قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً)(١). وهذا الفرقان هي الحكمة الرشيدة الّتي يمنحها الله تعالى لمن يشاء (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(٢).
[٢ / ٩٢] وقد جعل الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام من حقائق القرآن ما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ، ولطف حسّه ، وصحّ تمييزه ، ممّن شرح الله صدره للإسلام (٣).
وهذا هو المعنيّ بقوله تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(٤). وصدق الله العظيم.
سمات المتقين الخمس
ثمّ أخذ ـ تعالى ـ في بيان سمات هؤلاء المتّقين ، الّذين هم وحدهم موضع الاهتداء بهدي القرآن الكريم ، والارتواء من منهل عذبه الرحيق. فذكر منها سمات خمسا ، هنّ الرؤوس والأسس لسائر الفضائل والمكرمات :
١ ـ الإيمان بالغيب
أولاها ـ وهو الركن الركين لسائر الأسس ـ الإيمان بالغيب. قال تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ، والغيب هنا مطلق. أي العقيدة بأنّ هناك وراء الشهود غيبا هو أرقى وأفسح ، وأن ليست الحياة محدودة بهذه الدنيا القصيرة المدى ، فيما زعمه القاصرون (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ)(٥).
فالّذي يرى من الحياة هي الفانية وأن ليس الموجود سوى المحسوس ، ما وراءه شيء ، فهذا لا يمكن التفاهم معه على أمر الوحي وشريعة السماء والكتاب والنبيّين والمبدأ والمعاد وغيرها من أمور هي فوق المادّة المحسوسة. فكيف يا ترى يمكنه ـ وهوناكر لوجوده تعالى ـ أن يراعي تقوى
__________________
(١) الأنفال ٨ : ٢٩.
(٢) البقرة ٢ : ٢٦٩.
(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٩٤ عن كتاب الاحتجاج للطبرسي ١ : ٣٧٦.
(٤) الواقعة ٥٦ : ٧٧ ـ ٧٩.
(٥) الجاثية ٤٥ : ٢٤.