ولا أبالي ، ولا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون.
قال : وشرط في ذلك البداء فيهم ، ولم يشترط في أصحاب اليمين البداء ، ثمّ خلط المائين جميعا في كفّه فصلصلهما ، ثمّ كفأهما قدّام عرشه ، وهما سلالة من الطين ، ثمّ أمر الله الملائكة الأربعة ، الشمال والجنوب والصبا والدبور ، أن يجولوا على هذه السلالة من الطين فأبرأوها وأنشأوها ثمّ جزّأوها وفصّلوها وأجروا فيها الطبائع الأربعة : الريح والدم والمرّة والبلغم ، فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والجنوب والصبا والدبور ، وأجروا فيها الطبائع الأربعة ، الريح في الطبائع الأربعة من البدن من ناحية الشمال ، والبلغم في الطبائع الأربعة من ناحية الصبا ، والمرّة في الطبائع الأربعة من ناحية الدبور ، والدم في الطبائع الأربعة من ناحية الجنوب. قال : فاستقلّت النسمة وكمل البدن ، فلزمه من ناحية الريح حبّ النساء وطول الأمل والحرص ، ولزمه من ناحية البلغم حبّ الطعام والشراب والبرّ والحلم والرفق ، ولزمه من ناحية المرّة الغضب والسفه والشيطنة والتجبّر والتمرّد والعجلة ، ولزمه من ناحية الدم حبّ الفساد واللذّات وركوب المحارم والشهوات. قال : فخلق الله آدم ، فبقي أربعين سنة مصوّرا ، فكان يمرّ به إبليس اللعين فيقول : لأمر مّا خلقت! قال : فقال إبليس : لئن أمرني الله بالسجود لهذا لأعصينّه ، قال : ثمّ نفخ فيه ، فلمّا بلغت الروح فيه إلى دماغه عطس ، فقال : الحمد لله ، فقال الله له : يرحمك الله ، فسبقت له من الله الرحمة ، ثمّ قال الله ـ تبارك وتعالى ـ للملائكة : (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا)(١) ، فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد ، فأبى أن يسجد ، فقال الله ـ عزوجل ـ : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(٢). قال الصادق عليهالسلام : أوّل من قاس إبليس واستكبر ، والاستكبار هو أوّل معصية عصي الله بها ، قال : فقال إبليس : يا ربّ أعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ، فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : لا حاجة لي إلى عبادتك أنا أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد ، فأبى أن يسجد ، فقال الله : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ)(٣) ، فقال إبليس : يا ربّ وكيف وأنت العدل الّذي لا يجور ولا يظلم ، فثواب عملي بطل؟ قال : لا ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فأعطيك ، فأوّل ما سأل ، البقاء إلى يوم الدين!
__________________
(١) البقرة ٢ : ٣٤.
(٢) الأعراف ٧ : ١٢.
(٣) الحجر ١٥ : ٣٤ ـ ٣٥.