قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
[٢ / ٢٩٣] روي عن الإمام العسكرى عليهالسلام : أنّه قال : «ثمّ أخبر عن جلالة هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات الشريفة فقال : (أُولئِكَ) ، أهل هذه الصفات ، (عَلى هُدىً) بيان وصواب (مِنْ رَبِّهِمْ) وعلم بما أمرهم به. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الناجون ممّا منه يوجلون ، الفائزون بما يؤمّلون.
قال : وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : يا أمير المؤمنين! إنّ بلالا كان يناظر اليوم فلانا ، فجعل يلحن في كلامه ، وفلان يعرب ويضحك من بلال!
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : يا عبد الله! إنّما يراد إعراب الكلام وتقويمه لتقويم الأعمال وتهذيبها ، ماذا ينفع فلانا إعرابه وتقويمه لكلامه ، إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن؟ وما يضرّ بلالا لحنه في كلامه ، إذا كانت أفعاله مقوّمة أحسن تقويم ، مهذّبة أحسن تهذيب؟» (١)
[٢ / ٢٩٤] وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) قال : أي على نور من ربّهم ، واستقامة على ما جاءهم به (٢).
[٢ / ٢٩٥] وعن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس في قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قال : أي الّذين أدركوا ما طلبوا ، ونجوا من شرّ ما منه هربوا (٣).
مسألة الهداية والتوفيق
لنا بحث عريض عن مسألة الهداية والتوفيق وعن مسألة الإضلال والخذلان ، عرضناهما بتفصيل عند الكلام عن المتشابهات (٤) نقتطف منهما طرائف هنا بالمناسبة.
الهداية ـ في أصلها ـ : الدلالة على الشيء ، كقوله تعالى : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ)(٥) ، أي دلّوهم عليه. غير أنّ أنحاء الدلالة تختلف حسب نوعيّتها ودرجتها في التأثير والإيصال إلى المطلوب. فمن دلّ غيره على طريق يؤدّي إلى مقصده فقد هداه ، كما أنّ الّذي يأخذ بيده ويوصله إلى مطلوبه أيضا هداه. وإن كان في النوع الأوّل قد يحتمل التيه والضلال ، أمّا الثاني فلا يكاد يحتمل الضلال بعد الحصول على المقصود.
__________________
(١) تفسير الإمام : ٩٠ ـ ٩١ / ٤٩.
(٢) الطبري ١ : ١٥٨ / ٢٤٣ ؛ ابن كثير ١ : ٤٧.
(٣) الطبري ١ : ١٥٨ / ٢٤٤.
(٤) في الجزء الثالث من التمهيد.
(٥) الصافات ٣٧ : ٢٣.