بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وهي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما بإزاء عمرها ، وأنها كما مر مساوية لثلاثمائة وأربعة وخمسين ألف سنة من السنين القمرية الدنيوية ، يلوح ذلك من جملة روايات وعدة إشارات من الصادقين عليهم‌السلام :

منها : ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فضل الجهاد وتوابعه أن رباط يوم في سبيل الله خير من عبادة الرجل في أهله سنة ، ثلاثمائة وستين يوما كل يوم ألف سنة. فأن الذكي يتفطن من الخصوصية المذكورة فيها لكل من السنة واليوم بأن المراد بهما غير السنة واليوم الدنيويين ، إذ لا سنة في الدنيا بهذا العدد من الايام فإنه لا يوافق شيئا من الشمسية والقمرية المعتبرتين فيها ، ولا يوم من أيام الدنيا موافقا لذلك الامتداد من الزمان ، فيظن أن هذا التعبير كناية عن نهاية ما يتصور للرجل من العبادة ، وهو تمام زمان الدنيا.

ومنها : ما رواه الصدوق في الفقيه والكليني في الكافي ثم أورد الروايتين فقال : وجه دلالة الحديثين على ما ذكرنا أن السنة الاولى فيه وهي المختزلة عنها الايام الستة يجب أن تحمل على السنة الربانية ، لان شيئا من السنة الشمسية والقمرية الدنيويتين لم يخلق ثلاثمأة وستين يوما كما تقرر في موضعه ، ولانه لو حملت على الدنيوية فإما أن تحمل الايام الستة أيضا على الايام الدنيوية فغاية ما يلزم من اختزالها عنها أن تكون السنة الاولى من سني عمر الدنيا ثلاثمأة و أربعة وخمسين يوما ، فلا يلزم هذا النقصان في جميع السنين وإما أن تحمل على الايام الربانية فلا يتصور الاختزال المذكور حينئذ فإذا يوما من تلك الايام كألف سنة من تلك السنين ، فتحقق أن المراد بتلك السنة السنة الربانية على وفق ما بينا أن المراد بالايام الستة الايام الربانية وأما السنة الثانية في الحديثين فيجب أن تحمل على السنة الدنيوية المستتبعة لنقصان بعض شهورها وهو ظاهر. فعلى هذا ما يفهم منه من تفرع النقصان في تلك السنة وشهورها على الاختزال المذكور يدل على أنه لو لم يختزل الايام الستة المذكورة عن رأس السنة الربانية المذكورة بل وقع خلق الدنيا في زمان خارج عن تلك السنة متصل بها ، لكانت أيام السنة الدنيوية

٢٢١

ثلاثمأة وستين وكذا يدل على أن الايام المختزلة لو كانت عشرة مثلا لكانت أيام السنة الدنيوية ثلاثمأة وخمسين ، وعلى هذا القياس فيظهر بذلك أنه مبني على أن الحكمة الالهية اقتضت مساواة الايام الباقية بعد الاختزال من السنة الربانية مع أيام كل سنة من السنين الدنيوية ، فيتفطن الذكي من لزوم تلك المساوات بين هاتين الايامين أنهما منسوبتان إلى شئ واحد ، فكما أن أيام السنة الدنيوية منسوبة إلى الدنيا ومحسوبة من عمرها كذلك الايام الباقية المذكورة منسوبة إليها لاجل عمرها ، ويؤيده انتساب الايام السنة المختزلة أيضا إليها لاجل خلقها ، فتبين من مدارج ما قررنا سر هذا الاختزال وكونه على النحو المذكور أيضا ، فإنه لو لم يقع أو وقع لا على النحو المذكور لكان يزيد ألف سنة من سني الدنيا على يوم من الايام الربانية أو ينقص عنها وهو خلاف ما أخبرنا الله تعالى به من مساواتهما المبنية على حكمته ومصلحته بلا شبهة.

ثم ليعلم أن كون السنة الدنيوية القمرية ثلاثمأة وأربعة وخمسين يوما مبني على ما تعارف من إسقاط الكسر الناقص عن النصف في الحساب مساهلة فلا ينافي كونها في الحقيقة زائدة عليه بثماني ساعات مستوية وثمان وأربعين دقيقة على ما هو المضبوط بالارصاد ، فعلى ذلك تكون بقية السنة الربانية التي بإزاء عمر الدنيا أيضا زائدة بمثل تلك الساعات والدقائق بحكم المساواة المذكورة ، فيلزم من هذه الجهة أن يكون أيام (١) الستة المختزلة لخلق الدنيا ناقصة عنها أيضا بالقدر المذكور ، لئلا يلزم زيادة مجموعهما على ثلاثمأة وستين ، وقد أشرنا في تصوير زمان حمل الدنيا إلى هذه الدقيقة فتذكر.

انتهى كلامه رفع الله مقامه ولقد أحسن وأجاد ، وحقق وأفاد ، في إبداء هذا الوجه الوجيه مع تايده بما ذكره وبغيره من الاخبار المتقدمة عن مجاهد وغيره ، وبما رواه الصدوق ره في الفقيه وغيره في علة الصلوات الخمس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : وأما صلوة المغرب فهي الساعة التي تاب الله عزوجل فيها

____________________

(١) الايام ( ظ ).

٢٢٢

على آدم ، وكان بين ما أكل من الشجرة وبين مات تاب الله عزوجل عليه ثلاثمأ سنة من أيام الدنيا في أيام الآخرة يوم كألف سنة ما بين العصر إلى العشاء ، وقد أوردت مثله بأسانيد في المجلد الخامس. وبما رواه السيوطي في الدرر المنثور عن عكرمة قال : سأل رجل ابن عباس ما هؤلاء الآيات « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (١) » و « يدبر الامر من السماء إلى الارض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة (٢) » و « يستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون (٣) »؟ قال : يوم القيامة حساب خمسين ألف سنة ، و خلق السماوات والارض في ستة أيام كل يوم ألف سنة ، ويدبر الامر من السماء إلى الارض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ، وذلك (٤) مقدار السير. وعن عكرمة « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » قال : هي الدنيا أولها إلى آخرها يوم مقداره خمسون ألف سنة. لكن فيما زيف بن بعض الوجوه الاخر نظر ، إذبناء تحقيقه على تحقق الزمان الموهوم قبل خلق العالم وإن كان تقديره وقسمته بالايام والساعات ، فيمكن أن يقال : بعد خلق الكواكب وحركاتها وتعيين الليالي والايام والشهور والاسابيع يمكن الرجوع القهقهرى ، وتعيين جميع ذلك في الازمنة الماضية تقديرا ، وتكلف التقدير مشترك بين الوجهين ، مع أن هذا الوجه أوفق بظواهر أكثر الآيات والاخبار ، وأما أن الستة الايام لا يكون مبالغة في جانب القلة إذا حملت على أيام الدنيا فليس كذلك ، بل في خلق السماوات والارض مع وفور عظمتها واشتمالهما على أنواع الحكم الدقيقة والصمالح الانيقة مما يدل على غاية القدرة والعلم والحكمة ، وأما أنه كان يمكن خلقهما في أقل من ذلك الزمان فبين الرضا عليه‌السلام الحكمة في ذلك ، فلعله سبحانه جمع بين الامرين أي عدم الخلق دفعة وقلة الزمان رعاية للامرين معا ، وسائر ما ذكرت قدس‌سره إما محض

____________________

(١) المعارج : ٤.

(٢) السجدة : ٥.

(٣) الحج : ٤٧.

(٤) في المخطوطة : قال ذلك.

٢٢٣

استبعاد ، أو مقايسة بعض المخلوقات ببعض ، وكلاهما مما لا وقع له في هذا المقام. وأما الاختزال فيمكن أن يكون غرضه عليه‌السلام الاشارة إلى علة شيوع هذا الاصطلاح أي إطلاق السنة في عرف الشرع والعرف العام على ثلاثمأة وستين مع أنها لا توافق السنة الشمسية ولا القمرية ، بأنها مطابقة للسنة الاولى من خلق العالم إذا حسبت من ابتداء الخلق ، وأما السنة القمرية فهي مبنية على حركة القمر بعد وجوده ، والستة المتقدمة المصروفة في خلق العالم مختزلة منها ، وسيأتي لذلك مزيد تحقيق في محله إنشاء الله تعالى.

ثم اعلم أنه قد تكلم كثير من الناس من الفرق المتشتة في قدر زمان عمر الدنيا ، فأكثر اليهود بل سائر أهل الكتاب مالوا إلى تقليله بامور خطابية لا ترتضيها العقول السليمة ، وجمهور الهنود بالغوا في تكثيره بخيالات حسابية تتنفرعنها الطبائع المستقيمة ، وأما مشاهير قدماء الحكماء وجماهير عظماء الاحكاميين فقد توسطوا في ذلك ، ولكن تفرقوا إلى أقول شتى ، وحكى أبومعشر البلخي في كتابه المسمي بسر الاسرار عن بعض أهل هند أن الدور الاصغر ثلاثمأة وستون سنة والاوسط ثلاثة آلاف وستمأة سنة ، والاكبر ثلاثمأة وستون ألف سنة ، ولعل المراد بالدور الاكبر زمان عمر الدنيا ، وبالسنة السنة الشمسية ، فيطابق ما اعتمد عليه جمع من أعلام المنجمين من قول حكماء فارس وبابل أن سني عمر العالم ثلاثمأة وستون ألف سنة شمسية ، كل سنة ثلاثماة وخمسة وستون يوما وخمس عشرة دقيقة واثنتان وثلاثون ثانية وأربع وعشرون ثالثة ، ومستندهم في ذلك على ما نقل أبومعشر من (١) أهل فارس أن الكواكب السبعة في أول خلق الدنيا كانت مجتمعة في أول الحمل ، ويكون اجتماعها في آخر زمان بقائها في آخر الحوت وزمان ما بينهما ثلاثمأة وستون ألف سنة من تلك السنين ، وأما مستندهم في الاجتماع المذكور على نحوما تصوروه في المقامين فغير معلوم.

ثم اعلم أن هذه الخيالات والروايات وإن لم يكن مبتنية على أصل متين

____________________

(١) عن ( خ ).

٢٢٤

لكنها مما يرفع استبعادات الاوهام عن الاخبار الواردة في الرجعة وطول امتداداتها فإنها أيضا داخلة في زمان عمر الدنيا ، فإذا حسبت تلك الازمان مع ما ورد في بعض الاخبار من أزمنة كون غير آدم وأولاده في الارض يصير قريبا مما ذكر بعض هؤلاء الجماعة. وبالجملة كل من الامرين مما يصلح أن يصير سببا لرفع الاستبعاد عن الآخر.

ثم إن بعض المتصدين لحل هذا الخبر سلك مسلكا أوحش وأغرب حيث قال : السنة في العرف تطلق على الشمسية التي هي عبارة عن عود الشمس بحركتها الخاصة لها إلى الوضع الذي فرض أولا كأول الحمل مثلا الذي يتساوى عند حلولها فيه زمان الليل والنهار تقريبا بعد أن كان الليل أطول في معظم المعمورة ، وعلى القمرية التي هي عبارة عن عود القمر إلى وضعه المفروض أولا مع الشمس في سمت الحركة اثنتا عشرة مرة كل مرة تسمى شهرا ، وقد علم بالتجربة والرصد أن زمان الاولى يكون ثلاثمأة وخمسة وستين يوما وكسرا من يوم ، وزمان الثانية ثلاثمأة وأربعة وخمسين يوما وكسرا ، ولو فرض فارض كون الشمس أسرع حركة بحيث تتم دورتها في ثلاثمأة وستين بلازيادة ونقصان والقمر بحاله يكون مقدار السنة القمرية أيضا ثلاثمأة وستين يوما كل شهر ثلاثون يوما كما لا يخفى على المحاسب ، وحينئذ لم يكن اختلاف بين السنة القمرية والشمسية ، لكن قد جعل الله سبحانه زمان الشمسية أكثر من ذلك بقريب من سنة أيام وزمان القمرية أنقص بنحو ذلك لمصالح تعود إلى مخلوقاته في السماوات و الارضين ينتظم بها النظام الاكمل الذي لا يعلم كنهه إلا هو ، فلعل هذا هو المراد من جعل السنة ثلاثمأة وستين وحجز الستة الايام عنها ، بل لا ينقبض العقل من أن يكون المراد بخلق السماوات والارض في ستة أيام ذلك ، أعني على اختلاف نظام لحركة السماويات خصوصا النيرين اللذين قدرت بهما الشهور والاعوام والليالي والايام ، وغير ذلك من مصالح الانام ، قدر ذلك الاختلاف ستة أيام في كل سنة فليتفكر جدا في ذلك « انتهى ».

٢٢٥

واورد عليه بوجوه :

الاول أن كون سرعة الشمس على الوجه المذكور مستلزمة لكون السنة القمرية أيضا ثلاثمأة وستين يوما إنما يكون حقا إذا كان زيادة أيام الشمسية على ثلاثمأة وستين موافقة لنقصان أيام القمرية عنه ححقيقة وليس كذلك ، فإن الاول لا يزيد على خمسة أيام وربع يوم في شئ من الارصاد المتداولة ، والثاني يزيد على خمسة أيام وخمسة أثمان يوم بالاتفاق ، فأقل ما به التفاوت يزيد على تسع ساعات ، فالصواب أن تفرض سرعتها بقدر نصف التفاوت بين زماني السنتين حتى يتساويا ويرتفع التفاوت عما بينهما بالكلية كما هو المقصود ، وما يلزم حينئذ من عدم بلوغ شئ منهما إلى السنتين حقيقة بل يكون أقل منه بنحو خمس ساعات فالامر فيه سهل فإنه لا ينافي إطلاق الستين عليه عرفا.

الثانى : أن كون السنة ثلاثمأة وستين يوما في الحديث إخبار عن الواقع سواء حمل الخلق على معنى الايجاد أو التقدير ، وعلى ما ذكره أمره فرضي لا وقوع له اصلا.

الثالث : أن المراد بالايام المختزلة عن أيام السنة إذا كان هذه الايام فكيف يتصور أن يكون بعضها لاجل الارض وبعضها لاجل السماء كما يظهر من بعض الآيات بل غاية ما يتصور أن يكون لها مدخل في النظام المقصود بالنسبة إلى الجميع.

الرابع : أن هذا المعنى لهذه الايام لا يوافق شيئا من الروايات الدالة على تعيين يوم من أيام الاسبوع لخلق كل من المخلوقات المذكورة.

١٨٧ ـ مجمع البيان : نقلا من تفسير العياشي بإسناده عن الاشعث بن حاتم ، قال : كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليه‌السلام والفضل بن سهل والمأمون في الايوان الحيري بمرو ، فوضعت المائدة فقال الرضا عليه‌السلام : إن رجلا من بني إسرائيل سألني بالمدينة فقال : النهار خلق قبل أم الليل؟ فما عندكم؟ [ قال : ] فأداروا الكلام ولم يكن عندهم في ذلك شئ ، فقال الفضل للرضا عليه‌السلام : أخبرنابها أصلحك الله. قال : نعم ، من القرآن أم من الحساب ، قال له الفضل : من جهة

٢٢٦

الحساب. فقال : قد علمت يا فضل أن طالع الدنيا السرطان والكواكب في مواضع شرفها ، فزحل في الميزان ، والمشتري في السرطان ، والشمس في الحمل ، والقمر في الثور ، وذلك (١) يدل على كينونة الشمس في الحمل من (٢) العاشر من الطالع في وسط السماء ، فالنهار خلق قبل الليل ، وأما في القرآن فهو في قوله تعالى « لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار (٣) » أي قد سبقه النهار.

كتاب النجوم للسيد بن طاوس : بأسانيده عن محمد بن إبراهيم النعماني عن محمد بن همام ، عن محمد بن موسى بن عبيد ، عن إبراهيم بن أحمد اليقطيني ، عن ابن ذي العلمين مثله (٤).

وبأسانيده إلى كتاب الواحدة لابن جمهور العمي بإسناده مثله.

تحقيق وتوضيح : اعلم أنه اورد على هذا الخبر إشكالات : الاول أو الظلمة التي تحصل منها الليل عدم النور الذي يحصل منه النهار وعدم الحادث مقدم على وجوده.

والجواب أن الظلمة ليست عدما مطلقا بل عدم ملكة ، إذهي عدم النور عما من شأنه أن يكون نيرا ، ومثله يمكن أن يكون مقدما ومؤخرا ، والحاصل هنا أن أول خلق العالم هل كان نهارا أم ليلا.

الثانى أن عند خلق الشمس لابد أن يكون في بعض الارض ليلا وفي بعضها نهارا فلا تقدم لاحدهما على الآخر.

والجواب أن السؤال عن معظم المعمورة هل كان الزمان فيها ليلا أم نهارا فلا ينافي وجود الليل فيما يقاطرها.

الثالث ما المراد بطالع الدنيا؟ فإن كل نقطة من نقاط الارض لها طالع ،

____________________

(١) في المصدر : فذلك.

(٢) في المخطوطة : في العاشر.

(٣) يس : ٤٠.

(٤) لم نجد ترجمة رجال السند في شئ من تراجم العامة والخاصة.

٢٢٧

كل نقطة من نقاط منطقة البروج طالع افق من الآفاق.

والجواب أنه يمكن أن يكون المراد بطالع الدنيا طالع قبة الارض أي موضع من الرابع المسكون في وسط خط الاستواء يكون طوله من جانب المغرب على المشهور أو المشرق على رأي أهل الهند تسعين درجة ، وقد تطلق على موضع من الارض يكون طوله نصف طول المعمورة منها أعني تسعين درجة. وعرضه نصف أرض المعمورة منها أي ثلاثة وثلاثين درجة تخمينا ، ومن خواص القبة أنه إذا وصلت الشمس فيها إلى نصف النهار كانت طالعة على جميع بقاع الربع المسكون نهارا ، فظهرت النكتة في التخصيص. ويمكن أن يكون الطالع هنا بالقياس إلى الكعبة لانها وسط الارض خلقا وشرعا وشرفا.

الرابع كون الكواكب في مواضع شرفها ، لا يستقيم على قواعد المنجمين واصطلاحاتهم ، إذ عطارد شرفه عندهم في السنبلة ، وشرف الشمس في الحمل ، ولا يبعد العطارد عن الشمس بهذا المقدار ، ولقد خبط الطبري (١) وغيره في ذلك فحكموا بكون عطارد أيضا حينئذ في الدرجة الخامسة عشر من السنبلة نقلا من جماهير الحكماء.

والجواب أنه عليه‌السلام يمكن أن يكون بنى ذلك على ما هو المقرر عنده لا ما زعمه المنجمون في شرف عطارد ، أو يقال : إن عطارد مستثنى من ذلك وأحال ذلك على ما هو المعلوم عندهم ، أو يقال : المراد بالكواكب الاربعة المفصلة اعتمادا على ذكرها بعده.

الخامس أن المقرر في كتب الاحكام في بحث القرانات أن السبعة كانت مجتمعة في أول الحمل ، ولو فرض أنهم أخطأوا في ذلك كان على الفضل وسائر الحضار المتدربين في صنعة النجوم أن يسألوا عن ذلك ويراجعوا فيه ولم ينقل منهم ذلك.

والجواب أنهم ليسوا متفقين في ذلك كما يظهر من الطبري وغيره ، فلعل

____________________

(١) في المخطوطة : ولقد خبط الطبرى في تاريخه.

٢٢٨

الفضل وغيره ممن حضر المجلس كان يسلك هذا المسلك ، وربما يقال : لعل الراوي سهى أو خبط في فهم كلامه عليه‌السلام وكان ما قاله عليه‌السلام هو أن الكواكب كانت مع الشمس في شرفها ، والضمير في « شرفها » كان للشمس لا للكواكب ، فاشتبه عليه وزعم أن الضمير للكواكب ففصل كما ترى.

واقول : على ما ذكرنا لا حاجة إلى تحريف الحديث ونسبة السهو إلى الراوي وما ذكروه ليس مستندا إلى حجة ، وأكثر أقاويلهم في أمثال ذلك مستندة إلى أوهام فاسدة وخيالات واهية كما لا يخفى على من تتبع زبرهم.

قال أبوريحان (١) فيما عندنا من تاريخه في سياق ذكر ذلك : وبكل واحد من الادوار تجتمع الكواكب في أول الحمل بدءا وعودا ولكنه في أوقات مختلفة فلو حكم على أن الكواكب مخلوقة في أول الحمل في ذلك الوقت أو على أن اجتماعها فيه هو أول العالم أو آخره لتعرف دعواه تلك عن البينة وإن كان داخلا في الامكان ، ولكن مثل هذه القضايا لا تقبل إلا بحجة واضحة أو مخبر عن الاوائل والمبادي موثوق بقوله ، متقرر في النفس صحة اتصال الوحي والتأييد به ، فإن

____________________

(١) ابوريحان محمد بن أحمد البيرونى الخوارزمى الحكيم ، الرياضى ، الطبيب ، المنجم المعروف ، كان فليسوفا عالما بالفلسفة اليونانية وفروعها وفلسفة الهنود ، وبرع في علم الرياضيات والفلك ، بل قيل انه اشهر علماء النجوم والرياضيات من المسلمين ، كان معاصرا لابن سينا وكان بينهما مراسلات وابحاث ، كان اصله من « بيرون » بلد في السند وسافر إلى بلاد الهند اربعين سنة اطلع فيها على علوم الهنود واقام مدة في « خوارزم » وكان اكثر اشتغاله في النجوم والرياضيات والتاريخ ، وخلف مؤلفات نفيسة منها « الاثار الباقية عن القرون الخالية » في التاريخ الفه لشمس المعالى قابول حكى انه كان مكبا على تحصيل العلوم متفننا في التصنيف لايكاد يفارق يده القلم وعينه النظر وقلبه الفكر ، وكان مشتغلا في جميع ايام السنة الا يوم النيروز والمهرجان. وحكى عن الشيخ صلاح الدين الصفدى انه قال : كان ابوريحان البيرونى حسن المعاشرة ، لطيف المحاضرة ، خليعا في الفاظه ، عفيفا في أحواله لم يأت الزمان بمثله علما وفهما.

توفى سنة « ٤٣٠ » تقريبا.

٢٢٩

من الممكن أن تكون هذه الاجسام (١) متفرقة غير مجتمعة وقت إبداع المبدع لها وإحداثه إياها ، ولها هذه الحركات التي أوجب الحساب اجتماعها في نقطة واحدة في تلك المدة « انتهى ».

السادس أن الاستدلال بالآية لايتم ، إذ يمكن أن يحمل قوله تعالى « ولا الليل سابق النهار » على أن الليل لا يأتي قبل وقته المقرر وزمانه المقدر كما أن الشمس لا تطلع قبل أوانه ، وكل من الليل والنهار لا يأتي أحدهما قبل تمام الآخر كما سيأتي بيانه في تفسير الآية.

والجواب أنه عليه‌السلام بنى الاستدلال على ما علم من مراده تعالى في الآية وكان عليه‌السلام عندهم مأمونا مصدقا في ذلك.

السابع أن ما تقدم نقلا من السيوطي عن ابن عباس ينافي ذلك ، حيث حكم بتقدم الليل على النهار ، وما ينقل عن التورية موافقا لذلك أيضا ينافيه.

والجواب أن حديث ابن عباس لا يعارض به كلام الامام عليه‌السلام المنقول من الاصول المعتبرة ، وكذا نقل التورية لم يثبت ، ولو ثبت فأكثرها محرفة لا يعتمد عليها. وربما يجاب بأن حدوث النور إنما هو بعد الظلمة ، فالظلمة مقدمة على النور ، لكن طالع خلق الدنيا يعني طالع دحو الارض كان هو السرطان ، و الشمس حينئذ في الحمل في العاشر على ما ذكره الامام عليه‌السلام فأول الاوقات في دحو الارض هو الظهر ، ولذا سميت صلاة الظهر بالصلاة الاولى كما سميت بالوسطى أيضا عند كثير من العلماء ، وإنما فسر طالع الدنيا بطالع دحو الارض لان خلق الارض مقدم على خلق السماء لكن دحوها مؤخر ، جمعا بين الآيات « انتهى ».

واقول : يمكن حمله على ابتداء خلق الكواكب فإن حصول النهار إنما هو عنده والحاصل أنه تم خلق أجزاء الدنيا حين كون السرطان على الافق الشرقي بالسنبة إلى قبة الارض ، فإذا رجعت على توالي البروج وعددت ستة من تحت الارض وثلاثة من فوقها كان العاشر ، وهو الحمل على سمعت الرأس ، فإذا كانت الشمس فيه يكون

____________________

(١) في المخطوطة : الاجرام.

٢٣٠

بالنسبة إلى أكثر المعمورة نهارا كما عرفت ، فالنهار في أول الخلق بالنسبة إلى المعمورة التي هي مسكن أشرف الخلق مقدم على الليل. ثم إنه يحتمل أن يكون ذكر هذه المصطلحات التي لم تجر عادتهم عليهم‌السلام بذكرها وإجراء الكلام على قواعد النجوم التي نفوها وزيفوها كما ستعلم إنشاء الله إلزاما على الفضل المشهور في تلك الصناعة ، وإظهارا لعلمهم عليهم‌السلام بجميع العلوم والاصطلاحات ، وقد يقال : إن تلك الكواكب لما كانت في ابتداء خلق العالم في مواضع مخصوصة مضبوطة عند أهل العلم أخذا عن الانبياء والحجج عليهم‌السلام فبعد ما أخذ المنجمون بعض ذلك عنهم زعموا أنها لتلك الخصوصية كانت أحسن مواضع تلك الكواكب فسموها شرفا لها ، ثم سموا المواضع التي تقابلها هبوطالها ، توهما منهم أنها عند كونها فيها هابطة من تلك المنزلة والشرف جدا ، وأما مافات منهم أخذه عن أهل العلم كموضع عطارد مثلا عينوه من عند أنفسهم بخيالات شعرية مذكورة في كتبهم.

ثم إن بعض الناس توهموا أن هذا الحديث مؤيد لكون اليوم من الزوال إلى مثله كما اعتبره المنجمون لسهولة الحساب ، ولا يخفى وهنه على اولي الباب. وبعد اللتيا والتي فدلالة الحديث على حدوث أكثر ما يزعمه الحكماء قديما من أجزاء العالم بين لا يحتاج إلى البيان.

١٨٣ ـ كتاب المحتضر للحسن بن سليمان مما رواه من كتاب الخطب لعبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : خطب أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال : سلوني فإني لا اسأل عن شئ دون العرش إلا أجبت فيه لا يقولها بعدي إلا جاهل مدع أو كذاب مفتر. فقام رجل من جانب (١) مسجده في عنقه كتاب كأنه مصحف وهو رجل آدم ضرب (٢) طوال ، جعد الشعر. كأنه من مهودة العرب ، فقال رافعا صوته لعلي : أيها المدعي ما لا يعلم والمقلد ما لا يفهم! أنا السائل فأجب. فوثب به أصحاب علي وشيعته من كل ناحية فهموا به فنهزهم علي عليه‌السلام فقال لهم : دعوه ولا تعجلوه! فإن الطيش

____________________

(١) في بعض النسخ : من مجلسه.

(٢) الادم هو الاسمر ، والضرب بسكون الراء أى الخفيف الظريف.

٢٣١

لا تقوم به حجج الله ولا به تظهر براهين الله. ثم التفت إلى الرجل وقال له : سل بكل لسانك وما في جوانحك فإني اجيبك ، إن الله تعالى لا تعتلج عليه الشكوك ولا يهيجه وسن. فقال الرجل : كم بين المغرب والمشرق؟ قال علي عليه‌السلام مسافة الهواء. قال : وما مسافة الهواء؟ قال [ علي عليه‌السلام ] دوران الفلك؟ قال الرجل : وما قدر دوران الفلك؟ قال : مسيرة يوم للشمس. قال الرجل : صدقت. قال : فمتى القيامة؟ قال : على قدر قصور المنية (١) وبلوغ الاجل. قال الرجل : صدقت ، فكم عمر الدنيا؟ قال علي : يقال سبعة آلاف ثم لا تحديد. قال الرجل : صدقت ، فأين بكة من مكة؟ قال علي : مكة من أكناف الحرم ، وبكة موضع البيت. قال : فلم سميت مكة مكة؟ قال : لان الله مك الارض من تحتها قال : فلم سميت بكة؟ قال : لانها بكت رقاب الجبارين وعيون المذنبين قال : صدقت ، وأين كان الله قبل أن يخلق عرشه؟ قال : علي : سبحان من لا تدرك كنه صفته حملة العرش. على قرب زمراتهم من كراسي كرامته ، ولا الملائكة المقربون من أنوار سبحات جلاله. ويحك! لا يقال أين ، ولا ثم ، ولافيم ، ولا لم ، ولا أنى ، ولا حيث ، ولا كيف. قال الرجل : صدقت ، فكم مقدار ما لبث الله عرشه على الماء من قبل أن يخلق الارض والسماء؟ قال : أتحسن أن تحسب؟ قال : نعم ، قال : لعلك لا تحسن! قال : بلى ، إني لاحسن أن أحسب. قال على عليه‌السلام : أفرأيت لو كان صب خردل في الارض [ حتى ] سد الهواء وما بين الارض والسماء ، ثم اذن لمثلك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من مقدار المشرق إلى المغرب ، ثم مد في عمرك واعطيت القوة على ذلك حتى تنقله وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء عدد أعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الارض والسماء ، وإنما وصفت لك ببعض عشر عشير العشير من جزء مائة ألف جزء ، وأستغفر الله من القليل في التحديد. قال : فحرك الرجل رأسه وشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

بيان : والضرب بسكون الراء : الرجل الخفيف اللحم. « على مسافة

____________________

(١) عند حضور المنية ( خ ).

٢٣٢

الهواء » هذه التبهيمات في الاجوبة للتنبيه على عدم تكلف ما لم يؤمر الناس بعلمه وأنه لا فائدة للانسان في علم حقائق الموجودات ومقاديرها ، كما تضيع الفلاسفة فيها أعمارهم. « على قرب زمراتهم » أي جماعاتهم.

(تفهيم وتتميم)

* (نفعه عميم بعون الله الواهب الكريم) *

اعلم أن المقصود الاصلي من هذا اباب أعني حدوث العالم لما كان من أعظم الاصول الاسلامية لا سيما الفرقة الناجية الامامية وكان في قدم الزمان لا ينسب القول بالقدم إلا إلى الدهرية والملاحدة والفلاسفه المنكرين لجميع الاديان و لذا لم يورد الكليني ره وبعض المحدثين لذلك بابامفردا في كتبهم ، بل أوردوا في باب حدوث العالم أخبار إثبات الصانع تعالى اتكالا على أن بعد الاقرار بالحق جل وعلا ، لا مجال للقول بالقدم ، لاتفاق أرباب الملل عليه (١).

____________________

(١) قال الفيض رضوان الله عليه في كتاب عين اليقين « ص ٤٠٧ » ما هذا لفظه : حدوث العالم بمعنى افتقاره إلى الصانع ومسبوقيته بالعدم في الجملة أى الاعم من العدم الزمانى من ضروريات الدين وعليه اجماع المسلمين إلى ان قال ما يظهر من التتبع لكلمات السلف من علماء الدين ان الواجب اعتقاده انما هو افتقار العالم إلى الصانع ومسبوقيته بالعدم في الجملة خاصة ، وأن إطلاق حدوث العالم راجع اليه ، وأن الفرض من اثباته الرد على الدهرية والطبيعيين المنكرين للصانع الزاعمين لقدم العالم ووجوب وجوده خذلهم الله ولذلك كلما سئل العلماء عن البرهان على ذلك اخذوا يستدلون على اثبات الصانع وليس في كلامهم عن الزمان حرف اصلا إلا اشارات على الحدوث الزمانى بالمعنى الغامض الذى نشبته وترميزات إليه إلى ان قال ولو لا مخافة التطويل لنقلنا عباراتهم حتى يتبين صدق ما ذكرنا.

ثم ذكر كلام أبى عبدالله عليه‌السلام لابن أبى العوجاء في حدوث الاجسام وبيان الصدوق رحمه الله في ذيله فراجع وسيأتى من الشيخ المحقق أبى الفتح الكراجكى ان القول بثبوت زمان بين الحق تعالى وبين أفعاله مناقض للقول بالحدوث ، وكذا يأتى نقل تصريح استاده علم الهدى بأن الله تعالى خلق اول الحوادث من غير زمان فتأهل حقه.

٢٣٣

وفي قريب من عصرنا لما ولع الناس بمطالعة كتب المتفلسفين ، ورغبوا عن الخوض في الكتاب والسنة وأخبار أئمة الدين ، وصار بعد العهد عن أعصارهم عليهم‌السلام سببا لهجر آثارهم ، وطمس أنوارهم ، واختلطت الحقائق الشرعية بالمصطلحات الفلسفية صارت هذه المسألة معترك الآراء ومصطدم الاهواء ، فمال كثير من المتسمين بالعلم المنتحلين للدين ، إلى شبهات المضلين ، وروجوها بين المسلمين فضلوا وأضلوا ، وطعنوا على أتباع الشريعة حتى ملموا وقلوا ، حتى أن بعض المعاصرين (١) منهم يمضغون بألسنتهم ، ويسودون الاوراق بأقلامهم أن ليس في الحدوث إلا خبر واحد هو « كان الله ولم يكن معه شئ » ثم يؤولونه بما يوافق آراءهم الفاسدة ، فلذا أوردت في هذا الباب أكثر الآيات والاخبار المزيحة للشك والارتياب ، وقفيتها بمقاصد أنيقة ، ومباحث دقيقة ، تأتي بنيان شبههم من قواعدها وتهزم جنود شكوكهم من مراصدها ، تشييدا لقواعد الدين ، وتجنبا من مساخط رب العالمين ، كما روي عن سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا ظهرت البدع في امتي فليظهر العالم علمه ، وإلا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

(المقصد الاول)

* (في بيان معانى الحدوث والقدم) *

المشهور أن للحدوث معنيين : الذاتي ، والزماني. والمستفاد من كلام الشيخ أن معنى الحدوث هو المسبوقية بالعدم إما بالذات لا بالزمان وهو الحدوث الذاتي ، وإما بالزمان وهو الحدوث الزماني. وهو المتبادر (٢) من لفظ الحدوث

____________________

(١) في المخطوطة : القاصرين.

(٢) كأن الجملة الاخيرة اعنى قوله « وهو المتبادر .. » من كلام المؤلف رحمه الله لانالم نجدها في شئ من كلمات الشيخ في الشفاء والاشارات والنجاة والتعليقات ، على انها غير مشابهة لكلامه كما يعرفه العريف بلحن قوله. ولعله استفاده ذلك من كلامه في الشفاء حيث قال « ص : ٥٢٦ » : فان اطلق اسم الحدث على كل ماله ايس بعد ليس كان كل معلول

٢٣٤

إذ المتبادر منه أنه لم يكن موجودا فوجد.

واورد عليه أن تقدم العدم على الوجود بالذات لا معنى له ، إذ التقدم بالذات مخصوص عندهم بالتقدم بالعلية ، فتقدم العدم بالعلية على الوجود يستلزم اجتماع النقيضين (١).

____________________

حادثا ، وان لم يكن يطلق بل كان شرط المحدث ان يوجد زمان ووقت كان قبله فبطل بمجيئة بعده اذ يكون بعديته لا يكون مع القبلية موجودة بل يكون ممائزة في الوجود لانها زمانية فلا يكون كل معلول محدثا بل المعلول الذى يسبق وجوده زمان ويسبق وجوده لا محالة حركة و تغير كما علمت ونحن لا نناقش في الاسماء إلى ان قال فان كان وجوده بعد ليس مطلق كان صدوره عن العلة ذلك الصدور ابداعا ويكون افضل انحاء اعطاء الوجود لان العدم يكون قد منع البتة وسلط عليه الوجود ) إلى آخره.

(١) اعلم ان السبق بالذات عند المتكلمين هو سبق اجزاء الزمان بعضها على بعض ، و عند الحكماء معنى عام يطلق على السبق بالطبع وبالمهية وبالعلية ، ومسبوقية الحادث الذاتى بالعدم او بالغبر على اختلاف التعريفين ليس على شئ من هذين الاصطلاحين بل هو اصطلاح خاص في مقابل الحادث الزمانى ، توضيح ذلك انهم عرفوا الحادث بالمسبوق بالعدم او بالغير والمآل واحد لان المراد بالغير اعم من العلة والعدم ، ثم قسموه إلى ما هو مسبوق بالعدم المجامع اى ما يكون ذاته بذاته غير واجده للوجود فيكون من مرتبة ذاته خالية عن الوجود و سموه بالحادث الذاتى ، وإلى ما هو ، سبوق بالعدم المقابل اى ما يكون موجودا في زمان لم يكن موجودا فبله فيكون مسبوقا بعده الغير المجامع لوجوده وسموه بالحادث الزمانى ، فالسبق ههنا بحسب الخارج وهناك بحسب نفس الامر ، ومرتبة نفس الامر اوسع من مرتبة نفس الماهية من حيث هى هى قال الشيخ في الهيات النجاة : واعلم انه كما ان الشئ قد يكون محدثا بحسب الزمان كذلك قد يكون محدثا بحسب الذات فان المحدث هو الكائن بعد ما لم يكن ، والبعدية كالقبلية قد تكون بالزمان وقد تكون بالذات ثم قال فيكون لكل معلول في ذاته اولا انه ليس ، ثم عرض عن العلة وثانيا انه ايس ، فيكون كل معلول محدثا أى مستفيدا لوجوده من غيره ، بعد ماله في ذاته انه لا يكون موجودا فيكون كل معلول في ذاته محدثا ، فان كان مثلا في جميع الزمان موجودا مستفيدا لذلك الوجود عن موجد فهو محدث لان وجوده من بعد لا وجوده بعدية بالذات « انتهى موضع الحاجة » فتبين بما ذكرنا ان منشأ هذا الاشكال هو الخلط بين الاصطلاحين وحاصل الجواب ان معنى تقدم العدم على الوجود في الحادث الذات كون ذاته بذاته خالية عن الوجود وهو تقدم ما بالذات على ما بالغير لا التقدم الذاتى الذى يستعمل في تقدم العلة على المعلول وتقدم الجنس والفصل على النوع وغيرها.

٢٣٥

وقال المحقق الطوسي ره : الحدوث هو المسبوقية بالغير ، وذلك الغير إن كان هو العلة فهو الحدوث الذاتي ، وإن كان عدما فهو الحدوث الزماني.

ويرد عليه أيضا ما يرد على الاول ، لان ذات المعلول يصدق عليها أنها ليست بموجودة في مرتبة ذات العلة ثم وجد المعلول بعد ذلك السلب ، لوجوب تقدم وجود العلة على وجود المعلول ، ولا يتصور في تقدم سلب وجود المعلول على وجوده إلا التقدم الذاتي المنحصر في التقدم بالعلية ، فيعود الاشكال. وللقوم في هذا المقام اعتراضات وأجوبة لا يناسب مقصودنا من هذا الكتاب إيرادها ، وأكثرها مذكورة في حواشي المحقق الدواني وغيره على الشرح الجديد للتجريد. وبالجملة إطلاق الحدوث عليه محض اصطلاح لهم لا يساعده لغة ولا عرف ، وإنما مرجعه الاحقية أو إلى ترتب وجود المعلول على وجود العلة إذ العقل يحكم بأنه وجد فوجد.

وأثبت السيد الداماد ره قسما ثالثا وهو الحدوث الدهري حيث قال : إن أنحاء العدم للممكن ثلاثة : الاول العدم الذي هو الليس المطلق في مرتبة الذات وهو لكل ممكن موجود حين وجوده الثانى العدم المتكمم وهو لكل حادث زماني قبل زمان وجوده. الثالث العدم الصريح الدهري قبل الوجود قبلية غير متكممة. وليس شئ من العدمين الاولين هو العدم المقابل للوجود ، أما الاول فلانة يجامع الوجود في الوقع ويسبقه بحسب الذات سبقا ذاتيا ، وأما الثاني فلانه ممائز لزمان الوجود ، ومن شرائط التناقض في الزمانيات وحدة الزمان فإذا إنما المقابل للوجود العدم الصريح الذي لا يتصور فيه حد وحد ، ولن يتميز فيه حال (١) وحال. ثم حقق في ذلك تحقيقا طويلا وحاصل كلامه أن أثبت للموجودات وعائين آخرين سوى الزمان وهو الدهر والسرمد ، وقال : نسبة المتغير إلى المتغير ظرفها الزمان ونسبة الثابت إلى المتغير ظرفها الدهر ، ونسبة الثابت إلى الثابت ظرفها السرمد. ونقل على ذلك شواهد كثيرة من الحكماء ، فمن ذلك قول الشيخ في التعليقات حيث قال :

____________________

(١) ولاجل ذلك اعنى كون الحادث الدهرى فقط مسبوقا بالعدم الصريح جعل الحدوث الدهرى احق انواع الحدوث بهذا الاسم.

٢٣٦

تعليق : العقل يدرك ثلاثة أكوان : أحدها الكون في الزمان وهو متى الاشياء المتغيرة التي يكون لهامبدء ومنتهى ، ويكون مبدؤه غير منتهاه ، بل يكون متقضيا ويكون دائما في السيلان وفي تقتضي حال وتجدد حال. الثانى كون مع الزمان ويسمى الدهر ، وهذا الكون محيط بالزمان ، وهو كون الفلك مع الزمان ، والزمان في ذلك الكون لانه ينشأ من حركة الفلك وهو نسبة الثابت إلى المتغير إلا أن الوهم لا يمكنه إدراكه ، لانه رأى كل شئ في زمان ورأى كل شئ يدخله كان ويكون والماضي والحاضر والمستقبل ، ورأى لكل شئ متى إماماضيا أو حاضرا أو مستقبلا. الثالث كون الثابت مع الثابت ويسمى السرمد ، وهو محيط بالدهر.

تعليق : الوهم يثبت لكل شئ متى ، ومحال أن يكون للزمان نفسه متى.

تعليق : ما يكون في الشئ فإنه يكون محاطا بذلك الشئ ، فهو يتغير بتغير ذلك الشئ ، فالشئ الذي يكون في الزمان يتغير بتغير الزمان ، ويلحقه جميع أعراض الزمان ، ويتغير (١) عليه أوقاته ، فيكون هذا الوقت الذي يكون مثلا مبدء كونه أو مبدء فعله غير ذلك الوقت الذي هو آخره لان زمانه يفوت ويلحق ، وما يكون مع الشئ فلا يتغير بتغيره ، ولا تتناوله أعراضه.

تعليق الدهر وعاء الزمان ، لانه محيط به.

وبين في الشفاء أيضا هذا المعنى ، ثم قال : ولا يتوهم في الدهر ولا في السرمد امتداد ، وإلا لكان مقدار للحركة ، ثم الزمان كمعلول الدهر ، والدهر كمعلول السرمد. وقال أيضا في الشفاء : إنه لا يكون في الزمان إلا الحركات والمتحركات أما الحركة فذلك لها من تلقاء جوهرها ، وأما المتحرك فمن تلقاء الحركة ، وأما سائر الامور فإنها ليست في زمان ، وإن كانت مع الزمان ، فإن العالم مع الخردلة وليست في الخردلة. إلى آخر ما قال. واستحسن ذلك المحقق الطوسي ره و السيد الشريف وغيرهما.

واعلم أن ما نحن بصدد إثباته لا يتوقف على تحقيق هذه الامور ، فإن الذي

____________________

(١) يعتور ( خ ).

٢٣٧

ثبت بإجماع أهل الملل والنصوص المتواترة هو أن جميع ما سوى الحق تعالى أزمنة وجوده في جانب الازل متناهية وفي (١) وجوده ابتداء ، والازلية وعدم انتهاء الوجود مخصوص بالرب سبحانه ، سواء كان قبل الحوادث زمان موهوم أو دهر كما ستعرف إنشاء الله تعالى.

(المقصد الثانى)

* (في تحقيق الاقوال في ذلك) *

اعلم أنه لا خلاف بين المسلمين بل جميع أرباب الملل في أن ما سوى الرب سبحانه وصفاته الكمالية كله حادث بالمعنى الذي ذكرنا ، ولوجوده ابتداء ، بل عد من ضروريات الدين. قال السيد الداماد في القبسات : عليه إجماع جميع الانبياء والاوصياء (٢).

وقال صاحب الملل والنحل في كتاب « نهاية الاقدام » وصححه المحقق الطوسي ره (٣) : مذهب أهل الحق من الملل كلها أن العالم محدث مخلوق ، له أول ، أحدثه البارئ تعالى وأبدعه بعد أن لم يكن ، وكان الله ولم يكن معه شئ.

____________________

(١) في المخطوطة « لوجوده » وهو الاظهر.

(٢) ادعى السيد رضوان الله عليه اجماع السفراء السانين الشارعين من الانبياء والمرسلين والاوصياء المعصومين على كون ما في عوالم الخلق والامرواقليمى الغيب والشهادة حادثا بالحدوث الذاتى والدهرى ، فراجع كلامه في القبسات « ص : ١٩ » والانصاف ان دعوى الاجماع على هذه الخصوصيات في غير محله ، وأن الاجماع من اهل الملل انما هو على الحدوث الملازم للامكان وبعبارة اخرى الاجماع على كون العالم بأسره مخلوقا ، فمن رأى الملازمة بين المخلوقية وبين الحدوث الزمانى ادعى الاجماع على الحدوث الزمانى ومن رأى الملازمة بينها وبين الحدوث الذاتى فقط أو مع الحدوث الدهرى ادعى الاجماع عليه فتذبر جيدا.

(٣) أى صحح محقق الطوسى نقل صاحب الملل والنحل ، قال في القبسات بعد نقل هذا الكلام عن الشهرستانى في « نهايه الاقدام » ونقل « يعنى الشهرستانى » مثل ذلك في كتاب المصارعة مع الشيخ الرئيس ) واستصح نقله خاتم المحققين « يعنى نصير الدين الطوسى » في « مصارع المصارع ».

٢٣٨

ووافقهم على ذلك جمع من أساطين الحكمة وقدماء الفلاسفة ، مثل ثاليس ، و انكساغورس ، وانكسيمايس ، من أهل « ملطية » ومثل فيثاغورس ، وأنباذقلس ، و سقراط ، وأفلاطن ، من أهل « آثينية » و « يونان » وجماعة من الشعراء والاوايل والنساك.

وإنما القول بقدم العالم وأزلية الحركات بعد إثبات الصانع والقول بالعلمة الاولى إنما ظهر بعد أرسطاطاليس ، لانه خالف القدماء صريحا وأبدع هذه المقالة على قياسات ظنها حجة وبرهانا. وصرح القول فيه من كان من تلامذته مثل الاسكندر الافروديسي ، وثامسطيوس ، وفرفوريوس. وصنف برقلس المنسب إلى أفلاطون في هذه المسألة كتابا أورد فيه هذه الشبه (١).

وقال السيد الداماد ره : من النقل الذائع الصحيح المتواتر أن أفلاطن والستة الباقين من الاساطين وغيرهم من القدماء على حدوث عالمي الامر والخلق بجميع أجزائه ، وأرسطوا وتلامذته على قدمه (٢) « انتهى » لكن الظاهر أنه كان مذهب أفلاطون حدوث الزمانيات فقط ، لاشتهار القول بقدم النفوس والبعد المجرد عنه (٣). وقال السيد ره في القبسات : القول بقدم العالم نوع شرك. وقال في

____________________

(١) نقل في القبسات الكلام الاخير أعنى من قوله « وإنما القول بقدم العالم .. » الخ عن كتاب الملل والنحل.

(٢) القبسات : ١٧. نقله بالمعنى :

(٣) هذا يؤيد قول السيد الداماد ره ان محط النزاع هو الحدوث الدهرى لا الحدوث الزمانى ، قال بعد نقل قول افلاطون وارسطو ما هذا لفظه : فلا يصح ان يعنى بهما القدم والحدوث الذاتيان بتة ولا ان يتوهم ان حريم النزاع هو الحدوث الزمانى ، اما يشعر أن من العالم المبحوث عن حدوثه نفس الزمان إلى ان قال فكيف يظن بافلاطن وسقراط ومن في مرتبتهما من افاخم الفلاسفة وأئمتهم انهم ينسبون الحدوث الزمانى للعالم الاكبر ويقولون ان نفس الزمان ومحله وحامل محله والجواهر المفارقة مسبوقة الوجود بالزمان وحاصلة الذات في الزمان وليس يتفوه بذلك من في دائرة العقلاء والمحصلين؟! وقال في رسالة « مذهب ارسطاطاليس » بعد كلام له : ولا يزيغ عن السبيل ولا يذهب إلى القول بحدوث الكل حدثا زمانيا كيانيا في زمان او آن عن عدم ممتد لاالى بداية الافريق من المهوشين في الدورة اليونانية وجماهر المتكلفين في الملة الاسلامية.

٢٣٩

موضع آخر منه : إنه إلحاد.

وقال الصدوق ره في كتاب التوحيد : الدليل على أن الله عزوجل عالم قادر حي لنفسه لا بعلم وقدرة وحيوة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل علمه من أحد أمرين : إما أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان حادثا فهو جل ثناؤه قبل حدوث العلم غير عالم ، وهذا من صفات النقص ، وكل منقوص محدث بما قدمناه. وإن كان قديما يجب (١) أن يكون غير الله عزوجل قديما ، وهذا كفر بالاجماع (٢). وقال ره في سياق إبطال مذاهب الثنوية : فأما ما ذهب إليه « ماني » « وابن ديصان » من خرافاتهما في الامتزاج ، ودانت به المجوس من حماقاتها في « أهرمن » فقاسد بمابه يفسد قدم الاجسام (٣). وقد عقد في هذا الكتاب بابا لاثبات الحدوث وأورد فيه الدلائل المشهورة التي سنشير إلى بعضها ، ولم نوردها مخافة الاطناب والتكرار. وقال فيما قال : لان المحدث هو ما كان بعد أن لم يكن والقديم هو الموجود لم يزل (٤). وقال في آخر الكلام : هذه أدلة التوحيد الموافقة للكتاب والآثار الصحيحة عن النبي والائمة عليهم‌السلام (٥).

وقال السيد المرتضى نقلا عن شيخه المفيد رفع الله شأنهما في الرد على أبي هاشم في القول بالحال ، فقال في أثناء كلامه : وكره أن يثبت الحال شيئا فتكون موجودة أومعدومة ، ومتى كانت موجودة لزمه على أصله واصولنا جميعا أنها لا تخلو من القدم أو الحدوث ، وليس يمكنه الاخبار عنها بالقدم ليخرج بذلك عن التوحيد ويصير بذلك أسوء حالا من أصحاب الصفات. وساق الكلام إلى أن قال : والقول بالهيولى وقدم الطينة أعذر من هؤلاء القوم إن كان لهم عذر ، ولا عذر للجميع فيما

____________________

(١) في المصدر : وجب.

(٢) التوحيد : ١٥٦.

(٣) التوحيد : ١٩٤.

(٤) التوحيد : ٢٢٢.

(٥) التوحيد : ٢٢٣.

٢٤٠