من أطباق السماء شيئا ، فكيف يعرض عليهم دليلا على إتقان صنعه تعالى؟ (الآية في سورة نوح والخطاب عن لسانه موجّه إلى قومه).
وهكذا قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ)(١).
وقوله : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)(٢).
قلت : هذا بناء على تفسير الطباق بذات الطبقات.
هكذا فسّره المشهور : طباقا ، واحدة فوق اخرى كالقباب بعضها فوق بعض (٣).
لكنّ الطباق هو بمعنى الوفاق والتماثل في الصنع والإتقان ، بدليل تفسيره بقوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ). أي كلّها في الصنع والاستحكام متشاكل. وقد أشرب هنا معنى الالتحام والتلاصق التامّ بين أجزائها مرادا به الانسجام في الخلق. بدليل قوله تعالى : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي انشقاق وخلل وعدم انسجام. وكذا قوله : (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) أي منفرجات وخلآت توجب فصل بعضها عن بعض بحيث تضادّ النظم القائم. الأمر الّذي يستطيع كلّ إنسان ـ مهما كان مبلغه من العلم ـ من الوقوف عليه إذا تأمّل في النظم الساطي على السماوات والأرض.
٥ ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ)(٤)
(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ)(٥). (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً)(٦). أو هل تعني البروج هذه ما تصوّره الفلكيّون بشأن البروج الاثني عشر في أشكال رسموها لرصد النجوم؟
قلت : المعنيّ بالبروج هذه هي نفس النجوم ، تشبيها لها بالقصور الزاهية والحصون المنيعة الرفيعة ، بدليل عطف السراج ـ وهي الشمس الوهّاجة ـ والقمر المنير عليها. ولا صلة لها بالأشكال
__________________
(١) ق ٥٠ : ٦.
(٢) الملك ٦٧ : ٣.
(٣) راجع : مجمع البيان ١٠ : ٣٢٢ و ٣٦٣ ، ذيل الآية من سورة الملك والآية من سورة نوح ؛ وروح المعاني للآلوسي ، ٢٩ : ٦ و ٧٥ ؛ وتفسير المراغي ٢٩ : ٦ و ٨٥ ... وغيرها.
(٤) البروج ٨٥ : ١.
(٥) الحجر ١٥ : ١٦.
(٦) الفرقان ٢٥ : ٦١.