(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
جاء الوصف بصورة إجمال ، حيث المطلوب تشخيص الصورة في عمومها ، لا تسجيل واقعة بعينها. ومن ثمّ فالعهد المنقوض يتمثّل في عهود كثيرة تعود إلى ميثاق الفطرة والاستخلاف وتعليم الأسماء وإيداع ودائع الله والتزويد بإرسال الرسل وإنزال الشرائع وهكذا.
وعلى أثره فيقومون بقطع الأواصر والإفساد في الأرض ، وبالتالي تعود الخسارة إليهم بالذات ، حيث خسرت صفقتهم في الحياة (١).
كلام عن ضرب الأمثال في القرآن
ضرب المثل في القرآن يعدّ من روائع بيانه الحكيم ، حيث تقريبه للمعاني إلى الأذهان وتجسيده للمفاهيم بصورة عيان. وقد قيل قديما : المثال يقرّب المقال.
قال نظام الدين النيسابوري القمي : ونحن نرى أنّ الإنسان قد يذكر معنى فلا يلوح كما ينبغي ، فإذا ذكر المثال اتّضح وانكشف ، وذلك أنّ من طبع الخيال حبّ المحاكاة ، فإذا ذكر المعنى وحده أدركه العقل ولكن مع منازعة الخيال ، وإذا ذكر التشبيه معه أدركه العقل مع معاونة الخيال ، ولا شكّ أنّ الثاني يكون أكمل. وإذا كان التمثيل يفيد زيادة البيان والإيضاح ، وجب ذكره في الكتاب الّذي أنزل تبيانا لكلّ شيء (٢).
وقال الشيخ عبد القاهر الجرجاني : اتّفق العقلاء على أنّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو برزت هي باختصار في معرضه ، ونقلت عن صورها الأصليّة إلى صورة التمثيل ، كساها ابّهة ، وكسبها منقبة ، ورفع من أقدارها ، وشبّ من نارها ، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها ، ودعا القلوب إليها ، واستنار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفا ، وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفا.
__________________
(١) راجع : في ظلال القرآن ١ : ٥٨ ـ ٦١.
(٢) تفسير غرائب القرآن للنيشابوري بهامش الطبري ١ : ١٩٩ ـ ٢٠٠.