بِالْهُدى) وذلك أنّ اليهود وجدوا نعت محمّد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في التوراة قبل أن يبعث فآمنوا به وظنّوا أنّه من ولد إسحاق عليهالسلام فلمّا بعث محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم من العرب من ولد إسماعيل عليهالسلام كفروا به حسدا ، واشتروا الضلالة بالهدى ، يقول : باعوا الهدى الّذي كانوا فيه من الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل أن يبعث ، بالضلالة الّتي دخلوا فيها بعد ما بعث ، من تكذيبهم بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فبئس التجارة! فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) من الضلالة (١).
[٢ / ٤٦٢] وقال أبو مسلم محمّد بن بحر الأصفهاني : المراد بالضلالة هنا : العذاب. وبالهدى : طريق الثواب. يبيّنه قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)(٢). (٣)
قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)
مثل ضربه الله ، يبيّن مدى تعسّف المنافق في حياته المظلمة التعسة ، إنّه يبتغي النور والخلاص ، ولكنّه نور ما يجده ـ وقد مهّده الله له ولكلّ مبتغي الهداية ، بفضل رحمته الواسعة ـ إذا هو يقوم بما يعاكس مبتغاه ، لفرط جهله وعتوّه واستكباره ، فإذا هو في غياهب التيه والضلالة ، لا يبصر شيئا ولا يهتدي إلى سبيل نجاة ، وذلك أنّه أصمّ أذنه وأبكم منطقه وأعمى بصره ، فتمادى في غيّه وضلاله ، فلا يمكنه بعد ذلك الرجوع إلى جادّة الهدى ووضح النور.
وإذا كانت الآذان والألسنة والعيون ، خلقت لتلقّي الأصداء والأضواء والاهتداء بمباهج الهدى والنور ، فهؤلاء قد عطّلوا آذانهم فهم «صمّ» وعطّلوا ألسنتهم فهم «بكم» وعطّلوا عيونهم فهم «عمي» ، فلا رجعة لهم إلى الحقّ. ولا أوبة لهم إلى الهدى ، ولا هداية لهم إلى النور.
ومن ثمّ فمثلهم كمثل من اتيحت له سبل السعادة وفي ضوء مشاعل وهّاجة ، ولكن من غير ما يمكنه الانتفاع بها والاستنارة بأنوارها. فذهبت عنه أدراج الرّياح. فلم يغتنم الفرصة المناحة وأضاعها بسوء تدبيره.
__________________
(١) تفسير مقاتل ١ : ١٦.
(٢) البقرة ٢ : ١٧٥.
(٣) أبو الفتوح ١ : ١٣١.