يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، والمحدّث بنعمة الله شاكر وتاركها كافر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب!» (١).
[٢ / ١٥٠٨] وقال الجبّائي : جعل تعريفه إيّاهم نعمه عهدا عليهم وميثاقا ، لأنّه يلزمهم القيام بما يأمرهم به من شكر هذه النعم كما يلزمهم الوفاء بالعهد والميثاق الّذي يأخذ عليهم! (٢).
قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)
[٢ / ١٥٠٩] قال مقاتل بن سليمان في قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) يعني اليهود ، وذلك أنّ الله عهد إليهم في التوراة أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وأن يؤمنوا بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبالنبيّين والكتاب فأخبر الله عنهم في المائدة فقال : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) يعني نصرتموهم (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً)(٣). فهذا الّذي قال الله : (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) الّذي عهدت إليكم في التوراة فإذا فعلتم ذلك (أُوفِ) لكم (بِعَهْدِكُمْ) يعني المغفرة والجنّة. فعاهدهم أن يوفي لهم بما قال : المغفرة والجنّة (٤) ، فكفروا بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعيسى عليهالسلام. فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فهذا وفاء الربّ ـ عزوجل ـ لهم (٥).
[٢ / ١٥١٠] وقال ابن عبّاس في قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) : هذا العهد ، هو : أنّ الله تعالى عهد إليهم في التوراة أنّه باعث نبيّا يقال له : محمّد ، فمن تبعه كان له أجران اثنان : أجر باتّباعه موسى وإيمانه بالتوراة ، وأجر باتّباعه محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وإيمانه بالقرآن ومن كفر به تكاملت أوزاره وكانت النار جزاءه فقال الله عزوجل : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) في اتّباع محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أدخلكم الجنّة (٦).
__________________
(١) الثعلبي ١ : ١٨٦ ؛ مسند أحمد ٤ : ٢٧٨ ، وفيه : والتحدّث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر ... ؛ الشكر لله ، لابن أبي الدنيا : ٩٥ / ٦٣ ، بلفظ : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «التحدّث بالنعم شكرها ، وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة والفرقة عذاب» ؛ مجمع الزوائد ٥ : ٢١٧ ـ ٢١٨.
(٢) التبيان ١ : ١٨٣ ؛ مجمع البيان ١ : ١٨٤.
(٣) المائدة ٥ : ١٢.
(٤) في تتمّة الآية : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ ...).
(٥) تفسير مقاتل ١ : ١٠٠ ـ ١٠١.
(٦) الوسيط ١ : ١٢٧.