الملائكة قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يكون حجّة لي في أرضي على خلقي ، فقالت الملائكة : سبحانك (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) كما فسد بنو الجانّ ، ويسفكون الدماء كما سفك بنو الجانّ ، ويتحاسدون ويتباغضون ، فاجعل ذلك الخليفة منّا فإنّا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ، ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك!.
قال ـ عزوجل ـ : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) إنّي أريد أن أخلق خلقا بيدي وأجعل من ذرّيّته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين وأئمّة مهتدين ، وأجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم من عذابي ، ويهدونهم إلى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، وأجعلهم لي حجّة ، وعليهم عذرا ونذرا ، وأبين النسناس عن أرضي ، وأطهّرها منهم وأنقل مردة الجنّ العصاة عن بريّتي وخلقي وخيرتي ، وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض ولا يجاورون نسل خلقي ، وأجعل بين الجنّ وبين خلقي حجابا ، فلا يرى نسل خلقي الجنّ ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الّذين اصطفيتهم أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي. قال : فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ، قال : فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام ، قال : فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع ، فنظر الربّ ـ عزوجل ـ إليهم ونزلت الرحمة ، فوضع لهم البيت المعمور ، فقال : طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش ، فإنّه لي رضا ، فطافوا به ، وهو البيت الّذي يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا ، فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء ، ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض. فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)(١) ، قال : وكان ذلك من الله تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم ، قال : فاغترف ربّنا ـ عزوجل ـ غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات ، وكلتا يديه يمين ، فصلصلها في كفّه حتّى جمدت ، فقال لها : منك أخلق النبيّين والمرسلين وعبادي الصالحين ، والأئمّة المهتدين والدعاة إلى الجنّة وأتباعهم إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ، ولا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون.
ثمّ اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال لها : منك أخلق الجبّارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين ، والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم
__________________
(١) الحجر ١٥ : ٢٨ ـ ٢٩.