رابعتها : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا)(١). وذلك أنّ كلّ مولود يولد على الفطرة ـ كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.
[٢ / ٨٥٤] وسئل الإمام الباقر عليهالسلام عن هذه الفطرة؟ قال : يعني المعرفة بأنّ الله ـ عزوجل ـ خالقهم. ثمّ تلا قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٢). قال عليهالسلام : «ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه» (٣).
والخامسة : ـ وهي القاطعة للعذر ـ أن بعث إليهم أنبياء وأنزل معهم الكتاب والحكمة وفصل الخطاب. (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(٤).
[٢ / ٨٥٥] وقال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : «فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكّروهم منسيّ نعمته ، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول» (٥).
ودعم الفطرة بإرسال الرسل وإنزال الشرائع والكتب ، كان قد وعد به الله منذ أن هبط الإنسان إلى الأرض ولمست رجلاه هذه البسيطة ، حيث أحسّ بالوحشة على أثر الوحدة ، كيف يعالج خضمّ الحياة ، وملؤها الأكدار والأقذار ، فوعده الله الحراسة والحمى في كنفه ، مادام لائذا به وعائذا بلطف كرمه.
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٦).
إذن فالمواطن لتوكيد ذلك الميثاق وفيرة ومتلاحقة عبر حياة الإنسان ، منذ أن فطر على الفطرة وبعد أن برز إلى الوجود وهكذا استمرّ عبر حياته حتّى يفارقها إلى دار البقاء ليلاقي ربّه وقد تمّت عليه الحجّة (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(٧).
قوله تعالى : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)
[٢ / ٨٥٦] قال شيخ الطائفة : قال قوم : أراد صلة رسوله وتصديقه ، فقطعوه بالتكذيب ، وهو قول
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٧٢.
(٢) لقمان ٣١ : ٢٥.
(٣) البحار ٣ : ٢٧٩ / ١١ عن توحيد الصدوق : ٣٣٠ / ٩.
(٤) النساء ٤ : ١٦٥.
(٥) نهج البلاغة ١ : ٢٣.
(٦) البقرة ٢ : ٣٨.
(٧) الأنعام ٦ : ١٤٩.