فلندع هذا الغيب إذن لصاحبه ، وحسبنا ما يقصّ لنا عنه ، بالقدر الّذي يصلح لنا في حياتنا ، ويصلح سرائرنا ومعاشنا. ولنأخذ من القصّة ما تشير إليه من حقائق كونيّة وإنسانيّة ، ومن تصوّر للوجود وارتباطاته ، ومن إيحاءات بطبيعة الإنسان وقيمته وموازينه. فذلك وحده أنفع للبشريّة وأهدى (١).
إيحاءات من قصّة آدم
ولسيّد قطب هنا ملاحظات عابرة وفي نفس الوقت جليلة استوحاها من قصّة آدم ، قصّة البشريّة الأولى :
يقول : «وفي اختصار يناسب ظلال القرآن سنحاول أن نمرّ بهذه الإيحاءات والتصوّرات والحقائق مرورا مجملا سريعا :
إنّ أبرز إيحاءات قصّة آدم ـ كما وردت في هذا الموضع ـ هو القيمة الكبرى الّتي يعطيها التصوّر الإسلامي للإنسان ولدوره في الأرض ، ولمكانه في نظام الوجود ، وللقيم الّتي يوزن بها. ثمّ لحقيقة ارتباطه بعهد الله ، وحقيقة هذا العهد الّذي قامت خلافته على أساسه.
وتتبدّى تلك القيمة الكبرى الّتي يعطيها التصوّر الإسلامي للإنسان في الإعلان العلوي الجليل في الملأ الأعلى الكريم ، أنّه مخلوق ليكون خليفة في الأرض ؛ كما تتبدّى في أمر الملائكة بالسجود له. وفي طرد إبليس الّذي استكبر وأبى ، وفي رعاية الله له أوّلا وأخيرا.
ومن هذه النظرة للإنسان تنبثق جملة اعتبارات ذات قيمة كبيرة في عالم التصوّر وفي عالم الواقع على السواء.
وأوّل اعتبار من هذه الاعتبارات هو أنّ الإنسان سيّد هذه الأرض ، ومن أجله خلق كلّ شيء فيها ـ كما تقدّم ذلك نصّا ـ فهو إذن أعزّ وأكرم وأغلى من كلّ شيء مادّي ، ومن كلّ قيمة مادّيّة في هذه الأرض جميعا. ولا يجوز إذن أن يستعبد أو يستذل لقاء توفير قيمة مادّيّة أو شيء مادّي. لا يجوز أن يعتدى على أيّ مقوّم من مقوّمات إنسانيّته الكريمة ، ولا أن تهدر أيّة قيمة من قيمه لقاء تحقيق أيّ كسب مادّي ، أو إنتاج أيّ شيء مادّي ، أو تكثير أيّ عنصر مادّي. فهذه المادّيّات كلّها
__________________
(١) المصدر : ٧٢ ـ ٧٣.