بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ارتكبوا من الضلال ، لانهم يقولون إن الهيولى هو أصل العالم ، وأنه لم يزل قديما ، والله تعالى محدث كما يحدث الصائغ من السبيكة خاتما ، والناسج من الغزل ثوبا ، والنجار من الشجر لوحا إلى آخر ما رد (١) عليهم.

ونقل العلامة ره في المختلف عن الشيخ المفيد كلاما يدل على أن القول بالقدم ليس من مذاهب المليين ، حيث قال : وأما الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممن عددناه ، لان جمهورهم توحد الصانع في الازل ، ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الاصل ، ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق وأنه المدبر لما في هذا العالم والدال عليه ، وعظموا الكواكب وعبدوها من دون الله عزوجل ، وسماها بعضهم ملائكة ، وجعلها بعضهم آلهة ، وبنوالها بيوتا للعبادات ، وهؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب وعباد الاوثان أقرب من المجوس. إلى آخر ما قال مما يؤيد ما ذكرنا.

وشيخ الطائفة قدس الله لطيفه عقد في كتاب الاقتصاد فصلا في أن الله تعالى واحد لا ثاني له في القدم ، وأقام الدلائل على ذلك إلى أن قال : فإذا ثبت ذلك بطل إثبات قديمين ، وإذا بطل وجود قديمين بطل قول الثنوية القائلين بالنور والظلمة وبطل قول المجوس القائلين بالله والشيطان ، وبطل قول النصارى القائلين بالتثليث. على أن قول الثنوية يبطل من حيث دللنا على حدوث الاجسام (٢). وأثبت حدوث

____________________

(١) أورد « ظ » اقول : كون الموجودات المادية مخلوقة من المواد امر يصدقه الكتاب والسنة ، والنصوص على خلق الانسان من الطين والسماوات والارض من الخدان والماء وكذا سائر الاشياء كثيرة جدا لا تكاد تخفى على من نظر في القرآن الكريم والروايات الشريفة والفرق بين خلق الله تعالى شيئا من مادة وبين تسوية النجار بابا من الخشب وصنع الصائغ خاتما من الذهب ان الله تعالى يفيض الصور على المواد المستعدة والانسان يعد المواد لقبول الصور ، مضافا إلى ان اعداده ايضا باذن الله تعالى واقداره عليه. واما الهيولى الاولى فقد مر الكلام فيها في ما مضى فراجع.

(٢) كلام الشيخ قدس‌سره كما ترى يؤيد كلام الفيض رضوان الله عليه المتقدم ذكره

٢٤١

الاجسام بالدلائل المشهورة عند المتكلمين.

والسيد المرضتى ره في كتاب « الغرر » أورد دلائل على إبطال القول بالهيولى القديمة.

وقال الشيخ المحقق أبوالفتح الكراجكي (١) تلميذ السيد المرتضى قدس الله نفسهما في كتاب « كنزالفوائد » : اعلم أيدك الله أن من الملاحدة فريقا يثبتون الحوادث ومحدثها ، ويقولون إنه لا أول لوجودها ، ولا ابتداء لها ، ويزعمون أن الله سبحانه لم يزل يفعل ولا يزال كذلك ، وأن أفعال لا أول لها ولا آخر ، فقد خالفونا في قولهم أن الافعال لا أول لها ، إذ كنا نعتقد أن الله تعالى ابتدأها وأنه موجود قبلها ، ووافقونا بقولهم أنه لا آخر لها لانهم وإن ذهبوا في ذلك إلى بقاء الدنيا على ما هي عليه ، واستمرار الافعال فيها ، وأنه لا آخر لها فإنا نذهب في دوام الافعال إلى وجه آخر وهو تقتضي أمر الدنيا وانتقال الحكم إلى الآخرة واستمرار الافعال فيها من نعيم أهل الجنة الذي لا ينقطع عن

____________________

في ذيل الصفحة « ٢٢٣ » فتدبر ، وقريب منه كلام الشيخ الكراجكى حيث نسب قدم العالم إلى الدهرية القائلين بعدم تناهى افراد الانسان والحيوان من جهة البدء ، لكنهم غير قائلين بالصانع الحكيم ولعله رحمه الله ألحق بهم من يقول بقدم الطبائع الكلية وعدم تناهى افرادها في البداية والنهاية وان قال بالصانع الحكيم أيضا ، وسيأتى كلام له صريح في ان الزمان فعل من افعال الله وانه ليس بين الواجب تعالى واول الافعال زمان أصلا ، بل القول بثبوت زمان عندئذ يناقض القول بالحدوث. وهو يفسر قوله ههنا « ان الله موجود قبل الافعال » بأن تلك القبلية ليست هى القبلية الزمانية المقتضية لوجود زمان قبل الخلق فتأمل.

(١) هو ابوالفتح محمد بن على بن عثمان الكراجكى شيخ فقيه جليل يعبر عنه الشهيد كثيرا ما في كتبه بالعلامة مع تعبيره عن العلامة الحلى ره بالفاضل. ترجمه صاحب المستدرك وذكر مؤلفاته ومشايخه منهم الشيخ المفيد والسيد المرتضى وسلار بن عبدالعزيز الديلمى.

وكتابه « كنزالفوائد » من الكتب المشهورة ، وقد اخذ منه جل من أتى بعده توفى رحمه الله كما عن تاريخ اليافعى سنة « ٤٤٩ » والكراجكى بالكاف المفتوحة والراء المهملة والجيم المضمومة نسبة إلى « كراجك » قرية على باب واسط.

٢٤٢

أهلها ، وعذاب النار الذي لا ينقضي عن المخلدين فيها ، فأفعال الله عزوجل من هذا الوجه لا آخر لها. وهؤلاء أيدك الله هم الدهرية القائلون بأن الدهر سرمدية لا أول لها ولا آخر ، وأن كل حركة تحرك بها الفلك فقد تحرك قبلها بحركة قبلها حركة من غير نهاية ، وسيتحرك بعدها بحركة بعدها حركة لا إلى غاية ، وأنه لا يوم إلا وقد كان قبله ليلة ، ولا ليلة إلا وقد كان قبلها يوم ولا إنسان تكون إلا من نطفة ، ولا نطفة تكونت إلا من إنسان ، ولا طائر إلا من بيضة ، ولا بيضة إلا من طائر ، ولا شجرة إلا من حبة ، ولا حبة إلا من شجرة ، و أن هذه الحوادث لم تزل تتعاقب ولا تزال كذلك ، ليس للماضي منها بداية ، ولا للمستقبل منها نهاية ، وهي مع ذلك صنعة لصانع لم يتقدمها ، وحكمة من حكيم لم يوجد قبلها ، وأن الصنعة والصانع قد يمان لم يزالا تعالى الله الذي لا قديم سواه ، وله الحمد على ما أسداه من معرفة الحق وأولاده ، وأنابعون الله اورد لك طرفا من الادلة على بطلان ما ادعاه الملحدون ، وفساد ما انتحله الدهريون.

اقول : ثم أورد رحمه الله أدلة شافية ، وأجوبة وافية ، وتحقيقات متينة ، و إلزامات رزينة ، سيأتي بعضها في محله ، ولم نوردها هنالانا سنذرها بوجه أخصر.

ثم ذكر مناظرته مع بعض القائلين بالقدم ، وأنه كتب ذلك إلى الشريف المرتضى ره وذكره الجواب الذي أورده السيد في ذلك ، فمن أراد الاطلاع على جميع ذلك فليرجع إلى ذلك الكتاب.

وقال السيد المرتضى ره في جواب سؤال ورد عليه في آية التطهير ، قال السائل : وإذا كانت أشباحهم قديمة وهم في الاصل طاهرون فأي رجس اذهب عنهم؟ فقال السيد في تضاعيف جوابه : وأما القول بأن أشباحهم عليهم‌السلام قديمة فهو منكر لا يطلق ، والقديم في الحقيقة هو الله تعالى الواحد الذي لم يزل ، وكل ما سواه محدث مصنوع مبتدأ ، له أول ، إلى آخر ما قال ره ثم قال :

مسألة : اعترض فلسفي فقال : إذا قلتم إن الله وحده لا شئ كان معه فالاشياء المحدثة : من أي شئ كانت؟ فقلنا لهم : مبتدعة لا من شئ. فقال : أحدثها معا أو في

٢٤٣

زمان بعد زمان؟ فقال : فإن قلتم معا فأوجدناكم (١) أنها لم تكن معا وأنها احدثت شيئا بعد شئ ، وإن قلتم أحدثها في زمان بعد زمان فقد صار له شريك.

والجواب عن ذلك أن الله تعالى لم يزل واحدا لا شئ معه ولا ثاني له ، وابتدأ ما أحدثه من غير زمان (٢) وليس يجب إذا أحدث بعد الاول حوادث أن يحدثها في زمان ، ولو جعل لها زمانا لما وجب بذلك قدم الزمان ، إذ الزمان حركات الفلك وما يقوم مقامها مما هو مقدارها في التوقيت فمن أين يجب عند هذا الفيلسوف أن يكون الزمان قديما إذا لم يوجد الاشياء ضربة واحدة لو لا أنه لا يعقل معنى الزمان إلى آخر ما أفاد في هذا المقام.

وقال المحقق الطوسي طيب الله روحه القدوسي في التجريد : ولا قديم سوى الله تعالى (٣). وقال فيه : وجود العالم بعد عدمه ينفي الايجاب. وقال ره

____________________

(١) في بعض النسخ : أوجدناكم.

(٢) هذا كما ترى تصريح من السيد ره بان الصادر الاول احدث من غير زمان فهو غير مسبوق بعد زمانى ، بل يمكن حدوث حوادث بعده ايضا من غير ان تحدث في زمان ولا ينفك عن تجرد الجميع أو الاول خاصة. وهذا مما يؤيد أن الحدوث الذى كان دائرا في السنة العلماء ووقع عليه الاجماع من اهل الملل ليس بمعنى وقوع العالم في جزء من الزمان ومسبوقيته بعدم زمانى كما يدعيه جمهور المتكلمين بل لا يلزم منه كون جميع العالم زمانيا أيضا الا ان يراد به العالم الجسمانى فتبصر وهذا المعنى هو الذى يستفاد من الروايات الشريفة لا سيمامما ورد في خلق نور النبى والائمة عليهم‌السلام وقد مر شطر منها في هذا الكتاب فراجع ، وسيأتى نقل المؤلف ره كلمات ثلة من اعاظم الاصحاب في هذا المعنى وارتضائه اياه فانتظر.

(٣) ينبغى لتحصيل مرامه من هذا الكلام النظر في ما افاده في معنى الحدوث والقدم فاليك نص ما ذكره في التجريد ، قال : والموجودان اخذ غير مسبوق بالغير فقديم والافحادث. ثم قال : والقدم والحدوث الحقيقان لا يعتبر فيهما الزمان والاتسلسل. وقال : الحدوث الذاتى متحقق ، ثم قال : ولا قديم سوى الله تعالى. هذا كلامه على اجمال ونقول : الحادث الزمانى كما عرفت ما يكون مسبوقا بعدم زمانى ، واثبات الحدوث بهذا المعنى للعالم مستلزم للتسلسل كما اشار اليه ، اذ من جملة العالم نفس الزمان وحدوثه بهذا المعنى يحتاج إلى زمان آخر وهكذا إلى غير النهاية. فالتزم جمهور المتكلمين تصحيحا لذلك ولما قالوا في القديم انه مقارن لزمان غيره متناء بان الزمان امر منتزع من ذات البارئ سبحانه. وهذا مضافا إلى عدم صحته

٢٤٤

في كتاب الفصول : اصل قد ثبت أن وجود الممكن من غيره ، فحال إيجاده لايكون موجودا لاستحالة إيجاد الموجود ، فيكون معدوما ، فوجود الممكن مسبوق بعدمه ، و هذا الوجود (١) يسمى حدوثا ، والموجود محدثا ، فكل ما سوى الواجب من الموجودات محدث. واستحالة الحوادث لا إلى أول كما يقوله الفلسفي لا يحتاج إلى بيان طائل

____________________

في نفسه لا يدفع الاشكال ، اما فساده في نفسه فلانهم ان ارادوا بكون الزمان منتزعا من ذات البارئ سبحانه انه موجود حقيقى ممكن ومع ذلك ينتزع من البارى تعالى فهو واضح السخافة على انه غير مسبوق بعدم زمانى ، وان ارادوا به انه امر موهوم كما صرح به بعضهم ففيه انه يستلزم الغاء كل تقديم وتأخر زمانى من رأس ، وعدم فرق بين الحوادث الماضية والاتية وهو سفسطة ظاهرة واما عدم دفعه للاشكال فلان العدم الزمانى انما يتصور في ماشأنه الوقوع في ظرف الزمان واذا فرض نفس الزمان كذلك يجب فرض زمان آخر يقع هذا الزمان في بعض اجزاء ذلك وهكذا فيبقى محذور التسلسل بحاله سواء قلنا بان الزمان امر منتزع اولم نقل. ولذا الغى المحقق الطوسى قدم سره القدوسى اعتبار الزمان في الحدوث والقدم مستدلا باستلزامه التسلسل فان اراد عدم اعتباره في مفهومهما لشولهما للذاتى والدهرى ايضا كان معناه عدم انحصارهما في الزمانى حتى يلزم التسلسل على القول بحدوث نفس الزمان ، وان اراد عدم اعتباره في الزمانيين كان ذلك اعتراضا عما التزم به المتكلمون في القديم من مقارنته للزمان الغير المتناهى وفي الحادث من مسبوقيته بزمان خال عن وجوده ، وكان حاصله انه يكفى في القديم الزمانى كونه خارجا عن ظرف الزمان ويجوز في الحادث الزمانى كونه غير مسبوق بزمان بشرط ان يكون زمانا أو زمانيا.

اذا عرفت هذا فاعلم انه ليس المراد بقوله « لاقديم سوى الله تعالى » انه تعالى مقارن لزمان غير متناه من جهة البدء وما سواه مقارن لزمان متناه بدءا وهذا ظاهر مما ذكرنا فالمراد به اما انحصار القدم الذاتى بالبارئ سبحانه وهو ضرورى : او نفى القدم المرادف للسرمدية عن غيره وهو ملازم لاثبات الحدوث الدهرى لما سوى الله تعالى. واما نفى القدم بمعنى الخروج عن ظرف الزمان عن غيره سبحانه وهو ملازم لاثبات الحدوث الزمانى بالمعنى الاخير للعالم ، لكنه لا يتم الامع انكار الجواهر المجردة او الحاق العالم العقلى بالصقع الربوبى كما فعله صدر المتألهين رحمة الله عليه.

(١) الوجه ( خ ).

٢٤٥

بعد ثبوت إمكانها المقتضي لحدوثها (١). ثم قال : مقدمة كل مؤثر إما أن يكون أثره تابعا للقدرة والداعي أو لا يكون بل يكون مقتضى ذاته ، والاول يسمى قادرا ، والثاني موجبا ، وأثر القادر مسبوق بالعدم (٢) ، لان الداعي لا يدعو إلا إلى المعدوم وأثر الموجب يقارنه في الزمان ، إذ لو تأخر عنه لكان وجوده في زمان دون آخر ، فإن لم يتوقف على أمر غير ما فرض مؤثرا تاما كان ترجيحا من غير مرجح ، وإن توقف لم يكن المؤثر تاما وقد فرض تاما وهذا خلف. ثم قال : نتيجة : الواجب المؤثر في الممكنات قادر ، إذلو كان موجبا لكانت الممكنات قديمة (٣) ، واللازم باطل لما تقدم ، فالملزوم مثله.

وسئل السيد مهنان بن سنان العلامة الحلي ره في جمله مسائله : ما يقول سيدنا في المثبتين الذين قالوا إن الجواهر والاعراض ليست بفعل الفاعل وإن

____________________

(١) الحدوث الذى يقتضيه امكان الحوادث هو الذاتى ، وقد صرح في التجريد بجواز استناد الممكن القديم « على فرض وجوده » إلى المؤثر ، ولازمه عدم الملازمة بين الامكان و الحدوث الزمانى ، الا انه استشكل فيه بانه مستلزم لا يجاب المؤثر ، وسيأتى الكلام فيه (٢) استحالة انفكاك المعلول من العلة قريب من البداهة وقد استدل باالمحقق الطوسى نفسه في كتبه الكلامية والحكمية غير مرة ولا فرق فيه بين العلة الموجبة و المختارة لتساوى الملاك فيهما ، واما انفكاك الحوادث عن الحق تعالى فليس من اجل كونه تعالى مختارا أو لعدم كونه علة بل لجهة اخرى يضيق المجال عن ذكرها وسيأتى الاشارة إليها واما ان الداعى لا يدعو الا إلى المعدوم فيعد حمل الداعى في مورد الواجب تبارك وتعالى على الغرض الغير الزائد على الذات نقول : ان اراد بالمعدوم ما يكون بذاته غير موجود فلا يثبت به تأخر الاثر عن المؤثر المختار زمانا ، وان اراد به المعدوم في زمان فممنوع لان من الاثر ما لا يكون زمانيا وليس من شأنه ان يقارن الزمان ، والتأخر الزمانى انما يتصور في مايقع في ظرف الزمان ، فكيف يحكم مطلقا بوجوب تأخر الاثر عن المؤثر القادر زمانا؟ واماما ذكره في التجريد من استحالة استناد الممكن القديم إلى المؤثر المختار ففيه ان حقيقة الاختيار كون الفاعل بحيث ان شاء فعل وان شاء لم يفعل وصدق الشرطية لا يتوقف على فعلية الطرفين فلقائل أن يقول : يمكن ان يكون الواجب قد شاء ان يخلق خلقا في الازل وفعل باختياره.

(٣) لكن قدم المكن لا يستلزم ايجاب المؤثر لما عرفت.

٢٤٦

الجوهر جوهر في العدم كما هو جوهر في الوجود فهل يكون هذا الاعتقاد الفاسد موجبا لتكفيرهم وعدم قبول إيمانهم وأفعالهم الصالحة وقبول شهادتهم ومناكحتهم أم لا يكون موجبا لشئ من ذلك؟ وأي شئ يكون حكمهم في الدنيا؟ فأجاب ره بأنه لا شك في رداءة هذه المقالة : وبطلان كلها ، لكن لا توجب تكفيرهم ولاعدم قبول إيمانهم وأفعالهم الصالحه ، ولارد شهادتهم ، ولا تحريم مناكحتهم ، وحكمهم في الدنيا و الآخرة حكم المؤمنين ، لان الموجب للتكفير هو اعتقاد قدم الجوهر وهم لا يقولون بذلك ، لان القديم يشترط فيه الوجود وهم لا يقولون بوجوده في الازل ، لكن حصلت لهم شبهة في الفرق بين الوجود والثبوت ، وجعلوا الثبت أعم من الوجود ، و أكثر مشايخ المتكلمين من المعتزلة والاشاعرة مثبتون ، فكيف يجوز تكفيرهم؟ ثم قال السيد ره : ما يقول سيدنا فيمن يعتقد التوحيد والعدل ولكنه يقول بقدم العالم؟ ما يكون حكمه في الدنيا والآخرة؟ فأجاب ره : من اعتقد قدم العالم فهو كافر بلا خلاف ، لان الفارق بين المسلم والكافر ذلك ، وحكمه في الآخرة حكم باقي الكفار بالاجماع. والشيخ الجليل أبوالصلاح الحلبي صرح في « تقريب المعارف » بالحدوث وأقام الدلائل عليه ، وكذا السيد الكبير ابن زهرة (١) في كتاب « غنية النزوع » أورد الدلائل على ذلك.

وقال النوبختى ره في كتاب « الياقوت » : الاجسام حادثة لانها إذا اختصت بجهة فهي إما للنفس ويلزم منه عدم الانتقال ، أو لغيره وهو إما موجب أو مختار ، والمختار ، قولنا ، والموجب يبطل ببطلان التسلسل ، ولانها لا تخلو من

____________________

(١) هو السيد أبوالمكارم حمزة بن على بن زهرة الحسينى الاسحاقى الحلبى المعروف بالشريف الطاهر ، هو وأبوه وجده وأخوه ابوالقاسم عبدالله بن على صاحب « التجريد » في الفقه وابنه محمد بن عبدالله كلهم من اكابر فقهائنا ، وبيتهم بيت جليل بحلب ، قال في القاموس « وبنو زهرة شيعة بحلب » له مصنفات كثيرة في الامامة والفقه والنحو وغير ذلك منها « غنية النزوع إلى علمى الاصول والفروع » و « قبس الانوار في نصرة العترة الاطهار » توفى رحمه الله سنة « ٥٨٥ » في سن اربع وسبعين وقبره بحلب بسفح جبل جوشن عند مشهد السقط.

٢٤٧

الاعراض الحادثة لعدمها المعلوم ، والقديم لا يعدم ، لانه واجب الوجود ، إذ لو كان وجوده جائزا لكان إما بالمختار وقد فرضناه قديما ، أو بالموجب ويلزم منه استمرار الوجود. فالمقصود أيضا حاصل.

وقال العلامة ره في شرحه : هذه المسألة من أعظم المسائل في هذا العلم ومدار مسائل كلها عليها ، وهي المعركة العظيمة بين المسلمين وخصومهم. واعلم أن الناس اختلفوا في ذلك اختلافا عظيما ، وضبط أقوالهم أن العالم إما محدث الذات والصفات وهو قول المسلمين كافة والنصارى واليهود والمجوس ، وإما أن يكون قديم الذات والصفات وهو قول أرسطو ، وثاوفرطيس ، وثاميطوس ، وأبي نصر ، وأبي علي بن سينا ، فإنهم جعلوا السماوات قديمة بذاتها وصفاتها ، إلا الحركات والاوضاع فإنها قديمة بنوعها ، بمعنى أن كل حادث مسبوق بمثله إلى ما لا يتناهى وإما أن يكون قديم الذات محدث الصفات ، وهو مذهب النكساغورس ، وفيثاغورس والسقراط ، والثنوية ، ولهم اختلافات كثيرة لا تليق بهذا المختصر. وإما أن يكون محدث الذات قديم الصفات ، وذلك مما لم يقل بة أحد لاستحالته وتوقف جالينوس في الجميع.

اقول : ثم ساق ره الكلام في الدلائل المذكورة في المتن. وقال ره في شرح التجريد مثل ذلك ، ونسب القول بالحدوث إلى جميع أرباب الملل. وقال ره في كتاب نهاية المرام في علم الكلام : قد اتفق المسلمون كافة على نفي قديم غير الله تعالى وغير صفاته ، وذهبت الامامية إلى أن القديم هو الله تعالى لا غير. وقال فيه أيضا القسمة العقلية منحصرة في أقسام أربعة :

الاول أن يكون العالم محدث الذات والصفات ، وهو مذهب المسلمين وغيرهم من أرباب الملل وبعض قدماء الحكماء.

الثانى أن يكون قديم الذات والصفات ، وهو قول أرسطو وجماعة من القدماء ومن المتأخرين قول أبي نصر الفارابي والرئيس ، قالوا : السماوات قديمة بذواتها وصفاتها ، إلا الحركات والاوضاع فإنها قديمة بنوعها لا بشخصها ، والعناصر الهيولى

٢٤٨

منها قديمة بشخصها ، وصورها الجسمية قديمة بنوعها لا بشخصها ، والصور النوعية قديمة بجنسها لابنوعها ولا بشخصها.

الثالث أن يكون قديم الذات محدثة (١) الصفات ، وهو قول من تقدم أرسطو بالزمان كثاليس الملطي ، والنكاغورس ، وفيثاغورس ، وسقراط ، وجميع الثنوية كالمانوية ، والديصانية ، والمرقوبية ، والماهانية. ثم هؤلاء افترقوا فرقتين : فذهب بعضهم إلى أن تلك الذات القديمة كانت جسما ، ثم اختلف هؤلاء : فزعم ثاليس أنه الماء ، لانه قابل لكل الصور ، وزعم أنه إذا انجمد صار أرضا وإذا لطف صار هواء ومن صفق الماء تكونت النار ، ومن النار تكون الدخان ، ومن الدخان تكونت السماء. ويقال : إنه أخذه من التورية لانه جاء في السفر الاول منه : إن الله تعالى خلق جوهرا فنظر نظر الهيبة فذابت أجزاؤه فصارت ماء ، ثم ارتفع بخار كالدخان فخلق منه السماوات ، وظهر على وجه الماء زبد فخلق منه الارض ، ثم أرساها بالجبال. وأما النكسيمايس فإنه زعم أن ذلك الجسم هو الهواء ، والنار تكونت من لطافته ، والماء والارض من كثافته ، وتكونت الاشياء عنها بالتلطيف. وقال آخرون : إنه البخار ، وتكون الهواء والنار عنه بالتلطيف والماء والارض بالتكثيف. وذهب انوفليطيس أنه النار ، وكونت الاشياء عنها بالتكاثف. وحكي أيضا أنه زعم أن الاشياء إنما انتظمت بالبخت ، وجوهر البخت هو نظر عقلي ينفذ في الجوهر الكلي وأما انكساغورس فإنه قال : ذلك الجسم هو الخليط الذي لانهاية له ، وهو أجسام غير متناهية ، وفيه من كل نوع أجزاء صغيرة ، مثلا فيه أجزاء على طبيعة الخبز ، وأجزاء على طبيعة اللحم ، فإذا اجتمع من تلك الاجزاء شئ كثير فصار بحيث يحس ويرى ظن أنه حدث. وهذا القائل بنى مذهبه على إنكار المزاج والاستحالة ، وقال بالكمون والظهور. وزعم بعض هولاء أن ذلك الخليط كان ساكنا في الازل ثم إن الله تعالى حركه فتكون منه هذا العالم. وذهب ذيمقراطيس إلى أن أصل العالم أجزاء كثيرة كرية الشكل قابلة للقسمة الوهمية دون

____________________

(١) المحدث ( خ ).

٢٤٩

القسمة الانفكاكية متحركه لذاتها حركات دائمة ثم اتفق في تلك الاجزاء أن تصادمت على وجه خاص ، فحصل من تصادمها على ذلك الوجه هذا العالم على هذا الشكل فحدثت السماوات والعناصر ، ثم حدثت من الحركات السماوية امتزاجات هذه العناصر ، ومنها هذه المركبات. ونقل الشيخ في الشفاء عنه أنه قال : إن هذه الاجزاء إنما تتخالف بالشكل وإن جوهرها جوهر واحد بالطبع ، وإنما تصدر عنها أفعال مختلفة لاجل الاشكال المختلفة. وقالت الثنوية : أصل العالم هو النور والظلمة. والفرقة الثانية الذين قالوا أصل العالم ليس بجسم ، وهم فريقان :

الاول الجرمانية ، وهم الذين أثبتوا القدماء الخمسة : البارئ تعالى ، والنفس والهيولى ، والدهر ، والخلاء. قالوا : البارئ تعالى في غاية التمام في العلم والحكمة لايعرض له سهو ولا غفلة ، [ و ] يفيض عنه العقل كفيض النور عن القرص ، وهو يعلم الاشياء علما تاما ، وأما النفس فإنه يفيض عنه الحياة فيض النور عن القرص لكنها جاهلة لا تعلم الاشياء ما لم تمارسها ، وكان البارئ تعالى عالما بأن النفس تستميل إلى التعلق بالهيولى وتعشقها وتطلب اللذة الجسمية وتكره مفارقة الاجساد وتنسى نفسها ، ولما كان من شأن البارئ تعالى الحكمة التامة عمد إلى الهيولى بعد تعلق النفس بها ، فركبها ضروبا من التركيب ، مثل السماوات والعناصر ، وركب أجسام الحيوانات على الوجه الاكمل ، والذي بقي فيها من الفساد غير ممكن الزوال. ثم إن الله تعالى أفاض على النفس عقلا وإدراكا وصار ذلك سببا لتذكرها عالمها ، وسببا لعلمها بأنها لا تنفك عن الآلام مادامت في العالم الهيولاني ، وإذا عرفت النفس هذا وعرفت أن لها في عالمها اللذات الخالية عن الالم اشتقات إلى ذلك العالم ، وعرجت بعد المفارقة ، وبقيت هناك أبدالآبادفي نهاية البهجة والسعادة. قالوا : وبهذا الطريق زالت الشبهات الدائرة بين الفلاسفة القائلين بالقدم ، وبين المتكلمين القائلين بالحدث.

الفريق الثانى أصحاب فيثاغورس ، وهم الذين قالوا : المبادئ هي الاعداد المتولدة من الوحدات ، لان قوام المركبات بالبسائط وهي امور كل واحد منها واحد في نفسه ، ثم تلك الامور إما أن تكون لها جهات وراء كونها وحدات أولا

٢٥٠

يكون ، فإن كان الاول كانت مركبة ، لان هناك تلك الماهية مع تلك الوحدة وكلا مناليس في المركبات بل في مبادئها ، وإن كان الثاني كان مجرد وحدات ، وهي لابد وأن تكون مستقلة بأنفسها ، وإلا لكانت مفتقرة إلى الغير ، فيكون ذلك الغير أقدم منها وكلامنا في المبادئ المطلقة وهذا خلق ، فإن الوحدات امور قائمة بأنفسها ، فإن عرض الوضع للوحدة صارت نقطة ، وإن اجتمعت نقطتان حصل الخط فإن اجتمع خطان حصل السطح ، فإن اجتمع سطحان حصل الجسم ، فظهر أن مبدء الاجسام الوحدات. ونقل أيضا عنه أن الوحدة تنقسم إلى وحدة بالذات غير مستفادة من الغير ، وهو الذي لا تقابلها الكثرة ، وهو المبدء الاول ، وإلى وحدة مستفادة من الغير وهي مبدأ الكثرة ، وليست بداخلة فيها بل يقابلها الكثرة ، ثم يتألف منها الاعداد ، وهى مبادئ الموجودات ، وإنما اختلف (١) الموجودات في طبائعها لاختلاف الاعداء بخواصها.

الرابع أن يكون العالم قديم الصفات محدث الذات ، وهو محال ، لم يقل به أحد لقضاء الضرورة ببطلانه. وأما جالينوس فانه كان متوقفا في الكل « انتهى ».

وإنما أوردنا هذه المذاهب السخفية ليعيم أن أساطين الحكماء تمسكوا بهذه الخرافات وتفوهوا بها ، ويتبعهم أصحابهم ويعظمونهم ، وإذا سمعوا من أصحاب الشريعة شيئا مما أخذوه من كتاب الله وكلام سيد المرسلين والائمة الراشدين عليهم‌السلام ينكرون ويستهزئون ، قاتلهم الله أنى يؤفكون (٢).

____________________

(١) في المخطوطة : اختلفت.

(٢) نقل صدر المتألهين في خاتمة رسالته التى صنعها في حدوث العالم كلمات ثلة من قدماء الفلاسفة ، وحملها على الرمز والاشارة ، كما هو دأبه في جميع المباحث ، ومقتضى حسن ظنه بهم ، لاعتقاده أنهم اخذوا الحكمة من الانبياء والاولياء عليهم‌السلام كادريس وداود وسليمان ولقمان وغيرهم ، وانما لم يصرحوا بالمطالب خوفا من وقوعها في أيدى الجهال ) وحرصا على كتمان العلم عن غير أهله وتقية من السلاطين والجبابرة الذين كانوا ينكرون هذه الحقائق ، والله اعلم بالحقائق. وقد مر حكاية صاحب الملل والنحل القول بالحدوث عن ثاليس وانكساغورس وانكسيمايس وفيثاغورس وانباذقلس وسقراط وافلاطون وتصحيح المحقق الطوسى ره لنقله

٢٥١

وقال المحقق الدواني في انموذجه : وقد خالف في الحدوث الفلاسفة أهل الملل الثلاث ، فإن أهلها مجمعون على حدوثه بل لم يشذ من الحكم بحدوثه من أهل الملل مطلقا إلا بعض المجوس ، وأما الفلاسفة فالمشهور أنهم مجمعون على قدمه على التفصيل الآتي ، ونقل عن أفلاطون القول بحدوثه وقد أوله بعضهم بالحدوث الذاتي. ثم قال : فنقول : ذهب أهل الملل الثلاث إلى أن العالم ما سوى الله تعالى وصفاته من الجواهر والاعراض حادث أي كائن بعد أن لم يكن بعدية حقيقة لابالذات فقط ، بمعنى أنها في حد ذاتها لا يستحق الوجود فوجودها متأخر عن عدمها بحسب الذات كما تقوله الفلاسفة. ويسمونه الحدوث الذاتي ، على ما في تقرير هذا الحدوث على وجه يظهر به تأخر الوجود عن العدم من بحث دقيق أوردناه في حاشية شرح التجريد. وذهب جمهور الفلاسفة إلى أن العقول والاجرام الفلكية ونفوسها قديمة ، ومطلق حركاتها وأوضاعها وتخيلاتها أيضا قديمة ، فإنها لم تخل قط عن حركة ووضع وتخيل لجزئيات الحركة ، وبعضهم يثبتون لها بسبب استخراج الاوضاع الممكنة من القوة إلى الفعل وحدوث مناسبة لها بمبدئها الكامل من جميع الوجوه كمالات تفيض على نفوسها من المبادئ ، لكن محققيهم على ما ذكره أبونصر وأبوعلي في تعليقاتهما نقلا عن أرسطاطاليس ذهبوا إلى أن المطلوب لها نفس الحركة ، وبها يتم التشبه بمبادئها ، فإنها بالفعل من حيث الذات وسائر الصفات إلا ما يتعلق بالحركة من الاوضاع الجزئية ، فإنها لاتحتمل الثبات بالشخص ، فاستحفظ نوعها تتميما للتشبه بالمبادئ التي هي بالفعل من جميع الوجوه ، ولما كان التشبه لازما للحركة جعلها الغاية المطلوبة باعتبار اللازم.

____________________

نعم نقل عن ثاليس ان اصل العالم الجسمانى هو الماء ، وعن انكسيمايس انه الهواء ، وعن ذيمقراطيس انه الاجزاء التى لا تتجزأ وهكذا ، لكنها لا تنافى القول بالحدوث ، كما ان ظاهر القرآن الشريف والاخبار المتظافرة أن أصل العالم الجسمانى هو الماء كما مر الكلام فيه في اوائل هذا الكتاب ، وأما أن المراد بالماء هل هو هذا الجسم المركب من اكسيجين وايدرجين أوشئ آخر شبيه به فمما لا سبيل إلى تعيينه.

٢٥٢

والعنصريات بموادها ومطلق صورها الجسمية والنوعية ومطلق أعراضها قديمة عندهم ، لان مذهبهم أنه بالفك تنعدم الصورة الواحدة وتحدث الاثنتان ، وباتصال المنفصل تنعدم الاثنتان وتحدث واحدة ، نعم الاشراقيون منهم على بقاء الصورة الجسمية مع طريان الانفصال والاتصال ، وأما النفوس الناطقه الانسانية فبعضهم قائل بقدمها ، وربما ينقل عن أفلاطون ، وهذا مخالف لما ينقل عنه من حدوث العالم والمشاؤون منهم ومعظم من عداهم على حدوثها.

وقال نحوا من ذلك في كتاب شرح العقائد العضدية ، وقال فيه : المتبادر من الحدوث الوجود بعد أن لم يكن بعدية زمانية ، والحدوث الذاتي مجرد اصطلاح من الفلاسفة. وقال : والمخالف في هذا الحكم الفلاسفة ، فإن أرسطاطاليس وأتباعه ذهبوا إلى قدم العقول والنفوس الفلكية والاجسام الفلكية بموادها وصورها الجسمية والنوعية وأشكالها وأضوائها ، والعنصريات بموادها ، ومطلق صورها الجسمية لا أشخاصها ، وصورها النوعية قيل بجنسها فإن صور خصوصيات أنواعها لا يجب أن تكون قديمة ، والظاهر من كلامهم قدمها بأنواعها. ثم قال : ونقل عن جالينوس التوقف ، ولذلك لم يعد من الفلاسفة لتوقفه فيما هو من اصول الحكمة عندهم « انتهى ».

ولنكتف بما أوردنا من كلام القول في ذلك ، وإيراد جميعها أو أكثرها يوجب تطويلا بلاطائل ، ويستنبط مما أوردنا أحد الدلائل على الحدوث ، فإنه ثبت بنقل المخالف والمؤالف اتفاق جميع أرباب الملل مع تباين أهوائهم وتضاد آرائهم على هذا الامر ، وكلهم يدعون وصول ذلك عن صاحب الشرع إليهم ، وهذا مما يورث العلم العادي بكون ذلك صادرا عن صاحب الشريعة ، مأخوذا عنه ، وليس هذا مثل سائر الاجماعات المنقولة التي لا يعلم المراد منها ، وتنتهي إلى واحد وتبعه الآخرون ولا يخفى الفرق بينهما على ذي مسكة من العقل والانصاف.

٢٥٣

(المقصد الثالث)

* (في كيفية الاستدلال بما تقدم من النصوص) *

فاقول : إذا أمعنه النظر فيما قدمناه ، وسلكت مسلك الانصاف ، ونزلت عن مطية التعنت والاعتساف ، حصل لك القطع من الآيات المتظافرة والاخبار المتواترة الواردة بأساليب مختلفة ، وعبارات متفنة ، من اشتمالها على بيانات شافية وأدلة وافية ، بالحدوث بالمعنى الذي أسلفناه. ومن تتبع كلام العرب وموارد استعمالاتهم وكتب اللغة ، يعلم أن الايجاد ، والاحداث ، والخلق ، والفطر ، و الابداع ، والاختراع ، والصنع ، والابداء ، لا تطلق إلا على الايجاد بعد العدم.

قال المحقق الطوسي ره في شرح الاشارات : إن أهل اللغة فسرو الفعل بإحداث شئ وقال أيضا : الصنع إيجاد شئ مسبوق بالعدم ، وفي اللغة : الابداع الاحداث ، ومنه « البدعة » لمحدثات الامور ، وفسروا الخلق بإبداع شئ بلامثال سابق. وقال ابن سينا في رسالة الحدود : الابداع اسم مشترك لمفهومين : أحدهما تأييس شئ لاعن شئ ولا بواسطة شئ ، والمفهوم الثاني أن يكون للشئ وجود مطلق عن سبب بلا متوسط وله في ذاته أن يكون موجودا ، وقد أفقد الذي في ذاته إفقادا تاما.

ونقل في الملل والنحل عن ثاليس الملطي أنه قال : الابداع هو تاييس ماليس بأيس ، فإذا كان مؤيس الايسات فالتأييس لا من شئ متقادم « انتهى ».

ومن تتبع الآيات والاخبار لا يبقى له ريب في ذلك كقوله « لا من شئ فيبطل الاختراع ، ولا لعلة فلا يصح الابتداع » مع أنه قد وقع التصريح بالحدوث بالمعنى المعهود في أكثر النصوص المتقدمة ، بحيث لا يقبل التأويل ، وبانضمام الجميع بعضها مع بعض يحصل القطع بالمراد. ولذا ورد أكثر المطالب الاصولية الاعتقادية كالمعاد الجسماني وإمامة أميرالمؤمنين عليه‌السلام وأمثالهما في كلام صاحب الشريعة بعبارات مختلفة وأساليب شتى ، ليحصل الجزم بالمراد من جميعها ، مع أنها

٢٥٤

اشتملت على أدلة مجملة من تأمل فيها يحصل له القطع بالمقصود ، ألا ترى إلى قولهم عليهم‌السلام في مواضع « لو كان الكلام قديما لكان إلها ثانيا » وقولهم « وكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه » إشارة إلى أن الجعل لا يتصور للقديم ، لان تأثير العلة إما إفاضة أصل الوجود وإما إفادة بقاء الوجود و استمرار الجعل الاول ، و الاول هي العلة الموجدة ، والثاني هي المبقية ، والموجود الدائمي محال أن تكون له علة موجدة كما تحكم به الفطرة السليمة ، سواء كان بالاختيار أو بالايجاب لكن الاول أوضح وأظهر.

ومما ينبه عليه أن في الحوادث المشاهدة في الآن الاول تأثير العلة هو إفاضة أصل الوجود ، وفي كل آن بعده من آنات زمان الوجود تأثير العلة هو إبقاء الوجود واستمرار الجعل الاول ، فلو كان ممكن دائمي الوجود فكل آن يفرض من آنات زمان وجوده الغير المتناهي في طرف الماضي فهوآن البقاء واستمرار الوجود ، ولا يتحقق آن إفاضة أصل الوجود ، فجميع زمان الوجود هو زمان البقاء ، ولا يتحقق آن ولا زمان للايجاد وأصل الوجود قطعا (١).

فنقول في توجيه الملازمة في الخبر الاول : لو كان الكلام الذي هو فعله تعالى قديما دائمي الوجود لزم أن لا يحتاج إلى علة أصلا ، أما الموجدة فلما مر ، وأما المبقية فلانها فرع الموجدة ، فلو انتفى الاول انتفى الثاني بطريق أولى ، والمستغني عن العلة أصلا هو الواجب الوجود ، فيكون إلها ثانيا وهو خلاف المفروض أيضا لان المفروض أنه كلام الواجب وفعله سبحانه. ومثله يجري في الخبر الثاني. ويؤيده ما روى في الكافي وغيره في حديث الفرجة عن الصادق عليه‌السلام حيث قال للزنديق : ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما. فيلزمك ثلاثة « الخبر » (٢) حيث حكم على الفرجة

____________________

(١) من الواضح اختصاص هذا البيان بما هو واقع في ظرف الزمان دون نفسه وما هو خارج عنه.

(٢) الكافى : ج ١ ، ص٨١.

٢٥٥

من جهة القدم بكونه إلها ثالثا واجب الوجود.

إذا تقرر هذا فاعلم أن علة الحاجة إلى الموثر حينئذ يمكن أن تكون هي الامكان لان مصداق مفهوم الامكان حينئذ منحصر في الحوادث ، والفرد المفروض أنه قديم لايصدق عليه الامكان في نفس الامر ، بل من أفراد الممتنع ، لاستلزامه التسلسل المستحيل مطلقا كما سيجيئ ، والممتنع بالذات قد يكون مركبا كالمجموع المركب من الضدين والنقيضين. ويمكن أن تكون علة الحاجة إلى المؤثر هي الحدوث أوالامكان بشرط الحدوث ، وقد ذهب إلى كل منها جماعة ، وأحد الاخيرين هو الظاهر من أكثر الاخبار كما أومأنا إليه في بعضها (١). ومنها حديث الرضا عليه‌السلام في علة خلق السماوات والارض في ستة أيام.

ويدل عليه ما روي عن الرضا عليه‌السلام أنه دخل عليه رجل فقال : يا ابن رسول الله! ما الدليل على حدوث العالم؟ قال : إنك لم تكن ثم كنت ، وقد علمت أنك لم تكون نفسك ، ولا كونك ، من هو مثلك. فإن الظاهر أن مراد السائل من حدوث العالم إثبات الصانع بناء على التلازم بينهما بقرينة الجواب ، واستدل عليه‌السلام بوجود المخاطب بعد عدمه أي حدوثه الزماني على الصانع تعالى (٢).

ومن الدلائل على الحدوث ما يدل على أوليته تعالى ، فإن الاولية

____________________

(١) لم نجد في الاخبار الشريفة ما يدل على المدعى ، وقد عرفت عدم دلالة ما تمسك به لذلك فراجع.

(٢) لاشك انه عليه‌السلام استدل من طريق حدوث المخاطب الثابت بالوجدان على وجود الصانع ، لكن من الممكن ان يكون قد استدل بالحدوث على الامكان وبالامكان على وجود الصانع ، واكتفى بذكر الحدوث لوضوح الملازمة بينه وبين الامكان ، فلا يثبت به العكس اعنى ملازمة الامكان مع الحدوث ايضا ، وعلى هذا فلا يستفاد منه ان ملاك الاحتياج إلى المؤثر هو الحدوث او الامكان بشرط الحدوث كما لا يخفى على انه قد ثبت في محله بالبرهان القطعى ان الملاك مجرد الامكان لاغير ، وصريح به المحقق الطوسى في التجريد ، ولو فرض وجود ما ظاهره خلاف ذلك لوجب صرفه عن ظاهره.

٢٥٦

مفسرة بأنه سبحانه قبل كل شئ (١).

ومنها : الآيات والاخبار الدالة على فناء جميع الموجودات ، وقد مر بعضها هنا وبعضها في المجلد الثالث ، وذلك بضم مقدمة مسلمة عند القائلين بالقدم ، وهي أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه (٢).

وقد روى في الاحتجاج في حديث الزنديق الذي سأل الصادق عليه‌السلام عن مسائل أنه قال : فيتلاشى (٣) الروح بعد خروجها عن قالبه أم هو باق؟ قال عليه‌السلام بل باق إلى وقت ينفخ في الصور ، فعند ذلك تبطل الاشياء وتفنى فلا حس يبقى ولا محسوس ثم اعيدت الاشياء كما بدأها يدبرها (٤) وذلك أربعمأة سنة يثبت فيها الخلق و ذلك بين النفختين (٥).

ويدل على حدوث السماوات الآيات والاخبار الدالة على انشقاقها وانفطارها وطيها وانتشار الكواكب منها بما مر من التقريب ، وقد مضى جميع ذلك في المجلد الثالث.

ومنها الآيات والاخبار الدالة على خلق السماوات والارض في ستة أيام

____________________

(١) قد عرفت معنى الاولية والاخرية في اوائل الكتاب واستحالة كون تقدمه سبحانه على العالم زمانيا فراجع.

(٢) لو ثبت باخبار الصادقين ان العالم الجسمانى بجميع اجزائه وتوابعه يفنى قبل قيام الساعة حتى انه لا يبقى نفس الزمان ايضا لكان ذلك دليلا على حدوثه ، لكن اثباته لا يخلو عن اشكال ، ومما يشعر بعدمه تعيين الوقت لذلك في الروايات ، فيشهد بوجود الزمان حينئذ وهو غيره تعالى بالضرورة ، وربما يجد المتتبع شواهد اخرى ، منها استثناء من شاء الله عن حكم نفخ الصور ، قال تعالى « ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الارض إلا من شاء الله » « الزمر : ٦٨ » على ان ظاهر الاية صعق اهل السماوات والارض لافناء جميع الموجودات.

والبحث طويل الذيل ولا مجال للتوسع فيه ، واللبيب لا يحتاج إلى التنبيه على أن عدم دلالة هذه الادلة غير ملازم للقول بقدم العالم ، فللحدوث برهان آخر مذكور في محله.

(٣) في المصدر : افتتلاشى.

(٤) في المصدر : مدبرها.

(٥) الاحتجاج : ١٩٢.

٢٥٧

لان الحادث في اليوم الاخير مسبوق بخمسة أيام فيكون منقطع الوجود في الماضي والموجود في اليوم الاول زمان وجوده أزيد على زمان الاخير بقدر متناه فالجميع متناهي الوجود حادث ، فيكون الزمان الموجود الذي يثبتونه أيضا متناهيا ، لانه عندهم مقدار حركة الفلك (١) وقد مر تأويل الابام وكيفية تقديرها في تفسير الآيات.

وإذا أحطت خبرا بما نقلنا من الآيات والاخبار المتواترة الصريحة فهل يجترى عاقل استشم رائحة من الدين أن يعرض عن جميع ذلك وينبذها وراء ظهره تقليدا للفلاسفة ، واتكالا على شبهاتهم الكاسدة ، ومذاهبهم الفاسدة؟! وستعرف أنها أوهن بيت العنكبوت ، بفضل الحي الذي لا يموت.

قال المحقق الدواني في انموذجه بعدما تكلم في شبهاتهم : لا يذهب عليك أنه إذا ظهر الخلل في دلائل قدم العالم وثبت بالتواتر وإخبار الانبياء الذين هم اصول البرايا وإجماع أهل الملل على ذلك وقد نطق به الوحي الالهي على وجه لا يقبل التأويل إلا بوجه بعيد تتنفر عنه الطبائع السليمة والاذهان المستقيمة فلا محيص عن اتباع الانبياء في ذلك والاخذ بقولهم كيف وأساطين الفلاسفة ينسبون أنفسهم إليهم وينسبون اصول مقالاتهم على ما يزعمون أنها مأخوذة منهم ، فإذن (٢) تقليد هؤلاء الاعاظم الذين اصطفاهم الله تعالى وبعثهم لتكميل العباد ، والارشاد إلى صلاح المعاش والمعاد ، وقد أذعن لكلامهم الفلاسفة أولى وأخرى من تقليد الفلاسفة الذين هم معترفون برجحان الانبياء عليهم‌السلام عليهم ، ويتبركون بالانتساب إليهم. ومن العجب العجاب أن بعض المتفلسفة يتمادون في غيهم ويقولون إن كلام الانبياء مؤول ولم يريدوا به ظاهره ، مع أنا نعلم أنه قد نطق القرآن المجيد في أكثر المطالب

____________________

(١) هذا بناء على كون الفلك راسما للزمان ، وأما على جواز ارتسام الزمان بحركة كل جسم فيحتاج إلى اثبات حدوث جميع الاجسام ومنها الماء الذى هو مادة خلق الارض والدخان الذى هو مادة السماوات.

(٢) في المخطوطة : فان.

٢٥٨

الاعتقادية بوجه لا يقبل التأويل أصلا ، كما قال الامام الرازي : لا يمكن الجمع بين الايمان بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنكار الحشر الجسماني ، فإنه قد ورد من القرآن المجيد التصريح به ، بحيث لا يقبل التأويل أصلا.

واقول : لا يمكن الجمع بين قدم العالم والحشر الجسماني أيضا ، لان النفوس الناطقة او كانت غير متناهية على ما هو مقتضى القوم بقدم العالم (١) امتنع الحشر الجسماني عليهم ، لانه لابد في حشرهم جميعا من أبدان غير متناهية ، و أمكنة غير متناهية ، وقد ثبت أن الابعاد متناهية. ثم التأويلات التي يتمحلونها في كلام الانبياء عسى أن يتأتى مثلها في كلام الفلاسفة ، بل أكثر تلك التأويلات من قبيل المكابرات للسوفسطائية ، فإنا نعلم قطعا أن المراد من هذه الالفاظ الواردة في الكتاب والسنة هي معانيها المتعارفة عند أهل اللسان ، فإنا كما لا نشك في أن من يخاطبنا بالاستفسار عن مسألة الجزء الذي لا يتجزألا يريد بذلك الاستفسار عن حال زيد مثلا في قيامه وقعوده ، كذلك لا نشك في أن المراد بقوله تعالى : « قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم » هو هذه المعاني الظاهرة ، لا معنى آخر من أحوال المعاد الروحانى الذي يقول به الفلاسفة!

وبالجملة : فنصوص الكتاب يجب الحمل على ظاهرها ، والتجاوز عن هذا النهج غي وضلال ، والتزامه طريق أهل الكمال « انتهى ».

ولقد أحسن وأجاد ، لكن ما يظهر من كلامه من أن النصوص الواردة في الحدوث قابلة للتأويل البعيد ليس كذلك ، بل إن كان بعضها قابلا فالمجموع يفيد القطع بالمقصود ، ولعله إنما قال ذلك لعدم اطلاعه على نصوص أئمة الهدى عليهم‌السلام أو لعدم اعتقاده بها كما هو ظاهر حاله ، وإن أشعر بالتدين بالحق في بعض المواضع. وأما منافاة القول بالقدم مع الحشر الجسماني فإنما يتم لو ذهبوا إلى عدم تناهي

____________________

(١) لا ملازمة بين القول بقدم العالم وبين القول بقدم النوع الانسانى كما لا يخفى ، نعم ظاهر ما حكى عن بعض قدماء الفلاسفة قدم جميع الانواع وانكار الحشر الجسمانى.

٢٥٩

عدد النفوس ووجوب تعلق كل واحدة بالابدان لا على سبيل التناسخ كما ذهب إليه أرسطو ومن تأخر عنه ، أما لو قيل بقدمها وحدوث تعلقها بالابدان كما ذهب إليه أفلاطون ومن تبعه فإنه ذهب إلى قدم النفس وحدها وحدوث سائر العالم وتناهي الابدان أو قيل بجواز تعلق نفس واحدة بأبدان كثيرة غير متناهية على سبيل التناسخ وأن في المعاد يرجع النفس مع بدن واحد فلا يتم أصلا.

نعم القول بقدم النفوس البشرية بالنوع وحدوثها بحدوث الابدان على سبيل التعاقب وعدم تناهيها كما ذهب إليه المشائيون على ما نقل عنهم المتأخرون مما لا يجتمع مع التصديق بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل الانبياء عليهم‌السلام من وجوه اخر أيضا :

الاول : التصديق بوجود آدم وحواء على ما نطق به القرآن والسنة المتواترة مشروحا.

الثانى : أنهم ذهبوا إلى قدم هيولى العناصر بالشخص وتعاقب صور غير متناهية عليها فلابد لهم من القول بتكون أبدان غير متناهية من حصص تلك الهيولى وتعلق صور نفوس غير متناهية بكل حصة منها. وعندهم أيضا أنه لا يمكن اجتماع صورتين في حصة من تلك الهيولى دفعة ، فيلزمهم اجتماع نفوس غير متناهية في بدن واحد إن اعترفوا بالمعاد الجسماني. إلى غير ذلك من المفاسدتركناها روما للاختصار.

(المقصد الرابع)

في ذكر نبذ من الدلائل العقلية على هذا المقصد وإن كان خارجا عن مقصود الكتاب ، تشييدا لهذا المقصد من كل باب ، وإن أفضى إلى بعض الاطناب. وهو مشتمل على مطالب :

المطلب الاول : في إبطال التسلسل مطلقا (١) وهو مفتقر إلى تمهيد مقدمات :

____________________

(١) هذا البحث من الابحاث الفلسفية ، وقد استوفى بما لا مزيد عليه في الكتب الحكمية لا سيما في كتب صدر المتألهين فراجع.

٢٦٠