال ، فيلزم إما قدم الفعل أو عدمه بالمرة. وهذا بالحقيقة رد على من قال : إنما حدث في الوقت لانه كان أصلح لوجوده أو كان ممكنا فيه ، وتقييد العدم بالصريح احتراز عن العدم الحادث المسبوق بالمادة « انتهى كلامه ».

والجواب : أنه لا شك أن جميع المعلولات قديمها وحديثها معدوم مطلق في مرتبة وجود العلة ، فكيف تعلق الجعل بالممكنات دون الممتنعات؟ وكيف تعلق بالقديم وهو معدوم مطلق في هذه المرتبة؟ وكيف تعلق الجعل بالقديم ولم يتعلق بالحوادث إلا بعد مدة غير متناهية؟ فالحق أن التميز العلمي في علمه تعالى كاف في الجميع ، وإن كانت في الخارج معدومة صرفة ، فهو سبحانه يعلم في ذاته الجميع ممكنها وممتنعها مطلقا ، أو على بعض أنحاء الوجود ، ويريد ما أراد منها على الوجه الذي تقتضيه الحكمة والمصلحة ، وتؤثر القدرة على وفق الارادة ، فيوجد العادم على النظام الذي وجد بلا تغير في ذاته وصفاته الذاتية ، وإنما التغير والتفاوت فيما عداه بالامكان والامتناع ، والتقدم والتأخر ، والصغر والكبر ، إلى غير ذلك من وجوه التفاوت ، ولا يمكن للعقول إدراك كنه تأثيراته وإيجاداته تعالى شأنه ، كما يستفاد من الخطب والاخبار المأثورة عن الائمة الاطهار عليهم‌السلام ، و السؤال بأنه لم لم يخلق العالم قبل هذا أو بعد ذاك ، أو فوق الفضاء الذي هو الآن فيه أو تحته ، أو يمينه أو يساره ، أو قدامه أو خلفه ، أو أصغر أو أكبر ، أو المواد بحيث تقبل الاستعدادات على نحو آخر ، فهو من هذر السؤال ، وقد ظهر الفرق بين أزلية الامكان وإمكان الازلية ، وأن الامكان الذاتي من متممات ذات المعلول المحتاج ، ومن مصححات المعلولية ومكملات الاحتياج إلى العلة على سبيل لوازم الماهية المعلولية وذاتياتها ، وليس ملحوظا في طرف العلة التامة المفتقرة إليها ، وقد مر ما يمكن استنباط أجوبة اخرى منه لهذه الشبة فتفطن.

٣٠٣

المرصد الرابع : دفع شبهة اخرى لهم ، وهي أن الزمان لو كان حادثا لكان معدوما قبل وجوده قبلية انفكاكية لا يجامع بحسبها القبل البعد في الواقع وهذه القبلية معروضها بالذات أجزاء الزمان بعضها بالنسبة إلى بعض ، ولا يوصف بها ماعدا الزمان إلا بالعرض من جهة مقارنة الزمان ، فإذن يلزم وجود الزمان على تقدير عدمه ، وهذا خلف. ويمكن بمثل هذا البيان إثبات امتناع العدم اللاحق على الزمان فثبت سرمديته.

ومما ينبه أن هذا البيان مغالطة هو أن الزمان إما أن يكون مستندا إلى الواجب بلا واسطة ، فيكون هو الصادر الاول وهو خلاف معتقدهم ، وإما أن يكون بواسطة علة ممكنة ولا شك أن هذه العلة ممكنة لذاتها وبالنسبة إلى الزمان الذي هو معلولها ، لان بالمعلول لا تجب العلة ، ولا يصير منشأ لوجوب علته ، فظهر أن علة الزمان ممكنة بالذات وبالنسبة إلى الزمان أيضا ، وعدم الممكن بالوصف المذكور لا يلزم من فرضه محال أصلا ، فإذا فرضنا انعدام علة الزمان فإما أن يبقى الزمان موجودا بلا علة مبقية وهو محال ، لان علة الحاجة إلى الموثر عندهم هو إمكان المعلول وحده ، وإما أن ينعدم الزمان أيضا وهو محال عندهم ، واقتضاه هذا الدليل ، فإن مذهبهم أن العدم بعد الوجود محال بالذات على الزمان ، وإنما الممكن بالنظر إلى الزمان هو العدم رأسا وابتداء ، وأما العدم بعد الوجود فلا يجوزونه ويصرحون بامتناعه بالذات.

والجواب عن أصل الدليل أنا لا نسلم أن العدم الصرف الذي صورناه قبل العالم يمكن أن يتصف بشي ء ، كيف وهو نفي صرف ولا شئ محض في الواقع ، نعم بعد وجود العالم وتحقق الموجودات ربما يمكن سريان بعض هذه الاحكام إلى العدم ، ولو سلم فلا نسلم أن منشأ استحالة اجتماعه مع الوجود اللاحق هو اتصافه بالسبق ، بل يجوز أن يكون لانهما متقابلان بالايجاب والسلب ، ولاجل هذا التقابل لا يجتمعان ، ولو سلم فلا نسلم أن مثل هذا السبق لا يعرض إلا للزمان و دون إثباته خرط القتاد ، وغاية ما لزم من دليلهم على تقدير تسليمه أن هذا النوع

٣٠٤

من السبق يعرض للزمان بالذات وأما إثبات أنه لا يعرض لغير الزمان إلا بواسطة فلا سبيل لهم إليهم.

والمشهور بين المتكلمين في جواب هذا الدليل إثبات قسم آخر للسبق سموه بالسبق بالذات ، وهو في مقام المنع حسن ، وإن اريد إثباته فمشكل. قال المحقق الطوسي ره في قواعد العقائد : التقدم يكون بالذات كتقدم الموجد على ما يوجد ، أو بالطبع كتقدم الواحد على الاثنين ، أو بالزمان كتقدم الماضي على الحاضر ، أو بالشرف كتقدم العالم (١) على المتعلم أو بالوضع كتقدم الاقرب إلى مبدء على الابعد ، والمتكلمون يزيدون على ذلك التقدم بالرتبة كتقدم الامس على اليوم.

وقال الرازي في الاربعين : إنا نثبت نوعا آخر من التقدم وراء هه الاقسام الخمسة ، والدليل عليه أنا ببديهة العقل نعلم أن الامس متقدم على اليوم وليس تقدما بالعلية ، ولا بالذات ، ولا بالشرف ، ولا بالمكان ، ولا يمكن أن يكون تقدما بالزمان ، وإلا لزم أن يكون ذلك الزمان حاصلا في زمان آخر ، ثم الكلام في الزمان الثاني كما في الاول فيفضي إلى أن تحصل أزمنة لا نهاية لها دفعة واحدة ويكون لكل منها ظرفا للآخر وذلك محال ، فهو تقدم خارج عن هذه الاقسام فنقول تقدم عدم العالم على وجوده وتقدم وجود الله على وجود العالم يكون على هذا الوجه ، ويزول الاشكال « انتهى ».

وأقول : لهم شبهه واهية اخرى يظهر جوابها للمتأمل فيما أوردناه ، وأنت بعدما أحطت خبرا بما حققناه ، وتركت تقليد السادة والكبراء ، والتمسك بالشكوك والاهواء ، لا أظنك تستريب في قوة دلائل الحدوث وضعف شبه القدم ولو لم تكن أقوى فلا ريب في أنها متعارضة ، فلو كانت متكافئة أيضا كيف تجترئ على مخالفة الكتب السماوية ، والاخبار المتواترة النبوية ، والآثار المتظافرة المأثورة عن الائمة الهادية ، والعتبرة الطاهرة ، الذين هم معادن الحكمة والوحي

____________________

(١) المعلم ( خ ).

٣٠٥

والالهام ، وبعثهم الله لتكميل الانعام. لشبه واهية اعترف مبدؤها بضعفها ، حيث قال الشيخ وأرسطو : إنها مسألة جدلية الطرفين فيا إخوان الدين ، وخلان اليقين إن لم يغلب على قلوبكم الرين ، فافتحوا العين ، وارفعوا العناد من البين ، وانظروا بأبصار مكحولة بالانصاف مشفية من رمد التعصب والاعتساف ، فتكونوا في اصول الدين من أصحاب اليقين ، وتدخلوا في حزب الانبياء والاوصياء و الصديقين ، ولا تعتمدوا على اصولكم ، ولا تتكلموا على عقولكم ، لا سيما في المقاصد الدينية ، و المطالب الالهية ، فإن بديهة العقل كثيرا ما تشتبه ببديهة الوهم ، والمألوفات الطلبيعة بالامور اليقينية ، والمنطق لا يفي بتصحيح مواد الاقيسة ، وزن أفكارك بميزان الشرع المبين ، ومقياس الدين المتين ، وما تحقق صدوره عن الائمة الراسخين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، لئلا تكون من الهالكين.

(تكملة)

اعلم أن العلماء اختلفوا في أول المخلوقات ، واختلف الاخبار أيضا في ذلك فالحكماء يقولون : أول المخلوقات العقل الاول ، ثم العقل الاول خلق العقل الثاني والفلك الاول ، وهكذا إلى أن انتهى إلى العقل العاشر فهو خلق الفلك التاسع وهيولى العناصر ، وجماعة منهم يقول بأن تلك العقول سائط لايجاده تعالى ولا موثر في الوجود إلا الله ، وكل ذلك مخالف لما ظهر وتبين من الآيات و الاخبار ، وأجمع عليه المليون (١).

____________________

(١) العقول العشرة فرضية فرضها المشاؤون لتصحيح صدور الكثير من الواحد وهى مبتنية على وجود الافلاك التسعة وكونها ذوات نفوس مريدة ولا برهان على شئ منها ، لكن لا مجال لانكار العالم العقلى في الجملة ، وقد اشبع الكلام في اثباته في الكتب الحكمية لا سيما في الحكمة المتعالية ، فلنشر ههنا إلى ما يستفاد من الاخبار الشريفة فنقول :

الروايات التى وردت في تعيين اول ما خلق الله تعالى على صنفين : منها ما هو صريح في تعيين جسم ما كالماء مثلا ، ومنها ما يتشابه المراد منه في بدء الامر هل هو جسم أو غير جسم؟

٣٠٦

وأما غير هم فقيل : أولها الماء ، كما يدل عليه أكثر الاخبار المتقدمة ، و نقلنا ذلك سابقا عن « ثاليس المطي » ورأيت في كتاب « علل الاشياء » المنسوب إلى « بليناس الحكيم » أنه قال : إن الخالق تبارك وتعالى كان قبل الخلق ، و أراد أن يخلق الخلق ، فقال : ليكن كذا وكذا فكانت هذه الكلمة علة الخلق ، و سائر المخلوقات معلول ، وكلام الله عزوجل أعلى وأعظم وأجل من أن يكون شيئا تدركه الحواس ، لانه ليس بطبيعة ، ولا جوهر ، ولا حار ، ولا بارد ، ولا رطب ، ولا يابس. ثم قال بعده : إن أول ما حدث بعد كلام الله تعالى الفعل ، فدل بالفعل على الحركة ، ودل بالحركة على الحرارة ، ثم لما نقصت الحرارة جاء السكون عند فنائها ، فدل بالسكون على البرد ، ثم ذكر بعد ذلك أن طبائع العناصر الاربعة إنما كانت من هاتين القوتين أعني الحر والبرد ، قال : وذلك أن الحرارة حدث منها اللين ، ومن البرودة اليبس ، فكانت أربع قوى مفردات فامتزج بعضها ببعض فحدث من امتزاجها الطبائع ، وكانت هذه الكيفيات قائمة

____________________

مثل ما ورد في كونه نور النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله او العقل او القلم لكن فيها ما يفسر سائر الروايات ويوضحها كما ورد في ان نور النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله خلق قبل خلق المكان ، وقد اسلفنا ان تنزهه عن لوازم المادة من الزمان والمكان دليل تجرده عنها ، والتجرد لاينفك عن العقل كما ثبت في محله. وفي الروايات اشارات إلى تجرد العقل والقلم أيضا ولعنا نوفق للتنبيه عليها ان شاء الله تعالى فالجمع بين ما يدل على كون اول ما خلق الله نور النبى (ص) أو العقل أو قلم وبين ما يدل على كونه الماء مثلا بحمل الاول على اول المجردات والثانى على اول الماديات وأما الجمع بين ما يدل على كونه نور النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين ما يدل على كونه العقل أو القلم فان قيل بوحدة الجميع او كونها مراتب حقيقة واحدة فواضح وإلا فحمل الاولية على الضافية دون الحقيقية.

وقد مرتصريح ثلة من اساطين العلم والحكمة على كون خلق المحلوق الاول قبل خلق الزمان بل على جواز وجود موجودات كثيرة قبل وجود الزمان ، وقد اشرنا عند ذكر كلامهم إلى ان ذلك لا ينفك عن تجرد الصادر الاول او كل ما وجد بلا زمان فتذكر.

٣٠٧

بأنفسها غير مركبة ، فمن امتزاج الحرارة واليبس حصلت النار ، ومن الرطوبة و البرد حدث الماء ، ومن الحرارة والرطوبة حدث الهواء ، ومن امتزاج البرد و اليبس حصلت الارض ، ثم قال : إن الحرارة لما حركت طبيعة الماء والارض تحرك الماء للطفه عن ثقل الارض ، وانقلب ما أصابه من الحر فصار بخارا لطيفا هوائيا رقيقا روحانيا ، وهو أول دخان طلع من أسفل الماء وامتزج بالهواء فسما إلى العلو لخفته ولطافته ، وبلغ الغاية في صعوده على قدرقوته ونفرته من الحرارة ، ثم وقف فكان منه الفلك الاعلى ، وهو فلك زخل ، ثم حركت النار الماء أيضا فطلع منه دخان هو أقل لطفا مما صعد أو لا وأضعف ، فلما صار بخارا سما إلى العلو بجوهره ولطافته ولم يبلغ فلك زحل لقلة لطافته عما قبله فكان منه الفلك الثاني ، وهو فلك المشتري ، وهكذا بين طلوع الدخان مرة مرة وتكون الافلاك الخمسة الباقية عنه. ثم قال : والافلاك السبعة بعضها في جوف بعض ، وبين كل فلكين منها هواء واسع مملو أجزاء لا تتحرك.

ونقل صاحب الملل والنحل عن « فلو طرخيس » أيضا من الحكماء القدماء أنه قال : أصل المركبات هو الماء ، فإذا تخلخل صافيا وجدت النار ، وإذا تخلخل وفيه بعض الثقل صار هواء ، وإذا تكاثف تكاثقا مبسوطا بالغا صار أرضا. وقد مر نقلا من التورية أن مبدء الخلق جوهر خلقه الله ثم نظر إليه نظر الهيبة فذابت أجزاؤه فصارت ماء إلى آخر ما مر ، وقريب منه مارواه العامة عن كعب أنه قال : إن الله خلق ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ، ثم وضع العرش على الماء ، كما قال تعالى « وكان عرشه على الماء ».

وقيل : أول المخلوقات الهواء ، كما دل عليه ما ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره ، والظاهر أنه اخذ من خبر ، لكن لا تعارض به الاخبار الكثيرة المسندة ومع صحته يمكن الجمع بحمل أولية الماء على التقدم الاضافي بالنسبة إلى الاجسام المشاهدة المحسوسة التي يدركها جميع الخلق ، فإن الهواء ليس منها ، و

٣٠٨

لذا أنكر وجوده جماعة.

وقيل : أول المخلوقات النار. كما مر ، وقد مر [ في ] بعض الاخبار أن أول ما خلق الله النور ، وفي بعضها نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي بعضها نوره مع أنوار الائمة عليهم‌السلام وفي بعض الاخبار العامية عن الني صلى‌الله‌عليه‌وآله أول ما خلق الله روحي فيمكن أن يكون المراد بالجميع واحدا ، ويكون خلق الارواح قبل خلق الماء وسائر الاجسام ، وتكون أولية الماء بالنسبة إلى العناصر والافلاك ، فإن بعض الاخبار يدل على تقدم خلق الملائكة على خلق العناصر والافلاك كما مر ، و دلت الاخبار الكثيرة على تقدم خلق أرواحهم وأنوارهم عليهم‌السلام على كل شئ.

وروى الكليني وغيره بأسانيدهم الكثيرة عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : إن الله خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره « الخبر » (١) وهذا لا يدل على تقدم العقل على جميع الموجودات ، بل على خلق الروحانيين ، ويمكن أن يكون خلقها متأخرا عن خلق الماء والهواء ، وأما خبر « أول ما خلق الله العقل » فلم أجده في طرقنا ، وإنما هو في طرق العامة ، وعلى تقديره يمكن أن يراد به نفس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لانه أحد إطلاقات العقل ، على أنه يمكن حمل العقل على التقدير في بعض تلك الاخبار ، كما هو أحد معانيه ، وكذا حديث « أول ما خلق الله القلم » يمكن حمله على الاولية الاضافية بالنسبة إلى جنسه من الملائكة ، أو بعض المخلوقات كما يدل عليه خبر عبدالرحيم القصير الآتي في بابه.

(فائدة جليلة)

اعلم أنه أورد إشكال في آيات سورة السجدة ، حيث ظاهرها كون خلق السماوات والارض وما بينهما في ثمانية أيام ، مع أن سائر الآيات تدل على خلقها في ستة أيام والثاني ظاهر ، والاول لانه قال سبحانه أولا « خلق الارض

____________________

(١) الكافى : ج ١ ، ص٢١.

٣٠٩

في يومين » وقال بعده « وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام » وقال بعد ذلك « فقضيهن سبع سماوات في يومين » (١) فيصير المجموع ثمانية ، ويمكن التفصي عن ذلك بوجوه :

الاول : ما مر ، وهو المشهوربين المفسرين ، أن المراد بقوله « أربعة أيام » في تتمة أربعة أيام ، بأن يكون خلق الارض في يومين منها ، وتقدير الاقوات فيها أو هو مع جعل الرواسي من فوقها والبركة فيها في يومين آخرين ، ويؤيده كثير من الاخبار المتقدمة.

الثانى : ما ذكره بعض الافاضل ممن كان في عصرنا ره في شرحه على الكافي : أن أربعة أيام مخصوصة بخلق ما على الارض ، أولها بخلق الرواسي ، و الثاني بخلق البركة ، والثالث والرابع بخلق الاقوات التي هي عبارة عن خلق الماء والمرعى المذكورين في سورة النازعات بقوله تعالى « أخرج منها ماءها ومرعيها (٢) » وأن اليومين اللذين خلق فيهما الارض متحدان مع ما خلق فيهما السماوات ، إلا أن الخلق في اليوم الاول متعلق بأصل السماوات والارض ، وفي اليوم الثاني بتمييز بعض أجزائهما عن بعض ، فيصدق أن السماوات مخلوقة في يومين ، والارض في يومين ولا تزيد أيام خلق المجموع على الستة.

الثالث : ما ذكرناه في تأويل خبر الكافي بأن يكون يوما خلق السماوات داخلين في الاربعة فتذكر.

الرابع : ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين وهو أن يكون الايام الاربعة بل اليومان الاخيران أيضا في سورة السجدة غير الايام الستة التي في سائر السور ، ويؤيده تغيير الاسلوب بايراد لفظ الخلق في سائر الآيات ، ولفظ الجعل والبركة والتقدير والقضاء سبعا في السجدة ، ويؤيده لفظ « ما بينهما » في آيات سور الفرقان والتنزيل وق ، فإنه سواء كان خلق الارض وبعض ما عليها في أربعة

____________________

(١) فصلت : ١٢.

(٢) النازعات : ٣١.

٣١٠

أيام وخلق السماوات في يومين أو خلق ما على الارض في أربعة أيام وخلق السماوات والارض في يومين كما في التأويلين السابقين لا يبقى لخلق ما بين السماوات والارض كالهواء وما فيها من كائنات الجو وقت ، فينبغي أن يحمل على أن خلق السماوات في يومين ، وخلق الارض في يومين غيرهما ، وخلق ما بينهما في يومين غير الاربعة فيبلغ ستة كما هو ظاهر الآيات ، فتتم في هذه الستة ما ذكره تعالى في سورة النازعات بقوله « ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسويها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها (١) » فيكون كل ما ذكره فيها متصلا به بقوله « والارض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها (٢) » في يوم آخر أو أيام اخر غير الستة المذكورة ، ويؤيده ما روي أن دحو الارض كان بعد خلقها بألفي سنة ، فعلى ذلك لا يبعد أن يكون خلق ما سوى المذكورات كتقدير الاقوات و سار المخلوقات التي لا تعد ولا تحصى في أيام اخر ، كيف وما في السماوات كالملائكة وما في تحت الارض كالصخرة والديك والحوت وغيرها المذكورات في حديث زينب العطارة غير السماوات والارض وما بينهما كما يرشد إليه التسبيح المأثور المشهور « سبحان الله رب السماوات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن » فيكون خلقها في غير الستة المذكورة ، فلا حاجة إلى تكلف لادخال زمان تقدير الاقوات وجعل الرواسي مثلا في زمان خلق السماوات والارض وما بينهما ، حتى لا يزيد زمان خلق المجموع على ستة أيام ، وأما الروايات التي ايدبها التأويل فحملها على أن يكون المراد بها التعيين النوعي في أيام خلق كل من المذكورات فيها فلا ينافي أن يكون خلق الاشجار مثلا في أربعاء والمياه في أربعاء اخرى ، وكذا خلق الشمس والقمر مثلا في جمعة وكل من النجوم والملائكة وآدم عليه‌السلام في جمعات اخر ، فلا يلزم الاتحاد الشخصي ، ولا التوالي في تلك الايام ، كيف ولو لم تحمل على ذلك لما أمكن الجمع بينها وبين

____________________

(١) النازعات : ٢٩.

(٢) النازعات : ٣٢.

٣١١

مامرمن الرضا عليه‌السلام من أن خلقالعرش والماءوالملائكة قبل خلقالسماوات والارض ، وكذابينهاوبين مالاريب فيه لاحد من أن خلق الملائكة والجان قبل خلق آدم عليه‌السلام بدهور طويلة ، وأما المنظومة المشهورة المنسوبة إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام من قوله :

لنعم اليوم يوم السبت حقا

لصيدإن أردت بلا امتراء

وفي الاحد البناء لان فيه

تبدى الله في خلق السماء

حيث صرح فيها بأن خلقالسماء في يوم الاحد ، فيمكن أن يجمع بينهاو بين الروايات الدالة على أن خلقها في يوم الخميس بكون أصل خلقها في أحد ذينك اليومين ، وتمييز بعضها عن بعض في اليوم الآخر ، ومما يلائم هذا الجمع وقوع السماء بلفظ المفرد في المنظومة وبلفظ الجمع في الروايات ، وإدراج لفظ الابتداء في المنظومة دون الروايات ، فيسهل بما ذكرنا طريق الجمع بين الروايات المتعارضه الظواهرفي هذا الباب.

ولنختم الكلام بذكر أقوال بعض من يعول على قوله من قدماء المورخين ليعلم اتفاق جميع فرق المسلمين على الحدوث ، قال المسعودي ره وكان من علماء الامامية في كتاب « مروج الذهب » : اتفق أهل الملة جميعا من أهل الاسلام على أن الله خلق الاشياء على غير مثال ، وابتدعها من غير أصل ، ثم روى عن ابن عباس وغيره أن أول ما خلق الله عزوجل الماء فكان عرشه عليه ، فلما أراد أن يخلق السماء أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسمي « السماء » ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الاحد والاثنين ، و خلق الارض على حوت ، والحوت هو الذي ذكره الله في كتابه « ن والقلم وما يسطرون » والحوت والماء على الصفا ، والصفا على ظهر ملك ، والملك على صخرة والصخرة على الريح ، وهي الصخرة التي في القرآن « فتكن في صخرة » فاضطرب الحوت ، فتزلزلت الارض ، فأرسى الله عليها الجبال فقرت ، كما قال تعالى « أن تميدبكم » وخلق الجبال فيها ، وخلق أقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في

٣١٢

يومين في يوم الثلثاء ويوم الاربعاء ، كما قال تعالى « أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين إلى قوله ثم استوى إلى السماء وهي دخان » فكان ذلك الدخان من نفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ، ثم فتقها وجعلها سبعا في يومين في يوم الخميس ويوم الجمعة ، وإنما سمي بالجمعة لانه جمع فيه خلق السماوات و الارض ، ثم قال تعالى « وأوحى في كل سماء أمرها » أي وجعل في كل سماء خلقها من الملائكة والبحار (١) وجبال البرد ، ثم قال : وما ذكرنا من الاخبار عن بدء الخليقة هو ما جاءت به الشريعة ، ونقله الخلف عن السلف ، والباقي عن الماضي ، عبرنا عنهم على ما نقل إلينا من ألفاظهم ، ووجدنا في كتبهم من شهادة الدلائل بحدوث العالم وإيضاحها بكونه ، ولم نعرض لوصف قول من وافق ذلك و انقاد إليه من الملل القائلين بالحدوث ، ولا الرد على من سواهم ممن خالف ذلك و قال بالقدم ، لذكرنا ذلك فيما سلف من كتبنا وتقدم من تصانيفنا « انتهى » (٢).

وقد ذكر أبوريحان البيروني في تاريخه مدة عمر الدنيا وابتداء وجودها عن جماعة من المنجمين والحكماء ، وقطع لها بالابتداء ، واستدل عليه فلا نطيل الكلام بإيرادها.

وقال ابن الاثير في « الكامل » : صح في الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما رواه عنه عبادة بن الصامت أنه سمعه يقول : إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن. وروى نحو ذلك عن ابن عباس. وقال محمد ابن إسحاق أول ما خلق الله تعالى النور والظلمة ، فجعل الظلمة ليلا أسود ، و جعل النهار نورا (٣) مضيئا ، والاول أصح. وعن ابن عباس أنه قال : إن الله تعالى كان عرشه! قبل أن يخلق شيئا ، فكان أول ما خلق القلم ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة. قال : ثم خلق بعد القلم الغمام ، وقيل : ثم اللوح ثم الغمام.

____________________

(١) في المخطوطة : والبخار.

(٢) مروج الذهب : ج ١ص١٥١٧.

(٣) في بعض النسخ : وجعل النور نهارا.

٣١٣

ثم اختلف فيما خلق بعد الغمام ، فروى الضحاك عن ابن عباس : أول ما خلق الله العرش فاستوى عليه ، وقال آخرون : خلق الله الماء قبل العرش ، ثم خلق العرش فوضعه على الماء ، وهو قول أبي صالح عن ابن عباس وقول ابن مسعود ووهب بن منبه (١) وقيل : إن الذي خلق بعد القلم الكرسي ، ثم العرش ، ثم الهواء ، ثم الظلمات ، ثم الماء ، فوضع عرشه عليه. وقال : وقول من قال : إن الماء خلق قبل العرش أولى بالصواب ، لحديث ابن أبي (٢) رزين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد قيل : إن الماء كان على متن الريح حين خلق العرش ، قاله ابن جبير عن ابن عباس ، فإن كان كذلك فقد خلقا قبل العرش ، وقال ضمرة : إن الله خلق القلم قبل أن يخلق شيئا بألف عام ، واختلفوا أيضا في اليوم الذي ابتدء الله فيه خلق السماوات والارض فقال عبدالله بن سلام وكعب والضحاك ومجاهد : ابتداء الخلق يوم الاحد ، وقال محمد بن إسحق : ابتدأ الخلق يوم السبت ، وكذلك قال أبوهريرة ، واختلفوا أيضا فيما خلق في كل يوم : فقال ابن سلام : إن الله تعالى بدأ الخلق يوم الاحد ، فخلق الارضين يوم الاحد والاثنين ، وخلق الاقوات والرواسي في الثلثاء والاربعاء ، و خلق السماوات في الخميس والجمعة ، وفرغ في آخر ساعة من الجمعة ، فخلق

____________________

(١) وهب بن منبه بتقديم النون على الباء الموحدة والهاء الاخيرة ذكر في تراجم العامة مقرونا بالثناء والتوثيق ، قال الحافظ صفى الدين الخزرجى في خلاصة تذهيب الكمال « ص : ٣٥٩ » ، وهب بن منبه بن كامل الانباوى الصنعانى ابوعبدالله الاخبارى عن ابن عباس وجابر وابى سعيد إلى ان قال وثقه النسائي ، قال مسلم بن خالد : لبث وهب اربعين سنة لم يرقد على فراشه ، قتله يوسف بن عمر سنة عشر ومائة « انتهى » وعن مختصر الذهبى : وهب ابن منبه الصنعانى اخو همام ، عن ابن عباس وابن عمر ، اخبارى : علامة ، قاض ، صدوق ، صاحب كتاب ، مات سنة اربعة عشر ومائة « انتهى » لكن الامر في رجال الخاصة بالعكس ، نقل عن الشيخ والنجاشى ان القميين استثنوه من رجال « نوادر الحكمة » وقال في تنقيح المقال « ج ٣ ص ٢٨١ » من راجع كتابه في قصص الانبياء عرف أنه كتاب لا ينطبق على اصول الشيعة وعقائدها في الانبياء ، ويتبين سر استثنائه من رجال « نوادر الحكمة » « انتهى ».

(٢) في بعض النسخ : أبى رزين.

٣١٤

فيها آدم عليه‌السلام فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة ، ومثله قال ابن مسعود ، وابن عباس من رواية أبي صالح عنه ، إلا أنهما لم يذكرا خلق آدم ولا الساعة ، وقال ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة عنه : إن الله خلق الارض بأقواتها من غير أن يدحوها ، ثم استوى إلى السماء فسويهن سبع سماوات ، ثم دحا الارض بعد ذلك ، فذلك قوله « والارض بعد ذلك دحاها » وهذا القول عندي هو الصواب.

وقال ابن عباس أيضا من رواية عكرمة عنه : إن الله وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الارض من تحت البيت. ومثله قال ابن عمر ، ورواه السدي عن أبي صالح وعن أبي مالك عن ابن عباس وأبي مرة عن ابن مسعود في قوله تعالى « هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء » إن الله عزوجل كان عرشه على الماء ، ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء ، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه « سماء » ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومين يوم الاحد ويوم الاثنين ، فخلق الارض على حوت ، والحوت النون الذي ذكره الله في القرآن « ن والقلم » والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، والصخرة في الريح ، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الارض ، فتحرك الحوت واضطربت وتزلزلت الارض ، فأرسى عليها الجبال فقرت ، والجبال تفخر على الارض فذلك قوله تعالى « وجعل فيها رواسي ». وقال ابن عباس والضحاك ومجاهد وكعب وغيرهم : كل يوم من هذه الايام الستة التي خلق الله فيها السماء والارض كألف سنة « انتهى ».

وكلام سائر المؤرخين جار هذا المجرى ، ولا جدوى في إيرادها.

٣١٥

(باب العوالم)

* (ومن كان في الارض قبل خلق آدم عليه‌السلام ومن يكون) *

* (فيها بعد انقضاء القيامة وأحوال جابلقا وجابرسا) *

الآيات :

الفاتحة : رب العالمين.

الاعراف : ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون (١).

وقال تعالى : وممن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون (٢).

تفسير : جمع « العالمين » يومئ إلى تعدد العوالم كما سيأتي ، وإن اول بأن الجمعية باعتبار ما تحته من الاجناس المختلفة. « ومن قوم موسى امة » قال الطبرسي ره : أي جماعة يهدون بالحق أي يدعون إلى الحق ويرشدون إليه « وبه يعدلون » أي وبالحق يحكمون ويعدلون في حكمهم. واختلف في هذه الامة من هم؟ على أقوال :

أحدها أنهم قوم من وراء الصين بينهم وبين الصين وادجار من الرمل لم يغيروا ولم يبدلوا عن ابن عباس ، والسدي ، والربيع ، والضحاك ، وعطاء وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام قالوا : وليس لاحد منهم مال دون صاحبه ، يمطرون بالليل ، ويضحون بالنهار ويزرعون ، لا يصل إليهم منا أحد ، ولا منهم إلينا ، و هم على الحق.

قال ابن جريج : بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا ، واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقا من الارض ، فساروا فيه سنة ونصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين ، فهم هناك حنفاء مسلمين ، يستقبلون قبلتنا. وقيل : إن جبرئيل

____________________

(١) الاعراف : ١٥٨.

(٢) الاعراف : ١٨٠.

٣١٦

انطلق بالنبي ليلة المعراج إليهم ، فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة فآمنوا به وصدقوه ، وأمرهم أن يقيموا مكانهم ويتركوا السبت ، وأمرهم بالصلوة والزكوة ولم يكن نزلت فريضة غيرهما ففعلوا. قال ابن عباس : وذلك قوله « و قلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الارض فإذا جاء وعد الآخرة جئنابكم لفيفا (١) » يعني عيسى بن مريم يخرجون معه. وروى أصحابنا أنهم يخرجون من قائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وروي أن ذا القرنين رآهم فقال : لو أمرت بالمقام لسرني أن اقيم بين أظهركم.

وثانيها : أنهم قوم من بني إسرائيل تمسكوا بالحق وبشريعة موسى عليه‌السلام في وقت ضلالة القوم ، وقتلهم أنبياءهم ، وكان ذلك قبل نسخ شريعتهم بشريعة عليس عليه‌السلام فيكون تقدير الآية : ومن قوم موسى امة كانوا يهدون بالحق ، عن الجبائي.

وثالثها : أنهم الذين آمنوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل « عبدالله بن سلام » و « بن صوريا » وغيرهما ، وفي حديث أبي حمزة الثمالي والحكم بن ظهير أن موسى لما أخذ الالواح قال : رب إني أجد (٢) في الالواح امة هي خير امة اخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فاجعلهم امتي. قال : تلك امة أحمد. قال : رب إني أجد في الالواح امة هم الآخرون في الخلق السابقون في دخول الجنة فاجعلهم امتي. قال : تلك امة أحمد (٣) قال : رب إني أجد في الالواح أنه كتبهم في صدورهم يقرؤونها فاجعلهم امتي ، قال ، تلك امة أحمد. قال : رب إني أجد في الالواح امة إذاهم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشر أمثالها ، وإن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، فاجعلهم امتي. قال : تلك امة أحمد. قال : [ رب ] إني أجد في

____________________

(١) الاسراء : ١٠٤.

(٢) في المصدر : لاجد.

(٣) هذه القطعة من المكالمة لم توجد في المصدر.

٣١٧

الالواح امة يؤمنون بالكتاب الاول والكتاب الآخر ، ويقاتلون الاعور الكذاب فاجعلهم امتي. قال : تلك امة أحمد قال : رب إني أجد في الالواح امة هم الشافعون وهم المشفوع لهم ، فاجعلهم أمتي ، قال : تلك امة أحمد. قال موسى عليه‌السلام رب اجعلني من امة أحمد.

قال أبوحمزة : فأعطى موسى آيتين لم يعطوها يعني امة احمد قال الله : يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي (١) قال : ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون. قال : فرضي موسى كل الرضا.

وفي حديث غير أبي حمزة : قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قرأ « وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون (٢) » قال : هذه لكم وقد اعطي (٣) قوم موسى مثلها « انتهى » (٤).

وأما الآية الثانية فالمشهور أنها لهذه الامة ، ودلت الاخبار الكثيرة على أن المراد بهم الائمة وشيعتهم كما مر في كتاب الامامة. وقال الطبرسي ره : قال الربيع بن أنس : قرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية فقال : إن من امتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم. وروى العياشي بإسناده عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام أنه قال : والذي نفسي بيده لتفترقن هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة « وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون » فهذه التي تنجو ، وروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام أنهما قالا : نحن هم (٥) « انتهى ».

وأقول : قال الرازي في تفسيره : روي أن بني آدم عشر الجن ، والجن وبنو آدم عشر حيوانات البر ، وهؤلاء كلهم عشر الطيور ، وهؤلاء كلهم عشر

____________________

(١) الاعراف : ١٤٤.

(٢) الاعراف : ١٨١.

(٣) في المصدر : وقد أعطى الله.

(٤) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٨٩.

(٥) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص : ٥٠٣.

٣١٨

حيوانات البحر ، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة الارض الموكلين بها ، وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الدنيا ، وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية ، وعلى هذا الترتيب إلى السماء السابعة ، ثم الكل في مقابلة ملائكة الكرسي نزر قليل ، ثم كل هؤلاء عشر ملائكة سرادق واحد (١) من سرادقات العرش التي عددها ستمأة ألف ، طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السماوات والارضون وما فيهما وما بينهما (٢) فإنها كلها تكون شيئا يسيرا ، وقدرا صغيرا ، وما من مقدار موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم لهم زجل بالتسبيح والتقديس ، ثم كل هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة في البحر ولا يعرف (٣) عددهم إلا الله ، ثم مع هؤلاء ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل عليه‌السلام والملائكة الذين هم جنود جبرئيل عليه‌السلام وهم كلهم سامعون مطيعون لا يفترون مشتغلون بعبادته سبحانه ، رطاب الالسنة بذكره وتعظيمه ، يتسابقون في ذلك منذ (٤) خلقهم ، لا يستكبرون عن عبادته آناء الليل والنهار [ و ] لا يسأمون ، لا تحصى أجناسهم ، ولا مدة أعمارهم ، ولا كيفية عباداتهم (٥) وهذا تحقيق حقيقة ملكوته جل جلاله على ما قال « وما يعلم جنود ربك إلا هو (٦) ».

١ ـ الخصال : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن عبدالله بن هلال ، عن العلا ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لقد خلق الله عزوجل في الارض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم ، خلقهم من أديم الارض فأسكنهم فيها

____________________

(١) في بعض النسخ : السرادق الواحد.

(٢) في المصدر : وما فيها وما بينها.

(٣) في المصدر : ولا يعلم.

(٤) في المصدر : مذ

(٥) في المصدر ولا يحصى اجناسهم ولا مدة اعمارهم ولا كيفية عبادتهم إلا الله تعالى.

(٦) المدثر : ٣١ ، مفاتيح الغيب ، ج ١ ، ص ٣٧٨.

٣١٩

واحدا بعد واحد مع عالمه ، ثم خلق الله عزوجل آدم أبا البشر (١) وخلق ذريته منه ، ولا والله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها ، ولا خلت النار من أرواح الكفار والعصاة منذ خلقها عزوجل ، لعلكم ترون أنه إذا كان يوم القيامة وصير الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة ، وصير أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار أن الله تبارك وتعالى لا يعبد في بلاده ، ولا يخلق خلقا يعبدونه و يوحدونه؟! بلى والله ، ليخلقن الله خلقا من غير فحولة ولا إناث ، يعبدونه و يوحدونه ويعظمونه ، ويخلق لهم أرضا تحملهم وسماء تظلهم ، أليس الله عزوجل يقول : « يوم تبدل الارض غير الارضل والسماوات » وقال الله عزوجل « أفعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد (٢) ».

العياشى : عن محمد مثله.

٢ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن الحسن بن عبدالصمد ، عن الحسن بن (٣) أبي عثمان ، قال : حدثنا العبادي بن عبدالخالق ، عمن حدثه عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن لله عزوجل اثني عشر ألف عالم ، كل عالم منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين ، ما يرى عالم منهم أن لله عزوجل عالما غيرهم ، و إني الحجة عليهم (٤).

____________________

(١) في المصدر : أبا هذا البشر.

(٢) الخصال : ١١.

(٣) في المصدر : « الحسن بن على بن ابى عثمان » وكلاهما واحد ، قال النجاشى « ٤٨ » الحسن بن أبى عثمان الملقب « سجادة » أبومحمد كوفى ضعفه اصحابنا « انتهى » وقال الكشى : على السجادة لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس اجمعين فلقد كان من العليانية الذين يقعون في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس لهم في الاسلام نصيب « انتهى » و « سجاده » بكسر السبن وسمع ضمها كما في الاساس بعدها جيم : مقدار ما يضع الرجل وجهه في سجوده كما في النهاية ولعل تلقيبه بها لالتزامه بها ، عده الشيخ تارة من اصحاب الجود واخرى من أصحاب الهادى عليهما‌السلام.

(٤) الخصال : ١٧٢.

٣٢٠