قاعدة «قبح العقاب بلا بيان»
وهكذا يتمسّك للحكم بجواز ما لم يعلم التكليف به ـ سواء الوجوب أو التحريم ـ بقاعدة «قبح العقاب بلا بيان». وهي قاعدة عقلانيّة ومتأيّدة بدليل الكتاب والسّنّة ، فمن الكتاب :
قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١). وبعث الرسول كناية عن إبلاغ التكليف.
وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(٢). قوله : «ليضلّ» أي ليخذلهم بترك العناية بهم وإذلالهم بالعقاب.
وهذا يدلّ أن لا مؤاخذة على تكليف لم يبلغه ، إذا لم يكن للمكلّف تقصير في ذلك.
ومن السّنّة ، أشهرها حديث الرفع (٣) المأثور عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما رواه الفريقان مستفيضا ، قال : «رفع عن أمّتي تسع ... وعدّ منها : ما لا يعلمون». الشامل بعمومه كلّا من الجاهل بالحكم أو الموضوع.
والرفع هنا رفع للمؤاخذة على ترك تكليف كان يجهله ـ لا عن تقصير ـ كما مرّ في دلالة الكتاب.
(ملحوظة) : وممّا يجدر التنبّه له أن لا صلة بين هذه القاعدة (قاعدة قبح العقاب بلا بيان) وأصل الإباحة الذاتيّة المتقدّمة. حيث هذه القاعدة بيان لحكم ظاهري بحت وموضوعه الجهل بالواقع. وهذا نظير الأحكام الثانويّة ، حيث نظرا للموضوعات بعناوين طارئة مثل الحرج والضرر والاضطرار ـ وهنا الجهل ـ. على خلاف أصالة الإباحة الذاتيّة الّتي جعلت الأشياء بعناوينها الذاتيّة موردا للحكم بالإباحة. نعم حيث يسرى هذا الحكم إلى موارد الشبهة ، حسبما نبّهنا ، فعند ذلك تتساوقان. فتدبّر جيّدا.
__________________
ــ تسعة : الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطرّوا إليه والحسد والطيرة والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة».
(١) الإسراء ١٧ : ١٥.
(٢) التوبة ٩ : ١١٥.
(٣) الخصال : ٤١٧ / ٩.