وأمّا التقديس
فهو : وصفه تعالى بالقداسة وهي الطهارة والنزاهة عن كلّ شائبة سوء ، فهو تعالى سبّوح قدّوس ، المنزّه عن كلّ وصمة شين. (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ)(١). (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ)(٢).
وهكذا كلّ شيء أو شخص انتسب إليه تعالى نسبة قريبة قربا قاب قوسين أو أدنى ، فهو قدّيس ، لأنّه نزل بساحة قدسه تعالى ، فهو مبرّأ عن الأدناس.
قال الراغب : التقديس التطهير الإلهي المراد به في قوله تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٣) دون التطهير الّذي هو إزالة النجاسة المحسوسة. وقوله تعالى : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)(٤) أي نطهّر الأشياء ارتساما لك (٥).
وقوله : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ)(٦) يعني به جبريل ، من حيث إنّه ينزل بالقدس من الله أي بما يطهّر به نفوسنا ، من القرآن والحكمة والفيض الإلهي.
قال : والبيت المقدّس هو المطهّر من النجاسة أي الشرك. وكذلك الأرض المقدّسة. قال تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(٧). (٨)
وكذلك (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ)(٩) قال الطبرسيّ : أي المبارك (١٠). لقوله تعالى : (الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها)(١١). (الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ)(١٢). قال : وقيل : المطهّر (١٣). أي من رجس الشرك.
قال الراغب : وحظيرة القدس ، قيل : الجنّة ، وقيل : الشريعة. وكلاهما صحيح ، فالشريعة حظيرة
__________________
(١) الحشر ٥٩ : ٢٣.
(٢) الجمعة ٦٢ : ١.
(٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.
(٤) البقرة ٢ : ٣٠.
(٥) وفي هذا الكلام إشارة لطيفة إلى طهارة الكون وما فيه ، حيث الجميع مظاهر لتجلّي نوره تعالى. (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) الزمر ٣٩ : ٦٩.
(٦) النحل ١٦ : ١٠٢.
(٧) المائدة ٥ : ٢١.
(٨) المفردات : ٣٩٦.
(٩) طه ٢٠ : ١٢.
(١٠) مجمع البيان ٧ : ١٣.
(١١) الأنبياء ٢١ : ٨١.
(١٢) الانبياء ٢١ : ٧١.
(١٣) مجمع البيان ٧ : ١٣.